الرحلة إلى مصر والسودان والحبشه - ج ٢

أوليا چلبي

الرحلة إلى مصر والسودان والحبشه - ج ٢

المؤلف:

أوليا چلبي


المحقق: الدكتور محمّد حرب
المترجم: الدكتور حسين مجيب المصري وآخرون
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٤
الجزء ١ الجزء ٢

وتتحرك والبعض الآخر يقول إن تلك العظام هى عظام الأشخاص الذين كانوا منكرين للبدوى ومنكرين لكرامته ومنكرين للذكر والتوحيد بالدف والطبل ، فدعا علهم البدوى قائلا بأن لا يرقد لهم جسد فى التراب وبالتالى تلفظهم الأرض فى كل عام ، والله أعلم ، وقد شاهد الحقير بنفسه هذه العظام فى أيام المولد.

وبميدان الملعب زاوية كبيرة مثل الجامع لا توجد لها مئذنة ولكنها زاوية عامرة للغاية ، ولا يوجد بالمدينة مسجد يضاهيها ، والزاوية من خيرات المرحوم على بك الجرجاوى حتى أنها تعرف باسم مصطبة على بك ، وأمام محراب الزاوية يوجد بركس عظيم قطره دائر ما دار ثلاثمائة خطوة به أحواض لسقى الحيوانات ، يشرب منها معظم الحيوانات كما يشرب منها كل الزوار ويجددون منها وضوءهم إنها خيرات عظيمة ، وبذلك يكون بالمدينة أربعين محرابا بهذه الزاوية ، منها اثنان فقط جوامع جامعة تقام بهما خطبة الجمعة ، وقد ذكرناها آنفا ، وما عدا هذين الجامعين زوايا ، وبمدينة طنطا حمام صغير ومدرستين إحداهما مدرسة السيد البدوى وبها طلاب كثيرون بها ما يزيد على ألف شخص أعمى من حفظة كتاب الله يختمون القرآن كل سبع أو ثمانى ساعات ، وبجامع البدوى عمارة تقدم الطعام مرتين فى اليوم للمريدين والفقراء وعابرى السبيل ، حيث تقدم القمح مع حساء العدس وقطعة خبز وأئمة ومشايخ وخطباء الجامع ثمانمائة شخص يأخذون جرايتهم ورواتبهم من أوقاف البدوى كما يتم طهو ثلاثة أرادب قمح وأردب عدس وتذبح بقرة وخمس نعاج يوميا فى عمارة البدوى وتقدم للفقراء والمريدين والزوار خلال أيام المولد ، وفى الأيام العادية يطهى المقدار الكافى فقط ويقدم كله للفقراء والمريدين.

وبالمدينة سبعة مكاتب للصبيان وثلاثة أسبلة ، وماء سبيل البدوى مثل ماء الحياة ، وكل الحوانيت بالمدينة ثلاثمائة حانوت ولكن فى أيام المولد تزيد على آلاف حانوت لكثرة الخيام الصغيرة والكبيرة التى تنصب فى المدينة ، ولا يوجد بالمدينة محلات أقمشة ، إلا أن بها سبع وكالات بها بضائع لتجار يفدون من اليمن والهند والسند والعجم والروم والعرب ، والبضائع فى تلك الوكالات تباع بلا قيمة لا سيما وأن بها كل البضائع ،

١٨١

وبالمدينة سبع مقاه تعج بكثير من المداحين والمطربين والقواسين ، ومدينة طنطا ليست وقفا للسيد أحمد البدوى بل هى التزام لملتزمين ، أما وقف البدوى فهو عبارة عن حصص من بعض القرى والبلدان الواقعة شمال طنطا مثل قرية قحافة وكفر النور وبها أفدنة وأرزاق بلا حساب ، كما أنه لو توفى شخص ولم يكن له ولد فإن كل ثروته تؤول إلى وقف البدوى.

مناقب البدوى

عندما كان جان بولاط حسين باشا واليا على مصر عام ١٠٨٣ ه‍ كانت هناك طائفة تسمى أبناء العوار أشقياء قاطعون للطريق يقوم كل خمسمائة أو ستمائة خيال ملعون منهم بالنصب والسلب للقرى والقصبات المجاورة لطنطا ، وذات يوم هجموا على قرية من أوقاف البدوى وهى قرية قحافة وأخذوا منها الإبل والبقر والغنم وقد علم حسين باشا بذلك وتأثر كثيرا ، وعلى الفور أخرج تجريدة مكونة من ألف رجل من الفرقة السابعة وعين عليهم قوجه مصطفى أغا من أمراء الشراكسة ، هجم قوجه مصطفى باشا بقواته فجأة ليلا على ابن العوار وتحاربت الطائفتان ولم يجد ابن العوار مجالا فتحول كرّه إلى فرّ ، والتجأ إلى تكية أحمد البدوى وقال أغثنا يا بدوى وتعقبهم الجند وحاصروا قصبة أحمد البدوى وتحصن ابن العوار فى التكية يوما وليلة وكأنه متحصن فى قلعة ، وكان يصعد إلى مئذنة المسجد ويطلق النيران على الجند ، وكان اللصوص الموجودون معه ينادون من داخل التكية على الجند «يا بدوى يا بدوى» فى تهكم وقد هجم أفراد التجريدة من كل نواحى القصبة بشجاعة فائقة ، وفى تلك الأثناء فتحت أبواب الجامع والتكية وخرج العلماء والمجاورون وقالوا لقد اختفى الأشقياء وكانت كل أمتعتهم وخيولهم موجودة ، أما الأشقياء فقد اختفوا وهم عارون فقال الجند ربما تكون تلك حيلة من الأشقياء ودخل الجند المدينة ، واغتنموا كل أمتعة اللصوص وثلاثمائة جواد وثلاثمائة سيف ورمح ونبوت بخلاف الملابس.

١٨٢

وفى تلك الأثناء دخل رجل بيت الخلاء ليقضى حاجته وفيما هو بمفرده فى بيت الخلاء سمع صوت صدى أقدام تأتى من مجارى المرحاض ، وقف الرجل ونظر فإذا بالأشرار المفسدين قد نزلوا إلى مجارى المراحيض فربط الرجل سرواله وهرول إلى القائد وأخبره فقام القائد بسد فتحة المجارى التى تخرج خارج المدينة ببناء خرسانى وأمر بدفع المياه الموجودة فى الحوض الشافعى إلى المجارى وجعل البقر يدور فى السواقى فامتلأت المجارى بالقاذورات وخشى الملاعين أن يغرقوا فى مياه النجاسة ، وعلى الفور أظهر كل شخص منهم رأسه من فتحات المراحيض وعندما خرج الملاعين لم يكن هناك إمكانية للقبض عليهم والإمساك بهم لأنهم كانوا ملوثين بالنجاسة ، وتم قتلهم بالسيوف والبلط والنبابيت وهم كالخنازير الملوثين وقتل منهم ثلاثمائة وخمسة أشخاص ثم نظفت الجثث من الروث والنجس وقطعت رءوسهم عن أجسامهم وأرسلت رءوسهم جميعا إلى ديوان مصر فابتهج الوالى وأنعم على هؤلاء الجند وبذلك طهرت تكية البدوى من هؤلاء الأشرار ، وهكذا غرق كل الأشقياء الذين نهبوا قرية قحافة من أوقاف السيد البدوى فى الماء النجس بالمهانة وسحبت رءوسهم وكان هذا من تصرف أحمد البدوى قدّس سره العزيز.

وبقرية قحافة التى نهبها هؤلاء الأشقياء خليفة للبدوى وهو من أصحاب الكشف والكرامات وله فى كل ديار الإسلام أربعة آلاف خليفة ومئات الألوف من المريدين ، وكل مكاسبهم وأرزاقهم من أوقاف البدوى ، كما يحصل الفقراء العرب والروم والعجم الأموال من هذا الوقف ، حيث يأتون مرة واحدة فى المكان الذى يكون فيه المولد ، ويضعون تلك الأشياء التى جمعوها أمام الخليفة ، وفى الليلة الأخيرة من المولد يصبح مائتين أو ثلاثمائة خليفة من خلفاء البدوى أصحاب سجادة ، ويصل هؤلاء الخلفاء إلى ديارهم معززين مكرمين على دقات الطبول والصيحات والدفوف ، ويخرج كل أهالى هذه الديار إلى استقبالهم بالتعظيم والتكريم وفى حالة عدم وجود تكية للبدوى فى تلك الديار الذاهب إليها الخلفاء ويبنى بها تكية على الفور ، حيث يسكن بها هذا الخليفة هذا بالإضافة إلى أنها تطيب خواطرهم كما أنها بركات البدوى.

١٨٣

أوصاف مولد السيد أحمد البدوى بصحراء طنطا

يوجد وادى بين قصبة طنطا ومحلة مرحوم يبعد عن المدينة بمقدار ثلاثة آلاف خطوة وقديما كان كل التجار وأهل الحرف يذهبون إلى هذا الوادى قبل قطع النيل بعشرين يوما ، وعندما كانوا يصلون إلى منتصف طريق محلة مرحوم ينصبون الخيام على جانبى الطريق وتنصب أيضا آلاف الحوانيت والمقاهى ، ثم يأتى جميع المشايخ البدوية وينصبون خيامهم بجوار تلك الأسواق الواقعة فى الناحية الشمالية للمدينة ، حيث يقوم اثنا عشر خليفة من خلفاء البدوى بنصب خيامهم فى هذا الميدان ، ويأتى كل المريدين وينصبون خيامهم على الترتيب المفصل الموجود عند البدوية ، يكون الشيخ مصطفى الرومى فى المقدمة وهو من طريقة مرزوق كفافى والبدوية تنتهى عنده ، ثم يليه الشيخ الإمبابى ، ثم الشيخ الكالناسى ثم الشيخ الشناوى ويمكث مع عشرة آلاف مريد من مريديه ، ثم الشيخ أحمد القليوبى ثم الشيخ عثمان ثم الشيخ الغمراوى وخلاصة القول أن كل الخلفاء يمكثون فى أماكنهم ، وكل المشايخ الذين يأتون بعد ذلك ينصبون خيامهم فى المكان الذى يجدوه خاليا ، وخلف هؤلاء المشايخ يرابط ألف جندى مسلح من جنود كاشف المنوفية ، يقومون بحماية الأسواق والمشايخ فيتجول كل الجنود ليلا وإذا ما وجدوا أى لص أو قاتل قتلوه على الفور.

ثم بعد ذلك يبدأ مريدو اليمن والهند والحبش والعجم فى المجىء أفواجا وكأنهم البحر ، ويمكثون فى خيامهم فى هذا الوادى المعشوشب بخيامهم وسناجقهم وراياتهم ، وبعد ذلك اعتبارا من اليوم السادس يأتى كاشف الغربية بفرمان والى مصر مع ألفين من جنود مصر وألف خيال عربى وخمسمائة صبى من حملة النبوت والقواسين على دقات الطبول ، رافعين الرايات ، ويستعد كاشف المنوفية بجنوده أيضا لملاقاة كاشف الغربية وتعزف الأقواس ، ولا يوجد لكاشف الغربية خمس طبقات من الموسيقى العسكرية مثل كاشف الغربية ، وذلك لأن كاشف الغربية نال رتبة الباشاوية وبمقتضى قانون الظاهر بيبرس يتصدر كاشف الغربية كل الكاشفين ما عدا والى جرجا وذلك لأن مرتبة والى جرجا أعلى منه ، ثم يتوقف كاشف المنوفية للسلام على كاشف الغربية ويمر الموكبان بين

١٨٤

خضم كبير من الناس كأنهم البحر ، ويمكث الجميع فى خيامهم ، وقد مكث الحقير أيضا مع رفقته مع الموكب وسلم الحقير فرمانات الوزير إبراهيم باشا للكاشف حيث قرئت فى الديوان وجاء فيها ما يلى : «إلى حسن أغا كاشف الغربية لتكن على بصيرة ويقظة حتى انتهاء مولد السيد أحمد البدوى الموجود بإيالتكم ولتحفظوا كل الزوار والتجار ، ولتمنعوا أشقياء العربان من المجىء بالخيول إلى ميدان الملعب وأن تمنعوا أى شغب يقومون به» ، فقال الكاشف سمعنا وأطعنا.

كما قدمت رسائل كتخدا الباشا وقرأت على الملأ وجاء فيها أن يقوم الكاشف بالإحسان على أولياء جلبى بخيل مزين وكيس من النقود المصرية ، وقد أحسن الكاشف على الحقير بجواد فضى السرج مذهب الركاب وكيس من المال وخمسة آلاف عملة حالية كما أمر الكاشف بفرش خيمة لنا بجانب خيمته أقمت فيها ثلاثة أيام بلياليها ، كما نزلت ضيفا بمنزل خليفة البدوى لمدة عشر ليال ، وبعد أن جاء الكاشفان إلى ميدان المولد ومكثا فيه واستتب الأمن هناك ، قام كل التجار والزوار بإخراج أمتعتهم وبضاعتهم ليعرضوها وحينئذ يتم البيع والشراء بشكل لا يمكن التعبير عنه ، ويزين الجميع خيامه بآلاف القناديل والسناجق والأعلام بشكل لا يمكن وصفه ، وقد كان بهذا الميدان الذى يقام فيه المولد صفّة للبدوى يتعبد فيها خارج المدينة فى مكان لا يعرفه أحد يطلق الأهالى عليها مقام السيد البدوى وهى مكان للتعبد وبها صارى اتفاعه ثمانون ذراعا به خيوط يعلق بها القناديل التى يبلغ عددها أربعين ألف قنديل فتصبح الصفة وكأنها خيمة عظيمة ذات صار مثل خيام الوزراء ، وفى بلاد العرب يقولون على تلك القناديل إشارة ، وللصفة أربعون خادما يشعلون كل ليلة عشرة قناطير من زيت السمسم ، وقد وقف لها صاحب الخيرات فى خمسة عشر يوما بلياليها عشرين ألف پاره ، ويضاء الميدان كله بآلاف القناديل الصغيرة والكبيرة ، وعندما ذهب المشايخ لحضرة إبراهيم باشا للحصول منه على الإذن بإقامة المولد وذلك فى السنة التى كنا فيها هناك ، قال لهم الوزير : أيها المشايخ الكرام لتكونوا على بصيرة فى هذه السنة ولتكن الأفراح والاحتفالات أكثر من العام الماضى ، إنه مولد النبى ، إنها شعائر الإسلام فقال كل المشايخ على الرأس والعين

١٨٥

يا وزير ، وعندما شاع هذا الخبر على أفواه الناس اجتمع أناس كثيرون من أعيان وأشراف مصر والشام وحلب والعرب والعجم للاحتفال بمولد البدوى ، وكانت هناك ثلاثة آلاف وسبعمائة خيمة وأوطاق بخلاف الخيام الصغيرة المصنوعة من الكليم وهى الخيام الخاصة بالعربان ، وقد قام أصحاب الخير بوضع أسبلة المياه على رأس كل الطرقات لأن المياه فى هذا الميدان قليلة ، ولم تكن الأسبلة تكفى هذا الكم الهائل من البشر الذى يقدر عددهم بمئات الآلاف والنيل المبارك يبعد عن هذا المكان بمقدار ساعة عند محلة مرحوم ، ويحيط جند الكاشفين بهذا الكم الهائل من البشر ليلا ونهارا يقومون بحراستهم ، أما أعيان مصر فحرسهم خدامهم ، وذلك لأن اللصوص وأبناء الحرام يكثرون فى هذا الجمع ويكون موجودا فى هذا الميدان كل يوم عشرة أو خمسة عشر ألف من العربان العرايا برماحهم ويكونون مثل الغابة.

فصل فى بيان اللاعبين وأصحاب المهارات فى مولد البدوى

يقوم مئات العارفين من الطريقة البدوية والطريقة السعدية بمسك قطع الحديد التى احمرت من شدة النيران بأيديهم ، ويلعقونها بألسنتهم لتسكين نار الشوق التى عندهم ، ولإظهار معرفتهم ، وبعضهم يأكل قطع النار التى احمرت مثل العقيق الأحمر ، والحاصل أنه يجتمع فى ميدان البدوى سبعة وسبعين فرقة من أصحاب الألعاب كلاعبى النار ولاعبى الحبل ولاعبى اليد ولاعبى خيال الظل ، ولاعبى الخزف ، ولاعبى السحر ، ولاعبى القمار ، ولاعبى الحمار ، ولاعبى الطيور ، ولاعبى الديك ، ولاعبى الطاس ، ولاعبى القرد ، ولاعبى الكلب ، ولاعبى القدح ، ولاعبى الكبش ، ولاعبى المرآة ، ولاعبى الثعبان ، ولاعبى العين ، ولو دونّا كل ما يقوم به كل لاعب سنكتب كتابا مفصلا ، ويكثر اللصوص والنشالين ، ويجب على كل من يكون هناك أن ينتبه ويكون على يقظة دائما ، فمشهور عن اللصوص أنهم يسرقون الكحل من العين ، أما لصوص مصر فعندهم من المهارة ما يجعلهم يستطيعون سرقة العين ويبقى الكحل مكانه.

١٨٦

ومن العجائب التى رأيناها هناك : أن الثعابين الموجودة مع لاعبى الثعبان كبيرة وضخمة للغاية ، تخيف الإنسان ، والعجب أن لكل ثعبان منها اسم إذا ما قام صاحبه بالنداء عليه ، فإنه يأتيه ، وإذا نادى على ثعبان ما باسمه وأخطأ ثعبان آخر وأتى بدلا منه ، يعاقبه صاحبه ، وقد أتى أحد الدراويش البدويين فى الميدان وأخرج ثعبانا كبيرا من جعبته ، وعندما كان يناديه باسمه يتحرك ، كأنه يفهم الكلام ، وعندما يشير إليه بالرقص يرقص ، وبينما كان هذا الدرويش يقوم بملاعبة الثعبان أمام الناس ، جاء أحد مريدى البدوى ، ونظر إلى الثعبان وقبض عليه بيده ، ووضعه فى فمه وأكله ، وعندما رأى الدرويش صاحب الثعبان هذا الأمر ، أخذ يصيح ويقول أيها المسلمون ، هل يجوز ذلك؟ لقد علّمت ثعبانى هذا طوال عشر سنوات كاملة حتى أصبح يفهم كل شىء ، وأتعيّش منه أنا وأبنائى ، فهو يغنينا عن السؤال ، واحتكم الاثنان إلى القاضى ، فقال الدرويش صاحب الثعبان ، يا مولانا لقد ظللت أعلم ثعبانى هذا عشر سنوات ، أتعيّش منه أنا وأبنائى ، ثم جاء هذا الرجل وأكله ، فما ذا أنا فاعل؟

فقال القاضى للرجل : لماذا أكلت الثعبان؟ فقال : يا مولاى وجدته ثعبانا سمينا لطيفا ، وكنت جائعا.

فقال القاضى للدرويش : كم تريد ثمنا لثعبانك؟

فقال الرجل : أريد عملة ذهبية.

فدفع الرجل العملة الذهبية ، وسار وهو يمسح فمه.

عجيبة أخرى

كان يوجد أيضا أحد الدراويش التابعين للبدوى يرتدى جبة صوف ، يلعب بالديك فى هذا الميدان. كان هذا الديك ذا عرف أحمر على رأسه ودائما كان الديك يجلس على رأس هذا البدوى. وإذا ما جاء شخص وأعطى للديك پارة يقوم الديك بضرب جناحيه ويصيح ، ولكن لم أستمع إلى صياحه. ثم يقول له يا فرخ وحد الله فيقول الديك بضرب جناحيه ثلاث مرات ويقول بصوت عال لا إله إلا الله محمد رسول الله. والله أعلم.

١٨٧

كان يقول لا إله بأجزاء الحروف ثم يقوم الديك بالرقص على الأرض ثم يستقر مرة أخرى على رأس البدوى ، شىء عجيب وغريب. لذا يقولون على هذا البدوى أنه من أصحاب الكرامات ويجمع هذا الديك يوميا فى هذا التجمع ما يقرب من ألف پاره.

وغير ذلك توجد العديد والعديد من العجائب والعبر. منها :

عبرة أخرى

هى : أحد العارفين بالسحر المقبول وقد شاهدناه ومعه شخص يدعى نصر الدين الطنجاوى من بلاد المغرب ، قام هذا الشيخ بدعوى الأعيان والكبار الموجودين بالخيام لمشاهدته فى الميدان ، واجتمع أناس كثيرون فكانوا فوق بعضهم البعض من كثرتهم. ثم قام هذا الشخص بوضع يده على صدره ثم قام بدق عصا فى الأرض وأخرج من جعبته عدة أشياء مستديرة تشبه الكرة وكانت حمراء وأخذ يلعب بها ، ثم أخرج ثلاث كرات أخرى مختلفة من جعبته وظل يلقيها بيده ويمسكها وأظهر مهارة وغرابة فى لعبه.

ثم قام بدحرجة هذه الأشياء الدائرة أمام الحضور فمنهم من يمسكها ومنهم من ينظر إليها ومنهم من يلقيها بقدمه ثم تجول الساحر فى الميدان وأخذ الكرة فى يده وأخذ يلقيها فى الهواء ويمسكها وكان قد ظهر من حافة الكرة حبل فقام الساحر بإعطاء طرف الحبل إلى أحد المشاهدين وقال له شد الحبل وكلما كان الرجل يشد الحبل يخرج معه حتى تجمع على الأرض أحبال كثيرة ، والغريب هنا أنه كيف يخرج هذا الحبل من كرة فى حجم رأس إنسان ، إن الحبل الذى كان يخرج منها كان بمقدار حمل بعير. ثم قام الساحر بربط طرف الحبل فى العصى التى ثبتها فى الأرض وقذف الكرة لأعلى فظلت الكرة معلقة فى الهواء وطرف من هذا الحبل مربوط فى العصى والطرف الآخر فى الكرة المعلقة ثم قام الساحر بلصق يده على الحبل وصاح قائلا إنزلى أيتها الكرة الحمراء فلم تنزل الكرة ، كرر ذلك ولم تنزل الكرة فنادى على بعض الرجال الشجعان وخدامه وقال لهم شدوا الحبل حتى تنزل ، وحاولوا جاهدين ولكن الكرة لم تنزل ، فقام الرجل بمسك الحبل وسحبه رويدا رويدا ولم تنزل ، فتعجب كل الموجودين وتحدث الساحر إلى الكرة بكلمات غير مفهومة وقال للحاضرين يا أمة محمد إن الكرة تقول لكم «لقد أظهرت

١٨٨

لكم الكثير ، فلو قام كل واحد منكم بمنح الساحر پاره سوف أنزل وسأريكم الكثير والكثير إننا نتمنى من كل واحد منكم عملة واحدة فقام كل الأعيان الكبار بمنح الساحر الأموال حتى جمع عشرة آلاف پارة فقام الساحر بلصق يده على الحبل وهزه وقال أيتها الكرة لقد حصل المراد ليبارك الله فيما أعطانا والآن أنزلى.

ولكن الكرة لم تنزل أيضا فقال الساحر يا مسلمين إن الكرة لا تنزل لترجوها كلكم فصاح الصغير والكبير إنزلى إنزلى. وعلى الفور اتجهت الكرة يمينا ويسارا ثم نزلت على الأرض. فقام الساحر بوضع الكرة والخيط الحرير الرقيق فى جعبته بعد أن أظهر معارف كثيرة. يحتار العقل لكل منها. ولكنى قد أستطيع تفسير هذا بعقلى القاصر على أن تلك الكرة تكون مملوءة من الداخل بالندى وعندما يرى الندى الحرارة يتبخر فى الهواء ويقوم الساحر بإلقاء الكرة في الهواء عندما يكون الحر شديد ، وبعد هذا الوقت من الكلام وتحصيل المال يكون الندى الموجود بالكرة قد تبخر فتنزل الكرة ، ولم يحط عقلى بغير هذا وقد قبل عقلى هذا ، وعندما كنت فى مدينة ( ) (١) الألمانية بعد فتح قلعة لميفار عام ١٠٧٣ ه‍ لعب الساحر بالكرة وأظهر فيها براعة كبرى ، كما أظهر هذا الساحر أيضا معرفته فى ميدان البدوى ، ولو أننا حررنا كل ما شاهدناه لجاء فى كتاب كبير.

تتزين كل أركان طنطا فى ذلك اليوم بالألعاب التى تتأرجح فى الهواء ، ويركبها الصغير والكبير وذلك لأن يوم مولد البدوى يوم عيد. فهو بمثابة الليالى المباركة ، كما يوجد فى أركان الميدان خيام العاشقين الصادقين يذكرون الله على دقات الطبول والدفوف والنقارات وبذلك تكون الاحتفالات فى كل ركن من أركان المدينة وتطهى آلاف القدور من الطعام اللذيذ يأكل منه كل الزوار ، ولحكمة الله أنه لو قام شخص بجلب الخمر إلى المولد فإنها تتحول إلى خل بسر السيد البدوى. ولكن توجد المشروبات اللذيذة مثل العرقسوس والتمر هندى والدبس. وفى تلك الأثناء يقوم كل مشايخ الطرق والمريدون بالدق على الطبول والدفوف ويرفعون الأعلام والرايات ويصيحون بذكر الله فيقوم كل المريدين بالذكر وهم يدورون ويسيرون على هذا المنوال

__________________

(١) بياض فى الأصل.

١٨٩

حتى يصلوا إلى ضريح أحمد البدوى يذهبون أفواجا أفواجا. وتكون الطرق مزدحمة جدا حتى أن بعض النساء والصبايا يقعون تحت الأقدام ويموتون وأظن أن هذا الزحام لا يوجد بنفس الدرجة فى زيارة مكة والمدينة وأثناء الطواف. ويستمر هذا الزحام لمدة عشرة أيام بلياليها عند زيارة البدوى ويكون جمعا عظيما كيوم الحشر فتتلاصق الأكتاف فيه وتصبح مدينة طنطا عبارة عن حلقة ذكر ما بين كلمة هو والحى القيوم وذكر الله ويصل صدى ذكر الله إلى عنان السماء.

ويقوم الأثرياء من الأعيان الكبار بفرش خيامهم بالسجاد والأبريشم والقطيفة والأطلس والقماش الهندى ويفرشون أيضا الأرائك والمقاعد المزينة ؛ كما يزينون تلك الخيام بالبساط والأسلحة والأوانى القيمة. ويضعون الأعلام والرايات أمام الخيام. ويشعلون آلاف القناديل والمصابيح ويتسامر أهل تلك الخيام ليلا ونهارا ، ويدعون للسلطان بدوام دولته.

يزين كل المشايخ أيضا خيامهم بمئات الآلاف من القناديل والأعلام والرايات ويقيمون فيها مشتغلين بالعبادة والذكر. والحاصل أن كل مرغوب موجود فى مولد البدوى. أما العارفون بالله فيفضلون الانزواء عن هذه الكثرة يأنسون بالوحدة بعيدا عن أى عالم آخر حيث ينظرون إلى الدنيا بعين الإمعان ويجلون قلوبهم ويتطلعون إلى المتعة الدائمة فالدنيا فانية : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) [النحل : ٩٦] ففى نفس الوقت الذى يكون فيه أهل الظاهر نائمون فى غفلتهم يكون أهل الباطن من العارفين بالله مشتغلون بالتوحيد والتمجيد والذكر فى منتصف الليل ويتلى المولد الشريف فى آلاف الأماكن ويقوم الذاكرون الشاكرون ذوى الصوت العذب بمدح الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيملأ صدى أصواتهم المكان ، فيثمل الرجال من شدة الشوق. ولأن آلاف القناديل والمشاعل تضاء فى تلك الصحارى تجعل الليل هناك نهارا وتكون بمثابة العلامة فى الصحراء. وينشغل كل شخص بشىء فى تلك الليالى : (نظم)

عند ما يتجلى الخلاق إلى عالم الأزل

يتسلى كل شخص بحاله

فتطلق آلاف الطلقات النارية فى السماء على أشكال وصور كثيرة فتجعل ليل مدينة

١٩٠

طنطا نهارا. ويبدأ إطلاق تلك الأعيرة لمدة ثلاثة أيام بلياليها. حيث ينفق كل واحد منهم ألفى قرش على تلك الأعيرة وتحترق خيام كثيرة من جرائها وتعد تلك الأعيرة من القوانين القديمة ، فقد حدث أن أتى السلطان قايتباى إلى مولد البدوى وأنفق أموالا كثيرة وأقيمت الاحتفالات الكثيرة لذلك.

وخلاصة الكلام أن الحقير سياح العالم أوليا ساح فى الأرض واحدا وأربعين سنة تجول فى أراضى ثمان عشرة سلطنة ولم يتيسر له مشاهدة هذا إلا فى مصر. وقد شاهد احتفالات كثيرة منها احتفالات قطع النيل المبارك بمصر واحتفالات الجيش الهمايونى فى إستانبول واحتفالات الباشا القبطان فى سراى بورنو والاحتفالات عند فتح القلاع ومولد الأمراء وعودة السلطان من الغزو. واحتفالات شهر رجب وشعبان احتفالات مصنع الورق فى إستانبول واحتفالات الفيضان واحتفالات أق بابا واحتفالات مصنع البارود فى إيالة بودين واحتفالات قونيه واحتفالات ملاطية ومسيرة مدينة البصان فى بودستان واحتفالات حدائق صوادق بكفة واحتفالات بندر حسن بالقرب من العراق واحتفالات كيلانى ببلاد العجم واحتفالات مشهد الإمام علىّ ويوم عاشوراء فى تبريز والتجمع فى يوم قتل الحسين واحتفالات سليمان بك فى بغداد ، يسر الله للحقير رؤية كل تلك الاحتفالات والتجمعات ولكنها كلها بمثابة الجزء من احتفال البدوى بل إنها لا تساوى احتفال يوم أو ليلة من احتفال البدوى.

ويأتى عباد الله من بلاد العرب والعجم والهند والسند تاركين أموالهم وأبناءهم قائلين : يا بدوى ويشدون الرحال إليه وينفقون كثيرا من الأموال ويأتون إلى البدوى ويمسحون وجوههم بتكيته ويحتفلون به ولو قام شخص وجهه بتكية البدوى بنية خالصة لله فإنه يشفى من كل الأمراض والآلام واضطراب الأبدان بإذن الله ويكون ذلك بمثابة الحفظ له من كل الأمراض. وهذا مجرب والتجمع الكبير الذى يفوق تجمع البدوى هو اجتماع الحجاج فى منى بعد نزولهم من عرفات ، حيث يكون عددهم سبعين ألفا بخلاف الدواب والحيوانات ، إنه تجمع كبير لا يضاهى ، وثمة فائدة فى تلك التجمعات الكبرى لا توجد فيما سواها زوال الحجاب فيما بين الله والعبد ، فيتوب العبد توبة

١٩١

نصوحا لله فيعود كما ولدته أمه. والحديث الشريف دليل على ذلك : (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) (١) أى أن كل من يستأنس بربه فى هذا التجمع فى مكة والمدينة أو حتى عند البدوى فيجد ربه ويسأله التوبة يتوب عليه.

وقد قيل أن القطب الغوث يحضر كل عام فى مولد البدوى وقد شوهد عدة مرات.

وفى اليوم الثامن من مولد البدوى ينادى المنادون بين كل الزوار بأن مولد الشيخ محمد بن زين يوم الجمعة فى مدينة النهارية. وعندما يسمع الزوار هذا النداء يقوم بعض الزوار والتجار بفك خيامهم ويرحلون إلى مدينة النهارية. وفى تلك الأيام يتم بيع ألف حمل جمل من الحمص فى سوق المولد كما يباع آلاف القناطير من الحلوى وهذا ليس مبالغة وذلك لأنه قد جرت العادة أن يأخذ كل الزوار الحمص لديارهم من مولد السيد البدوى تبرّكا ، والحمص لذيذ للغاية وليس خاص ببلد معينة.

وفى اليوم التالى وهو يوم الجمعة يقوم الكاشفون والجند بالتجمع عند خيمة الكاشف وتقام لهم مائدة عظيمة يتناولون منها جميعا ويمنح كل جندى من الجنود الچورباجيه الموجودون فى محافظة الغربية جوادا أو ناقة وذلك لأن كل شخص منهم خدم ستة أشهر كاملة ثم يعودون إلى بلدانهم. ثم بعد ذلك تقام مائدة كاشف المنوفية ، ويمنح كل جندى من الچورباجيه أيضا جوادا وناقة وحجة شرعية بأدائهم الخدمة ثم يعودون إلى ديارهم. بعد ذلك يذهب كاشف الغربية والمنوفية مع جنودهم إلى ضريح البدوى ، ويفتحون حجرة الخرقة ويقوم الكاشفان بإلباس خرقة وعمامة البدوى لخليفته ويسيرون به فى موكب عظيم من داخل المدينة إلى جامع المدبولى ويؤدون صلاة الجمعة هناك وعندما يهم الخليفة بالرجوع إلى الضريح يخرج كل الزوار لاستقباله ورؤيته. ويسير الخليفة بينهم حتى يصل إلى الضريح ويعيد الخرقة والعمامة مكانها. ويتسلم الحجة الشرعية التى تفيد أدائهما الخدمة أيضا ، ويقومان بزيارة الوداع ويتجهان إلى مصر ، وبذلك يكون قد انتهى مولد البدوى ، وفى هذا إعلان مولد البدوى ومن ثم تنتهى

__________________

(١) رواه الطبرانى بإسناد رجاله رجال الصحيح من حديث ابن مسعود ـ رضى الله عنه ـ.

انظر : مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمى ١٠ / ٢٠٠.

١٩٢

مسئولية الكاشفين فى الحماية والحراسة ، وتكون حينئذ فى يد المسلّمين والقائم مقام لذا يبدأ لصوص العربان فى أعمال السرقة.

بعد ذلك يبدأ بقية الزوار فى حل خيامهم الكبيرة والصغيرة وتوضع الأحمال على مئات الآلاف من الجياد والبغال والإبل والحمير ، وحينئذ تكون ضجة كبيرة فى صحراء طنطا فالكل يهم بالرحيل ولا يبقى فرد واحد من الزوار هناك ولأن الحاكم قد أذن للكاشفين بالذهاب من هناك فإن الزوار والتجار يخشون على أنفسهم من تسلط العربان ، إنه يوم عظيم الدهشة من شدة الاضطراب التى تعترى المكان فى ذلك اليوم ويرحل الجميع من هذا الوادى ولا يبقى به أحد ويتجه هذا الجمع الغفير إلى أماكن متفرقة ، كما يرحل خلفاء البدوى إلى مدينة طنطا لأنهم سيقومون بإحياء ليلة السبت فى تكية البدوى حيث يكون المولد الشريف ويقولون أن أرواح كل الأولياء تحضر معهم حينذاك. ويقوم كل المشايخ والمريدين بتلاوة ما يزيد على ألف ختمة شريفة ، وفى اليوم التالى يقوم المشايخ والمريدون بزيارة الوداع. ثم يعتزمون العودة إلى منازلهم ثم يقوم كل مشايخ التكية وخدامها وخادم الضريح بغسل التكية والضريح بماء الورد ويقومون بتنظيف كل أحجار الفناء ويفرشونه بالسجاد الإبريشم. وفى اليوم التالى يقوم الأهالى بفتح ترعة خليج القرنين الموجودة على أراضى منوف ، فيسير ماء النيل المبارك بعظمة الله إلى تلك الأراضى التى كان بها المولد فتغرقها المياه تماما لدرجة تجعل أى شخص لا يستطيع وضع قدمه فيها.

لقد شاهد الحقير آلاف العجائب والغرائب فى مدينة طنطا وقمنا بتوديع الشيخ سلامة والشيخ أحمد خليفة البدوى والشيخ جلبى وكل الأئمة والخطباء والأحباء ، وختمنا ختمة شريفة فى تكية البدوى وطلبنا المدد من روحه وزرنا زيارة الوداع وقبلنا عتبته وعقدنا النية على المسير لمدينة النهارية.

أولا خرجنا من مدينة طنطا وسرنا إلى ناحية الشمال لمسافة أربعة آلاف وخمسمائة خطوة فى مكان فسيح حتى وصلنا محلة مرحوم. وسبب تسميتها بهذا الاسم ما يلى :

١٩٣

بعد دخول هولاكو بغداد وتدميرها هرب أحد أمراء العباسيين إلى مصر واستقبله السلطان ( ) (١) من سلاطين مصر وأنعم عليه بتلك المحلة وكانت مدينة كبيرة عامرة. وشاءت حكمة الله أن يموت هذا الأمير ودفن بفناء جامعه هناك ووصل خبر وفاته إلى سلطان مصر. وفى اليوم الثالث من وفاته كان الأهالى يؤدون صلاة الجمعة فسمعوا فزعا وجزعا يأتى من قبر الأمير فذهبوا إلى القبر ليستطلعوا الأمر فإذا بالأمير يصرخ بالداخل وعلى الفور فتحوا القبر فوجدوا الأمير حيّا ووجدوا حيوانا ينهش فى كتفه والدماء تسيل منه فقاموا بإخراجه وذهبوا به إلى قصره وعاش بعدها سبع سنوات ثم توفى فنقلوا نعشه إلى مصر وتم دفنه بجوار السيدة نفيسة. ومكتوب على الضريح السلطان المرحوم عز الدين بالله. وقد قام المنجمون بتبشير الأمير وهو فى حياته بأنه سوف يموت ويحيى لمدة سبع سنوات سيكون فيها خليفة. وقد أطلقوا على المحلة اسم محلة المرحوم. ومحلة المرحوم قصبة جميلة تتبع منوف بجزيرة الغربية وهى عاصمة كاشف منوف نظرا لوقوعها فى وسطها ويقيم بها الجند بصفة مستمرة. أما مدينة منوف نفسها فهى العاصمة القديمة ، وأحيانا يقيم الجند بمنوف. ومحلة المرحوم قضاء شريف عبارة عن مائة وخمسين أقچة ويتبعها سبعون قرية. والمكان الذى يقام فيه مولد البدوى يتبع محلة المرحوم. وفى أيام مولد البدوى يذهب حاكم محلة المرحوم وقاضيها إلى هناك ويثرفون على المولد. ويتحصل من ذلك محاصيل كثيرة. ومحلة المرحوم مدينة مزينة بحدائق النخيل والبساتين تقع وسط صحراء فسيحة تبعد عن النيل ساعتين ولكن بحدائقها خليج متفرع من النيل يمر من أمام مدينة النهارية ، توجد المياه بصفة مستمرة فى هذا الخليج صيفا وشتاء. وتبحر به المراكب وينتهى هذا الخليج عند محلة المرحوم وعند فيضان النيل تزيد فيه المياه فيصب فى فرع دمياط. وبمحلة مرحوم ألفا منزل مغطاة بالكلس وخمس محلات وأربعين محرابا اثنان منهما جوامع جامعة : الأول وهو جامع الخليفة المرحوم ويطلقون عليه جامع بغداد أو جامع المدرسة وهو مرتفع عن الأرض بمقدار ست درجات سلمية حجرية وللجامع بابان ومئذنة رشيقة لها ثلاث طوابق والجامع بدون فناء أو أعمدة ، ولأنه جامع صغير لا توجد زخارف أو

__________________

(١) بياض فى الأصل.

١٩٤

زينات إلا تلك الزينات البنفسجية المذهبة على أركانه. والجامع الثانى موجود بالسوق وهو الجامع الكبير ويتسع لأعداد كبيرة من المصلين يبلغ طوله وعرضه مائة وعشرين قدما للطول وأخرى للعرض وبه قبوات تستقر على ثمانية وثلاثين عمودا من المرمر. وسقفه بسيط ولا توجد به أى نقوش. ومنبره من الخشب وعلى الحائط الموجود فى الناحية اليسرى للمحراب يوجد هذا النظم لأحمد الخطيب الشافعى :

(سبع إن ترم تحريرا عن قدره فاسأل به خبيرا)

وهذان الجامعان هما جوامع الخطبة فى المدينة فقط والباقى زوايا. وبالمدينة سبع وكالات وثمان مكاتب للصبيان وحمام صغير ببدروم سراى الكاشف. وقد كان هذا الحمام قديما حمام قصر الأمير البغدادى ولكنه حاليا حمام قصر الكاشف وبه نقوش مذهبة غاية فى الجمال ، من صنع نقاش أعجمى. وبالمدينة مائتا حانوت وهى حوانيت على جانبى الطريق الرئيسى الذاهب من قصر الكاشف حتى الجامع الكبير ، ويبلغ طول هذا الطريق ألف خطوة. والمياه كلها من الآبار ولكن لقربها من النيل يقوم بعض الأشخاص بجلب المياه من النيل إليها على الإبل وتوجد سبل فى سبعة أماكن من المدينة. وأهلها محبوبون. وطقسها لطيف. وكل أجداد الأهالى بها من بغداد وبعض كتب تاريخ تسجلها على أنها محلة بغداد ومنوف ، وبالمدينة حجر غريب ضخم يقع خلف سراى الكاشف ويقف هذا الحجر فى وسط حوض عظيم ، ولا تستطيع مائتا جاموسة سحبه إنه حجر طاحونة دائرية ، يوجد بوسطه ثقب كانت هذه الطاحونة قديما هى مصنع السكر الخاص بالأمير المرحوم. وطواحين السكر حاليا لا تدار بالحجر بل تدار بعجلات الوابور وكلما تدور العجلة يسيل شربات السكر من فم الوابور ويأخذون هذا السكر ويغلونه ويحولونه إلى سكر بعمل كثير يحتاج إلى تفصيل.

مزار محلة المرحوم

أولا ضريح الشيخ عبد الوهاب الجوهرى خليفة البدوى. وهو مدفون فى ضريح عال يقع خارج المدينة فى جهتها الشرقية. وضريحه مرتفع عن الأرض بمقدار ست درجات سلميه حجرية ، وهو تكية به روحانية. بجانبه زاوية ، وكراماته مسجلة بالتفصيل فى مناقب الشعراوى ، ولا داعى هنا لذكرها. وعلى مقربة منه يوجد ضريح الشيخ عبد

١٩٥

الله الواسطى وهو من بغداد. وعلى مقربة من مصطبة الجريد الواقعة أمام قصر الكاشف يوجد ضريح مدفون به شيخان هما الشيخ على العجمى والشيخ منصور الأندلسى وهذان الشيخان هما اللذان بشّرا الأمير بأنه سيموت ثم يحيى بعد سبعة أيام ثم يعيش سبع سنوات ، وقد قام الأمير ببناء ضريح لهما ، وقد تهدم الضريح ، ولم يبق منه حاليا إلا بعض أطلاله فقط ، وهو مزار للعام والخاص ، قدّست أرواحهم.

وفى الجهة الجنوبية المقابلة لضريح الشيخ عبد الوهاب الجوهرى يوجد ضريح أبيض مدفون به السيد عثمان الصيادى ، وبالمدينة قبر الإخوة الثلاثة ، وهم الشيخ علامة والشيخ ديان والشيخ عمر ولكل منهم ضريح بالقرب من بعضهم البعض ، والمشهور عن تلك المحلة أن اللصوص لا يدخلونها ، فأبوابها دائما مفتوحة ، والعجيب فى ذلك أنه لو تجرأ لص على المرور من أمام تلك الأضرحة ، فإن قدميه لا تتحرك ، ويقع ضريح الشيخ السيد محمد العجمى بزاوية أبو حمزة بالسوق ، وفد هذا الشيخ مع ابنه من بلاد العجم ، وله مناقب كثيرة مدونة فى مناقب الأولياء ، وبالمدينة أيضا ضريح الشيخ سيدى يوسف وهو من طائفة الجند ، وبالسوق ضريح الشيخ السيد عبد الرحمن ، وبالقرب من الجامع الكبير يقع ضريح الشيخ السيد عبد الرحمن السويدى ، وهو سلطان عظيم وفد مع ابنه أيضا من كردستان من بلدة سويد ، وقرأنا الفاتحة لكل شيخ منهم ، وطلبنا المدد من أرواحهم الطاهرة ، بعد ذلك حصلنا على البراءة من ميرزا أغا كاشف منوف ، ومنحنا خمسة آلاف عملة ذهبية ، وخمسة خيالين ، ثم سرنا شمالا من تلك المحلة لمسافة ثلاث آلاف خطوة ، فبلغنا قصبة الأبيار ، وسبب تسميتها بهذا الاسم ، أن تلك المنطقة كانت فى عهد الملكة دلوكة بلا ماء ، فقامت الملكة بحفر آلاف من آبار المياه ، لذا سميت بمحلة الأبيار ، ثم قامت الملكة بتسيير خليج من النيل إلى تلك المحلة ، وهى مدينة عامرة ، تقع فى أراضى منوف ، ولها ملتزم ، وقضاء شريف مائة وخمسين أقچة ، ولها مائة وخمسين قرية تتبعها ، يتحصل منها عشرة أكياس مصرية ، وتقع تلك المحلة على ضفاف ترعة النيل ، وبها الحدائق والبساتين ، وقد أهملت بمرور الأيام ، ولكن عندما كان الحقير هناك فى عام ١٠٨٣ ه‍ كان العمران فى أربعين أو خمسين ناحية ، عمّرها الله ، وبها تسع محلات ، وأربعون محرابا ، ثلاثة منها جوامع جامعة ، والباقى مساجد صغيرة ، تلك الجوامع هى : الجامع الكبير ويقع بالقرافة الكبرى على مقربة من

١٩٦

النيل ، فى الجهة الشرقية للمدينة ، وجماعته قليلة ، وهو جامع كبير طوله وعرضه مائتى خطوة للطول والعرض ، وبه ستون عمودا تستقر عليها القبوات التى تحمل السقف ، وسقف الجامع مطلى بالكلس ، وللجامع ثلاثة أبواب ، ومئذنة ذات ثلاثة طوابق ، وعلى يمين المنبر توجد لوحة بيضاء مرمرية مكتوب عليها (رسم أيام السلطان الملك الأشرف خلد الله ملكه) ، وعلى يسار المنبر لوحة مرمرية أيضا مكتوب عليها (بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، هذا الجامع إنشاء الفقير إلى الله تعالى وإلى رحمته وغفرانه أبو الحسن بن على بن أحمد الحسينى الحافظ جدد هذا الجامع المبارك العمارت فى شهر شعبان المبارك المكرم سنة تسعين وتسعمائة) وعلى يسار المحراب كتبت عدة آيات من سورة الفتح بالخط الجلى على لوحة مرمرية أيضا. خلاصة القول أنه جامع يجاب فيه الدعاء.

وبالمدينة جامع صغير آخر بدون فناء هو جامع الشيخ أحمد البجم ، وله مئذنة ذات ثلاثة طوابق ، لا يوجد مثلها فى المدينة ، وقد كتب على منبره ما يلى : (جدد هذا المنبر المبارك قطب الأقطاب أحمد البجم فى ذى القعدة سنة ١٠٣٢) ، وبالسوق جامع يسمى جامع الزاوية ، كان هذا الجامع قديما عبارة عن زاوية ، وقد حولوه إلى جامع نظرا لكثرة جماعته ، وما عدا تلك الجوامع الثلاثة فمساجد ، وبالمدينة مدرستين ، وثلاث تكايا ؛ هى تكية الشيخ أحمد البجم ، وهو مدفون بفنائها ، وبها غرف للمريدين ، ولها أوقاف عظيمة ، والشيخ أحمد البجم من صلحاء الأمة وفد من بغداد إلى هذه المحلة ، وبالمدينة ثلاثة أسبلة ، وحمام معطل ، ومائتى حانوت والطرق الرئيسية لتلك المدينة مرسومة على هيئة لوحة الشطرنج ، وهى طرق ضيقة ، ولوقوع المدينة على ضفاف ترعة النيل فإن طقسها لطيف ، وتشتهر المدينة بشجر الجميز ، وزيت البزر ، حيث توجد أشجار الجميز على ضفاف النيل ، ترعى تحت كل شجرة منها ألف نعجة ، ومن الأشياء المشهورة بالمدينة أيضا الكتان والليمون والأترجّ ، ويقيم أصحاب تلك المدينة على الچورباجى وطويل الچورباجى ونقيب الأشراف الموائد للفقراء ، زادهم الله تعالى.

فى بيان أضرحة تلك المدينة

١٩٧

أولا الواقعة داخل المدينة ؛ ضريح الشيخ أحمد البجم وهو مدفون داخل جامعه ، وهو سلطان عظيم ، ظهرت له كرامات كثيرة ، وعندما كان الشيخ السيد على بك واليا على مصر ، رأى كرامات كثيرة لأحمد البجم ، فترك العرش والإمارة واستلم الطبل والطوغ من أحمد البجم وأصبح خليفة للمشيخة من بعده ، وأنشأ هذا الجامع بالمال الحلال الزلال ، وهو مدفون بجوار حضرة أحمد البجم ، كان عاشقا لله عظيما.

وقبر الشيخان رضوان وسيدى يوسف وهما من مماليك السيد على بك ، أصبحوا مشايخ بعد تحريرهم من الرق ، وقد ظهرت لهم كرامات كثيرة وكانوا أئمة للطريق وأضرحتهم بالقرب من قبر أحمد البجم ، وبالجامع الكبير أضرحة كلا من الشيخ السيد أحمد العريان والشيخ السيد أبو الفتوح والشيخ على برجانى والشيخ السيد خليفة والشيخ السيد أحمد الحسينى رحمة الله عليهم أجمعين ، وقد تجولنا فى تلك المدينة ، ثم ودعنا كل الأحباء ، وسرنا فى صحراء مستوية حتى وصلنا إلى المدينة القديمة مدينة نهاريّة.

أوصاف مدينة نهّارية

كانت لمصر ملكة تدعى دلوكه ، حكمت مصر قبل عشرين عاما من فرعون موسى ، أسست دلوكة هذه المدينة لروح والدها الملك زيباك ووقفتها له ، وأسمتها مدينة زيباك ، بعد ذلك تم فتح القدس الشريف فى خلافة عمر ، وجاء عشرون ألفا من الصحابة الكرام إلى مدينة زيباك وحاصروها عشرين يوما ، ولكنهم هزموا بأمر الله وقتل منهم سبعة آلاف شخص ، بعد ذلك أرسل عمر بن الخطاب عمرو بن العاص لفتح مصر والإسكندرية وزيباك ، وقدم عمرو بن العاص مع ثمانية آلاف جندى لفتح زيباك ، وحاصر الجند المدينة وبعد سبعة أيام فتحها جند الإسلام ، وقتلوا عشرين ألفا من الكفار انتقاما لروح الشهداء الذين قتلوا قبل ذلك ، ولأن الدماء كانت تجرى مثل النهر أطلق على المدينة اسم نهاريّة.

١٩٨

وفى رواية أخرى : أن يوم فتحها كان يوافق يوم النحر بعيد الأضحى فأطلقوا عليها نحراريّة ، ونهاريّة ينطق غلط من لفظ نحرارية.

وفى رواية ثالثة : أن الحاكم بأمر الله أحد خلفاء بنى العباس تجول بمدن مصر كلها حتى وصل إلى مدينة زيباك ، وأصدر فرمانا بأن يكون الليل نهارا والنهار ليلا ، وأنه لو خرج شخص من داره بالنهار سوف يشق بطنه ، وامتثل كل أهل مصر لذلك امتثالا لمعنى حديث شريف مفاده : «وجوب طاعة ولى الأمر أو من ينوب عنه من الأمراء ولو كان عبدا حبشيا مجدعا» (١) فكان الأهالى لا يخرجون من منازلهم بالنهار ، وعندما يحل المساء يكون بمثابة الصباح لهم ، يخرج الجميع ويوقدون الفوانيس والقناديل ويبيعون ويشترون على أضوائها ، وظل هذا الحال عدة أيام فى مدينة زيباك ، لهذا أطلق عليها نهاريّة ، وهى كشوفية فى أراضى المنوفية تتبع كاشف منوف ، وتخرج سنويا أربعين كيسا من المال وقضاءها مائة وخمسون أقچه وبها ( ) (٢) قرية يخرج منها سنويا ثلاثة أكياس ، كان قضاءها ذا درجة عالية بين القضاء ، حيث كانت مدينة عظيمة فى صحراء مستوية على ضفاف إحدى الترع التى انفصلت عن النيل المبارك ، وتوجد حاليا آثار لآلاف المبانى التى كانت موجودة بها ، إلا أن المدينة هجرت بمرور الأيام حتى هجرها كل الأهالى وانتقلوا إلى مدينة الأبيار ، لذا عمرت مدينة الأبيار ولحق الخراب بمدينة النهارية منذ خمسين عاما تقريبا ، وانهارت مدارسها وجوامعها وحدائقها ، ولم يتبقى بالمدينة سوى سبعمائة منزل أسقفها مغطاة بالتراب ، وتبدو المدينة وكأنها كبيرة إلا

__________________

(١) أخرجه مسلم من طرق عن أبى ذر ـ رضى الله عنه ـ أحدها فى كتاب الصلاة ، باب كراهية تأخير الصلاة عن وقتها المختار ، حديث رقم (١٤٤٠). وباقى طرقه فى كتاب المغازى حديث رقم (٤٦٧٣ ـ ٤٦٧٥) ، باب وجود طاعة الأمراء فى غير معصية ولفظه : «أوصانى خليلى (يعنى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم) أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا حبشيّا مجدع الأطراف». ورواه من حديث أم الحصين حديث (٤٦٧٦ ـ ٤٦٨٠).

انظر : صحيح مسلم بشرح النووى (٦ / ٢٦١ ـ ٢٦٣) ط. دار الغد العربى.

(٢) بياض فى الأصل.

١٩٩

أنها خربة ، وبها أطلال كثيرة ، ويوجد بها حاليا تسعة محلات وأربعون محرابا منها ثلاثة عشر مسجدا جامعا العديد منها معطل ، فقد تعطلت بسبب ضمها للأوقاف الأميرية على يد الكاشفين ، وسنذكر الآن الجوامع العامرة بها ، أولا : الجامع الكبير فى الجهة الشرقية للمدينة ويبلغ طوله مائة خطوة وعرضه سبعين خطوة وبناحية المحراب اثنان وثلاثون عمودا مرمريا وحول الصحن اثنان وخمسون عمودا تحمل السقف ، وهو سقف خال من الزينة ، وسطح الجامع مغطى بالكلس ، وبفنائه شجرتان من شجر السدر ، وبوسط الفناء سبيل مياه ، وفى الزاوية اليمنى للفناء المئذنة وهى من أربعة طوابق ، وللجامع سبعة أبواب ، ويتم النزول إلى الجامع من الباب الموجود فى الناحية اليمنى بواسطة سلم حجرى من سبع درجات ، أما بقية الأبواب الأخرى فسلمها خمس درجات فقط ، ومنبر الجامع من الخشب القديم ، وعلى الحائط الموجود يسار المحراب لوحة مربعة مرمرية مكتوب عليها بالخط الجلى : (أمر ببناء هذا الجامع الشريف أبا بكر بن عبد الله العساكر المنصورة أعز الله أنصاره سنة سبع وستمائة) وبين المنبر والمحراب لوحة مربعة عليها كتابات لم نستطع قراءتها ، ولكن عليها تاريخ سنة ثمانمائة وعلى الإطار العلوى للمنبر كتب ما يلى :

(أمر بتجديد هذا المنبر المبارك مولانا السلطان الملك المنصور سيف الدنيا والدين قلاوون الصالحى فى شهر ذى القعدة سنة خمس وثمانين وستمائة).

وفى الناحية الشرقية للفناء ميقات شمسى على القبو فى غاية الجمال لا يستطيع أساتذة علم النجوم مثل بهرام وكوان وفيثاغورث وعلى قوشجى صنع ميقات مثله ، إنه ميقات مشهور فى ديار مصر كلها ، وهو مثل ربع الدائرة القطبية ، محرر به القطر والميل ، وقد كتب فوق هذا الميقات آية : (رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) [الفرقان : ٤٥] ، خلاصة الكلام إنه ميقات فى مرتبة السحر المبين ، إن هذا الجامع جامع أنور يجاب فيه الدعاء.

وبالقرب من هذا الجامع جامع السيد ناصر الدين أبو العمايم ، وجامع العجمى ويقع داخل السوق وهو جامع صغير وجامع الحنفى وهو جامع ذو مئذنة ، وجامع سيد أحمد

٢٠٠