كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٢

تقي الدين احمد بن علي المقريزي

كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٢

المؤلف:

تقي الدين احمد بن علي المقريزي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

أولاده ، إلى دار الذهب ، وما أضيف إليها.

وقال ابن عبد الظاهر : دار الذهب بناها : الأفضل بن أمير الجيوش ، وكانت عادة الأفضل أن يستريح بها إذا كان الخليفة باللؤلؤة يكون هو بدار الذهب وكذلك كان المأمون من بعده ، وكان حرس دار الذهب يسلم للوزيرية من باب سعادة يسلم لهم ، ومن باب الخوخة للمصامدة أرباب الشعور ، وصبيان الخاص ، وكان المقرّر لهم في كل يوم سماطين ، أحدهما بقاعة الفلك للمماليك الخاص ، والحاشية ، وأرباب الرسوم ، والآخر على باب الدار برسم المصامدة حتى أنه من اجتاز ورأى أنه يجلس معهم على السماط لا يمنع ، والضعفاء ، والصعاليك يقعدون بعدهم ، وفي أوّل الليل بمثل ذلك ، ولكل منهم رسم لجميع من يبيت من أرباب الضوء إلى الأعلى.

منظرة السكرة : وكان من جملة مناظر الخلفاء ، منظرة تعرف بمنظرة السكرة في برّ الخليج الغربيّ يجلس فيها الخليفة يوم فتح الخليج ، وكان لها بستان عظيم بناها العزيز بالله بن المعز ، وقد دثرت هذه المنظرة ، ويشبه أن يكون موضعها في المكان الذي يقال له اليوم : المريس قريبا من قنطرة السدّ ، وكانت السكرة من جنات الدنيا المزخرفة ، وفيها عدّة أماكن معدّة لنزول الوزير ، وغيره من الأستاذين.

ذكر ما كان يعمل يوم فتح الخليج (١)

قال ابن زولاق في كتاب سيرة المعز لدين الله : وفي ذي القعدة ، يعني من سنة اثنتين وستين وثلثمائة ، وهي السنة التي قدم فيها الخليفة المعز لدين الله إلى القاهرة من بلاد المغرب ، ركب المعز لدين الله عليه‌السلام ، لكسر خليج القنطرة ، فكسر بين يديه ، ثم سار على شاطىء النيل ، حتى بلغ إلى بني وائل ، ومرّ على سطح الجرف في موكب عظيم وخلفه وجوه أهل الدولة ، ومعه أبو جعفر أحمد بن نصر يسير معه ، ويعرّفه بالمواضع التي يجتاز عليها ، ونجعت له الرعية بالدعاء ، ثم عطف على بركة الحبش ، ثم على الصحراء على الخندق الذي حفره القائد جوهر ، ومرّ على قبر كافور وعلى قبر عبد الله بن أحمد بن طباطبا الحسنيّ وعرّفه ، ثم عاد إلى قصره.

وذكر الأمير المسبحيّ في تاريخه الكبير : ركوب العزيز بالله بن المعز ، وركوب الحاكم بأمر الله بن العزيز ، وركوب الظاهر لإعزاز دين الله بن الحاكم في كل سنة لفتح الخليج.

__________________

(١) فتح الخليج : المراد رفع السد الواقع عند فم الخليج يوم وفاء النيل في كل عام وهو مناسبة عظيمة في مصر والاحتفال بفتح الخليج أو كسره يكون في اليوم الثالث أو الرابع بعد التخليق. صبح الأعشى ٣ / ٥٩٢.

٤٠١

وقال ابن المأمون : في سنة ست عشرة وخمسمائة ، وعندما بلغ النيل ستة عشر ذراعا أمر بإخراج الخيم ، وأن يضرب الثوب الكبير الأفضليّ المعروف بالقاتول ، وهو أعظم ما في الحاصل بأربعة دهاليز وأربع قاعات خارجا عن القاعة الكبيرة ، ومساحته على ما ذكر : ألف ألف ذراع ، وأربعمائة ذراع بالذراع الكبير خارجا عن القاعة الكبيرة ، منه ارتفاعه : خمسون ذراعا ، ولما كمل استعماله في أيام الأفضل ، ونصب تأذى منه جماعة ، ومات رجلان ، فسمي : بالقاتول لأجل ذلك ، وما زال لا يضرب إلّا بحضور المهندسين ، وتنصب له أساقيل عدّة بأخشاب كثيرة ، والمستخدمون يكرهون ضربه ، ويرغبون في ضرب أحد الثوبين الجيوشيين ، وإن كانا عظيمين ، إلّا أنهما لا يصلان بجملتهما إلى مقايسته ، ولا مؤنته ، ولا صنعته.

وأقام هذا الثوب في الاستعمال عدّة سنين مع جمع الصناع عليه ، وما يضرب منه سوى القاعة الكبيرة لا غير ، وأربعة الدهاليز ، وبعض السرادق الذي هو سور عليه لضيق المكان الذي يضرب فيه ، وكونه لا يسعه بجملته.

قال : ووصلت كسوة موسم فتح الخليج ، وهي ما يختص بالخليفة ، وأخيه ، وبعض جهاته والوزير.

فأما ما يختص بالخليفة خاصة : فبدلة شرحها بدنة طميم منديل سلفه : مائة وعشرون دينارا ، وأحد طرفيه ثلاثة عشر ذراعا ذهبا عراقيا دمجا لوحا واحدا ، والثاني ثلاثة أذرع سلفه أربعة وعشرون دينارا ، ثوب طميم سلفه : خمسون دينارا ، والذهب الذي في الثوب والمنديل والحنك ألف دينار ، وخمسة دنانير ، فتكون جملتها بالسلف : ألف دينار ، ومائة وخمسة وسبعين دينارا ، شاشية طميم للسلف : ديناران وسبعون قصبة ذهبا عراقيا ، فتكون جملة سلفها ، وقيمة ذهبها ثمانية دنانير ، منديل سلام سلفه : ديناران ، وسبعون قصبة قيمته كذلك ، وسط برسم المنديل بخوص ذهب سلفه اثنا عشر دينارا وسبعون قصبة قيمة ذلك عشرون دينارا ، شقة ديبقيّ وسطانيّ حريريّ السلف : اثنا عشر دينارا ، غلالة ديبقي حريريّ السلف : عشرة دنانير ، منديل كم ثان حريري : خمسة دنانير ، حجره : أربعة دنانير ، عرضيّ لفافة خاص : خمسة دنانير وستة عشر مثقالا ذهبا مصريا ، فتكون سلفه وذهبه : خمسة وعشرين دينارا ، عرضي ثان برسم تغطية التخت : دينار واحد ونصف ، تخت ثان ضمنه : بدلة خاص حريريّ برسم العود من السكرة شرحها منديل حريريّ سلفه : ستون دينارا ، وسط شرب رسمه اثنا عشر دينارا ، شقة ديبقيّ : وكم وعشرون دينارا ، شقة وسطاني اثنا عشر دينارا ، غلالة : خمسة عشر دينارا ، وغلالة : عشرة دنانير ، منديل سلام ديناران ، منديل كم خمسة دنانير ، منديل كم ثان أيضا خمسة دنانير ، شاشية حريريّ ديناران ، حجره أربعة دنانير ، عرضي لفافة خمسة دنانير ، عرضي ثان برسم لفافة التخت دينار واحد ونصف.

٤٠٢

قال : ورأيت شاهدا أن قيمة كل حلة من هذه الحلل ، وسلفها إذا كانت حريريّ ثلثمائة وستة دنانير ، وإذا كانت مذهبة ألف دينار ، واختصر ما باسم أبي الفضل جعفر أخي الخليفة وأربع جهات.

وأما ما يختص بالوزير : فبدلة مذهبة شرحها منديل سلفه سبعون دينارا ، وخمسمائة وسبعون قصبة عراقي جملة سلفه وذهبه : مائة وأربعة عشر دينارا ، شقة ديبقيّ وكم السلف ستة عشر دينارا وثمانية وعشرون مثقالا ذهبا عاليا تكون جملة ذلك خمسين دينارا ، تصف شقة ديبقيّ وسطانيّ اثنا عشر دينارا ونصف ، شقة وسطانيّ برسم العود ثلاثة دنانير ، غلالة ديبقيّ سبعة دنانير ونصف ، شقة برسم الغلالة ديناران ونصف ، منديل كم سبعة دنانير واثنا عشر مثقالا ذهبا ، تكون قيمته تسعة عشر دينارا ، حجره ثلاثة دنانير ، عرضي أربعة دنانير وأحد عشر مثقالا تكون سلفه وذهبه سبعة عشر دينارا.

ثم ذكر بعد ذلك ما يكون لجهة الوزير ، وما يكون برسم صبيان الحمام ، وما يفصل برسم المماليك الخاص : صبيان الرايات ، والرماح خمسمائة ، شقة سقلاطون داري تكون قيمتها : سبعمائة وخمسين ، قباء يحمل منها برسم غلمان الوزير مائة قباء ، ويفرّق جميع ذلك.

قال : ولم يكن لأحد من الأصحاب ، والحواشي وغيرهم في هذا الموسم شيء فيذكر ، بل لهم من الهبات العين والرسوم الخارجة عن ذلك ما يأتي ذكره في موضعه ، وفي صبيحة هذا الموسم خلع على ابن أبي الردّاد ، وعلى رؤساء المراكب ، وغيرهم ، وحمل إلى المقياس برسم المبيت ، وركوب الخليفة بتجمله ، ومواكبه إلى السكرة ما فصله ، وبينه مما يطول ذكره.

وقال : في سنة سبع عشرة وخمسمائة ، ولما جرى النيل ، وبلغ خمسة عشر ذراعا ، أمر بإخراج الخيام والمضارب الديبقيّ ، والديباج وتحوّل الخليفة إلى اللؤلؤة بحاشيته ، وتحوّل المأمون إلى دار الذهب ، ووصلت كسوة الموسم المذكور من الطراز وإن كانت يسيرة العدّة فهي كثيرة القيمة ، ولم تكن للعموم من الحاشية ، والمستخدمين بل للخليفة خاصة ، وإخوته وأربع من خواص جهاته ، والوزير وأولاده ، وابن أبي الردّاد ، فلما وفى النيل ستة عشر ذراعا ركب الخليفة ، والوزير إلى الصناعة بمصر (١) العشريات بين أيديهما ، ثم عدّيا في إحداها إلى المقياس (٢) ، وصليا ونزل الثقة صدقة بن أبي الردّاد

__________________

(١) كلمة غير واضحة ربما تكون رميت أو : وصفّت.

(٢) هو المقياس الذي يقيس كمية الماء في النيل وهذا المقياس الذي أمر ببنائه الخليفة المتوكل العباسي سنة ٢٤٧ ه‍ بجزيرة الروضة في ولاية يزيد بن عبد الله بن علي على مصر وهو المعمول به إلى أيامنا هذه وقيل إن أول من عمل مقياس على النيل هو سيدنا يوسف عليه‌السلام. صبح الأعشى ٣ / ٣٢٧.

٤٠٣

منزلته ، وخلّق العمود (١) ، ودعا الخليفة على فوره ، وركب البحر في العشاري الفضيّ ، والوزير صحبته ، والرهجية تخدم برّا وبحرا ، والعساكر طول البرّ قبالته إلى أن وصل إلى المقس ، ورتب الموكب ، وقدم العشاري بالخليفة الآمر بأحكام الله ، والوزير المأمون ، وسار الموكب ، والرهجية تخدم ، والصدقات ، والرسوم تفرّق ، ودخل من باب القنطرة ، وقصد باب العيد ، واعتمد ما جرت به العادة من تقديم الوزير ، وترجله في ركابه إلى أن دخل من باب العيد إلى قصره ، وتقدّم بالخلع على ابن أبي الردّاد : بدلة مذهبة ، وثوب ديبقيّ حريريّ ، وطيلسان مقوّر ، وبياض مذهب ، وشقة سقلاطون ، وشقة تحتانيّ ، وشقة خز ، وشقة ديبقيّ ، وأربعة أكياس دراهم ، ونشرت قدّامه الأعلام الخاص الديبقيّ المحاومة بالألوان المختلفة التي لا ترى إلّا قدّامه لأنها من جملة تجمل الخليفة ، وأطلق له برسم المبيت من البخور والشموع ، والأغنام ، والحلاوات كثير.

قال : وهيئت المقصورة في منظرة السكرة برسم راحة الخليفة ، وتغيير ثيابه وقد وقعت المبالغة في تعليقها ، وفرشها وتعبيتها ، وقدّم بين يديه الصواني الذهب التي وقع التناهي فيها من همم الجهات من أشكال الصور الآدمية ، والوحشية من الفيلة ، والزرافات ، ونحوها المعمولة من الذهب والفضة والعنبر والمرسين (٢) المشدود والمظفور عليها المكلل باللؤلؤ ، والياقوت والزبرجد من الصور الوحشية ما يشبه الفيلة. جميعها عنبر معجون كخلفة الفيل ، وناباه فضة ، وعيناه جوهرتان كبيرتان في كل منهما مسمار ذهب مجرى سواده وعليه سرير منجور من عود بمتكآت فضة وذهب ، وعليه عدّة من الرجال ركبان ، وعليهم اللبوس تشبه الزرديات وعلى رؤوسهم الخود ، وبأيديهم السيوف المجرّدة ، والدرق وجميع ذلك فضة ، ثم صور السباع منجورة من عود ، وعيناه ياقوتتان حمراوان ، وهو على فريسته ، وبقية الوحوش ، وأصناف تشدّ من المرسين المكلل باللؤلؤ شبه الفاكهة.

قال : ومن جملة ما وقع الاهتمام به في هذا الموسم ما صار يستعمل في الطراز ، وإن لم يتقدّم نظيره للولائم التي تتخذ برسم تغطية الصواني عدّة من عراضي ديبقيّ ، ثم قوّارات شرب تكون من تحت العراضي على الصواني مفتح كل قوّارة منهنّ دون أربعة أشبار سلف كل واحدة منهنّ خمسة عشر دينارا ، ورقم في كل منهنّ سجف ذهب عراقيّ ثمنه : من أربعين إلى ثلاثين دينارا ، تكون الواحدة بخمسين دينارا ، ويستعمل أيضا برسم الطرح من فوق القوّارات الإسكندرانيّ التي تشدّ على الموائد التي تحمل من عند كل جهة قوّارات ديبقيّ مقصور من كل لون محاومة بالرقم الحريريّ ، مفتح كل قوّارة أربعة أذرع يكون الثمن عن كل واحدة : أربعين دينارا ، ولقد بيعت عدّة من القوّارات الشرب ، فسارع التجار

__________________

(١) تخليق المقياس أو (العمود) : يعني تطييبه بالخلوق وهو المسك والزعفران.

(٢) المرسين : نبات عطري من الرياحين.

٤٠٤

العراقيون إلى شرائها ، ونهاية ما بلغ ثمن كل واحدة منهن : ستة عشر دينارا ، وسافروا بها إلى البلاد ، فلم يبع لهم منها سوى اثنتين ، وعادوا بالبقية إلى الديار المصرية في سنة ست وثمانين وخمسمائة وحفظوا منهنّ شيئا عن السوق ، فلم يحفظ لهم رأس مالهنّ.

قال : وكان ما تقدّم من الزبادي في الطيافير من الصيني إلى آخر أيام الأفضل بن أمير الجيوش ، وأيام المأمون ، وإنما استجدّت الأواني الذهب في أواخر الأيام الآمرية والذي يعبئ بين يديه الخليفة قوائمية ضمنها : عدّة من الطيافير المحمولة بالمرافع الفضة برسم الأطباق الحارة ، وليس في المواسم مائدة بغير سماط للأمراء ، ويجلس عليها الخليفة غير هذا الموسم ، وإن كان يجري مجرى الأعياد ، وله البخور مطلق مثلها ، وينفرد بالجلوس معه الجلساء المميزون والمستخدمون ، وعند كمال تعبيتها ، وبخورها جلس الخليفة عليها عن يمينه : وزيره ، وعن يساره : أخوه ، ومن شرّف بحضوره ، وفي آخرها فرّق منها ما جرت به العادة على سبيل البركة.

وقال : في سنة ثمان عشرة وخمسمائة ، ووصلت الكسوة المختصة بفتح الخليج وهي برسم الخليفة ، تختان ضمنهما بدلتان إحداهما منديلها ، وثوبها طميم برسم المضيّ ، والأخرى جميعها حريريّ برسم العود ، وكذلك ما يخص إخوته وجهاته : بدلتان مذهبتان ، وأربع حلل مذهبة ، وبرسم الوزير بدلة موكبية مذهبة في تخت ، وبرسم أولاده الثلاثة ثلاث بدلات مذهبة ، وبرسم جهته حلة مذهبة في تخت ، وهؤلاء المميزون لكل منهم تخت ، وبقية ما يخص المستخدمين وابن أبي الردّاد في تخوت كل تخت فيه : عدّة بدلات ، وحضر متولي الدفتر واستأذن على ما يحمل ، برسم الخليفة ، وما يفرّق ، وما يفصل برسم الخلع ، وما يخرج من حاصل الخزائن غير الواصل ، وهو ما يفصل برسم الغلمان الخاص عن سبعمائة قباء : خمسمائة ، وشقتان سقلاطون داري وبرسم رؤساء العشاريّ من الشقق الدمياطيّ والمناديل السوسيّ ، والفوط الحرير الأحمر ، وبرسم النواتية التي برسم الخاص من العشارية من الشقق الإسكندرانيّ ، والكلوتات فوقع بإنفاق جميع ذلك ، وتفصيل ما يجب منه ، ثم ابتيع ذلك بمطالعة ثانية برسم ما هو مستمرّ العموم من النقد العين والورق للموسم المذكورة ، وهو من العين : أربعة آلاف وخمسمائة دينار ومن الورق : خمسة عشر ألف درهم ، فوقع بإطلاق ذلك.

وذكر تفصيل الكسوات والهبات بأسماء أربابها وحضر متولي المائدة الآمرية بمطالعة يستدعي ما جرت به العادة في هذا الموسم من الحيوان ، والضأن ، والبقر ، وغير ذلك من الأصناف برسم التفرقة ، والأسمطة ، وحضر متولي دار التعبية يستدعي ما يبتاع به الثمرة والزهرة ، وهيئة المتعينين لتعبية السكرة لأجل حلول الركاب بها ، ومقامه فيها ، وتعبية جميع مقاصيرها التي برسم الأستاذين ، والأصحاب ، والحواشي ، وهو : مائة دينار ، فوقع

٤٠٥

بإطلاقها ، وفي العاشر من الشهر المذكور يعني شهر رجب ، وفي النيل : ستة عشر ذراعا ، فتوجه المأمون إلى صناعة العمائر بمصر ، ورميت العشاريات بين يديه وقد حدّدت وزينت جميعها بالستور الديبقيّ الملوّنة ، والكوامخ (١) ، والأهلة الذهب والفضة ، وشمل الإنعام أرباب الرسوم على عادتهم ، وعدّى في إحدى العشاريات إلى المقياس ، وخلّق العمود بما جرت به عادتهم من الطيب وفرّقت رسوم الإطلاق ، وانكفأ إلى دار الذهب ، وأمر بإطلاق ما يخص المبيت في المقياس بجميع الشهود والمتصدّرين ، وهي العشرات من الخبز : عشرة قناطير ، وعشرة خراف شوي ، وعشر جامات حلوى ، وعشر شمعات وأوّل من يحضر المبيت : الشريف الخطيب سيد المقرّبين ، وإمام المتصدّرين ، وله وللجماعة من الدراهم التي تفرّق أوفى نصيب.

قال : وخرج الخليفة بزي الخلافة ، ووقارها وناموسها بالثياب الطميم التي تذهل الأبصار والمنديل بالشدّة العربية التي ينفرد بلباسها في الأعياد ، والمواسم خاصة لا على الدوام ، وكانت تسمى عندهم : شدّة الوقار مرصعة بغالي الياقوت والزمرذ والجوهر ، وعند لباسها تخفق لها الأعلام ، ويتجنب الكلام ، ويهاب ولا يكون سلام قريب منه ، وخليل غير الوزير إلّا بتقبيل الأرض من بعيد من غير دنوّ ، ثم بين يديه من مقدّمي خزائنه من يحمل سيفه ، ورمحه المرصعين بأفخر ما يكون ثم المذاب التي كل منها عمودها ذهب ، وينفرد بحملها الصقالبة ، ويمشي بين الصفين المرتبين راجلا على بسط حرير فرشت له ، وكل من الصفين يتناهى في مواصلة تقبيل الأرض إلى أن وصل إلى مجلس خلافته ، وصعد على الكرسي المغشى بالديباج المنصوب رسم ركوبه ، وقد صفّت الروّاض ، وأزمّة الاصطبلات خيل المظلة بعد أن أزالت الأغشية الحرير ، والشقق الديبقيّ المذهبة عن السروج ، وبقيت كما وصفها الله تعالى في كتابه ، فقدّم إليه ما وقع اختياره عليه ، وأمر بأن يجنب البقية في الموكب بين يديه.

ولما علا ما قدّم إليه استفتح مقرئو الحضرة ، وتسلم جميع مقدّمي الركاب ركابه ، والروّاض الشكيمة ، وزال حكم الأستاذين المستخدمين في الركاب ، وعادت الموالي والأقارب إلى محالهم ، واستدعي بالوزير بجميع نعوته فواصل تقبيل الأرض إلى أن قبل ركابه ، وشرّفه بتقبيل يده بحكم خلوّها من قضيب الملك في هذه المواسم ، ولما أدّى ما يجب من فرض السلام ، أخذ السيف من الأمير افتخار الدولة أحد الأمراء الأستاذين المميزين المحنكين متولي خزانة الكسوة الخاص ، وسلّمه بعد أن قبّله لأخيه الذي يتولى حمله في الموكب بعد أن أرخيت عذبته تشريفا له مدّة حمله خاصة ، وترفع بعد ذلك ، وشدّ

__________________

(١) الكوامخ : في صبح الأعشى (كوابج) ولعل الأصح (كوابش) من كبش أي تناول. والمقصود حيث يمسك بالترس. صبح الأعشى ٣ / ٤١.

٤٠٦

وسطه بالمنطقة الذهب تأدّبا وتعظيما لما معه ، وسلم الرمح والدرقة لمن يتولى حملهما بلواء الموكب.

ولم يكن للخدمة المذكورة عذبة مرخاة ، ولا منطقة ، واستدعى ركوب الوزير وأولاده من عند باب قاعة الذهب ، وخرج الخليفة من القاعة المذكورة إلى أوّل دهليز ، فتلقته جماعة صبيان ركابه العشرة المقدّمين أرباب الميمنة والميسرة ، وصبيان وراء صبيان الرسائل ، وصبيان السلام كل منهم في الخدمة المعينة لا يخرج عنها لسواها ، وجميعهم بالمناديل الشروب المعلمة ، وبأوساطهم العراض الديبقيّ المقصورة ، وليس الجميع عبيدا بشراء ولا سودان ، بل مولدة ، وأولاد أعيان ، وأهل فهم ولسان ، ثم احتاط بركابه بعدهم من هو على غير زيهم بل بالقنابيز المفرّجة ، والمناديل السوسيّ ، وهم المتولون لحمل السلاح الخاص الذي لا يكون إلّا في موكبه خاصة على الاستمرار من الصواري ، والفرنجيات والدبابيس ، واللتوت ، والصماصم بالدرق الصينيّ ، واليمنيّ بالكوامخ الفضة ، والذهب ، ويحصل الاستدعاء من صبيان السلام في مسافة الدهاليز لكل من هو مستخدم في الموكب ركوبه من محل حجبته ، إلى أن خرج الخليفة من باب الذهب ، وقد ضربت الغربية ، وأبواق السلام واجتمع الرهج من كل مكان ، ونشرت المظلة ، فاجتمع إليها الزويلية بالعدد الغريبة ، وظلل بها ، وسارت بسيره ، والقرآن الكريم عن يمينه ويساره ، والحجرية الصبيان المنشدون ، واجتمع الموكب بجملته على ما ذكر أوّلا ، والترتيب أمامه لمتولي الباب وحجابه ، وتلوه لمتولي الستر ، وكل منهم على حكم المدارج التي وصلت إليه لا سبيل إلى الخروج عما رسم فيها ، وسار بجملة موكبه على ترتيب أوضاعه ، بين حصنين مانعين من طوارق عساكره فارسها ، وراجلها كل طائفة يقدمها زمامها ، وقد ازدحموا في المصفات بالعدد المذهبة الحربية ، والآلات المانعة المضيئة وليس بينهم طريق لسالك ، وقد زين لهم جميع ما يكون أمامهم من الطرق جميعها حوانيتها ، وآدرها ، وجميع مساكنها ، وأبواب حاراتها ، بأنواع من الستور ، والديباج والديبقيّ على اختلاف أجناسها ، ثم بأصناف السلاح وملأت النظارة الفجاج والبطاح ، والوها والربا ، والصدقات ، والرسوم تعمّ أهل الجانبين من أرباب الجوامع والمساجد ، وبوّابي الأبواب ، والسقائين ، والفقراء ، والمساكين في طول الطريق إلى أن أظل على الخيام المنصوبة. فوقف بموكبه ، واستدعى الوزير بعده من مقدّمي ركابه ، فاجتاز راكبا بمفرده ، وجمع حاشيته بسلاحهم رجالة في ركابه بعد أن بالغ في الإيماء بتقبيل الأرض أمامه ، فردّ عليه بكمه السلام.

وعاد الخليفة في سيره بالموكب بعد أن حصل الوزير أمامه ، وترجل جميع من شرّف بحجبته في ركابه ، وآخرهم متولي حمل سيفه ، ورمحه وصبيان السلام يستدعون كل منهم إلى تقبيل الأرض بجميع نعوته إكبارا له ، وتمييزا واحتاطوا بركابه ، ووصل إلى المضارب في الحرس الشديد على أبوابها ، وسرادقاتها من كل جانب ، وقد تبين وجاهة من حصل بها ،

٤٠٧

ومكن من الدخول إليها ، وترجل الوزير في الدهليز الثالث من دهاليزها ، وتقدّم إلى الخليفة ، وأخذ شكيمة الفرس من يد الروّاض ، وشق به الخيام التي جمعت جمع الصور الآدمية والوحشية ، وقد فرشت جميعها بالبسط الجهرمية والأندلسية إلى أن وصل إلى القاعة الكبرى فيها ، وترجل على سرير خلافته ، وجلس في محل عظمته ، وأجلس وزيره على الكرسيّ الذي أعدّ له ، واحتاط به المستخدمون من جملة السلاح المنتصب جميعه ، وحجبوا العيون عن النظر إليه وصف بين يديه الأمراء والضيوف ، والمشرّفون بحجبته ، وختم المقرئون القرآن العظيم ، وقدّم عدي الملك النائب : شعراء المجلس على طبقاتهم ، وعند انقضاء خدمة آخرهم عادت المستخدمون ، والروّاض مقدّمة ما أمروا به من الدواب ، فعلاه الخليفة والوزير يمسك الشكيمة بيده ، وانتظم موكبا عظيما والقرّاء عوض الرهجية ، والجماعة في ركابه رجالة على حكم ما كانوا عليه أوّلا ، وصعد من القاعة التي في دهاليز الباب القبليّ منها ، فخرج منه ، وانفصلت خدمة جميع الأمراء والضيوف من ركابه بأحسن وداع من تقبيل الأرض.

وصعد الخليفة ووزيره ، وأولاده وإخوته والأصحاب والحواشي إلى السكرة ، وهي من جنات الدنيا المزخرفة ، وتلقاه أخوه بعظمة سلامه ، وتقبيل الأرض بين يديه ، وجلس لوقته ، وفتحت الطاقات التي في المنظرة ، وعن يمينه وزيره ، وعن يساره أخوه جالسان ، واعتمد الناس جميعهم عند مشاهدته تقبيل الأرض له ، وإدامة النظر نحوه ، والمستخدمون جميعهم على السدّ مشدودي الأوساط واقفين عليه.

فلما أمرهم الوزير أن يكسروه : قبلوا الأرض جميعا ، وانصرفوا عنه ، وتولته الفعلة في البساتين السلطانية بالفتح من الحانيين ، والقرآن والتكبير من الجانب الغربيّ ، حيث الخليفة والرهج واللعب من الجانب الشرقيّ ، ولما كمل فتحه : انحدرت العشاريات عن آخرها اللطيف منها يقدم الكبير ، والجميع مزينة بالذهب والفضة ، والستور المرقومة ، ورؤساؤهم وخدّامهم بالكسوات الجميلة ، وبعد ذلك غلقت الطاقات ، وحلّ الخليفة بالمقصورة التي لراحته ، وكذلك الوزير ، وأولاده وإخوته ، وجميع الأمراء الأستاذين ، والأصحاب والحواشي واستدعي للوقت والي مصر من البرّ الشرقيّ ، وخلع عليه بدلة منديلها وثوبها مذهبان ، وثوبان عتابيّ وسقلاطون ، وقبّل الأرض من تحت المنظرة ، وعدّى في البحر إلى حفظ مكانه.

ثم استدعي بعده حامي البساتين ومشارفها ، فخلع عليهما بدلتين حريريّ وثوبين سقلاطون ، وعتابيّ ، ثم متولي ديوان العمائر كذلك ، ثم مقدّمي الرؤساء كذلك ، واعتمد كل من سلم إليه الإثباتات المشتملة على أصناف الأنعام من العين والورق ، وصواني الفطرة والموائد التي يهتمّ بها جميع الجهات ، والخراف المشوية ، والجامات الحلواء ، تفرقة ذلك

٤٠٨

على ما رسم ، وهو شامل غير مخصص من أخي الخليفة ، والوزير إلى الأصحاب والحواشي من أرباب السيوف والأقلام ، ثم الأمراء المستخدمين والضيوف المميزين من الأجناد ، وغيرهم من الأدوان ممن يتعلق به خدمة تختص بالموسم من البحارة ، وأرباب اللعب وغيرهم ، وعبيت الأسمطة في المسطحات المنصوبة لها بالجانب من الباب الغربيّ ، من الخيام.

وأمر الوزير أخاه : بالمضيّ إليها والجلوس عليها ، فتوجه وبين يديه متولي حجبة الباب ، ونوّابه والمعروفية ، والحجاب واستدعت الأمراء والضيوف بالسقاة من خيامهم ، وأجلس كل منهم على السماط في موضعه على عادتهم ، وتلاهم العساكر على طبقاتهم ، ولم يمنع حضورهم ما يسير لكل منهم من جميع ما ذكر على حكم ميزته. ولما انقضى حكم الأسمطة المختصة بالأمراء الكبار ، عاد أخو الوزير إلى حيث مقرّ الخلافة ، وبقي متولي الباب جالسا لأسمطة العبيد ، وجميع المستخدمين من الراجل والسودان ، وعبيت المائدة الخاص بالسكرة التي ما يحضرها إلّا العوالي الخاص المستخدمون في الخدم الكبار ، ويجمع له حالتان حضوره في أشرف مقام. وجلوسه في محل يحصل له به حرمة ، وذمام.

وجلس الخليفة عليها ، وأخوه على شماله ، ووزيره على يمينه بعد أن أدّى كل منهما ما يجب من سلامه وتعظيمه ، وحضر أولاد الوزير ، وإخوته والشيخ أبو الحسن : كاتب الدست ، وابنه سالم ، ومن الأستاذين المحنكين أرباب الخدم ، وجرى الحال في المائدة الشريفة على ما هو مألوف ، وفرّق من جملتها لكل من أرباب الخدم الذين لم يحضروا عليها ، ما هو لكل منهم على سبيل الشرف ، وتميز في ذلك اليوم خاصة ما يختص بالقاضي وشهوده ، والداعي وابن خاله الذين يخصصون عن سواهم بمقامهم دون غيرهم في قاعة الخيمة الكبرى ، أمام سرير الخلافة المنصوب مدّة النهار ، مع ما يحمل إليهم من الموائد ، وغيرها مما هو بأسمائهم في الإثباتات مذكور ولما تكامل وضع المائدة ، وانقضى حكمها قبل كل من الحاضرين الأرض ، وانصرف بعد أن استصحب منها ما تقتضيه نفسه على حكم الشرف والبركة.

ويقضي بعد ذلك الفرائض الواجبة في وقتها ، ولا بدّ من راحة بعدها وحضر مقدّما الركاب ، وحاسبا كاتب الدفتر على ما معهما برسم تفرقة الرسوم ، والصدقات في مسافة الطريق فكمل لهما على ما بقي معهما مثل ما كان أوّلا ، ولما استحق العود عاد كل من المستخدمين إلى شغلة من ترتيب الموكب ، ومصفات العساكر ، وترتيب من يشرّف بالحضرة من الأمراء والضيوف ، وفرّقت الصواني الخاص التي تكون بين يدي الخليفة مدّة النهار ، الجامعة للثروة من كل جهة والزينة من كل معنى ، والغرابة من كل صنف ، وقد جمعت ملاذ جميع الحواس ، والعدّة منها يسيرة ، وليس ذلك لتقصير من هم الجهات التي تتنوّع فيها

٤٠٩

بالغرائب بل للتعب الشديد عليها ، ثم لضيق الزمان ، لأنّ كلا منها لا مندوحة أن يكون فيه زهرة وثمرة ، وطول المكث كذلك يتلف ما فيها ، وإذا شملت مع قلتها من له الوجاهة العالية من أخي الخليفة ، والوزير لم يكن له غير صينية واحدة ، وأخذ كل من الحاشية أهبة تجمله لموضع ميزته ، وغير الخليفة ثيابه بما يقتضيه الموكب ، وهو بدلة حريريّ ، بشدّة الوقار ، وعلم الجوهر ، وسير إلى الوزير صحبة مقدّم خزانة الكسوة الخاص على يد المستخدمين عنده من الأستاذين من جملة بدلات الجمع التي يتوجه منها إلى زيه ، ما يؤمر به من السعي إليه بدلة مكملة حريريّ ومنديلها بياض بالشدّة الدانية غير العربية.

ولما لبس ما سير إليه وحضر بين يديه لشكر نعمته ، أمره بركوب أخيه في إحدى العشريات ، فامتثل أمره ، وتوجه صحبته من السكرة بجميع خواصه وحواشيه ، وفتح لهم الباب الذي هو منها بشاطئ الخليج ، وقدّم له إحدى العشاريات الموكبية ، وفيها مقدّم رياسة البحرية ، فركب فيها بجمعه ، والوزير واقف راجل على شاطىء الخليج خدمة له إلى أن انحدرت العشاريات جميعها قدّامه ، ومراكب اللعب بغير أحد من أرباب الرهج ، والمستخدمون في البرّين يمنعون من يقاربه ، والمتفرّجون لا يصدّهم ويردّهم ما يحل بهم بل يرمون أنفسهم من على الدواب ، ويسيرون بسيره.

وعاد الوزير إلى السكرة ، فلما شاهد الخليفة الدواب الخاص التي برسم ركوبه ، أمره بما وقع عليه اختياره منها ، وعلاه فاحتاط بركابه ، مقدّمو الركاب واستفتح القرّاء وخرج من باب السكرة ودخل من باب الخليفة القبليّ وشق قاعتها على سرير مملكته وخص بالسلام فيها شيوخ الكتاب العوالي ، والقاضي والداعي ، ومن معهما ، ولهم بذلك ميزة عظيمة يختصون بها دون غيرهم ، وخرج منها إلى البستان المعروف. بنزار ، وسار في ميدانه ، وجميعه من الجانبين سور معقود من شجر نارنج أصولها مفترقة ، وفروعها مجتمعة ، وظللت الطريق ، وعليها من الثمرة التي أخرجها من وقته إلى هذا اليوم وقد خرجت بهجتها عن المعتاد ، وحصل عليها ثمرة سنتين إحداهما انتهت ، والأخرى في الابتداء ، وهو بهيئته وزيه وترتيب عساكره وأمرائه ، وخرج من الباب بعد أن عمّ من له رسم بإنعامه ، وعاد الرهج والموكب على ما كان عليه. فلما وصل إلى السدّ الذي على بركة الحبش كسر بين يديه.

وقال في كتاب الذخائر : إن مما أخرج من القصر في سنة إحدى وستين وأربعمائة في خلافة المستنصر قبة العشاريّ وقاربه ، وكسوة رحله ، وهو مما استعمله الوزير أحمد بن عليّ الجرجراي في سنة ست وثلاثين وأربعمائة ، وكان فيه مائة ألف وسبعة وستون ألفا وسبعمائة درهم فضة نقرة ، وإن المطلق لصناع الصاغة عن أجرة ذلك ، وفي ثمن لطلائه خاصة ، ألفان وسبعمائة دينار ، وعمل أبو سهل التستريّ لوالدة المستنصر عشاريا يعرف بالفضيّ وحلي رواقة بفضة تقديرها مائة ألف وثلاثون ألف درهم ، ولزم ذلك أجرة الصناعة ، ولطلاء

٤١٠

بعضه : ألفان وأربعمائة دينار ، واستعمل كسوة برسمه بمال جليل ، وأنفق على العشاريات التي برسم النزه البحرية التي عدّتها ستة وثلاثون عشاريا بالتقدير بجميع آلاتها ، وكساها وحلاها من مناطق ، ورؤوس منجوقات ، وأهلة وصفريات ، وغير ذلك : أربعمائة ألف دينار.

وقال ابن الطوير : إذا أذن الله سبحانه وتعالى بزيادة النيل المبارك : طالع ابن أبي الردّاد بما استقرّ عليه أذرع القاع في اليوم الخامس والعشرين من بؤونة (١) ، وأرخه بما يوافقه من أيام الشهور العربيّ ، فعلم ذلك من مطالعته وأخرجت إلى ديوان المكاتبات ، فنزلت في السير المرتب بأصل القاع ، والزيادة بعد ذلك في كل يوم ، تؤرخ بيومه من الشهر العربيّ ، ما وافقه من أيام الشهر القبطيّ لا يزال كذلك ، وهو محافظ على كتمان ذلك لا يعلم به أحد قبل الخليفة ، وبعده الوزير ، فإذا انتهى في ذراع الوفاء ، وهو السادس عشر إلى أن يبقى منه أصبع أو أصبعان وعلم ذلك من مطالعته.

أمر أن يحمل إلى المقياس في تلك الليلة من المطابخ : عشرة قناطير من الخبز السميذ وعشرة من الخراف المشوية ، وعشرة من الجامات الحلواء ، وعشر شمعات ، ويؤمر بالمبيت في تلك الليلة بالمقياس فيحضر إليه قرّاء الحضرة ، والمتصدّرون بالجوامع بالقاهرة ومصر ، ومن يجري مجراهم ، فيستعملون ذلك ويقدون الشمع عليهم من العشاء الآخرة ، وهم يتلون القرآن برفق ، ويطرّبون بمكان التطريب ، فيختمون الختمة الشريفة ويكون هذا الاجتماع في جامع المقياس ، فيوفي الماء ستة عشر ذراعا في تلك الليلة ، ولوفاء النيل عندهم قدر عظيم ، ويبتهجون به ابتهاجا زائدا ، وذلك لأنه عمارة الديار ، وبه التئام الخلق على فضل الله ، فيحسن عند الخليفة موقعه ، ويهتمّ بأمره اهتماما عظيما أكثر من كل المواسم ، فإذا أصبح الصبح من هذا اليوم ، وحضرت مطالعة ابن أبي الردّاد إليه بالوفاء ، ركب إلى المقياس لتخليقه ، فيستدعي الوزير على العادة ، فيحضر إلى القصر ، فيركب الخليفة بزيّ أيام الركوب من غير مظلة ، ولا ما يجري مجراها بل في هيئة عظيمة من الثياب ، والوزير تابعه في الجمع الهائل على ترتيب الموكب ، ويخرج شاقا من باب زويلة ، وسالكا الشارع إلى آخر الركن من بستان عباس المعروف اليوم : بسيف الإسلام ، فيعطف سالكا على جامع ابن طولون ، والجسر الأعظم بين الركنين إلى الساحل بمصر إلى الطريق المسلوكة على طرف الخشابين الشرقيّ على دار الفاضل إلى باب الصاغة بجوارها ، وله دهليز مادّ بمصاطب مفروشة بالحصر العبدانيّ بسطا وتأزيرا ، فيشقها والوزير تابعه ، فيخرج منها منعطفا على الصناعة الأخرى ، وكانت برسم المكس إلى السيوفيين ، ثم على منازل العز التي هي اليوم مدرسة ، ثم إلى دار الملك فيدخل من الباب المقابل لسلوكه ، فيترجل الوزير عنده للدخول بين يديه

__________________

(١) بؤونة : حزيران.

٤١١

ماشيا إلى المكان المعدّ له ، ويكون قد حمل أمس ذلك اليوم من القصر البيت المتخذ للعشاريّ الخاص ، وهو بيت مثمن من عاج وأبنوس عرض كل جزء ثلاثة أذرع ، وطوله قامة رجل تامّ ، فيجمع بين الأجزاء الثمانية ، فيصير بيتا دوره أربعة وعشرون ذراعا وعليه قبة من خشب محكم الصناعة ، وهو بقبته ملبس بصفائح الفضة ، والذهب ، فيتسلمه رئيس العشاريات الخاص ويركبه على العشاريّ المختص بالخليفة ، ويجعل باكر ذلك اليوم الذي يركب فيه الخليفة على الباب الذي يخرج منه للركوب إلى المقياس.

فإذا استقرّ الخليفة بالمنظرة بدار الملك التي يخرج من بابها إلى العشاريّ ، وأسند إليه استدعى الوزير من مكانه ، فيحضر إليه ويخرج بين يديه إلى أن يركب في العشاريّ ، فيدخل البيت المذهب وحده ، ومعه من الأستاذين المحنكين من يأمره من ثلاثة إلى أربعة ، ثم يطلع في العشاريّ خواص الخليفة خاصة ورسم الوزير اثنان أو ثلاثة من خواصه ، وليس في العشاريّ من هو جالس سوى الخليفة باطنا ، والوزير ظاهرا في رواق من باب البيت الذي هو بعرانيس من الجانبين قائمة مخروطة من أخف الخشب ، وهي مدهونة مذهبة وعليها من جانبيها ستور معمولة برسمها على قدرها.

فإذا اجتمع في العشاريّ من جرت عادته بالاجتماع اندفع من باب القنطرة طالبا باب المقياس العالي على الدرج التي يعلوها النيل ، فيدخل الوزير ، ومعه الأستاذون بين يدي الخليفة إلى الفسقية ، فيصلي هو والوزير ركعات كل واحد بمفرده ، فإذا فرغ من صلاته أحضرت الآلة التي فيها الزعفران والمسك ، فيديفها (١) بيده بآلة ، ويتناولها صاحب بيت المال ، فيناولها لابن أبي الردّاد ، فيلقي نفسه في الفسقية ، وعليه غلالته ، وعمامته ، والعمود قريب من درج الفسقية ، فيتعلق فيه برجليه ، ويده اليسرى ، ويخلقه بيده اليمنى ، وقرّاء الحضرة من الجانب الآخر يقرءون القرآن نوبة بنوبة ، ثم يخرج على فوره راكبا في العشاري المذكور ، وهو بالخيار إما أن يعود إلى دار الملك ، ويركب منها عائدا إلى القاهرة ، أو ينحدر في العشاريّ إلى المقس فيتبعه الموكب إلى القاهرة ، ويكون في البحر في ذلك اليوم ألف قرقورة (٢) مشحونة بالعالم ، فرحا بوفاء النيل ، وبنظر الخليفة.

فإذا استقرّ بالقصر اهتمّ بركوب فتح الخليج ، وفيه همة عظيمة ظاهرة للابتهاج بذلك ، ثم يصير ابن أبي الردّاد باكر ثاني ذلك اليوم إلى القصر بالإيوان الكبير الذي في الشباك إلى باب الملك بجواره ، فيجد خلعة معبأة هناك ، فيؤمر بلبسها ويخرج من باب العيد شاقا بها بين القصرين من أوّله قصدا لإشاعة ذلك ، فإنّ ذلك من علامة وفاء النيل ، ولأهل البلاد إلى ذلك تطلع ، وتكون خلعة مذهبة ، وكان من العدول المحنكين ، فيشرّف في الخلعة

__________________

(١) يديفها : يخلطها بالمسك أو الماء أو نحوه.

(٢) القرقورة : السفينة.

٤١٢

بالطيلسان (١) المقوّر ، ويندب له من التغييرات ، ولمن يريده خمس تغييرات مركبات بالحلي ، ويحمل أمامه على أربع بغال مع أربعة من مستخدمي بيت المال ، أربعة أكياس في كل كيس خمسمائة درهم ظاهرة في أكفهم وبصحبته أقاربه ، وبنو عمه وأصدقاؤه ، ويندب له الطبل والبوق ، ويكتنف به عدّة كثيرة من المتصرّفين الرجالة ، فيخرج من باب العيد ، ويركب إحدى التغييرات ، وهي أميزها ، وشرّف أمامه بجملين من النقارات التي قدّمنا ذكرها يعني في ركوب أوّل العام من زيّ الموكب ، فيسير شاقا القاهرة ، والأبواق تضرب أمامه كبارا وصغارا ، والبطل وراءه مثل الأمراء ، وينزل على كل باب يدخل منه الخليفة ، ويخرج من باب القصر فيقبله ويركب.

وهكذا يعمل كل من يخلع عليه من كبير ، وصغير من الأمراء المطوّقين إلى من دونهم سيفا وقلما ، ويخرج من باب زويلة طالبا مصر من الشارع الأعظم إلى مسجد عبد الله إلى دار الأنماط (٢) ، جائزا على الجامع إلى شاطىء البحر ، فيعدّي إلى المقياس بخلعه ، وأكياسه ، وهذه الأكياس معدّة لأرباب الرسوم عليه في خلعه ولنفسه ، ولبني عمه بتقرير من أوّل الزمان ، فإذا انقضى هذا الشأن ، شرع في الركوب إلى فتح الخليج ثاني يوم ، وقد كان وقع الاهتمام به ، منذ دخلت زيادة النيل ذراع الوفاء اهتماما عظيما ، فيعمل في بيت المال من التماثيل شكل الوحوش من الغزلان ، والسباع ، والفيلة ، والزرافات : عدّة وافرة ، منها ما هو ملبس بالعنبر ، ومنها ما هو ملبس بالصندل ، ثم شكل التفاح ، والأترج اللطيف ، والوحوش مفسرة الأعين والأعضاء بالذهب إلى غير ذلك.

ثم تخرج الخيمة التي يقال لها القاتول لأنّ فرّاشا سقط من أعلى عمودها فمات ، فسميت بلك ، وطوله سبعون ذراعا ، وأعلاه صفرية فضة تسع راوية ماء ، وعليه الفلكة التي كانت في الإيوان إلى قريب الوقت ، ثم يعمل في أوّل العمود شقة دائرة ، ثم أوسع منها ، ويتوالى ذلك إلى إحدى عشرة شقة ، فتصير سعة الخيمة ، ما يزيد على فدّانين مستديرة ، وتنصب في برّ الخليج الغربيّ على حافته مكان بستان الحليّ اليوم ، وكانت ثمّ منظرة يقال لها السكرة برسم جلوس الخليفة لفتح الخليج في مثل هذا اليوم ، وينصب أرباب الرتب من الأمراء من بحريّ تلك لخيمة الكبرى خياما كثيرة ، ويتمايزون فيها على قدر هممهم وضربهم إياها في الأماكن الأقرب فالأقرب على قدر رتبهم ، فإذا تمّ ذلك وعزم الخليفة على الركوب ثالث يوم التخليق أو رابعه أخرج كل من المستخدمين في المواضع المقدّم ذكرها في ركوب أوّل العام : آلات الموكب على عادته ، ويزاد فيه إخراج أربعين بوقا عشرة من الذهب ،

__________________

(١) الطيلسان : كساء مدور أخضر لا أسفل له. معرب وهو على نحو الطرحة يلبسها الوزراء وقضاة القضاة.

صبح الأعشى ج ١ / ٤٨٧.

(٢) دار الأنماط : وتعرف بدار الحصر. كانت خطة أبي ذر جندب بن جنادة الأنصاري صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند فتح مصر ثم آلت لعبد العزيز بن مروان فوهبها لابنه سهيل. ابن دقماق ج ٤ / ٢٧.

٤١٣

وثلاثون من الفضة ، ويكون بوّاقوها ركبانا ، وأرباب الأبواق النحاس مشاة ، ومن الطبول الكبار التي مكان خشبها فضة عشرة. فإذا حضر الوزير إلى باب القصر ، خرج الخليفة في هيئة عظيمة ، وهمة عالية ، وقد تضاعفت هم الأجناد في ذلك اليوم فارسها وراجلها ، ويخرج زيّ الخليفة من المظلة ، والسيف والرمح والألوية ، والدواة ، وغير ذلك من الأستاذين المحنكين ، ويركب في ذلك اليوم من الأقارب المقيمين بالقصر : عشرون أو ثلاثون ، وهم بالنوبة في كل سنة فيتقدّمون إلى المنظرة في مكان لهم صحبة أستاذين لخدمتهم ، وحفظهم ، ويكون قد لف عمود الخيمة الكبرى المشار إليها إما بديباج أبيض ، أو أحمر ، أو أصفر من أعلاه إلى أسفله ، وينصب مسندا إليه سرير الملك ، ويغشى بقرقوبيّ وعرانيسه ذهب ظاهرة.

فيخرج الخليفة للرّكوب ، ويركب فيخرج من باب القصر ، وعليه ثوب يقال له : البدنة وهو كله ذهب وحرير مرقوم ، والمظلة من شكله ، ولا يلبس هذا الثوب في غير هذا اليوم ، ويسير بالموكب الهائل شاقا القاهرة من الطريق التي ركب منها لتخليق المقياس ، إلّا أنه لا يدخل طرق مصر من الخشابين ، بل خارجها من طريق الساحل ، فإذا جاز على جامع ابن طولون ، وجد قد ربط من رأس المنارة من مكان العشاريّ النحاس حبل طويل قويّ ، موضوع آخره في الطريق ، وفيه قوم يقال لهم : التحتبارية واحد في زيّ فارس على شكل فرس وفي يده رمح ، وبكتفه درقة ، فينحدر على بكرة ، وفي رجليه آخر ممسكها ، وهو يتقلب في الهواء بطنا وظهرا ، حتى يصل إلى الأرض ، ويكون قاضي القضاة ، وأعيان الشهود جلوسا في باب الجامع من هذه الجهة ، فإذا وازاهم الخليفة وكانوا قد ركبوا ، وقف لهم وقفة ، فيسلم على القاضي ، ثم يدخل ، فيقبل الرجل التي من جانبه لا غير ، ويدخل بالشهود في الفرجة أمام وجه الدابة بمقدار قصبة المساحة ، فيسلم عليهم ويرجعون إلى دوابهم ، فيركبون ، ويكون قد نصب لهم بالقرب من الخيمة الكبرى : خيمتان ، إحداهما ديباج أحمر ، والأخرى ديبقي أبيض بصفاري فضة لكل واحدة فيتم الخليفة بهيئته إلى أن يدخل من باب الخيمة ، ويكون الوزير قد تقدّمه على العادة ليخدمه ، فيجده راجلا على باب الخيمة ، فيمشي بين يديه إلى سرير الملك ، فينزل ويجلس على المرتبة المنصوبة فيه ، ويحيط به الأستاذون المحنكون والأمراء المطوّقون بعدهم ، ويوضع للوزير الكرسيّ الجاري به عادته ، فيجلس عليه ، ورجلاه تحك الأرض ويقف أرباب الرتب صافين من ناحية سرير الملك إلى ناحية الخيمة ، والقرّاء يقرءون القرآن ساعة زمانية ، فإذا ختموا قراءتهم ، استأذن صاحب الباب على حضور الشعراء للخدمة بما يطلق هذا اليوم ، فيؤمر بتقديمهم واحدا بعد واحد ، ولهم منازل على مقدار أقدارهم ، فالواحد يتقدّم الواحد بخطوة في الإنشاد ، وهو أمر معروف عند مستخدم يقال له النائب ، وتقدّم شاعر يقال له ابن جبر ، وأنشأ قصيدة منها:

فتح الخليج فسال منه الماء

وعلت عليه الراية البيضاء

٤١٤

فصفت موارده لنا فكأنه

كف الإمام فعرفها الإعطاء

فانتقد الناس عليه في قوله ، فسال منه الماء ، وقالوا : أيّ شيء يخرج من البحر غير الماء ، فضيع ما قاله بعد هذا المطلع ، وتقدّم شاعر يقال له مسعود الدولة بن جرير ، وأنشد:

ما زال هذا السدّ ينظر فتحه

إذن الخليفة بالنوال المرسل

حتى إذا برز الإمام بوجهه

وسطا عليه كل حامل معول

فجرى كأن قد ديف فيه عنبر

يعلوه كافور بطيب المندل

فانتقدوا عليه أيضا قوله في البيت الثاني ، وقالوا : أهلك وجه الإمام بسطوات المعاول عليه ، وإن كان قصد فتح السدّ بالمعاول ، لكنه ما نظمه إلا قلقا ، ثم تقدّم له شاعر شاهد يقال له : كافي الدولة أبو العباس أحمد ، وأنشد قصيدة شهد له جماعة منهم القاضي الأثير بن سنان ، فإنه عملها بحضوره بديها :

لمن اجتماع الخلق في ذا المشهد

للنيل أم لك يا ابن بنت محمد

أم لاجتماعكما معا في موطن

وافيتما فيه لأصدق موعد

ليس اجتماع الخلق إلّا للذي

حاز الفضيلة منكما في المولد

شكروا لكلّ منكما لوفائه

بالسعي لكن ميلهم للأجود

ولمن ذا اعتمد الوفاء ففعله

بالقصد ليس له كمن لم يقصد

هذا يفي ويعود ينقص تارة

وتسدّ أنت النقص إن لم يردد

وقواه إن بلغ النهاية قصرت

وإذا بلغت إلى النهاية تبتدي

فالآن قد ضاقت مسالك سعيه

بالسدّ فهو به بحال مقيد

فإذا أردت صلاحه فافتح (١)

ليرى جنابا مخصبا وترى ندي

وأمر بفصد العرق منه فما شكا

جسم فصيح الجسم إن لم يقصد

واسلم إلى أمثال يومك هذا

في عيش مغبوط وعز مخلد

فأمر له على الفور بخمسين دينارا ، وخلع عليه ، وزيد في جاريه ، ثم يقوم الخليفة عن السرير راكبا ، والوزير بين يديه حتى يطلع على المنظرة المعروفة بالسكرة ، وقد فرشت بالفرش المعدّة لها ، فيجلس فيها ، ويتهيأ أيضا للوزير مكان يجلس فيه ، ويحيط بالسدّ حامي البساتين ومشارفها لأنه من حقوق خدمتهما ، فتفتح إحدى طاقات المنظرة ، ويطل منها الخليفة على الخليج ، وطاقة تقاربها يتطلع منها أستاذ من الخواص ، ويشير بالفتح ، فيفتح بأيدي عمال البساتين بالمعاول ويخدم بالطبل والبوق من البرّين.

فإذا اعتدل الماء في الخليج ، دخلت العشاريات اللطاف ، ويقال لها السماويات وكأنها

__________________

(١) بالأصل كلمة مفقودة قد تكون : له.

٤١٥

خدم بين يدي العشاريّ الذهبيّ المقدّم ذكره ، ثم العشاريات الخاص الكبار ، وهي ستة : الذهبيّ المذكور والفضيّ ، والأحمر ، والأصفر ، واللازوردي ، والصقلي ، وكان أنشأه نجار من رأساء الصناعة صقليّ ، وزاد فيه على الإنشاء المعتاد ، فنسب إليه ، وهذه العشاريات لا تخرج عن خاص الخليفة في أيام النيل ، وتحوّله إلى اللؤلؤة للفرجة ، وسارت في الخليج ، وعلى بيت كل منهما الستور الديبقيّ الملوّنة ، وبرءوسها وفي أعناقها الأهلة ، وقلائد من الخرز ، فتسند إلى البرّ الذي فيه المنظرة الجالس فيها الخليفة ، فإذا استقرّ جلوس الخليفة ، والوزير بالمنظرة ، ودخل قاضي القضاة ، والشهود الخيمة الديبقي البيضاء ، وصلت المائدة من القصر في الجانب الغربيّ من الخليج على رؤوس الفرّاشين صحبة صاحب المائدة ، وعدّتها مائة شدّة في الطيافير الواسعة ، وعليها القوّارات الحرير ، وفوقها الطرّاحات ، ولها رواء عظيم ومسك فاتح ، فتوضع في خيمة واسعة منصوبة لذلك ويحمل للوزير ما هو مستقرّ له بعادة جارية ، ومن صواني التماثيل المذكورة : ثلاث صوان ، ويخصص منها أيضا لأولاده ، وإخوته خارجا عن ذلك إكراما وافتقادا ، ويحمل إلى قاضي القضاة ، والشهود شدّة من الطعام الخاص من غير تماثيل توقيرا للشرع ، ويحمل إلى كل أمير في خيمته شدّة طعام ، وصينية تماثيل ، ويصل بمن ذلك إلى الناس شيء كثير ، ولا يزالون كذلك إلى أن يؤذن بالظهر ، فيصلون ويقيمون إلى العصر ، فإذا أذن به صلى ، وركب الموكب كله لانتظار ركوب الخليفة.

فيركب لابسا غير البدنة بل بهيئته ، والمظلة مناسبة لثيابه التي عليه ، واليتيمة والترتيب بأجمعه على حاله ، ويسير في البرّ الغربيّ من الخليج شاقا البساتين هناك ، حتى يدخل من باب القنطرة إلى القصر ، والوزير تابعه على الرسم المعتاد ، ويمرّ فيه لقوم أحسن الأيام ، ويمضي الوزير إلى داره مخدوما على العادة.

وقال في كتاب الذخائر والتحف : إنّ المستعمل من الفضة قبة العشاري المعروف بالمقدّم ، وقاربه وكسوة رحله في سنة ست وثلاثين وأربعمائة في وزارة عليّ بن أحمد الجرجرائي : مائة ألف وسبعة ، وستون ألفا ، وسبعمائة درهم نقرة ، وإنّ المطلق للصناع عن أجرة الصناعة ، وفي ثمن ذهب لطلائه خاصة : ألفان وتسعمائة دينار وسبعون ، وكانت الفضة في ذلك الوقت ، كل مائة درهم : بستة دنانير وربع ، سعر ستة عشر درهما بدينار.

ولما تولى أبو سعيد سهل التستريّ الوساطة سنة ست وثلاثين وأربعمائة ، استعمل لأمّ المستنصر عشاريا يعرف : بالفضيّ وحلّي رواقه بفضة تقديرها : مائة ألف وثلاثون ألف درهم ، ولزم ذلك أجرة الصناعة ، ولطلاء بعضه : ألفان وأربعمائة دينار ، سوى كسوة له بمال جليل ، والمنفق على ستة وثلاثين عشاريا برسم النزه البحرية ، لآلاتها وحلاها من مناطق ، ورؤوس منجوقات وأهله وصفريات وغير ذلك : أربعمائة ألف دينار ، وكانت العادة عندهم

٤١٦

إذا حصل وفاء النيل أن يكتب إلى العمال.

فمما كتب من إنشاء تاج الرياسة أبي القاسم عليّ بن منجب بن سليمان الصيرفي(١): أمّا بعد : فإن أحق ما أوجبت به التهنئة والبشرى ، وغدت المسارّ منتشرة تتوالى وتترى ، وكان من اللطائف التي غمرت بالمنة العظمى ، والنعمة الجسيمة الكبرى ، ما استدعى الشكر لموجد العالم وخالقه ، وظلت النعمة به عامّة لصامت الحيوان وناطقه ، وتلك الموهبة بوفاء النيل المبارك الذي يسره الله تعالى ، وله الحمد يوم كذا ، فإن هذه العطية تؤدّي إلى خصب البلاد وعمارتها ، وشمول المصالح وغزارتها ، وتفضي بتضاعف المنافع والخيرات ، وتكاثر الأرزاق ، والأقوات ويتساهم الفائدة فيها جميع العباد ، وتنتهي البركة بها إلى كل دان وناء وكل حاضر وباد ، فأذع هذه النعمة قبلك ، وانشرها في كل من يتدبر عملك ، وحثهم على مواصلة الشكر لهذه الألطاف الشاملة لهم ، ولك ، فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى.

وكتب أيضا : إن أولى ما تضاعف به الابتهاج والجذل ، وانفتح فيه الرجاء ، واتسع الأمل ، ما عمّ نفقه صامت الحيوان وناطقه ، وأحدث لكل أحد اغتباطا لزمه ، وآلى أن لا يفارقه ، وذلك ما منّ الله به من وفاء النيل المبارك الذي تحيى به كل أرض موات ، وتكتسى بعد اقشعرارها حلة النبات ويكون سببا لتوافر الأقوات ، فإنه وفى المقدار الذي يحتاج إليه ، فلتذع هذه المنة في القاضي والداني ، لتستعمل الكافة بينهم ضروب البشائر والتهاني إن شاء الله تعالى.

وكتب أيضا : من لطف الله الواجب حمده ، اللازم شكره وفضله ، الذي لا يمل بشره ، ولا يسأم ذكره ، ومنّه ، الذي استبشر به الأنام ، وتضاعف فيه الإنعام ، ومثل الله الحياة به في قوله تعالى : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ) [يونس / ٢٤] أمر النيل المبارك الذي يعمّ النجود والتهائم ، وتنتفع به الخلائق ، وترتع فيما يظهره البهائم ، وقد توجه إليك بهذا الكتاب بهذه البشرى فلان ، فأجره على رسمه في إظهاره مجملا ، وإيصاله إلى رسمه مكملا ، وإذاعة هذه النعمة على الكافة ليتساهموا الاغتباط بها ، ويبالغوا في الشكر لله سبحانه وتعالى بمقتضاها ، وعلى حسبها فاعلم ذلك ، واعمل به إن شاء الله تعالى.

منظرة الدكة : وكان من جملة مناظر الخلفاء الفاطميين ، منظرة تعرف : بالدكة لها بستان عظيم بجوار المقس فيما بينه ، وبين أراضي اللوق ، وما زالت باقية ، حتى زالت الدولة ، وحكر مكان البستان ، وصار خطة تعرف إلى اليوم بخط الدكة ، فخربت المنظرة ، وزال أثرها.

__________________

(١) منشئ مؤرخ من أعيان المصريين تاج الرئاسة ولي ديوان الإنشاء بمصر أيام الأمر الفاطمي وله عدة مؤلفات منها : (الإشارة إلى من نال الوزارة). ولد سنة ٤٦٣ ه‍ وتوفي سنة ٥٤٢ ه‍. الأعلام ج ٥ / ٢٤.

٤١٧

قال ابن عبد الظاهر : الدكة بالمقس ، كانت بستانا ، وكان الخليفة إذا ركب من كسر الخليج من السكرة بمظلته يسير في البرّ الغربيّ ، ومضارب الناس والأمراء ، وخيمهم عن يمينه وشماله إلى أن يصل إلى هذا البستان المعروف بالدكة : وقد غلقت أبوابه ودهاليزه ، فيدخل إليه بمفرده ، ويسقي منه الفرس الذي تحته ، وهي قضية ، ذكر المؤرخ للسيرة المأمونية : أنهم كانوا يعتمدونها إلى آخر وقت ، ولم يعلم سببها ، ثم يخرج ويسير إلى أن يقف على الترعة الآتي ذكرها ، ويدخل من باب القنطرة ، وينزل إلى القصر ، والدكة الآن : آدر وحارات شهرتها تغني عن وصفها ، فسبحان من لا يتغير.

وقال ابن الطوير عن الظاهر لإعزاز دين الله أبي هاشم عليّ بن الحاكم بأمر الله : كان بمنظرة يقال لها : الدكة بساحل المقس يعني أنه مات بها.

منظرة المقس (١) : وكان من جملة مناظرهم أيضا : منظرة بجوار جامع المقس الذي تسميه العامّة اليوم : جامع المقسي ، وكانت هذه المنظرة بحري الجامع المذكور ، وهي مطلة على النيل الأعظم ، وكان حينئذ ساحل النيل بالمقس وكانت هذه المنظرة : معدّة لنزول الخليفة بها عند تجهيز الأسطول إلى غزو الفرنج ، فتحضر رؤساء المراكب بالشواني ، وهي مزينة بأنواع العدد ، والسلاح ، ويلعبون بها في النيل حيث الآن الخليج الناصري تجاه الجامع وما وراء الخليج من غربيه.

قال ابن المأمون : وذكر تجهيز العساكر في البرّ ، عند ورود كتب صاحبي دمشق وحلب في سنة سبع عشرة وخمسمائة ، ما يحث على غزو الفرنج ، ومسيرها مع حسام الملك ، وركب الخليفة الآمر بأحكام الله ، وتوجه إلى الجامع بالمقس ، وجلس بالمنظرة في أعلاه ، واستدعى مقدّم الأسطول الثاني ، وخلع عليه ، وانحدرت الأساطيل مشحونة بالرجال ، والعدد ، والآلات ، والأسلحة ، واعتمد ما جرت العادة به من الإنعام عليهم ، وعاد الخليفة إلى البستان المعروف بالبعل إلى آخر النهار ، وتوجه إلى قصره بعد تفرقة جميع الرسوم ، والصدقات والهبات الجاري بها العادة في الركوبات.

وقال ابن الطوير : فإذا تكملت النفقة ، وتجهزت المراكب ، وتهيأت للسفر ركب الخليفة والوزير إلى ساحل المقس ، وكان هناك على شاطىء البحر بالجامع ، منظرة يجلس فيها الخليفة برسم وداعه يعني الأسطول ، ولقائه إذا عاد ، فإذا جلس هو والوزير للوداع ، جاءت القوّاد بالمراكب من مصر إلى هناك للحركات في البحر بين يديه وهي مزينة

__________________

(١) المقس : كان في القديم يقعد عنده العامل على المكس (الضرائب) فغلب وسمي المقس وهو بين يدي القاهرة على النيل. وكان قبل الإسلام يسمى : أم دنين وكان فيه حصن ومدينة قبل بناء الفسطاط.

معجم البلدان ج ٥ / ١٧٥.

٤١٨

بأسلحتها ، ولبوسها ، وفيها المنجنيقات تلعب فتنحدر وتقلع بالمجاذيف كما يفعل في لقاء العدوّ بالبحر الملح ، ويحضر بين يدي الخليفة المقدّم والرئيس ، فيوصيهما ، ويدعو للجماعة بالنصرة والسلامة ، ويعطي المقدّم مائة دينار ، والرئيس : عشرين دينارا ، وتنحدر إلى دمياط ، وتخرج إلى البحر الملح ، فيكون لها ببلاد العدوّ صيب وهيبة ، فإذا وقع لهم مركب لا يسألون عما فيه سوى الصغار والرجال والنساء ، والسلاح وما عدا ذلك فللأسطول.

واتفق مرّة أن قدّم على الأسطول سيف الملك الجمل ، فكسب بطشة عظيمة فيها ألف وخمسمائة شخص ، بعد أن بعث عليهم بالقتال ، وقتل منهم نحوا من مائة وعشرين رجلا ، وحضر إلى القاهرة ، ففرح الخليفة ، وركب إلى المقس ، وجلس بالمنظرة للقائهم ، وأطلقوا الأسرى بين يديه تحت المنظرة من جانب البرّ فاستدعيت الجمال لركوبهم ، وشق بهم القاهرة ومصر ، وهم كل اثنين على جمل ، ظهر الظهر ، وعاد الخليفة إلى القصر فجلس في إحدى مناظره لنظرهم في جوازهم ، فلما عادوا بهم من مصر صاروا بهم إلى المناخات ، فصح منهم ألف رجل ، فانضافوا إلى من في المناخ ، وأمّا النساء والصبيان فإنهم دخلوا بهم إلى القصر بعد أن حمل منهم للوزير نصيب وافر ، وأخذ الجهات ، والأقارب بقيتهنّ ، فيستخدمونهنّ ، ويعلمونهنّ الصنائع ، ويتولى الأستاذون تربية الصبيان ، وتعليمهم الخط والرماية ، ويقال لهم : الترابي ، ومن استريب به من الأسرى ، ونبه عليه بقوّة أوقع به ، والشيخ الذي لا ينتفع به يمضي فيه حكم السيف بمكان يقال له : بئر المنامة في الخراب قريب مصر ، ولم يسمع على الدولة قط أنها فادت أسيرا بمال ، ولا بأسير مثله ، وهذه الحال في كل سنة آخذة في الزيادة لا النقص ، وقدّم على الأسطول مرّة أمير يقال له : حرب بن فور ، صاحب الحاجب لؤلؤ ، فكسب بطشة حصل فيها : خمسمائة رجل ، انتهى.

وقد خربت هذه المنظرة ، وكان موضعها برج كبير صار يعرف في الدولة الأيوبية بقلعة المقس مشرف على النيل ، فلما جدّد الصاحب الوزير شمس الدين عبد الله المقسي جامع المقس على ما هو عليه الآن في سنة سبعين وسبعمائة ، هدم هذا البرج ، وجعل مكانه جنينة شرقيّ الجامع ، وتحدّث الناس أنه وجد فيه مالا ، والله أعلم.

منظرة البعل : وكان من مناظرهم بظاهر القاهرة منظرة في بستان أنيق يعرف : بالبعل أنشأه الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجماليّ ، وموضع هذا البستان إلى اليوم يعرف بالبعل ، وصارت أرضه مزرعة في جانب الخليج الغربيّ ، بحريّ أرض الطبالة في كوم الريش ، مقابل قناطر الأزر ، وقد خربت المنظرة وبقي منها آثار أدركتها ، يعطن بها الكتان تدل على عظمها ، وجلالتها في حال عمارتها ، وكانت منظرة البعل من أجلّ منتزهاتهم ، وكان لهم بها أوقات عميمة المبرّات جليلة الخيرات.

٤١٩

قال ابن المأمون : فأمّا يوم السبت والثلاثاء فيكون ركوب الوزير من داره بالرهجية ، ويتوجه إلى القصر ، فيركب الخليفة إلى ضواحي القاهرة للنزهة في مثل الروضة ، والمشتهي ، ودار الملك ، والتاج ، والبعل ، وقبة الهواء ، والخمسة وجوه ، والبستان الكبير ، وكان لكل منظرة منهنّ فرش معلوم مستقرّ فيها من الأيام الأفضلية للصيف والشتاء ، وتفرّق الرسوم ويسلم لمقدّمي الركاب اليمين والشمال لكل واحد عشرون دينارا ، وخمسون رباعيا ، ولتالي مقدّم الركاب اليمين مائة كاغدة في كل كاغدة ثلاثة دراهم ، ومائة كاغدة في كل كاغدة درهمان ، ولتالي مقدّم الشمال مثل ذلك ، فأمّا الدنانير ، فلكل باب يخرج منه من البلد دينار ، ولكل باب يدخل منه دينار ، ولكل جامع يجتاز عليه دينار ، ما خلا جامع مصر ، فإن رسمه خمسة دنانير ، ولكل مسجد يجتاز عليه رباعيّ ، ولكل من يقف ويتلو القرآن : كاغدة ، والفقراء والمساكين من الرجال والنساء ، لكل من يقف كاغدة ، ولكل من يركب الخليفة ديناران ، ويكون مع هذا متولي صناديق الإنفاق يحجب الخليفة وبيده خريطة ديباج فيها خمسمائة دينار لما عساه يؤمر به.

فإذا حصل في إحدى المناظر المذكورة ، فرّق من العين ما مبلغه : سبعة وخمسون دينارا ، ومن الرباعية : مائة وستة وثمانون دينارا للحواشي ، والأستاذين وأصحاب الدواوين والشعراء ، والمؤذنين ، والمقرئين ، والمنجمين وغيرهم ، ومن الخزاف الشواء : خمسون رأسا منها طبقان حارّة مكملة مشورة ، برسم المائدة الخاص مضافا لما يحضر من القصور من الموائد الخاص ، والحلاوات وطبق واحد ، برسم مائدة الوزير ، وبقية ذلك بأسماء أربابه ، ورأسا بقر برسم الهرائس ، فإذا جلس الخليفة على المائدة استدعى الوزير ، وخواصه ، ومن جرت العادة بجلوسه معه ، ومن تأخر عن المائدة ، ممن جرت عادته بحضورها حمل إليه من بين يدي الخليفة على سبيل التشريف ، وعند عود الخليفة إلى القصر يحاسب متولي الدفتر مقدّمي الركاب على ما أنفق عليه في مسافة الطريق من جامع ، ومسجد وباب ودابة.

وأمّا تفرقة الصدقات فهم فيها على حكم الأمانة ، قال : وإذا وقع الركوب إلى الميادين جرى الحال فيها على الرسم المستقرّ من الإنعام ويؤمر متولي خزائن الخاص ، وصناديق الإنفاق أن يكون معه خريطة في السرج ديباج تسمى خريطة الموكب فيها ألف دينار معدّة لمن يؤمر بالإنعام عليه في حال الركوب.

منظرة التاج : هي من جملة المناظر التي كانت الخلفاء تنزلها للنزهة بناها الأفضل بن أمير الجيوش وكان لها فرش معدّ لها للشتاء والصيف ، وقد خربت ، ولم يبق لها سوى أثر كوم ، توجد تحته الحجارة الكبار وما حول هذا الكوم ، صار مزارع من جملة أراضي منية الشيرج.

٤٢٠