الرحلة إلى مصر والسودان والحبشه - ج ٢

أوليا چلبي

الرحلة إلى مصر والسودان والحبشه - ج ٢

المؤلف:

أوليا چلبي


المحقق: الدكتور محمّد حرب
المترجم: الدكتور حسين مجيب المصري وآخرون
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٤
الجزء ١ الجزء ٢

أما المشهد المعروف «بالست آسيا» ابنة مزاحم بن الرضا بن سهسون بن خاقان وكيل ابن طولون أسفل قلعة صلاح الدين بالقاهرة وتزوره النساء وزيارتهن فى يوم الأربعاء حيث تجتمع فيه منهن حشود.

وبالقرب من مقام الست آسيا هذا قبر الشيخ أبى الحسن مالك بن سعد بن مالك الفاروقى قدس‌سره ، وقبر ميمونة العابدة أخت رابعة فى العبادة مدفونان فى ظل جبل المقطم ، وقبر أشهب صاحب مالك بن أنس بالقرب من السيدة «أمينة» ، وضريح هند بنت عبد الرحمن بن عوف والزهرى وهو ضريح عظيم يقع على طريق الإمام الشافعى وأكثر من يزوره النساء.

وقبر الشيخ محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ـ الذى كان كاتب السلطان ـ على مقربة من بركة الحبش ، وكانت وفاته عام ٢١٤ ، وأبو عبد الله محمد بن عبد الحكم ابن أعين كان قاضى مصر وتوفى عام ٢٦٨ ودفن فى سفح جبل الجوشى.

وضريح السيدة الزاهدة العابدة فاطمة بنت جعفر الصادق فى الجهة القبلية لقايتباى ، و «بشرك بن سعد الجوهرى» جد أولاد الجوهرى ومحمد بن إسماعيل المقرى المعروف بالحداد صاحب القراء والمحدثين مدفونان فى القرافة الكبرى.

وقبر الشيخ أبى بكر الدقاق أحمد بن المنصور فى سفح جبل المقطم.

وقبر القاضى عبد الوهاب بن على بن نصر البغدادى المالكى وقبر الإمام أبى عمرو عثمان بن سعيد صاحب الرواية ، تولى القضاء فى عهد عبد الحكم بن محمد الأنصارى و «توفى عام ١٩٧» وهذا ما كتب على تابوته فى القرافة الكبرى ـ ضريح كافور الإخشيدى المملوك الأسود الحبشى مولى الإخشيد فى القرافة الكبرى ، وقبر الوزير أبى الفضل جعفر الفرات وزير كافور الإخشيدى فى مصر وأبوه المقتدر بالله ، والشيخ أبو الحسن الوراق السالم من كل الشبهات بجوار قبر الإخشيدى.

وقبر الشيخ أبى الحسن على بن محمد بن سهيل الدينورى المتوفى عام ٣٣١ بالقرب من أبى الليث.

١٢١

وقبر الشيخ الفقيه أبى عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن خالد رضى الله عنه المتوفى عام ١٩١ بالقرب من القاضى بكار.

«قبر أبى بكر الإصطبلى قدس‌سره ، وصالح المبتلى المتوفى ام ٥٤٠» ، ووزير مصر والشام «المتوفى عام ٥٩٦» مدفون فى ضريح عظيم على مقربة من ابن يامن وهذا ما كتب على أطراف تابوته الرخامى المربع : (ولم يأت وزير عظيم مثله فى عهود ملوك وسلاطين السلف).

وقبر الفقيه مجلى أبو المعالى لم يأت مؤرخ مثله منذ عهد إدريس ـ عليه‌السلام ـ ، حتى إن «حمزة نامه» أحد المؤلفات التى جاد بها قلمه. وقبره الآن يزار ، وإذا ما نسى إنسان شيئا مضى إلى قبره وأكل ما أكل فى يومه سبع حبات من العنب الأسود طيلة أيامه كان له عقل أرسطو وأصبح أبا الكلام. وقد توفى عام ٥٥١ ودفن بالقرب من الإمام الشافعى مع سيدى محمد البوصيرى صاحب قصيدة «البردة».

وقبر جحا وكان من حمقى العرب مثل «نصر الدين خوجة» وهو مدفون مع أبى المعالى فى مكان واحد. والشيخ غنايم الشامى وقد ذكرت كراماته الباهرة فى طبقات الشعراوى ، وهو مدفون فى قرافة المجاورين.

وأحمد بن طولون المتوفى عام ٢٧١ مدفون فى مدينة الفسطاط وهى مصر القديمة إلى جانب عفان أبى سيدنا عثمان ـ رضى الله عنه ـ ، وعلى أطراف تابوته تواريخ مكتوبة بخطوط مختلفة. والدعاء مستجاب عند قبره.

ومشهد زوجة سيدنا أبى بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ أم محمد الأكبر بن أبى بكر. واسمها «أسماء بنت عميس الخثعمية». كان قد تزوجها جعفر بن أبى طالب المعروف بجعفر الطيار فولدت له عبد الله وعونا ومحمدا ، ثم تزوجها سيدنا أبو بكر الصديق بعد قتل جعفر الطيار فولدت له محمد بن أبى بكر ، ثم تزوجها بعده سيدنا على بن أبى طالب (رضى الله عنه).

وعندما تزوجت أسماء من سيدنا على صار محمد ابنا لزوجته. حتى إنه قد جاء فى أحد التواريخ أن محمد بن أبى بكر قاتل بجانب سيدنا على فى موقعة «صفين» أسفل قلعة «جعبر» على ضفة نهر الفرات.

١٢٢

ولما كان فى الجانب المقابل السيدة عائشة بنت الصديق وهى أخت محمد بن أبى بكر بذل كل وسعه فى إصلاح ذات البين ولكن عبثا ونشبت حرب ضروس.

ولا يخفى على إخوان الصفا وخلان الوفا أن الجوانب الأربعة لمصر القاهرة أى الفسطاط وهى مصر القديمة ، ومدينة بولاق وما يقرب من الإمام الشافعى ومصيف قايتباى فيها اثنتا عشرة قرافة دفن فى وادى سكونها مئات الألوف من أبناء الأنبياء ، وربما الأنبياء وكبار الأولياء والأئمة والصحابة الكرام وملوك السلف.

إلا أنه بتعاقب الأيام منذ هبوط آدم ـ عليه‌السلام ـ ومنذ طوفان نوح ـ عليه‌السلام ـ وهو آدم الثانى تعرضت أم الدنيا للعديد من الحوادث فأصبحت حينا عروسا فى شرخ شبابها وفى حين آخر أصبحت خرابا يبابا ، وكم من مقابر للأنبياء ومشاهد لأولياء انهدمت وانمحت آثارها.

إلا أنه منذ دخولها فى حوزة الإسلام أصبحت عروسا من جديد وعمرت. ولقد مسحت وجهى على أعتاب تلك الأضرحة وكنت أقرأ على أرواح أبناء الأنبياء وكبار الأولياء الطاهرة سورة يس أو الفاتحة على الأقل ، وقد وقعت الهيبة والخشوع فى نفسى عند زيارتها. وقد قرأت كلام الله العزيز الذى تمس إليه حاجة أرواح جميع الموتى واستمددت العون والروحانية منهم ، وما زرته من تلك الأضرحة أذكره قدس الله سرهم ونفعنا بسرهم.

وفى الساعة التى دخلت فيها مصر عائدا من الحج للمرة الأولى خرجت من قصر القاهرة وتقدمت جنوبا سيرا على الأقدام وسط المقابر ألفى قدم فى طريق رملى وفى منتصف قصبة واجهت :

مشهد شيخ الشيوخ ، الإمام الهمام ، العالم العلامة ، منهاج السالكين ومطلوب الطالبين الإمام الشافعى ـ رحمه‌الله ـ.

حملت الله أنى مسحت وجهى على عتبته ودخلت ضريحه وختمت القرآن الذى كنت قد نذرته ووهبت ثواب ذلك لروحه الشريفة ، وتصدقت على الفقراء وسألت الله القبول.

١٢٣

والإمام الشافعى ـ رضى الله عنه ـ مدفون فى قبر ترتفع قبته إلى عنان السماء وهى قبة حجرية زرقاء الداخل ، وداخلها مكسو بصنوف من الأحجار القيمة. وهى مزدانة من الداخل كذلك بالعديد من الثريات والقناديل النفيسة ، وقد كتب فيها بخطه كثير من الرحالة الصوفية ، وقد كتبت أنا على لوح مذهب الفاتحة. وهذه القبة مزينة إلى ذروتها بشتى التحف والبللور والزجاج الفاخر.

وفى الجهة القبلية من هذا الضريح محراب بديع الصنع مذهب ومزدان بالصدف وكأنه السحر الحلال ومفروش بالبسط الحريرية.

وهذه القبة المالية مكسوة بالرصاص. إلا أنه لا يشبه رصاصنا التركى الذى يبلغ طول اللوح منه ثلاثة أذرع. إنها رقائق من الرصاص يضرب لونها إلى الصفرة ، ويقال إن بها ذهبا. وعلم هذه القبة من النحاس الأخضر ، ويعلو هذا العلم قارب من النحاس الأخضر ويملأ خدام الضريح هذا القارب على الدوام بالقمح والشعير ، وتحط الطيور لالتقاط الحب وفى الجوانب الأربعة للقبة شبابيك من النحاس. وقد دفن خارج الضريح مئات الآلاف من العلماء والصلحاء والأئمة والخطباء ومشايخ السادات والوزراء والوكلاء وكبار الأعيان ، ولا يعرف عددهم إلا علام الغيوب.

وبما أنها مقبرة عظيمة من أولها إلى آخرها يوصى كل شخص بأن يدفن فيها وبنى له ضريحا هناك.

والإمام الشافعى مدفون فى تابوت فى الجهة الشمالية لنوافذ الضريح ، وهذا التابوت مغطى بحرير مزركش أخضر ، وأركانه الأربعة مزينة بكرات من الفضة الخالصة.

ويحيط بالتابوت سياج من خشب «الصبا» وذلك لمنع العوام من تقبيل تابوته وما يترتب على ذلك من تأذى روحه.

وعند قدم هذا التابوت وعند رأسه شمعدانات ذهبية فى طول قامة الإنسان ، وفى كل منها شمع كافورى. وزين التابوت بأعلام مختلفة الألوان ، وعند رأسه الشريف عمود اسطوانى الشكل من الرخام الأبيض ، طوله طول قامتى إنسان. كتب على هذا العمود بخط الثلث المذهب على خلفية لازوردية ما نصه :

١٢٤

(بسم الله الرحمن الرحيم). (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى * ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى). النجم : ٣٩ ، ٤١ هذا قبر السيد الإمام أبى عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد زيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف جد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ولد ـ رضى الله عنه ـ فى سنة خمسين ومائة وهى السنة التى مات فيها أبو حنيفة وتوفى سنة أربع ومائتين).

ومدة عمره أربع وخمسون سنة ، وكان فى كل يوم من أيام حياته يؤلف كتابا.

ولد فى مدينة غزة وظل فى رحم والدته أعواما ثلاثة. ولما انتقل النعمان بن ثابت وهو الإمام الأعظم من دار الفناء إلى دار البقاء لم يكن قد ولد الإمام الشافعى وظل فى رحم أمه ثلاثة أعوام وفى الساعة التى حضرت فيها الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان الوفاة ولد الإمام الشافعى. ولما بلغ السابعة تلقى العلم على يد الإمام محمد والإمام مالك ـ رضى الله عنهما ـ وجلس منهما مجلس التلميذ.

والآن عند قدمه الشريفة دفن اثنان من زملائه من تلامذة الإمام محمد ولهما روحانية عجيبة واسمهما الشيخ محمد والشيخ سيد عبد العزيز.

وفى الجهة الغربية من هذا الضريح كذلك دفن السلطان محمد الكردى مشيد هذا الضريح والإمام الشافعى كانت بينه وبين هارون الرشيد من بنى العباس صحبة وصدرت له الكثير من المؤلفات فى بغداد.

ووالدته السيدة شمسة ملكة مدفونة فى هذا الضريح كذلك. وعلى باب الضريح ثمانون خادما لإرشاد من يقدمون للزيارة. وعلى عقد عتبة الضريح العالية كتبت آية من آيات الذكر الحكيم من سورة الحجر على لوح من خشب الجوز الأسود وهى :

(بسم الله الرحمن الرحيم) (ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ* وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ...) إلى آخر الآيةالحجر : ٤٦ ـ ٤٧.

وخارج باب الضريح العالى أضرحة لا يعرف عددها إلا الله ـ تعالى ـ إلا أن الأضرحة التى زرتها هى ضريح الشيخ أبى الحسن البكرى وضريح شيخ الإسلام زكريا الأنصارى وضريح الشيخ نجم الدين حب الشالى العجمى ، وضريح الشيخ فرحان

١٢٥

الحسنى ، والشيخ إسماعيل المؤذن وهو زميل الشافعى ، والشيخ شيبان الراعى قدس‌سره العزيز.

وقد زرت أكثر من هؤلاء إلا أننى لم أذكرهم لعدم علمى بأسمائهم.

والإمام الشافعى حى مستقل يسكنه ٢٠٠٠ نسمة ، وبه ٦٠٠ منزل متصل. ومن نافذة كل منزل تتدلى مئات الزنابيل الصغيرة. وإذا مر بعض الزوار حركت نساء المنزل وصبيانه تلك الزنابيل المدلاة طلبا للصدقة فيضع رجل الخير فى الزنابيل باره أو منقر أو رغيفا فتجذب هذه الزنابيل إلى المنزل ويرفع الدعاء للمتصدق. وتلك عادة معهودة.

وفى الطريق العام كذلك يتصدق على الفقراء والمعدمين.

وفى قصبة الإمام الشافعى جامع لأحد سلاطين السلف ومدرسة وحوض وساقية و ٧ تكايا وعدة قاعات ومبرتان و ٧ زوايا و ١٠ دكاكين. وهذه الخيرات والحسنات معظمها للسلطان محمد أكراد والملك الكامل.

وعلى مسافة ساعة فى آخر قرية البساتين على بركة الحبش المتفرعة من النيل أقام ساقية كأنها البرج تجلب الماء إلى حى الإمام الشافعى بأقواس كأنها قوس قزح فما أعظم ما صنع من خير.

وفى كل ليلة سبت يتوجه كل من فى مصر القاهرة من أهل التقوى والصلاح إلى الإمام الشافعى زرافات زرافات قارعين الدفوف ، ذاكرين اسم الله ـ تعالى ـ ، حاملين آلاف القناديل والفوانيس والمشاعل ، منشدين قصائد النفس والقصيدة التائية ونعت الإمام الشافعى وحتى مطلع الفجر يتقاطر على الإمام الشافعى خضم من البشر. ومنهم من لم يتخلفوا عن زيارة الإمام الشافعى منذ أكثر من سبعين عاما ، وهم أناس مستجابة دعواتهم. وفى داخل الضريح المفعم بالأنوار لكل منهم مقر معلوم ، يقيم فيه للعبادة وقراءة المولد الشريف. ويجتمع فى هذه الليلة عدة آلاف من العميان حافظى كلام الله ويقرءون الختم الشريف ستمائة مرة وربما ألف مرة. فما فى مصر من حافظى كلام الله لا وجود لمثلهم فى غيرها. وهذا ما يجرى مجرى العادة منذ قديم فى كل ليلة سبت وله الدوام إلى ما شاء الله.

١٢٦

وفى العام يقام مولد عظيم لمرة واحدة ويحتشد مئات الآلاف فى مقابر الإمام الشافعى ورملته ومبراته وتزدان جميع المنائر والقباب والكوات بالقناديل ويدوم احتشادهم يومين وليلتين.

وخارج نوافذ ضريح الإمام الشافعى المطلة على الناحية الغربية دفن الشيخ البكرى رضى الله عنه ، أجداده وسبعون من الأقطاب سوف نتحدث عنه فى موضعه ـ رحمة الله عليهم أجمعين ـ.

وعلى مسافة قدرها مائتا قدم جنوب ضريح الإمام الشافعى :

ضريح الشيخ الفقيه ، الإمام الزاهد ، سيدى الإمام الليث بن سعد بن عبد الرحمن أبى الحارث ـ رضى الله عنه ـ.

كان شيخ إسلام الديار المصرية ومفتى الثقلين ، وهذا القطب العظيم مدفون كذلك فى ضريح ذى قبة شاهقة العلو فى القرافة الكبرى ، وهناك جامع ومدرسة وتكية وأسبلة ومبرة وزاوية وما يقرب من ٢٠٠ منزل للفقراء وسكانها يطلبون الصدقة بالزنابيل.

وهناك كذلك أضرحة للعلماء ، وضريح الإمام الليث لا يبلغ مبلغ ضريح الإمام الشافعى فى اتساعه ورحابة أرجائه إذ إنه لا يتسع إلا لخمسمائة شخص. ويتوسطه تابوت مربع مغطى بالجوخ الأخضر وهو مدفون فيه. والضريح مزين ببعض القناديل والثريات وفيه يجتمع جميع فقهاء القاهرة وعلماؤها لتلاوة القرآن الكريم ولا يأتى غيرهم.

وعلى ضريحه تاريخ مسطور هو : (أمر بإنشاء هذا المرقد المبارك الشريف بفضل الله تعالى سيدنا ومولانا الدنيا والدين السلطان الملك قنصوه الغورى فى سنة عشرين وستمائة).

وعلى الجانب الأيسر من باب الضريح المعلى لوح من الرخام الأبيض طوله طول قامة إنسان كتبت عليه آية من آيات الذكر الحكيم هى : (بسم الله الرحمن الرحيم (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ) التوبة : ٢١ ، كما كتبت تحت هذه الآية سورة الإخلاص وأسفلها سطر تاريخ هو : (اثنان وسبعون وسبعمائة).

١٢٧

ولقد زرت هذا القطب وتلوت سورة «يس» ابتغاء مرضاة الله ووهبت مثوبتها روحه ورجوت منه الشفاعة وليتقبل الله.

وإلى جوار الإمام الليث قبر داود باشا وهو من وزراء السلطان سليمان ، وتاريخه عام ٩٥٦ وفى الجانب الشرقى لهذا الضريح ، على بعد ألف قدم ، فى منتصف الطريق إلى جبل المقطم ، فوق أكمة عالية مرقد القطب الزاهد ، صاحب الكرامات ، غياث الواصلين ، مطلوب الطالبين الشيخ شاهين رضى الله عنه ، وكأنه شاهين قنع بصيده ، واستقر فى رأس جبل قاف ، وضريحه لا يخلو من الزائرين يصيد قلوبهم بالعشق ، وأضرحة كل المدفونين فى القرافة الكبرى تبدو وكأنها تحت منقار هذا الشاهين. إنه ضريح طيب النسيم ، وله جامع وتكية يسكنها المتصوفة ومبرة وسبيل وهو مدفون فى الجهة اليمنى من جامعه مع أولاده العظام وخلفائه الكرام وأكبر أبنائه الشيخ محمد العنقاء مدفون فى الجانب الأيمن ، أما أصغر أبنائه الشيخ عبد الله العقاب فمدفون فى الجانب الأيسر وألقاب خلفائهم كذلك مشتقة من أسماء الطيور ، إنهم متصوفة معتكفون فى ركن العزلة يسمون الطريقة الشاهينية. وجميع نفقاتهم من فضله فلا تجرى عليهم مرتبات من جهة ، وهم متوكلون على الله ، والله يبسط الرزق لهم وفى التنزيل العزيز : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) هود : ٦ ، وقد وردت هذه الآية الكريمة فى شأن المتوكلين عليه ـ سبحانه وتعالى ـ.

ضريح الشيخ إدريس بن العباس والد الإمام الشافعى ـ رحمه‌الله ـ :

إنه ضريح صغير فى مصر القاهرة بالقرب من بيت المولوية. وقد رأيت فى أحد التواريخ أن الشيخ إدريس بن العباس مدفون فى غزة لأن الإمام الشافعى ولد فيها ولما توفى والده ـ الشيخ إدريس ـ ارتحلت والدته إلى بغداد ثم إلى المدينة ، وهناك تلقى الشافعى العلم على يد الإمام محمد والإمام مالك. وقد أكد مؤرخو مصر بالتواتر أن وفاته كانت فى مصر ولقد زرته ـ رحمة الله عليه ـ.

وفى طريق القصر العينى داخل باب جمال الدين ضريح الشيخ عبد الله العراقى وهو ضريح صغير ، وبالقرب من درب الكنيسة ضريح الشيخ أبى بكر معرف القوم وهو مزار عظيم.

١٢٨

وفى الطريق بين جامع الخاتونية والسيدة نفيسة مشهد قبر الطويل وهو مقام لا قبة له ولا تكية ، وجوانبه الأربعة فى الطريق العام ، ولأنه قبر طويل يصل طوله إلى عشرين قدما سمى بالقبر الطويل ، وجاء فى إحدى الروايات أن أربعين من الصحابة الكرام مدفونون فيه لذلك سمى عند البعض بضريح الأربعين.

وعلى مقربة منه قبر الشيخ أبى بكر السليمانى ، وعلى مقربة منه مرقد الوزير سلطان ناصر الدين. أدرك هذا الوزير عهد السلطان سليم ، وكان عمره مائتا عام ، ودخل فى طاعته مع خيره بك ، وقد سعى السلطان سليم فى جنازته ودفن بالقرب من القبر الطويل.

مقام سيدنا موسى ـ عليه‌السلام ـ

داخل القاهرة ، على مقربة من باب الناصر بجوار جامع جمال الدين ، يقع هذا الضريح على الطريق العام ، ويهبط إليه بسلم من ست درجات ، إنه زاوية ذات ثلاث قباب ومحراب وضريح ، وهو موضع يستجاب فيه الدعاء.

وعلى مقربة من قنطرة الدكة شمال بركة الأوزبكية ضريح الشيخ حسن الشاذلى ، وهو صاحب «حزب البحر» وهو مدفون فى جامعه. ويقرأ «حزب البحر» لمعظم المصابين بالصرع طيلة أربعين يوما فيتم شفاؤهم بمشيئة الله. وشهرته طبقت الآفاق وتوفى عام ٦٥٦ رحمه‌الله. وبالقرب منه قبر الشيخ ساكنية وهو مدفون كذلك فى جامعه.

ضريح الشيخ مرزوق كفافى

يقع بالقرب من قصر قاضى العسكر ، إنه قطب عظيم على الطريقة الأحمدية. التقى بالسلطان سليم عند فتح مصر ، وقد شاد جرجلى على بك جامعا وقبة فوق ضريحه ، ولأنه عاصر أبا السعود الجارحى وهما اللذان قالا للسلطان سليم «تعال إلى مصر».

إنه قطب عظيم له كثير الأتباع من المتصوفة ، وهم يسمون الطريقة الكفافية ، وينسبون إلى الطريقة الأحمدية. وضريحه يزوره الناس خواصهم وعوامهم. وقد دفن معه ثلاثة من خلفائه ، وفى الجوانب الأربعة لقبته عدة مئات من الحرب المذهبة والقلانس والطبول والأبواق والشارات.

١٢٩

وبالقرب من قنطرة الليمون ضريح الشيخ محمد العنانى ، وعلى مقربة من درب الجماميز قبر الشيخ صفى قدس‌سره. إنه قطب عظيم وأتباعه من المتصوفة لا يحصون كثرة ، ويوزع من قبره الأطعمة على الغادى والرائح ، وهو مدفون كذلك فى جامعه وفى حرم تكيته شجرة نبق عظيمة.

مزار الشيخ الشعراوى

يوجد بالقرب من باب الشعرية ، وهو من الأقطاب ، ومدفون فى جامعه ، ومناقبه لا تقع تحت حصر ، ومؤلفاته تربو على ألف مجلد ومنزلتها لا تسامى فى علم التصوف. وكتاباه «طبقات الشعراوى» و «ميزان الشعراوى» زينة الدنيا.

وضريحه يزوره العوام والخواص.

مزار السلطان أيبك التركمانى

يوجد فى حى الخلالين بالقرب من سوق الغنم ، وهو على الطريق العام ، ولا قبة له إلا أن ـ جوانبه الأربعة محاطة بجدران من الرخام الأبيض. وعلى الرخام كتابات بنمط من الخط الكوفى يعجز علماء فاس ومراكش عن قراءتها ، وهو خط بديع الزينة.

والسلطان أيبك هو زوج شجرة الدر التى أوقفت الكسوة السوداء الحريرية للكعبة ، وكان لها الملك فترة من الزمن ، وكانت ملكة عظيمة الشأن. واقتضت حكمة الله أن يكون الملك لأيبك على أثر تفشى الثورة. واتفق ذات يوم أن نقمت شجرة الدر على أيبك ، وبينما كان أيبك يغتسل فى الحمام انتهزت شجرة الدر هذه الفرصة فأمرت جواريها بأن يعملن السيف فيه فى غفلة منه وقد أثخنته الجراح فى عدة مواضع من جسمه ولما كانت شجرة الدر سفاحة تحب رؤية الدماء كانت تسترق النظر إليه وهو يضرب بالسيوف من ثقب زجاجى فى أعلى قبة الحمام ، بيد أن أيبك التركمانى كان شجاعا فجذب السيف من يد إحدى الجوارى وكان عارى الجسم تماما ، وما أن رأت شجرة الدر أيبك يثخن القتل فى جواريها وينجو بادرت بالفرار بكل ما أوتيت من قوة من فوق قبة الحمام فهوت بها لفرط بدانتها وسقطت أمام أيبك التركمانى مدرجة فى دمائها وسرعان ما قتلها أيبك وهو يصب عليها اللعنات. ومات أيبك كذلك متأثرا

١٣٠

بجراحه ، وهو مدفون فى هذا المكان ودفنت شجرة الدر مع من قتل أيبك من جواريها داخل الجامع الذى فى ذلك المكان.

إلا أن قبر شجرة الدر معمور وله كثير من الأوقاف ، فقد كانت شجرة الدر امرأة تتقلب فى أعطاف النعيم ، ولم يحظ أى سلطان من سلاطين السلف بكسوة الكعبة الشريفة بالحرير الأسود ، ولكن هذا تيسر لشجرة الدر ، وخصص فى كل عام مائة وسبعون كيسا من أوقافها للإنفاق على هذه الكسوة التى ترسل إلى مكة المكرمة. وهذه الكسوة ينسجها ثلاثمائة نساج من الحرير والذهب فى جوسق يوسف وهى جديرة بالمشاهدة.

ومزار القاضى ( ) (١) فى القرافة الصغرى ، وهو قطب عظيم.

قبر المستنصر بالله

أول من كان له الملك فى مصر من خلفاء بنى العباس. لقد استشهد آل عباس عن آخرهم على يد هولاكو التترى وأعمل السيف فى أهل بغداد جميعا وعندما سوى أبنية بغداد بالأرض هدما وجعلها خرابا يبابا كان المستنصر بالله فى بادية العرب فكتبت له النجاة ، ولما أفضت الخلافة فى مصر إلى الظاهر بيبرس دعا المستنصر بالله إلى مصر وفى عام ٦٥٩ كانت الخطبة والسكة باسمه ، ثم رد مصر إلى الظاهر بيبرس وتوجه بيبرس إلى دمشق فى معية الخليفة المستنصر ، ومضى الخليفة منها إلى بغداد حاضرة أسلافه واستقل الظاهر بيبرس بمصر ودمشق وحلب ، إلا أن السكة والخطبة كانت باسم خلفاء بنى العباس. ولما بلغ المستنصر بغداد تنفس العباسيون الصعداء ، وقدم المتوكل على الله إلى مصر ، وهو الخليفة العباسى السابع عشر ، وسكن القصر الذى بنى للمستنصر فى قلعة الكبش ، فكانت الخطبة والسكه باسمه ، إلا أن مقاليد الحكم كانت فى يد الظاهر بيبرس ، ثم توفى المتوكل عام ٦٦٦ وهو مدفون فى ضريح ذى قبة أمام قبة السيدة نفيسة.

__________________

(١) بياض بالأصل.

١٣١

مشهد الحاكم بأمر الله

كان فى طور الطفولة فى البادية على عهد هولاكو ، وفر إلى مصر ، وظل فى قلعة الكبش فى مصر خليفة طوال إحدى وأربعين سنة واشتهر بالسفه فى سلوكه ، حتى إنه أنشأ مرصدا فوق الصخرة التى أمام قدم النبى ليجعل الليل نهارا والنهار ليلا فإذا خرج أحد فى وضح النهار من داره قتله ، فكان الناس ينامون نهارا على أن نهارهم ليل وإذا ما حل المساء ازدانت القاهرة بالمصابيح واشتغل الناس بالبيع والشراء وكأنه النهار.

ولقد أمهله الله إحدى وأربعين سنة على هذه الأحوال الغريبة والأطوار العجيبة وفى آخر الأمر قتلته أخته فى إحدى القرى ودفنوه إلى جوار السيدة نفيسة ، واستقر جثمانه هناك إلى يومنا هذا.

وقد أقام الحاكم بأمر الله الجامع الكبير الموجود فى باب الناصر ، وملأ الجامع الأزهر بروث الخيل ودعا الناس إلى جامعه وعين لكل منهم رغيفا وصحنا من الحساء ، إلا أنهم صدوا عن جامعه ، وتابعوا دروسهم وصلاتهم وسط الروث الذى كان موجود بالجامع الأزهر ، إلى أن أهلكه الله فطهروا الجامع الأزهر وهو إلى يومنا هذا يغص بطلبة العلم ، ولا يؤم جامع الحاكم الآن إلا قلة من الناس ، لأنه بنى ظلما ولا تطيب الصلاة لمن يصلون فيه.

قبر الحاكم بأمر الله أحمد بن المستكفى بالله سليمان

استوى على عرش الخلافة عام ١٢ وأدركته الوفاة فى عهد الملك الصالح ابن الملك الناصر بالطاعون عام ٧٥٣ ودفن كذلك بجوار السيدة نفيسة.

مشهد المقتصد بالله بالقرب من السيدة نفيسة

مشهد المتوكل على الله محمد بن المقتصد بالله أبو بكر

تولى الخلافة عام ٧٨٥. آلت الخلافة إلى سلطان برقوق الشركسى وطالب بالسلطنة لذا خلع المتوكل وحبسه فى قلعة الجبل ، وبعد ست سنوات أطلق سراحه وجعله خليفة.

١٣٢

وفى عام ٧٩٧ كانت الخلافة لبايزيد فى بلاد الروم (الأناضول) فأرسل رسولا إلى المتوكل تبركا وتيمنا واستأذن منه فى تجديد البيعة ، وأرسل المتوكل كذلك إلى السلطان بايزيد يلدريم سجادة ومصحفا وجوادا وشاة ومرسوما. وعندما توثقت الصلة بين المتوكل وبايزيد يلدريم خان استقل الأخير ملكا ، وأغار كالصاعقة على بلاد الكفر ، وقرأت الخطبة باسمه فى سبعمائة مكان.

ومن ناحية أخرى دام حبس المتوكل على الله وعزله وعودته إلى الخلافة خمسا وأربعين سنة ، ثم توفى فى عهد السلطان فرج بن برقوق ودفن كذلك بجوار السيدة نفيسة ـ رحمها الله ـ.

والواثق بأمر الله عمر بن إبراهيم بن المستمسك بالله بن الحاكم بأمر الله دفن فى قبر عظيم بالقرب من السيدة نفيسة عام ٧٨٨.

مشهد المقتصد بالله داود بن المتوكل على الله محمد

أتته الخلافة عام ٣٢ ، حمل على دمشق مع السلطان جقماق وفتحها ، وعندما عاد إلى مصر منصورا مظفرا توفى المقتصد بالله عام ٨٤٥ ، وسعى حقماق فى جنازته حاملا جثمانه على كتفيه حتى السيدة نفيسة وهو يبكى أحر بكاء ، ودفنوه فى ضريح الخلفاء أمام السيدة نفيسة لأن هذا الضريح كان المثوى المبارك لخلفاء بنى العباس العظام ، وفى ذلك المقام الشريف دفن مئات من ملوك السلف وآلاف من الأمراء أنمحت آثارهم فيه.

مشهد المستكفى بالله سليمان بن المتوكل على الله محمود

آلت إليه الخلافة بعد أخيه المقتصد ، ولم يمهله الموت إلا تسعة أشهر وسعى الملك الظاهر جقماق فى جنازته ودفن إلى جوار أخيه المقتصد بالله بالقرب من السيدة نفيسة.

مشهد المستنجد بالله يوسف بن المتوكل على الله محمد

دامت له الخلافة خمسة وعشرون عاما وتوفى عام ٨٨٤ وسعى فى جنازته السلطان قايتباى ودفن كذلك فى السيدة نفيسة ، وعندما فتح السلطان محمد اسطنبول بلغه نعى

١٣٣

المستنجد بالله فأخذه شديد الأسى وأرسل برهان الدين المغولى خليفة آق شمس الدين ومعه سترا مزركشا من مال الغزو وبه ستر تابوته الشريف وهو مستور إلى يومنا هذا به. إنه ستر بديع الصنع منقطع الشبيه.

مشهد المتوكل على الله عبد العزيز بن يعقوب بن المتوكل على الله

آلت إليه الخلافة عام ٨٨٤ ، وبقى فيها تسعة عشر عاما ، وفى عام ٩٠٣ على عهد السلطان قايتباى توفى السلطان الناصر محمد (١) والمتوكل فى اليوم نفسه ودفنوا المتوكل بجوار السيدة نفيسة ، أما السلطان محمد فدفنوه فى مصر العتيقة.

إلا أن المتوكل هذا كان خليفة بلغ من الكبر عتيا حتى إنه أدرك عهد السلطان سليم فاتح مصر وطابت صحبته وانعقدت بينهما أواصر الألفة واصطحبه إلى اسطنبول ونزل المتوكل ضيفا على قصر بيرى باشا ، وقضى الله بأن يموت السلطان سليم ، فانعقدت بينه وبين سليمان مودة وألفة.

نمى إلى المتوكل نعى أبيه من مصر فأذن له سليمان بأن يكون خليفة فى مصر ، وقبل يده أمام الشيخ أبى السعود ، وعين بلاق مصطفى باشا قائد أسطول عظيم ، فقدم مع المتوكل من اسطنبول إلى الإسكندرية وألقت السفينة مرساتها بعد سبعة أيام فى الإسكندرية ودخل القاهرة بعد ذلك بيومين واستقبله داود باشا والى مصر ومضى به إلى قلعة الكبش فى موكب عظيم حيث عرش أسلافه واستوى المتوكل على سرير الخلافة ودامت خلافته ثلاثة وعشرين عاما وأدركته الوفاة عام ٩٠٥ فى عهد داود باشا ودفن بجوار السيدة نفيسة.

وبوفاة المتوكل هذا انقرض من كانوا بمثابة خلفاء بنى العباس فى مصر ، وعددهم سبعة عشر خليفة ودامت خلافتهم ( ) (٢) سنة.

إلا أن خلفاء مصر من بنى العباس كانوا فى منزلة شيخ الشيوخ وكانت الخطبة والسكة باسمهم إلا أن أزمة الحكم كانت فى يد سلاطين الجراكسة وكانوا يدبرون

__________________

(١) مات مقتولا فى ١٥ ربيع الأول سنة ٩٠٤ ه‍ ، والله أعلم.

(٢) بياض فى الأصل.

١٣٤

كل الأمور أما هؤلاء العباسيون فكان لهم القول دون العمل وكانوا يبايعونهم ولهم منزلة رفيعة.

ومشهد المستمسك بالله كذلك بالقرب من السيدة نفيسة

مراقد سلاطين مصر بداية من صلاح الدين يوسف بن شاد الكردى من آل أيوب سبعة سلاطين ، وفى عام ٥٧٢ عندما كان صلاح الدين يوسف وزيرا لنور الدين الشهيد فى دمشق استقل بملك مصر ، وأوجس خيفة من نور الدين الشهيد فبنى قلعة مصر الداخلية والخارجية وأحاط القاهرة بسور يبلغ طوله تسعة وعشرين ألفا وثلاثمائة ذراع ، وأقام بالقرب من الإمام الشافعى مدرسة.

وفى عام ٥٧٥ دارت رحى الحرب بينه وبين الصليبيين فى مرج العيون وألحق الهزيمة بالفرنجة. وفى عام ٥٨٩ دفن بالقرب من جامعه فى القاهرة.

يقول البعض إنه دفن فى دمشق وهذا مجاف للحقيقة وتاريخه مطبوع فى ذاكرتى.

مشهد الملك الكامل

دفن بجوار دار الحديث بمدينة القاهرة ، وله كثير من المؤسسات الخيرية فى الإمام الشافعى.

مشهد الملك الأشرف خليل بن قلاوون

ضرب الحصار على عكا أربعة وأربعين يوما وانتزعها من يد الأسبان ، وبعد انتصاره قفل راجعا إلى مصر وكانت وفاته فيها ، وهو مدفون فى ضريح ذى قبة فى ساحة جامعه.

ومشهد الملك العزيز عثمان ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف فى سقف جامعه ، أما أخوه الملك الأفضل فكانت له الخلافة (الملك) قبل الملك العزيز إلا أنه خلع لخسته ودناءته ونفى إلى دمياط ، وفيها كانت وفاته ، وحملوا جثمانه إلى القاهرة حيث دفن إلى جوار أخيه الملك العزيز عثمان.

١٣٥

قبر الأشرف الأيوبى

سماه المصريون العبد الدمشقى ، ولأنه كان كسلا جهولا كثر من يناشبونه العداء من كل جهة ، وفى عهده تنازل عن القدس للأسبان والفرنجة صلحا. وفى عام ٩٣٥ توفى فى دمشق وهو فى الستين من عمره وحمل جثمانه إلى مصر ليدفن فى جامعه.

مشهد الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل محمد

أدركته الوفاة فى مدينة المنصورة وهو مدفون فى ساحة جامعه بالقاهرة. وقد أقام مدارس للمذاهب الأربعة فى «بين القصر» ، كما أقام قلعة جزيرة الروضة إلا أن فيضان النيل خربها ، إلا أن آثار أبراجها ما زالت ماثلة للعيان فى ناحية أم القياس فى الجهة المطلة على الجيزة.

مشهد الملك المعظم طوران شاه ابن الملك الصالح نجم الدين أيوب

وطوران شاه هذا كان أميرا للجيش فى حصن كيفا عندما توفى والده نجم الدين أيوب فى مدينة المنصورة ، وكان طوران شاه فى حرب مع العجم. وطوران شاه ابن شجرة الدر زوجة نجم الدين أيوب ، وبعد أن توفى نجم الدين كتمت شجرة الدر خبر وفاته عن الناس بحسن تدبيرها وسداد رأيها ، وأبلغت نعيه ابنها الملك المعظم طورانشاه سرّا ، فقدم مصر على عجل وبلغ القاهرة فى أربعين يوما ، وعندئذ أميط اللثام عن وفاة والده وبايع جميع الأعيان الملك المعظم ، واستقل بملك مصر ، وعندئذ سرعان ما استولى الصليبيون على مدينة دمياط.

وفى عام ٦٤٨ أباد طوران شاه الفرنجة عن آخرهم وفتح دمياط ثم عاد إلى القاهرة وشق مماليكه عصا الطاعة وقتلوه فى قصره.

دامت سلطنة طوران شاه سبعين يوما ودفن بجوار أبيه فى القاهرة ودالت به دولة الأيوبيين وأفضى الملك إلى أمه شجرة الدر ، ودام حكمها سبعين يوما كذلك ، ثم أفضت الخلافة إلى زوجها أيبك التركمانى وقد ذكرنا وقائعهما آنفا.

ثم آل ملك مصر إلى مماليك نجم الدين أيوب وعصره بداية عهد المماليك.

١٣٦

وفى الطريق بين دمشق ومكة المكرمة بركة الملك المعظم طوران شاه وهى من خيراته ولا نظير لها فى طريق عام. حقا إنه ملك خير معظم.

والملك أسد الدين شيركوه شاد الكردى دفن بجوار جامع الأشرفية فى مصيف قايتباى ، والسلطان المؤيد من عند الله مدفون فى ساحة جامعه بالباب الحديد.

وفى الباب الحديد الأضرحة الأربعون وهى أسفل جامع السلطان المؤيد ، إنها أضرحة عظيمة خلف الباب الحديدى ، وهى الآن مقام شريف لا يخلو من المتصوفة.

وعلى مقربة من جامع المؤيد ضريح الملك المظفر أبى السعادة خامس سلاطين الجراكسة وكان ملكا عادلا.

وفى القرافة المنحوتة ضريح الملك الطاهر أبى الفتح التترى ، وهو سادس سلاطين الجراكسة ووفاته كانت عام ٨٢٤ ، وعلى عتبة ضريحه العالية تاريخ تعلوه عبارة : (فاتح حلب الشهباء) والملك العزيز ابن الملك الأشرف ، وكذلك الملك جمال الدين ، مدفونان إلى جوار الملك الأشرف فى جامع الأشرفية. والملك العزيز عماد الدولة بن صلاح الدين يوسف مدفون بجوار الإمام الشافعى. والملك معز الدين من مماليك آل أيوب مدفون فوق سد على طريق مصيف قايتباى وفاته كانت عام ٣٦٥. وبانى الجامع الأزهر من صلب مال المعز لدين الله هذا ، وفى عام ٣٦١ خرج المعز لدين الله هذا من بلاد المغرب متعللا بالجامع الأزهر وانتزع مصر من يد الإخشيديين وقهر أناسا من شعبها ، ولأن أهل مصر القاهرة عتاة جبابرة أرضىّ المذهب سميت القاهرة المعزية.

وأزهر ماى بورنوى مدفون بالقرب من جامع الأزهر ، وأخو يوسف صلاح الدين الذى بنى قصور الوزراء هو الملك سيف الدين بن أبى بكر بن أيوب ، ولكن بما أنه كان عاشقا ولهان دخله الغضب ذات يوم وضرب تحت أذنه بقبضته فجرى الدم من أسفل أذنه ومات ، وهو مدفون بجوار عمر بن الفارض وقد انهدمت بعض جوانب ضريحه.

١٣٧

مشهد طومانباى والسلطان محمد ابن السلطان الغورى

إنه السلطان طومانباى الذى حارب السلطان سليم ، ولقد لقى السلطان الغورى حتفه فى حربه مع السلطان سليم ، فخلفه ابنه السلطان محمد وهو قاصر ، وما كانت له الحنكة والدراية بفنون الحرب ، ولذلك تمرد عليه الجند وخلعوه وأحلوا محله السلطان طومانباى.

وقد سبق لطومانباى أن حارب سليما فى اثنين وأربعين معركة إلا أن الهزيمة لحقت به فى النهاية وولى هاربا وقبض عليه فى جبال صعب بالفيوم بعون بعض عرب البحيرة وصلبه سليم على باب زويلة فانتهت الفتنة والفساد ولكن أدركت سليم الرحمة عليه فأمر بغسل جثمانه وشيعه حتى العادلية. وإلى جوار طومانباى دفن السلطان محمد بن الغورى ، وفى عام ٩٢٢ كتب تاريخ وآية الكرسى على تابوته الرخامى.

مزار الشيخ ذى النون المصرى

دفن فى ضريح مستقل بالقرب من ضريح الشيخ عقبة الجهينى فى ظل جبل المقطم. ولد ذو النون المصرى فى شرق مدينة أخميم وكان قبطيا من خواص المقوقس ملك مصر ، وقد أوفده المقوقس مبعوثا من قبله ومعه جاريتان إحداهما السيدة مارية وهى أم إبراهيم ابن النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وبغلة وسيف.

وقد أهدى النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) السيف والبغلة المسماه «دلدل» وهما هدية المقوقس إلى سيدنا على كرم الله وجهه ، والسيف الذى أهداه هو سيف المقوقس واسمه «ذو الفقار» ، وأهدى إحدى الجاريتين إلى الشاعر حسان بن ثابت وقد أنجبت له ولده الأكبر عبد الرحمن بن حسان.

وعند ما أوصل ذو النون هذه الهدايا إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يقو على كبت محبته للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأسلم من أعماق قلبه ودخل فى زمرة الصحابة الكرام وأصبح شيخا لمهرة الأطباء ، وبلغ مبلغ فيثاغورث التوحيدى فى علم الطب ، وكان عالما شاعرا ، وتلقى تعاليم التصوف على يد على بن أبى طالب ، وتضلع من العلم اللدنى ، وسلسلة الأطباء تنتهى إليه.

وفى عهد خلافة عمر نازعته نفسه إلى وطنه فمضى مع عمرو بن العاص واستشهد فى فتح مصر ، ودفن فى تراب مسقط رأسه فكل شىء يرجع إلى أصله.

١٣٨

ضريح الشيخ أبى السعود الجارحى

يقع خارج الجهة الجنوبية لمصر القاهرة على مسافة ألف وستمائة قدم منها ، وهى قصبة بها ما يقرب من ستمائة منزل وجامع وزاوية وتكية وسبيل. والشيخ الجارحى مدفون فى تابوت مغطى بالجوخ الأخضر ، وهو داخل ضريح ذى قبة عالية وسط هذه القصبة.

والشيخ أبو السعود الجارحى أحد من نادوا سليم قائلين «تعال يا سليم إلى مصر».

ويحتشد جمع غفير من الناس فى ضريحه كل عام للاحتفال بالمولد النبوى. إنه مزار يؤمه العوام والخواص والنساء. ومن يمسح عتبته بوجهه هم العارفون بالله.

مشهد رأس الإمام الحسين

ابن الإمام على بن أبى طالب. رضى الله عنهما.

بالقرب من خان الخليلى

ولد فى اللحظة التى استشهد فيها سيدنا حمزة ـ رضى الله عنه ـ فى غزوة أحد. ويقول بعض المؤرخين إنه ولد قبل الهجرة النبوية الشريفة وعاش ستة وخمسين عاما.

تنازل الحسين عن الخلافة ليزيد بن معاوية عن رضاء وطواعية ، ولأنه لم يبايع يزيدا وجه إليه قادته عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد وغيرهم من دمشق ، ونشبت الحرب فى صحراء كربلاء مع مائة ألف بلاء واستشهد أميران من أبنائه وأربعه أخوة وأولاد أحد إخوته وخمسة من أبناء عمومته ، وعشرون ألفا من الصحابة الكرام فى يوم عاشوراء من سنة (٦١ ه‍) للهجرة وهم جياع عطاش ، ثم استشهد الإمام الحسين وحملوا رأسه الشريف إلى يزيد فى دمشق فابتهج لذلك كثيرا وأرسل الرأس إلى معاوية بن جريج فى مصر ، وقام هذا اللعين بالتمثيل به فى ميدان مصر القاهرة ، وكل من ركل هذا الراس الشريف بقدمه من جبابرة الفراعنة تورمت قدمه وأصبحت وكأنها القربة. والآن تورمت أقدام عدة آلاف فى مصر.

بعد ذلك قضى الله بأن تقطع إحدى النساء رأس أحد أبنائها ووضعته فى الميدان ، واحتفظت برأس الإمام الحسين حتى إذا عزل عامل يزيد على مصر وتولى مكانه عامل

١٣٩

مؤمن ورع من محبى أهل البيت فأمر تلك السيدة بإظهار رأس الحسين ، ودفنته فى مشهده الموجود الآن ، ثم أولاه ـ المقتدر بالله ومن جاء بعده من خلفاء بنى العباس اهتماما عظيما فأقام عليه بناء عظيما وقبة ودفن الرأس الشريف فى تابوت مكسو بالحرير المزركش وسط هذه القبة. ويزدان هذا الضريح بصنوف المباخر وأوعية ماء الورد والشمعدانات والقناديل ، وكأنه الجنة العالية والجامع السلطانى. وبما أن هذا المشهد فى حجم الكعبة الشريفة يلف حول أعمدته كسوة الكعبة الشريفة لقياسها.

إنه مشهد يزار ليل نهار. وفى سفح جبل المقطم المعروف بجبل الجوشى :

مزار سلطان العاشقين

سيدى الشيخ عمر بن الفارض الحموى المصرى

كنيته أبو حفص واسمه الشريف عمر ، من قبيلة بنى سعد. وله قصيدة بليغة تسمى «التائية» يعجز فحول الشعراء عن قرض مصراع مثل مصراع فيها. حتى إن محيى الدين بن عربى فى دمشق أرسل إلى عمر بن الفارض يستأذنه فى أن ينظم لها نظيرة. فقال عمر بن الفارض لمحيى الدين بن عربى إن كتابك المسمى «الفتوحات المكية» نظيرة لهذه «التائية». إنها قصيدة بليغة إلى حد جد بعيد ، وعندما ينشد المتصوفة بيتا أو بيتين منها كل يوم جمعة فى ضريحه يغيبون عن الوعى فى نشوة الوجد. إنه ضريح عظيم ، وتكية عظيمة ، ومبرة ، وفيه متصوفة وجميع أوقافه من أوقاف الملك الكامل ، لأن عمر بن الفارض توفى عام ٦٣٢ فى أواخر عهد الملك الكامل.

وفى كل يوم جمعة يغصّ جامعه بالناس حتى إذا قدم أحد لم يجد له موضعا ، ومع ذلك يجد له مكانا بأمر الله ، وكرامة له ، ويجسو كل منهم على ركب بعضهم خواصهم وعوامهم ، ولا يستنكف أحد من ذلك وقد اجتمعت قلوبهم خواصا وعواما. يا لها من حكمة عجيبة. ولا وجود لمثل هذا الجو الروحى فى أى تكية أخرى ويقول جميع علماء مصر إن روح النبى (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) تحضر فى كل يوم جمعة فى هذه التكية ، كما تحضر أرواح سائر الأنبياء وهذا ما اصطلح عليه جميع مشايخ مصر. ـ رحمة الله عليه ـ.

١٤٠