كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٢

تقي الدين احمد بن علي المقريزي

كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٢

المؤلف:

تقي الدين احمد بن علي المقريزي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

عليها الخليفة والوزير ، ثم أكابر الدولة ، وهو بين الأستاذين المحنكين ، فيقدّم الفرّاشون له إلى المصطبة رأسا ، ويكون بيده حربة ، من رأسها الذي لا سنان فيه ويد قاضي القضاة في أصل سنانها ، فيجعله القاضي في نحر النحيرة ، ويطعن بها الخليفة ، وتجرّ من بين يديه ، حتى يأتي على العدّة المذكورة ، فأوّل نحيرة هي التي تقدّد ، وتسير إلى داعي اليمن ، وهو الملك فيه ، فيفرّقها على المعتقدين من وزن نصف درهم إلى ربع درهم ، ثم يعمل ثاني يوم كذلك فيكون عدد ما ينحر : سبعا وعشرين ، ثم يعمل في اليوم الثالث كذلك وعدّة ما ينحر ثلاث وعشرون.

هذا : وفي مدّة هذه الأيام الثلاثة يسير رسم الأضحية إلى أرباب الرتب والرسوم كما سيرت الغرّة في أوّل السنة من الدنانير بغير رباعية ، ولا قراريط على مثال الغرّة من عشرة دنانير إلى دينار ، وأما لحم الجزور ، فإنه يفرّق في أرباب الرسوم للتبرّك في أطباق مع أدوان الفرّاشين ، وأكثر ذلك تفرقة قاضي القضاة وداعي الدعاة للطلبة بدار العلم ، والمتصدّرين بجوامع القاهرة ، ونقباء المؤمنين بها من الشيعة للتبرّك ، فإذا انقضى ذلك خلع الخليفة على الوزير ثيابه الحمر التي كانت عليه ، ومنديلا آخر بغير السمة ، والعقد المنظوم من القصر عند عود الخليفة من المنحر ، فيركب الوزير من القصر بالخلع المذكورة شاقا القاهرة ، فإذا خرج من باب زويلة انعطف على يمينه سالكا على الخليج ، فيدخل من باب القنطرة إلى دار الوزارة ، وبذلك انفصال عيد النحر.

وقال ابن أبي طيّ : عدّة ما يذبح في هذا العيد في ثلاثة أيام النحر ، وفي يوم عيد الغدير : ألفان وخمسمائة وأحد وستون رأسا ، وتفصيله : نوق مائة وسبعة عشر رأسا ، بقر أربعة وعشرون رأسا ، جاموس عشرون رأسا ، هذا الذي ينحره الخليفة ، ويذبحه بيده في المصلى ، والمنحر ، وباب الساباط ، ويذبح الجزارون بين يديه من الكباش ألفا وأربعمائة رأس.

وقال ابن عبد الظاهر : كان الخليفة ينحر بالمنحر : مائة رأس ، ويعود إلى خزانة الكسوة فيغير قماشه ، ويتوجه إلى الميدان ، وهو الخرنشف (١) بباب الساباط للنحر والذبح ، ويعود بعد ذلك إلى الحمام ويغير ثيابه للجلوس على الأسمطة ، وعدّة ما يذبحه ألف وسبعمائة وستة وأربعون رأسا : مائة وثلاث عشر ناقة والباقي بقر وغنم.

قال ابن الطوير : وثمن الضحايا على ما تقرّر ما يقرب من ألفي دينار ، وكانت تخرج المخلقات إلى الأعمال بشائر بركوب الخليفة في يوم عيد النحر.

__________________

(١) الخرنشف : هو ما يتحجر مما يوقد به على مياه الحمامات من الأزبال وغيرها. وهذه الحارة كانت ميدانا للخلفاء وهي إحدى حارات القاهرة (مصطلحات محمد رمزي).

٣٤١

فمما كتب به الأستاذ البارع أبو القسم عليّ بن منجيب بن سليمان الكاتب المعروف: بابن الصيرفيّ المنعوت : بتاج الرياسة ، أما بعد : فالحمد لله الذي رفع منار الشرع ، وحفظ نظامه ونشر راية هذا الدين ، وأوجب إعظامه ، وأطلع بخلافة أمير المؤمنين كواكب سعوده ، وأظهر للمؤالف والمخالف عزة أحزابه وقوّة جنوده ، وجعل فرعه ساميا ناميا ، وأصله ثابتا راسخا ، وشرّفه على الأديان بأسرها وكان لعراها فاصما ولأحكامها ناسخا ، يحمده أمير المؤمنين أن الزم طاعته الخليقة ، وجعل كراماته الأسباب الجديرة بالإمارة الخليقة ، ويرغب إليه في الصلاة على جدّه محمد الذي حاز الفخار أجمعه ، وضمن الجنة لمن آمن به واتبع النور الذي أنزل معه ، ورفعه إلى أعلى منزلة تخير له منها المحل ، وأرسله بالهدى ودين الحق ، فزهق الباطل ، وخمدت ناره واضمحل ، صلى الله عليه ، وعلى أخيه وابن عمه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب خير الأمّة وإمامها ، وحبر الملة وبدر تمامها ، والموفي يومه في الطاعات على ماضي أمسه ، ومن أقامه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المباهلة مقام نفسه ، واختصه بأبعد غاية في سورة براءة ، فنادى في الحج بأوّلها ، ولم يكن غيره ينفذ نفاذه ولا يسدّ مكانه ، لأنه قال : «لا يبلغ عني إلّا رجل من أهل بيتي» عملا في ذلك بما أمر الله به سبحانه ، وعلى الأئمة من ذريتهما خلفاء الله في أرضه ، والقائمين في سياسة خلقه بصريح الإيمان ومحضه ، والمحكمين من أمر الدين ما لا وجه لحله ، ولا سبيل إلى نقضه ، وسلم عليهم أجمعين سلاما يتصل دوامه ، ولا يخشى انصرامه ، ومجد وكرّم ، وشرّف وعظم ، وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك يوم الأحد عيد النحر من سنة ست وثلاثين وخمسمائة الذي تبلج فجره عن سيئات محصت ، ونفوس من آثار الذنوب خلصت ، ورحمة امتدّت ظلالها وانتشرت ومغفرة هنأت ونشرت ، وكان من خبر هذا اليوم : أن أمير المؤمنين برز لكافة من بحضرته من أوليائه ، متوجها لقضاء حق هذا العيد السعيد وأدائه ، في عترة راسخة قواعدها متمكنة ، وعساكر جمة تضيق عنها ظروف الأمكنة ، ومواكب تتوالى كتوالي السيل ، وتهاب هيبة مجيئه في الليل ، بأسلحة تحسر لها الأبصار وتبرق وترتاع الأفئدة منها وتفرق ، فمن مشرفيّ إذا ورد تورّد ، ومن سمهريّ إذا قصد تقصد ، ومن عمد إذا عمدت تبرّأت المغافر من ضمانها ، ومن قسيّ إذا أرسلت بنانها وصلت إلى القلوب بغير استئذانها ، ولم يزل سائرا في هدي الإمامة وأنوارها ، وسكينة الخلافة ووقارها ، إلى أن وصل إلى المصلى قدام المحراب ، وأدّى الصلاة إذ لم يكن بينه وبين التقبيل حجاب ، ثم علا المنبر فاستوى على ذروته ، ثم هلل الله وكبر ، وأثنى على عظمته وأحسن إلى الكافة بتبليغ موعظته ، وتوجه إلى ما أعدّ من البدن فنحره تكميلا لقربته ، وانتهى في ذلك إلى ما أمر الله عزوجل ، وعاد إلى قصوره المكرّمة ، ومنازله المقدّسة ، قد رضي الله عمله ، وشكر فعله وتقبله ، أعلمك أمير المؤمنين بذلك ، لتشكر الله على النعمة فيه ، وتذيعه قبلك على الرسم مما تجاريه ، فاعلم هذا ، واعمل به إن شاء الله تعالى.

٣٤٢

ذكر دار الوزارة الكبرى

وكان بجوار هذا القصر الكبير الشرقيّ تجاه رحبة باب العيد ، دار الوزارة الكبرى ، ويقال لها : الدار الأفضلية والدار السلطانية.

قال ابن عبد الظاهر : دار الوزارة بناها : بدر الجماليّ أمير الجيوش ، ثم لم يزل يسكنها من يلي إمرة الجيوش إلى أن انتقل الأمر عن المصريين ، وصار إلى بني أيوب ، فاستقرّ سكن الملك الكامل بقلعة الجبل خارج القاهرة ، وسكنها السلطان الملك الصالح ولده ، ثم أرصدت دار الوزارة لمن يرد من الملوك ، ورسل الخليفة إلى هذا الوقت ، وكانت دار الوزارة قديما تعرف بدار القباب ، وأضافها الأفضل إلى دور بني هريسة ، وعمرها دارا وسماها دار الوزارة ، انتهى.

والذي تدل عليه كتب ابتياعات الأملاك القديمة التي بتلك الخطة أنها من بناء الأفضل ، لا من عمارة أبيه بدر ، والدار التي عمرها أمير الجيوش بدر هي داره : بحارة برجوان التي قيل لها دار المظفر ، وما زال وزراء الدولة الفاطمية أرباب السيوف من عهد الأفضل بن أمير الجيوش يسكنون بدار الوزارة هذه إلى أن زالت الدولة فاستقرّ بها السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ، وابنه من بعده : الملك العزيز عثمان ، ثم ابنه الملك المنصور ، ثم الملك العادل أبو بكر بن أيوب ، ثم ابنه الملك الكامل ، وصاروا يسمونها الدار السلطانية ، وأوّل من انتقل عنها من الملوك ، وسكن بالقلعة الملك الكامل ناصر الدين محمد ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب ، وجعلها منزلا للرسل ، فلما ولي قطز سلطنة ديار مصر ، وتلقب بالملك العادل في سنة سبع وخمسين وستمائة ، وحضر إليه البحرية وفيهم بيبرس البندقداريّ ، وقلاون الألفيّ من الشام ، خرج الملك العادل قطز إلى لقائهم ، وأنزل الأمير ركن الدين بيبرس بدار الوزارة ، فلم يزل بها ، حتى سافر صحبة قطز إلى الشام ، وقتله وعاد إلى مصر فتسلطن ، وسكن بقلعة الجبل. وفي سنة ثلاث وتسعين وستمائة ، لما قتل الأشرف خليل بن قلاون في واقعة بيدرا (١) ، ثم قتل بيدرا ، وأجلس الملك الناصر محمد علي تخت الملك ، وثارت الأشرفية من المماليك على الأمراء ، وقتل من قتل منهم ، خاف بقية الأمراء من شرّ المماليك الأشرفية ، فقبض منهم على نحو الستمائة مملوك ، وأنزل بهم من القلعة ، وأسكن منهم نحو : الثلاثمائة بدار الوزارة ، وأسكن منهم كثير في مناظر الكبش ، وأجريت عليهم الرواتب ، ومنعوا من الركوب إلى أن كان من أمرهم ما هو مذكور في موضعه من هذا الكتاب.

__________________

(١) هو الأمير بدر الدين بيدرا الذي تولى قتل السلطان خليل بن قلاوون غيلة ثم بايعه الأمراء بعد ذلك بالسلطنة سنة ٦٩٣ ه‍ وهو من المماليك. النجوم الزاهرة ج ٨ / ١٦.

٣٤٣

ولما كانت سنة سبعمائة : أخذ الأمير شمس الدين قرا سنقر المنصوري نائب السلطنة في أيام الملك المنصور حسام الدين لاجين : قطعة من دار الوزارة ، فبنى بها الربع المقابل خانقاه سعيد السعداء ، ثم بنى المدرسة المعروفة : بالقراسنقرية ، ومكتب الأيتام ، فلما كانت دولة البرجية بنى الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير : الخانقاه الركنية ، والرباط بجانبها من جملة دار الوزارة ، وذلك في سنة تسع وسبعمائة ، ثم استولى الناس على ما بقي من دار الوزارة ، وبنوا فيها ، فمن حقوقها الربع تجاه الخانقاه الصلاحية دار سعيد السعداء ، والمدرسة القراسنقرية ، وخانقاه ركن الدين بيبرس ، وما بجوارها من دار قزمان ودار الأمير شمس الدين سنقر الأعسر الوزير ، المعروفة : بدار خوند طولوباي الناصرية ، جهة الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاون ، وحمام الأعسر التي بجانبها ، والحمام المجاور لها ، وما وراء هذه الأماكن من الآدر وغيرها. وهي الفرن والطاحون التي قبليّ المدرسة القراسنقرية ، ومن الآدر والخربة التي قبليّ ربع قراسنقر ، وما جاور باب سرّ المدرسة القراسنقرية من الآدر ، وخربة أخرى هناك ، والدار الكبرى المعروفة بدار الأمير سيف الدين برلغي الصغير صهر الملكك المظفر بيبرس الجاشنكير المعروفة اليوم : بدار الغزاوي ، وفيها السرداب الذي كان رزيك بن الصالح رزيك فتحه في أيام وزارته من دار الوزارة إلى سعيد السعداء ، وهو باق إلى الآن في صدر قاعتها ، وذكر أنّ فيه حية عظيمة ، ومن حقوق دار الوزارة المناخ المجاور لهذه القاعة ، وكان على دار الوزارة : سور مبنيّ بالحجارة وقد بقي الآن منه قطعة في حدّ دار الوزارة الغربيّ ، وفي حدّها القبليّ ، وهو الجدار الذي فيه باب الطاحون والساقية تجاه باب سعيد السعداء من الزقاق الذي يعرف اليوم : بخرائب تتر ، ومنه قطعة في حدّها الشرقيّ عند باب الحمام ، والمستوقد بباب الجوّانية ، وكان بدار الوزارة هذا الشباك الكبير المعمول من الحديد في القبة التي دفن تحتها بيبرس الجاشنكير من خانقاهه ، وهو الشباك الذي يقرأ فيه القرّاء ، وكان موضوعا في دار الخلافة ببغداد يجلس فيه الخلفاء من بني العباس.

فلما استولى الأمير أبو الحرث البساسيري (١) على بغداد ، وخطب فيها للخليفة المستنصر بالله الفاطميّ أربعين جمعة ، وانتهب قصر الخلافة ، وصار الخليفة القائم بأمر الله العباسيّ إلى عانة ، وسير البساسيريّ الأموال ، والتحف من بغداد إلى المستنصر بالله بمصر في سنة سبع وأربعين وأربعمائة : كان من جملة ما بعث به منديل الخليفة القائم بأمر الله الذي عممه بيده في قالب من رخام ، قد وضع فيه كما هو حتى لا تتغير شدّته ، ومع هذا المنديل رداءه ، والشباك الذي كان يجلس فيه ، ويتكئ عليه ، فاحتفظ بذلك إلى أن عمرت دار الوزارة على يد الأفضل بن أمير الجيوش ، فجعل هذا الشباك بها ، يجلس فيه الوزير ،

__________________

(١) سبقت ترجمته.

٣٤٤

ويتكئ عليه ، وما زال بها إلى أن عمر الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير الخانقاه الركنية ، وأخذ من دار الوزارة أنقاضا منها هذا الشباك ، فجعله في القبة ، وهو شباك جليل ، وأما العمامة والرداء: فما زالا بالقصر حتى مات العاضد ، وتملك السلطان صلاح الدين ديار مصر ، فسيرهما في جملة ما بعث من مصر إلى الخليفة المستضيء بالله العباسيّ ببغداد ، ومعهما الكتاب الذي كتبه الخليفة القائم على نفسه ، وأشهد عليه العدول فيه أنه لا حق لبني العباس ، ولا له من جملتهم في الخلافة مع وجود بني فاطمة الزهراء عليها‌السلام.

وكان البساسيريّ ألزمه حتى أشهد على نفسه بذلك ، وبعث بالأشهاد إلى مصر ، فأنفذه صلاح الدين إلى بغداد مع ما سير به من التحف التي كانت بالقصر ، وأخبرني شيخ معمر : يعرف بالشيخ عليّ السعوديّ ولد في سنة سبع وسبعمائة قال : رأيت مرّة ، وقد سقط من ظهر الرباط المجاور لخانقا هبيبرس من جملة ما بقي من سور دار الوزارة جانب ، ظهرت منه علبة فيها رأس إنسان كبير ، وعندي أن هذا الرأس من جملة رؤوس الأمراء البرقية الذين قتلهم ضرغام في أيام وزارته للعاضد بعد شاور ، فإنه كان عمل الحيلة عليهم بدار الوزارة ، وصار يستدعي واحدا بعد واحد إلى خزانة بالدار ، ويوهم أنه يخلع عليهم ، فإذا صار واحد منهم في الخزانة قتل ، وقطع رأسه ، وذلك في سنة ثمان وخمسين وخمسمائة ، وكانت دار الوزارة في الدولة الفاطمية تشتمل على عدّة قاعات ، ومساكن وبستان وغيره ، وكان فيها مائة وعشرون مقسما للماء الذي يجري في بركها ، ومطابخها ونحو ذلك.

ذكر رتبة الوزارة ، وهيئة خلعهم ، ومقدار جاريهم ، وما يتعلق بذلك

أما المعز لدين الله : أوّل الخلفاء الفاطميين بديار مصر ، فإنه لم يوقع اسم الوزارة على أحد في أيامه ، وأوّل من قيل له الوزير في الدولة الفاطمية ، الوزير يعقوب بن كاس وزير العزيز بالله أبي منصور نزار بن المعز ، وإليه تنسب الحارة الوزيرية ، كما ستقف عليه ، عند ذكر الحارات من هذا الكتاب ، فلما مات ابن كاس ، لم يستوزر العزيز بالله بعده أحدا ، وإنما كان رجل يلي الوساطة ، والسفارة ، فاستقرّ في ذلك جماعة كثيرة بقية أيام العزيز ، وسائر أيام ابنه أبي عليّ منصور الحاكم بأمر الله ، ثم ولي الوزارة : أحمد بن عليّ الجرجرأيّ في أيام الظاهر أبي هاشم عليّ بن الحاكم ، وما زال الوزراء من بعده واحدا بعد واحد ، وهم أرباب أقلام حتى قدم أمير الجيوش بدر الجماليّ.

قال ابن الطوير : وكان من زيّ هؤلاء الوزراء ، أنهم يلبسون المناديل الطبقيات بالأحناك تحت حلوقهم ، مثل العدول الآن ، وينفردون بلباس ثياب قصار ، يقال لها : الذراريع ، واحدها : ذراعة ، وهي مشقوقة أمام وجهه إلى قريب من رأس الفؤاد بأزرار وعرى ، ومنهم من تكون أزراره ممن ذهب مشبك ، ومنهم من أزراره لؤلؤ ، وهذه علامة الوزارة ، ويحمل له الدواة المحلاة بالذهب ، ويقف بين يديه الحجاب ، وأمره نافذ في أرباب

٣٤٥

السيوف من الأجناد وأرباب الأقلام ، وكان آخرهم الوزير : ابن المغربيّ الذي قدم عليه أمير الجيوش بدر الجماليّ من عكا ، ووزر للمستنصر : وزير سيف ، ولم يتقدّمه في ذلك أحد ، انتهى.

وترتيب وزارته بأن تكون وزارته وزارة صاحب سيف بأن تكون الأمور كلها مردودة إليه ، ومنه إلى الخليفة ، دون سائر خدمه ، فعقد له هذا العقد ، وأنشئ له السجل ، ونعت بالسيد الأجل أمير الجيوش ، وهو النعت الذي كان لصاحب ولاية دمشق وأضيف إليه : كافل قضاة المسلمين وهادي دعاة المؤمنين ، وجعل القاضي والداعي نائبين عنه ، ومقلدين من قبله.

وكتب له في سجله ، وقد قلدك أمير المؤمنين : جميع جوامع تدبيره ، وناط بك النظر في كل ما وراء سريره ، فباشر ما قلدك أمير المؤمنين من ذلك مدبرا للبلاد ، ومصلحا للفساد ، ومدمرا أهل العناد ، وخلع عليه بالعقد المنظوم بالجوهر مكان الطوق ، وزيد له الحنك مع الذؤابة المرخاة ، والطيلسان المقوزريّ قاضي القضاة ، وذلك في سنة سبع وستين وأربعمائة ، فصارت الوزارة من حينئذ وزارة تفويض ، ويقال لمتوليها : أمير الجيوش ، وبطل اسم الوزارة ، فلما قام شاهنشاه بن أمير الجيوش من بعد أبيه ، ومات الخليفة المستنصر ، ولقبه بالمستعلي ، صار يقال له : الأفضل ومن بعده صار من يتولى هذه الرتبة يتلقب به أيضا.

وأوّل من لقب بالملك منهم مضافا إلى بقية الألقاب : رضوان بن ولخشي ، عندما وزر للحافظ لدين الله ، فقيل له : السيد الأجل الملك الأفضل ، وذلك في سنة ثلاثين وخمسمائة ، وفعل ذلك من بعده ، فتلقب طلائع بن رزيك : بالملك المنصور ، وتلقب ابنه رزيك بن طلائع : بالملك العادل وتلقب شاور بالملك المنصور ، وتلقب آخرهم : صلاح الدين يوسف بن أيوب بالملك الناصر ، وصار وزير السيف من عهد أمير الجيوش بدر إلى آخر الدولة ، هو سلطان مصر ، وصاحب الحل والعقد ، وإليه الحكم في الكافة من الأمراء والأجناد ، والقضاة ، والكتاب ، وسائر الرعية ، وهو الذي يولي أرباب المناصب الديوانية ، والدينية ، وصار حال الخليفة معه كما هو حال ملوك مصر من الأتراك إذا كان السلطان صغيرا والقائم بأمره من الأمراء ، وهو الذي يتولى تدبير الأمور ، كما كان الأمير يلبغا الخاصكيّ مع الأشرف شعبان ، وكما أدركنا الأمير برقوق قبل سلطنته مع ولدي الأشرف ، وكما كان الأمير أيتمش مع الملك الناصر فرج بعد موت الظاهر برقوق.

قال ابن أبي طي : وكانت خلعهم يعني الخلفاء الفاطميين على الأمراء : الثياب الديبقيّ ، والعمائم الصب بالطراز الذهب ، وكان طراز الذهب ، والعمامة من خمسمائة دينار ، ويخلع على أكابر الأمراء : الأطواق الذهب ، والأسورة والسيوف المحلاة ، وكان يخلع على الوزير عوضا عن الطوق عقد جوهر.

٣٤٦

قال ابن الطوير (١) : وخلع عليه ، يعني على أمير الجيوش بدر الجماليّ بالعقد المنظوم بالجوهر مكان الطوق ، وزيد له الحنك ، مع الذؤابة المرخاة ، والطيلسان المقوّر زي قاضي القضاة ، وهذه الخلع تشابه خلع الوزراء ، وأرباب الأقلام في زمننا هذا ، غير أنه لقصور أحوال الدولة جعل عوض العقد الجوهر الذي كان للوزير ، ويفك بخمسة آلاف مثقال ذهبا قلادة من عنبر مغشوش يقال لها : العنبرية ، ويتميز بها الوزير خاصة ، ويلبس أيضا : الطيلسان المقوّر ، ويسمى اليوم : بالطرحة ، ويشاركه فيها جميع أرباب العمائم ، إذا خلع عليهم ، فإنه تكون خلعهم بالطرحة ، وترك أيضا اليوم من خلعة الوزير ، وغيره الذؤابة المرخاة ، وهي العذبة وصارت الآن من زي القضاة فقط ، وهجرها الوزوراء ، ويشبه ، والله أعلم ، أن يكون وضعها في الدولة الفاطمية للوزير في خلعه إشارة إلى أنه كبير أرباب السيوف ، والأقلام ، فإنه كان مع ذلك يتقلد بالسيف وكذلك ترك في الدولة التركية من خلع الوزارة تقليد السيف لأنه لا حكم له على أرباب السيوف ، ولما قام الأفضل بن أمير الجيوش خلع أيضا عليه بالسيف والطيلسان المقوّر ، وبعد الأفضل لم يخلع على أحد من الوزراء كذلك إلى أن قدم طلائع بن رزيك ، ولقب بالملك الصالح عندما خلع عليه للوزارة ، وجعل في خلعته السيف والطيلسان المقوّر.

قال ابن المأمون : وفي يوم الجمعة ثانية ، يعني ثاني ذي الحجة يعني سنة خمس عشرة وخمسمائة : خلع على القائد ابن فاتك البطائحي من الملابس الخاص الشريفة في فردكم مجلس الكعبة ، وطوّق بطوق ذهب مرصع وسيف ذهب كذلك ، وسلم على الخليفة الآمر بأحكام الله ، وأمر الخليفة الأستاذين المحنكين بالخروج بين يديه وأن يركب من المكان الذي كان الأفضل بن أمير الجيوش يركب منه ، ومشى في ركابه القوّاد على دعاة من تقدّمه وخرج بتشريف الوزارة يعني : من باب الذهب ، ودخل من باب العيد راكبا ، وجرى الحكم فيه على ما تقدّم للأفضل ووصل إلى داره ، فضاعف الرسوم ، وأطلق الهبات.

ولما كان يوم الاثنين خامس ذي الحجة اجتمع أمراء الدولة لتقبيل الأرض بين يدي الخليفة الآمر على العادة التي قرّرها مستجدّة ، واستدعى الشيخ أبا الحسن بن أبي أسامة ، فلما حضر أمر بإحضار السجل للأجل الوزير المأمون من يده ، فقبله وسلمه لزمام القصر ، وأمر الخليفة الوزير المأمون بالجلوس عن يمينه ، وقرىء السجل على باب المجلس ، وهو أوّل سجل قرىء في هذا المكان ، وكانت سجلات الوزراء قبل ذلك تقرأ بالإيوان ، ورسم للشيخ أبي الحسن أن ينقل النسبة للأمراء ، والمحنكين من الأمراء إلى المأموني للناس أجمع ، ولم يكن أحد منهم ينتسب للأفضل ، ولا لأمير الجيوش ، وقدّمت الدواة للمأمون ، فعلم في مجلس الخليفة ، وتقدّمت الأمراء ، والأجناد فقبلوا الأرض ، وشكروا على هذا

__________________

(١) في صبح الأعشى ج ١ / ١٣٣ : لم نعثر على ترجمة لابن الطوير فيما بين أيدينا من مراجع.

٣٤٧

الإحسان ، وأمر الخليفة بإحضار الخلع لحاجب الحجاب حسام الملك ، وطوّق بطوق ذهب ، وسيف ذهب ، ومنطقة ذهب ، ثم أمر بالخلع للشيخ أبي الحسن بن أبي أسامة باستمراره على ما بيده من كتابة الدست الشريف ، وشرفه بالدخول إلى مجلس الخليفة ، ثم استدعى الشيخ أبا البركات بن أبي الليث ، وخلع عليه بدلة مذهبة ، وكذلك أبو الرضى سالم ابن الشيخ أبي الحسن ، وكذلك أبو المكارم أخوه ، وأبو محمد أخوهما ، ثم أبو الفضل بن الميدميّ ، ووهبه دنانير كثيرة بحكم أنه الذي قرأ السجل ، وخلع على الشيخ أبي الفضائل بن أبي الليث ، صاحب دفتر المجلس ، ثم استدعى عدي الملك سعيد بن عماد الضيف متولي أمور الضيافات ، والرسل الواصلين إلى الحضرة من مجلس الأفضل ، ولا يصل لعتبته أحد لا حاجب الحجاب ، ولا غيره سوى عدي الملك هذا ، فإنه كان يقف من داخل العتبة ، وكانت هذه الخدمة في ذلك الوقت من أجل الخدم وأكبرها ، ثم عادت من أهون الخدم ، وأقلها ، فعند ذلك قال القاضي أبو الفتح بن قادوس : يمدح الوزير المأمون عند مثوله بين يديه وقد زيد في نعوته :

قالوا أتاه النعت وهو السيد ال

مأمون حقا والأجلّ الأشرف

ومغيث أمة أحمد ومجيرها

ما زادنا شيئا على ما نعرف

قال : ولما استمرّ حسن نظر المأمون للدولة ، وجميل أفعاله ، بلغ الخليفة الآمر بأحكام الله ، فشكره وأثنى عليه فقال له المأمون : ثمّ كلام يحتاج إلى خلوة ، فقال الخليفة : تكون في هذا الوقت ، وأمر بخلوّ المجلس ، فعند ذلك مثل بين يدي الخليفة ، وقال له : يا مولانا امتثالنا الأمر صعب ، ومخالفته أصعب ، وما يتسع خلافه قدّام أمراء دولته ، وهو في دست خلافته ، ومنصب آبائه وأجداده ، وما في قواي ما يرومه مني ، ويكفيني هذا المقدار ، وهيهات أن أقوم به والأمر كبير ، فعند ذلك تغير الخليفة ، وأقسم إن كان لي وزير غيرك ، وهو في نفسي من أيام الأفضل ، وهو مستمرّ على الاستعفاء ، إلى أن بان له التغير في وجه الخليفة ، وقال : ما اعتقدت أنك تخرج عن أمري ، ولا تخالفني فقال له المؤمون عند ذلك : لي شروط ، وأنا أذكرها ، فقال له : مهما شئت اشترط ، فقال له : قد كنت بالأمس مع الأفضل وكان قد اجتهد في النعوت ، وحل المنطقة ، فلم أفعل فقال الخليفة : علمت ذلك في وقته ، قال : وكان أولاده يكتبون إليه بما يعلمه مولاي من كوني قد خنته في المال والأهل ، وما كان والله العظيم ذلك مني يوما قط ، ثم مع ذلك معاداة الأهل جميعا والأجناد ، وأرباب الطيالس ، والأقلام ، وهو يعطيني كل رقعة تصل إليه منهم ، وما سمع كلام أحد منهم فيّ ، فعند ذلك ، قال له الخليفة : فإذا كان فعل الأفضل معك ما ذكرته إيش يكون فعلي أنا ، فقال المأمون : يعرّفني المولى ما يأمر به ، فأمتثله بشرط أن لا يكون عليه زائد ، فأوّل ما ابتدأ به أن قال : أريد الأموال لا تجبى إلا بالقصر ولا تصل الكسوات من الطراز والثغور إلّا إليه ، ولا تفرّق إلّا منه ، وتكون أسمطة الأعياد فيه ، ويوسع في رواتب

٣٤٨

القصور من كل صنف وزيادة رسم منديل الكمّ ، فعند ذلك قال له المأمون : سمعا وطاعة ، أما الكسوات والجباية من الأسمطة ، فما تكون إلّا بالقصور ، وأما توسعة الرواتب فما ثم من يخالف الأمر ، وأما زيادة رسم منديل الكم ، فقد كان الرسم في كل يوم ثلاثين دينارا ، يكون في كل يوم مائة دينار ، ومولانا سلام الله عليه يشاهد ما يعمل بعد ذلك في الركوبات ، وأسمطة الأعياد ، وغيرها في سائر الأيام ، ففرح الخليفة ، وعظمت مسرّته ، ثم قال المأمون : أريد بهذا مسطورا بخط أمير المؤمنين ، ويقسم لي فيه بآبائه الطاهرين أن لا يلتفت لحاسد ، ولا مبغض ، ومهما ذكر فيّ يطلعني عليه ، ولا يأمر فيّ بأمر سرّا ، ولا جهرا ، يكون فيه ذهاب نفسي ، وانحطاط قدري ، وهذه الإيمان باقية إلى وقت وفاتي فإذا توفيت تكون لأولادي ، ولمن أخلفه بعدي ، فحضرت الدواة ، وكتب ذلك جميعه ، وأشهد الله تعالى في آخرها على نفسه ، فعندما حصل الخط بيد المأمون وقف ، وقبل الأرض ، وجعله على رأسه ، وكان الخط بالأيمان نسختين : إحداهما في قصبة فضة ، قال : فلما قبض على المأمون في شهر رمضان سنة تسع وعشرين وخمسمائة أنفذ الخليفة الآمر بأحكام الله يطلب الإيمان ، فنفذ له التي في القصبة الفضة ، فحرّقها لوقتها ، وبقيت النسخة الأخرى عندي ، فعدمت في الحركات التي جرت.

وقال ابن ميسر : في حوادث سنة خمس عشرة وخمسمائة ، وفيها : تشرّف القائد أبو عبد الله محمد ابن الأمير نور الدولة أبي شجاع فاتك ابن الأمير منجد الدولة أبي الحسن مختار المستنصري المعروف : بابن البطائحيّ في الخامس من ذي الحجة ، وكان قبل ذلك عند الأفضل استاداره ، وهو الذي قدّمه إلى هذه المرتبة ، واستقرّت نعوته في سجله المقرّر على كافة الأمراء ، والأجناد بالأجل المأمون ، تاج الخلافة ، عز الإسلام ، فخر الأنام ، نظام الدين والدنيا ، ثم نعت بما كان ينعت به الأفضل ، وهو السيد الأجل المأمون أمير الجيوش سيف الإسلام ، ناصر الأنام ، كافل قضاة المسلمين ، وهادي دعاة المؤمنين.

ولما كان يوم الثلاثاء التاسع من ذي الحجة ، وهو يوم الهناء بعيد النحر ، جلس المأمون في داره عند أذان الصبح ، وجاء الناس لخدمته للهناء على طبقاتهم من أرباب السيوف ، والأقلام ، ثم الأمراء ، والأستاذون المحنكون ، والشعراء بعدهم ، فركب إلى القصر ، وأتى باب الذهب ، فوجد المرتبة المختصة بالوزارة ، وقد هيئت له في موضعها الجاري به العادة ، وأغلق الباب الذي عندها على الرسم المعتاد لوزراء السيوف والأقلام ، وهذا الباب يعرف : بباب السرداب ، فعند ما شاهد الحال في المرتبة توقف عن الجلوس عليها ، لأنها حالة لم يجر معه حديث فيها ، ثم ألجأته الضرورة لأجل حضور الأمراء إلى الجلوس فجلس عليها ، وجلس أولاده الثلاثة عن يمينه ، وأخواه عن يساره ، والأمراء المطوّقون خاصة دون غيرهم قيام بين يديه ، فإنه لا يصل أحد إلى هذا المكان سواهم ، فلم يكن بأسرع من أن فتح الباب ، وخرج عدّة من الأستاذين المحنكين بسلام أمير المؤمنين ،

٣٤٩

وخرج إليه الأمير الثقة متولي الرسالة ، وزمام القصور ، فعند حضوره وقف له أولاد المأمون ، وأخواه فطلع عند خروجه قبالة المرتبة ، وقال أمير المؤمنين يردّ على السيد الأجل المأمون السلام ، فوقف عند ذلك المأمون ، وقبل الأرض ، وعاد فجلس مكانه ، وتأخر الأمير إلى أن نزل من المصطبة ، وقبل الأرض ، وقبل يد المأمون ، ودخل من فوره من الباب ، وأغلق الباب على حاله على ما كان عليه الأفضل ، وكان الأفضل يقول : ما أزال أعدّ نفسي سلطانا حتى أجلس على تلك المرتبة ، والباب يغلق في وجهي والدخان في أنفي ، فإن الحمام كانت من حلف الباب في السرداب ، ثم فتح الباب ، وعاد الثقة ، وأشار بالدخول إلى القصر فدخل إلى المكان الذي هيئ له ، وعاد لمجلس الوزارة ، وبقي الأمراء بالدهاليز إلى أن جلس الخليفة.

واستفتح القرّاء ، واستدعى المأمون ، فحضر بين يديه وسلم عليه أولاده ، وإخوته وأحلّ الأمراء على قدر طبقاتهم ، أوّلهم : أرباب الأطواق ، ويليهم أرباب العماريات ، والأقصاب ، ثم الضيوف والأشراف ، ثم دخل ديوان المكاتبات وسلم بهم الشيخ أبو الحسن ابن أبي أسامة ، ثم ديوان الإنشاء ، وسلم بهم الشريف ابن أنس الدولة ، ثم بقية الطالبيين من الأشراف ، ثم سلم القاضي ابن الرسعنيّ بشهوده والداعي ابن عبد الحق بالمؤمنين ، ثم سلم القائد مقبل مقدّم الركاب الآمري ، بجميع المقدّمين الآمرية ، ثم سلم بعدهم الشيخ أبو البركات بن أبي الليث متولي ديوان المملكة ثم دخل الأجناد من باب البحر ، وسلم كل طائفة بمقدّمها ، فلما انقضى ذلك دخل والي القاهرة ، ووالي مصر وسلم كل منهما ببياض أهل البلدين.

ثمّ دخل البطرك بالنصارى ، وفيهم كتاب الدولة من النصارى ، ورئيس اليهود ، ومعه الكتاب من اليهود ، ثم سلم المقربون ، وقد قارب القصر ، ودخل الشعراء على طبقاتهم ، وأنشد كل منهم ما سمحت به قريحته.

قال : فكان هذا رتبة الوزير المأمون ، قال ابن المأمون : وأما ما قرّر للوزارة عينا في الشهر بغير إيجاب بل يقبض من بيت المال ، فهو ثلاثة آلاف دينار. تفصيلها : ما هو على حكم النيابة في العلامة : ألف دينار ، وما هو على حكم الراتب : ألف وخمسمائة دينار ، وما هو عن مائة غلام برسم مجلسه ، وخدمته لكل غلام : خمسة دنانير في الشهر ، فأما الغلمان الركابية ، وغيرهم من الفرّاشين والطباخين ، فعلى حكم ما يرغب في إثباته ، وفي السنة من الإقطاعات : خمسون ألف دينار منها : دهشور ، وجزيرة الذهب ، وبقية الجملة صفقات ، ومن البساتين ثلاثة : بستان لأمير تميم ، وبستانان بكوم أشفين.

ومن القوت يعني القمح ، ومن القضم يعني الشهير والبرسيم في السنة : عشرون ألف إردب قمحا وشعيرا ، ومن الغنم برسم مطابخه ، ساقه من المراحات ثمانية آلاف رأس ، وأما

٣٥٠

الحيوان والأحطاب ، وجميع التوابل العال منها والدون ، فمهما استدعاه متولي المطابخ يطلق من دار أفتكين ، وشون الأحطاب ، وغير ذلك ، وقد تقدّم مقرّر كسوة الوزارة في العيدين ، وفصلي الشتاء والصيف ، وموسم عيد الغدير وفتخ الخليج ، وغير ذلك من غرّتي شهر رمضان ، وأوّل العام وغيره ، كما سيرد في موضعه من هذا الكتاب ، إن شاء الله تعالى.

وقد استقصيت سير الوزراء في كتابي الذي سميته تلقيح العقول ، والآراء في تنقيح أخبار الجلة الوزراء. فانظره.

ذكر الحجر (١) التي كانت برسم الصبيان الحجرية

وكان بجوار دار الوزارة مكان كبير يعرف : بالحجر : جمع حجرة فيها الغلمان المختصون بالخلفاء ، كما أدركنا بالقلعة البيوت التي كان يقال لها : الطباق ، وكانت هذه الحجر من جانب حارة الجوّانية ، وإلى حيث المسجد الذي يعرف : بمسجد القاصد تجاه باب الجامع الحاكميّ الذي يفضي إلى باب النصر ، فمن حقوق هذه الحجر : دار الأمير بهادر اليوسفيّ السلاحدار الناصريّ ، التي تجاور المسجد الكائن على يمنة من سلك من باب الجوّنية طالبا باب النصر ، ومنها الحوض المجاور لهذه الدار ، ودار الأمير أحمد قريب الملك الناصر محمد بن قلاون ، والمسجد المعروف بالنخلة ، وما بجواره من القاعتين اللتين تعرف إحداهما : بقاعة الأمير علم الدين سنجر الجاوليّ ، وما في جانبها إلى مسجد القاصد ، وما وراء هذه الدور ، وكان لهؤلاء الحجرية : إصطبل برسم دوابهم سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

وما زالت هذه الحجر باقية بعد انقضاء دولة الخلفاء الفاطميين إلى ما بعد السبعمائة ، فهدمت وابتنى الناس مكانها الأماكن المذكورة.

قال ابن أبي طيّ : عن المعز لدين الله ، وجعل كل ماهر في صنعة صانعا للخاص ، وأفرد لهم مكانا برسمهم ، وكذلك فعل بالكتاب والأفاضل ، وشرط على ولاة الأعمال عرض أولاد الناس بأعمالهم ، فمن كان ذا شهامة ، وحسن خلقة أرسله ليخدم في الركاب ، فسيروا إليه عالما من أولاد الناس ، فأفرد لهم دورا ، وسماها الحجر.

وقال ابن الطوير : وكوتب الأفضل بن أمير الجيوش من عسقلان باجتماع الفرنج ، فاهتمّ للتوجه إليها ، فلم يبق ممكنا من مال وسلاح ، وخيل ورجال واستناب أخاه المظفر :

__________________

(١) الحجر : كان يأوي إليها جماعة مختارون من الشبان من بني وجهاء الناس وكان عددهم نحوا من خمسة آلاف. ومكانها الآن الخانقاه الركنية بيبرس بشارع الجمالية قريبا من باب النصر. (مصطلحات محمد رمزي).

٣٥١

أبا محمد جعفر بن أمير الجيوش بدر بين يدي الخليفة مكانه ، وقصد استنفاذ الساحل من يد الفرنج ، فوصل إلى عسقلان ، وزحف عليها بذلك العسكر ، فخذل من جهة عسكره ، وهي نوبة النصة ، وعلم أنّ السبب في ذلك من جنده ، ولما غلب حرّق جميع ما كان معه من الآلات ، وكان عند الفرنج شاعر منتجع إليهم فقال : يخاطب صنجل ملك الفرنج :

نصرت بسيفك دين المسيح

فلله درك من صنجل

وما سمع الناس فيما رووه

بأقبح من كسرة الأفضل

فتوصل الأفضل إلى ذبح هذا الشاعر ، ولم ينتفع بعد هذه النوبة أحد من الأجناد بالأفضل ، وحظر عليهم النعوت ولم يسمع لأحد منهم كلمة ، وأنشأ سبع حجر ، واختار من أولاد الأجناد ثلاثة آلاف راجل ، وقسمهم في الحجر ، وجعل لكل مائة زمانا ، ونقيبا ، وزم الكل بأمير يقال له : الموفق ، وأطلق لكل منهم ما يحتاج إليه من خيل وسلاح ، وغيره.

وعني بهؤلاء الأجناد ، فكان إذا دهمه أمر مهمّ جهزهم إليه مع الزمام الأكبر.

وقال ابن المأمون : وكان من جملة الحجرية الذين يحضرون السماط رجل يعرف بابن زحل ، وكان يأكل خروفا كبيرا مشويا ، ويستوفيه إلى آخره ، ثم يقدّم له صحن كبير من القصور المعمولة بالسكرة ، وجميع صنوف الحيوانات على اختلاف أجناسها ، ما لم يعمل قط مثله من الأطعمة ، فيأكل معظمه ، وكان يقعد في طرف المدوّرة ، حتى يكون بالقرب من نظر الخليفة ، لا لميزته ، وكان من الأجناد وأسر في أيام الأفضل ، وقيده الفرنجيّ الذي أسره ، وعذبه وطالت مدّته في الأسر ، وكان فقيرا ، فاتفق أن ذكر للفرنجيّ كثرة أكله ، فأراد أن يمتحنه ، فقال له : أحضر لي عجلا أكبر عجل عندكم آكله إلى آخره ، فضحك منه الفرنجيّ ، ونقص عقله وأتاه بعجل كبير ، ويقال : بخنزير ، فقال له : اذبحه واشوه وائتني معه بجرّة خل ، ثم قال : إذا أكلته ما يكون لي عندك ، فغلط الفرنجيّ ، وقال له : أطلقك حتى تمضي إلى أهلك ، فاستحلفه على ذلك ، وغلظ عليه اليمين ، وأحضر الفرنجيّ عدّة من أصحابه ليشاهدوا فعله ، فلما استوفى العجل جميعه صلّب كل من الحاضرين على وجهه وتعجب من فعله ، وأطلقه ، فقال : أخاف من أن يعتقد أنني هربت فأرد إليكم ، فأحضر الفرنجيّ من العربان من سلمه إليهم ، ولم يشعر به إلّا بباب عسقلان ، فطلع منها ، وأعفي بعد ذلك من السفر ، وبقي برسم الأسمطة.

وقال ابن عبد الظاهر : الحجر قريب من باب النصر ، وهو مكان كبير في صف دار الوزارة إلى جانبه باب القوس الذي يسمى : باب النصر قديما على يمنة الخارج من القاهرة ، كان تربى فيه جماعة من الشباب يسمون : صبيان الحجر ، يكونون في جهات متعدّدة ، وهم يناهزون خمسة آلاف نسمة ، ولكل حجرة اسم تعرف به ، وهي المنصورة ، والفتح والجديدة ، وغير ذلك مفردة لهم ، وعندهم سلاحهم ، فإذا جرّوا خرج كل منهم لوقته لا

٣٥٢

يكون له ما يمنعه ، وكانوا في ذلك على مثال الذؤابة ، والأستار ، وكانوا إذا سمى الرجل منهم : بعقل وشجاعة خرج من هناك إلى الأمرة ، أو التقدمة مثل عليّ بن السلار ، وغيره ، ولا يأوي أحد منهم إلا بحجرته بفرسه ، وعدّته وقماشه ، وللصبيان الحجرية حجرة مفردة ، عليهم أستاذون يبيتون عندهم ، وخدّام برسمهم.

ذكر المناخ السعيد

وكان من وراء القصر الكبير فيما يلي ظهر دار الوزارة الكبرى والحجر : المناخ ، وهو موضع برسم طواحين القمح التي تطحن جرايات القصور ، وبرسم مخازن الأخشاب ، والحديد ونحو ذلك.

قال ابن الطوير : وأما المناخات ففيها من الحواصل ، ما لا يحصره ، إلّا القلم من الأخشاب ، والحديد ، والطواحين النجدية ، والغشيمة ، وآلات الأساطيل من الأسلحة المعمولة بيد الفرنج القاطنين فيه ، والقنب ، والكتان ، والمنجنيقات المعدّة ، والطواحين الدائرة برسم الجرايات المقدّم ذكرها ، والزفت في المخازن الذي عليه الأتربة ، ولا ينقطع إلّا بالمعاول ، وقد أدركت هذه الدولة ، يعني دولة بني أيوب منه شيئا كثيرا في هذا المكان انتفع به ، وإليه يأوي الفرنج في بيوت برسمهم ، وكانت عدّتهم كثيرة ، ففيه من النجارين والجزارين ، والدهانين والخبازين والخياطين ، والفعلة ، ومن العجانين ، والطحانين في تلك الطواحين ، والفرّانين في أفران الجرايات ، وفي هذا المكان مادّة أكثر أهل الدولة ، وحامية أمير من الأمراء ومشارفه من العدول ، وفيه أيضا شاهد النفقات ، وعامل يتولى التنفيذ مع المشارف ، وعامل برسم نظم الحساب من تعلقاتهما بجار غير جواريهم ، لأنّ أوقاتهم مستغرقة في مباشرة الإطلاقات وغيرها ، وذكر ابن الطوير : أن المأمون بن البطائحيّ استجدّ طواحين برسم الرواتب.

ذكر اصطبل الطارمة (١)

الطارمة : بيت من خشب ، وهو دخيل ، وكان بجوار القصر الكبير ، تجاه باب الديلم من شرقيّ الجامع الأزهر اصطبل.

قال ابن الطوير : وكان لهم اصطبلان أحدهما يعرف بالطارمة يقابل قصر الشوك ، والآخر بحارة زويلة يعرف بالجميزة.

__________________

(١) الإصطبل : وتعني البيت الكبير وكان هذا الاصطبل واقعا بالميدان القبلي لجامع سيدنا الحسين يحده من الشمال شارع فريد ومن الجنوب شارع الشنواني. ومن الشرق شارع الكفر. (مصطلحات محمد رمزي).

٣٥٣

وكان للخليفة الحاضر ما يقرب من ألف رأس في كل اصطبل ، النصف من ذلك منها ، ما هو برسم الخاص ، ومنها ما يخرج برسم العواري لأرباب الرتب ، والمستخدمين دائما ، ومنها ما يخرج أيام المواسم ، وهي التغيرات المتقدّم ذكر إرسالها لأرباب الرتب ، والخدم ، والمرتب لكل اصطبل منها لكل : ثلاثة أرؤس سائس واحد ملازم ، ولكل واحد منها : شدّاد برسم تسييرها ، وفي كل اصطبل بئر بساقية ، تدور إلى أحواض ، ومخازن فيها الشعير ، والأقراط اليابسة المحمولة من البلاد إليها ، ولكل عشرين رجلا من السّواس : عريف يلتزم دركهم بالضمان لأنهم الذين يتسلمون من خزائن السروج المركبات بالحلي ، ويعيدونها إليها كما تقدّم ذكره في خزائن السروج ولكل من الاصطبلين : رائض كأمير أخور ، ولهما ميرة ، وجامكية متسعة ، وللعرفاء على السّواس ميرة ، وللجماعات الجرايات من القمح ، والخبز خارجا عن الجامكيات ، فإذا بقي لأيام المواسم التي يركب فيها الخليفة بالمظلة مدّة أسبوع أخرج إلى كل رائض في الإصطبل مع أستاذ مظلة ديبقيّ مركبة على قنطارية مدهونة ، ويختص الرائض على ما يركبه الخليفة إما فرسين أو ثلاثة ، وعليهما المركبات الحلي التي يركبها الخليفة ، فيركبها الرائض بحائل بينه وبين السرج ، ويركب الأستاذ بغلة مظلة ، ويحمل تلك المظلة ، ويسير في براح الاصطبل ، وفيه سعة عظيمة مارّا ، وعائدا وحولها البوق والطبل ، فيكرّر ذلك عدّة دفعات في كل يوم مدّة ذلك الأسبوع ، ليستقرّ ما يركبه الخليفة من الدواب على ذلك ، ولا ينفر منه في حال الركوب عليه ، فيعمل كذلك في كل اصطبل من الاصطبلين ، والدواب البغلة التي تتهيأ ، هي التي يركبها الخليفة ، وصاحب المظلة يوم الموسم ، ولا يختل ذلك.

ويقال : إنه ما راثت دابة ولا بالت ، والخليفة راكبها ، ولا بغلة صاحب المظلة أيضا إلى حين نزولهما عنهما ، وكان في الساحل بطريق مصر من القاهرة في البساتين المنسوبة إلى ملك صارم الدين حللبا : شونتان مملوءتان تبنا معبيتان كتعبيته في المراكب كالجبلين الشاهقين ، ولهما مستخدمون حام ، ومشارف ، وعامل بجامكية جيدة تصل بذلك المراكب التبانة المؤهلة له ، من موظف الأتبان بالبلاد الساحلية وغيرها ، مما يدخل إليه في أيام النيل ، ولها رؤساء ، وأمرها جار في ديوان العمائر ، والصناعة ، والإنفاق منها بالتوقيعات السلطانية للاصطبلات المذكورة وغيرها من الأواسي الديوانية ، وعوامل بساتين الملك ، وإذا جرى بين المستخدمين خلف في الشنف التبن المعتبر ، عادوا إلى قبضه بالوزن ، فيكون الشنف التبن : ثلثمائة وستين رطلا بالمصريّ ، نقيا وإذا أنفقوا دريسا قد تغيرت صورة قته كان عن القتة اثنا عشر رطلا ، ولم يزل ذلك كذلك إلى آخر وقته ، ومما يخبر عنهم أنهم لم يركبوا حصانا أدهم قط ، ولا يرون إضافته إلى دوابهم بالاصطبلات ، وقال ابن عبد الظاهر : اصطبل الطارمة : كان اصطبلا للخليفة ، فلما زالت تلك الأيام اختط وبنى آدرا.

٣٥٤

ذكر دار الضرب (١) وما يتعلق بها

وكان بجوار خزانة الدرق التي هي اليوم : خان مسرور الكبير ، دار الضرب ، وموضعها حينئذ كان بالقشاشين التي تعرف اليوم : بالخرّاطين ، وصار مكان دار الضرب اليوم : درب يعرف بدرب : الشمسيّ في وسط سوق السقطيين المهامزيين ، وباب هذا الدرب : تجاه قيسارية العصفر ، فإذا دخلت هذا الدرب ، فما كان على يسارك من الدور فهو موضع دار الضرب ، وبجوارها دار الوكالة الحافظية ، فجعلت الحوانيت التي على يمنة من سلك من رأس الخرّاطين تجاه سوق العنبر طالبا الجامع الأزهر في ظهر دار الضرب ، وأنشأ هذه الحوانيت ، وما كان يعلوها من البيوت الأمير المعظم : خمرتاش الحافظيّ ، وجعلها وقفا ، وقال في كتاب وقفها : وحدّ هذه الحوانيت الغربيّ ينتهي إلى دار الضرب ، وإلى دار الوكالة ، وقد صارت هذه الحوانيت الآن من جملة أوقاف المدرسة الجمالية مما اغتصب من الأوقاف ، وما زالت دار الضرب هذه في الدولة الفاطمية باقية إلى أن استبدّ السلطان صلاح الدين ، فصارت دار الضرب حيث هي اليوم ، كما تقدّم ذكره ، وكان لدار الضرب المذكورة في أيامهم أعمال ويعمل بها دنانير الغرّة ، ودنانير خميس العدس ، ويتولاها قاضي القضاة لجلالة قدرها عندهم.

قال ابن المأمون : وفي شوّال منها ، وهي سنة ست عشرة وخمسمائة أمر الأجل ببناء دار الضرب بالقاهرة المحروسة لكونها مقرّ الخلافة وموطن الإمامة ، فبنيت بالقشاقشين : قبالة المارستان ، وسميت بالدار الآمرية ، واستخدم لها العدول ، وصار دينارها أعلى عيارا من جميع ما يضرب بجميع الأمصار ، انتهى.

وكانت دار الضرب المذكورة تجاه المارستان ، فكان المارستان ، بجوار خزانة الدرق ، فما عن يمينك الآن إذا سلكت من رأس الخرّاطين ، فهو موضع دار الضرب ، ودار الوكالة هكذا إلى الحمام التي بالخرّاطين ، وما وراءها ، وما عن يسارك ، فهو موضع المارستان.

قال ابن عبد الظاهر : في أيام المأمون بن البطائحي وزير الآمر بأحكام الله بنيت دار الضرب في القشاشين قبالة المارستان الذي هناك وسميت بالدار الآمرية.

دار العلم الجديدة (٢) : وكان بجوار القصر الكبير الشرقيّ : دار في ظهر خزانة الدرق من باب تربة الزعفران لما أغلق الأفضل بن أمير الجيوش دار العلم التي كان الحاكم بأمر الله

__________________

(١) بنيت في أيام المأمون البطائحي وهي بالقشاشين قبالة البيمارستان المنصوري وموقعها اليوم بشارع الصنادقية. (محمد رمزي).

(٢) دار العلم الجديدة : افتتحت يوم السبت العاشر من جمادى الآخرة سنة ٣٩٥ في خلافة الحاكم بأمر الله وفرشت وزخرفت وعلقت على جميع أبوابها وممراتها الستور ولها خدام وفراشون برسم خدمتها وحمل إليها مختلف أنواع الكتب في سائر العلوم والآداب وغير ذلك. (مصطلحات محمد رمزي).

٣٥٥

فتحها في باب التبانين اقتضى الحال بعد قتله إعادة دار العلم ، فامتنع الوزير المأمون من إعادتها في موضعها ، فأشار الثقة زمام القصور بهذا الموضع ، فعمل دار العلم في شهر ربيع الأوّل سنة سبع عشرة وخمسمائة ، وولاها لأبي محمد حسن بن أدم ، واستخدم فيها مقرئين ولم تزل دار العلم عامر حتى زالت الدولة الفاطمية.

قال ابن عبد الظاهر : رأيت في بعض كتب الأملاك القديمة ما يدل على أنها قريبة من القصر النافعيّ ، وكذا ذكر لي السيد الشريف الحلبيّ ، أنها دار ابن أزدمر المجاورة لدار سكنى الآن ، خلف فندق مسرور الكبير ، وكذلك قال لي والدي رحمه‌الله ، وقد بناها جمال الدين الإستادار الحلبيّ : دارا عظيمة غرم عليها مائة ألف ، وأكثر من ذلك على ما ذكره ، انتهى. وموضع دار العلم هذه دار كبيرة ذات زلاقة بجوار درب ابن عبد الظاهر قريبا من خان الخليلي ، بخط الزراكشة العتيق.

موسم أوّل العام : قال ابن المأمون ، وأسفرت غرّة سنة سبع عشرة ، وخمسمائة ، وبادر المستخدمون في الخزائن ، وصناديق الإنفاق بحمل ما يحضر بين يدي الخليفة من عين ، وورق من ضرب السنة المستجدّة ، ورسم جميع من يختص به من إخوته ، وجهاته ، وقرابته ، وأرباب الصنائع ، والمستخدمات ، وجميع الأستاذين العوالي والأدوان ، وثنوا بحمل ما يختص بالأجلّ المأمون ، وأولاده ، وإخوته ، واستأذنوا على تفرقة ما يختص بالأجلّ المأمون ، وأولاده ، والأصحاب والحواشي والأمراء ، والضيوف ، والأجناد ، فأمروا بتفرقته ، والذي اشتمل عليه المبلغ في هذه السنة نظير ما كان قبلها ، وجلس المأمون باكرا على السماط بداره ، وفرّقت الرسوم على أرباب الخدم والمميزين من جميع أصنافه على ما تضمنته الأوراق ، وحضرت التعاشير ، والتشريفات ، وزي الموكب إلى الدار المأمونية ، وتسلم كل من المستخدمين المدارج بأسماء من شرف بالحجبة ، ومصفات العساكر ، وترتيب الأسمطة ، وأصمد كل منهم إلى شغله ، وتوجه لخدمته ، ثم ركب الخليفة ، واستدعى الوزير المأمون ، ثم خرج من باب الذهب ، وقد نشرت مظلته ، وخدمت الرهجية ، ورتب الموكب والجنائب ، ومصفات العساكر عن يمينه وشماله ، وجميع تجار البلدين من الجوهريين والصيارف ، والصاغة ، والبزازين ، وغيرهم قد زينوا الطريق بما تقتضيه تجارة كل منهم ، ومعاشه لطلب البركة بنظر الخليفة.

وخرج من باب الفتوح ، والعساكر فارسها وراجلها بتجملها وزيها ، وأبواب حارات العبيد معلقة بالستور ، ودخل من باب النصر والصدقات تعمّ المساكين ، والرسوم تفرّق على المستقرّين إلى أن دخل من باب الذهب ، فلقيه المقرئون بالقرآن الكريم في طول الدهاليز إلى أن دخل خزانة الكسوة الخاص ، وغير ثياب الموكب بغيرها ، وتوجه إلى تربة آبائه للترحيم على عادته ، وبعد ذلك إلى ما رآه من قصوره على سبيل الراحة ، وعبيت الأسمطة ،

٣٥٦

وجرى الحال فيها ، وفي جلوس الخليفة ، ومن جرت عادته ، وتهيئة قصور الخلافة ، وتفرقة الرسوم على ما هو مستقرّ.

وتوجه الأجلّ المأمون إلى داره ، فوجد الحال في الأسمطة على ما جرت به العادة والتوسعة فيها أكثر مما تقدّمها ، وكذلك الهناء في صبيحة الموسم بالدار المأمونية والقصور ، وحضر من جرت العادة بحضوره للهناء وبعدهم الشعراء على طبقاتهم ، وعادت الأمور في أيام السلام ، والركوبات ، وترتيبها على المعهود ، وأحضر كل من المستخدمين في الدواوين ما يتعلق بديوانه من التذاكر ، والمطالعات مما تحتاج إليه الدولة في طول السنة ، وينعم به ويتصدّق ويحمل إلى الحرمين الشريفين من كل صنف على ما فصل في التذاكر على يد المندوبين ، ويحمل إلى الثغور ويخزن من سائر الأصناف ما يستعمل ، ويباع في الثغور والبلاد والاستيمار وجريدة الأبواب ، وتذكرة الطراز والتوقيع عليها.

وقال ابن الطوير : فإذا كان العشر الأخير من ذي الحجة في كل سنة انتصب كل من المستخدمين بالأماكن لإخراج آلات الموكب من الأسلحة وغيرها ، فيخرج من خزائن الأسلحة ما يحمله صبيان الركاب حول الخليفة من الأسلحة ، وهو الصماصم المصقولة المذهبة ، مكان السيوف المحدّبة ، والدبابيس الكيمخت (١) الأحمر والأسود ، ورؤوسها مدوّرة مضرّسة ، واللتوت (٢) كذلك ورؤوسها مستطيلة مضرّسة أيضا ، وآلات يقال لها : المستوفيات ، وهي عمد حديد من طول ذراعين مربة الأشكال بمقابض مدوّرة في أيديهم بعدّة معلومة من كل صنف ، فيتسلمها نقباؤهم ، وهي في ضمانهم ، وعليهم إعادتها إلى الخزائن بعد تقضي الخدمة بها ، ويخرج للطائفة من العبيد الأقوياء السودان الشباب ، ويقال لهم : أرباب السلاح الصفر ، وهم ثلثمائة عبد لكل واحد حربتان بأسنة مصقولة تحتها جلب فضة كل اثنتين في شرابة وثلثمائة درقة بكوامخ فضة ، يتسلم ذلك عرفاؤهم على ما تقدّم ، فيسلمونه للعبيد لكل واحد حربتان ودرقة.

ثم يخرج من خزانة التجمل ، وهي من حقوق خزائن السلاح القصب الفضة برسم تشريف الوزير ، والأمراء أرباب الرتب ، وأزمّة العساكر ، والطوائف من الفارس ، والراجل وهي رماح ملبسة بأنابيب الفضة المنقوشة بالذهب إلّا ذراعين منها ، فيشدّ في ذلك الخالي من الأنابيب عدّة من المعاجر الشرب الملوّنة ، ويترك أطرافها المرقومة مسبلة كالصناجق (٣) ، وبرءوسها رمامين منفوخة فضة مذهبة وأهلة مجوّفة كذلك ، وفيها جلاجل لها حس إذا

__________________

(١) الكيمخت : ضرب من الجلود المدبوغة.

(٢) اللتوت : لفظ فارسي معناه : القدوم أو الفأس العظيمة.

(٣) الصناجق : في النجوم الزاهرة : السناجق : ج. سنجق. وهو لفظ تركي يطلق في الأصل على الرمح وهي رايات صفر يحملها السنجقدار. صبح الأعشى ٣ / ٤٥٦.

٣٥٧

تحرّكت ، وتكون عدّتها ما يقرب من مائة ، ومن العماريات (١) ، وهي شبه الكخاوات (٢) من الديباج الأحمر ، وهو أجلها والأصفر والقرقوبيّ ، والسقلاطون (٣) مبطنة مضبوطة بزنانير حرير ، وعلى دائر التربيع منها : مناطق بكوامخ فضة مسمورة في جلد نظير عدد القصب ، فيسير من القصب عشرة ، ومن العماريات مثلها من الحمر خاصة ، ويخرج للوزير خاصة لواءان على رمحين طويلين ملبسين ، بمثل تلك الأنابيب ونفس اللواء ملفوف غير منشور ، وهذا التشريف يسير أمام الوزير ، وهو للأمراء من ورائهم ، ثم يسير للأمراء أرباب الرتب في الخدم ، وأوّلهم صاحب الباب ، وهو أجلهم خمس قصبات ، وخمس عماريات ، ويرسل لأسفهسلار العساكر أربع قصبات ، وأربع عماريات من عدّة ألوان ، ومن سواهما من الأمراء على قدر طبقاتهم : ثلاث ثلاث واثنتان اثنتان ، وواحدة واحدة ، ثم يخرج من البنود الخاص الديبقيّ المرقوم الملوّن برماح ملبسة بالأنابيب ، وعلى رؤوسها الرمامين ، والأهلة للوزير خاصة ، ودون هذه البنود مما هو من الحرير على رماح غير ملبسة ورؤوسها ورمامينها من نحاس مجوّف مطليّ بالذهب ، فتكون هذه أمام الأمراء المذكورين من تسعة إلى سبعة أذرع برأسها طلعة مصقولة ، وهي من خشب القنطاريات داخلة في الطلعة ، وعقبها حديد مدوّر أسفل ، فهي في كف حاملها الأيمن ، وهو يفتلها فيه فتلا متدارك الدوران ، وفي يده اليسرى تشابه كبير يخطر بها ، وعدّتها ستون مع ستين رجلا يسيرون رجالة في الموكب يسيرون يمنة ويسرة.

ثم يخرج من النقارات (٤) حمل عشرين بغلا على كل بغل ثلاث مثل نقارات الكوسات(٥) بغير كوسات يقال لها طبول ، فيتسلمها صناعها ، ويسيرون في الموكب اثنين اثنين ولها حس مستحسن ، وكان لها ميزة عندهم في التشريف ، ثم يخرج لقوم متطوّعين بغير جار ، ولا جراية تقرب عدّتهم من مائة رجل لكل واحد درقة من درق اللمط (٦) ، وهي واسعة وسيف ، ويسيرون أيضا رجالة في الموكب هذا وظيفة خزائن السلاح.

ثم يحضر حامي خزائن السروج وهو من الأستاذين المحنكين إليها مع مشارفها ، وهو من الشهود المعدّلين ، فيخرج منها برسم خاص الخليفة من المركبات الحلي ما هو برسم

__________________

(١) العماريات : جمع عمارية وهو الهودج يجلس فيه. (صبح الأعشى ٣ / ٤٧١).

(٢) الكخاوات : والكجاوات والكنجاوات وكله صحيح وهي ضرب من المحامل (صبح الأعشى).

(٣) السقلاطون : الملابس الملونة بالألوان القرمزية وغيرها وهو اسم بلد بالروم تصنع فيه تلك الملابس.

النجوم الزاهرة.

(٤) النقارات : واحدتها نقارة وكانت تحمل في ركاب السلاطين إلى الحرب فتستخدم في إصدار الأوامر وفي الإيذان ببدء القتال. صبح الأعشى ٣ / ٤٧١.

(٥) الكوسات : صنوج من نحاس تشبه الترس الصغير. يدق بأحدهما على الآخر بإيقاع مخصوص ويتولى ذلك الكوسيّ. صبح الأعشى ٢ / ١٣٦.

(٦) اللمط : اسم لقبيلة من البربر بأقصى المغرب ينسب إليها الدرق لأنهم ينقعون الجلود بالحليب سنة فيعملونها فينبو عنها السيف القاطع.

٣٥٨

ركوبه ، وما يجنب في موكبه مائة سرج ، منها سبعون على سبعين حصانا ، ومنها ثلاثون على ثلاثين بغلة كل مركب مصوغ من ذهب أو من ذهب وفضة ، أو من ذهب منزل فيه المينا ، أو من فضة منزلة بالمينا ، وروادفها وقرابيسها من نسبتها ، ومنها ما هو مرصع بالجواهر الفائقة ، وفي أعناقها الأطواق الذهب ، وقلائد العنبر ، وربما يكون في أيدي وأرجل أكثرها خلاخل مسطوحة دائرة عليها ، ومكان الجلد من السروج الديباج الأحمر والأصفر ، وغيرهما من الألوان والسقلاطون المنقوش بألوان الحرير ، قيمة كل دابة ، وما عليها من العدّة ألف دينار ، فيشرّف الوزير من هذه بعشرة حصن لركوبه وأولاده وإخوته ، ومن يعز عليه من أقاربه ، ويسلم ذلك لعرفاء الاصطبلات بالعرض عليهم من الجرائد التي هي ثابتة فيها بعلاماتها في أماكنها ، وأعدادها ، وعدد كل مركب منقوش عليه مثل : أوّل وثان وثالث إلى آخرها كما هو مسطور في الجرائد ، فيعرف بذلك قطعة قطعة ، ويسلمها العرفاء للشدّادين بضمان عرفائهم إلى أن تعود ، وعليهم غرامة ما نقص منها ، وإعادتها برمّتها.

ثم يخرج من الخزائن المذكورة لأرباب الدواوين المرتبين في الخدم على مقاديرهم مركبات أيضا من الحليّ دون ما تقدّم ذكره ، وما تقرب عدّته من ثلثمائة مركب على خيل وبغلات ، وبغال يتسلمها العرفاء المتقدّم ذكرهم على الوجه المذكور ، وينتدب حاجب يحضر على التفرقة لفلان ، وفلان من أرباب الخدم سيفا وقلما ، فيعرّف كل شدّاد صاحبه ، فيحضر إليه بالقاهرة ومصر سحر يوم الركوب ، ولهم من الركاب رسوم من دينار إلى نصف دينار إلى ثلث دينار ، فإذا تكمل هذا الأمر ، وسلم أيضا الجمالون بالمناخات أغشية العماريات ، ويكون إراحة في ذلك كله إلى آخر الثامن والعشرين من ذي الحجة ، وأصبح اليوم التاسع والعشرون من سلخه على رأي القوم ، عزم الخليفة على الجلوس في الشباك لعرض دوابه الخاص المقدّم ذكرها ، ويقال له : يوم عرض الخيل ، فيستدعي الوزير بصاحب الرسالة ، وهو من كبار الأستاذين المحنكين ، وفصحائهم وعقلائهم ومحصليهم ، فيمضي إلى استدعائه في هيئة المسرعين على حصان دهراج (١) امتثالا لأمر الخليفة بالإسراع على خلاف حركته المعتادة ، فإذا عاد مثل بين يدي الخليفة ، وأعلمه باستدعائه الوزير ، فيخرج راكبا من مكانه في القصر ولا يركب أحد في القصر إلّا الخليفة ، وينزل في السدلا (٢) بدهليز باب الملك الذي فيه الشباك ، وعليه من ظاهره للناس ستر ، فيقف من جانبه الأيمن زمام القصر (٣) ، ومن جانبه الأيسر صاحب بيت المال ، وهما من الأستاذين المحنكين فيركب

__________________

(١) حصان دهراج : سريع السير.

(٢) السّدلا : مشتق من فعل سدل ولعله مكان يجلس فيه الخليفة لمشاهدة العرض ويكون قبل العرض محجوبا عن الناس بستارة مسدلة. (محمد رمزي).

(٣) زمام القصر : من وظائف الأستاذين المحنكين وهو الذي يتولى إدارة خدم القصر والإشراف على أعمالهم. (صبح الأعشى ٣ / ٤٨١).

٣٥٩

الوزير من داره ، وبين يديه الأمراء ، فإذا وصل إلى باب القصر ترجل الأمراء ، وهو راكب ، ويكون دخوله في هذا اليوم من باب العيد ، ولا يزال راكبا إلى أوّل باب من الدهاليز الطوال ، فينزل هناك ، ويمشي فيها ، وحواليه حاشيته ، وغلمانه وأصحابه ، ومن يراه من أولاده ، وأقاربه ويصل إلى الشباك فيجد تحته كرسيا كبيرا من كراسي البلق الجيد ، فيجلس عليه ، ورجلاه تطأ الأرض ، فإذا استوى جالسا رفع كل أستاذ الستر من جانبه ، فيرى الخليفة جالسا في المرتبة الهائلة ، فيقف ويسلم ويخدم بيده إلى الأرض ثلاث مرات ، ثم يؤمر بالجلوس على كرسيه ، فيجلس ويستفتح القرّاء بالقراءة قبل كل شيء بآيات لائقة بذلك الحال ، مقدار نصف ساعة ، ثم يسمر الأمراء ، ويسرع في عرض الخيل ، والبغال الخاص المقدّم ذكرها دابة دابة ، وهي هادئة كالعرائس بأيدي شدّاديها إلى أن يكمل عرضها ، فيقرأ القرّاء لختم ذلك الجلوس ، ويرخي الأستاذان الستر ، فيقدّم الوزير ويدخل إليه ، ويقبل يديه ورجليه وينصرف عنه إلى داره ، فيركب من مكان نزوله ، والأمراء بين يديه لوداعه إلى داره ركبانا ومشاة ، إلى قريب المكان فإذا صلى الخليفة الظهر بعد انفضاض ما تقدّم ، جلس لعرض ما يلبسه في عيد تلك الليلة ، وهو يوم افتتاح العام بخزائن الكسوات الخاص ، ويكون لباسه فيه البياض غير الموشح فيعين على منديل خاص وبدلة ، فأما المنديل : فيسلم الشادّ التاج الشريف ، ويقال له شدّة الوقار (١) ، وهو من الأستاذين المحنكين ، وله ميزة لممارسة ما يعلو تاج الخليفة فيشدّها شدّة غريبة لا يعرفها سواه ، شكل الإهليلجة ، ثم يحضر إليه اليتيمة ، وهي جوهرة عظيمة لا يعرف لها قيمة فتنظم هي وحواليها ما دونها من الجواهر ، وهي موضوعة في الحافر ، وهو شكل الهلال من ياقوت أحمر ليس له مثال في الدنيا ، فتنظم على خرقة حرير أحسن وضع ، ويخيطها شادّ التاج بخياطة خفيفة ممكنة ، فتكون بأعلى جبهة الخليفة.

ويقال : إنّ زنة الجوهرة سبعة دراهم ، وزنة الحافر : أحد عشر مثقالا ، وبدائرها قصبة زمرّذ ذبابي (٢) له قدر عظيم ثم يؤمر بشدّ المظلة التي تشابهها تلك البدلة المحضرة بين يديه ، وهي مناسبة للثياب ، ولها عندهم جلالة لكونها تعلو رأس الخليفة ، وهي اثنا عشر شوزكا (٣) عرض سفل كل شوزك شبر ، وطوله ثلاثة أذرع وثلث ، وآخر الشورك من فوق دقيق جدّا ، فيجتمع ما بين الشوازك في رأس عودها بدائره ، وهو قنطارية من الزان ملبسة بأنابيب الذهب ، وفي آخر أنبوبة تلي الرأس من جسمه ،

__________________

(١) شدة الوقار : هي التاج يركب به الخليفة في المواكب العظام مكان العمامة ويكون المنديل الذي يعمل منه شدة الوقار من لون لبس الخليفة. (صبح الأعشى ٣ / ٤٦٨).

(٢) زمرد ذبابي : سمي بذلك لقرب لونه من الذباب الكبير المائل إلى الخضرة.

(٣) الشوازك : ج. شوزك. لعلّها قطع من القماش مجموعة إلى بعضها والتي تؤلف سطح المظلة. صبح الأعشى ٣ / ٥٤٢.

٣٦٠