الرحلة إلى مصر والسودان والحبشه - ج ٢

أوليا چلبي

الرحلة إلى مصر والسودان والحبشه - ج ٢

المؤلف:

أوليا چلبي


المحقق: الدكتور محمّد حرب
المترجم: الدكتور حسين مجيب المصري وآخرون
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٤
الجزء ١ الجزء ٢

أوصاف محلة ديروط

كان لفرعون فيها دير كبير لذلك سميت ديروت وهى تابعة لالتزام سنديون ، وبها ألف بيت وأربع منارات وأربعون زاوية وحمام ووكالة وأربعة مقاه ، وراقصات جميلات ، وخمسون دكانا وحقول غزيرة المحصول ، وقبالتها فى إقليم الغربية :

محلة سنديون

وهى قضاء يدر مائة وخمسين أقجه ويتحصل منها فى العام ثمانية أكياس ، وفى ناحيتها ثمانون قرية ويسكنها بنى حرام وبنى جزام ، وينشب القتال بينهما على الدوام ، وفى القرى ثلاثة آلاف بيت ، ولها كاشف صاحب خلعة ، ولها جامع ذو منارة جميلة وبها مائتا دكان ، وخان ، وليس فيها حمام وبعدها بميل فى إقليم البحيرة :

محلة عاطف

وهى التزام وبها ألف بيت ، وبها جامع وعشرون مسجدا وعدة أسواق صغيرة ، وليس بها حمام ، وبالقرب منها بلد داود ومن هذه البلد تجرى ترعة الناصرية إلى الإسكندرية.

أوصاف قصبة فوه

هى قضاء يغل مائة وخمسين أقجه وبها مائة قرية وخمس من القرى العامرة ، وهى كاشفيه يلبس كاشفها الخلعة من الغربية وبها أربعة آلاف بيت واثنا عشر جامعا ، وأربعون مسجدا وأحد عشر جامعا ذا منارة وحمامان وخمس وكالات وثمانية مكاتب للصبيان وستون دكانا وأربع مقاه.

إنها مدينة عامرة تزدحم بالسكان وتجاهها جزيرة صغيرة يحيط بها النيل من جوانبها الأربعة ، ويسمونها جزيرة الذهب ولأنها كثيرة المحاصيل سميت جزيرة الذهب ، وعسلها أبيض لذيذ وكأنها جزيرة تشبه الجنة وفى حدائق نخيلها جامع جميل ذو منارة

٢٦١

وعلى مقربة منه قرية بها أربعون بيت وبعد هذه الجزيرة على مسافة ميل فى إقليم الغربية :

محلة شرف

وتضم نحو ألف بيت وجامع ومقهى وقبالتها فى إقليم البحيرة :

محلة شرم بك

وبها نحو ألف بيت وجامعان ومقهيان وهى قصبة كثيرة المحاصيل ، وفى تجاهها فى إقليم الغربية :

محلة السالمية

وهى التزام وبها ألف بيت وجامع ذو منارة وعلى بعد ميل وفى إقليم الغربية :

محلة مالك

وبها خمسمائة بيت وهى التزام وبها دار للضيافة عبارة عن قصر عال يسكنها صاحب القرية وفى كل ليلة يكرم صاحب القرية أربعين أو خمسين ضيفا ، ويعلف خيولهم لأنها محلة يمر بها كثير من الناس ، وبها جامعان وأسواق صغيرة ، ولكن ليس فيها حمامات والشيخ محرم والشيخ كنعان والشيخ رمضان دفنوا فى قبور بيض بها ، وقد رسونا فيها بعشرين باره ونزلنا ضيوفا ليلة وفى الصباح تابعنا سيرنا ، وفى هذه المدينة وفى إقليم البحيرة :

محلة شموخذات

إنها قصبة صغيرة ملتزمها رشيدلى مندل زاده وبها ثلاثمائة بيت وجامع وبها قهوة وليس بها حمام ولا دكان ، وعلى بعد ثلاثة أميال وفى إقليم البحيرة كذلك :

محلة الرحمانية

وهى فى التزام قيطاس أغا ، وقد أوردنا أوصافها على التفصيل فيما كنا ذاهبين إلى البحيرة وتجاهها فى إقليم الغربية :

٢٦٢

محلة إبراهيم الدسوقى

وقد أوردنا أوصافها سلفا وعلى بعد تسعة أميال منها فى إقليم الغربية :

بلدة مرقاص

وقد دفن فيها إبراهيم الدسوقى وقد وصفتها من قبل وعلى بعد ميلين فى إقليم الغربية محلة :

أبى على

وقد ذكرت من قبل وفى قبالتها فى إقليم البحيرة محلة :

دييى كبير

وهى التزام وبها ثلاثة آلاف بيت معمور وبها جامعان لكل منهما منارة ، وعشرون مسجدا وخان وعشرون دكانا ومقهيان.

وقد تجولت فى النيل ، وكنا ضد مهب الريح ، فأنزلوا جميع الملاحين جانبا ، وجذبوا السفن بالحبال فبذلوا فى ذلك جهدا عظيما ، وتجاه هذه المحلة :

محلة شبراخيت

وتحتوى على ألفى بيت وجامعان وعشرة مساجد ، ووكالة ، وعشرة دكاكين وثلاث مقاه ، وعلى قرابة ميل بإقليم البحيرة :

محلة شبرى ريش

وهى التزام ، وبلد معمور جملة دورها خمسمائة بيت ، وبها جامعان وسبع زوايا ، ووكالة وعدة دكاكين ، ولكن ليس فيها حمام ، وتجاهها فى إقليم الغربية :

٢٦٣

محلة ميت جناح

وهى التزام ، وبها ألفا بيت وجامعان وعشرون مسجدا ، ولكن ليس بها دكاكين ولا حمام وتجاهها فى إقليم البحيرة :

محلة مجالجسه

وهى التزام ، وبها جامع واثنتا عشرة زاوية ووكالة ومقهى ، وألف ومائتا بيت ولكن ليس بها حمام ولا دكان ، وتجاهها فى إقليم الغربية :

محلة صالح

وهى التزام ، ويقال إن بها قبر علىّ ـ كرّم الله وجهه ـ وماؤها عذب وكان فى هذا البلد قديما قلعة عظيمة تسمى فى كتب التاريخ (ولاية صالح) ، وهى الآن مقبرة فى سجلات المحكمة ، وآثارها القديمة ماثلة للعيان ، وبها ألفا بيت معمور وجامعان وعشرون زاوية ومقهيان ووكالة ، وعلى بعد ميل منها وعلى ضفة النيل وفى إقليم البحيرة :

محلة كفر جديد

وهى التزام وبها مائتا بيت ليس إلا ، وجامع ومقهى ، وفى شمالها فى إقليم البحيرة :

محلة نكله

وهى التزام ، وبها ألفا بيت معمور جميل ، وثلاثة جوامع معمورة جميلة ، وعشرون من المساجد ، ووكالتان ، وقصر شامخ هو دار ضيافة ، ولا يقل عدد الضيوف فيه عن مائة ضيف فى كل ليلة كما أن فيها عشرون سوقا صغيرة كما أن بها مقهى ، ولكن ليس بها حمام ، وتجاهها فى كشوفية المنوفية :

٢٦٤

محلة فرزدق

وتقع فى التزام نقيب الأشراف ، وبذلك سبق وصفها من قبل.

وفى شمالها على بعد ميل وعلى ضفة الترعة النهارية ولأنها فى إقليم المنوفية سبق لنا وصفها ، وهى على حدود إقليم الغربية ، وعلى بعد ميل شمالا وفى إقليم البحيرة :

محلة إشليمية

وهى فى التزام سفر أغا ، وبها خمس مائة بيت وجامع وست زوايا ومقهى وعدة دكاكين وحمامات ، وليس فيها وكالة ، وفى إقليم البحيرة على بعد ميل منها :

محلة الطاهرية

وبها جامع وسبع مائة بيت ، وهى قليلة العمران ، وعلى بعد ثلاثة أميال وتجاه الطاهرية وفى إقليم المنوفية :

محلة كفر زياد

وهى التزام وبها خمس مائة بيت جميل وجامع وخانان وعدة دكاكين ، وليس فيها حمام ، إنها مرفق السيد أحمد البدوى ، وعلى بعد ميل شمالا فى إقليم البحيرة :

محلة شابوز

وبها ألف بيت وهى التزام ، وبها جامع واحد ، وعلى بعد ميلين شمالا وفى إقليم البحيرة :

محلة سلمون

وهى التزام سفر أغا وبها مائة بيت وجامع وثلاثون مسجدا وخانان ومقهى ، وسبع أسواق ، وعلى بعد ميلين شمالا وفى إقليم المنوفية :

٢٦٥

محلة كفر ناحه

وهى التزام سياوش أغا وبها مقهى وألف بيت وجامع وليس فيها حمّام ولا وكالة ولا دكاكين ، وعلى بعد ميلين من جهة الشمال وفى إقليم البحيرة :

محلة أبو أحمد

وهى التزام وبها خمسمائة وخمسون بيتا وجامع ومقهى وليس فيها حمامات ولا وكالات ، وعلى بعد خمس درجات شمالا منها فى إقليم البحيرة :

محلة بحيرة

وهى فى التزام ذو الفقار أغا وبها جامع ومقهى وأربعة دكاكين ، وقبالتها فى إقليم المنوفية على نهر النيل :

محلة زغيره

وبها جامع ومقهى ، وسبعمائة بيت ولا وجود لما سوى ذلك ، وعلى بعد ميل فى إقليم المنوفية :

محلة طنوب

وهى فى التزام رضوان أغا وبها ثلاثمائة بيت ، وجامع بلا منارة ، ووكالة ومقهى ، وعلى بعد ميلين شمالا وفى إقليم المنوفية :

محلة أمروز

وهى التزام مصطفى أفندى ، وبها خمسمائة بيت وجامع ومقهى ، وعلى بعد ميلين شمالا منها وفى إقليم البحيرة :

٢٦٦

محلة طيرنه

وهى التزام ، وتروى من ترعة سلطان شرف التى تروى ولاية أبو جاموس ، وأولها فى هذه المحلة ، وبها خمسمائة بيت معمور ، وبها جامع ولا عمران فيها بعد ذلك. ومضينا شمالا ميلين ، وفى إقليم البحيرة على ضفة النيل وجدنا :

محلة علقمة أبو الجاوى

وليس فيها سوى جامع ، وبها ألفا بيت. وتجاهها ، وفى إقليم المنوفية :

محلة تمالية

وبها ثمانمائة بيت معمور ، وجامع ، ومقهى تجاوزناها بمسافة ميلين شمالا وفى إقليم المنوفية :

محلة جزى

وهى واقعة فى التزام محمد أغا ، وبها دار ضيافة عظيمة ، وعلى بابها مدافع وبها ألف بيت وجامع ومقهى وليس يوجد شىء سوى ذلك ويجرى النيل شرق هذه المحلة وهذه المدينة مرفأ ، وهى على مسيرة مرحلة (١) من منوف وقبالتها فى إقليم البحيرة على ضفة النيل :

محلة طرّانه

وصاحبها ذو خلعة وطبل وجند ، وبها قبور من الجص ، وليس فيها حدائق ، وبها جامع بلا منارة ومقهى ، وفى هذه الناحية قاضى البحيرة ولها ستون قرية تابعة لها.

بيان معادن النطرون الطبيعى

إن ما يسمونه النطرون هو محصول هذه الأرض ، وهو يخرج من صحراء هذه الأرض إنهم يحفرون الآبار ويتعمقون بمقدار باع أو باعين ، فيمتد عرقا عرقا فى

__________________

(١) المرحلة : المسافة التى يقطعها السائر ما بين المنزلين.

٢٦٧

الأرض ، وجميع سكان هذه المحلة مأمورون بأداء هذا العمل ، فيستخرجون عدة قناطير من النطرون ، وأمام كوخ أمين النطرون يذرون النطرون كأنه ملح ، ويأتى من بلاد الفرنجة التجار لشراء النطرون ، فيشترون فى العام عدة آلاف من قناطير النطرون ، ويتحصل منها فى العام سبعين كيسا وهى التزام وأكثر علماء مصر يشغلون مناصب فى إدارات خاصة به لأنه مال جذل ، وفى جميع الدنيا يذيبونه ويجعلونه كالماء ويضعونه على الصخر فينمحى بإذن الله تلك هى خاصيته ، كما يوضع فى مصر غالبا فى الطعام مثل الملح ، وهو ينضج اللحم ولكنه من أكل منه تأذت عيناه وساءت نفسه وشحب وجهه وانتفخت بطنه كبطن الحامل ، وفى مصر يضعون ذرة منه فى طعامهم لأنه ذو قيمة كالوقود ، ولذلك فإن الطعام فى مصر يطهى سريعا ، أما أصحاب الأسر إذا طهوا به الطعام كالحطب طاب طعامهم.

وفى عصر الوالى قره مصطفى باشا ثار البكوات فنشبت الحرب واستشهد كثير من الجند وفى صحرائها دفن بالقرب منهم أتباعهم ـ رحمهم‌الله ـ وعلى بعد ميل شمالا وفى إقليم المنوفية :

محلة زاويه

بها سبعمائة بيت وجامع ومقهى ، وفى شمالها فى إقليم البحيرة :

محلة أبو فشانه

وبها جامع ذو مناره وألف بيت جميل ، وشمالها فى إقليم البحيرة سكن قبيلة بنى سلامة وبنى رجبان فى أرض رميلة وهؤلاء القوم على ضفة النيل ويغيرون على السفن ولا يحاربهم إلا من كانوا يحملون السلاح ، وهم شجعان ، وقد بلغنا هذه المحلة وسمعنا نساء العرب وهن يضربن بالدفوف على رأس الجيش ويرقصن ويعزفن على الرّباب ، وقيل لى إن فى إقليم البحيرة أرض رملية لا أمان فيها ، والعرب ينهبون السفن التى ترسو على هذه المنطقة ، لأنها أرض خالية موحشة ، والمجرمون يركبون السفن على

٢٦٨

أنهم صيادون وهم يغيرون على السفن ، ولذلك يجب التحرز منهم. وقد تجاوزت هذه المنطقة سالما والحمد لله ، وشمال هذه المنطقة فى إقليم منوف :

محلة أشمون جريس

هى التزام كبير وبها جامعان وعشرون مسجدا ووكالتان ومقهيان وعشرون دكانا وليس فيها حمام ، وعلى بعد ميلين شمالا منها وفى إقليم المنوفية :

كفر جركس

وهى ليست محلة وبها ثلاثمائة بيت وجامع واحد ولا يوجد عمران بعد ذلك ، وسرنا أربعين ميلا فى مهب ريح الجنوب تجاه كفر جركس وفى إقليم البحيرة وعلى شاطئ النيل :

محلة قطه

والحق أن القطط فيها كثيرة وهى التزام ولم يبق من القرى والقصبات سواها فى إقليم البحيرة ، وعلى بعد ميل منها الجسر الأسود وهو جسر له خندق ، وشمالها فى حكم كاشفية الجيزة وعلى بعد أربعة أميال وفى إقليم الجيزة :

محلة أم دينار

وقد كشف السلطان يوسف صلاح الدين فيها عن كنز عظيم ، ولذلك سميت أم دينار ؛ وبهذا المال الذى استخرجه من هذا الكنز بنى قلعة عظيمة داخل القلعة كما تصدق بمال كثير فعمر مصر ، وبها جامع ومقهى وترعة عظيمة ، وهذه الترعة تمتلئ عند فيضان النيل فتروى هذه الولاية ، وتمر فيها سفن تحمل الغلال لأنها ترعة كبيرة ، وفى هذه الترعة معدية أميرية ، وبها يعبر أصحاب الحاجات من الجيزة إلى منوف ويؤدون الأجر وتجاهها فى إقليم المنوفية :

٢٦٩

محلة شراوى ومحلة دراوى

وبالقرب منهما محلات تقع فى التزام نقيب الأشراف فى مصر برهان الدين أفندى ، وهى محلة معمورة لأنها قريبة من مصر وكثيرة المحاصيل فأهلها فى رغد من العيش وبها جامعان ولكننا لا نعرف عمائر أخرى سواها وفى حدود منوف على شاطئ النيل بليدات وقصبات تتمم هذه المحلة ، وعلى بعد ميل محلة تسمى :

بطن البقر

وهى فى نهاية جزيرة فى النيل ، ويجرى النيل حولها ، وهى جزيرة كبيرة وعظيمة ، والنيل يجرى بين إقليم الغربية وإقليم المنوفية ، وهى كشفيتان حكوميتان ، وبها ألف وستمائة بيت وقرى وقصبات ومدينة عظيمة تتمها هذه الجزيرة هى محلة بطن البقر والنيل ينعطف يمنة ليجرى إلى ولاية دمياط ، وينعطف يسرة ليجرى إلى ولاية رشيد ، وعلى ساحل النيل الأيسر محلات وقصبات مررنا بها ولكنها رياض ونخيل وبين رشيد وبطن البقر خمسمائة ميل ، وليس فى بطن البقر قرى ، إنها أرض خالية سبخة وفيها أشجار ذات أشواك ، وهى فى حكم جبه جى باشى ، وفى تل يحرق أخشاب هذه الأشجار وتوضع هذه الأخشاب على الفحم والبارود الأسود ، ولذلك فإن بارود مصر فى شدة بارود بغداد وانجلترا ، وفى بطن البقر أربعون ضريحا وهناك ، يستجاب الدعاء ، وفى الجانب الشرقى من بطن البقر فى الضفة المقابلة للنيل كشفية قليوب ، وفيها :

بلدة بيت البارود

وهى فى حكم جبه جى باشى وفيها يحفظون أخشاب أشجار الشوك والفحم ، وفى منطقة على بعد أربعة أميال فى إقليم القليوبية :

محلة شبرا

وقد ذكرنا أوصافها من قبل ، وفى الجهة المقابلة لها فى إقليم الجيزة :

٢٧٠

محلة الوراق

وفيها جامع ولا نعرف بيوتها ، وعلى بعد أربعة أميال جنوبا وفى أرض الجيزة مدينة امبابة.

أوصاف مدينة امبابة وهى عاصمة كشوفية الجيزة

ولكاشف امبابة ثلاثمائة جندى ، وهو حاكمها ، وهو يحصّل مائة كيس وعشرة ، وبها قاضى الجيزة ونائبه ، وبها بيوت معمورة ، كما أن بها ثمان جوامع وستون مسجدا ومائة وثمانون دكانا ولكن ليس فيها سوق وبها سبع مقاه ، وسبل ومدارس وتكايا وتكيتها معمورة ، وفى محكمتها منح شيخ الإسلام مصطفى أفندى معاشا مائة وخمسين أقجه ، له ولنائبه الحكم فى هذه المحكمة العامرة ، وكل هذه الناحية قرى منها :

أوسيم

إنها بلدة كحديقة إرم ، ذات نخيل ، ولهذه البلدة حاكم من العرب اسمه شجاع الدين سليل قبيلة خبير وهو خبير العربان ، وله ثلاثمائة فارس ، وهم يتولون رعاية شئون الأمن فى تلك البلاد ، فإذا ما تعلق مجرم بأذيال الفرار جاءوا به مقيدا ، وجو هذه المدينة لطيف كما أن فتياتها وفتيانها يتميزون بروعة الحسن ، ويجتمع فيها كل يوم سبت ألف إنسان فى سوق عظيمة ، وأصحاب الحرف فيها كثير ، ويصنعون المآزر والأقمشة ذات الألوان والعمائم والمروط ، وفى كل عام يأتى إلى هذه المدينة من يزورون السيد البدوى ويجتمع فيها أربعون أو خمسون ألف إنسان فى ثلاثة ليال ، ويقيمون مولدا عظيما ، ولا يتعلق به الوصف ، كما يقيمون الخيام وحلقات الذكر ويزورون الشيخ الامبابى ، وهو مدفون فى جامع كبير على شاطئ النيل قدسنا الله بسره العزيز ، وحول ضريحه حديقة من نخيل ، وتكية فيها مريدون يسمى الواحد منهم الامبابى وينتهى نسبه إلى السيد أحمد البدوى ، وهؤلاء المريدون زهاد منقطعون عن الدنيا منزوون فى ركن القناعة يعيشون على الصدقات ، ولأن أهل الحرف فيها كثير ففضلا عما فى الأسواق

٢٧١

يعرضون كذلك ما يصنعون فى الدكاكين خارج المدينة فى الخلاء ، وسبعون دارا للصباغة أميرية ، واثنتا عشرة وكالة وحمام وعشرون مكتبا للصبيان وحدائق كثيرة ، وأهلها يكرمون الضيف ، ومقابل امبابه :

بولاق

وهى مرفأ مصر ، وقد وصلنا إليها من رشيد فى خمسة أيام ، وهى مدينة كثيرة المحاسن ، وركبنا خيولنا وجيادنا إلى القلعة الداخلية ومضينا مع نائب نيشلى على كتخدا ، وتجولنا فى أرجاء المدينة لقد زرنا رشيد ولكن بقى ميناء دمياط ، وفى الصباح سوف نمضى إلى البرلس وقلعتها وقلعة دمياط وقلعة تيمه ، وقد طوفنا فى هذه الأجزاء ، وفى اليوم التالى فى السحر زرنا جميع القلاع هنالك وصدر أمر من الكتخدا بأن يمنحنى الوالى خمسين دينارا من ذهب نفقة الرحلة ، فقبلت يده ، ودعيت له بالخير ، ومضيت وودعت الكتخدا ، ونلت منه أربعين دينارا من ذهب وقماش من الجوخ ، وفى هذا اليوم مضيت إلى مدينة بولاق ، وهيئت لنا حاجتنا من المأكولات والمشروبات مع خمسين فتى فى السفينة ، وركبنا السفينة مع هؤلاء الخدم ومضينا فى طريقنا.

* * *

٢٧٢

الفصل السابع والستون

بيان ما شاهدنا من قرى ومدن وقصبات

فى طريقنا من مصر إلى قلاع دمياط والبرلس وتينه

خرجنا أول الأمر من بولاق ووصلنا بعد ثلاثة أيام فى طريقنا إلى رشيد ، فوجدنا قبالة محلة الأمير ترعة عظيمة وهى ترعة البرلس ، فوصلنا :

محلة عزبه

وفيها سبعون أو ثمانون بيت كما أن فيها قبرا عاليا دفن فيه الشيخ على الكومى ، فتجاوزناها وعلى ضفة الترعة :

عزبة الحج

وتتألف من مائة وخمسين قرية ، وبالقرب من جامعها مدفن الشيخ قشاشى ، فتجاوزناها وفى الترعة سحب السفينة ملاحون من الضفتين فصادفتنا قرى تجاوزناها ، وتقدمنا فى طريقنا وكان بحر البرلس على يمنتنا وسدّت الترعة عند هذه المحلة إلا أنها تجرى فى بقعة أخرى فيها منبت للأرز ، فخرجنا من السفينة وركبنا سفنا فى بحيرة البرلس ، وعدنا إلى السفينة ، وهذه الترعة تجرى عشرون ميلا إلى جانب بحيرة البرلس ، ودخلنا إلى البحيرة وهى عظيمة طولها خمسون ميلا وعرضها ثمانون ميلا إلا أنها بحر ضحل وفيها قارب للصيد ، وفى نهاية بحيرة البرلس قلعتها ومن البوغاز يدخل إلى بحر واسع ، وفى جنوبها فى إقليم الغربية البحر ليس شديد العمق ، إنهم قدروا عمقه بقامة إنسان ، وفيه علامات حتى لا تسير فيه السفن لأن فى البحر نخيل فتمر السفن بين هذا النخيل ، وفيه السمك أنواع مختلفة ، وبين بحيرة البرلس والبحر الأبيض رأس صغيرة ، ومضيت فى البحيرة تدفعنا ريح تهب من الشمال الغربى إلى الشرق.

٢٧٣

أوصاف قلعة البرلس القديمة

وهى بحيرة تقع فى إقليم دمياط ، وتتبع إداريا لبك دمياط ، تؤدى سبعين كيسا وللقلعة حاكم وذلك طبقا لقانون السلطان سليم ، وحاكم آخر وهو قاض ، ويتحصل له فى العام خمسة أكياس وفى ناحية منها سبعون قرية ، وفى ناحية أخرى بلدة بلطيم ، وقد بنى اسكندر اليونان قلعة البرلس ، وفى العام الحادى والعشرين للهجرة ، وفى خلافة عمر بن الخطاب كان عمرو بن العاص قائد جيش يتألف من ثمانين ألف رجل ، وقد وجد فى الفتح صعوبة وشدة ، وبينما وقف عاجزا اقتضت حكمة الله أن يشرف بالإسلام هاموك أوغلى حاكم البرلس.

وبفضل منه تم الفتح للقلعة ، وعلى مر الأيام تخربت القلعة من تأثير تلاطم الأمواج بها وفى عام ٩٢٣ ه‍ جدد بناءها السلطان سليم ، وهذه القلعة تحرس البحر إنها قلعة صغيرة مربعة ومحيطها خمسمائة خطوة ، وفى كل ركن من أركانها الأربعة قلعة خربة ، وبها باب حديدى يشرف على البحر وفى القلعة ثمانون جنديا ، وجامع بناه السلطان سليم ومنارته على باب القلعة وهى منارة صغيرة وتصل رمال البحر إلى القلعة الآن ، وهى تغرق من يوم إلى يوم ، وقد رأيت مواضع الهدم فى سورها وفيها أربعون مدفعا وعتادها قليل ورئيس طوبجية القلعة من اللاظ ، وفى جهاتها القبلية ثلاثمائة بيت وزاوية ، ومقهى ودكان خباز ، وليس فيها حمام ولا سوق ، إنها أرض رملية تغيب القدم فيها ولكن جوها لطيف إلى أبعد غاية ، والناس حولها ينعمون بتنسم النسيم العليل وبطيخ البرلس مشهور فى البلاد بجودته ، وفيه نوع يسمى البطيخ الماوى وهو ممتلئ فى جوفه بماء الورد ، وثمة نوع آخر من هذا البطيخ إذا شرب المريض ملئ فنجان منه تم الشفاء له من مرضه ، ومن يدمنون شرب الخمر يكرهونها وينصرفون عن شربها ، ويشربون من مائه ، ويخلطون ماء هذا البطيخ بملعقة من العسل ويشربونه شرابا لذة للشاربين ، ومن شرب قدحا من هذا الماء صاح قائلا آه يا برلس ، إنها خمر عجيبة وقد كتب داود الحكيم عن فوائد هذا البطيخ فى تذكرته ، كما أن سمك البرلس وتمره المخلل مشهور بالجودة إنه على شاطئ الجزيرة ، وفى الجانب الشرقى للقلعة وعلى بعد ثلاثمائة

٢٧٤

قدم فى أرض ذات رمل ست آبار ماؤها عذب فرات ، وأهل البرلس قاطبة يحضرون ماء هذه الآبار ، وبالقرب من هذه الآبار ضريح الشيخ عيسى بن نجم بن إبراهيم الدسوقى ، إلا أن هذا الضريح غاص وسط الرمال وهو يزار ويرفع الزوار الرمال عن هذا الضريح ، ولكن لما آلت الولاية فى مصر إلى بولاد زاده أمر بنقل جثمانه جميع أهل رشيد ودمياط وسائر القرى والقصبات. وكانوا عدة آلاف كما جاء القاضى والأعيان والأشراف وتجمعوا وحملوا جثمانه وشاهد أولاده نقل جثمانه وسط ارتفاع الأصوات ب «لا إله إلا الله» ، وأطلق المريدون البخور مكبرين مهللين مما يذكر أن كفنه أبيض طاهر بعد مرور ستمائة وستة وثلاثون عاما عليه فى القبر فأخذ العجب مأخذه من الناس أجمعين ، وحمل تابوته إلى مرج مرتفع بالقرب من شاطئ البحيرة حيث دفنوه ، والآن بنى له ضريح عظيم وجامع وتكية ، وفضلا عن ذلك فإن للناس فيه عقيدة راسخة فلا يخلو صريحه ليل نهار من زوار ، كما يقام له مولد فى شهر شعبان من كل عام ويحتشد فيه مائة ألف إنسان ، ولله أحمد أن تيسرت لى زيارته ، وقرأت سورة يس على روحه رحمة الله عليه ، وقد نظمنا فيه شعرا ، بيد أن هذه الأشعار ضاعت بين أوراقى المتناثرة ، ومن أجل زيادة القلعة تسلمنا من صاحبها مائتا قرش وجوادا ومعنا أربعون من الرجال يحملون البنادق ، وحملنا مأكولاتنا ومشروباتنا ، ومضينا إلى ساحل الجانب الشرقى من بحيرة البرلس ، واجتزنا بأرض ذات نخيل وقرى معمورة.

أوصاف قصبة بلطيم

محلة تتألف من بيت معمور فى أرض رملية ، وهى التزام تتبع إقليم البرلس ، ويسمون صاحب البلدة الحاج بلبل ، وإنه رجل رفيع الشأن عامر القلب بالإيمان ، وفى ناحية البرلس ثلاثة جوامع ، وعلى ضفة البحيرة جامع كبير بناه السلطان منصور ، ويقال إنه مدفون فى ركن من حرم هذا الجامع ، ومساحة هذا الجامع مائة وخمسون خطوة وله منارة تحتانية ، وهو مبنى على خمسين عمودا ، وبها عشرة دكاكين ومقهى ، وليس فيها حمام ولا مدارس.

٢٧٥

ضرائح قصبة بلطيم

فى جامع الشيخ أبى الفتح قبر دفن فيه هذا الشيخ ، وفى ركن من أركان حرم هذا الجامع قبر الشيخ فتح بن عبد العزيز ابن الشيخ عيسى بن نجم ، وقد سبق ذكر ذلك والشيخ عيسى وهو قطب عظيم له ما له من المناقب ، إنه صاحب كشف وكرامات وطريقته وهى الطريقة البرهانية ، وفى الجانب الشرقى لبلطيم وفى قبر صغير على ضفة البحيرة دفن الشيخ حسن الرفاعى ، وقد ظهرت له الكرامات ، وفى داخل المدينة على ربوة قبر الشيخ محمد العجمى وفى جانب البحيرة قبر الشيخ محمد البهلول ، وبالقرب منه قبر الشيخ علام الله ، وفى وسط المدينة قبر الشيخ أبو رواح الطويل قطب عظيم إلا أنه كان قصير القامة جدا ، وهو مدفون فى قبر صغير بالقرب من الشيخ محمد الخشوعى وقبره يزوره الخواص والعوام وجميع أهل البلد يتناقلون ذكر مناقبه إنه كان قطبا عظيما له منزلة السرى السقطى وإذا ما شرب المريض بذات الجنب ماء الورد بجانب قبره شفى هذا الشخص بإذن الله رحمة الله عليهم أجمعين ، وتجولنا نشاهد ما فى هذه المدينة ، وانعطفنا شرقا وبلغنا شاطئ البحيرة فى ثلاث ساعات ورأينا غابة من نخيل بين البحيرة وبين البحر الأبيض المتوسط ، واقتضت حكمة الله أن يكون لمصر تمر البرلس ، والنخلة من هذه النخلات سامقة تحمل عشرين عثكولا وتؤتى عشرين أقّة من التمر فهى محلة التمر بتمام المعنى.

واجتزنا حتى بلغنا شاطئ البحر الأبيض المتوسط ، واتجهنا فى إقليم الغربية فواجهنا صحراء مترامية الأطراف أشبه شىء بمتاهة ، وتسكنها فى الصيف قبيلة الحدية ، أما فى الشتاء فتسكن هذه القبيلة فى تلك الأرض ذات النخيل إنهم قوم لانت عريكتهم وحسنت طباعهم ولو لم يكونوا على هذه الصفة لما استطاع أحد أن يمر فى أرضهم ، ورأينا فى البحر سفينتين ، تتبادلان قذف المدافع وإطلاق البنادق فأغارت سفينة الكفار على الشاطئ ونزلوا منها ودخلوا على القرية ، ووصلت إليهم بخمسين فارس لمعونتهم وشددنا عليهم فتقهقروا وقد أمطرونا وابلا من الرصاص ، ولله الحمد أننا لم نصب بأذى فتنفس الصعداء كل من كانوا على شاطئ البحر ، وأقاموا المتاريس ، ولكن الكفار قذفوا

٢٧٦

وأطلقوا علينا مدفعا فرّقنا ، وحاول الكفار أن يحرقوا السفينة إلا أنهم أخفقوا ، ثم قدم من الصحراء سبعمائة أو ثمانمائة لنهب السفينة ، فحملوا ما فى السفينة وانتشروا بما حملوا فى الجبال ودامت تلك الحال إلى وقت الغروب ، وبعد المغرب أنار الكفار القناديل فى سفنهم ، وأطلقوا المدافع حتى منتصف الليل ، كما أطلقوا بنادقهم ، وفى نصف الليل أحرق الكفار السفينة ، فحزن كل من فى المحلة لذلك حزنا شديدا ، وبعد ذلك تقهقرت صفوف المغيرين ، أما الجرحى من المغيرين فقطعت رءوسهم ووضعت ناحية ، وقد هلل المسلمون لذلك وكبروا ، ولكن الكفار أطلقوا النار على المسلمين فما أصيب منهم أحد وبعد مطلع الفجر اشتدت الرياح ، فبسط الكفار قلوع سفينتهم ونفخوا الأبواق ، وعادوا أدراجهم بعد ما خسروا خسائر فادحة وخشينا وأحجمنا عن السير مخافة أن نتعرض لنهب العربان فبحثنا عمن جاء لنا من دمياط بمدد ولو ثلاثمائة رجل وخمسة وسبعين قاربا صغيرا ، ولم تصب هذه القوارب بأى ثقب ولله الحمد وقد سر الناس جميعا بمقدم هذه القوارب ، وعبروا عن ذلك بإطلاق المدافع ، ومضوا إلى ميناء دمياط ، ومضينا إلى دمياط فى حمى من الجند ، وعبرنا نهر يمنى وهذا النهر يجرى إلى المحلة الكبرى ، إن نهر يمنى هذا نهر كبير مثل نهر النيل وهو يروى مئات المدن ، وفى هذه المحلة مصب النيل فى البحر الأبيض وتسير السفن فيه إلى حيث يخترق النيل بالقرب من سمنوط ونصف النيل يخلط ببحيرة البرلس بين البرلس ودمياط ، ثم يجرى فى الصحراء من هناك وبعد خمس ساعات وباتجاه دمياط بلدة تسمى :

السنانية

وهى تقع على شاطئ النيل ، وبها ثلاثمائة بيت معمور وثلاثة جوامع ومقهى ، وكان فيها قلعة على عهد الكفار ، وآثار ميادينها ظاهرة ، وهى من أوقاف سنان باشا ، وفيها أقام دلاور بك قصرا ، وجميع أهل دمياط يصطافون فيها.

وركبنا سفينة ، كما ركب الجند السفن وأطلقنا على أبراج الكفار بنادقنا وسررنا سرورا لا مزيد عليه ، وبلغنا الجمرك ، ودخلنا دمياط ، وكان اليوم عيد الأضحى ، وحررنا المحاضر وكتبت رسالة إلى والى مصر إبراهيم باشا.

٢٧٧

أوصاف ميناء دمياط القديمة

أكثر المؤرخين الذين وصفوا هذه المدينة ، فى أصح الأقوال لهم ، أنه بعد طوفان نوح بنى هذه المدينة أحد أبناء أشمون بن مصرايم وكان اسمه دمياط ، ولذلك سميت هذه المدينة دمياط ، ومعنى دمياط بالسريانية قوة وقدرة ، أما فى التوراة فاسم دمياط أرلش ، وأما فى الزبور فاسمها الدردميه والبيطه وفراغه ، وفى الإنجيل اسمها الخضرة ، وفى العربية كذلك الدردميه ، وفى القبطية دمياط ، وبعد الهجرة بثلاثين عاما ، وبينما كان عمرو بن العاص واليا على مصر ، كان الأسود بن مقداد قائد ثلاثين ألف جندى ، فضرب الحصار على الملك هاموكى فى قلعة دمياط ، ودامت الحرب سبعة أشهر بتمامها ، إلا أن العرب يئسوا من فتح القلعة ، وكان للملك هاموكى ابن يسمى شيطا رأى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى المنام ، فهب من نومه فى التو ، فنزل من القلعة فى جوف الليل ، ومضى إلى الأسود بن مقداد وأعلن إسلامه ، ودله على المواضع التى يمكن الدخول منها إلى القلعة ، فمضى إليها معسكر الإسلام ففتحت لهم القلعة بأمر الله ـ تعالى ـ ، ووضع الملك هاموكى فى الأسر ، واعتنق الإسلام أيضا ابن آخر يسمى كوريجل ، وغنم المسلمون كل ما فى القلعة من نفائس ، وأصبحت على الدوام مدينة جميلة طاهرة ، وأرسلوا من غنائمها إلى عمر بن الخطاب ثلاثمائة صندوق من المال ، وبينما كان نور الدين الشهيد خليفة قدم الكفار الأسبان إلى دمياط بألف سفينة واستولوا عليها وسيطروا عليها سبعة أشهر ثم أرسل نور الدين الشهيد وزيره يوسف صلاح الدين على مائة ألف من الجند إلى دمياط وفتح القلعة وأعدم أسرى الكفار جميعا ، ثم عاد إلى دمشق مظفرا يحمل ما يحمل من غنائم ، وفى عام ٩٢١ استولى الفرنجة على دمياط ، وكان الظاهر بيبرس خليفة على مصر ففتح القلعة ، وأعمل القتل فى الفرنجة ، ومن بعده فتحها السلطان سليم الأول ، إنها مدينة عظيمة من أقاليم مصر تقع فى الجانب الشرقى من النيل ، وهى الآن دار إسلام بيد إياس باشا ويعجز اللسان عن وصفها وهى سنجق لطيف فى إيالة مصر بمثابة الإقطاعية ، ويقدم حاكمها إلى ديوان مصر عشرة أكياس فى العام ، واثنى عشر كيسا من الغرامات ورسوم نقل البضائع والأسواق ، وفى مينائها

٢٧٨

سفينتان حربيتان يسافر بهما رئيس القبطان باشا وقد ألحق هذا الإقليم مدة من الزمان بإقليم رشيد ، وحينما يغادرها القبطان باشا مسافرا يقوم مقامه فى حكمها مائة رجل ، كما أن جمركها يحكمه حاكم من طرف الوالى وله أجر يومى قدره عشرة قروش ، كما يأخذ من كل سفينة قادمة أو غادية قرش واحد ولكل سفينة عشرة قناطير من الحطب ويتحصل من جمركها فى العام مائتان أو مائتان وخمسون ، لأن هذا النخل يتعرض للزيادة والنقصان من عام إلى عام ، ولها حاكم شرعى يحصل على ثلاثمائة أقجه كراتب شهريا ، واتفق أن نال عشرين أو ثلاثين كيسا ، وقد قدمت خمسمائة أقجه صدقة فى عدة أحيان ، ويحكم المدينة نائبان الأول النائب الخارجى والثانى منوط به قضاء فارسكور ، وتحت حكم قاضى دمياط ست عشرة قرية لأن جوانبها الأربعة بحيرة ، أما قضاء فرسكور فحواليها قرى ، ويتحصل منها فى العام سبعة أكياس ولدمياط شيخ للإسلام على المذاهب الأربعة ونقيب للأشراف وقائد الانكشارية ، وعزب وأربعة فرق من الشوربجية ، وكثير من الأعيان والأشراف والعلماء والصلحاء والأئمة والخطباء والمشايخ والسادات والتجار ، وهم كثرة ، كما أن حفاظ القرآن لا يدخلون تحت حصر ولكن لا مكان لضرائح الجند بها. ويحرس هذه البقعة ثلاثمائة حارس فى كل ليلة إنها مدينة ذات مرفأ فيها الأمن وعلى شاطئ النيل فى الناحية القبلية هى جانب ريح الشمال إلى جامع المتبولى ألف ومائة خطوة وهو طول هذه المدينة وعرضها ثمانمائة خطوة ، وفى بعض الجوانب ستمائة خطوة ولا وجود لسور محيط بالقلعة من جهاتها الأربعة ، والحرس يحرسون فى كل ليلة وعلى شاطئ النيل قلعة صلاح الدين الأيوبى وفى طرفها رباط محاط بسور منخفض ، ومحيطه مائة خطوة ، وداخلها بيوت خربة وداخلها مخازن للغلال ، ومفتاحها فى يد صاحب القلعة وفى هذه المدينة حدائق وبيوت جميلة سطحها من الجص ولكن البيوت فى رشيد أجمل منها وبيوت دمياط مبنية بأحجار مختلفة الألوان ، وفيها إدارة شيخ البلد وأربعون محلة ومائة وخمسون محرابا ، وفى يوم الجمعة تتلى الخطبة ، وفيها كذلك مساجد ، وفيها جامع الفتحية وهو جامع كبير يستجاب فيه الدعاء ، وهذا الجامع كان فى الأصل كنيسة فى قديم الزمان ، وطوله تسعون خطوة

٢٧٩

وعرضه أربعون خطوة ، وفيه اثنان وتسعون عمودا ، وستة منهم من حجر الصوماق وكأنها من العقيق اليمنى ، ولا شبيه لهذه الأعمدة فى البحر كل عمود منها يساوى خزانة مصر ، وعلى هذه الأعمدة سقف حديدى مزخرف ، وفى أطراف حرمه أربعة وستون عمودا وهى من الرخام الذى يشبه البللور ، وفى حرمه سبيل وصهريج ماؤه عذب فرات ، وماء المطر يجتمع فيه وفى الحرم كذلك شجرة نبق وهى دوحة عظيمة وللجامع أربعة أبواب تطل على الحرم اثنان منها يفضيان إلى القبلة والآخران مفتوحان على الجهة الغربية ، ومحرابه يقع فى ركن منه ، لأن هذا الجامع كان فى الأصل ديرا لليونان ولذلك يسمونه جامع الفتحية محرابه قديم الطراز ومنبره من الخشب وعلى باب منبره تاريخ هو آية شريفة هى : (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [التوبة : ١٨] ، أنشأ هذا الجامع الحاج شمس الدين بن محمد الطرابلسى المعروف فى شهر رجب الفرد سنة إحدى وسبعين وسبعمائة ، وله منارة من ثلاث طبقات وهى منارة جميلة ، وعلى باب قبلته تاريخ تعميره سنة ١٠٨٣ ، وقد عمّره داور بك.

وأمام المحكمة فى وسط سوق مزدحم جامع البدرية ، وطوله مائة وخمسون خطوة وعرضه خمس وخمسون خطوة ، وله سقف يحمله خمسون عمودا من الرخام ، وفى وسط حرمه نخلة سامقة ، وهى تساوى منارته فى الطول ومنارته من ثلاث طبقات وهى مزخرفة جميلة ، وهذا الجامع تحتانى وله أربعة أبواب بابان للقبلة وبابان جانبيان ، وفى حرمه حوض ذو صنبور وعليه لوحة مكتوب فيها ، وفى أطرافه صنابير كتب على باب منبره : (نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) [الصف : ١٣].

وعلى شاطئ النيل بالقرب من سوق الغلال جامع البحر ، وطوله وعرضه مائة وثمانون خطوة ، ويعلوه على أربعة وثمانين عمودا سقف ملون مزخرف بألوان مختلفة ، وله سبعة أبواب ومنارة من ثلاث طبقات.

وفى سوق الأرز جامع كبير بناه خواجه أمين الدين المعينى ، وله قبة عالية ويصعد إليه بسلم حجرى من ثمان درجات ، ولا يخلو من المصلين ليل نهار وكأنه جامع السلطان برقوق فى العادلية فى مصر ، خال من الأعمدة وعلى جوانبه الأربعة قباب

٢٨٠