الرحلة إلى مصر والسودان والحبشه - ج ٢

أوليا چلبي

الرحلة إلى مصر والسودان والحبشه - ج ٢

المؤلف:

أوليا چلبي


المحقق: الدكتور محمّد حرب
المترجم: الدكتور حسين مجيب المصري وآخرون
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٤
الجزء ١ الجزء ٢

تشبه طاق كسرى ووسط الجامع مكشوف ، مرصوف بالرخام وفى كل ركن من أركانه صفة عظيمة إنه جامع وسيع ومحرابه مزين بالأحجار الملونة ، ومنبره أيضا ، وجوامع دمياط فيها من جوامع الأقطاب أكثر مما فى رشيد ، كما أن فيها كثير من الزوايا.

ومن هذه الزوايا زاوية الأربعين فى السوق ، كما يوجد مسجد يسمى مسجد القبانى ، وقد بنى منذ فتح عمر لمصر ، وفى الجانب الأيمن حول هذه الزاوية دفن أربعون من الصحابة وإلى جانب صناديقهم خشب منجور كتب عليه بخط جلى هذا التاريخ : (برسم العبد الفقير إلى الله تعالى القاضى شهاب الدين سنة عشرين وثمانمائة).

وفى هذه المدينة سبع مدارس وإحدى عشرة تكية وثلاثمائة سبيل ومن هذه السبل سبيل رضوان چورباجى ، وهو فى الجمرك وقد بنى بالقيشانى ، وكواته من النحاس الأصفر ، ومشربته مقيدة بالسلاسل ، ومشاربه مجلوة ومذهبة ولما كان صاحب هذا السبيل على قيد الحياة كان فى يوم عاشوراء يتصدق على أرواح شهداء كربلاء بالعسل فى ثلاثة أيام وبالسكر فى ثلاثة أيام أخرى ، وقد أقيم على هذا السبيل مكتب للصبيان كأنه قصر عظيم وفيه ثلاثمائة صبى يتعلمون القراءة والكتابة ، وفى كل سنة يتسلمون راتبا ، وعلى كواته تاريخ هو (حبذا هذا السبيل الذى ماءه كماء الحياة الذى أقامه إسماعيل رضوان سنة ١٠٨٦).

وفى داخل السبيل كتب تاريخ كذلك على القيشانى ، وجاء فيه (بارك الله فى هذا السبيل فثمة ثمانون غيره).

كما يوجد أربعة حمامات وهى التى أقامها رضوان الشورباجى فى السوق ، وثمة ثمانية عشر خانا أولها خان مصطفى شورباجى وخان الحرمين ، وخان مصطفى چلبى وخان الحويلية وخانان ل (بيرى چورباجى) ، خانان أيضا للأرناؤط. وخان بن راجح ، وخان عنبرى زاده وخانان لتكلى شورباجى ، وخان ذو الفقار كتخدا القديم ، وخان عباس وخان جعدى وخان بن فار المسمى صچان أوغلى ، وخان طيناويه ، وخان القفاصين ، وخان القاضى ، وعبد الرحمن باشا حينما كان متولى مصر بنى خانا على ضفة النيل كأنه القلعة بإذن من كورجى ذو الفقار كتخدا ، وقد جلبت جميع الأحجار

٢٨١

التى بنى منها هذا الخان من مصر ولا يوجد فى دمياط بناء من حجر ما عدا هذا الخان والجامع الكبير ، وله بابان وبه مائة حجرة ، كما يوجد اثنان وثلاثون مقهى فيها ، أما فى السوق فعدد المقاهى ست وهو خان كبير وفى حرمه حوض ذو نافورة ، وعلى جانبيه مقاه فيها عازفون ومداحون وراقصون وفى هذه المدينة مائتان وستون شارعا وكلها شوارع واسعة نظيفة ، وفى أطرافها أسواق سلطانية ، وبها ألفان من الدكاكين ، كما أن بها ثلاثمائة طاحونة تديرها الخيول ، كما يوجد بها طواحين للزيت ، كما يوجد ستمائة مصنع ، كما أن فيها محلة لليهود ومحلة للقبط وسبع محلات للكفار ، كما يروح الفرنجة والأرمن ويغدون ولا وجود فيها لسفراء الفرنجة كما أن بها سبع كنائس وأربعون حانة وستمائة بيت وبها مائة وأربعون مضربا للأرز لأن دمياط أرض الأرز ، أما الحبوب التى ترد من الصعيد غالية الثمن وبها ثلاثة آلاف مخزن وبها ثلاثة آلاف صياد يصيدون السمك من دمياط ويصدر السمك المملوح المكبوس والبطارخ من دمياط إلى بلاد الروم وإلى بلاد الفرنجة ، لأن هذه المدينة فيها أنواع كثيرة من السمك ، وفى إدارة شيخ هذه البلدة آلاف الموظفين وحمدا لله فليس فيها بيوت للدعارة كما هو الشأن فى باب اللوق ، كما أن النساء فى هذه المدينة لا يخرجن إلى السوق وعندهن أن الخروج للسوق عيب كبير ، وفى الليل توضع المصابيح فى المنازل ، والشرطة فى النهار قليلون وأكثر الناس فلاحون ، وهم كادحون قادرون على الكسب مقتدرون ، والأعيان يلبسون الجوخ والحرير ، والفقراء ومتوسطو الحال منهم يلبسون الثياب الملونة ، والنساء يضعن على رءوسهن قلانس من الذهب الأحمر والفضة كما أن النساء يضعن على وجوههن سود البراقع كما ينتعلن نعالا زرقا وإذا ما خرجت امرأة إلى الشارع نهارا قتلت كائنة من كانت ، ولكن يؤذن لهن فى السعى فى جنازة موتاهن من ذوى قرباهن.

إن أهل هذه المدينة أهل ذوق ، ويقام حفل زفاف مرة فى كل ليلة فيرتفع الضجيج وفى أطراف هذه المدينة الأربعة ستة وستون من البساتين وحدائق رضوان ، ونور الليمون والسفرجل كثيف بحيث أن أحدا لو مر من بينها لتنسم شذاها ، وفى كل حديقة حوض وشادروان وحقيقة الأمر أن حدائق رضوان شورباجى وذو الفقار كتخدا كأنها حديقة

٢٨٢

إرم ، وجو هذه المدينة لطيف للغاية كما أن فتياتها وفتيانها غاية فى الحسن ، كما أن أهلها يحبون الغرباء ويكرمون وفادة الضيف ، وأهلها يتاجرون فى السمك والأرز والسكر وغير ذلك ، ويجرى إلى وسط المدينة خليج عظيم ينشعب من النيل وعلى جانبى المدينة قصور شامخة تطل على الخليج نوافذها ، كما أن بعض أصحاب هذه القصور يقفون فى النوافذ ويصيدون السمك كما أنهم يتصدقون على الفقراء كما أن الصبيان فيها يبتردون ويسبحون فى هذه الترعة ، ويتعانقون فى دعابة ، وفى هذا الجانب قصور جميلة شامخة متعددة الطبقات ، وأثناء فيضان النيل تتدفق مياهه إلى بعض هذه القصور ، وبعض المنازل فيها زوارق لمواجهة ذلك ويركبون فيها ليمضون بها إلى حيث يريدون ، وترسو هذه الزوارق عند السّفينة.

وفى الشمال من هذه المدينة على ربوة مقبرة وبرج مربع وهو برج مرتفع وفى زمان الكفار كانت جزيرة قبرص تبدو منه وإن كانت مشاهدة قبرص تمس الحاجة فيها إلى نظر جد حديد والأرز من أطيب المأكولات فى دمياط ، ويورد الأرز من دمياط إلى سلاطين آل عثمان ، وأرز المنزلة وفرسكور لا وجود لمثله فى العالم كما تشتهر دمياط بالسمك والبطارخ وإلى جانب ذلك الجميز والخبز الأبيض والحرير الملون والموز.

وفى بوغاز دمياط قلعة تشبه قلعة رشيد ..

أوصاف قلعة دمياط العتيقة

بناها السلطان سليم الأول حين فتح مصر ، وقد فتحها الأسود بن المقداد حينما فتح عمرو بن العاص مصر ، ولم يبق أثر لهذه القلعة ، وهى الآن مبنى متين تقع عند التقاء النيل بالبحر الأبيض ، ومحيطها خمسمائة خطوة ، وعلى جوانبها الأربعة بروج ، ولها باب يطل على الجنوب ، وفيها جامع السلطان سليم ، وفيها رئيس من المتفرقة ، وطبقا للقانون ، وفيها مخزن للأسلحة ومدافع وأربعون قذيفة ، وخارجها فى الجانب الأيمن مدفع ، ولا وجود لمثله والله أعلم. وهذا المدفع يقذف قذيفة تزن أربعون أوقية ، ولا خندق حول هذه القلعة لأن الأرض حولها منخفضة وهى قريبة من الشاطئ ، وسورها

٢٨٣

منهدم فى كثير من المواضع ، وقد ركبنا قاربا ومضينا إلى حيث يلتقى النيل بالبحر ، وصليت ركعتين ورفعت إلى الله كف الدعاء ، ويقول علماء دمياط إن هذا الموضع هو الذى ذكر فى القرآن ب (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) (الرحمن ١٩) ، هو الذى التقى فيه موسى ـ عليه‌السلام ـ بالخضر ، ولكن ثمة جدال محتدم بين علماء رشيد فيما يتعلق بهذا الشأن ، ولكن جاء فى تفسير السيوطى أن مرج البحرين المراد بالبحر فيه البحر الأسود ، وبحر الخزر هو بحر كيلان ، وبعضهم يقول أنه بحر الأبواب ، وهو بحر ليس فيه مصب وهو ثلاثة أمثال البحر الأسود وهو بحر عظيم ، ومرج البحرين المراد بهذين البحرين : هما البحر الأبيض الذى هو بحر الروم الذى يختلط بالنيل ولذلك يسمى بوغاز دمياط مرج البحرين ، وبعضهم يذهب إلى أن بحرا كبيرا قد اختلط بنهر عظيم وهذا ما يسمى مرج البحرين ، أما لقاء الخضر بموسى ـ عليه‌السلام ـ فكان على شاطئ النيل ، وقد قدم الخضر فى سفينة ، وفى هذا الشأن وقع الخلاف بين علماء دمياط ورشيد ، أما قول علماء دمياط فهو القول الصحيح ، وركبت بعد ذلك مع حاكم القلعة قاربا وفى قبالة القلعة الشرقية القلعة الغربية.

أوصاف القلعة الغربية المقابلة للقلعة الشرقية

بناها فى عهد السلطان أحمد خان طواشى المتفرقة جعفر أغا حسبة لله ، أما قلعة عبد الصمد فهى المشهورة إنها قلعة صغيرة ، مستديرة ، على شاطئ النيل ، ومحيطها مائة خطوة وفيها برج متين ، وقد ضمت إليها من بعد قلعة طابيه وهى أيضا متينة الأركان وفيها خمسون مدفعا ، ولكن المدافع الكبيرة فى هذه القلعة ، وهى تطل على البوغاز ، ولها رئيسها وخمسون جنديا وعملهم هو صيد السمك والحمام والسّمان ، وتقع فى أرض رملية ولها باب على الجهة القبلية ، وفيها أربعون أو خمسون حجرة ، وليس فيها متزوج وكل من فيها من العزب ، وقد زرتها ووجدت أن عشرة من جنودها غير موجودين فسجلت أسماءهم وعرضتها على الباشا ومضيت إلى القلعة الشرقية من القلعة الغربية ودفعت أجرة انتقال عشرة قروش وركبت فى زورق إلى دمياط.

٢٨٤

بيان الأولياء الذين عرفناهم فى زيارتنا فى مقبرة دمياط

عندما بعث الملك هاموك ابنه الشيخ لفتح قلعة دمياط وأسلم على يد الشيخ شطا والأسود بن مقداد ، وبعد الفتح أمر الأسود بن مقداد الشيخ شطا بعشرة آلاف جندى وفتح قلعة شموم وقلعة البرلس وقلعة الدميره وفى العام نفسه حينما كان يفتح قلعة التينه أصيب بجرح وكلمة شطا شطا بمعنى قطعة قطعة ولذلك سمى الشيخ شطا ، جاء فى رواية أن شطا موضع فيه رمل كثير كثير ، وذلك لأنه دفن فى أرض ذات رمل وقد مات شهيد حرب ، وصعدت روحه الشريفة إلى بارئها ، وقد نقل جثمان الأسود بن مقداد إلى دمياط ، ودفن فى ضريح على شاطئ بحيرة دمياط على مسيرة نصف ساعة من الجانب الشرقى إلى دمياط ، ولأنه استشهد فى الخامس عشر من شهر شعبان يقيمون له مولدا فى هذا اليوم ، ويأتى الناس من دمياط والقرى والقصبات الأخرى أربعون أو خمسون ألف رجل ويقيمون فى الخيام ويمكثون ثلاثة أيام بلياليها يزورون ضريحه ، ويأتى كذلك قائم مقام دمياط وأعيانها لزيارة هذا الضريح ويمكثون فى الخيمة ويمد سماط عظيم لمن ينعمون بأطايب الطعام ثلاثة أيام بلياليها ، وينفق على ذلك من مال مصر ، ويحاسب الوالى على تلك النفقات ، وهذا قانون قديم ، وضريح الشيخ شطا مربع الشكل وكأنه قلعة ومحيطه ثلاثمائة خطوة.

ويسكن فى هذا الضريح إمام ومؤذن وحارس القبور ، وبجانب الضريح زاوية ، وفى حرمه صهريج ، وفى كل عام يحمل الماء من النيل على ظهور الجمال لملء هذا الصهريج بالماء وإذا ما فاض منه الماء أصيبت الجمال بالجرب وإنها لحكمة عجيبة.

وجملة القول أن ثمة ضريحا عظيما يزوره الناس خواصهم وعوامهم ، وقد دفن فيه الشيخ أبو المداين والشيخ درغام وفى جامع الشيخ متبولى دفن الشيخ متبولى والشيخ سيدى فاتح أبو العطا ، وبالقرب من جامع الفتحية ضريح ذى الجناحين ، وبالقرب من البوغاز ضريح بين الموجتين ، وبالقرب من المنظر بين الفرضين ، وفى حديقة فى شمال المدينة ضريح للشيخ جمال الدين المولوى وفيه سماع خانه من عدة غرف ومطبخ ،

٢٨٥

وأرضها كأنها الجنة إنها تكية للقلندرية وفيها المريدون ، وجميع أهل دمياط يأتون إلى هذه التكية لينعموا بالأنس والبهجة ، وفى ركن من أركان هذه الحديقة قبر لأحد صلحاء خراسان وهو مستجاب الدعوة وصاحب سجاده وله آلاف العشاق ، وبالقرب منه الشيخ سيد فتح الأسمر ، وبجواره الشيخ سيد أحمد ابن الشيخ عبد السلام ، وهو مدفون فى ضريح عال وبالقرب من السيد فتح ضريح الميدان الأخضر ، وبالقرب منه مقام الشهدا ، وبالقرب من خرط القنطرة رائد طريق الناس الشيخ أبو العباس ، وهو قطب عظيم ، ومزار صاحب الأديان وهو دار ضيافة للغادين والرائحين ، وفى داخل التكية ويسمون كل متعلقاته بالأسود وفى زاويته جمع كبير ، ولا ند للشيخ چلبى ، إنه شيخ صالح عابد زاهد يلبس العمامة السوداء ، وجميع المريدين فيها يلبسون السواد ويرفعون العلم العباسى الأسود ، وبالقرب من الشريف عثمان الشربازى والشيخ عباس والشيخ حسن الطويل وفى جامعه قبر الشيخ على العباسى وبالقرب منه الشيخ سيد محمد النعمانى وبجواره الشيخ كرمانى وبالقرب منه الشيخ على السقا وفى شمال جامع المتبولى على شاطئ النيل تكية فى حديقة كأنها حديقة إرم ، وفى وسطها قبر دفن فيه الشيخ على منيبط ، وهو قطب عظيم من زاره خمس مرات شفى من مرضه بإذن الله ، وعلى شاطئ النيل حدائق كأنها الجنات فى داخلها قصور وأحواض ، وأشجار يجلس الأصدقاء فى ظلالها ، إنها موضع يزوره أهل دمياط ويتنزهون فيه وبالقرب من هذه الحديقة الشيخ عبد الرحمن زلطى ، وبالقرب من مسجد الفتح الشيخ منياوى وبجواره سيد أحمد شناوى ، وهو من أقطاب الطريقة البرهانية وبجواره ستى الوالدة التى استشهدت حين الفتح ، وهى من النساء الصالحات ، ويجتمع عندما حشد من النساء فى كل يوم سبت لزيارتها ، وبالقرب منها الشيخة ست شامية ، وبالقرب منها الشيخ سيد أصيل ، وبالجوار منه سيد عبد الله الشريف ، وفى سوق اللبن الشيخ خثعم ، وفى سوق السمك الشيخ شانه ، وبالقرب من حمام رضوان الچورباجى الشيخ الخيشى وفى حارة المنشى الشيخ عمرو أبو العباس ، وبالقرب منه الشيخ العصفراتى والخيشى وبالقرب منه الشيخ أبو عصيبة وفى غيطان الشعراء سيدى محب الدين يقام له مولد عظيم كل عام.

٢٨٦

وفى بلدة المنيا دفن الشيخ إبراهيم أكبر المنياوى ، وقرية المنيا بها مائتا بيت وحدائق وبساتين ونخيل ، وفى شهر رجب من كل عام يقام له مولد عظيم ، وفيه يحتشد خلق كثير ، والمريدون من جميع الطرق يقولون لا إله إلا الله ويقومون بالذكر فى الحدائق ولا يمنعهم أصحاب الحدائق من ذلك ، وبالقرب من الشيخ إبراهيم الشيخ مظلوم ، وعلى الطريق العام حديقة فيها تكية صغيرة بها قبر صغير دفن فيه الشيخ مظلوم ، ويقام له مولد كذلك فى منتصف شهر رجب ، وبالقرب من جامع المتبولى الشيخ مسلمى ، وبالقرب من حارة البركة الشيخ أبو الطيب ، وبجواره الشيخ على الحداد ، وفى حارة سيد أبو الفتح الشيخ أبو يوسف ، وجواره سيدى سعيد ، وفى قرب القنطرة الشيخ أبو النصر ، وعلى مقربة من المرقب السبع بنات وضريح الأربعين وفى السوق فى مسجد العتبانى ، وفى حارة المرقب الشيخ سلطان وإلى جواره سيدى على لويفه وفى جوار المنشية قبر الشيخ أبو قريبه وبالقرب منه الشيخ حمام وعلى مقربة من خان الشيخ رضوان الشيخ عبد الغنى وبالقرب منه الشيخ شرباصى ، وبالقرب منه الشيخ مفتاح وهو مدفون فى ضريح عظيم يقام له مولد عظيم كل عام ، وبالقرب منه الشيخ خطاب وبالقرب منه قبر الشيخ زندان وبالقرب منه قبر الشيخ شربازى ، وبالقرب منه قبر الشيخ محمد العراقى وقبالة دمياط على شاطئ النيل سيدى الشيخ شديد ، وبالقرب منه سيدى عثمان الصياد ـ رحمة الله عليهم أجمعين ـ نفعنا الله ببركاتهم ، وثمة قبور صغيرة وكبيرة لغيرهم ذلك أن أهل دمياط محبون للأولياء ولا وجود فى رشيد لضرائح مثل ضرائحهم لأن هذه المدينة مدينة قديمة ، أما رشيد فأنشأت حديثا ، وقد غرق أهل رشيد القديمة فى كوم أفراح ولله أحمد أنى زرت ضرائح مائة ولى من أولياء الله فى دمياط وقرأت لكل ولى سورة يس وسورة الفاتحة واستمددت من أرواحهم العون لى ، ولكنى ذكرت هؤلاء الأقطاب فقط حتى لا يطول بى الكلام ، أما إذا شئت أن أعدد مناقب كل منهم لاستوجب ذلك منى مجلدا ضخما.

ثم أرسل لنا الباشا فرقة من من يحملون البنادق وعددهم خمسون ، ومضينا مع عشرين ملاحا نحمل طعامنا وشرابنا من دمياط ، ووصلنا إلى حدائق الجانب الشرقى ، وتجولنا بها فوق صهوات جيادنا نصف ساعة ، ومضينا ثم انطلقنا إلى بحيرة تينة.

٢٨٧

أوصاف قلعة تينة

مر بنا أن الشيخ شطا فتح قلعة تينة واستشهد فيها ، إنها قرية مربعة الشكل فى كاشفية حاكم العريش. ومحيطها خمسمائة خطوة. ولها باب تجاه القبلة ، وبها أربعون بيت صغير ، وجامع للسلطان سليم ، وثلاثون مدفعا ومخزن للذخيرة ، ورئيسها من المتفرقة ، كما أن بها مائة جندى ، وليس لها حدائق على شاطئ البحر بل أرض رملية ، ولا أمان فيها من اللصوص ، اللهم عافنا ، وقلّ الماء والخبز اللذان كنا نحتاج إليهما للمضى إلى دمياط وبحيرة المنزلة بحيرة كبيرة يصل طرفها القبلى إلى العريش ، وطرفها الغربى بدمياط والتزامها فى العام عشرة أحمال من الأقجة ، وبها أسماك جميلة الألوان. وفى هذه الليلة نزلنا ضيوفا على رئيس القلعة ورأينا جماعة من الناس نحلت أجسامهم يقتاتون بسمك بلا خبز ، ودفعنا عشرة قروش لمشاهدة القلعة ومضينا إلى ضريح الشيخ شطا ، وركبنا السفينة ووصلنا إلى نهاية البحيرة بعد ساعة ، وأرسلنا من قبلنا واحدا إلى دمياط فأحضر الخيل لنا فشاهدنا على الجانبين الحدائق المزهرة ، ودخلنا دمياط ، وأرسلنا إلى بيوتنا فى استانبول كثيرا من الأرز والعدس والقول والحمص ، وودعنا خليل شورباجى زاده ومحمد چلبى وأمثالهم. ونلنا من الباشا ثلاثمائة قرش وعشرين ثوبا منقوشا من ثياب دمياط ومائة منشفه ، وحملنا طعامنا وأسلحتنا فى سفينة وتوكلنا على الله ومضينا إلى الكنانة.

* * *

٢٨٨

الفصل الثامن والستون

وفى رحلتنا إلى مصر فى سفينتنا شاهدنا على ضفتى النيل الحدائق المبهجة وخرجنا أولا من دمياط ومضينا مسافة قدرها ستون ميلا ومقابل دمياط أرض خالية سبخة ، ولا وجود فيها لعمران ولكن فى طرف دمياط حدائق من قصب السكر ، وفى هذه الديار يسمونها القرى وبيوتها أكواخ ولا وجود فيها لبيوت فخمة ، لأن فى أرضهم ينبت الأرز ، وأرضهم أرض مستنقعات ولا تحتمل بناءا ثقيلا ، ولا تروى فيها أرض الأرز ولكن فيها القمح وليس فيها فول ولا حبوب لأنها أرض ذات ماء والأرز ينبت على الدوام فى الماء يا له من مشهد عجيب.

وفى هذه الأرض يفيض ماء النيل ولا ينقص وقد اجتزنا القرى التى فى أرض دمياط إلى فارسكور.

أوصاف منزل فرسكور فى مدينة فارس القديمة

إنه منزل بناه الملك فرسكور بن مصرايم ، وقد عمر ألف سنة وملك مائة بلد ، وكان له مائة ألف فارس جوادهم أبلق وألف فارس جوادهم أشهب ، وهى إقليم التزام دمياط وقضاء يدر مائة وخمسون أقجه إلا أن هذا المبلغ يمنح غالبا لقضاة دمياط وفى هذه الناحية قرى تزرع الأرز فيها كلها ، وعلى ضفة النيل مدينة تبعد عنه مائتى خطوة وتقع على ربوة وبها ألف بيت وسبعة عشر محرابا وست منارات وثلاثمائة دكان ، وثلاث مقاه وحمام ، ولكنها تخلو من السوق والعمارات والمبرات والسبل والمدارس ، ولكن فيها ثلاثة خانات عظيمة ، ويقام فيها سوق مرة كل أسبوع ، ويتكسب أهلها من حياكة الثياب المنقوشة ولكل منهم طرز ، وبها ثلاثمائة دكان تقدم المال إلى الملتزم إنها مقر لمن يصنعون الثياب المنقوشة وأرز وثياب فرسكور واسعة الشهرة.

وتينه التى زرناها تقع شرق البحيرة المذكورة ، وجوها لطيف وبها كثير من النخل والحدائق ، وبين دمياط والنيل مدينة جميلة وفى قبالتها :

كفر سليمان أغا

فى إقليم الغربية وبها جامع ذو منارة وثلاثمائة بيت وتجاهها فى إقليم الشرقية :

٢٨٩

بلدة شرباز

وبها مائة بيت وجامع ومنارة وقرى معمورة ، وفيها قبر دفن فيه الشيخ شرباز ، وبهذه المحلة تتم حدود دمياط ، وهى تحت حكم حاكم الشرقية وقبالتها فى أرض الغربية :

بلدة ميت أبو غالب

وبها جامع ذو منارة ومائة وخمسون بيتا ومقهى ، وعند هذه المحلة يتعرج النيل تارة ذات اليمين وتارة ذات اليسار وقبالتها فى أرض الشرقية :

بلدة رأس الخليج

وهى التزام ، وبها ثلاثمائة بيت ، وبها جامعان ، ووكالتان ومقهى وستة دكاكين ، وقد دفن فيها الشيخ غزوان ، والشيخ حسن أبو تقى الدين ، والشيخ محمد عجمى وعلى بعد عشرين ميلا جنوبها وفى إقليم الشرقية :

بلدة ميت أبو عبد الله

ويسمون القرية ميت وهى التزام وبها مائة بيت وجامع ذو منارة ، وتجاهها فى أرض الغربية :

بلدة طهريه

وبها مائة وخمسون بيتا وجامع وقبالتها فى أرض الشرقية :

بوشاط

وعدد بيوتها مائتان ، وبها جامع ذو منارة. وفى المقابل منها فى أرض الغربية :

بلدة دنجى

وبها جامع وفى جانب المنصورة بلدة أبادان.

أوصاف محلة مشاق

إنها التزام الكتخدا القونداقجى مصطفى وبها ستمائة بيت وجامع ومقهى ووكالة ، وفيها أسواق صغيرة ، ولا وجود فيها لحمام ولا سبيل ، وتجاهها فى أرض الغربية :

مدينة المنصورة

وهى فى الجانب الشرقى ، وقد عبرنا إليها ، وتجاوزناها خمسين ميلا وبلغنا مدينة سرسه.

٢٩٠

أوصاف محلة شربين

إنها محلة كبيرة فى إقليم الغربية وهى قضاء كبير يدر مائة وخمسين أقجه ويمنح قاضيها مرتبا ، وفيها أربعون قرية معمورة ، ويتحصل منها أربعة أكياس وبها ألف بيت وسبعة وبها سبعة محاريب كما أن بها جامعا كبيرا له منارة تتألف من ثلاثة طوابق ، وبها كذلك خمسون مسجدا ومدرسة وخمسون دكانا ، وأربعة مقاه يجتمع يوم الجمعة خلق كثير فى السوق وبجوارها :

كفر شربين

وبه مائة بيت وهو التزام ، وتجاهه فى النيل جزيرة صغيرة وفى الجهة المقابلة حدود كاشفية المنصورة ، وهى كاشفية معمورة قضاءها يسمى قضاء مشاق ، وقد سلف ذكر بلدة مشاق ، وتقع هذه البلدة فى سهل منحرف فى شربين اجتزنا هذه المحلة إلى شربين ، وقبالتها فى إقليم المنصورة :

بلدة بدرى

بها مائة بيت وجامع وهى التزام ، وتجاهها فى إقليم الغربية :

بلدة بترا

وبها ثلاثمائة بيت وجامع ومقهى وهى التزام وبعدها وفى جنوبها فى إقليم المنصورة محلة برمبال.

أوصاف محلة برمبال

إنها التزام ، وبها مائة بيت وقد سألنا شيخ البلدة عن مقدار ما تؤدى من مال للدولة فما عرف ، وبها عدة جوامع ومقاه ومساجد وخانات ودكاكين ، وإنها بلدة فى مهب الريح ولا أعرف حماما بها ، وفى تجاهها فى إقليم الغربية.

بلدة دياسط

وفيها دفن الشيخ دياسط ، وتجاهها فى إقليم الغربية :

بلدة الخيارية

وقد وجدت بها ثلاثمائة بيت وجامع ذو منارة جميلة وفى جانب الغربية :

٢٩١

بلدة تاش

وبها ثلاثمائة وخمسون بيتا وجامع ومقهى ، وفى شرقها ولاية دقهل.

أوصاف ولاية دقهل

مدينة المنصورة أول من بناها أحد أبناء نوح أبو القبابط بيطر بن حام الأخ الأكبر لسام ، وابن بيطر هذا يسمى دقهل ، ولذلك تسمى ولاية إقليم المنصورة باسم دقهل ، ومن بعد استطاب جوها من سلاطين مصر الصالح أيوب فزاد فى عمرانها فأصبحت كأنها روضة الجنات ، ثم قدم إليها الأسبان الملاعين بسفنهم فاستولوا عليها وأقاموا بها ثم أغار عليها الملك الصالح أيوب انطلق نحو غزة ، ثم رجع فاستعاد مدينة دمياط ، أول الأمر ، ثم استولى على مائتى سفينة للكفار ، وعسكر فى المنصورة معسكرا للكفار ، وطوال سبع ليال لم ينجو الكفار من الهلاك وهذا مسطور فى جميع التواريخ ، ولذلك سميت مدينة دقهل بالمنصورة ، وفى عام ٩٣٢ غادر الملك الكامل ناصر الدين محمد بن أبى بكر بن أيوب مصر الكنانة واتخذ المنصورة حاضرة لملكه ، وعمرها ولم يبق الآن شىء مما شيده ، وفى هذا العصر أقام له قصرا على شاطئ النيل وبقى منه الآن قصر صغير أمام قصر كاشف المنصورة ، وقد وافاه الأجل فى المنصورة ، ونقل جثمانه إلى مصر ودفن فى جامعه ، وبعد ذلك بعام شب حريق فى المنصورة وأتت النار عليها بأكملها حتى صار المعمور منها كذرّة فى الشمس أو قطرة فى البحر ، والآن يعمرها الناس والمخلوقات.

الحمد لله وحده علم بما فى مدينة الصالح أيوب أى مدينة المنصورة من ولايات مصر المحروسة من المساجد والوكائل والمدرسة والحمامات والأسواق وضرائح الأولياء نفع الله تعالى المسلمين ببركاتهم فى الدنيا والآخرة آمين يا معين ، ولهذا ذكرنا ووصفنا مدينة المنصورة ، إنها كاشفية أخرى فى مصر لكن مع كونها حكومة كبيرة والعرب يغيرون عليها من وقت إلى آخر لذلك منحت لأمراء مصر ، وليس فى قراها زعامة ولا تيمار ولكن فيها سبعمائة وسبع وثمانون من القرى والقصبات والمدن ، وكلها التزام ، وهذه القرى المذكورة تقدم فى العام ثلاثمائة كيس إلى السلطان إنها قضاء شريف.

وفى هذا الإقليم :

٢٩٢

قضاء ميت غمر

قدم مائة وخمسين أقجه ، وهى قضاء شريف ، وقد ضم هذا القضاء إلى المنصورة ، ومنها يتحصل حوالى عشرة أكياس ، وحاكم المنصورة يقدم المال الأميرى ، وهو ملتزم يقدم فى الصيف والشتاء أربعين كيسا ، ويفيض له عشرة أكياس ، وقد يقدم عشرين كيسا ولهذه البلدة أربعة يفتون على المذاهب الأربعة ولها نقيب أشراف وقائد للانكشارية وعزب ، ولكن الجند كثير ، وعلى شاطئ النيل حدائق كثيرة وورود وريحان ورياض وتسعمائة بيت جميل وقصور فخمة وهى مدينة جميلة ، ومن ظهر عليها على بعد ميل أظهر إعجابه بها ، وبها ثلاثمائة محراب وفيها جوامع للسلاطين والعظماء والأعيان وبين السوق السلطانية والمحكمة والجامع الكبير ، وهو جامع السلطان الصالح ، وطوله مائة وثمانون خطوة وكذلك عرضه ، وله سقف منقوش مقام على ثمانين عمودا من الرخام ، ومنارته من ثلاثة طوابق وله قبة ، وعلى بابه الأيمن كتب عليه (تعمير رجب شورباجى سنة ١٠٨١) ، إنه جامع عتيق ، وعلى شاطئ النيل جامع الصغير وجامع المحمودية وجامع آخر على شاطئ النيل أيضا طوله وعرضه مائة خطوة وعشرة ، وله بابان جانبيان وباب للقبلة ومنارة على الطرز الرومى وهى من طابق واحد ، وداخل الجامع خمسة عشر عمودا وليس له حرم ، أما على شاطئ النيل فله موضع فى جوانبه الأربعة صفف وهو موضع يستحق المشاهدة ، ويجتمع الناس تحت ما به من أشجار الجميز والصفصاف وبعضهم يصيد السمك من إحدى مواضعه ، وبعضهم يتوضأ وبعضهم يصلى ، وبه دار شفا ومقهى يشرب فيها القهوة اليمنية ، إنه مكان للراحة والمتعة وبعد الأذان والصلاة يثنون ويترحمون على محمود بانى هذا الجامع.

وعلى شاطئ النيل فى الطريق العام جامع يقال عنه «كاشف النيل» ، وهو مرتفع أبيض وهو وقف متين وكان غاية فى العمران فى حياة صاحب الدويرات ، وفى السوق جامع رضوانية ، وجامع الحيدرية وجامع أمير على الفرحانى وجامع ريحانية وجامع الخطاى وجامع السادة الكنانية يقع على شاطئ النيل ، بل فى جنوب المدينة وعلى شاطئ النيل والطريق العام جامع إدريس وجامع ابن قانصو ، وجامع جعفر أغا كان فى الأصل

٢٩٣

زاوية ثم أعيد بناءها لتكون جامعا. وفى نهاية الناحية الشرقية للمدينة جامع مصطفى أغا الجديد ، وهذه الجوامع سالفة الذكر عامرة بالمصلين ، ولا نعرف جوامع أخرى.

الزوايا

أما الزوايا فمنها زاوية الشيخ الملباوى وزاوية منية الدولة وزاوية الأمير حسن وزاوية ابن جعفر ، وزاوية الغرابى ، وفى السوق زاوية المعلقى وزاوية ابن ياسين وزاوية الشيخ ابن عامر وزاوية مقدم فرهاد والزاوية الحمرا ، وقد صلينا فى تلك المساجد التى سبق لنا ذكرها ، ولا نعرف غيرها وعلى شاطئ النيل ست مدارس وسبعون مكتبا للصبيان ، وأربعون سبيلا وحمّامان ولا يوجد سواهما ، كما يوجد ثمانى عشرة وكالة أولا خان أمير دلاور وخان الأمير مصطفى وخان المحمودية وخان الكنانية وخان الأمير أحمد وخان عورت وخان مالكى وخان ابن ياسين وخان الشيخ عبد الوهاب وخان مسلمانى وخان القاضى أحمد وخان النيل وخان القفاصين وخان خشب وخان حطيبة وهذه الخانات وكالات معمورة ، ولا وجود لمبان أخرى واثنان وأربعون ربعا فيها غرف للمريدين والمتزوجين ، وثمة أربعون أو خمسون خانا يسمى كلّ واحد منها الربع ، وسبع معاصر أى طواحين زيت ، وخمسة وسبعون طاحونة تديرها الجياد ، وفيها من المقاهى أربعون مقهى ومائة وخمسون دكانا ولكن ليس فيها سوق قائمة بذاتها ، ولكن لكل شىء ، ويقام سوق عظيمة مرة فى كل أسبوع يحتشد فيها أربعون ألف أو خمسون ألف إنسان ، إنها سوق القمح وسوق السمك ، وسوق الخيل وسوق الغنم وسوق الفاكهة وسوق الثيران ، وهذه الأسواق توجد فى أماكن أخرى وعورت بازارى تقع على شاطئ النيل إنها سوق عجيبة ، وطرق هذه الأسواق غير نظيفة أما بقية طرق الأسواق فطرق واسعة نظيفة ، وتظلل جميع الأسواق نخلات ، فيتألف منها سقف عليها ، وبذلك تكون الأسواق طيبة الهواء عند اشتداد الحر وطول هذه المدينة على النيل ألف ومائة خطوة ، ولجمالها وجمال جوها يتميز فتيانها وفتياتها بالجمال ، وأهلها يكرمون وفادة الغرباء ، وفيها عظماء الأعيان ، فهم يبذلون القرى للمجاورين والمسافرين فأمام باب دلاور الكاشف يطعم الفقراء ليل نهار ، كما أن قوجه

٢٩٤

مصطفى أغا يكرم المسافرين والمساكين ، وفى المدينة ما لا يدخل تحت حصر من العلماء والمريدين والصالحين.

بيان بزيارتنا لكبار الأولياء

هذه ضرائح الصالحين الشيخ شرف الدين أقصرى والشيخ الطميهى مدفونان فى زاوية الشيخ ريحان كما دفن الشيخ سيدى على الأسمر فى الجامع الكبير ، وثمة شيخ آخر سألت عنه فما وجدت جوابا ، وخارج المدينة فى جنوبها قبر عظيم للشيخ كنانية ، وقد دفن أربعون من الأولياء فى مكان واحد ، كانوا قديما من اللصوص ولكن الله هداهم وأصبحوا جميعا أولياء وعلى رأسهم قطب الأقطاب شيخ الطريقة الكنانية ، ويقام له مولد مرة فى كل عام ، ويجتمع فى مولده حوالى أربعون ألف إنسان ، وفى خيامهم يقام عشرة أيام وعشر ليال ، وقد أغار لصوص العرب على ميدان ملقه أثناء انعقاد مولده ، وقد نهبوا السوق واستشهد كثير من الناس ، وفى التو والحال ظهر فى المدينة أربعون على رءوسهم العمامات الخضر يركبون الخيول الشهب ويحملون الرماح ، فقتلوا هؤلاء اللصوص عن آخرهم ، ثم غابوا عن العيون.

هذه مناقب قريبة العهد لم يمض عليها سوى سبعين سنة ، ومنذ هذا الزمان لم يحضر أحد المولد ، هذا ما مر بسمعى هذا ما أمر (طورنا مصطفى بك) كاشف المنصورة واجتمع فى المنصورة حشد كبير من الناس ، وقد حضرت معهم ولله الحمد وقد دفن الشيخ عبد الجليل الملباوى فى ضريح عظيم ، وبالقرب من ضريح الشيخ الملباوى ضريح الشيخ زبيبه والشيخ الخوّاص وإلى جانب المحكمة السيدة آسيه والشيخ عريان والشيخ كليبانى ، ومداح رسول الله الشيخ سيدى محمد كميلى والشيخ منية الدولة وقد دفنا بجوار جامع إدريس كما دفن الشيخ طاهر والشيخ نصار والشيخ سند فى الجهة القبلية من المدينة بالقرب من جامع الأمير مصطفى ، والشيخ سعد والشيخ حسن دفنا فى جامع الخطائى ودفن بجوار قبر الشيخ بهلول الشيخ الموالى كيرلى محمود أفندى ، وهو من علماء الروم المشاهير فهؤلاء العلماء منهم من دفن فى ضريح ومنهم من دفن فى تكية ، وقد زرت ضرائحهم ومررت وجهى الأسود على ضرائحهم رحمة الله عليهم أجمعين ،

٢٩٥

وقد تجولت فى هذه المدينة وشاهدت كل ما فيها وعقدت نيتى أن أزور مدينة المنزلة ، فركبت سفينة وانطلقنا إلى المنزلة.

وصف ما مررنا به من منازل فى طريقنا إلى المنزلة

رأينا ترعة عظيمة فى جنوب مدينة المنصورة وبالقرب من جامع مصطفى أغا ، ومضينا بالسفينة فى ترعة صلاح الدين ، وعلى جانبيها ست وسبعون قرية معمورة. ورأينا عزبة نزلنا عليها ضيوفا.

أوصاف مدينة المنزلة القديمة

نزلنا فى دار الملتزم وتجولنا فيها لمشاهدتها ، ويتفرع من هذه الترعة خليج على جانبيه بيوت معمورة ، على جانبى الترعة حدائق وبساتين ، وعبرها جسر من الخشب على الترعة وعلى ضفّتيها بساتين ، وكل حديقة مساحتها عشرة أو خمسة عشر فدانا ، وفى كل منها يطيب الليمون والتمر والرمان والتين ، ولكن لا وجود فيها للقمح ، والأرز الذى فى المنزلة لا نظير له فى العالم بأسره ، إنه أبيض ولذيذ ، والبحيرة على مسيرة ربع ساعة من شمال المدينة ، والترعة التى تروى هذه المدينة تصب فى هذه البحيرة ، وهى التزام تابع للمنصورة ، ويحكمها أى من قبل كاشف المنصورة حينا والباشا أغا حينا ويقدم الباشا فى كل عام كشوفية قدرها ست أكياس ، وهى قضاء يدر مائة وخمسين أقجه ولقاضيها فى كل عام خمسة أكياس ، وفى ناحية منها قرى للأرز ، ويحصل من جميع القرى ست وخمسون كيسا ، كما أن الصيادين يصيدون كل عام سبعة أحمال من السمك وبها ألف بيت وعشرة محلات وسبعون محرابا ، وفيها ثمان خطب وفيما عدا ذلك مساجد ، والجامع الكبير فيها يكثر فيه المصلون ، وكان معبدا قديما ، وقد أنشأ هذا الجامع وزير صلاح الدين يوسف ، وهو القعقاع التميمى ، عندما فتح هذه المدينة ، ولا تعرف جوامع أخرى بهذه المدينة ، وزاوية الشيخ إبراهيم السلمونى زاوية معمورة وفى هذه المدينة ثلاث منارات ، ومدرسة وستة مكاتب للصبيان وسبعة سبل وخمس وكالات ، ومائة دكان منها ثمانون مفتوحة وبقيتها موصدة ، ولا سوق فيها وبها ثمانية مقاه ، وسوق للعطارين فيها جميل ، وتقام سوق كل سبعة أيام وهى سوق الخيل والغنم

٢٩٦

والجمال ، ولا وجود لسوق سواها لأنها ليست مدينة عظيمة ، وأهلها فقراء إنهم يأكلون السمك ويتكسبون بصيده ، وفيها سمك عجيب ، وفى الشتاء تأتى الوحوش والطيور إلى الحدائق فيتصيدها أهل هذه المدينة ، وتشتهر المدينة بالقمصان البيض ، وأهلها مشهورون بالجمال.

ضرائح المنزلة

دفن الشيخ محمد العقابى فى زاويته ، ودفن إبراهيم السلمونى فى زاويته وبالقرب من القرافة الكبرى قبر الشيخ طاهر ، وبالقرب منه دفن القعقاع الوزير ، وبالقرب من قبر الوزير القعقاع التميمى دفنت الست صالحة رحمة الله عليهم أجمعين ولها مناقب كثيرة كأنها رابعة العدوية ، والشيخ شهاب الدين الأنصارى من الصحابة الكرام ، وهو مدفون بالقرب من زاوية الخياطين ، وقبر الشيخ محمد الشامى بالقرب من سوق العطارين رحمة الله عليهم أجمعين ، وما أكثر مناقب الأولياء ، ولكننا نزلنا ضيوفا فى هذه المدينة مدة يوم وليلة.

ثم بعد ذلك ركبنا السفينة ، وعدنا إلى الترعة التى جئنا فيها وقد بذل الملاحون الجهد الجهيد فبلغنا مدينة المنصورة ، ثم ودعنا الأعيان فى تلك المدينة ، وركبنا السفينة وقبالة هذه المدينة :

مدينة طلخا

وبها ثلاثمائة بيت وعلى ضفة النيل جامع ذو منارة ، وفيها شيخ انهدمت مقبرته عند فيضان النيل فوضعوه فى تابوت على مرأى من الناس ، ومضينا إلى :

بلدة الشيخ رمضان

وبها مائة بيت وهى بلدة صغيرة وناحية المنصورة :

بلدة ميت خميس

وبها مائة بيت وجامع ، وتجاهها على حدود إقليم الغربية :

٢٩٧

بلدة ميت الغرقا

وبها مائتا بيت وجامع ، وفى إقليم المنصورة :

بلدة ميت ويش

وبها ثلاثمائة بيت وجامع ، وفى إقليم الغربية :

بلدة ميت عساس

وإلى جانب إقليم المنصورة :

بلدة نوه سى

وكذلك فى حدود المنصورة :

بلدة ميت ثعبانيه

وفى جنوبها :

ميت المنية

وتجاهها فى إقليم الغربية :

مدينة لوط.

أوصاف مدينة لوط

إنها مدينة معمورة ، وهى مرفأ لسمنوط ، وهى على شاطئ النيل وتحوى ثلاثمائة بيت وهى قصبة جميلة والتزام ، وكانت فى قديم الزمان مدينة قديمة وفيها آثار لقوم جالوط ، وهى قضاء يدر مائة وخمسين أقجه ، ولقاضيها مرتب يقدم صدقة ، وهو نائب الحاكم ، وهذه المدينة تدرّ فى كل عام خمسة أكياس ، وقرى نواحيها تحوى اثنين وأربعين بيتا وفيها ستة محاريب وثلاث خطب وفى مرفأها جامع علوى به أربعة عشر عمودا عليها سقف ، وله ثلاثة أبواب ومنارة منهدمة ، وخان وحمام وستة مقاه وخمسون دكانا وسبعة سبل واثنا عشر مكتبا للصبيان وعلى ضفة النيل محكمة.

وصف ضرائحها

الشيخ إسماعيل العدوى وسيدى عبد الله الخلف وهما مدفونان فى مسجد الغدوى ، ثم امتطينا خيولنا فبلغنا ضريح :

٢٩٨

بلدة أبو على

وهى التزام الأمير مصلى أغا ، وفيها نخيل وحدائق وثلاثمائة بيت وقرى معمورة ، تجاوزناها فبلغنا :

بلدة قيطاس أغا

وبها مائتا بيت وجامع إنها قرية عامرة ولكن يسكنها قبيلة بنى حرام وهم أشرار. وتجاوزناها إلى الشمال واجتزنا بقرى لا نعرف لها اسما ، كما عبرنا مرورا ببلاد على شاطئ الترعة ، وفى هذه البلاد كثير من البساتين ، وعلى مسيرة ساعة من سمنوط :

محلة الكبير

وهى العاصمة الثانية لإقليم الغربية ، وهى مدينة عظيمة ، واسمها باللسان القبطى زيحان لوقوعها فى إقليم الغربية الذى يقع غرب إقليم الشرقية سماها الروم الغربية ومحلة الكبير جزيرة تقع فى النيل بين إقليم الشرقية والبحيرة ، وهى كنانة الله ابتداء من مصر ، ثم المحلة ، ثم رشيد ، ثم دمياط ، ثم منية ومنفلوط وهذه مدن كثيرة ، ولكن هذه المحلة ليست معمورة فى يومنا هذا ، ولكن فى سبعين موضع من أرضها طلاسم ، وعلى حد قول المقريزى إنها من بناء مصرايم بعد طوفان نوح وبناء على علم النجوم استطاب هذه المدينة مصرايم لطيب هوائها ، وهذا ما حفزه على إنشائها ، ولقد استولى عليها كثير من الملوك على مر العصور ، وبينما كان الظاهر بيبرس كاشفا لهذه المدينة استطاب جوها ، وفى زمان ملكه جعل من هذه المدينة الحاضرة الثانية لملكه ، وكان يسكنها ، وتجرى إلى الآن ترعة إلى وسطها ، وبالقرب من قصر الكاشف عليها ثلاث قناطر ، وعند العشاء تعزف فرقة موسيقية عند هذه القناطر وذلك طبق القانون السلطانى للظاهر بيبرس ، وينال أفراد هذه الفرقة الموسيقية رواتبهم من الكاشف ، إن هذه الفرقة الموسيقية تعزف على الدوام لأن هذه المدينة هى حاضرة البلاد الثانية.

وأمراء مصر الذين فى درجة ميرميران وأتباعهم ألف وسبع فرق من المستحفظين وعليهم فى التزامهم أن يقدّموا مائتى كيس ، وديوان مصر يختم بها حسابه ، كما يحصّل مائتين وخمسين كيسا بعد المصاريف ، وحاكمها صاحب منصب عال وهو يرأس الأمراء

٢٩٩

ما عدا أمير الحج والدفتر دار ، ويتقدم فى سيره الأمراء والكاشفين لأنه حاكم العاصمة الثانية للبلاد ، ويصبح بعد ذلك أمير الحجّ.

وفى إقليم الغربية ثلاثمائة وسبعون قرية معمورة وبها قاض شرعى ، ولا منصب فى مصر أعلى من منصبه ، وقد تصدق مرارا بمبلغ خمسمائة أقجه على رجال الدين ، وطبق القانون يجب أن يتصدق بأربعمائة وتسعة وتسعون أقجه ، وثمة محكمة فى كل من سمنوط ، وشربين وهذه المحاكم داخل هذه المدن وخارجها ، إنها مدينة كبيرة ، وفيها شيخ الإسلام على المذاهب الأربعة ونقيب الأشراف والأعيان والانكشارية والعزب والسردار والچاوش ، وليس فيها قبوقولو سردار ولا سباه كتخدا ، ولا آلاى بيكى ولا جرى باشى ولا أصحاب زعامت ، إن كل قراها تدر المال السلطانى ، إنها مدينة معمورة تجرى من تحتها الأنهار ، وهى فى منزلتها بعد مصر ، وبها قصور عالية كثيرة الطوابق ، وبها بيوت كبيرة وصغيرة قديمة الطراز مجصّصة ، وعلى ضفة الخليج قصور كبار الأعيان تطل نوافذها على الخليج.

وفيها بساتين وفيها سبعون محلة ، ومائة وأربعون محرابا ، سبعون منها تؤدى صلاة الجمعة فيها ، وبها جوامع للسلاطين والأولياء ، وبالقرب من مالك بك جامع بالى بك ، وهو جامع على ضفة النيل ، أربعة أعمدة له فى النيل ، وقد بنى على هذه الأعمدة ، وهو جامع علوى ويصعد إليه بسلم من اثنتى عشرة درجة ، وله ثلاثة أبواب أحدها فى جدار القبلة ، وهو يطل على الطريق المواجه لقصر البك ، وله باب ينفتح على حوض وليس فى داخل الجامع أعمدة ، وجوانب السقف مزخرفة ومذهبة ، وهذا الجامع العلوى ، تحته ستة دكاكين وله منارة تتألف من ثلاثة طوابق ، وقد كتب على باب منبره بالخط الجلى قوله تعالى: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ .....) [الأحزاب : ٥٦].

وبعده على ضفة النيل جامع (الصفا) وهو غاية فى الحسن ومنظره الجميل غاية فى الروعة ، وعلى ضفة النيل كذلك تجاه قصر البك جامع خواجه عطار وله سقف منقوش بشتى الألوان ويقوم على ثلاثة وثلاثين عمودا ، ومحرابه من الرخام ، ومنبره من الخشب المنقوش ، وله ثلاثة أبواب أحدها للقبلة وهو يطل على السوق وله بابان جانبيان يفضيان

٣٠٠