كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٢

تقي الدين احمد بن علي المقريزي

كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٢

المؤلف:

تقي الدين احمد بن علي المقريزي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

فلكة (١) بارزة مقدار عرض إبهام فيشدّ آخر الشوارك في حلقة من ذهب ، ويترك متسعا في رأس الرمح ، وهو مفروض فتلقى تلك الفلكة ، فتمنع المظلة من الحدور في العمود المذكور ولها أضلاع من خشب الخلنج مربعات مكسوّة بوزن الذهب على عدد الشوارك خفاف في الوزن طولها طول الشوارك ، وفيها خطاطيف لطاف ، وحلق يمسك بعضها بعضا ، وهي تنضم وتنفتح على طريقة شوكات الكيزان ، ولها رأس شبه الرمانة ، ويعلوه رمانة صغيرة ، كلها ذهب مرصع بجوهر يظهر للعيان ، ولها رفرف دائر يفتحها من نسبتها عرضه أكثر من شبر ونصف ، وسفل الرمانة فاصل يكون مقداره ثلاث أصابع ، فإذا أدخلت الحلقة الذهب الجامعة لآخر شوارك المظلة في رأس العمود ركبت الرمانة عليها ، ولفت في عرض ديبقيّ مذهب ، فلا يكشفها منه إلا حاملها عند تسليمها إليه أوّل وقت الركوبة.

ثم يؤمر بشدّ لواءي الحمد المختصين بالخليفة ، وهما رمحان طويلان ملبسان بمثل أنابيب عمود المظلة إلى حدّ نصفهما ، وهما من الحرير الأبيض المرقوم بالذهب ، وغير منشورين بل ملفوفين على جسم الرمحين ، فيشدّان ليخرجا بخروج المظلة إلى أميرين من حاشية الخليفة ، برسم حملهما ويخرج إحدى وعشرون راية لطاف من الحرير المرقوم ملوّنة بكتابة تخالف ألوانها من غيره.

ونص كتابتها : نصر من الله وفتح قريب ، على رماح مقوّمة من القنا المنتقى ، طول كل راية ذراعان في عرض ذراع ونصف في كل واحدة ثلاث طرازات ، فتسلم لأحد وعشرين رجلا من فرسان صبيان الخاص (٢) ، ولهم بشارة عود الخليفة سالما عشرون دينارا ، ثم يخرج رمحان رؤوسهما أهلة من ذهب صامتة في كل واحد سبع من ديباج أحمر وأصفر ، وفي فمه طارة مستديرة يدخل فيها الريح ، فينفتحان فيظهر شكلهما ، ويتسلمهما فارسان من صبيان الخاص ، فيكونان أمام الرايات ، ثم يخرج السيف الخاص ، وهو من صاعقة وقعت على ما يقال ، وجلبته ذهب مرصعة بالجوهر في خريطة مرقومة بالذهب لا يظهر إلا رأسه ، ليسلم إلى حامله ، وهو أمير عظيم القدر ، وهذه عندهم رتبة جليلة المقدار ، وهو أكبر حامل ، ثم يخرج الرمح وهو رمح لطيف في غلاف منظوم من اللؤلؤ ، وله سنان مختصر بحلية ذهب ، ودرقة بكوامخ ذهب فيها سعة منسوبة إلى حمزة بن عبد المطلب رضي‌الله‌عنه في غشاء من حرير لتخرج إلى حاملها ، وهو أمير مميز ، ولهذه الخدمة وصاحبها عندهم جلالة.

ثم تشعر الناس بطريق الموكب ، وسلوكه لا يتعدّى دورتين إحداهما كبرى ، والأخرى

__________________

(١) فلكة : قطعة مستديرة من الخشب ونحوه تجعل في أعلى العمود غالبا ما تستعمل في المغزل. صبح الأعشى ٣ / ٥٤٢.

(٢) صبيان الخاص : ويقال لهم صبيان الركاب أو الركابية وهم الذين يحملون السلاح حول الخليفة في المواكب. صبح الأعشى ٣ / ٤٨٠.

٣٦١

صغرى ، أما الكبرى : فمن باب القصر إلى باب النصر مارّا إلى حوض عز الملك نبا ، ومسجده هناك ، وهو أقصاها ثم ينعطف على يساره طالبا باب الفتوح إلى القصر ، والأخرى إذا خرج من باب النصر سار حافا بالسور ، ودخل من باب الفتوح ، فيعلم الناس بسلوك إحداهما ، فيشيرون إذا ركب الخليفة فيها من غير تبديل للموكب ولا تشويش ، ولا اختلال ، فلا يصبح الصبح من يوم الركوب إلّا وقد اجتمع من بالقاهرة ومصر من أرباب الرتب وأرباب التميزات من أرباب السيوف ، والأقلام قياما بين القصرين ، وكان براحا واسعا خاليا من البناء الذي فيه اليوم ، فيسع القوم لانتظار الخليفة ، ويبكر الأمراء إلى الوزير إلى داره ، فيركب إلى القصر من غير استدعاء لأنها خدمة لازمة للخليفة ، فيسير أمامه تشريفه المقدّم ذكره ، والأمراء بين يديه ركبانا ومشاة ، وأمامه أولاده وإخوته وكل منهم مرخي الذؤابة بلا حنك ، وهو في أبهة عظيمة من الثياب الفاخرة ، والمنديل ، وهو بالحنك ، ويتقلد بالسيف المذهب ، فإذا وصل القصر ترجل قبله أهله في أخص مكان لا يصل الأمراء إليه ، ودخل من باب القصر ، وهو راكب دون الحاضرين إلى دهليز يقال له دهليز العمود ، فيترجل على مصطبة هناك ، ويمشي بقية الدهليز إلى القاعة فيدخل مقطع الوزارة هو وأولاده وإخوته ، وخواص حاشيته ، ويجلس الأمراء بالقاعة على دكك معدّة لذلك مكسوّة في الصيف بالحصر السامان ، وفي الشتاء بالبسط الجهرمية المحفورة ، فإذا أدخلت الدابة لركوب الخليفة وأسندت إلى الكرسيّ الذي يركب عليه من باب المجلس ، أخرجت المظلة إلى حاملها ، فيكشفها مما هي ملفوفة فيه غير مطوية ، فيتسلمها بإعانة أربعة من الصقالبة (١) برسم خدمتها ، فيركزها في آلة حديد متخذة شكل القرن وهو مشدود في ركاب حاملها الأيمن بقوّة وتأكيد ، فيمسك العمود بحاجز فوق يده ، فيبقى وهو منتصف واقف ولم يذكر قط أنها اضطربت في ريح عاصف ، ثم يخرج بالسيف ، فيتسلمه حامله فإذا تسلمه أرخيت ذؤابته ما دام حاملا له ، ثم تخرج الدواة ، فتسلم لحاملها ، وهو من الأستاذين المحنكين.

وكان الوزراء حملوها لقوم من الشهود المعدّلين ، وهي الدواة التي كانت من أعاجيب الزمان ، وهي في نفسها من الذهب ، وحليتها مرجان ، وهي ملفوفة في منديل شرب بياض مذهب ، وقد قال فيها بعض الشعر : يخاطب الخليفة التي صنعت حلية المرجان في وقته وهذا من أغرب ما يكون ذكر ذلك في بيتين وهما :

ألين لداود الحديد كرامة

فقدّر منه السرد كيف يريد

ولأن لك المرجان وهو حجارة

ومقطعه صعب المرام شديد

فيخرج الوزير ، ومن كان معه من المقطع ، وتنضم إليه الأمراء ، ويقفون إلى جانب

__________________

(١) الصقالبة أهم السلاق القاطنون في جبال أورال والبحر الأدرياتيكي في أوربة الشرقية ويطلق أيضا على جماعة من العبيد في الخدمة العسكرية. الوزارة والوزراء في العصر الفاطمي / ١٧١.

٣٦٢

الراية ، فيرفع صاحب المجلس الستر فيخرج من كان عند الخليفة للخدمة منهم ، وفي إثرهم يبرز الخليفة بالهيئة للشروح حالها في لباسه الثياب المعروضة عليه ، والمنديل الحامل لليتيمة بأعلى جبهته ، وهو محنك مرخي الذؤابة مما يلي جانيه الأيسر ، ويتقلد بالسيف المغربي وبيده قضيب الملك ، وهو طول شبر ونصف من عود مكسوّ بالذهب المرصع بالدرر والجوهر ، فيسلم على الوزير قوم مرتبون لذلك ، وعلى أهله على الأمراء بعدهم ، ثم يخرج أولئك أوّلا فأوّلا ، والوزير يخرج بعد الأمراء فيركب ويقف قبالة باب القصر بهيئته.

ويخرج الخليفة وحواليه الأستاذون ودابته ماشية على بسط مفروشة خيفة من زلقها على الرخام ، فإذا قارب الباب ، وظهر وجهه ضرب رجل ببوق لطيف من ذهب معوج الرأس يقال له : الغربية ، بصوت عجيب يخالف أصوات البوقات ، فإذا سمع ذلك ضربت الأبواق في الموكب ، ونشرت المظلة ، وبرز الخليفة من الباب ، ووقف وقفة يسيرة بمقدار ركوب الأستاذين المحنكين وغيرهم من أرباب الرتب الذين كانوا بالقاعة للخدمة ، وسار الخليفة وعلى يساره صاحب المظلة ، وهو يبالغ أن لا يزول عنها ظلها ، ثم يكتنف الخليفة مقدّمو صبيان الركاب منهم ، اثنان في الشكيمة ، واثنان في عنق الدابة من الجانبين ، واثنان في ركابه فالأيمن مقدّم المقدّمين ، وهو صاحب المقرعة التي يتناولها ، ويناولها ، وهو المؤدّي عن الخليفة مدّة ركوبه الأوامر ، والنواهي ، ويسير الموكب بالحث.

فأوّله الأمراء وأولادهم ، وأخلاط بعض العسكر الأماثل إلى أرباب القصر إلى أرباب الأطواق إلى الأستاذين المحنكين إلى حامل اللوائين من الجانبين إلى حامل الدواة ، وهي بينه وبين قربوس السرج إلى صاحب السيف ، وهما في الجانب الأيسر كل واحد ممن تقدّم ذكره بين عشرة إلى عشرين من أصحابه ، ويحجبه أهل الوزير المقدّم ذكرهم من الجانب الأيمن بعد الأستاذين المحنكين ، ثم يأتي الخليفة ، وحواليه صبيان الركاب المذكورة ، تفرقة السلاح فيهم ، وهم أكثر من ألف رجل ، وعليهم المناديل الطبقيات ، ويتقلدون بالسيوف ، وأوساطهم مشدودة بمناديل ، وفي أيديهم السلاح مشهور ، وهم من جانبي الخليفة كالجناحين المادّين وبينهما فرجة لوجه الفرس ليس فيها أحد ، وبالقرب من رأس الصقلبيان الحاملان للمذبتين ، وهما مرفوعتان كالنخلتين لما يسقط من طائر وغيره ، وهو سائر على تؤدة ، ورفق وفي طول الموكب من أوّله إلى آخره والي القاهرة مارّ وعائد ، يفسح الطرقات ويسير الركبان فيلقي في عوده الإسفهسلار كذلك مارا وعائدا لحث الأجناد في الحركة والإنكار على المزاحمين المعترضين ، ويلقي في عوده صاحب الباب ، ومروره في زمرة الخليفة إلى أن يصل إلى الإسفهسلار ، فيعود لترتيب الموكب ، وحراسة طرقات الخليفة ، وفي يد كل منهم دبوس ، وهو راكب خير دوابه وأسرعها ، هذا لمن أمام الموكب ، ثم يسير خلف دابة الخليفة قوم من صبيان

٣٦٣

الركاب لحفظ أعقابه ، ثم عشرة يحملون عشرة سيوف في خرائط ديباج أحمر وأصفر بشراريب غزيرة يقال لها : سيوف الدم برسم ضرب الأعناق ثم يسير بعدهم صبيان السلاح الصغير ، أرباب الفرنجيات المقدّم ذكرهم.

ثم يأتي الوزير في هيبة ، وفي ركابه من أصحابه قوم يقال لهم : صبيان الزرد من أقوياء الأجناد يختارهم لنفسه ما مقداره خمسمائة رجل من جانبيه بفرجة لطيفة أمامه ، دون فرجة الخليفة ، وكأنه على وفز من حراسة الخليفة ، ويجتهد أن لا يغيب عن نظره ، وخلفه الطبول والصنوج والصفافير ، وهو مع عدّة كثيرة تدوي بأصواتها وحسّها الدنيا ، ثم يأتي حامل الرمح المقدّم ذكره ودرقته حمراء.

ثم طوائف الراجل من الركابية والجيوشية ، وقبلهما المصامدة ، ثم الفرنجية ، ثم الوزيرية زمرة زمرة في عدّة وافرة تزيد على أربعة آلاف في الوقت الحاضر ، وهم أضعاف ذلك ، ثم أصحاب الرايات والسبعين ، ثم طوائف العساكر من الآمرية والحجرية الكبار ، والحافظية ، والحجرية الصغار المنقولين ، والأفضلية والجيوشية ، ثم الأتراك المصطنعون ، ثم الديلم ، ثم الأكراد ، ثم الغز المصطنعة ، وقد كان تقدّم هؤلاء الفرسان عدّة وافرة من المترجلة أرباب قسيّ اليد ، وقسيّ الرجل في أكثر من خمسمائة ، وهم المعدّون للأساطيل ، ويكون من الفرسان المقدّم ذكرهم ما يزيد على ثلاثة آلاف ، وهذا كله بعض من كل.

فإذا انتهى الموكب إلى المكان المحدود ، عادوا على أدراجهم ، ويدخلون من باب الفتوح ، ويقفون بين القصرين بعد الرجوع ، كما كانوا قبله ، فإذا وصل الخليفة إلى الجامع الأقمر بالقماحين اليوم وقف وقفة بجملته في موكبه ، وانفرج الموكب للوزير ، فيتحرّك مسرعا ليصير أمام الخليفة ، حتى يدخل بين يديه فيمرّ الخليفة ، ويسكع (١) له سكعة ظاهرة ، فيشير الخليفة للسلام عليه إشارة خفية ، وهذه أعظم مكارمة تصدر عن الخليفة ، ولا تكون إلّا للوزير صاحب السيف ، وسبقه إلى دخول باب القصر راكبا على عادته إلى موضعه ، ويكون الأمراء ، قد نزلوا قبله لأنهم في أوائل الموكب ، فإذا وصل الخليفة إلى باب القصر ، ودخله ترجل الوزير ، ودخل قبله الأستاذون المحنكون ، وأحدقوا به ، والوزير أمام وجه الفرس مكان ترجله إلى الكرسيّ الذي ركب منه ، فينزل عليه ويدخل إلى مكانه بعد خدمة المذكورين له ، فيخرج الوزير ، ويركب من مكانه الجاري به على عادته ، والأمراء بين يديه ، وأقاربه حواليه ، فيركبون من أماكنهم ويسيرون صحبته إلى داره ، فيدخل وينزل أيضا إلى مكانه على كرسيّ فتخدمه الجماعة بالوداع ، ويتفرّق الناس إلى أماكنهم.

__________________

(١) يسكع : يمشي مشيا متعسفا لا يدري أين يأخذ طريقه ، وربما كانت هنا بمعنى يثني ساقيه ويقف على ركبته خاشعا.

٣٦٤

فيجدون قد أحضر إليهم الغرّة (١) ، وهو أنه يقدّم الخليفة بأن يضرب بدار الضرب في العشر الآخر من ذي الحجة بتاريخ السنة التي ركب أوّلها في هذا اليوم جملة من الدنانير والرباعية والدراهم المدوّرة المقسقلة ، فيحمل إلى الوزير منها ثلثمائة وستون دينارا ، وثلثمائة وستون رباعيا وثلثمائة وستون قيراطا ، وإلى أولاده ، وإخوته من كل صنف من ذلك خمسون ، وإلى أرباب الرتب من أصحاب السيوف ، والأقلام من عشرة دنانير ، وعشر رباعيات ، وعشرة قراريط إلى دينار واحد ، ورباعيّ واحد ، وقيراط واحد ، فيقبلون ذلك على حكم البرمكية من مبلغ الخليفة قال : ومبلغ الغرّة التي ينعم بها في أوّل العام المقدّم ذكره من الدنانير والرباعيات والقراريط ما يربط من ثلاثة آلاف دينار ، والله تعالى أعلم.

ذكر ما كان يضرب في خميس العدس من خراريب الذهب

قال ابن المأمون : وأحضر الأجل المأمون كاتب الدفتر ، وأمره بالكشف عما كان يضرب برسم خميس العدس من الخراريب الذهب ، وهو خمسمائة دينار عن عشرين ألف خروبة ، واستدعى كاتب بيت المال ، ووقع له بإطلاق ألف دينار ، وأمره بإحضار مشارف (٢) دار الضرب ، وسلمها إليه ، فاعتمد ذلك ، وضربت عشرون ألف خروبة وأحصرها ، فأمر بحملها إلى الخليفة ، فسير الخليفة منها إلى المأمون ثلثمائة دينار ، وذكر أنها لم تضرب في مدّة خلافة الحافظ لدين الله غير سنة واحدة ، ثم بطل حكمها ، ونسي ذكرها.

قال : وصار ما يضرب باسم الخليفة يعني الآمر بأحكام الله في ستة مواضع : القاهرة ، ومصر ، وقوص ، وعسقلان ، وصور ، والإسكندرية.

وقال ابن عبد الظاهر : خميس العدس كان يضرب فيه خمسمائة ، تعمل عشرة آلاف خروبة ، كان الأفضل بن أمير الجيوش يحمل منها للخليفة مائتي دينار ، والبقية برسمه ، ثم جعلت في الأيام المأمونية ألف دينار ، وربما زادت أو نقصت يسيرا ، وقد تقدّم أنّ قاضي القضاة كان يتولى عيار دار الضرب ، ويحضر التغليق بنفسه ، ويختم عليه ويحضر للموعد الآخر لفتحه.

ذكر دار الوكالة الآمرية

كانت دار الوكالة المذكورة ، بجانب دار الضرب ، وموضعها الآن على يمنة السالك

__________________

(١) الغرّة : هي دنانير رباعية ودراهم خفاف مدورة وهذا النوع من الإصدارات يشبه اليوم إصدار قطع نقدية أو طوابع لمناسبات معينة.

(٢) مشارق : عمله طلب التفاصيل الكاملة عن أية جهة من الجهات الضريبية التي تقع في دائرة عمله ويدخل في عهدته جميع المتحصلات المالية بعد ختمها وهو بمعنى المشرف والمفتش. نهاية الأرب ٨ / ٣٠٤.

٣٦٥

من رأس الخرّاطين إلى سوق الخيميين ، والجامع الأزهر.

قال ابن المأمون : في شوّال سنة ست عشرة وخمسمائة ، ثم أنشأ ، يعني المأمون بن البطائحيّ ، وزير الخليفة الآمر بأحكام الله دار الوكالة بالقاهرة المحروسة ، لمن يصل من العراقيين والشاميين وغيرهما من التجار ، ولم يسبق إلى ذلك.

ذكر مصلى العيد

وكان في شرقيّ القصر الكبير مصلى العيد من خارج باب النصر ، وهذا المصلى بناه القائد جوهر لأجل صلاة العيد في شهر رمضان سنة : ثمان وخمسين وثلثمائة ، ثم جدّده العزيز بالله ، وبقي بقي إلى الآن بعض هذا المصلى ، واتخذ في جانب منه موضع مصلى الأموات اليوم.

ذكر هيئة صلاة العيد وما يتعلق بها

قال ابن زولاق : وركب المعز لدين الله ، يوم الفطر لصلاة العيد إلى مصلى القاهرة التي بناها القائد جوهر ، وكان محمد بن أحمد بن الأدرع الحسنيّ ، قد بكر وجلس في المصلى تحت القبة في موضع ، فجاء الخدم وأقاموه ، وأقعدوا موضعه أبا جعفر مسلما ، وأقعدوه هو دونه ، وكان أبو جعفر مسلم ، خلف المعز عن يمينه ، وهو يصلي وأقبل المعز في زيه وبنوده وقبابه ، وصلى بالناس صلاة العيد تامّة طويلة ، قرأ في الأولى بأمّ الكتاب ، وهل أتاك حديث الغاشية ، ثم كبر بعد القراءة ، وركع فأطال ، وسجد فأطال ، أنا سبحت خلفه في كل ركعة ، وفي كل سجدة نيفا وثلاثين تسبيحة.

وكان القاضي النعمان بن محمد يبلغ عنه التكبير ، وقرأ في الثانية بأمّ الكتاب ، وسورة والضحى ، ثم كبر أيضا بعد القراءة ، وهي صلاة جدّه عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وأطال أيضا في الثانية الركوع والسجود ، أنا سبحت خلفه نيفا وثلاثين تسبيحة في كل ركعة ، وفي كل سجدة ، وجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في كل سورة ، وأنكر جماعات يتوسمون بالعلم قراءة قبل التكبير لقلة علمهم ، وتقصيرهم في العلوم.

حدّثنا محمد بن أحمد قال : حدّثنا عمر بن شيبة ، ثنا عبد الله ، ورجاء عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليّ عليه‌السلام : أنه كان يقرأ في صلاة العيد قبل التكبير ، فلما فرغ المعز من الصلاة ، صعد المنبر وسلم على الناس يمينا وشمالا ، ثم ستر بالسترين اللذين كانا على المنبر ، فخطب وراءهما على رسمه ، وكان في أعلى درجة من المنبر وسادة ديباج مثقل ، فجلس عليها بين الخطبتين ، واستفتح الخطبة : ببسم الله الرحمن الرحيم ، وكان معه على المنبر القائد جوهر ، وعمار بن جعفر ، وشفيع صاحب المظلة ، ثم قال : الله أكبر الله أكبر واستفتح بذلك ، وخطب وأبلغ ، وأبكى الناس ، وكانت خطبة بخشوع

٣٦٦

وخضوع ، فلما فرغ من خطبته ، انصرف في عساكره وخلفه أولاده الأربعة بالجواشن والخود على الخيل بأحسن زيّ ، وساروا بين يديه بالفيلين ، فلما حضر في قصره أحضر الناس ، فأكلوا وقدّمت إليهم السمط ، ونشطهم إلى الطعام ، وعتب على من تأخر ، وهدّد من بلغه عنه صيام العيد.

وقال المسبحيّ في حوادث آخر يوم من رمضان : سنة ثمانين وثلثمائة ، وبقيت مصاطب ما بين القصور والمصلى الجديدة ظاهر باب النصر عليها المؤذنون ، حتى يتصل التكبير من المصلى إلى القصر ، وفيه تقدّم أمر القاضي محمد بن النعمان ، بإحضار المتفقهة والمؤمنين يعني الشيعة ، وأمرهم بالجلوس يوم العيد على هذه المصاطب ولم يزل يرتب الناس ، وكتب رقاعا فيها أسماء الناس ، فكانت تخرج رقعة رقعة ، فيجلس الناس على مصطبة مصطبة بالترتيب.

وفي يوم العيد : ركب العزيز بالله لصلاة العيد ، وبين يديه الجنائب ، والقباب الديباج بالحليّ والعسكر في زيه من الأتراك ، والديلم والعزيزية ، والإخشيدية ، والكافورية ، وأهل العراق بالديباج المثقل والسيوف ، والمناطق الذهب ، وعلى الجنائب السروج الذهب بالجوهر ، والسروج بالعنبر ، وبين يديه الفيلة عليها الرجالة بالسلاح ، والزرّاقة ، وخرج بالمظلة الثقيلة بالجوهر ، وبيده قضيب جدّه عليه‌السلام ، فصلى على رسمه وانصرف.

وقال ابن المأمون : ولما توفي أمير الجيوش بدر الجماليّ ، وانتقل الأمر إلى ولده : الأفضل بن أمير الجيوش جرى على سنن والده في صلاة العيد ، ويقف في قوس باب داره الذي عند باب النصر يعني : دار الوزارة فلما سكن بمصر صار يطلع من مصر باكرا ، ويقف على باب داره على الحالة الأولى ، حتى تستحق الصلاة ، فيدخل من باب العيد إلى الإيوان ، ويصلي به القاضي ابن الرسعنيّ ، ثم يجلس بعد الصلاة على المرتبة إلى أن تنقضي الخطبة فيدخل من باب الملك ، ويسلم على الخليفة ، بحيث لا يراه أحد غيره ، ثم يخلع عليه ، ويتوجه إلى داره بمصر ، فيكون السماط بها مدى الأعياد ، فلما قتل الأفضل ، واستقرّ بعده المأمون بن البطائحيّ في الوزارة قال : هذا نقص في حق العيد ، ولا يعلم السبب في كون الخليفة لا يظهر ، فقال له الخليفة الآمر بأحكام الله : فما تراه أنت؟ فقال : يجلس مولانا في المنظرة التي استجدّت بين باب الذهب ، وباب البحر ، فإذا جلس مولانا في المنظرة ، وفتحت الطاقات ، وقف المملوك بين يديه في قوس باب الذهب ، وتجوز العساكر فارسها وراجلها ، وتشملها بركة نظر مولانا إليها ، فإذا حان وقت الصلاة توجه المملوك بالموكب والزيّ وجميع الأمراء والأجناد ، واجتاز بأبواب القصر ، ودخل الإيوان ، فاستحسن ذلك منه ، واستصوب رأيه ، وبالغ في شكره ، ثم عاد المأمون إلى مجلسه ، وأمر بتفرقة كسوة العيد والهبات ، يعني في عيد النحر ، سنة خمس عشرة وخمسمائة ، وجملة العين : ثلاثة

٣٦٧

آلاف وثلثمائة دينار وسبعة دنانير ومن الكسوات : مائة قطعة وسبع قطع برسم الأمراء المطوّقين ، والأستاذين المحنكين ، وكاتب الدست ، ومتولي حجبة الباب وغيرهم.

قال : ووصلت الكسوة المختصة بالعيد في آخر شهر رمضان يعني من سنة ست عشرة وخمسمائة وهي تشتمل على دون العشرين ألف دينار ، وهو عندهم الموسم الكبير ، ويسمى بعيد الحلل ، لأنّ الحلل فيه تعم الجماعة ، وفي غيره للأعيان خاصة ، وقد تقدّم تفصيلها عند ذكر خزانة الكسوة من هذا الكتاب.

قال : ولما كان في التاسع والعشرين من شهر رمضان ، خرجت الأوامر بأضعاف ما هو مستقرّ للمقرئين والمؤذنين في كل ليلة برسم السحور بحكم أنها ليلة ختم الشهر ، وحضر المأمون في آخر النهار إلى القصر للفطور مع الخليفة ، والحضور على الأسمطة على العادة وحضر إخوته وعمومته ، وجميع الجلساء ، وحضر المقرئون والمؤذنون ، وسلّموا على عادتهم وجلسوا تحت الروشن (١) ، وحمل من عند معظم الجهات والسيدات ، والمميزات من أهل القصور بلاحي وموكبيات مملوءة ماء ملفوفة في عراضي ديبقي ، وجعلت أمام المذكورين ، ليشملها بركة ختم القرآن ، واستفتح المقرئون من الحمد إلى خاتمة القرآن تلاوة ، وتطريبا ثم وقف بعد ذلك من خطب فأسمع ، ودعا فأبلغ ، ورفع الفرّاشون ما أعدّوه برسم الجهات ، ثم كبر المؤذنون ، وهللوا ، وأخذوا في الصوفيات إلى أن نثر عليهم من الروشن دراهم ودنانير ورباعيات ، وقدّمت جفان القطائف على الرسم مع الحلوى ، فجروا على عادتهم ، وملأوا أكمامهم ، ثم خرج أستاذ من باب الدار الجليلة بخلع خلعها على الخطيب وغيره ، ودراهم تفرّق على الطائفتين من المقرئين والمؤذنين ، ورسم أن تحمل الفطرة إلى قاعة الذهب ، وأن تكون التعبية في مجلس الملك ، وتعبى الطيافير المشورة الكبار من السرير إلى باب المجلس ، وتعبى من باب المجلس إلى ثلثي القاعة سماطا واحدا مثل سماط الطعام ، ويكون جميعه سدا واحدا من حلاوة الموسم ، ويزين بالقطع المنفوخ ، فامتثل الأمر ، وحضر الخليفة إلى الإيوان ، واستدعى المأمون ، وأولاده وإخوته ، وعرضت المظال المذهبة المحاومة ، وكان المقرئون يلوّحون عند ذكرها بالآيات التي في سورة النحل والله جعل لكم مما خلق ظلالا إلى آخرها.

وجلس الخليفة ورفعت الستور ، واستفتح المقرئون ، وجدّد المأمون السلام عليه ، وجلس على المرتبة عن يمينه ، وسلم الأمراء جميعهم على حكم منازلهم لا يتعدّى أحد منهم مكانه والنوّاب جميعهم يستدعونهم بنعوتهم ، وترتيب وقوفهم ، وسلم الرسل الواصلون من جميع الأقاليم ، ووقفوا في آخر الإيوان ، وختم المقرئون ، وسلموا ، وخدمت الرهجية ، وتقدّم متولي كل اصطبل من الروّاض وغيرهم يقبل الأرض ، ويقف ودخلت الدواب من باب

__________________

(١) الروشن : الشرفة وتجمع على رواشن.

٣٦٨

الديلم والمستخدمون في الركاب بالمناديل يتسلمونها من الشدّادين ويدورون بها حول الإيوان ، ودواب المظلة متميزة عن غيرها يتسلمها الأستاذون ، والمستخدمون في الركاب ويعلون بها إلى قريب من الشباك الذي فيه الخليفة ، وكلما عرض دواب اصطبل قبل الأرض متوليه. وانصرف. وتقدّم متولي غيره على حكمه إلى أن يعرض جميع ما أحضروه ، وهو ما يزيد على ألف فارس خارجا عن البغال وما تأخر من العشاريات والحجور والمهارة ، ولما عرضت الدواب أبطلت الرهجية ، وعاد استفتاح المقرئين ، وكانوا محسنين فيما ينتزعونه من القرآن الكريم ، مما يوافق الحال ، مثل الآية من آل عمران : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ) إلى آخرها ، ثم بعدها : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) ، إلى آخرها.

وعرضت الوحوش بالأجلة الديباج والديبقيّ بقباب الذهب ، والمناطق ، والأهلة وبعدها النجب ، والبخاتي بالأقتاب الملبسة بالديبقيّ الملوّن المرقوم ، وعرض السلاح ، وآلات الموكب جميعها ، ونصبت الكسوات على باب العيد ، وضربت طول الليل وحملت الفطرة الخاص التي يفطر عليها الخليفة بأصناف الجوارشات بالمسك ، والعود والكافور والزعفران والتمور المصبغة التي يستخرج ما فيها ، وتحشى بالطيب وغيره ، وتسدّ ، وتختم وسلمت للمستخدمين في القصور ، وعبيت في مواعين الذهب المكللة بالجواهر ، وخرجت الأعلام والبنود.

وركب المأمون ، فلما حصل بقاعة الذهب أخذ في مشاهدة السماط من سرير الملك إلى آخرها ، وخرج الخليفة لوقته من الباذهنج ، وطلع إلى سرير ملكه ، وبين يديه الصواني المقدّم ذكرها ، واستدعى بالمأمون ، فجلس عن يمينه بعد أداء حق السلام ، وأمر بإحضار الأمراء المميزين والقاضي والداعي والضيوف ، وسلم كل منهم على حكم ميزته ، وقدمت الرسل ، وشرّفوا بتقبيل الأرض والمقرئون يتلون ، والمؤذنون يهللون ويكبرون ، وكشفت القوّارات الشرب المذهبات ، عما هو بين يدي الخليفة فبدأ وكبر ، وأخذ بيده تمرة ، فأفطر عليها ، وناول مثلها الوزير ، فأظهر الفطر عليها ، وأخذ الخليفة في أن يستعمل من جميع ما حضر ، ويناول وزيره منه ، وهو يقبله ويجعله في كمه ، وتقدّمت الأجلاء إخوة الوزير وأولاده من تحت السرير ، وهو يناولهم من يده ، فيجعلونه في أكمامهم بعد تقبيله ، وأخذ كل من الحاضرين كذلك ، ويومئ بالفطور ويجعله في كمه على سبيل البركة ، فمن كان رأيه الفطور أفطر ، ومن لم يكن رأيه أومأ ، وجعله في كمه لا ينتقد على أحد فعله.

ثم قال المأمون بعد ذلك : ما على من يأخذ من هذا المكان نقيصة بل له به الشرف والميزة ، ومدّ يده ، وأخذ من الطيفور الذي كان بين يديه عود نبات ، وجعله في كمه بعد تقبيله ، وأشار إلى الأمراء ، فاعتمد كل من الحاضرين ذلك وملأوا أكمامهم ، ودخل الناس ، فأخذوا جميع ذلك ، ثم خرج الوزير إلى داره والجماعة في ركابه ، فوجد التعبية فيها من

٣٦٩

صدر المجلس إلى آخره على ما أمر به ، ولم يعدم مما كان بالقصر غير الصواني الخاص ، فجلس على مرتبته والأجلاء أولاده ، واستدعى بالعوالي من الأمراء ، والقاضي والداعي ، والضيوف ، فحضروا وشرّفوا بجلوسهم معه ، وحصل من مسرّتهم بذلك ما بسطهم ، ورفعوا اليسير مما حضر على سبيل الشرف ، ثم انصرفوا وحضرت الطوائف ، والرسل على طبقاتهم إلى أن حمل جميع ما كان بالدار بأسره ، وانقضى حكم الفطور.

وعاد للتنفيذ في غيره ، وضربت الطبول ، والأبواق على أبواب القصور ، والدار المأمونية ، وأحضرت التغايير ، وفرّقت على أربابها من الأجناد والمستخدمين ، وخرجت أزمة العساكر فارسها وراجلها ، وندب الحاجب الذي بيده الدعوة لترتيب صفوفها من باب القصر إلى المصلى ، ثم حضر إلى الدار المأمونية الشيوخ المميزون ، وجلس المأمون في مجلسه وأولاده بهيئة العيد وزينته ، ورفعت الستور ، وابتدأ المقرئون ، وسلم متولي الباب والشيوخ ، ولم يدخل المجلس غير كاتب الدست ، ومتولي الحجبة ، وبالغ كل منهما في زيه وملبوسه ، وجروا على رسمهم في تقبيل الأرض وعتبة المجلس ، ووصل إلى الدار المأمونية التجمل الخاص الذي برسم الخليفة جميعه ، القصب الفضة والأعلام والمنجوقات ، والعقبات والعماريات ، ولواء الوزارة لركوب الخليفة بالمظلة بالطميم ، والمراكيب الذهب المرصعة بالجواهر ، وغير ذلك من التجملات.

وركب المأمون من داره وجميع التشاريف الخاص بين يديه ، وخدمت الرهجية ، ومن جملتهم الغربية وهي أبواق لطاف عجيبة غريبة الشكل تضرب كل وقت يركب فيه الخليفة ولا تضرب قدّام الوزير إلّا في المواسم خاصة وفي أيام الخلع عليه والأمراء مصطفون عن يمينه ، وعن شماله ، ويليهم إخوته وبعدهم أولاده ، ودخل إلى الإيوان ، وجلس على المرتبة المختصة به ، وعن يمينه جميع الأجلاء والمميزون وقوف أمامه ، ومن انحط عنهم من باب الملك إلى الإيوان قيام ، ويخرج خاصة الدولة ريحان إلى المصلى بالفرش الخاص ، وآلات الصلاة ، وعلق المحراب بالشروب المذهبة ، وفرش فيه ثلاث سجادات متراكبة ، وأعلاها السجادة اللطيفة التي كانت عندهم معظمة ، وهي قطعة من حصير ذكر أنها من جملة حصير : لجعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام ، يصلي عليها ، وفرش الأرض جميعها بالحصر المحاريب ، ثم علق على جانبي المنبر ، وفرش جميع درجه ، وجعل أعلاه المخادّ التي يجلس عليها الخليفة ، وعلق اللواءان عليه ، وقعد تحت القبة خاصة الدولة ريحان والقاضي وأطلق البخور.

ولم يفتح من أبوابه إلّا باب واحد ، وهو الذي يدخل منه الخليفة ، ويقعد الداعي في الدهليز ونقباء المؤمنين بين يديه ، وكذلك الأمراء ، والأشراف ، والشيوخ ، والشهود ، ومن سواهم من أرباب الحرف ولا يمكن من الدخول إلّا من يعرفه الداعي ، ويكون في ضمانه ،

٣٧٠

واستفتحت الصلاة ، وأقبل الخليفة من قصوره بغاية زيه ، والعلم الجوهر في منديله ، وقضيب الملك بيده ، وبنو عمه ، وإخوته وأستاذوه في ركابه ، وتلقاه المقرئون عند وصوله والخواص ، واستدعى بالمأمون ، فتقدّم بمفرده ، وقبل الأرض ، وأخذ السيف والرمح من مقدّمي خزائن الكسوة ، والرهجية تخدم ، وحمل لواء الحمد بين يديه إلى أن خرج من باب العيد ، فوجد المظلة قد نشرت عن يمينه ، والذي بيده المدعو في ترتيب الحجبة لمن شرّف بها ، لا يتعدّى أحد حكمه ، وسائر المواكب بالجنائب الخاص ، وخيل التخافيف ، ومصفات العساكر والطوائف جميعها بزيها ، وراياتها وراء الموكب إلى أن وصل إلى قريب المصلى ، والعماريات والزرافات ، وقد شدّ على الفيلة بالأسرّة مملوءة رجالا مشيكة بالسلاح لا يتبين منهم إلّا الأحداق ، وبأيديهم السيوف المجرّدة ، والدرق الحديد الصيني ، والعساكر قد اجتمعت وترادفت صفوفا من الجانبين إلى باب المصلى ، والنظارة قد ملأت الفضاء لمشاهدة ما لم يبلغوه ، والموكب سائر بهم ، وقد أحاط بالخليفة والوزير صبيان الخاص ، وبعدهم الأجناد بالدروع المسبلة ، والزرديات بالمغافر ملثمة ، والبروك الحديد بالصماصم والدبابيس.

ولما طلع الموكب من ربوة المصلى ترجل متولي الباب ، والحجاب ووقف الخليفة بجمعه بالمظلة إلى أن اجتاز المأمون راكبا بمن حول ركابه ، وردّ الخليفة السلام عليه بكمه ، وصار أمامه ، وترجل الأمراء المميزون والأستاذون المحنكون بعدهم ، وجميع الأجلاء ، وصار كل منهم يبدأ بالسلام على الوزير ، ثم على الخليفة إلى أن صار الجميع في ركابه ، ولم يدخل من باب المصلى راكبا غير الوزير خاصة ، ثم ترجل على بابه الثاني إلى أن وصل الخليفة إليه فاستدعى به ، سلم وأخذ الشكيمة بيده إلى أن ترجل الخليفة في الدهليز الآخر ، وقصد المحراب والمؤذنون يكبرون قدّامه ، واستفتح الخليفة في المحراب وسامته فيه : وزيره والقاضي ، والداعي عن يمينه وشماله ليوصلوا التكبير لجماعة المؤذنين من الجانبين ، ويتصل منهم التكبير إلى مؤذني مصلى الرجال والنساء الخارجين عن المصلى الكبير ، وكاتب الدست وأهله ، ومتولي ديوان الإنشاء يصلون تحت عقد المنبر ، ولا يمكن غيرهم أن يكون معهم.

ولما قضى الخليفة الصلاة ، وهي ركعتان قرأ في الأولى بفاتحة الكتاب ، وهل أتاك حديث الغاشية ، وكبر سبع تكبيرات ، وركع وسجد ، وفي الثانية بالفاتحة ، وسورة والشمس وضحاها ، وكبر خمس تكبيرات ، وهذه سنة الجميع ومن ينوب عنهم في صلاة العيدين على الاستمرار وسلم ، وخرج من المحراب ، وعطف عن يمينه ، والحرص عليه شديد ولا يصل إليه إلّا من كان خصيصا به ، وصعد المنبر بالخشوع والسكينة ، وجميع من بالمصلى والتربة لا يسأم نظره ويكثرون من الدعاء له ، ولما حصل في أعلى المنبر أشار إلى المأمون ، فقبل الأرض وسارع في الطلوع إليه ، وأدّى ما يجب من سلامه ، وتعظيم مقامه ، ووقف بأعلى

٣٧١

درجة ، وأشار إلى القاضي ، فتقدّم وقبل كل درجة إلى أن يصل إلى الدرجة الثالثة ، وقف عندها ، وأخرج الدعو من كمه ، وقبله ووضعه على رأسه ، وأعلى بما تضمنه وهو ما جرت به العادة من تسمية يوم العيد ، وسنته والدعاء للدولة.

وكانت الحال في أيام وزراء الأقلام والسيوف إذا حصل الخليفة في أعلى المنبر بقي الوزير مع غيره ، وأشار الخليفة إلى القاضي ، فيقبل الأرض ، ويطلع إلى الدرجة الثالثة ويخرج الدعو من كمه ويقبله ، ويضعه على رأسه ، ويذكر يوم العيد ، وسنته والدعاء للدولة ، ثم يستدعي بالوزير بعد ذلك فيصعد بعد القاضي ، فراعى الخليفة ذلك الأمر في حق الوزير ، فجعل الإشارة منه إليه أوّلا ، ورفعه عن أن يكون مأمورا مثل غيره ، وجعلها له ميزة على غيره ممن تقدّمه ، واستمرّت فيما بعد ، واستفتح الخليفة بالتكبير الجاري به العادة في الفطر ، والخطبتين إلى آخرهما ، وكبر المؤذنون ، ورفع اللواءان ، وترجل كل أحد من موضعه كما كان ركوبه ، وصار الجميع في ركاب الخليفة ، وجرى الأمر في رجوعه على ما تقدّم شرحه ، ومضى إلى تربة آبائه ، وهي سنتهم في كل ركبة بمظلة ، وفي كل يوم جمعة مع صدقات ، ورسوم تفرّق.

وأمّا الوزير المأمون فإنه توجه وخرج من باب العيد ، والأمراء بين يديه إلى أن وصل إلى باب الذهب ، فدخل منه بعد أن أمر ولده الأكبر بالوصول إلى داره والجلوس على سماط العيد على عادته ، ولما دخل المأمون بقاعة الذهب وجد السروع قد وقع من المستخدمين بتعبية السماط ، فأمر بتفرقة الرسوم على أربابها ، وهو ما يحمل إلى مجلس الوزارة برسم الحاشية ، ولكل من حاشية أولاده وإخوته ، وكاتب الدست ، ومتولي حجبة الباب ، ومتولي الديوان ، وكاتب الدفتر ، والنائب لكل منهم رسم يصرف قبل جلوس الخليفة ، وعند انقضاء الأسمطة لغير المذكورين على قدر منزلة كل منهم ، ثم حضر أبو الفضائل ابن أبي الليث ، واستأذن على طيافير الفطرة الكبار التي في مجلس الخليفة فأمره الوزير بأن يعتمد في تفرقتها على ما كان يعتمده في الأيام الأفضلية ، وهو لكل من يصعد المنبر مع الخليفة طيفور.

فلما أخذ الخليفة راحة بعد مضيه إلى التربة جلس على السرير ، وبين يديه المائدة اللطيفة الذهب بالمينا ، معبأة بالزبادي الذهب ، واستدعى الوزير واصطف الناس من المدورة إلى آخر السماط من الجانبين على طبقاتهم ، ورفعت الستور ، واستفتح المقرئون ، ووفيّ الدولة إسعاف متولي المائدة مشدود الوسط ، ومقدّم خزانة الشراب ، بيده شربة في مرفع ذهب ، وغطاء مرصعين بالجوهر والياقوت ، ومتولي خزائن الإنفاق بيده خريطة مملوءة دنانير لمن يقف يطلب صدقة ، وإنعاما فيؤمر بما يدفع إليه ، وتفرقة الرسوم الجاري بها العادة ، ولعبت المنافقون ، والتحسارية ، وتناوب القرّاء ، والمنشدون ، وأرخيت الستور وعبىء السماط ثانيا على ما كان عليه أوّلا.

٣٧٢

ثم رفعت الستور ، وجلس على المدورة والسماط من جرت العبادة به ، وفرّقت الدنانير على المقرئين ، والمنشدين والتحسارية والمنافقين ، ومن هو معروف بكثرة الأكل ، ونهبت قصور الخلافة ، وفرّق من الأصناف ما جرت به العادة ، وأرخيت الستور ، وأحضر متولي خزانة الكسوة الخاص للخليفة : بدلة إلى أعلى السرير حسبما كان أمره ، فلبسها وخلع الثياب التي كانت عليه على الوزير بعد ما بالغ في شكره ، والثناء عليه ، وتوجه إلى داره ، فوصل إليه من الخليفة الصواني الخاص المكللة معبأة على ما كانت بين يديه ، وغيرها من الموائد ، وكذلك إلى أولاده وإخوته صينية صينية ، ولكاتب الدست ، ومتولي حجبة الباب مثل ذلك ويكبر الوزير بجلوسه في داره معلنا ، وتسارع الناس على طبقاتهم بالعيد ، والخلع وبما جرى في صعود المنبر ، وحضر الشعراء ، وأسنيت لهم الجوائز ، وجرى الحال يومئذ في جلوس الخليفة ، وفي السلام لجميع الشيوخ والقضاة والشهود والأمراء ، والكتاب ، ومقدّمي الركاب والمتصدّرين بالجوامع ، والفقهاء ، والقاهريين ، والمصريين ، واليهود برئيسهم ، والنصارى ببطريقهم على ما جرت به عادتهم ، وختم المقرئون ، وقدمت الشعراء على طبقاتهم إلى آخرهم وجدّد لكل من الحاضرين سلامه ، وانكفأ الخليفة إلى الباذهنج لأداء فريضة الصلاة والراحة بمقدار ما عبيت المائدة الخاص ، واستحضر المأمون ، وأولاده وإخوته على عادتهم ، واستدعى من شرّف بحضور المائدة ، وهم الشيخ أبو الحسن كاتب الدست ، وأبو الرضى سالم ابنه ، ومتولى حجبة الباب ، وظهير الدين الكنانيّ على ما كان عليه الحال قبل الصيام ، وانقضى حكم العيد.

وقال ابن الطوير : إذا قرب آخر العشر الآخر من شهر رمضان خرج الزي من أماكنه ، على ما وصفنا في ركوب أوّل العام ، ولكن فيه زيادات يأتي ذكرها ، ويركب في مستهلّ شوّال بعد تمام شهر رمضان ، وعدّته عندهم أبدا ثلاثون يوما ، فإذا تهيأت الأمور من الخليفة ، والوزير والأمراء ، وأرباب الرتب على ما تقدّم ، وصار الوزير بجماعته إلى باب القصر ، ركب الخليفة بهيئة الخلافة من المظلة واليتيمة والآلات المقدّم ذكرها ، ولباسه في هذا اليوم الثياب البياض الموشحة المحومة ، وهي أجل لباسهم ، والمظلة كذلك ، فإنها أبدا تابعة لثيابه كيف كانت الثياب ، ويكون خروجه من باب العيد إلى المصلى ، والزيادة ظاهرة في هذا اليوم في العساكر ، وقد انتظم القوم له صفين من باب القصر إلى باب المصلى ، ويكون صاحب بيت المال قد تقدّم على الرسم ، لفرش المصلى ، فيفرش الطرّاحات على رسمها في المحراب مطابقة ، ويعلق سترين يمنة ويسرة في الأيمن : البسملة والفاتحة ، وسبح اسم ربك الأعلى ، وفي الأيسر : مثل ذلك ، وهل أتاك حديث الغاشية ، ثم يركز في جانب المصلى لواءين مشدودين على رمحين ملبسين بأنابيب الفضة ، وهما مستوران مرخيان ، فيدخل الخليفة من شرقيّ المصلى إلى مكان يستريح فيه دقيقة ، ثم يخرج محفوظا ، كما يحفظ في جامع القاهرة ، فيصير إلى المحراب ، ويصلي صلاة العيد ،

٣٧٣

بالتكبيرات المسنونة ، والوزير وراءه والقاضي ، ويقرأ في كل ركعة ، ما هو مرقوم في السترين فإذا فرغ وسلم صعد المنبر للخطابة العيدية يوم الفطر ، فإذا جلس في الذروة وهناك طرّاحة سامان أو ديبقيّ على قدرها وباقية يستر بياض على مقداره في تقطيع درجه ، وهو مضبوط لا يتغير ، فيراه أهل ذلك الجمع جالسا في الذروة ويكون قد وقف أسفل المنبر الوزير ، وقاضي القضاة ، وصاحب (١) الباب إسفهسلار العساكر ، وصاحب السيف وصاحب الرسالة ، وزمام القصر ، وصاحب دفتر (٢) المجلس ، وصاحب المظلة ، وزمام الأشراف الأقارب ، وصاحب بيت المال ، وحامل الرمح ، ونقيب الأشراف الطالبيين ، ووجه الوزير إليه فيشير إليه فيصعد ، ويقرب وقوفه منه ، ويكون وجهه موازيا رجليه ، فيقبلهما بحيث يراه العالم ، ثم يقوم ويقف على يمينه ، فإذا وقف أشار إلى قاضي القضاة ، فيصعد إلى سابع درجة ، ويتطلع إليه صاغيا لما يقول ، فيشير إليه فيخرج من كمه مدرجا قد أحضر إليه أمس من ديوان الإنشاء بعد عرضه على الخليفة والوزير ، فيعلن بقراءة مضمونه.

ويقول : بسم الله الرحمن الرحيم : ثبت بمن شرّف بصعوده المنبر الشريف في يوم كذا ، وهو عيد الفطر من سنة كذا من عبيد أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وعلى آبائه الطاهرين ، وأبنائه الأكرمين بعد صعود السيد الأجل ، ونعوته المقرّرة ودعائه المحرّر ، فإن أراد الخليفة أن يشرّف أحدا من أولاد الوزير ، وإخوته استدعاه القاضي بالنعت المذكور ، ثم يتلو ذلك ذكر القاضي وهو القارئ ، فلا يتسع له أن يقول عن نفسه نعوته ولا دعاءه ، بل يقول : المملوك فلان بن فلان ، وقرأه مرّة القاضي ابن أبي عقيل.

فلما وصل إلى اسمه قال : العبد الذليل المعترف بالصنع الجميل في المقام الجليل أحمد بن عبد الرحمن بن أبي عقيل ، فاستحسن ذلك منه ، ثم حذا حذوه الأعز بن سلامة ، وقد استقضى في آخر الوقت ، فقال المملوك في محل الكرامة الذي عليه من الولاء أصدق علامة : حسن بن عليّ بن سلامة ، ثم يستدعي من ذكرنا وقوفهم على باب المنبر بنعوتهم ، وذكر خدمهم ودعائهم على الترتيب ، فإذا طلع الجماعة وكل منهم يعرف مقامه في المنبر يمنة ويسرة أشار الوزير إليهم ، فأخذ هو من كل جانب بيده نصيبا من اللواء الذي بجانبه ، فيستر الخليفة ، ويسترون وينادى في الناس بأن ينصتوا ، فيخطب الخليفة من المسطور على العادة ، وهي خطبة بليغة موافقة لذلك اليوم ، فإذا فرغ ألقى كل من في يده من اللواء شيء خارج المنبر ، فينكشفون وينزلون أوّلا فأوّلا ، الأقرب فالأقرب إلى القهقرى فإذا خلا المنبر منهم ، قام الخليفة هابطا ، ودخل إلى المكان الذي خرج منه ، فلبث يسيرا وركب في زيه

__________________

(١) صاحب الباب : هي ثاني رتبة الوزارة وكان يقال لها الوزارة الصغرى وصاحبها يقرب من النائب الكافل في زماننا وهو الذي ينظر في المظالم (صبح الأعشى ٣ / ٥٥٤).

(٢) صاحب دفتر المجلس : هو المتحدث على الدواوين الجامعة لأمور الخلافة وكان لصاحب الدفتر مائة دينار شهريا ويعتبر من حاشية الخليفة ويكون من الأستاذين المحنكين. صبح الأعشى ٣ / ٤٨١.

٣٧٤

المفخم وعاد من طريقه بعينها إلى إن يصل إلى قريب القصر ، فيتقدّمه الوزير كما شرحنا ، ثم يدخل من باب العيد ، فيجلس في الشباك ، وقد نصب منه إلى فسقية كانت في وسط الإيوان مقدار عشرين قصبة سماط من الخشكنان والبسندود والبرماورد (١) مثل الجبل الشاهق ، وفيه القطعة وزنها من ربع قنطار إلى رطل ، فيدخل ذلك الجمع إليه ، ويفطر منه من يفطر ، وينقل منه من ينقل ، ويباح ولا يحجر عليه ، ولا مانع دونه ، فيمرّ ذلك بأيدي الناس وليس هو مما يعتدّ به ولا يعبئ مما يفرّق للناس ، ويحمل إلى دورهم ، ويعمل في هذا اليوم سماط من الطعام في القاعة يحضر عليه الخليفة والوزير ، فإذا انقضى ذو القعدة ، وهلّ هلال ذي الحجة ، اهتمّ بركوب عيد النحر ، فيجري حاله كما جرى في عيد الفطر من الزي والركوب إلى المصلى ، ويكون لباس الخليفة فيه الأحمر الموشح ، ولا ينخرم منه شيء ، انتهى.

وصعد مرّة الخليفة الحافظ لدين الله أبو الميمون عبد المجيد المنبر يوم عيد ، فوقف الشريف ابن أنس الدولة بإزائه ، وقال مشيرا إلى الحاضرين :

خشوعا فإنّ الله هذا مقامه

وهمسا فهذا وجهه وكلامه

وهذا الذي في كل وقت بروزه

تحياته من ربنا وسلامه

فضرب الحافظ الجانب الأيسر من المنبر ، فرقي إليه زمام القصر ، فقال له : قل للشريف حسبك ، قضيب حاجتك ، ولم يدعه يقول شيئا آخر ، وكانت تكبت المخلقات بركوب أمير المؤمنين لصلاة العيد ، ويبعث بها إلى الأعمال.

فمما كتب به من إنشاء ابن الصيرفي : أمّا بعد ، فالحمد لله الذي رفع بأمير المؤمنين ، عماد الإيمان ، وثبت قواعده وأعز بخلافته معتقده ، وأذل بمعابته معانده ، وأظهر من نوره مان انبسط في الآفاق ، وزال معه الإظلام ، ونسخ به ما تقدّمه من الملل ، فقال : إنّ الدين عند الله الإسلام ، وجعل المعتصم بحبله مفضلا على من يفاخره ، ويباهيه وأوجب دخول الجنة ، وخلودها لمن عمل بأوامره ونواهيه ، وصلى الله على سيدنا محمد نبيه الذي اصطفى له الدين وبعثه إلى الأقربين والأبعدين ، وأيده في الإرشاد حتى صار العاصي مطيعا ، ودخل الناس في التوحيد فرادى وجميعا ، وغدوا بعروته الوثقى متمسكين ، وأنزل عليه قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا ، وما كان من المشركين ، وعلى أخيه وابن عمه أبينا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب إمام الأمّة ، وكاشف الغمة ، وأوجه الشفعاء لشيعته يوم العرض ، ومن الإخلاص في ولائه قيام بحق وأداء فرض ، وعلى الأئمة من ذريتهما سادة البرية ، والعادلين في القضية ، والعاملين بالسيرة المرضية ، وسلم وكرم ،

__________________

(١) البرماورد : طعام يسمى لقمة القاضي وفخذ الست ولقمة الخليفة وهو مصنوع من اللحم المقلي بالزبد والبيض. (مصطلحات محمد رمزي).

٣٧٥

وشرّف وعظم وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك يوم الثلاثاء : عيد الفطر من سنة ست وثلاثين وخمسمائة ، وقد كان من قيام أمير المؤمنين بحقه وأدائه ، وجريه في ذلك على عادته ، وعادة من قبله من آبائه ، ما ينبئك به ، ويطلعك على مستوره عنك ومغيبه ، وذلك أن دنس ثوب الليل لما بيضه الصباح ، وعاد المحرّم المحظور بما أطلقه المحلل المباح ، توجهت عساكر أمير المؤمنين من مظانها إلى بابه ، وأفطرت بين يديه بعد ما حازته من أجر الصيام وثوابه ، ثم انثنت إلى مصافها في الهيئات ، التي يقصر عنها تجريد الصفات ، وتغني مهابتها عن تجريد المرهفات ، وتشهد أسلحتها وعددها بالتنافس في الهمم ، وتلق مواضيها في أغمادها شوقا إلى الطلى والقمم ، وقد امتلأت الأرض بازدحام الرجل والخيل ، وثار العجاج فلم ير أغرب من اجتماع النهار والليل ، وبرز أمير المؤمنين من قصوره ، وظهر للأبصار على أنه محتجب بضيائه ونوره ، وتوجه إلى المصلى في هدي جدّه وأبيه ، والوقار الذي ارتفع فيه عن النظير والشبيه ، ولما انتهى إليه قصد المحراب واستقبله ، وأدّى الصلاة على وضع رضيه الله وتقبله ، وأجرى أمرها على أفضل المعهود ، ووفاها حقها من القراءة والتكبير والركوع والسجود ، وانتهى إلى المنبر ، فعلا وكبر الله ، وهلله على ما أولاه ، وذكر الثواب على إخراج الفطرة وبشر به ، وإنّ المسارعة إليه من وسائل المحافظة على الخير وقربه ، ووعظ وعظا ينتفع قابله في عاجلته ومنقلبه ، ثم عاد إلى قصوره الزاهرة مشمولا بالوقاية ، مكنوفا بالكفاية ، منتهيا في إرشاد عبيده ، ورعاياه أقصى الغاية ، أعلمك أمير المؤمنين خبر هذا اليوم ، لتعلم منه ما تسكن إليه وتعلن بتلاوته على الكافة ليشتركوا في معرفته ، ويشكروا الله عليه ، فاعلم هذا ، واعمل به إن شاء الله تعالى. وكان من أهل برقة طائفة تعرف بصبيان الخف لها إقطاعات وجرايات ، وكسوات ورسوم فإذا ركب الخليفة في العيدين مدّوا حبلين مسطوحين من أعلى باب النصر إلى الأرض حبلا عن يمين الباب ، وحبلا عن شماله ، فإذا عاد الخليفة من المصلى ، نزل على الحبلين طائفة من هؤلاء على أشكال خيل من خشب ، مدهون وفي أيديهم رايات ، وخلف كل واحد منهم رديف ، وتحت رجليه آخر معلق بيديه ورجليه ، ويعملون أعمالا تذهل العقول ، ويركب منهم جماعة في الموكب على خيول ، فيركضون وهم يتقلبون عليها ، ويخرج الواحد منهم من تحت إبط الفرس ، وهو يركض ، ويعود يركب من الجانب الآخر ، ويعود ، وهو على حاله لا يتوقف ، ولا يسقط منه شيء إلى الأرض ، ومنهم من يقف على ظهر الحصان ، فيركض به ، وهو واقف.

ذكر القصر الصغير الغربي

وكان تجاه القصر الكبير الشرقيّ الذي تقدّم ذكره في غريبه قصر آخر صغير يعرف بالقصر الغربي ، ومكانه الآن حيث المارستان المنصوري ، وما في صفّه من المدارس ، ودار الأمير بيسري ، وباب قبو الخرنشف ، وربع الملك الكامل المطل على سوق الدجاجين اليوم المعروف قديما بالتبانين ، وما يجاوره من الدرب المعروف اليوم بدرب الخضيري تجاه

٣٧٦

الجامع الأقمر ، وما وراء هذه الأماكن إلى الخليج ، وكان هذا القصر الغربيّ يعرف أيضا بقصر البحر والذي بناه العزيز بالله نزار بن المعز.

قال المسبحي : ولم يبن مثله في شرق ، ولا في غرب.

وقال ابن أبي طيّ في أخبار سنة سبع وخمسين وأربعمائة ، ففيها تمم الخليفة المستنصر بناء القصر الغربيّ ، وسكنه ، وغرم عليه ألفي ألف دينار وكان ابتداء بنيانه في سنة خمسين وأربعمائة ، وكان سبب بنائه أنه غرم على أن يجعله منزلا للخليفة القائم بأمر الله صاحب بغداد ، ويجمع بني العباس إليه ، ويجعله كالمجلس لهم ، فخانه أمله ، وتممه في هذه السنة ، وجعله لنفسه وسكنه.

وقال ابن ميسر : إن ست الملك أخت الحاكم كانت أكبر من أخيها الحاكم ، وإنّ والدها العزيز بالله كان قد أفردها بسكنى القصر الغربيّ ، وجعل لها طائفة برسمها كانوا يسمون : بالقصرية ، وهذا يدلك على أنّ القصر الغربيّ كان قد بنى قبل المستنصر ، وهو الصحيح ، وكان هذا القصر يشتمل أيضا على عدّة أماكن :

الميدان : وكان بجوار القصر الغربيّ ، ومن حقوقه الميدان ، ويعرف هذا الميدان اليوم بالخرنشف واصطبل القطبية.

البستان الكافوري : وكان من حقوق القصر الصغير الغربيّ : البستان الكافوريّ ، وكان بستانا أنشأه الأمير أبو بكر محمد بن طفج بن جف الإخشيد أمير مصر ، وكان مطلا على الخليج ، فاعتنى به الإخشيد ، وجعل له أبوابا من حديد ، وكان ينزل به ، ويقيم فيه الأيام ، واهتمّ بشأنه من بعد الإخشيد ابناه : الأمير أبو القاسم أونوجور بن الإخشيد ، والأمير أبو الحسن عليّ بن الإخشيد في أيام إمهارتهما بعد أبيهما ، فلما استبدّ من بعدهما الأستاذ أبو المسك كافور الإخشيديّ بإمارة مصر كان كثيرا ما يتنزه به ، ويواصل الركوب إلى الميدان الذي كان فيه وكانت خيوله بهذا الميدان.

فلما قدم القائد جوهر من المغرب بجيوش مولاه المعز لدين الله لأخذ ديار مصر ، أناخ بجوار هذا البستان ، وجعله من جملة القاهرة ، وكان منتزها للخلفاء الفاطميين مدّة أيامهم ، وكانوا يتوصلون إليه من سراديب مبنية تحت الأرض ، ينزلون إليها من القصر الكبير الشرقيّ ، ويسيرون فيها بالدواب إلى البستان الكافوريّ ، ومناظر اللؤلؤة ، بحيث لا تراهم الأعين ، وما زال البستان عامرا إلى أن زالت الدولة ، فحكر وبنى فيه في سنة إحدى وخمسين وستمائة ، كما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى ، عند ذكر الحارات والخطط من هذا الكتاب ، وأما الأقباء والسراديب ، فإنها عملت أسربة للمراحيض ، وهي باقية إلى يومنا هذا تصب في الخليج.

٣٧٧

القاعة : وكان من جملة القصر الغربيّ قاعة كبيرة هي الآن المارستان المنصوري ، حيث المرضى ، كانت سكن ست الملك أخت الحاكم بأمر الله ، وكانت أحوالها متسعة جدّا.

قال في كتاب الذخائر والتحف : وأهدت السيدة الشريفة ست الملك أخت الحاكم بأمر الله إلى أخيها يوم الثلاثاء التاسع من شعبان سنة سبع وثمان وثلثمائة : هدايا من جملتها : ثلاثون فرسا بمركبها ذهبا ، منها : مركب واحد مرصع ، ومركب من حجر البلور وعشرون بغلة بسروحها ولحمها ، وخمسون خادما منهم عشرة صقالبة ، ومائة تخت من أنواع الثياب ، وفاخرها ، وتاج مرصع بنفيس الجوهر ، وبديعه وشاشية مرصعة ، وأسفاط كثيرة من طيب من سائر أنواعه ، وبستان من الفضة مزروع من أنواع الشجر.

قال : وخلفت حين ماتت في مستهل جمادى الآخرة من سنة خمس وعشرين وأربعمائة ما لا يحصى كثرة ، وكان إقطاعها في كل سنة يغل خمسين ألف دينار ، ووجد لها بعد وفاتها ثمانية آلاف جارية منها بنيات ألف وخمسمائة ، وكانت سمحة نبيلة كريمة الأخلاق والفعل ، وكان في جملة موجودها نيف وثلاثون زيرا صينيا مملوءا جميعها مسكا مسحوقا ، ووجد لها جوهر نفيس من جملته قطعة ياقوت ذكر أن فيها عشرة مثاقيل.

قال المسبحيّ : ولدت بالمغرب في ذي القعدة سنة خمس وثلثمائة ، ولما زالت الدولة عرفت هذه الدار : بالأمير فخر الدين جهاركس (١) موسك ثم بالملك المفضل قطب الدين (٢) بن الملك العادل ، فلما كان في شهر ربيع الآخر من سنة ثلاث وثمانين وستمائة ، شرع الملك المنصور قلاون الألفي في بنائها مارستانا ، ومدرسة وتربة ، وتولى عمارتها الأمير علم الدين سنجر الشجاعيّ ، مدبر الممالك ، ويقال : إن ذرع هذه الدار عشرة آلاف وستمائة ذراع.

أبواب القصر الغربيّ

كان لهذا القصر عدّة أبواب : منها : باب الساباط ، وباب التبانين ، وباب الزمرّذ.

باب الساباط : هذا الباب موضعه الآن باب سرّ المارستان المنصوري الذي يخرج منه الآن إلى الخرنشف وكان من الرسم ، أن يذبح في باب الساباط المذكور ، مدّة أيام النحر ، وفي عيد الغدير عدّة ذبائح تفرّق على سبيل الشرف.

قال ابن المأمون : في سنة ست عشرة وخمسمائة ، وجملة ما نحره الخليفة الآمر بأحكام الله ، وذبحه خاصة في المنحر ، وباب الساباط دون المأمون ، وأولاده وإخوته في ثلاثة الأيام : ألف وسبعمائة وستة وأربعون رأسا ، فذكر ما كان بالمنحر قال : وفي باب

__________________

(١) بياض بالأصل.

(٢) بياض بالأصل.

٣٧٨

الساباط مما يحمل إلى من حوته القصور ، وإلى دار الوزارة ، والأصحاب والحواشي اثنتا عشرة ناقة ، وثمانية عشر رأس بقر ، وخمسة عشر رأس جاموس ، ومن الكباش : ألف وثمانمائة رأس ، ويتصدّق كل يوم في باب الساباط بسقط ما يذبح من النوق والبقر.

وقال ابن عبد الظاهر : كان في القصر باب يعرف بباب الساباط ، كان الخليفة في العبيد يخرج منه إلى الميدان ، وهو الخرنشف الآن لينحر فيه الضحايا.

باب التبانين : هذا الباب ، مكان باب الخرنشف الآن ، وجعل في موضعه دار العلم التي بناها الحاكم الآتي ذكرها إن شاء الله تعالى.

باب الزمرّذ : كان موضع اصطبل القطبية قريبا من باب البستان الكافوريّ الموجود الآن.

ذكر دار العلم

وكان بجوار القصر الغربيّ من بحريه دار العلم ، ويدخل إليها من باب التبانين الذي هو الآن يعرف : بقبو الخرنشف ، وصار مكان دار العلم الآن ، الدار المعروفة : بدار الخضيري الكائنة بدرب الخضيري المقابل للجامع الأقمر ودار العلم هذه ، اتخذها الحاكم بأمر الله ، فاستمرّت إلى أن أبطلها الأفضل بن أمير الجيوش.

قال الأمير المختار عز الملك محمد بن عبد الله المسبحيّ : وفي يوم السبت هذا يعني العاشر من جمادى الآخرة سنة خمس وتسعين وثلثمائة : فتحت الدار الملقبة بدار الحكمة بالقاهرة ، وجلس فيها الفقهاء ، وحملت الكتب إليها من خزائن القصور المعمورة ودخل الناس إليها ، ونسخ كل من التمس نسخ شيء مما فيها مما التمسه ، وكذلك من رأى قراءة شيء مما فيها ، وجلس فيها القرّاء والمنجمون ، وأصحاب النحو واللغة ، والأطباء بعد أن فرشت هذه الدار ، وزخرفت وعلقت على جميع أبوابها وممرّاتها الستور ، وأقيم قوّام وخدّام وفرّاشون ، وغيرهم وسموا بخدمتها ، وحصل في هذه الدار من خزائن أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله من الكتب التي أمر بحملها إليها من سائر العلوم ، والآداب والخطوط المنسوبة ما لم ير مثله مجتمعا لأحد قط من الملوك.

وأباح ذلك كله لسائر الناس ، على طبقاتهم ممن يؤثر قراءة الكتب ، والنظر فيها فكان ذلك من المحاسن المأثورة أيضا ، التي لم يسمع بمثلها من إجراء الرزق السنيّ ، لمن رسم له بالجلوس فيها ، والخدمة لها من فقيه وغيره ، وحضرها الناس على طبقاتهم ، فمنهم من يحضر لقراءة الكتب ، ومنهم من يحضر للنسخ ، ومنهم من يحضر للتعلم ، وجعل فيها ما يحتاج الناس إليه من الحبر ، والأقلام ، والورق والمحابر ، وهي الدار المعروفة بمختار الصقلبيّ. قال : وفي سنة ثلاث وأربعمائة : أحضر جماعة من دار العلم من أهل الحساب

٣٧٩

والمنطق وجماعة من الفقهاء منهم : عبد الغنيّ بن سعيد ، وجماعة من الأطباء إلى حضرة الحاكم بأمر الله ، وكانت كل طائفة تحضر على انفرادها للمناظرة بين يديه ، ثم خلع على الجميع ووصلهم ، ووقف الحاكم بأمر الله أماكن في فسطاط مصر على عدّة مواضع ، وضمنها كتابا ثبت على قاضي القضاة : مالك بن سعيد ، وقد ذكر عند ذكر الجامع الأزهر ، وقال فيه : وقد ذكر دار العلم ، ويكون العشر وثمن العشر لدار الحكمة لما يحتاج إليه في كل سنة من العين المغربيّ : مائتان وسبعة وخمسون دينارا ، من ذلك الثمن الحصر العبدانيّ ، وغيرها لهذه الدار عشرة دنانير ، ومن ذلك لورق الكاتب يعني الناسخ تسعون دينارا ، ومن ذلك للخازن بها ثمانية وأربعون دينارا ، ومن ذلك لثمن الماء اثنا عشر دينارا ، ومن ذلك للفرّاش خمسة عشر دينارا ، ومن ذلك للورق والحبر ، والأقلام لمن ينظر فيها من الفقهاء اثنا عشر دينارا ، ومن ذلك لمرمّة الستارة : دينار واحد ، ومن ذلك لمرمة ما عسى أن يتقطع من الكتب وما عساه أن يسقط من ورقها : اثنا عشر دينارا ، ومن ذلك لثمن لبود للفرش في الشتاء خمسة دنانير ، ومن ذلك لثمن طنافس في الشتاء أربعة دنانير.

وقال ابن المأمون : وفي هذا الشهر يعني شهر ذي الحجة سنة ست عشرة وخمسمائة جرت نوبة القصار ، وهي طويلة ، وأوّلها من الأيام الأفضلية ، وكان فيهم رجلان يسمى أحدهما : بركات ، والآخر : حميد بن مكيّ الإطفيحيّ القصار ، مع جماعة يعرفون بالبديعية ، وهم على الإسلام والمذاهب الثلاثة المشهورة ، وكانوا يجتمعون في دار العلم بالقاهرة ، فاعتمد بركات من جملتهم أن استفسد عقول جماعة ، وأخرجهم عن الصواب ، وكان ذلك في أيام الأفضل فأمر للوقت بغلق دار العلم ، والقبض على المذكور ، فهرب ، وكان من جملة من استفسد عقله بركات المذكور : أستاذان من القصر.

فلما طلب بركات المذكور ، واستتر دقق الأستاذان الحيلة إلى أن دخلاه عندهما في زيّ جارية اشترياها ، وقاما بحقه ، وجميع ما يحتاج إليه ، وصار أهله يدخلون إليه في بعض الأوقات ، فمرض بركات عند الأستاذين ، فحارا في أمره ومداواته ، وتعذر عليهما إحضار طبيب له ، واشتدّ مرضه ، ومات ، فأعملا الحيلة ، وعرّفا زمام القصر ، أنّ إحدى عجائزهما قد توفيت ، وأن عجائزهما يغسلنها على عادة القصور ، ويشيعنها إلى تربة النعمان بالقرافة ، وكتبا عدّة من يخرج ، ففسح لهما في العدّة ، وأخذا في غسله ، وألبساه ما أخذاه من أهله ، وهو ثياب معلمة ، وشاشية ومنديل ، وطيلسان مقوّر ، وأدرجوه في الديبقيّ ، وتوجه مع التابوت الأستاذان المشار إليهما ، فلما قطعوا به بعض الطريق أرادا تكميل الأجر له على قدر عقولهما ، فقالا للحمالين : هو رجل تربيته عندنا فنادوا عليه : نداء الرجال ، واكتموا الحال ، وهذه أربعة دنانير لكم ، فسرّ الحمالون بذلك ، فلما عادوا إلى صاحب الدكان عرّفوه بما جرى ، وقاسموه الدنانير ، فخافت نفسه ، وعلم أنها قضية لا تخفى ، فمضى بهم إلى الوالي ، وشرح له القضية فأودعهم في الاعتقال ، وأخذ الذهب منهم ، وكتب مطالعة بالحال.

٣٨٠