الرحلة إلى مصر والسودان والحبشه - ج ٢

أوليا چلبي

الرحلة إلى مصر والسودان والحبشه - ج ٢

المؤلف:

أوليا چلبي


المحقق: الدكتور محمّد حرب
المترجم: الدكتور حسين مجيب المصري وآخرون
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٤
الجزء ١ الجزء ٢

جوانبها الأربعة نقوش باللغة القبطية ، وفى ذروتها صورة فارس يمتطى جوادا وعلى رأسه العمامة المجوزة وفى ذلك إشارة إلى مقدم السلطان سليم إلى مصر.

وعلى الجوانب الأربعة لهذه المسلة نقوش وزخارف كنظيرتها الموجودة فى ميدان الفروسية باسطنبول.

وفى مدينة عين شمس هذه كثير من الطلاسم المعقدة والتى لا وجود لها فى أى بلد آخر ، ولم تفك رموز هذه الطلاسم إلى يومنا هذا ، وكل من بذلوا الجهد الجهيد لفك رموزها والوقوف على أسرارها دفنوا فيها.

وفى مجمل حديث مؤرخى مصر عن مدينة عين شمس امتدحوا قصرا كان بها فقالوا :

إن لهذا القصر مائة وثمانون نافذة وكانت الشمس إذا ما دخلته من إحدى نوافذه تجعل داخله منيرا ولذلك سموه «قصر عين شمس».

وفى رواية أخرى أن ثمة ملكة كانت تسمى «عين شمس» هى التى أقامت هذا القصر.

وعلى هذا القصر كانت تكمل الشمس مائة وثمانين منزلا وعندما تأتى إلى منزلها الأول تعود. وآثار أبنية هذا القصر ظاهرة إلى الآن ، وكان بها كذلك قلعة عظيمة لا تزال أسس جدرانها مائلة إلى يومنا هذا.

جبال الأهرام وهى من عجائب الغرائب

تقع جبال الأهرام فى قصبة الجيزة على بعد ساعتين من الساحل الغربى للنيل.

وهى ثلاثة جبال ، لا وجود لبناء أقدم منها على وجه الأرض ، ولا وجود لما هو أعلى منها فكأنها «جبال قاف».

إنها جبال غاية فى عظم أبنيتها ، وكل هرم منها صنم ، ويسمى الهرم الأول «جبل بلبهث» ، ويسمى الأوسط «جبل مهلوية» ، أما الأخير فيسمى «بجبل أبى الهول» وكم من آلاف الروايات والأقوال وردت فى شأن هذه الجبال التى هى من صنع بنى الإنسان ، فبعض المؤرخين يذهب إلى أن مشيدها هو «عاد بن شداد» ، والبعض الآخر يذهب إلى أن الملك «سوريد» هو الذى أقامها بإيعاز من الكهنة لتكون مقبرة له. وبعد الانتهاء من

٤١

بناء هذه الأهرام الثلاثة ملأها بكنوزه وخرائنه ، كما نقل إليها جميع كتب تعاليم سيدنا إدريس ، وجميع الأسلحة ووكل بها إلى بعض من يصنعون الطلاسم ، وغطاها بالحرير ، كما شيد كذلك مدينة عظيمة على شاطئ النيل ليسكنها سدنة هذه الأهرام.

وفى فصل الربيع من كل عام يأتى الناس من كل فج عيمق ويطوفون حول الأهرام كطواف المسلمين حول الكعبة.

أما ابن جلال فيقول : إن هذه الأهرام كانت تسمى فى اللغة القبطية «برابى» لأن أول من بناها هو «برابى بن درمشيل بن مخويل بن خنوخ بن قاين» لذلك سميت باسمه.

ومن الناس من يقول : إن ثمة ملكة كانت تسمى «دلوكه» كانت تحكم قبل فرعون وهى التى بنت الأهرام ، ولأن هذه الملكة كانت من الفراعنة سميت هذه الأهرام «جبال فرعون» ، ومع مرور الأزمان جاء ملوك من نسل هذه الملكة رمموا هذه الأهرام باعتبارها أبنية شيدتها جدتهم. ونفهم من ذلك أنه ربما تكون هذه الأهرام من بناء هذه الملكة المسماة «دلوكة».

والبعض يقول إنها من بناء «تدوره جادو» ودفن كهنة أشمون وأتريب وصاى مع تواريخهم داخل هذه الأهرام.

أما على ضوء ما ورد فى تاريخ «الشهابى» فإن أول من بنى هذه الأهرام هو الملك سوريد بن شهلوق بن شرباق بن توميدون بن تدرسان بن هوصال.

وثمة باب مطل على الناحية الشمالية للهرم الواقع فى الجهة الشمالية وبداخل هذا الباب وعلى الأحجار فى الناحية اليمنى نقوش باللغة العبرية جاء فيها :

(أنا بانى الأهرام وقد أتممت بناءها فى ستة أعوام ، أيستطيع من يجيئون من بعدى هدمها فى ستمائة عام والهدم أيسر من البناء. وقد غطيتها بالديباج ، أيستطيع الملوك من بعدى أن يكسوها بالحصير).

٤٢

وعند ما هبط الخليفة المأمون مصر قادما من بغداد عقد عزمه على أن يكشف عن كنز الأهرام وبذل الهمة طيلة سبعة أشهر ، فكوم حولها الحطب وأضرم فيه النار وسكب عليها الخل وضربها بأحجار المنجنيق الضخمة فهدم قدر عشرين ذراعا منها فعثر على جرة مرصعة بالزمرد بها ألف دينار من ذهب ، وكل دينار يزن أوقية ، كما عثر على حجر يضم نقوشا جاء فيها :

«يا من تتوق نفسك إلى فتح هذا القبر للكشف عما به من دفائن ، مهما بذلت من جهد جهيد وأنفقت من مالك الكثير لتحصل على المال الجزيل ومهما ازددت طمعا فسوف ترحل عن تلك الدنيا الفانية».

وحينما شاهد جند المأمون هذا الكلام (أصيبوا بخيبة الأمل) ، إذ إنهم بعد أن كابدوا شتى صنوف العناء طيلة سبعة أشهر فى هذه الصحراء المترامية الأطراف وأنفقوا من المال ما أنفقوا لم يعثروا إلا على ألف دينار من ذهب.

سبق أن أشرنا إلى باب فى الناحية الشمالية بداخله حجر كتب عليه :

«أيستطيع ملوك الأجيال التى تأتى من بعدى أن يكسوا الأهرام بالحصير» فخالها المأمون رموزا وأمر بها فكسوا نصفها بالحصير المصرى وعندئذ عصفت ريح صرصر عاتية أذرت برجاله وحصيرهم فى الهواء ، فوقع الجزع والهلع فى القلوب.

ونزولا على سداد رأى «حسين بن سهيل» وزير المأمون نفضوا أيديهم من هذا العمل ومضوا إلى حال سبيلهم.

وإلى الآن تبدو المواضع التى انهدمت فى عهد الخليفة المأمون. وعندما شرع يوسف صلاح الدين يجدد بناء قلعة القاهرة نزع الأحجار من جبال الأهرام وشيد بها قلعة مصر الداخلية والقلعة القبلية. وجاء من الحجارة التى نزعها من جبال الأهرام ومواضع الحجارة التى انتزعها ظاهرة للعيان إلى يومنا هذا.

ذكرت أن بانى الأهرام هو الملك «سوريد» وهو القائل «لقد بنيت هذه الأهرام فى ستة أعوام فهل يستطيع من يجىء بعدى من الملوك هدمها فى ستمائة عام» وإنى أفند زعمه فأقول إننى لو لغمت هذه الأهرام بمائة قنطار من البارود الأسود وستة صناديق من

٤٣

لغم قلعة قاندية فسوف تنسفها جميعا وتجعلها رأسا على عقب وفى تلك الساعة لن يبقى لها من قرار على وجه الأرض.

لكن فى الواقع إننى ما رأيت على وجه الأرض أبنية عظيمة مثلها ، ولله الحمد إنه فى عهد إبراهيم باشا بينما كنا نرعى خيولنا بجوار الأهرام لبثنا أكثر من خمسة أيام للراحة والاستحمام ثم مضينا إلى هناك عدة مرات للفرجة فبلغ منى العجب مبلغه وفى إحدى المرات اتفق أن كان معنا خمسة وأربعون رجلا من رجال الأمير أخور (أى بك الأصطبل) وبهلول أغا وغيرهم وأحضرنا معنا المشاعل والقناديل وقمنا بإزالة ما على الباب الشرقى للهرم الأكبر من رمال تراكمت وعندما دخلناه متعوذين باسم الله نظرت فى البوصلة والساعة ومشينا فى داخله سبعة أقدام ناحية الجنوب فى ممر واسع يعلوه عقود حجرية ترتفع عشرين ذراعا وكان اتساع الممر عشرة أذرع.

وعلى جانبيه عدة كهوف وقاعات وقباب من الحجر مزدانة بنقوش ذهبية وكأنها خرجت لتوها من يد «بهزاد» ، وكانت كل حجرة تغص بعظام وجماجم الآدميين وكل جمجمة منها تتسع لمائة كيلة من القمح ، وكم كان هناك من جماجم مختلفة الأحجام بين كبيرة وصغيرة لا يعلم عددها إلى الله.

وثمة عظمة رفيعة مكسوة بالجلد وهى بمقياس شبرى سبعون شبرا وغير ذلك عظام كثيرة وفى أحد هذه الكهوف العظيمة دفنت كثير من الجثث المحنطة وعدة مئات من الطيور المحنطة بطول سبعين قدما أو أكثر تنبعث منها رائحة كريهة قاتلة كرائحة زبل الغراب وجميعها معلقة من مناقيرها على الصخور. واصطدمت قناديل بعض الرجال بها فاحترقت أجنحتها وريشها فأصاب بعضها وجوهنا ، وفى تلك اللحظة تقهقر بعض رفاقنا بقناديلهم خوفا من أن ينالهم أذى ، ولكنى بقيت مع الخمسة والثلاثين رجلا وسرنا ساعة بكاملها ناحية القبلى بالاستعانة بالبوصلة فوصلنا إلى قاعات ـ غاية فى الفخامة والزخرف ، وفى كل منها جثث محنطة لآدميين منها الراقد ومنها الجالس وأطول هذه الجثث لأناس من رجال يوم القيامة وإلى جانب هذه الجثث حصير بال وليف النخيل المغطى بالرمال وتقدمنا من ذلك الموضع ما يقرب من خمسين قدما فى

٤٤

ارتفاع وانخفاض فوجدنا حوضا كبيرا ممتلئا بالماء الصافى وعلى الجوانب الأربعة لهذا الحوض جلست طيور مخيفة تخلع القلوب ببشاعتها تشبه العقبان والأوز وعندما رأتنا بسطت أجنحتها فسمعنا ما يشبه الرعد وكأنما سالت أدمغتنا من آذاننا وعرت الخفافيش ملابسنا وقال حملة المشاعل : إن المشاعل على وشك الإنطفاء وجملة القول أننا عندما شاهدنا أجنحة العقبان خلعت قلوبنا من الهول والفزع وما استطعنا أن نحرك أقدامنا بخطوة واتفقنا على العودة فهبت ريح عقيم من جانب هذه الطيور لها إيذاء ريح الشتاء قارصة البرد ، وقلنا كيف يكون مصيرنا إذا ما انطفأت مصابيحنا ومشاعلنا ، ولدى خروجنا إذا بنا نرى أن لكل خفاش من تلك الخفافيش فراشة فى حجم الحمامة كانت أجنحتها تصطدم بمشاعلنا ووجوهنا.

وعلى أية حال خرجنا ولدى عودتنا التقينا برفاقنا الذين فروا من قبل وجعلوا يهزأون بنا ويضحكون من وجوهنا الملطخة. ويعلم الله أننا خرجنا سالمين وقد بلغ بنا الجهد مبلغه وأنهكنا التعب والإعياء ، إلا أننا شاهدنا أشياء عجبا ولا يعلم أحد ما وراء هذا الحوض إلا الله. وهكذا شاهدنا الهرم الأكبر فما رأينا خزانة ولا كنزا وإنما رأينا جثثا محنطة دفينة.

إلا أن هذا الهرم طلسم ما فى ذلك شك أو ريب لأننا بهتنا عندما بلغنا هذا الحوض المذكور وعندما خرجنا من الهرم كان قد بلغ منا الإعياء مبلغه ولما تنسمنا الهواء دبت الروح فينا ـ لا يسر الله لنا دخوله ثانية ـ ، بعد ذلك تناولنا الفطور وشربنا القهوة فى خيامنا وطوفنا حول الأهرام الثلاثة.

ويبلغ كل هرم من الهرمين مائتى قدم طولا وعرضا وعلى هذا الحساب يكون محيط كل واحد منها ثمانمائة قدم وبعض الأحجار فى قمته يصل حجمها إلى مائتى باع.

وفى الجانب الشمالى من الهرم الأكبر الباب الذى دخلنا منه ، أما أبواب الأهرام الأخرى فغير ظاهرة. إلا أن هرم أبى الهول غاية فى صغر حجمه إلا أن كلا من الهرمين الآخرين يناطح الفلك. إنها جبال مخروطية الرأس وقد تسلقت الهرم الذى دخلته إلى قمته فكانت ميدانا يتسع لإقامة خيمة ذات عشرة خزائن. وفى بعض الثقوب

٤٥

الموجودة فى الأحجار عثرت على أوكار الشواهين والصقور والحمام والحدأة ، وبدت القاهرة كلها تحتى. إنها جبال عالية إلى هذا الحد البعيد.

وحول هذه الأهرام العديد من الأبنية المطلسمة مبنية بالحجر الأسود وإذا ما ذكرت أوصافها لمسّت الحاجة إلى كتابة مجلد بتمامه.

تتمة الحديث عن الأهرام

عند ما ذهب المبعوث الذى أرسله المقوقس إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم شرف بالدخول فى الإسلام وهذا المبعوث هو «ذو النون المصرى» الذى ولد فى شرق إخميم بالصعيد العالى وكان فريد دهره فى فصاحته وإبانته ، وبعد أن فتحت مصر دخل ذو النون هذا الأهرام بإذن من عمرو بن العاص وقرأ ما بداخلها من نقوش عجيبة وترجمها إلى اللغة العربية وهذه النقوش هى :

احذر العبيد المعتقين

والأحداث والجند المتعبدين

والنبط المستعربين

ونص آخر جاء فيه :

يقدر المقدور

والقضاء يضحك

أما الهرم الأصغر الذى بناه «قليمون الحكيم» قبل الطوفان ففيه بيت مكتوب هو :

تدبر بالنجوم ولست تدرى

ورب النجم يفعل ما يريد

ذكر عجائب الأشكال الطلسمية لأبى الهول

والذى يسمى فى العبرية «بلميب»

رأس كبير من حجر أبيض فى حجم قبة الحمام ، يقع كذلك فى الناحية الشرقية من الهرم الأصغر. ولا وجود لمعالم أخرى لجسم التمثال بخلاف الرأس والجزء الذى خلف الرقبة. فهذا التمثال عبارة عن رأس ليس إلا ، ولهذه الرأس وجه متجه نحو الشرق وحاجب وعين وأسنان وأذن وشفتان وعنق. وهى تتسع لمجلس مائة رجل.

٤٦

وقد صنع هذا التمثال أحد عباقرة السلف ، وقد صنع بضربات فأسه هذا الرأس وكأن له روحا وكان هذا الرأس يبتسم ، وأظهر الصانع ذوائب هذا الرأس وكأنه عمل السحر المعجز واستعرض مهارته وبراعته فى ذلك.

وفى الزمان الخالى كان هذا الرأس يتجاذب أطراف الحديث مع الغادى والرائح ، فقد كان طلسما. فكان يستنبط الأسرار والغيبيات فيتنبأ بمن سوف يعتلى عرش مصر ووقوع القحط والغلاء وتفشى الطاعون وسقوط المطر واحتباسه ومقدار فيضان النيل وعدم فيضانه وما يحدث وما لا يحدث وكل الغيبيات الخمس.

وعندما ترامت إلى سيدنا موسى الأخبار عن مكاشفة أبى الهول للأسرار الغيبية جاء إليه ـ عليه‌السلام ـ وبعد حوار طويل قال سيدنا موسى عليه‌السلام لأبى الهول :

إنك قادر على نطق كل الكلام ، فأمن بحق رسول الله ، فقال أبو الهول :

إننى لا أومن إلا بإدريس ـ عليه‌السلام ـ وعندئذ دخل موسى غضب لا مزيد عليه فانهال عليه ضربا بعصا فى يده محطما أنفه وفاه ، وقال له : اسكت يا ملعون. ومضى وإلى الآن منذ عهد سيدنا موسى لم يتكلم أبو الهول ، كما أن أنفه وفمه محطمان من ضربات عصاه.

إنه أثر عجيب من صنع الإنسان ، وفى رواية أخرى أنه من صنع السحرة.

لكن الناس يقولون : إن امرأة سرق منها مال كثير ، فسألت هذه المرأة أبا الهول قائلة : من سرق مالى؟ فقال : إن فلانا هو الذى سرقه ، فانطلقت المرأة فى الحال إلى القاضى وكبس بيت الرجل ؛ فوجدوا أموالها غير منقوصة ، فمضى الرجل السارق إلى أبى الهول وصعد رأسه وتغوط عليها ، فبطل أثر الطلسم منذ ذلك الحين وسكت عن الكلام.

إلا أن رواية موسى ـ عليه‌السلام ـ صحيحة ، إذ كان من أولى العزم وبمعجزة ضرباته أصابه البكم والصمم. وأبو الهول الآن رأس يأتى الناس لمشاهدتها.

وعلى مقربة من رأس أبى الهول موضع آخر يستحق المشاهدة. إنه باب دير قد سد بالرمال والغثاء ، ولكن فى العقد الذى يعلو يمنة بابه العديد من النقوش المحفورة على

٤٧

الرخام. وعلى الرغم من براعتى فى قراءة شتى الخطوط إلا أننى لم أر خطا يشبه هذا فكان من المحال قراءة حرف من حروفها.

طلسم أبى الهول

جاء فى تاريخ ابن جلال أنه عام ٧٨١ كان هناك من يسمى «محمد الصوفى» يسكن خانقاه الصلاحية وكان شخصا متعصبا إلى حد جد بعيد ، زاد فى تحطيم أنف وفم أبى الهول مدعيا أنه صنم وقد فعل ذلك دون مراجعة القاضى والاستئذان منه واتفق أن عصفت ريح شديدة فى هذا اليوم فغمرت مزارع الجيزة بالرمال واستحال زراعة الغلال والبرسيم ، فمضى أهل الجيزة بمحمد الصوفى هذا إلى القاضى ، وصاحوا قائلين : إنه غمر مدينتنا بالرمال ، وعندما استجوب محمد الصوفى قال : لقد نهيت عن المنكر.

وما أن سمع الأهالى ذلك منه حتى مزقوه كل ممزق ودفنوه إلى جوار أبى الهول.

وإلى يومنا هذا من أتى لمشاهدة أبى الهول رجم قبر هذا الصوفى الضال.

نعم الله على مصر

لا وجود للجراد قط فى أرض مصر ، وإذا ما جاءها من بلد آخر هلك ، حتى إنه فى عهده (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) أصاب الجراد مكة والمدينة ، وأخطر الصحابة النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) بما أصابهم ورغبوا إليه بأن يدفع عنهم شرّ هذا الجراد ، فبسط صلى‌الله‌عليه‌وسلم يده ودعا الله قائلا : اللهم ادفع هذا الجراد إلى كنانتك مصر. فقال الصحابة (رضوان الله عليهم) : يا رسول الله إن خيرات مكة والمدينة تأتى من مصر ، فإذا بلغ الجراد مصر وأتى على محاصيلها وقع القحط والغلاء. فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن مصر فى حمى الله فإذا ما نظر إليها أحد بعين الازدراء والتحقير وظلمها وعاث فيها فسادا هلك.

وهذا واقع لا مراء فيه ، فإلى الآن لا وجود للجراد فى مصر لأنه إذا بلغها هلك وللجامع الأزهر طلاسم تمنع دخول الحمام والذباب والأفاعى والحيات وغيرها من الهوام ، ومفعول تلك الطلاسم مستمر إلى الآن.

٤٨

 ـ طلسم آخر (السفينة الحجرية):

ثمة قلعة عتيقة تقع داخل قلعة الكبش بمدينة القاهرة ، بالقرب منها زاوية السلطان «جاولى» وأسفل سلم هذه التكية حوض من الرخام الأخضر قطعة واحدة وهو مستطيل الشكل يشبه السفينة. وفى الزمان الخالى كان يركب هذه السفينة الحجرية أربعة أشخاص يعبرون فيها النيل ذهابا وإيابا ، وإذا ما ركب فيها خمسة غرقت وقد جعل لها الكهنة القدماء طلاسما على هذا الأساس ، وقد عرف الناس طبيعة هذه السفينة فكانوا يخافون ركوب أكثر من أربعة فيها ، وكان من يركبونها يمضون فى سرعة البرق الخاطف.

وإلى عهد «كافور الإخشيدى» كانت تلك السفينة تغدو وتروح فى النيل فى طرفة العين. وذات يوم عندما علم كافور الإخشيدى أن هذه السفينة من الحجر والحجر من طبيعته أن يرسب فى الماء فصاح قائلا : كيف إذن لسفينة من الحجر أن تغدو وتروح منذ مئات السنين فى النيل وهى تحمل أربعة رجال ما السر فى ذلك يا ترى؟

فأمر رجاله بشد السفينة من النيل إلى اليابسة فشاهد طلسما أسفل هذه السفينة وكان عبارة عن سطر باللغة العبرية وصورة سمكة وصورة شعير ولا شىء سوى هذا فاستدعى جميع علماء مصر فما استطاعوا فك رموز هذا الخط. ثم أعادوا السفينة الحجرية إلى شاطئ النيل وركب فيها أربعة أشخاص ودفعوا بها فى النيل فغرقت بمن بها. وربما تكون غرقت بسبب بطلان تأثير طلسمها عند ما أخرجوها إلى اليابسة أو أن يكون أحد قد تعلق نظره بها فحسدها.

وهذه السفينة الحجرية المذكورة موجودة إلى الآن أسفل سلم زاوية السلطان الجاولى وهى حوض مملوء بالماء الزلال ليل نهار وتشرب منه دواب الغادى والرائح ، ومع ذلك يظل ممتلئا ، ولا يعلم من أين يأتى ماؤه. ولوقوع هذا الحوش على الطريق الرئيسى لبولاق فهو يسترعى نظر المارة. وعلى الجوانب الأربعة لهذا القارب كتب ترتيب ديوان سيدنا سليمان ـ عليه‌السلام ـ وكتب أسماء كل ذى روح من إنس وجن وحيوان وطير وكأن هذا الخط خط بهزاد وشاه قولى. إنه ديوان يستحق المشاهدة يخلب لب من

٤٩

يشاهده ، ويتسع لعقد مائة ديوان فى آن واحد. وحكم الإنس والجن والوحش والطير لم يدم لسليمان. تلك هى الدنيا التى لا تدع شيئا إلا ما سوى إلا ما سوى الله. اللهم يسر.

من خواص أحجار مصر

ثمة حجر لامع يضرب لونه إلى الحمرة يوجد فى الجبل الأخضر بمصر ، إذا ما وضع هذا الحجر فى أفران الخبز أكسب الخبز حمرة وعجل بنضجه. إلا أننى لم أشاهد ذلك ولكن نقلت ذلك عن بدو البهيجة وحنادى عندما ذهبت لتسجيل أسماء حجاج المغرب بتكليف من إبراهيم باشا فى حوش عيسى ، كما قالوا إنه يوجد كذلك لدينا فى «عز الدين».

طلاسم أم القياس

على الجوانب الأربعة لحوض أم القياس خط غريب عجيب بتأثيره ما إن يحل شهر «توت» القبطى إلا وتسقط النقطة فى بداية هذا الشهر ويفيض النيل.

ـ طلسم آخر :

أقام سيدى الشيخ البطرانى هيكل تمساح فى حوض أم القياس ورسم على صدر هذا التمثال طلسما ، ومنذئذ لا تمر التماسيح من أم القياس ، وإذا ما مر تمساح مع فيضان النيل انقلب على ظهره ونفق. وفى تلك الأماكن يبتلع التمساح من خوفه الحجارة فيثقل إلى أن يمضى فيضان النيل وتصفو مياهه ويهبط التمساح إلى قاع النيل ويعيش على الطين طيلة ثلاثة أشهر ثم يعود من أم القياس وينجو بذلك من الطلسم.

من تنبؤات المنجمين

ثمة دير عظيم عند باب القصر بمدينة القاهرة ، وهو الآن مدرسة ، وصنع كهنة السلف فى هذا الدير وجها من النحاس عليه نقاب مذهب ، ونبى آخر الزمان يكون صاحب هذا الوجه وسيكون لأمته ملك مصر يقيمون فيها العدل ، ومن سيفتحها من الرجال بعده صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام ١٨ هو عمرو بن العاص وزير الفاروق عمر بن الخطاب هذا ما ورد ذكره على الرخام الأبيض لصورة شخص ذى خرقة صفراء فوق جمل أبيض وعلى صورة سيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتب على الرخام الأبيض آية من الإنجيل باللغة اليونانية معناها هو :

٥٠

أن هذا الرجل من أبناء آزر وهو نبى واسمه محمد يملك الدنيا والآخرة.

ولكن عندما حاصر عمرو بن العاص مصر طمس النصارى صورة سيدنا عمر المنقوشة على الرخام.

طلاسم القلعة الداخلية

فى قاعة ديوان قلاوون بالقلعة الداخلية ثمانية وأربعون عمودا ينتهى كل منها بطلسم عظيم وقد سبق ذكر ذلك فى مجمل حديثنا عن أوصاف القلعة الداخلية.

وفى مصر مئات الآلاف من العجائب والغرائب رأيت منها مئات تخلب لب من يشاهدها والله أعلم.

ذكر ما فى مصر من أطعمة وأشربة ونباتات

وثمار لا وجود لها فى بلاد الترك

فى مصر سبعة عشر نوعا من التمر لا وجود لها فى بغداد ولا البصرة ولا الإحساء فهى لا وجود لها إلا فى مصر وحدها وهى غاية فى لذة الطعم.

النوع الأول : وهو التمر الأبيض ومنه ثلاثة أنواع ، منها نوع مستطيل يشبه تمر بغداد ذى النواة وهو كالسكر وهو كذلك رطب يذوب فى حنك الإنسان.

النوع الثانى : وهو أقصر منه ونواته فى حجم حبة القمح وهو كذلك رطب مثل ثمار المشمش.

والنوع الثالث : أبيض عادى تنبعث منه رائحة المسك.

إلا أن هذه الأنواع الثلاثة من التمر تجف من شدة الحر ، ولا تحتمل النقل من بلد إلى آخر لأنها طازجة رطبة ، تباع رطبة طازجة ولكن لا تباع على النطاق الأوسع.

وهناك «التمر الأصفر» وهو كذلك له أنواع وهو غاية فى لذة طعمه وهو لا يجف طالما كان نظيفا ويباع طازجا.

وهناك كذلك «التمر الأحمر» وله أنواع خمسة منها نوع بلدى وهو تمر نظيف لطيف يرتوى بماء النيل فى مدينة القاهرة ومنه ما يسمى السلوانى والمدنى والحموى والشامى والبستانى والرطب منه غاية فى اللذة وهو مقو. وعلاوة على هذه الأنواع هناك نوع

٥١

بنفسجى اللون ينضج فوق نخيله فيصبح مثل «المصطكا» وهو غاية فى اللذة.

و «التمر الأسود» ثلاثة أنواع ، منها نوع جاف ثماره كالحصى ، يضعونه فى جلود الإبل ليحمل إلى القاهرة وغيرها من البلاد ، ولو ترك فى موضع خمس سنوات لما فسد ولا تستطيع الفأرة أن تأكله. وفى البلاد الأخرى ينقع فى الماء ويؤكل فهو غاية فى اليبوسة.

وهناك نوع من التمر هو «التمر الصعيدى» ومنه نحو عشرة أنواع. كما أن التمر الأسوانى لذيذ الطعم. وفى مناطق أسوان والشلال هناك «تمر العاص» ونخلاته تنمو من نواة واحدة حتى تناطح السحاب ، وتمر العاص هذا ينفرق عذقا عذقا ، وأوراقه مفلطحة وثمرته تزن سبعين درهما أو مائة وهى فى حجم قبضة اليد ، ونواته مفرغة يضعون فيها الفلفل ، وثماره ليست لذيذة الطعم يأكلها الفلاحون ، ويملأون زنابيلهم بتمر «الطين» ويحملونها من ولاية إلى ولاية.

وهناك «التمر القدرى» وهو نوع من التمر يشبه التمر «العقيق اليمنى» وهذا النوع صغير الحجم ، لذيذ الطعم إل أبعد حد ، ويصدر بكميات ضخمة فى زنابيل إلى اسطنبول وسلانيك وغيرها من البلاد.

ونوع آخر من التمر يسمى «التمر البرلسى» وهو تمر أحمر اللون كبير الحجم مستدير الشكل لا يقبل الناس على أكله ، وهو رطب يضعونه فى الجرار ويصنع منه «الكامخ» فيصبح غاية فى لذة الطعم ، ويفصلون حامضه عن طازجه ويصنعون منه الخل.

والخل يصنع كذلك من جميع التمور إلا أن الخل المصنوع من هذا النوع غاية فى الجودة.

كامخ البصل

ورائحة كامخ البصل فى مصر تكاد تقضى على الإنسان ، إلا أنه يفيد الفلاحين كثيرا فهو طارد للبلغم.

٥٢

الجبن القديم

يضعون الجبن فى الملح ويظل فى الجرة خمسة أشهر أو أكثر وعندما تفتح هذه الجرة تنبعث منها رائحة إذا ما شمها تركى تعلق بأذيال الفرار فهى رائحة تكاد تكون قائلة. أما العرب فيحضرون جرار الجبن القديم ويقطعون الخبز ويضعونه فى ماء الجبن وفيه الديدان وكأنها «خشاف» ويضعون فيه الديدان المسلوقة ويأكلونه ويدعو بعضهم بعض إلى هذا الطعام.

الليمون (ترياق السموم)

إنه ليمون صغير مستدير أصفر ، إلا أنه مملوء بالماء الصافى ، وتباع المائة ليمونة منه بپاره واحدة ، إلا أنه ترياق للسم وينقذ حياة المسموم.

الليمون الحامض

وهو كذلك موفور فى مصر ، ويأتى على مصر أحد العاملين فى مصنع الحلوى بالأستانة لعصر كميات من هذا الليمون وصنع مئات الزجاجات من الشراب الممسك للسلطان.

وهناك «النارنج» إلا أنه حامض ، والليمون الحلو كثير ، وهناك التين والرمان وسبعة أنواع من العنب والخوخ والمشمش ، ولا وجود للمشمش «اللوزى» وهناك البرقوق والزيتون إلا أنهما قليلان ، وتأتى الكمثرى والسفرجل بكميات ضخمة من الفيوم. وتأتى السفن من طور سيناء إلى السويس محملة بالتفاح والكمثرى والسفرجل وتحملها الجمال إلى القاهرة لأن التفاح فيها قليل ، أما الموز فموفور ، أما الجميز فهو وفير جدا ولا تنمو ثمرته على الأغصان وإنما على الجذع الضخم ، إنها شجرة عجيبة ، لها ثمرة تشبه ثمرة التين ، والأبيض والأصفر والأحمر منها غاية فى لذة الطعم ، وإن كانت تبدو فى هيئتها كأنها ثمرة تين إلا أن داخلها مفرغ ولا بذرة فيها. وتنمو المائتان والثلاثمائة من شجرة فى موضع واحد ، ويباع محصول مائة شجرة بپارة واحدة. وهو فى جنبه مشقة يصعد الناس شجرة بسلم قبل أن ينضج ويختنون كل ثمرة بسكين فتنضج الثمرة لذيذة الطعم وإذا لم تختن الثمرة فهى لن تكون لذيذة. إنها ثمرة لها رائحة المسك ، سهلة الهضم ومقوية.

٥٣

ولكى لا يأكل العصفور هذه الثمار يحيطون الجذوع المثمرة بشبكة صيد فتأمن من الطيور ، وظل هذه الشجرة بقعة طيبة النسيم لا تنفذ إليها حرارة الشمس ومن استراح فى ظلها شعر بالنشاط وكأنه لم ينم.

فاكهة النبق

فى حجم ولذة ثمرة ال «الج» فى تركيا ، إلا أن الثانية داخلها ست بذور فى حين أن فى النبق بذرة واحدة ، وهى تنمو فى موسم الشتاء وثمرة فى حجم ثمرة الجوز ، ومنها الأحمر والأصفر والوردى ، وهى شجرة مرتفعة تعمر طويلا وفى تكية «منصور الأنصارى» بمصر القديمة شجرة نبق سامقة عمرت ألف عام وتؤتى أكلها فى كل وقت نواة النبق كنواة الكرز ولذلك يسمون كرزنا النبق وطبيعته قابضة.

فاكهة ( ) (١)

إنها فاكهة عجيبة فى لذة تمر طرابيزون فى بلاد الترك ولكنها لزجة فى فم الإنسان كأنها الغراء ، إلا أنه لذيذ مقو وأشجاره سامقة.

الخيار شنبه

أشجارها تشبه شجر الجوز وأوراقها كذلك تشبه أوراقه ، وله أزهار صفراء.

ثمارها طويلة كالسوط يبلغ طولها ذراعا أو ذراعين ، وهى تشبه الثعبان فى طولها وفى أول نموها تكون خضراء وعند نضجها يسود لونها وبداخلها عقد من العسل الأسود.

يضيفها الأطباء إلى المعاجين ، فهى ملينة ، كما يصنع منها المربى وبعض الأدوية الجيدة. وعند ما تكون الثمرة ما زالت زهرة صفراء يصنعون منها الخميرة والمربى. إنها فاكهة مفضلة لدى العوام من الناس وخواصهم. إلا أن كل أشجارها تحتكرها الحكومة وأصحابها لا يستطيعون قطف ثمرة من ثمارها فهى أمانة عندهم للحكومة وتدفع لأصحابها أقجة واحدة على السبعة عشر حملا منها ، وثمارها تحت تصرف الحكومة ، وتصدرها لملوك الأستانة ، وتحصى ثمارها ثمرة ثمرة وهى ما زالت فوق أشجارها ويقيد ذلك فى دفاتر حتى إذا ما نقصت منها ثمرة غرّم صاحب البستان.

__________________

(١) بياض فى الأصل.

٥٤

شجرة السرو

وهو فى مصر كثير ، كما توجد شجرة «دلب الفسدق» وهى موجودة فى حديقة «نقيب الأشراف» ، وشجرة «الصنوبر» وهى كذلك موجودة فى حديقة نقيب الأشراف ولا وجود لسواها.

شجرة الجوز

شجرة فى حقل نذير أغا فى عمق قلعة الكبش ولا وجود لسواها ولكنها تكثر فى مدينة الفيوم.

شجرة السبحة

قريبة الشبه من شجرة الجوز إلا أن أوراقها صغيرة ، تنمو على غصونها التى تشبه السبحة. وتثقب ثمارها عندما تنضج وتصنع منها السبح ، ومن يشاهدها يعجب لإبداع الخالق قائلا : سبحان الله الذى خلق هذه الشجرة المستديرة التى تصنع منها السبح لذكر اسمه.

شجرة السنط

أشجار سامقة فى غلظ رجلين ، أوراقها كأوراق شجرة الكرز إلا أنها لا تؤتى ثمارا. تصنع السفن من خشبها وتحرق وقودا ، ولا رماد لها ، وجمارها حمر. إنها شجرة صلبة ، تستخدم أوراقها لعلاج الإسهال ، فتدق فى الهاون وتخلط بالعسل وإذا ما تناول شخص خمسة دراهم من هذا الخليط على الريق شفى من الإسهال.

وأخشابها غاية فى الصلابة حيث تصنع منها سفن تعمر مائة عام فى البحار. وبعض الأبنية العتيقة التى مضى على بنائها ألف عام أو أكثر أسسها من هذا الخشب. ومن ثم لا وجود لأشجار فى صلابة السنط والبقس ، ومن الناس من يسميها «أشجار العالم الجديد» ، إلا أن جو مصر يغير لونها.

شجرة الساج

ليست شجرة كبيرة ، أوراقها كأوراق شجرة الكرز وهى دائمة الخضرة ، تكثر على ضفاف النيل وهو شجر يقبل أهل مصر على زراعته ، إلا أنه لا يؤتى ثمارا.

٥٥

شجرة الحناء

شجرة فى حجم شجرة البرقوق التى فى بلاد الترك ، ولها نوع خاص من النّور زكىّ الرائحة ، ويقدمها البستانيون هدية إلى الأعيان ، ولكن ليس لها ثمار ، إلا أن رائحتها تهب الروح. وهى ليست الحناء التى تستعملها النساء.

شجرة الحناء (حناء يد وقدم النساء)

تكثر فى مدينتى بلبيس والقرين ، إنها أشجار قصار ، ترتوى على الدوام بماء السواقى ويجمعها النساء والأطفال فى موسم حصادها يقطفون أوراقها وتطحنها الطواحين وتصنع منها الحناء فتصبح فى لون الياقوت الأحمر. وكنت أسرّ عند ما أشاهدها فى كعب العجائز من نسائنا.

شجرة الصفصاف

وهى كثيرة ، وأوراقها مفيدة لمرضى اليرقان ، فتسحق أوراقها فى هواوين خشبية لاستخلاص مائها ، وإذا شرب مريض منه كأسا فى ليلة مقمرة شفى من اليرقان فى الصباح.

شجر الحور

يوجد فى البساتين هنا وهناك.

وشجر «العلك الأسود» منتشر هنا وهناك كذلك.

شجر التوت

وثماره منها الأبيض والبنفسجى والأسود الحامض ، إلا أن أشجار التوت المحيطة بقصر ذى الفقار بك أمير الحج على ضفة بركة الفيل لا نظير لها فى الدنيا ، بأسرها وجذعها فى غلظ أربعة أشخاص وأغصانها تظل ما حول القصر وتحت جميع أغصانها أكثر من أربعين عمودا وظلالها كأنها قاعة ديوان عظيمة. وعلى مصطبة تلك الحديقة مكان يتسع لتناول ألفين طعامهم. وثمارها لذيذة الطعم كأنها اللؤلؤ ، وهى غزيرة العصير.

ومجمل القول أنه لا وجود لمثل ثمار هذه الحديقة فى الدنيا.

٥٦

شجر الآس

إنه كثير إلا أنه لا يثمر كآس حلب.

شجر (اتله)

أوراقها كأوراق شجرة السرو إلا أن خشبها ليس مثقوبا كخشب السرو ، كما أنها كذلك لا تثمر ، ويستخدم خشبها فى أعمال البناء ، كما تستخدم حطبا.

شجر التمر الهندى

ينتشر هنا وهناك فى الحدائق ، وهو يثمر.

شجر الجميز

ذكر آنفا.

شجرة السيسبان

إنه نوع من الأشجار الصغيرة التى لا تعمر طويلا ، يزرع حول حقول قصب السكر ، ولنّورته رائحة إذا ما شمها الفأر أو ابن عرس لم يدخل حقل القصب ليأكله ، ويضاف فحم هذه الشجرة إلى البارود.

وكم من أشجار أخرى توجد فى مصر إلا أن الكلام بذكرها يطول ، لذا اكتفينا بذكر ما سلف من أشجار.

* * *

٥٧

الفصل السابع والخمسين

ذكر النباتات المأكولة فى أرض مصر

ـ الموز :

شجر عجيب ، إذا قلت إنه شجر فليس بشجر ، لكن طوله كطول الشجر ، يطول فى كل عام بمقدار قامة شخصين ، وجذعه فى غلظ الرجل ، وداخله مملوء بالماء ، وهو يطرد ماء الاستسقاء على نحو ما قيل عنه. وأوراقه فى حجم اللحف والبسط وتشبه الأعلام الخضر وبين أوراقه إلى ذروته عناقيد الموز ، وفى كل عنقود ما يقرب من مائتى ثمرة منضدة بعضها فوق بعض وعندما ينضج يصبح وكأنه قطعة من الماس وعندئذ يقطف للأكل ويكون الموز أخضر فى بداية نموه. وعلى الرغم من أنه قريب الشبه من الباذنجان إلا أن ليس به بذور ، بل إن ثمرته ممتلئة بالمعجون وهو مقو ، وقشرته تسلخ من أعلى ، وإذا ما أكل مع السكر كان أكثر لذة فى طعمه. وإذا ما تناول منه الإنسان خمس ثمرات أصبح فى غنى عن أكل اللحم وهو مشبع سهل الهضم ، وثمرته غنية بمنافعها فهى تقوى البدن وتزيد من المنى وتقوى الإبصار.

ويقال إنها خلقت كرامة لسيدنا أويس (١) رضى الله عنه فعندما استشهد السّنّة الشريفة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى غزوة أحد ، وتناهى إلى سمع أويس ذلك الخبر قام بخلع أسنانه الاثنين والثلاثين محبة فى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يقول : أهذه السّنّة التى استشهدت أم تلك وعندما طرح أسنانه على الأرض نبتت هذه الأسنان موزا بقدرة الله تعالى وانتشر الموز من اليمن إلى سائر البلدان الأخرى.

__________________

(١) هو أويس القرنى خير التابعين كان برّا بأمه ، مؤثرا للعزلة وخمول الذكر يستخفى من الناس حتى لا يعرفوا حاله مع الله وكان ـ رحمه‌الله ـ مجاب الدعوة ، أمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عمر ـ رضى الله عنه ـ إذا لقيه أن يستغفر له ، فلما لقيه عمر فى خلافته ذكر له ما كان من قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاستغفر له. والخبر فى صحيح مسلم ، كتاب الفضائل (١٠١) باب من فضائل أويس القرنى رضى الله عنه. والحكاية الواردة هنا عن أويس وإن لم تكن مستبعدة فى حق من يأخذه الحزن لفقد عزيز ؛ فقد حلقت الخنساء شعرها حزنا وكمدا على أخيها ، فما بالنا والأمر متعلق بالحبيب صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا أن هذا قد يكون من قبيل كلام القصاص ؛ فإنه لم يلق النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو فى عداد التابعين ولم يدرك أحدا.

٥٨

هذا ما رواه علماء اليمن وأجمعوا عليه.

إلا أن شجرة الموز تنبت من الأرض كقصب السكر وتثمر مرة واحدة ثم تقطع ، هكذا خلقت. وتكثر أشجار الموز فى بيروت ، تحتكرها الحكومة ولها ناظر خاص ، كما أنه يكثر فى دمياط والقاهرة.

ـ الخيار :

يزرع بكثرة ولكن تمس الحاجة إلى استيراد بذوره من الشام كل عام ، لأن بذور الخيار التى نمت فى مصر السنة الماضية أثمرت عجورا ، ولذلك تستورد بذور الخيار من الشام فى كل عام.

ـ العجّور :

يشبه الخيار كذلك ولكن ثمرته عوجاء.

ـ القثاء :

وهى كذلك أحد أنواع الخيار ، وهى مرطبة ، وقد ورد ذكرها فى القرآن الكريم.

ـ البطيخ الأصفر :

أى الشمام ، هناك سبعة أنواع منه فى مصر وهو يزرع ويحصد ثلاث مرات فى العام ، وهناك الشمام الأخضر والذى كان فى بدايته يسمونه «دوميرى» ، وهو مستدير ولذيذ الطعم وثمة نوع آخر يسمى «الشلابة» يزرع فى أراضى الخانكة وهو لذيذ الطعم غاية فى امتلائه بالماء.

ـ البطيخ :

يزرع بكثرة فى جميع المدن ، إلا أنه صغير الحجم ، ولكن بطيخ البرلس كبير وقشرته رقيقة وداخله نسيج أحمر ياقوتى ممتلئ بالماء.

ـ البطيخ الأزرق :

وهو كذلك أحد أنواع البطيخ ، إلا أنه فارغ الداخل ويطرحونه فى البرية فى بلاد الترك غير أنه يباع بدينار ذهبى فى بعض أحياء مصر ، إذ إن جو مصر يجعله يهب الحياة فإذا ما أصابت إنسان حمى محرقة وشرب فنجانين من ماء هذا البطيخ الأزرق أصبح

٥٩

جسمه كأنه قطعة من ثلج ، يا لها من حكمة عجيبة. وفى تذكرة داود ذكر لفوائده التى يعجز الوصف عنها ، ولا وجود لهذا البطيخ إلا فى مصر.

ـ البطيخ (عبد اللاوى):

وما يعرف بعبد اللاوى يشبه الشمام فى طعمه. إنه شىء عجيب عندما يستدير ينقسم رأسه إلى جزئين أو ثلاثة ويصبح كل جزء منها كأنه ثعبان أرقط ، وفيه بذور تشبه بذور الشمام ، إلا أن طعمه يميل إلى الحموضة قليلا وطبيعته مرطبة وهو مدر للبول وبما أن له هيئة الثعبان يأكله الإنسان متكرها.

وقد جاء فى كتب الطب إنه خلق بفضل معجزة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم والسبب هو :

حكاية

يحكى أن كفار قريش ذهلوا عند ظهور النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فبالغوا فى مهانته إلا أنهم عجزوا عن الانتقام منه ، فلجأوا إلى الحيلة والمكيدة فأحضروا صندوقا فيه عقارب «كاشان» من بلاد الفرس وهى عقارب تنفذ إبرتها فى الحجر ، والعقرب الكاشانى فى أيامنا تلك له واسع الشهرة فى شتى أنحاء الدنيا.

ثم أحضر ملاعين قريش هذا الصندوق وبعض الهدايا إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى تلدغه العقارب عند فتحه للصندوق. فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما هداياكم تلك. فقالوا : يا محمد إن هدايانا نوع من الشمام ظهر حديثا لا علم لنا باسمه.

فقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : سموه «عبد اللاوى» فقد كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحب الشمام كثيرا ، وهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بفتح الصندوق أمام رهط قريش ذاكرا اسم الله تعالى فأصبحت العقارب الموجودة فى الصندوق «عبد اللاوى» فأكل منها صلى‌الله‌عليه‌وسلم قائلا : بسم الله ووزع منها على صحابته ورأى كفار قريش هذا فآمن منهم سبعون فى التو ، أما بقيتهم فقالوا : يا محمد إنك لساحر. ومضوا وبقوا على ضلالتهم. (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) [الإسراء : ٩٧].

وتلك هى معجزة «عبد اللاوى» وهذا هو السبب فى أنه على هيئة الأفعى والعقرب. ولا وجود له إلا فى مصر.

٦٠