الرحلة إلى مصر والسودان والحبشه - ج ٢

أوليا چلبي

الرحلة إلى مصر والسودان والحبشه - ج ٢

المؤلف:

أوليا چلبي


المحقق: الدكتور محمّد حرب
المترجم: الدكتور حسين مجيب المصري وآخرون
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٤
الجزء ١ الجزء ٢

مزار الشيخ الجوشى فوق جبل الجوشى

له جامع وتكية وعدة بيوت وهو مدفون فى ضريح صغير ذى قبة فى الجهة اليسرى من جامعه وهو ضريح جد بديع ، أعلى جبل المقطم وهو على مسيرة يوم من مصر القاهرة فيما يحيط بها من الصحارى. وتحت هذا الجبل كهوف تربو على الآلاف بها عدة آلاف من المتصوفة وصلحاء الأئمة ممن لم يهبطوا القاهرة قط. وهم أهل حال وأصحاب مجاهدات قوامون ليلا صوامون نهارا ، منهم :

الشيخ محمد الغمراوى الذى يجاهد نفسه ويفطر يوما فى الأسبوع ، فهو سلطان فى ركن عزلته ، وردى البشرة.

والشيخ على المغربى يسكن كذلك إحدى المغارات وهو نحيل ضئيل ، إلا أن زواره يقدمون له الطعام ، والهدايا ، ولا يصيبه منها إلا النذر اليسير ، وهو مع ذلك لم يشاهد متبولا ولا متغوطا ، وتفوح رائحة الزعفران من مغارته على الدوام ـ سلمه الله ـ.

وفى غار آخر كذلك الشيخ رجب شاه وانى الذى لم يخرج من غاره منذ ثمانية وأربعين عاما قضاها فى التنسك وتلاوة القرآن ، إنه زاهد زائع الصيت بتقواه ، فقد جاءه أحد الرهبان وتجرأ قائلا : «فلنعتكف أربعين يوما بلا طعام» ، وظلا فى الغار سبعة أيام بلياليها أراد الراهب بعدها أن يخرج من الغار لقضاء حاجة عرضت له فمنعه الشيخ رجب شاه وانى من الخروج من الغار ، وسد خدامه باب الغار ، فمكثا فى الغار. وفى اليوم الثامن عشر هلك الراهب من الجوع ، وأخرجوا جثمانه من الغار ، أما الشيخ رجب شاه فقد أكمل الأربعين يوما بلياليها دون أن يتناول حبة من قمح. كان الشيخ رجب حافظا للقرآن الكريم.

وبالقرب من ضريحه يوجد ضريح الشيخ معصوم البلغرادى وهو رجل عاقل من الشعراء البلغاء وله ملكة حسن الخط ، كان يتعيش منها على الكفاف ، كان مداوما على صيام داود ، كما يقيم كل من الشيخ محمد الفرسكورى والشيخ مردمى الطربزونى فى غار واحد ، معتكفين عن الناس ، ولا يعلم أحد من أين يحصلان على قوتهما ، سلمهما الله ، ونحمد الله أن شرفنا بمقابلتهم والحديث معهم ، ودعائهم لنا بالخير. وما عرفناه منهم من كلمات الأسرار لا يمكن البوح بها باللسان.

١٤١

وهناك المئات من العارفين الذين يسكنون أركان تلك المغارات ونسأل البارى أن يرفع من قدرهم ، ولو أننا قمنا بتدوين ما دار بيننا وبين كل واحد منهم لصار كتابا مفصلا.

وأسفل هذه المغارات يقع غار الشيخ عبد الله المغاورى ، وهو غار عظيم موسوم بعموده الكبير الذى يشبه الجبل لو دخله شخص لتملكته الحيرة والدهشة من اتساعه ، إذ يتسع لعشرة آلاف رأس من الغنم ، وفى نهايتها ضريح عبد الله المغاورى وكان سلطانا له قدرة على التسخير ، فكان يذهب إلى الحج فى كل عام ويرى الآلام التى تتكبدها أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الطريق من شدة الحر ، وكان له صاحب من الجن ، أمره عبد الله المغاورى بأن يخترق الجبال والكهوف الواقعة على الطريق بين مصر ومكة ويشقها لتخلص عباد الله من شدة الحر ، فشق الجنى أولا مغارة عبد الله المغاورى. حقيقة إن هذا الصنيع ليس من مقدور البشر ، ولم ييسر البارى ـ عزوجل ـ إتمام هذا العمل ، فقد توفى المرحوم الشيخ عبد الله المغاورى ودفن فى فناء هذا الغار ، كما أن أربعين من كبار أولياء الله مدفونين معه فى هذا الغار لكننا لا نعرف أسماءهم الشريفة ولهم مريدون ، ومكتوب على باب هذا الغار عبارة (أمر بإنشائه مولانا الملك المظفر الظاهر بيبرس) لكنها مكتوبة فى مكان شديد الارتفاع ، وفى أركان هذا الغار يقيم المريدون جماعات جماعات.

وعلى مقربة من هذا الضريح توجد أضرحة أخوة يوسف الصديق يامن وابنه إفرايم وصارير بن يهودا وعزيز مصر وزليخة والملك الريان.

وعلى مقربة منها مقام النبى موسى ـ عليه‌السلام ـ وهو مكان للعبادة ، وملحق بهذا المقام ضريح الشيخ عيسى أحد أبناء الشيخ عبد القادر الجيلانى ، وهو رفيع المقام يسكنه بعض مريدى الطريقة القادرية.

وبحافة جبل المقطم ـ أى فى نهاية القرافة الكبرى ـ يوجد مزار الشيخ السادات المغربى ، وهو تكية كبرى تضم جامعا وتكية وعمارة وغرفا للمريدين ، إنها تكية عامرة ، ومدفون فى مصر من أحفاد وأبناء الشيخ السادات أربعون شخصا يقام لهم احتفال مرة كل عام فى النصف من شعبان حيث يفد مائتا ألف شخص بالخيام الصغيرة والكبيرة

١٤٢

ويمكثون هناك اثنا عشر يوما بلياليها ، وفى الليل يضيئون مئات الآلاف من القناديل ويذكرون الله ، وقد توسط المكان الشيخ أبو التخصيص «صاحب السجادة» يقدم الخبز للزوار ويعطى لكل واحد منهم كنية أى لقب. ثم يضعون على صدره الشال الكشميرى أو عمامة الرضا البيضاء ، ويبايعونه لأن طريقتهم الطريقة الوفائية التى تنتهى برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إنها تكية عظيمة قدّس سره.

وبالقرب من هذه التكية مزار أبو السعود العشائر وقد ضم ولاة مصر أوقاف تلك التكية إلى الأموال الأميرية ولهذا خلت من المريدين ، وبجوار جامع السلطان حسن يوجد ضريح الشيخ أحمد الرفاعى ، والشيخ وكل أبنائه مدفونون فى هذا الضريح ، إنها تكية عامرة مريدوها كثير ، وهم على الطريقة البرهانية ، وخلفاءهم يعتمّون بعمامة عباسية سوداء ، ويحملون راية بيضاء ، ولهم مولد عظيم يقام مرة واحدة فى السنة.

وبالقرب من سويقة الدلال يوجد جامع قطب الآفاق وشيخ الشيوخ على الإطلاق الشيخ شمس الدين الحنفى ، وهو سلطان عظيم مدفون فى قبة عالية بالجانب الأيمن من الجامع المذكور ، وهى تكية عامرة بالمشايخ والمتصوفة. وفى فناء الجامع شجرة سدر ، وفى يوم الأربعاء من كل أسبوع يأتى الآلاف لزيارتها ، قدّس سره العزيز.

وفى الناحية الأخرى من النيل المواجهة لمصر القديمة ، والجانب الغربى من قصبة الجيزة يوجد ضريح الصحابى الجليل أبو هريرة ـ رضى الله عنه ـ الذى روى الأحاديث الصحيحة عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحبه حبّا شديدا وقد لقبه النبى بأبو هريرة لفرط حبه للقطط وقد قال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «حب الهرة من الإيمان» (١) ، وأبو هريرة من قبيلة دوس ، وعند ما كان خالد بن الوليد قائدا على غزوة الشام كان أبو هريرة قائدا على قبيلة دوس المذكورة فى تلك الغزوة ، وفتح القدس الشريف مع عمر بن الخطاب وعندما كان

__________________

(١) ذكره الصّغانى فى كتاب الموضوعات برقم (٨٣) ص ٤٧.

وقال الإمام على القارى فى كتاب «الموضوعات الكبرى» ص ١٨٢ ـ ١٨٣ بأن الحديث «موضوع كما قال الصغانى وغيره. وقد بسطت عليه بعض الكلام فى رسالة مستقلة لتحقيق المرام».

ووافقه أيضا فى الحكم على هذا الحديث بالوضع العجلونى فى كتاب : كشف الخفاء ١ / ٤١٥ ، والشيخ محمد الحوت البيروتى فى : أسنى المطالب ص ٩٢.

١٤٣

يقاتل فى غزوة مصر مع عمرو بن العاص جرح فى خده وعبر إلى ناحية الجيزة واستشهد هناك ، وقد بنى عمرو بن العاص ضريحا له داخل بستان عامر بالنخيل والأشجار ، وفى تكيته الآلاف من القطط والهرر ، وفى مصر إذا ما ضاق أحد من هرته فإنه ينقلها إلى تكية أبو هريرة لذا لا يعلم عدد تلك القطط الموجودة هناك إلا الله ، وهو الذى يطعمهم.

ذكر أوصاف مولد أبو هريرة

يقام المولد فى تكية أبو هريرة مرة واحدة فى السنة فى شهر يوليو ، وحيث يصل كل الدعاة والصلحاء والأشراف بخيامهم وينصبونها فى الأماكن المعشوشبة من صحراء الجيزة ويذكرون الله ثلاثة أيام بلياليها ويشعلون مئات الآلاف من القناديل والفوانيس والمشاعل ، ويحضر الزوار بالخيام وتحمل مئات الآلاف من الزوارق والقوارب الزوار بخيامهم ، ويصبح الجمع عظيما وكأنه عيد خوارزم شاه. ولا يوجد تجمع كهذا فى أى مكان آخر فى شهر يوليو سوى فى هذا المكان ، هذا بالإضافة إلى وجود عين فى الجانب الشرقى لنافذة ضريح أبو هريرة تتدفق منها المياه الصافية ويطلقون عليها «عين الهرة» لصفائها كعين الهرة ، وقد نبعت تلك العين كرامة لأبى هريرة ، ويشرب منها مئات الآلاف من القطط الموجودة فى تكية أبو هريرة ويدفعون بها جوعهم وعطشهم بأمر الله ، ويعيشون عليها حيث لا غذاء لهم سواها ، وفى شهر يوليو تجرى المياه فى تلك العين حمراء اللون لأنه عندما جرح أبو هريرة فى غزوة مصر وسقط دمه على الأرض جرى الماء دما من تلك العين لمدة أربعين يوما إلى أن فاضت روحه صار الماء أبيض صافيا مرة أخرى ، وإلى الآن تجرى المياه فى هذه العين من شهر يوليو وحتى أيام المولد حمراء ، وإذا ما شربت النساء والحائضات منه ينقطع عنهن الحيض ، وفى أيام المولد تجرى المياه بيضاء بأمر الله ، حيث يجتمع السادة والمتصوفة وحملة المشاعل عند هذه العين ويدعون الله فتجرى المياه بيضاء عذبة. فيشرب شيخ تكية أبو هريرة أولا ثم يقوم بملئ الأباريق والجرار والأقداح ويقدم إلى وزير مصر وقاضيها ونقيب الأشراف ومشايخ الإسلام

١٤٤

الأربعة وسائر أمراء مصر وترسل هدايا لكل أعيان مصر ، حيث يشربون منه ، ومنهم من يشربها بنية الشفاء. كما يحسنون بها على المتصوفة والمريدين الذين يجلبونها إليهم ، وتشرب كل أمة محمد من هذا الماء ، وبالرغم من أنه يتم ملئ مئات الآلاف من الجرار والأباريق من مياه تلك العين إلا أنها لا تنقص قطرة واحدة ، وفى اليوم الثالث للمولد تصير مياه هذه العين كماء الورد ويرسل منها إلى الشام وحلب وبغداد والبصرة وإستانبول تبركا ، حيث يكون طعم المياه حينذاك مثل ماء زمزم وطبيعته مسهلة ، وهو دواء لسبعين داء مختلف ، من يشرب منه مرة لن يصيبه مرض حتى السنة المقبلة بل إنه لن يحتاج إلى طبيب ، ولكن يجب أن يشرب بنية خالصة ، فإنه عندئذ يدفع الدم الفاسد من الجسد والأخلاط الموجودة فى الجسم والرعشة والبرص والجذام ، وعادة ما تظل مياه العين المذكورة عذبة لونها أصفر براق حتى السنة التالية ، ثم تتحول إلى اللون الأحمر فى شهر يوليو وتظل على ذلك أربعين يوما بلياليها ، حتى يوم المولد حيث تنقطع المياه الحمراء فيه ، وتجرى المياه البراقة وكأنها ماء الورد ، وهى تجرى على هذا المنوال إلى ما شاء الله ، وفى هذا المولد الشريف يتم بيع ما يقرب من عشرة ملايين جرة وكوب وقصعة وذلك من أجل العين المذكورة ، ولا يعلم حسابها إلا الله ويباع فى هذا اليوم أيضا اللبن الرايب والسمن الجيزاوى ، ولوجود جبال الأهرامات فى تلك المنطقة يقوم خمسة أو عشرة أشخاص من زوار تكية أبو هريرة بالتجمع فى مكان ما ويذهبون لمشاهدة جبال فرعون إما سيرا وإما على ظهور الدواب.

عبرة

فى أيام مولد «أبو هريرة» وعلى مقربة من تكيته فى الجيزة تخرج من باطن الأرض مئات الآلاف من عظام الشهداء الذين استشهدوا معه وتتحرك تلك العظام ، ولكنى لم أر ذلك بعينى بل سمعته من رجال ثقات ، وعند ما كنت أعبر النيل بالمركب إلى ناحية مصر القديمة شاهدت الأهالى يحملون فى أيديهم بعض العظام وقالوا إنها أعضاء الشهداء ونأخذها إلى بيوتنا تبركا بها ، وهذه حكمة إلهية للعبرة والعظة.

١٤٥

وعندما سألت بعض الرجال وعلماء الأزهر عن ذلك قالوا إن العظام تكثر حقيقة فى هذا اليوم ولا يعرف أصحابها ، والبعض يقول عن تلك العظام أنها عظام القبط الذين تحاربوا مع الصحابة وقتلوا فى تلك الحرب ، ولأن قتلهم كان فى شهر يوليو فإن الأرض تلفظ عظامهم حتى أن بعض القبط يحملون تلك العظام إلى منازلهم ، لا يعلم الغيب إلا الله.

وبجانب الخليج فى مصر قبر الشيخ ( ) (١) الخلوتى وهو مدفون فى جامعه وله تكية ومشايخ ومريدين وعمارة ، وتطل نوافذ الجامع على مياه الخليج الجارية وبفناء الجامع شجرة سدر وحديقة بها أشجار ، وقد ذكرت أوصاف الجامع سابقا.

وبداخل السوق السلطانى على مقربة من باب النصر يقع قبر عين الغزالى قدّس سره ، وبداخل قصر رئيس الحسبة بالقلعة العلوية يوجد قبر الشيخ عبد الله الأنصارى وهو من الصحابة الكرام وهو مدفون فى تكيته.

ثم ضريح الشيخ ( ) (٢) ويقع داخل زاوية وزير السلطان الظاهر بيبرس بقصر أغوات الباشا الوالى بالقلعة.

وعلى مقربة منه تقع تكية الشيخ عبد القادر الجيلانى ومدفون بها الشيخ محمد الأنصارى ، والشيخ أحمد المفتى ، والشيخ عبد الله اليمنى الزيلعى والثلاثة من الصحابة الكرام وبالتكية بعض أتباع الطريقة القادرية ، ويهب والى مصر لهذه التكية مع أوقافها أوقتين من اللحم وعشر قطع خبز ، كما يقدم الأغوات أيضا النذور لهذا الضريح.

وبفناء جامع سليمان باشا الخادم المجاور لغرف الانكشارية بالقلعة الداخلية يقع قبر الصحابى سارية الجبل ، وسارية من كبار الصحابة الكرام كان قد سار على رأس أربعين ألف جندى لولاية العجم فى خلافة عمر بن الخطاب ، وقد انهزم سارية على يد العجم فى قلعة نهاوند ، وبينما كان عمر بن الخطاب يخطب الجمعة فى المدينة المنورة رأى بعين الباطن أن القائد سارية انهزم فى بلاد العجم ، فنادى وهو على المنبر يا سارية الجبل (ثلاث مرات) ثم أكمل الخطبة ، فتبسم بعض الصحابة وتعجبوا مما فعل عمر لأنه ينادى

__________________

(١ ، ٢) بياض فى الأصل.

١٤٦

على سارية وبينهما مسيرة ثلاثة أشهر ، أما بعضهم فقد ظن أن فى الأمر سرا لا يعلمه إلا الله ، ومن حكمة الله سمع سارية ومن معه نداء عمر عندما نادى عليهم يوم الجمعة فانسحبوا ناحية الجبل وقد جدد جند الإسلام نشاطهم خلف هذا الجبل وقاتلوا العجم وانتصروا عليهم ثم جاءوا إلى المدينة المنورة سالمين غانمين وأخبروا أهل مكة والمدينة بالصوت الذى سمعوه يوم الجمعة فطابقوا بين التاريخين فتطابقا فازداد الناس حبا لعمر ، وكان سارية ضمن الصحابة المرافقين لعمرو بن العاص فى فتح مصر وتوفى بها.

وبتكية الشيخ سارية الجبل سبعين من الصحابة الأنصار مدفونين معه منهم الشيخ داود والشيخ قاسم والشيخ يحيى والشيخ إسماعيل والشيخ ( ) (١).

وبجانب ضريح السيدة زليخة يقع ضريح أمنا آسيا امرأة فرعون وبالرغم من أنها كانت امرأة فرعون إلا أنها بأمر الله آمنت بموسى فقتلها فرعون وتوفيت بكرا ، وبعض المفسرين يقولون بأنها ماتت بكرا لأنها ستتزوج سيدنا موسى فى الجنة ، وقد بنى الملك طوطيس أحد ملوك القبط قبة على ضريحها وكتب عليه تاريخه باللغة القبطية ، وأكثر زوار هذا الضريح من النساء.

وبالقرب من قبر يامن أخو يوسف فى سفح جبل الجوشى يوجد ضريح عبد الله بن طاهر وهو من أكراد مدينة نصيبين ، كان وزيرا للخليفة المأمون عندما جاء من بغداد إلى مصر ، عندما أراد الخليفة المأمون أن ينقب فى جبال الأهرام عام ٢٠٥ ه‍ ، لكى يستخرج الكنوز الموجودة بها ، سقط حجر من الهرم الأكبر على عبد الرحمن بن طاهر فقتله ودفن بجوار ابن يامان. وقد بنى الخليفة المأمون قبة عظيمة على قبره والعديد من التكايا. وكتب على العتبة العليا للضريح : «أمير المؤمنين مأمون الزمان بن هارون الرشيد سنة ٢٠٥ ه‍».

__________________

(١) بياض فى الأصل.

١٤٧

وبقرية أبو صير الواقعة بالقرب من جبل الهرم الذى هدمه الخليفة المأمون يقع قبر الملك مروان الحمار (١) وهو أحد ملوك بنى أمية ، وأنهم بفعل الأعمال غير الشرعية وقد تحارب على ضفاف نهر الفرات وقتل كل جنوده أما هو فقد فر هاربا إلى الشام مقر حكمه ، ولم يستطع الاستقرار بالشام ففر هاربا إلى مصر وقد ظن أنه قد استقر فى مصر فى مأمن إلا أن أحد الجنود ويدعى عامر بن جرجابى قبض عليه وسلمه لعبد الله المازنى الذى قطع رأسه وعلقها على رأس طريق وقتل كل من كانوا معه وخرج موكب عظيم من مصر برأس مروان الحمار ومر الموكب برأسه من غزة والشام وحلب وعرفة (٢) حتى وصلوا إلى ملاطية وهناك سلموا رأس مروان الحمار إلى الملك الناصر على طاهر ، وأقيمت الاحتفالات وذلك لأن الملك الناصر انتقم من خصمه وحمد الله على ذلك فقد انقطع نسل يزيد الأموى عند مروان الحمار وقد أرسل الرسائل لكل سلاطين الإسلام يذكرهم فيها أنه انتقم لدم الحسين ، والآن يرقد نعش مروان الحمار فى قرية أبو صير تعلوه قبة منخفضة ويقوم بزيارته الذاهبون لمشاهدة الأهرام ، وبعضهم يسبه ويقولون «مقام مذموم».

وبمصر القديمة يقع قبر الشيخ عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو من الصحابة الكرام رواة الحديث ، دفن فى منزله بناء على وصيته أثناء فتح مصر.

وبالقرب من قبر الإمام الشافعى والإمام الليث يقع ضريح الشيخ جلال الدين السيوطى قدّس سره العزيز ، وقد ولد جلال الدين السيوطى فى مدينة مزينة هى مجمع

__________________

(١) هو مروان (الثانى) بن محمد بن مروان بن الحكم كان يكنى أبا عبد الملك ، ولى أمور دولة بنى أمية سنة (١٢٧ ه‍) ، وهو آخر ملوكهم ، لقب بالحمار لا على سبيل السخرية أو الاستهزاء إنما على سبيل المجاز إشارة لقوة عضلاته وإعجابا بصلابته ، كما أن الحمار يمتاز بالصبر على الشدائد ، وقوة الاحتمال.

انظر خبره فى : مختصر تاريخ العرب والتمدن الإسلامى لسيد أمير على ، ترجمة رياض رأفت ص ١٤٥ وما بعدها ط. دار الآفاق العربية القاهرة ١٤٢١ ه‍ / ٢٠٠١ م ، والمعارف لابن قتيبة الدينورى بتحقيق ثروت عكاشة ط. ٤ ـ دار المعارف ص ٣٦٩ ، والجزء السادس والسابع من تاريخ الطبرى (فى مواضع متفرقة) ، وغيرها.

(٢) هى : أورفه.

١٤٨

الفقهاء والمفسرين تسمى أسيوط تقع على شاطئ النيل فى صعيد مصر العالى ، وللإمام السيوطى مؤلفات تبلغ ٧٠٠ مجلد ، وهو عالم ومؤرخ ومؤلفاته مشهورة فى الآفاق ، وضريحه الآن مزار للعام والخاص.

وعلى مقربة من جامع ابن طولون الواقع فى قلعة الكبش التى يطلقون عليها «جبل يشكر» يوجد ضريحان داخل جامع السلطان الجولى مدفون بهما السلطان الجولى وأقاربه ، وفى قبتى الضريحين نوافذ تطل على بركة الفيل ، والحوائط الداخلية لهاتين القبتين مغطاة بالمرمر المصقول ، المموج ، وقد كتب على عتبته العليا تاريخ بنائه والآية الكريمة : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ* وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) [الرحمن : ٢٦ ـ ٢٧] وعلى أطراف الأضرحة المرمرية نقش بتاريخ «سنة ثلاثة وسبع مائة» على المرمر بخطوط قديمة.

وبالقرافة الكبرى يوجد قبر الشيخ سيد حسين الأخلاطى ، وهو سلطان عظيم ، وعندما خلت سجادته جاء ابن قاضى سماونة أحد علماء السلطان يلدريم با يزيد ، من بلاد العجم إلى مصر ، على زمن السلطان فرج بن برقوق ، ليصبح خليفة للشيخ سيد حسين الأخلاطى بإذن من السلطان يلدريم با يزيد ، وكان يتقاضى راتبا يوميا يقدر بثلاثمائة قطعة من العملة المصرية ، وابن سماونة هو الشيخ بدر الدين بن محمد بن إسرائيل بن عبد العزيز ، وقد ذاع صيته بن علماء ومشايخ مصر فى ذلك الوقت ، فقد ألف كتاب جامع الفصولين وكتاب عقود الجواهر ، وهما من الكتب المعتبرة القيمة بين العلماء والطلاب ، وقد توفى ابن سماونة فى مصر ودفن فيها وقبره مستور بجوار ضريح أبى الليث بالقرافة الكبرى ، وقبره الآن مزار للعام والخاص.

وبجواره قبر إبراهيم الكلشنى الصارجانى ، وهو من شعراء السلطان محمد خان أبو الفتح ، فقد توفى أثناء قدومه من الحج.

وبجوار قبر عمر بن الفارض يوجد ضريح المنلا عتيقى.

وعلى مقربة من سويقة السباعين يقع ضريح الشيخ حمودة ، وهو مدفون فى قبة صغيرة.

١٤٩

وضريح الشيخ يوسف العجمى ، وهو على مقربة من الجامع الأزهر.

وقبر الشيخ تاج الدين المتصل بسوق الغنم بالقرب من تكية السلطان دك كيز ، والشيخ تاج الدين من المشايخ العظام وله آلاف الكرامات.

وعلى مقربة من منزل الشيخ البكرى يقع ضريح أولاد عنان قدّس سرهم جميعا ، وفى ناحية قنطرة السبوع خارج الباب الجديد ضريح الشيخ أبو البشر ـ رحمة الله عليه ـ ، وضريح الشيخ إبراهيم اللقانى ، وهما أفضل علماء مصر وقد درسا لعدة سنوات فى الأزهر ، وتوفيا فى مصر بعد العودة من الحج عام ١٠٠٣ ه‍ والشيخ بدر الدين القرافى والشيخ صالح البلقينى من أقارب الشيخ إبراهيم اللقانى ، وهما مدفونان معه ، وهما من كبار مشايخ مصر وضريحهما مزار.

وعلى يمين تكية الإمام الشافعى نجد تكية ابن الشيخ محمد البكرى وهو من نسل أبو بكر الصديق ، وقد انتقل هذا الشيخ إلى دار البقاء فى شهر صفر من عام ١٠٩٧ ه‍ عندما كان ( ) (١) باشا واليا على مصر ، ودفن بجوار أجداده العظام وقد حضر جنازته مئات الآلاف من البشر ، وقد خلفه على سجادته الشيخ أبو المواهب من أولاد مهترى ، وقد جدد كل المتصوفة البيعة له ، ـ عمره الله ـ وأصبح ناظرا على كل أوقاف الشيخ زين العابدين كوجك جلبى ، وله تكية عظيمة حفظه الله. ويحتفل فى نصف شعبان بمولد أجداده العظام.

وبالقرب من تلك التكايا وبجوار الإمام الشافعى يوجد ضريح الغازى كرتباى ، والغازى كرتباى هو أحد الجنود الشراكسة الشجعان الذين أقسم أن يقتل السلطان سليم خان أثناء قتاله مع السلطان طومان باى فى صحراء العادلية ، وخاض بجواده بين جند آل عثمان الذين كانوا كموج البحر ، فصادف سنان باشا الخادم الوزير الأعظم وكان فى ذلك اليوم وشاء الله أنه كان يرتدى نفس لباس السلطان سليم ويمتطى جوادا مثل جواده ، فضلا عن أنه كان قريب الشبه بسليم ، فقام كرتباى بقتله فاجتمع عليه الجند

__________________

(١) بياض فى الأصل.

١٥٠

وقتلوه. ونحمد الله أن كرتباى لم يقتل السلطان سليم ، حقيقة كان كرتباى شجاعا محاربا رحمة الله عليه ويأتى كل شراكسة مصر لزيارة ضريحه.

وبالقرب من باب الحديد بوسط مصر يقع ضريح الشيخ إبراهيم الكلشنى وقد وصفنا تكيته ، وتاريخ وفاته (مات قطب الزمان إبراهيم) سنة ٩٣٠ ه‍. درس علم التصوف والتوحيد على الشيخ أبى السعود فى زمن السلطان سليمان ، ولما جاء مصر بنى تلك التكية بكل أمواله وهو مدفون بها ، وقد أخذ الشيخ إبراهيم عن عمر الروشنى وأخذ عمر عن يحيى الشروانى ، وهو سلطان عظيم وقطب الآفاق الذى ملك العلم اللدنى والعلوم الأخرى.

ودفن بضريحه أيضا ابن أحمد الخيالى المتوفى عام ٩٧٧ ه‍.

وبجانبه الشيخ ابن على الصفوتى المتوفى عام ١٠٠٥ ه‍.

وبجانبه ابن الشيخ حسن أفندى الذى توفى فى ١٠١٢ ه‍.

وقد خلفه فى الطريقة صهره محمد جلبى ، المتوفى عام ١٠١٤ ه‍.

ويوجد أيضا ضريح الشيخ القرمانى وهو من خلفاء الشيخ الكلشنى حينذاك وقبره ليس معلوما.

بعده قبر الشيخ صاحب السجادة الشيخ محيى الدين الأدرنوى وقد بايع الشيخ على صفوتى فى مصر وصاهره ، ودفن فى التكية الكلشنية ، كان غارقا فى العشق الإلهى ، وكان أثناء التوحيد والذكر يردد أشعار العشق ، فيثمل العاشقين.

ويقع قبر الشيخ البغدادى خارج مصر القديمة من ناحية الشرق ، وهو وسط الرمال ، ومغطى بقبة عالية ، وبالقرب من كنيسة يطلقون عليها دير سنودة ، كان المقوقس قد طلب من عمرو بن العاص حين فتحه لمصر ألا يهدمها ، ويقولون لو دخل تلك الكنيسة أى كائن حى غير البشر والطيور يموت فى الحال ، وإذا ما دخلها العربان الذين يعانون من الآلام برءوسهم يتخلصون من آلامهم ، إنه دير عجيب مطلسم.

١٥١

وعلى مسافة خمسمائة خطوة من هذا الدير على الطريق العام يقع قبر الشيخ حويدى ومؤلفاته لا تعد ولا تحصى ، وله زاوية ومئذنة وقبتين. ويداوم أهل مصر على زيارته ، وكراماته مذكورة فى كتاب طبقات الشعراوى قدّس سره.

ثم قبر المولى على بن غانم المقدّسى بالقرافة الكبرى ، وهو من فضلاء الدهر الواصلين إلى القطبية ، فكان غواصا فى بحر العلم اللدنى.

ثم قبر المولى بدر جلبى الواقع بجوار عمر بن الفارض وقد توفى وهو قاض على مصر ، وقبره مزار يزار.

ثم قبر المولى معروف أفندى وهو من طربزون ، وهو مدفون مع علماء الروم بجوار عمر بن الفارض.

ثم قبر الشيخ الفاضل أمير التيره وى فى قرافة مصر الكبرى ، وكانت وفاته فى عام ٩٨٧ ه‍ ، كان أمير التيره وى مصنفا ومؤلفا وخطاطا ، ترك ٤٢ مجلد بخط يده وتوقيعه وكلها موقعة بإمضائه ، وهذه المؤلفات النفيسة موقوفة فى الجامع الأزهر وجامع المؤيد.

ثم قبر الشيخ سنان أفندى وهو من أكراد صوران العلماء ، لم يقبل صدقة أو نذرا أو طعاما من أحد ، قام بتعمير وترميم مسجد محلة الكردى فى مصر وعاش ودفن بها ، وقد كان للشيخ الكردى مكانة بين مشايخ مصر ، حيث كانوا يزورونه ويحتفلون بمولده مرة كل عام ، ويجتمع بمولده أناس كثير.

ثم قبر المولى عبد الله أفندى بن محمود ، توفى أثناء توليه قضاء مصر ، ومدفنه بجوار الشيخ شاهين.

وبالقرب من جامع المرزبانية قبر الشيخ محمد بن محمد الشهير ب «آلتى بارمق» افندى (أى الأصابع الستة) رحمة الله عليه ، وهو إسكوبى ويعرف ب «جقرقجى زاده» حتى إنه أثناء قدوم هذا العبد الحقير (١) من البوسنة مع ملك أحمد باشا مر بإسكوب ومكث يومان فى منزل آلتى بارمق افندى ، وتحدثنا مع أقاربه وكانوا من أصحاب المعارف ، ونحمد الله أن يسر لنا زيارتهم فى مصر أيضا.

__________________

(١) يعنى المؤلف بالعبد الحقير نفسه ، تواضعا منه كعادة من يتكلم عن نفسه من أهل العلم والفضل.

١٥٢

وللشيخ محمد بن محمد مؤلفات كثيرة منها سيرة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهى سيرة ممدوحة بين السير ، لقد كان شيخا عزيزا وبحرا للمعانى وهو النعمان الثانى ومدفنه أمام قبلة جامعه حيث توفى عام ١٠٣٣ ه‍ ، كان العزيز المذكور بحرا فى مختلف العلوم ، عذب البيان ، طلق اللسان.

ثم ضريح المولى ظهير الدين الأردبيلى ، الذى جاء من تبريز إلى بلاد الروم فى عصر سليم الأول ، وقابله السلطان ، ثم ذهب إلى مصر قاصدا حج بيت الله الحرام ، وقد قتل مع أحمد باشا الخائن فى مكان واحد ، كان المولى ظهير الدين الأردبيلى له باع فى العلوم وله مائة مجلد من المؤلفات ، وهذه هى الدنيا يموت الإنسان ويبقى اسمه ، إنه الموت الذى يتساوى فيه الجميع السيد والفقير ولم ينجو أحد منه وليس له دواء.

إن أضرحة ومزارات الأولياء والعلماء والصلحاء فى القاهرة لا تعد ولا تحصى ، ولكننا حررنا هنا ما ذهبنا إليه فقط.

ثم قبر المولى حسين باشا زاده افندى وابنه صاحب الحظ السعيد «كوزلجة رستم باشا» وزير «بودين» ، توفى حسين باشا زاده وهو قاض على مصر ، وقبره بجوار الإمام الشافعى ، ومكتوب على العتبة العليا للضريح : «هذا مقام حسين افندى فى دار السلام سنة ١٠٢٣ ه‍» ، كان المذكور من أرباب العلم والمعرفة محبوبا من الجميع ، وكان يجزل العطاء فى منزله.

ثم قبر المولى محمد أهلى افندى أخو عبد الرحمن افندى طبيب زاده ، كان صاحب فيض فى كل العلوم تولى منصب قضاء مصر ، ومدفنه فى ساحة جامع مسيح باشا ويزوره الذاهبون إلى الإمام الشافعى ، وثمة شخص آخر باسم أهلى جلبى ولكنه مدفون فى رودس.

ثم قبر المولى عبد الباقى الشهير بطورسون زاده افندى ، توفى وهو قاض عل مصر ، وقبره فى القرافة الكبرى على الطريق ، وعلى مشهد قبره تاريخ وفاته.

١٥٣

ثم قبر المولى مصطفى بن محمد بن سليمان ، وفد من مكة إلى مصر بعد آلام كثيرة وهو مدفون بجوار الإمام أبو الليث ، قدّس سره العزيز.

ثم قبر الشيخ أبو بكر الكفوى الذي كان مصاحبا للشيخ شاهين بمصر ، حيث اتجه إلى طريق الحق ، وهو مدفون بجوار الشيخ شاهين ، كان شيخا زاهدا عابدا متورعا اشتهر بالكرامات.

ثم قبر مولانا الفاضل رضاى محمد جلبى ، مخدوم المرحوم بيرى افندى قاضى قونيه دار الملك ، وتاريخ ميلاد رضاى جلبى ١٠٠١ ه‍ هو لفظ (رضا) لذا تخلص برضاى ، تولى قضاء مصر ثم توفى ، ورضاى جلبى حسيب نسيب ، وأديب كامل ومؤلف ومصنف وشاعر وماهر له نصيب من كل الفنون ، حافظ لقاموس النجوم والكواكب ، كما كان متصوفا خلوقا ، ومدفنه فى ساحة مشهد الإمام الحسين وقبره من الحجر. ويقوم الروم بزيارته وهم يقولون عنه إنه قبر فاضل.

ثم قبر مولانا جمالى زاده وهو من علماء الروم كان خادما لشيخ الإسلام على جمالى ، كما كان صاحب السجادة فى الأناضول ومصر والعديد من الأماكن الأخرى ، وتولى متصرفية الشرقية والغربية بمصر ، ولكنه استقر فى القاهرة مصداقا لقوله ـ تعالى ـ : (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) [النور : ٣٥] وهو مدفون بجوار الإمام أبو الليث ، رحمة الله عليه سنة ٩٦٨ ه‍.

* * *

١٥٤

فى بيان كرامات المرحوم والمغفور له

السلطان أعلم العلماء وأفضل الفضلاء

شيخ الشيوخ الشيخ على الشمرلسى

عندما دخل الحقير صاحب التقصير قليل البضاعة مصر فى عام ١٠٨٣ ه‍ شرع فى زيارة الأولياء والأنبياء واجتهد فى مقابلة العلماء والمشايخ الكبار وقد تشرفت بمقابلة الشيخ الشمرلسى فى الجامع الأزهر تبركا وتيمنا به ، فقبلت يده وكان لى نصيب من دعواته لى بالخير ، وبدأت فى قراءة كتابه (قوهستان) ، كان الشيخ الشمرلسى أعمى منذ ولادته ، ولكن الفصاحة والبلاغة وطلاقة اللسان التى يمتلكها لم تكن حتى عند أفصح الشعراء محمد البوصيرى ، وقد خدم الحقير الشيخ ، حيث تتلمذت على يديه ثلاث سنوات ، ولحكمة الخالق لزم الشيخ الشمرلسى الفراش فى السنة التى كان فيها عبد الرحمن باشا واليا على مصر ، ظل الشيخ لمدة شهرين طريح الفراش وكان كل تلاميذه يذهبون إلى بيته فى تلك الفترة ، الكل يقبل يديه ويبدأ فى قراءة الدرس عليه ، وسبحان الله كانت الدروس حينئذ أكثر من الأوقات الأخرى ، فقد كانت كل أعضاء الشيخ نحيفة ضعيفة وكأنه قد وهبها كلها فى سبيل العلم ، وكانت له قوة قدسية فكان يرى بمنظار قلبه ، وكان الشيخ موصوفا بالذكاء الحاد والفراسة والفطنة التى لا حد لها ، من يراه لا يقول أنه ولد أعمى ، حتى أن صهره القاضى منصور الذى كان متزوجا بابنة الشيخ ، وهى سيدة حافظة مثل رابعة العدوية ، نقل إلى الحاضرين بالمجلس ما سمعه من زوجته ابنة الشيخ الشمرلسى أنها كانت تسمع والدها فى الليالى المباركة وهو يقرأ العلم فى حضور النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويقول بلسان فصيح صريح : نعم يا رسول الله ويقول صحيح يا شفيع المذنبين ، وفى أحد الأيام وبعد انتهاء الدرس كنا فى حضور الشيخ ، فقال فى أى يوم سيخرج حجاج المسلمين إلى بركة الحج.

فأجاب صهره : لقد صدر الفرمان بخروجهم إلى البركة يوم الخميس الموافق ١٨ شوّال المعظم.

١٥٥

فقال الشيخ : يا قاضى منصور كم يوما بقى على ذلك اليوم؟

فأجاب الشيخ : ( ) (١) خطيب جامع القيسونية : بقى يومان فقط يا سلطاننا.

فنهض الشيخ من الفراش بعد أن كان طريحه لمدة شهرين ووقف على قدميه وأخذ يتحرك ويدور بلطف فى البيت مثل طاووس حدائق الجنة ، وكأنه فى سماع خانه جلال الدين الرومى (٢) ، فتحير كل الحاضرين من ذلك ، وتحيرت أنا أيضا لما شاهدت ، وقد تصبب الشيخ عرفا بعد السماع ، وقال لنا : أيها الأبناء لقد عادت لى الحياة وشفيت لأنكم بشرتمونى بخبر خروج الحجاج إلى البركة ، وبذلك وجدت الدنيا والآخرة ، ودعا لنا جميعا بأن يغفر الله لنا وأن يمنحنا طول العمر ، وابتهج بعض الحاضرين من ذلك قائلين الحمد لله لقد شفى الشيخ ، وبعضهم انخرط فى البكاء ، إلا أن الشيخ تحدث إلينا مرة أخرى وقال : أيها الأبناء لى رجاء عندكم ، فى اليوم الذى سيخرج فيه أول موكب للحجاج أخرجونى ولا تحرمونى من رؤية موكب الحجاج فهذه الأيام هى أيام الحج الأكبر ، ضعونى فى صندوق يحمله أربع حيوانات ثم سيروا بى من الجامع الأزهر

__________________

(١) بياض فى الأصل.

(٢) هو جلال الدين الرومى المولود فى بلخ عام ١٢٠٧ م. كان أبوه بهاء الدين ولد من العلماء الأجلاء ، صحبه جلال الدين فى رحلة الحج ، وأثناء عودته مرّ بدمشق ، واستقر به المقام فى قونيه وبها توفى أبوه عام ١٢٢٣ م.

وقد أخذ جلال الدين الرومى التصوف عن الشيخ شمس التبريزى ، وأسس طبقته الصوفية المعروفة بالمولوية ، وقد بين طبقته هذه فى كتاب منظوم له بالفارسية يسمى (المثنوى). وتحلق حوله المريدون وانتشرت طريقته فى الأناضول ، وكان دراويش المولوية موضع توقير رجال الدولة العثمانية حتى جرت العادة بأن يتولى رئيسهم تتويج السلطان العثمانى فى مسجد بايزيد.

وكان من عادة المولوية أنهم بعد صلاة الجمعة يقابلون شيخهم ويجتمعون فيما يعرف ب «سماع خانه» أى : بيت السماع فيمارسون أذكارهم على أنغام المعارف وهم يرقصون بكيفية خاصة بهم وفى رأيهم أن السماع وما يصحبه من رقص إنما يرقق القلوب ، ويسمو بالنفوس ، ويثير الخوف عند التائبين ، ويلهب قلوب المشتاقين.

انظر : معجم الدولة العثمانية : للدكتور حسين مجيب المصرى ص ١٤٢ ـ ١٤٣ (بتصرف) ط. أولى: الدار الثقافية ، القاهرة ٢٠٠٤.

١٥٦

وليكن معكم تلاميذى الأحباء وكل العاشقين المشتاقين من المجاورين وطلاب رواق العراق وضعونى بالقرب من قرافة المجاورين فإنها طريق الأهالى وكل المسلمين المدفونين بها ، وبهذا أشاهد موكب الحجاج كل عام وليكن ترابهم غبارا لى ، وهذه هى وصيتى لكم لا تحرمونى من موكب الحجاج ، فقال كل التلاميذ على الرأس والعين يا سلطاننا ، وقد فرح كل الصادقين من كلام الشيخ ، ثم قال الشيخ مرة أخرى أيها الأبناء لتخبروا على بك من أمراء مصر والشيخ المتبولى خادم ضريح إبراهيم العراقى بأن يكونوا معى أثناء مشاهدة الموكب ، وذهب أحد التلاميذ إلى الاثنين ورجع إلى الشيخ الشمرلسى وقال له إن الاثنين مرضى وفى النزع الأخير ، ويقولون أنهما لن يستطيعا الحضور لمشاهدة الموكب ، فرد الشيخ قائلا سيبرأون ويعافون بعد يومين بمشيئة الله وسيأتون معنا لمشاهدة الموكب ، ولى رجاء آخر عندكم يا أبنائى أن تقرأوا ختمة شريفة أربعين مرة فى الجامع الأزهر وتهبوا ثوابها للمرحوم عبد الفتاح ، وأن تقوموا بطبخ الحلوى يوم الجمعة وتقدموها للفقراء ، فقد كان الشيخ عبد الفتاح من أقارب أستاذنا الشيخ الشعراوى وقد استولى على نظارة ميراث السيدة زهرة ابنة الشيخ الشعراوى فدعوت عليه ، فقطع أربا أمام باب العزب فى واقعة خلع الدفتردار أحمد باشا.

ثم جلس الشيخ على الفراش واتكأ على الوسادة ، وبدأ تلاميذه يتحدثون عن هذا الشأن ، وقد ظهرت له كرامة ، ولحكمة الله فاضت روح الشيخ إلى بارئها فى نفس الوقت الذى تأهب فيه كل جنود مصر للخروج لموكب الحج فى اليوم الثامن عشر من شهر شوال ، فصلوا عليه فى الجامع الأزهر كما صلى عليه جميع مشايخ مصر فى الجوامع ، وبهذا تحققت وصية الشيخ فقد صلى عليه مئات الآلاف من الجنود ومثلهم من العوام والخواص والفقراء وكانت الجنازة تموج كالبحر ، وقد حمل النعش فى صندوق على أربعة حيوانات كما أوصى بذلك وقام مئات الآلاف من العلماء بالذكر والتوحيد ، وحمل الشيخ مع موكل الحجاج إلى قرافة المجاورين ، وهناك انتهت رحلته واستقر بدار

١٥٧

القرار ، وروحه فى أعلى عليين فقد انتقل من دار الفناء إلى دار البقاء رحمة الله عليه تاريخ ( ) (١) الفاتحة لروحه ، ولحكمة الله توفى خل من الشيخ المدبوسى خادم ضريح إبراهيم العراقى وعلى بك تحقيقا لكرامة الشيخ الشمرسى.

وفى محلة ( ) (٢) على باب لسلوق يقع ضريح الشيخ إسماعيل الصنافيرى وهو من المتصوفة الكرام ، لم يكن متكلفا ، بل خان عارى الرأس ، لا يتكلم مع أحد وسكنه عند ما يرى المحبين إليه يتحدث معهم ببعض الكلمات مبتسما ، خانت خل خلمة من خلامه رمزا ، وقام القاضى جلال الدين ببناء زاوية وقبر الشيخ الصنافيرى فى حياته وفى عام ١٠٨٩ ه‍ عند ما كان عبد الرحمن باشا واليا على مصر أشار الشيخ الصنافيرى ببعض الكلمات الرمزية قائلا : سنموت فى هذا الشهر» ، وقد كانت تلك العبارة إشارة لتاريخ غزوة آل عثمان على موسكو ، والقبر الآن مزار يزار.

* * *

__________________

(١) موضع سطر خال.

(٢) بياض فى الاصل.

١٥٨

الفصل الرابع والستون

فى بيان أسماء المحلات الموجودة على الطريق الرئيسى

للسلاطين وكل الأعيان فى مصر

بمصر طريق عام كبير يبدأ من أدنى المدينة ويصل حتى القلعة الداخلية لمصر ( )(١)وتوجد طرق أخرى فى الأسواق السلطانية والمحلات تبلغ ( ) (٢) ألف طريق عام ، ويطلقون على الطريق الذى يبدأ من باب السيدة نفيسة وحتى باب النصر درب السلطان ، ويطلقون اسم درب السلطان أيضا على الطريق من سوق الحدادين وسوق أمير الحاجب وسوق الخيام وباب الحديد وحتى باب النصر ، وينقسم الطريق عند بين القصرين إلى طريقين الأول ويتجه إلى باب الفتوح ويطلقون عليه درب الحاكم بأمر الله ، والثانى ويبدأ من درب باب الشعرية ويتجه حتى خارج المدينة ويطلقون عليه درب الطاهرية ، ويطلقون على الطريق الذى يبدأ من سوق الطيور وحتى الداخل درب العباسية ، وسمى بهذا الاسم لأن كل خلفاء العباسيين الذين ملكوا مصر كانوا يسكنون فيه ، ويطلقون على الطريق الذى يبدأ من درب باب الحديد وحتى باب سلامة قنطرة السبوع وبالقرب منه فى الناحية المواجهة للخليج يوجد درب سويقة الدلال وعلى مقربة منها يوجد درب قنطرة السنقور وسوق محلة عابدين ودرب باب الدباغين ودرب الشواريب ودرب الأوزبكية ودرب قنطرة الليمون ودرب الرطل ودرب باب اللوق ودرب الخراطين ودرب بين القصرين ودرب قاضى العسكر ودرب خان الخليلى ودرب خرطة الجمالية وخرطة الصاغة أى سوق الفضة ودرب الفحامين ودرب الغورى ودرب البندقانى وباب الذحوقة وسوق الشوائين وباب زويلة وخرطة الوالى ، وللعبور من هذه الأماكن ينبغى أن يسلك المرء طريقا مدته ساعة يطلقون عليه الآن طريق خرطة الوالى ويقع عليه سوق قرب السقائين والطلومبات والزجاج ، ومن سوق الخياطين أى سوق صناع الخيام وسوق الخضار وخرطة الخليفة وسوق الطليون وسوق المغاربة وسوق الحنا وسوق قبر الطويل وسوق أمير الآخور وخرطة السقائين وخرطة النصارى وخرطة الموسكى وسوق الروملى والدرب الأحمر الواقع بقصر الباشا وحتى جامع الأزهر بطول ثلاثة آلاف وخمسمائة خطوة.

__________________

(١ ، ٢) بياض فى الأصل.

١٥٩

أوصاف بقية الطريق الرئيسى لمصر القاهرة

وطوله ألفان ومائة خطوة

وهو الطريق الذى يمر من أمام حمام السباهية بالقرب من مسكن الحقير (١) فى القلعة الداخلية بمصر ، والذى يمر أيضا من أمام قصر عوض بك ومن أمام باب مسعود أغا ، حتى قصر برهان افندى النقيب ألفين ومائة خطوة ، وطول الطريق من أمام جامع «آلتى بارمق» الذى يدنو من قصرنا وكذا من أمام قصر مسعود أغا وحتى قصر النقيب ألفين وثلاثمائة خطوة ، وهذا يعنى أن هذا الطريق أزيد من الطريق الأول بمائتى خطوة والطريق من ميدان الروملى الواقع عند باب العزب أسفل قصرنا وكذا من قنطرة السبوع عند الباب الجديد وحتى منزل قيطاس بك الدفتردار ثلاثة آلاف خطوة بالتمام.

وبهذه الطرق آلاف الحوانيت والأسواق السلطانية ، ولو قمنا بذكرها كلها سنكتب مجلدا آخر.

أما الطريق العام المذكور فهو أشهر الطرق فى مصر وهو مزدحم ، ولا شك فى أن لذكره فائدة كبيرة لذا ذكرناه ، أما غير المشهور منها قد عزفنا عن ذكره تجنبا للإطالة والملل واكتفينا بذلك.

* * *

__________________

(١) يعنى المؤلف نفسه.

١٦٠