كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٢

تقي الدين احمد بن علي المقريزي

كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٢

المؤلف:

تقي الدين احمد بن علي المقريزي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

اليوم ، فيقدمون أبدا مائتي طيفور من العالي والوسط والدون ، فيحملها الفرّاشون برقاع من كتاب الأدعية باسم صاحب ذلك الطيفور علا ، أو دنا ، وينزل اسم الفرّاش بالدعو ، أو عريفه حتى لا يضيع منها شيء ، ولا يختلط ، ولا يزال الفرّاشون يخرجون بالطيافير ملأى ويدخلون بها فارغة ، فبمقدار ما تحمل المائة الأولى عبيت المائة الثانية ، فلا يفتر ذلك طول التفرقة ، فأجل الطيافير ما عدد خشكنانه مائة حبة ، ثم إلى سبعين وخمسين ، ويكون على صاحب المائة طرحة فوق قوّارته ، ثم إلى خمسين ثم إلى ثلاث وثلاثين ، ثم إلى خمس وعشرين ، ثم إلى عشرين ، ونسبة منثور كل واحد على عدد خشكنانه ، ثم العبيد السودان بغير طيافير ، كل طائفة يتسلمه لها عرفاؤها في أفراد الخواص ، لكل طائفة على مقدارها الثلاثة الأفراد والخمسة والسبعة إلى العشرة فلا يزالون كذلك إلى أن ينقضي شهر رمضان ، ولا يفوت أحدا شيء من ذلك ويتهاداه الناس في جميع الإقليم.

قال : وما ينفق في دار الفطرة فيما يفرّق على الناس منها : سبعة آلاف دينار. وقال ابن عبد الظاهر : دار الفطرة بالقاهرة قبالة مشهد الإمام الحسين عليه‌السلام ، وهي الفندق الذي بناه الأمير سيف الدين بهادر الآن في سنة : ست وخمسين وستمائة ، أوّل من رتبها الإمام العزيز بالله ، وهو أوّل من سنّها ، وكانت الفطرة قبل أن ينتقل الأفضل إلى مصر تعمل بالإيوان ، وتفرّق منه ، وعند ما تحوّل إلى مصر نقل الدواوين من القصر إليها ، واستجدّ لها مكانا قبالة دار الملك بإيواني المكاتبات ، والانشاء ، فإنهما كانا بقرب الدار ويتوصل إليهما من القاعة الكبرى التي فيها جلوسه ، ثم استجدّ للفطرة دارا عملت بعد ذلك وراقة ، وهي الآن دار الأمير عز الدين الأفرم بمصر قبالة : دار الوكالة ، وعملت بها الفطرة مدّة ، وفرّق منها إلّا ما يخص الخليفة والجهات والسيدات والمستخدمات ، والأستاذين ، فإنه كان يعمل بالإيوان على العادة.

ولما توفي الأفضل ، وعادت الدواوين إلى مواضعها أنهى : خاصة الدولة ريحان ، وكان يتولى بيت المال ، إنّ المكان بالإيان يضيق بالفطرة ، فأمره المأمون أن يجمع المهندسين ، ويقطع قطعة من اصطبل الطارمة ، يبنيه دار الفطرة ، فأنشأ الدار المذكورة قبالة مشهد الحسين ، والباب الذي بمشهد الحسين يعرف : بباب الديلم ، وصار يعمل بها ما استجدّ من رسوم المواليد والوقودات ، وعقد لها جملتان إحداهما : وجدت فسطرت ، وهي عشرة آلاف دينار خارجا عن جواري المستخدمين ، والجملة الثانية : فصلت فيها الأصناف ، وشرحها : دقيق ألف حملة ، سكر : سبعمائة قنطار ، قلب فستق : ستة قناطير ، قلب لوز: ثمانية قناطير ، قلب بندق : أربعة قناطير ، تمر : أربعمائة إردب ، زبيب : ثلثمائة أردب ، خل : ثلاثة قناطير ، عسل نحل : خمسة عشر قنطارا ، شيرج : مائتا قنطار ، حطب : ألف ومائتا حملة ، سمسم أردبان ، آنيسون أردبان ، زيت طيب برسم الوقود ثلاثون قنطارا ، ماء ورد خمسون رطلا ، مسك خمس نوافج ، كافور قديم عشرة مثاقيل ، زعفران مطحون مائة

٣٢١

وخمسون درهما ، وبيد الوكيل برسم المواعين والبيض والسقائين ، وغير ذلك من المؤن على ما يحاسب به ، وبرفع المحازيم خمسمائة دينار.

ووجدت بخط ابن ساكن قال : كان المرتب في دار الفطرة ، ولها ما يذكر ، وهو زيت طيب برسم القناديل خمسة عشر قنطارا : مقاطع سكندري برسم القوارات : ثلثمائة مقطع ، طيافير جدد : برسم السماط ثلثمائة طيفور ، شمع برسم السماط ، وتوديع الأمراء ثلاثون قنطارا ، أجرة الصناع ثلثمائة دينار ، جاري الحامي : مائة وعشرون دينارا ، جاري العامل ، والمشارف مائة وثمانون دينارا ، وشقة ديبقيّ ، بياض حريري ، ومنديل ديبقي كبير حيري ، وشقة سقلاطون أندلسي يلبسها قدّام الفطرة يوم حملها ليفرّق طيافير الفطرة على الأمراء ، وأرباب الرسومات ، وعلى طبقات الناس حتى يعمّ الكبير والصغير ، والضعيف والقوي ، ويبدأ بها من أوّل رجب إلى آخر رمضان.

ذكر ما اختص من صفة الطيافير : الأعلى منها : طيفور فيه مائة حبة خشكنانج وزنها مائة رطل ، وخمسة عشر قطعة حلاوة زنتها مائة رطل ، سكر سليمانيّ ، وغيره عشرة أرطال ، قلوبات ستة أرطال ، بسندود عشرون حبة ، كعك وزبيب وتمر قنطار ، جملة الطيفور ثلاثة قناطير وثلث إلى ما دون ذلك على قدر الطبقات إلى عشر حبات.

وقال ابن أبي طيّ : وعمل المعز لدين الله دارا سماها : دار الفطرة ، فكان يعمل فيها من الخشكنانج ، والحلواء ، والبسندود ، والفانيذ ، والكعك والتمر والبندق شيء كثير من أوّل رجب إلى نصف رمضان ، فيفرّق جميع ذلك في جميع الناس الخاص والعام على قدر منازلهم في أوان لا تستعاد ، وكان قبل ليلة العيد يفرّق على الأمراء الخيول بالمراكب الذهب ، والخلع النفيسة ، والطراز الذهب ، والثياب برسم النساء.

المشهد الحسينيّ

قال الفاضل محمد بن عليّ بن يوسف بن ميسر : وفي شعبان سنة إحدى وتسعين وأربعمائة ، خرج الأفضل بن أمير الجيوش بعساكر جمة إلى بيت المقدس ، وبه : سكان وابلغازي ابنا ارتق في جماعة من أقاربهما ، ورجالهما وعساكر كثيرة من الأتراك ، فراسلهما الأفضل يلتمس منهما تسليم القدس إليه بغير حرب ، فلم يجيباه لذلك ، فقاتل البلد ، ونصب عليها المجانيق ، وهدم منها جانبا ، فلم يجدا بدّا من الإذعان له ، وسلّماه إليه ، فخلع عليهما ، وأطلقهما ، وعاد في عساكره ، وقد ملك القدس ، فدخل عسقلان.

وكان بها مكان دارس فيه رأس الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنهما فأخرجه وعطره ، وحمله في سفط إلى أجلّ دار بها ، وعمّر المشهد ، فلما تكامل ، حمل الأفضل الرأس الشريف على صدره وسعى به ماشيا إلى أن أحله في مقرّه ، وقيل : إنّ المشهد

٣٢٢

بعسقلان بناه : أمير الجيوش بدر الجماليّ ، وكمله ابنه الأفضل وكان حمل الرأس إلى القاهرة من عسقلان ، ووصوله إليها في يوم الأحد ثامن جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة ، وكان الذي وصل بالرأس من عسقلان : الأمير سيف المملكة تميم واليها كان ، والقاضي المؤتمن بن مسكين مشارفها ، وحصل في القصر يوم الثلاثاء العاشر من جمادى الآخرة المذكور.

ويذكر أنّ هذا الرأس الشريف لما أخرج من المشهد بعسقلان وجد دمه لم يجف ، وله ريح كريح المسك ، فقدم به الأستاذ مكنون في عشاري (١) من عشاريات الخدمة ، وأنزل به إلى الكافوري ، ثم حمل في السرداب إلى قصر الزمرّذ ، ثم دفن عند قبة الديلم بباب دهليز الخدمة ، فكان كل من يدخل الخدمة يقبل الأرض أمام القبر ، وكانوا ينحرون في يوم عاشوراء عند القبر الإبل والبقر والغنم ، ويكثرون النوح والبكاء ، ويسبون من قتل الحسين ، ولم يزالوا على ذلك حتى زالت دولتهم.

وقال ابن عبد الظاهر : مشهد الإمام الحسين صلوات الله عليه ، قد ذكرنا أن طلائع بن رزيك المنعوت بالصالح ، كان قد قصد نقل الرأس الشريف من عسقلان لما خاف عليها من الفرنج ، وبنى جامعه خارج باب زويلة ليدفنه به ، ويفوز بهذا الفخار ، فغلبه أهل القصر على ذلك ، وقالوا : لا يكون ذلك إلّا عندنا ، فعمدوا إلى هذا المكان ، وبنوه له ، ونقلوا الرخام إليه ، وذلك في خلافة الفائز على يد طلائع في سنة تسع وأربعين وخمسمائة.

وسمعت من يحكي حكاية يستدل بها على بعض شرف هذا الرأس الكريم المبارك ، وهي أن السلطان الملك الناصر رحمه‌الله ، لما أخذ هذا القصر وشى إليه بخادم له قدر في الدولة المصرية ، وكان زمام القصر ، وقيل له : إنه يعرف الأموال التي بالقصر والدفائن ، فأخذ وسئل ، فلم يجب بشيء ، وتجاهل ، فأمر صلاح الدين نوّابه بتعذيبه ، فأخذه متولي العقوبة ، وجعل على رأسه خنافس وشدّ عليها قرمزية ، وقيل : إن هذه أشدّ العقوبات ، وإنّ الإنسان لا يطيق الصبر عليها ساعة إلّا تنقب دماغه وتقتله ففعل ذلك به مرارا ، وهو لا يتأوّه ، وتوجد الخنافس ميتة ، فعجب من ذلك ، وأحضره ، وقال له : هذا سرّ فيك ، ولا بدّ أن تعرّفني به؟ فقال : والله ما سبب هذا إلا أني لما وصلت رأس الإمام الحسين حماتها ، قال : وأيّ سرّ أعظم من هذا وراجع في شأنه فعفا عنه.

ولما ملك السلطان الملك الناصر جعل به حلقة تدريس وفقهاء ، وفوّضها للفقيه البهاء الدمشقيّ ، وكان يجلس للتدريس عند المحراب الذي الضريح خلفه ، فلما وزر معين الدين

__________________

(١) العشاري : وتجمع على عشاريات وهي المراكب التي تسير في النيل وهذه التسمية من العصر الفاطمي وكانت تستخدم في حمل غلال الدولة وكان لبعض الأمراء عشاريات يركبونها في نزهتهم بالنيل.

مصطلحات صبح الأعشى / ٢٤٥.

٣٢٣

حسين بن شيخ الشيوخ بن حمويه ، وردّ إليه أمر هذا المشهد بعد إخوته ، جمع من أوقاته ما بنى به إيوان التدريس الآن ، وبيوت الفقهاء العلوية خاصة ، واحترق هذا المشهد في الأيام الصالحية في سنة بضع وأربعين وستمائة ، وكان الأمير جمال الدين بن يعمور نائبا عن الملك الصالح في القاهرة ، وسببه أن أحد خزان الشمع دخل ليأخذ شيئا ، فسقطت منه شعلة ، فوقف الأمير جمال الدين المذكور بنفسه حتى طفىء وأنشدته حينئذ فقلت :

قالوا تعصب للحسين ولم يزل

بالنفس للهول المخوف معرّضا

حتى انضوى ضوء الحرق وأصبح ال

مسودّ من تلك المخاوف أبيضا

أرضى الإله بما أتى فكأنه

بين الأنام بفعله موسى الرضى

قال : ولحفظة الآثار ، وأصحاب الحديث ، ونقلة الأخبار ما إذا طولع وقف منه على المسطور ، وعلم منه ما هو غير المشهور ، وإنما هذه البركات مشاهدة مرئية ، وهي بصحة الدعوى ملية ، والعمل بالنية.

وقال في كتاب الدر النظيم في أوصاف القاضي الفاضل عبد الرحيم ، ومن جملة مبانيه الميضأة قريب مشهد الإمام الحسين بالقاهرة والمسجد والساقية ، ووقف عليها أراضي قريب الخندق في ظاهر القاهرة ، ووقفها دارّ جار ، والانتفاع بهذه المثوبة عظيم ، ولما هدم المكان الذي بنى موضعه مئذنة وجد فيه شيء من طلسم لم يعلم لأيّ شيء هو ، فيه اسم الظاهر بن الحاكم ، واسم أمّه رصد.

خبر الحسين : هو الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، واسمه عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ ، أبو عبد الله ، وأمّه فاطمة الزهراء بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولد لخمس خلون من شعبان سنة أربع ، وقيل : سنة ثلاث ، وعق عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم سابعه بكبش ، وحلق رأسه ، وأمر أن يتصدّق بزنته فضة ، وقال : أروني ابني ما سميتموه؟ فقال عليّ بن أبي طالب : حربا ، فقال : بل هو حسين وكان أشبه الناس بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم ما كان أسفل من صدره ، وكان فاضلا دينا كثير الصوم والصلاة والحج ، وقتل يوم الجمعة لعشر خلون من المحرّم يوم عاشوراء ، سنة إحدى وستين من الهجرة بموضع يقال له : كربلاء من أرض العراق بناحية الكوفة ، ويعرف الموضع أيضا : بالطف ، قتله سنان بن أنس اليحصبي (١) ، وقيل : قتله رجل من مذحج ، وقيل : قتله شمر بن ذي الجوشن ، وكان أبرص ، وأجهز عليه خولي بن يزيد الأصبحيّ من حمير ، حزّ رأسه ، وأتى عبيد الله بن زياد ، وقال :

أوقر ركابي فضة وذهبا

إني قتلت الملك المحجبا

__________________

(١) في الكامل لابن الأثير : سنان بن أنس النخعي. ج ٣.

٣٢٤

قتلت خير الناس أمّا وأبا

وخيرهم إذ ينسبون نسبا

وقيل : قتله عمرو بن سعد بن أبي وقاص ، وكان الأمير على الخيل التي أخرجها عبيد الله بن زياد إلى قتل الحسين ، وأمّر عليهم : عمرو بن سعد ، ووعده أن يوليه الريّ إن ظفر بالحسين وقتله.

وقال ابن عباس رضي‌الله‌عنهما : رأيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما يرى النائم نصف النهار ، وهو قائم أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم ، فقلت : بأبي أنت وأمي ما هذا؟ قال : هذا دم الحسين لم أزل ألتقطه منذ اليوم ، فوجدته قد قتل في ذلك اليوم ، وهذا البيت زعموا قديما لا يدرى قائله :

أترجو أمّه قتلت حسينا

شفاعة جدّه يوم الحساب

وقتل مع الحسين : سبعة عشر رجلا كلهم من ولد فاطمة ، وقد قتل معه من أهل بيته ، وإخوته ثلاثة وعشرون رجلا. وكان سبب قتله أنه لما مات معاوية بن أبي سفيان رضي‌الله‌عنه في سنة ستين ، وردت بيعة اليزيد على الوليد بن عقبة بالمدينة ، ليأخذ البيعة على أهلها ، فأرسل إلى الحسين بن عليّ ، وإلى عبد الله بن الزبير ليلا فأتى بهما ، فقال : بايعا ، فقالا : مثلنا لا يبايع سرّا ، ولكنا نبايع على رؤوس الناس إذا أصبحنا ، فرجعا إلى بيوتهما ، وخرجا من ليلهما إلى مكة ، وذلك ليلة الأحد لليلتين بقيتا من رجب ، فأقام الحسين بمكة شعبان ورمضان وشوّالا وذو القعدة ، وخرج يوم التروية يريد الكوفة ، وبكتب أهل العراق.

فلما بلغ عبيد الله بن زياد مسير الحسين من مكة بعث الحصين بن تميم (١) التميمي صاحب شرطته ، فنزل القادسية ، ونظم الخيل ما بينها ، وبين جبل لعلع ، فبلغ الحسين الحاجز له عن البلاد فكتب إلى أهل الكوفة ، يعرّفهم بقدومه مع قيس بن مسهر ، فظفر به الحصين ، وبعث به إلى ابن زياد فقتله ، وأقبل الحسين يسير نحو الكوفة ، فأتاه خبر قتل مسلم بن عقيل ، وخبر قتل أخيه من الرضاعة (٢) ، فقام حتى أعلم الناس بذلك وقال : قد خذلنا شيعتنا ، فمن أحب أن يتصرف ، فليتصرف ، فليس عليه ذمام منا فتفرّقوا ، حتى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من مكة وسار ، فأدركته الخيل ، وهم ألف فارس مع الحرّ بن يزيد التميميّ.

ونزل الحسين ، فوقفوا تجاهه وذلك في نحر الظهيرة ، فسقى الحسين الخيل ، وحضرت صلاة الظهر ، فأذن مؤذنه وخرج ، فحمد الله ، وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس ، إنها

__________________

(١) في الكامل لابن الأثير : الحصين بن نمير التميمي. ج ٣.

(٢) أخوه من الرضاعة هو : عبد الله بن بقطر. كان الحسين أرسله من الطريق رسولا إلى ابن عمه مسلم بن عقيل. الكامل في التاريخ لابن الأثير ج ٣.

٣٢٥

معذرة إلى الله ، وإليكم إني لم آتكم ، حتى أتتني كتبكم ورسلكم ، أن أقدم علينا ، فليس لنا إمام ، لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى ، وقد جئتكم ، فإن تعطوني ما أطمئنّ إليه من عهودكم أقدم مصركم ، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين ، انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه فسكتوا ، وقال للمؤذن : أقم ، فأقام وقال الحسين للحرّ : أتريد أن تصلي أنت بأصحابك؟ قال : بل صلّ أنت ، ونصلي بصلاتك ، فصلى بهم ، ودخل فاجتمع إليه أصحابه وانصرف الحرّ إلى مكانه ، ثم صلى بهم العصر ، واستقبلهم فحمد الله ، وأثنى عليه ، وقال : يا أيها الناس إنكم إن تتقوا الله وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله ، ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم السائرين فيكم بالجور والعدوان ، فإن أنتم كرهتمونا ، وجهلتم حقنا ، وكان رأيكم غير ما أتتني به كتبكم انصرفت عنكم ، فقال الحرّ : إنا والله ما ندري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر ، فأخرج خرجين مملوءين صحفا ، فنشرها بين أيديهم ، فقال الحرّ : إنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك ، وقد أمرنا إذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد الله بن زياد ، فقال الحسين : الموت أدنى إليك من ذلك ، ثم أمر أصحابه لينصرفوا فركبوا ، فمنعهم الحرّ من ذلك ، فقال له الحسين : ثكلتك أمّك ما تريد ، فقال له : والله لو كان غيرك من العرب يقولها ، ما تركت ذكر أمّه بالثكل كائنا من كان ، والله ما لي إلى ذكر أمّك من سبيل إلّا بأحسن ما نقدر عليه ، فقال له الحسين : ما تريد؟ قال : أريد أن أنطلق بك إلى ابن زيادة ، وترادّ الكلام ، فقال له الحرّ: إني لم أومر بقتالك ، وإنما أمرت أن لا أفارقك حتى أدخلك الكوفة ، فخذ طريقا لا تدخلك الكوفة ، ولا تزول إلى المدينة ، حتى أكتب إلى ابن زياد ، وتكتب أنت إلى يزيد ، أو إلى ابن زياد ، فلعل الله أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلي بشيء من أمرك ، فتياسر عن طريق العذيب والقادسية ، والحرّ يسايره.

فلما كان يوم الجمعة الثالث من المحرّم سنة إحدى وستين ، قدم عمرو بن سعد بن أبي وقاص من الكوفة في أربعة آلاف ، وبعث إلى الحسين رسولا يسأله ما الذي جاء به ، فقال : كتب إليّ أهل مصر كم هذا أن أقدم عليهم ، فإذا كرهوني ، فأنا أنصرف عنهم ، فكتب عمرو إلى ابن زياد يعرّفه ذلك ، فكتب إليه أن يعرض على الحسين بيعة يزيد ، فإن فعل رأينا فيه رأينا ، وإلّا نمنعه ، ومن معه الماء ، فأرسل عمرو بن سعد خمسمائة فارس ، فنزلوا على الشريعة ، وحالوا بين الحسين ، وبين الماء ، وذلك قبل قتله بثلاثة أيام ، ونادى مناد : يا حسين ألا تنظر الماء لا ترى منه قطرة حتى تموت عطشا ، ثم التقى الحسين بعمرو بن سعد مرارا ، فكتب عمرو بن سعد إلى عبيد الله بن زياد : أما بعد ، فإنّ الله قد أطفأ الثائرة ، وجمع الكلمة ، وقد أعطاني الحسين أن يرجع إلى المكان الذي أتى منه ، أو أن تسيره إلى أيّ ثغر من الثغور شاء ، أو أن يأتي يزيد أمير المؤمنين ، فيضع يده في يده ، وفي هذا الكم رضى ، وللأمّة صلاح.

٣٢٦

فقال ابن زياد لشمر بن ذي الجوشن : اخرج بهذا الكتاب إلى عمرو فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي ، فإن فعلوا فليبعث بهم ، وإن أبوا ، فليقاتلهم ، فإن فعل فاسمع له ، وأطع وإن أبى فأنت الأمير عليه ، وعلى الناس ، واضرب عنقه وابعث إليّ برأسه.

وكتب إلى عمرو بن سعد : أمّا بعد ، فإني لم أبعثك إلى الحسين لتكف عنه ، ولا لتنميه ، ولا لتطاوله ولا لتقعد له عندي شافعا أنظر ، فإنّ نزل حسين وأصحابه على الحكم ، واستسلموا فابعث بهم إليّ سلما ، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم ، وتمثل بهم ، فإنهم لذلك مستحقون ، فإن قتل الحسين ، فأوطىء الخيل صدره وظهره ، فإنه عاق شاق قاطع ظلوم ، فإن أنت مضيت لأمرنا جزيناك جزاء السامع المطيع ، وإن أنت أبيت ، فاعتزل جندنا ، وخل بين شمر وبين العسكر والسلام.

فلما أتاه الكتاب ركب والناس معه بعد العصر ، فأرسل إليهم الحسين : ما لكم؟ فقالوا : جاء أمر الأمير بكذا ، فاستمهلهم إلى غدوة ، فلما أمسوا ، قام الحسين ومن معه الليل كله يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرّعون ، فلما صلى عمرو بن سعد الغداة يوم السبت ، وقيل : يوم الجمعة يوم عاشوراء ، خرج فيمن معه ، وعبىء الحسين أصحابه ، وكان معه اثنان وثلاثون فارسا ، وأربعون راجلا ، وركب ومعه مصحف بين يديه وضعه أمامه ، واقتتل أصحابه بين يديه ، وأخذ عمرو بن سعد سهما ، فرمى به ، وقال : اشهدوا أنّي أوّل من رمى الناس ، وحمل أصحابه فصرعوا رجالا ، وأحاطوا بالحسين من كل جانب ، وهم يقاتلون قتالا شديدا ، حتى انتصف النهار ، ولا يقدرون يأتونهم إلّا من وجه واحد ، وحمل شمر حتى بلغ فسطاط الحسين ، وحضر وقت الصلاة ، فسأل الحسين أن يكفوا عن القتال حتى يصلي ، ففعلوا ، ثم اقتتلوا بعد الظهر أشدّ قتال ، ووصل إلى الحسين ، وقد صرعت أصحابه ، ومكث طويلا من النهار ، كلما انتهى إليه رجل من الناس رجع عنه ، وكره أن يتولى قتله.

فأقبل عليه رجل من كندة يقال له : مالك فضربه على رأسه بالسيف ، قطع البرنس وأدماه ، فأخذ الحسين دمه بيده ، فصبه في الأرض ثم قال : اللهمّ إن كنت حبست عنا النصر من السماء ، فاجعل ذلك لما هو خير وانتقم من هؤلاء الظالمين ، واشتدّ عطشه ، فدنا ليشرب فرماه حصين بن تميم بسهم ، فوقع في فمه ، فتلقى الدم بيده ، ورمى به إلى السماء ، ثم قال بعد حمد الله والثناء عليه : اللهمّ إني أشكو إليك ما يصنع بابن بنت نبيك ، اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ، ولا تبقى منهم أحدا ، فأقبل شمر في نحو عشرة إلى منزل الحسين ، وحالوا بينه وبين رحله ، وأقدم عليه وهو يحمل عليهم ، وقد بقي في ثلاثة ، ومكث طويلا من النهار ولو شاءوا أن يقتلوه لقتلوه ، ولكنهم كان يتقي

٣٢٧

بعضهم ببعض ، ويحب هؤلاء أن يكفيهم هؤلاء.

فنادى شمر في الناس : ويحكم؟ ما تنتظرون بالرجل اقتلوه ثكلتكم أمّكم! فحملوا عليه من كل جانب ، فضرب زرعة بن شريك التميمي كفه الأيسر ، وضرب عاتقه ، وهو يقوم ويكبو ، فحمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس النخعيّ ، فطعنه بالرمح ، فوقع وقال لخولي بن يزيد الأصبحيّ : احتز رأسه ، فأرعد وضعف ، فنزل عليه ، وذبحه ، وأخذ رأسه ، فدفعه إلى خولي ، وسلب الحسين ما كان عليه حتى سراويله ، ومال الناس ، فانتهبوا ثقله ومتاعه ، وما على النساء.

ووجد بالحسين : ثلاث وثلاثون طعنة ، وأربع وأربعون ضربة ، ونادى عمرو بن سعد في أصحابه : من ينتدب للحسين فيوطئه فرسه ، فانتدى عشر فداسوا الحسين بخيولهم ، حتى رضوا ظهره وصدره ، وكان عدّة من قتل معه : اثنين وسبعين رجلا ، ومن أصحاب عمرو بن سعد : ثمانية وثمانين رجلا غير الجرحى ، ودفن أهل الغاضرية من بني أسد الحسين بعد قتله بيوم وبعد أن أخذ عمرو بن سعد رأسه ، ورؤوس أصحابه وبعث بها إلى ابن زياد ، فأحضر الرءوس بين يديه ، وجعل ينكث بقضيب ثنايا الحسين ، وزيد بن أرقم حاضر ، وأقام ابن سعد بعد قتل الحسين يومين ، ثم رحل إلى الكوفة ، ومعه ثياب الحسين وإخوانه ، ومن كان معه من الصبيان ، وعليّ بن الحسين مريض ، فأدخلهم على زياد ، ولما مرّت زينب بالحسين صريعا صاحت : يا محمداه هذا حسين بالعراء! مزمل بالدماء! مقطع الأعضاء! يا محمد بناتك سبايا ، وذريتك مقتلة فأبكت كل عدوّ وصديق ، وطيف برأسه بالكوفة على خشبة ، ثم أرسل بها إلى يزيد بن معاوية ، وأرسل النساء والصبيان ، وفي عنق عليّ بن الحسين ويديه الغل ، وحملوا على الأقتاب ، فدخل بعض بني أمة على يزيد ، فقال : أبشر يا أمير المؤمنين ، فقد أمكنك الله من عدوّ الله ، وعدوّك قد قتل ، ووجه برأسه إليك ، فلم يلبث إلّا أياما حتى جيء برأس الحسين ، فوضع بين يدي يزيد في طشت ، فأمر الغلام فرفع الثوب الذي كان عليه ، فحين رآه خمر وجهه بكمه كأنه شمّ منه رائحة ، وقال : الحمد لله الذي كفانا المؤنة بغير مؤنة ، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأ الله ، قالت ريّا حاضنة يزيد ، فدنوت منه ، فنظرت إليه وبه ردغ من حناء ، والذي أذهب نفسه ، وهو قادر على أن يغفر له ، لقد رأيته يقرع ثناياه بقضيب في يده ، ويقول أبياتا من شعر ابن الزبعري ، ومكث الرأس مصلوبا بدمشق ثلاثة أيام ، ثم أنزل في خزائن السلاح ، حتى ولي سليمان بن عبد الملك الملك ، فبعث إليه ، فجيء به ، وقد محل ، وبقي عظما أبيض ، فجعله في سفط ، وطيبه وجعل عليه ثوبا ، ودفنه في مقابر المسلمين.

فلما ولي عمر بن عبد العزيز بعث إلى خازن بيت السلاح أن وجه إليّ برأس الحسين ابن عليّ ، فكتب إليه : إنّ سليمان أخذه وجعله في سفط ، وصلى عليه ، ودفنه ، فلما دخلت

٣٢٨

المسودّة سألوا عن موضع الرأس الكريمة الشريفة ، فنبشوه وأخذوه ، والله أعلم ما صنع به.

وقال السريّ : لما قتل الحسين بن عليّ بكت السماء عليه ، وبكاؤها حمرتها ، وعن عطاء في قوله تعالى : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) [الدخان / ٢٩] قال : بكاؤها حمرة أطرافها. وعن عليّ بن مسهر قال : حدّثتني جدّتي قالت : كنت أيام الحسين جارية شابة ، فكانت السماء أياما كأنها علقة. وعن الزهري بلغني : أنه لم يقلب حجر من أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين إلّا وجد تحته دم عبيط.

ويقال : إنّ الدنيا أظلمت يوم قتل ثلاثا ، ولم يمس أحد من زعفرانهم شيئا ، فجعله على وجهه إلّا احترق وأنهم أصابوا إبلا في عسكر الحسين يوم قتل ، فنحروها وطبخوها فصارت مثل العلقم ، فما استطاعوا أن يسيغوا منها شيئا ، وروي : أن السماء أمطرت دما ، فأصبح كل شيء لهم ملآن دما.

ما كان يعمل في يوم عاشوراء

قال ابن زولاق في كتاب سيرة المعز لدين الله في يوم عاشوراء من سنة ثلاث وستين وثلثمائة ، انصرف خلق من الشيعة ، وأشياعهم إلى المشهدين : قبر كلثوم ونفيسة ، ومعهم جماعة من فرسان المغاربة ، ورجالتهم بالنياحة والبكاء على الحسين عليه‌السلام ، وكسروا أواني السقائين في الأسواق ، وشققوا الروايا ، وسبوا من ينفق في هذا اليوم ، ونزلوا حتى بلغوا مسجد الريح ، وثارت عليهم جماعة من رعية أسفل ، فخرج أبو محمد الحسين بن عمار ، وكان يسكن هناك في دار محمد بن أبي بكر ، وأغلق الدرب ، ومنع الفريقين ، ورجع الجميع ، فحسن موقع ذلك عند المعز ، ولو لا ذلك لعظمت الفتنة ، لأنّ الناس قد غلقوا الدكاكين وأبواب الدور ، وعطلوا الأسواق ، وإنما قويت أنفس الشيعة بكون المعز بمصر ، وقد كانت مصر لا تخلو منهم في أيام الإخشيدية ، والكافورية في يوم عاشوراء عند قبر كلثوم ، وقبر نفيسه؟ وكان السودان وكافور يتعصبون على الشيعة ، وتتعلق السودان في الطرقات بالناس ، ويقولون للرجل : من خالك؟ فإن قال : معاوية ، أكرموه ، وإن سكت لقي المكروه ، وأخذت ثيابه ، وما معه حتى كان كافور قد وكل بالصحراء ومنع الناس من الخروج.

وقال المسبحيّ : وفي يوم عاشوراء ، يعني من سنة ست وتسعين وثلثمائة جرى الأمر فيه على ما يجري كل سنة من تعطيل الأسواق ، وخروج المنشدين إلى جامع القاهرة ، ونزولهم مجتمعين بالنوح والنشيد ثم جمع بعد هذا اليوم قاضي القضاة عبد العزيز من النعمان ، سائر المنشدين الذين يتكسبون بالنوح والنشيد وقال لهم : لا تلزموا الناس أخذ شيء منهم إذا وقفتم على حوانيتهم ، ولا تؤذوهم ، ولا تتكسبوا بالنوح والنشيد ، ومن أراد ذلك فعليه بالصحراء ، ثم اجتمع بعد ذلك طائفة منهم يوم الجمعة في الجامع العتيق بعد

٣٢٩

الصلاة ، وأنشدوا ، وخرجوا على الشارع بجمعهم ، وسبّوا السلف ، فقبضوا على رجل ، ونودي عليه : هذا جزاء من سب عائشة ، وزوجها صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقدّم الرجل بعد النداء ، وضرب عنقه.

وقال ابن المأمون : وفي يوم عاشوراء ، يعني من سنة خمس عشرة وخمسمائة عبىء السماط بمجلس العطايا من دار الملك بمصر ، التي كان يسكنها الأفصل بن أمير الجيوش ، وهو السماط المختص بعاشوراء ، وهو يعبئ في غير المكان الجاري به العادة في الأعياد ، ولا يعمل مدورة خشب بل سفرة كبيرة من أدم ، والسماط يعلوها من غير مرافع نحاس ، وجميع الزبادي أجبان ، وسلائط ومخللات ، وجميع الخبز من شعير ، وخرج الأفضل من باب فردالكم ، وجلس على بساط صوف من غير مشورة ، واستفتح المقرئون ، واستدعى الأشراف على طبقاتهم ، وحمل السماط لهم ، وقد عمل في الصحن الأول الذي بين يدي الأفضل إلى آخر السماط عدس أسود ، ثم بعده عدس مصفى إلى آخر السماط ، ثم رفع وقدّمت صحون جميعها عسل نحل.

ولما كان يوم عاشوراء من سنة ست عشرة وخمسمائة جلس الخليفة الآمر بأحكام الله على باب الباذهنج يعني من القصر بعد قتل الأفضل وعود الأسمطة إلى القصر على كرسيّ جريد بغير مخدّة متلثما هو وجميع حاشيته ، فسلم عليه الوزير المأمون وجميع الأمراء الكبار ، والصغار بالقيراميز ، وأذن للقاضي ، والداعي ، والأشراف ، والأمراء بالسلام عليه ، وهم بغير مناديل ملثمون حفاة ، وعبىء السماط في غير موضعه المعتاد ، وجميع ما عليه خبز الشعير والحواضر على ما كان في الأيام الأفضلية ، وتقدّم إلى والي مصر والقاهرة بأن لا يمكنا أحدا من جمع ولا قراءة مصرع الحسين ، وخرج الرسم المطلق للمتصدّرين والقرّاء الخاص ، والوعاظ ، والشعراء ، وغيرهم على ما جرت به عادتهم.

قال : وفي ليلة عاشوراء من سنة سبع عشرة وخمسمائة : اعتمد الأجل الوزير المأمون على السنة الأفضلية من المضيّ فيها إلى التربة الجيوشية ، وحضور جميع المتصدّرين ، والوعاظ ، وقرّاء القرآن إلى آخر الليل ، وعوده إلى داره ، واعتمد في صبيحة الليلة المذكورة مثل ذلك ، وجلس الخليفة على الأرض متلثما يرى به الحزن ، وحضر من شرف بالسلام عليه ، والجلوس على السماط بما جرت به العادة.

قال ابن الطوير : إذا كان اليوم العاشر من المحرّم : احتجب الخليفة عن الناس فإذا علا النهار ركب قاضي القضاة ، والشهود ، وقد غيروا زيهم فيكونون كما هم اليوم ، ثم صاروا إلى المشهد الحسينيّ ، وكان قبل ذلك يعمل في الجامع الأزهر ، فإذا جلسوا فيه ، ومن معهم من قرّاء الحضرة ، والمتصدّرين في الجوامع جاء الوزير ، فجلس صدرا ، والقاضي والداعي من جانبيه ، والقرّاء يقرءون نوبة بنوبة ، وينشد قوم من الشعراء غير شعراء الخليفة شعرا

٣٣٠

يرثون به أهل البيت عليهم‌السلام ، فإن كان الوزير رافضيا تغالوا ، وإن كان سنيا اقتصدوا ، ولا يزالون كذلك إلى أن تمضي ثلاث ساعات ، فيستدعون إلى القصر بنقباء الرسائل ، فيركب الوزير ، وهو بمنديل صغير إلى داره ، ويدخل قاضي القضاة والداعي ، ومن معهما إلى باب الذهب ، فيجدون الدهاليز قد فرشت مصاطبها بالحصر بدل البسط ، وينصب في الأماكن الخالية من المصاطب دكك لتلحق بالمصاطب لتفرش ، ويجدون صاحب الباب جالسا هناك ، فيجلس القاضي والداعي إلى جانبه ، والناس على اختلاف طبقاتهم ، فيقرأ القرّاء وينشد المنشدون أيضا ثم يفرش عليهم سماط الحزن مقدار ألف زبدية من العدس ، والملوحات ، والمخللات ، والأجبان والألبان الساذجة والأعسال النحل ، والفطير والخبز المغير لونه ، فإذا قرب الظهر وقف صاحب الباب ، وصاحب المائدة ، وأدخل الناس للأكل منه ، فيدخل القاضي والداعي ، ويجلس صاحب الباب نيابة عن الوزير ، والمذكوران إلى جانبه ، وفي الناس من لا يدخل ، ولا يلزم أحد بذلك ، فإذا فرغ القوم انفصلوا إلى أماكنهم ركبانا بذلك الزي الذي ظهروا فيه ، وطاف النوّاح بالقاهرة ذلك اليوم ، وأغلق البياعون حوانيتهم إلى جواز العصر ، فيفتح الناس بعد ذلك أو يتصرّفون.

ذكر أبواب القصر الكبير الشرقي

وكان لهذا القصر الكبير الشرقيّ تسعة أبواب أكبرها وأجلها : باب الذهب ، ثم باب البحر ، ثم باب الريح ، ثم باب الزمرّذ ، ثم باب العيد ، ثم باب قصر الشوك ، ثم باب الديلم ، ثم باب تربة الزعفران ، ثم باب الزهومة.

باب الذهب (١) : وهو باب القصر الذي تدخل منه العساكر ، وجميع أهل الدولة في يومي الاثنين والخميس للموكب المقدّم ذكره بقاعة الذهب.

قال ابن أبي طيء عن المعز لدين الله : أنه لما خرج من بلاد المغرب أخرج أموالا كانت له ببلاد المغرب ، وأمر بسبكها أرحية كأرحية الطواحين ، وأمر بها حين دخل إلى مصر فألقيت على باب قصره ، وهي التي كان الناس يسمونها : الحشرات ، ولم تزل على باب القصر إلى أن كان زمن الغلاء في أيام الخليفة المستنصر بالله ، فلما ضاق بالناس الأمر أذن لهم أن يبردوا منها بمبارد ، فاتخذ الناس مبارد حادّة وغرّهم الطمع ، حتى ذهبوا بأكثرها ، فأمر بحمل الباقي إلى القصر فلم تر بعد ذلك.

وقال ابن ميسر : إن المعز لما قدم إلى القاهرة كان معه مائة جمل عليها الطواحين من الذهب ، وقال غيره : كانت خمسمائة جمل على كل جمل : ثلاثة أرحية ذهبا ، وإنه عمل

__________________

(١) وهو باب القصر الأعظم ، وكان يقابل باب القصر الغربي ومنه تدخل المواكب وجميع أرباب الدولة.

صبح الأعشى ٣ / ٣٩٤.

٣٣١

عضادتي الباب من تلك الأرحية واحدة فوق أخرى ، فسمي : باب الذهب.

جلوس الخليفة في الموالد بالمنظرة علو باب الذهب : قال ابن المأمون في أخبار سنة ست عشرة وخمسمائة : وفي الثاني عشر من المحرّم ، كان المولد الآمريّ ، واتفق كونه في هذا الشهر يوم الخميس ، وكان قد تقرّر أن يعمل أربعون صينية خشكنانج ، وحلوى وكعك ، وأطلق برسم المشاهد المحتوية على الضرائح الشريفة لكل مشهد سكر وعسل ولوز ودقيق وشيرج ، وتقدّم بأن يعمل خمسمائة رطل حلوى ، وتفرّق على المتصدّرين ، والقرّاء والفقراء للمتصدّرين ، ومن معهم في صحون ، وللفقراء على أرغفة السميذ ، ثم حضر في الليلة المذكورة القاضي والداعي ، والشهود ، وجميع المتصدّرين وقرّاء الحضرة ، وفتحت الطاقات التي قبليّ باب الذهب ، وجلس الخليفة وسلموا عليه ، ثم خرج متولي بيت المال بصندوق مختوم ، ضمنه عينا مائة دينار ، وألف وثمانمائة وعشرون درهما برسم أهل القرافة ، وساكنيها وغيرهم ، وفرّقت الصواني بعد ما حمل منها للخاص ، وزمام القصر ومتولي الدفتر خاصة وإلى دار الوزارة ، والأجلاء الأخوة ، والأولاد ، وكاتب الدست ، ومتولي حجبة الباب ، والقاضي والداعي ، ومفتي الدولة ومتولي دار العلم ، والمقرئين الخاص ، وأئمة الجوامع بالقاهرة ومصر ، وبقية الأشراف.

قال : وخرج الآمر ، يعني في سنة سبع عشرة وخمسمائة بإطلاق ما يخص المولد الآمريّ برسم المشاهد الشريفة من سكر وعسل وشيرج ودقيق ، وما يصنع مما يفرّق على المساكين بالجامعين الأزهر بالقاهرة ، والعتيق بمصر ، وبالقرافة خمسة قناطير حلوى وألف رطل دقيق ، وما يعمل بدار الفطرة ، ويحمل للأعيان ، والمستخدمين من بعد القصور ، والدار المأمونية صينية خشكنانج ، وحضر القاضي والداعي ، والمستخدمون بدار العيد ، والشهود في عشية اليوم المذكور ، وقطع سلوك الطريق بين القصرين ، وجلس الخليفة في المنظرة ، وقبلوا الأرض بين يديه ، والمقرئون الخاص جميعهم يقرءون القرآن وتقدّم الخطيب ، وخطب خطبة وسع القول فيها ، وذكر الخليفة والوزير ، ثم حضر من أنشد ، وذكر فضيلة الشهر والمولود فيه ، ثم خرج متولي بيت المال ، ومعه صندوق من مال النجاوي خاصة مما يفرّق على الحكم المتقدّم ذكره. قال : واستهلّ ربيع الأوّل ، ونبدأ بما شرّف به الشهر المذكور ، وهو ذكر مولد سيد الأوّلين والآخرين محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لثلاث عشرة منه ، وأطلق ما هو برسم الصدقات من مال النجاوي خاصة ستة آلاف درهم ، ومن الأصناف من دار الفطرة أربعون صينية فطرة ، ومن الخزائن برسم المتولين ، والسدنة للمشاهد الشريفة التي بين الجبل والقرافة التي فيها أعضاء آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولوز عسل ، وشيرج لكل مشهد ، وما يتولى تفرقته : سنا الملك ابن ميسر أربعمائة رطل حلاوة ، وألف رطل خبز.

قال : وكان الأفضل بن أمير الجيوش قد أبطل أمر الوالد الأربعة : النبويّ ، والعلويّ ،

٣٣٢

والفاطميّ ، والإمام الحاضر ، وما يهتمّ به ، وقدم العهد به حتى نسي ذكرها ، فأخذ الأستاذون يجدّدون ذكرها للخليفة الآمر بأحكام الله ، ويردّدون الحديث معه فيها ، ويحسنون له معارضة الوزير بسببها ، وإعادتها ، وإقامة الجواري والرسوم فيها ، فأجاب إلى ذلك ، وعمل ما ذكر.

وقال ابن الطوير : ذكر جلوس الخليفة في الموالد الستة في تواريخ مختلفة ، وما يطلق فيها ، وهي مولد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومولد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، ومولد فاطمة عليها‌السلام ، ومولد الحسن ، ومولد الحسين عليهما‌السلام ، ومولد الخليفة الحاضر ، ويكون هذا الجلوس في المنظرة التي هي أنزل المناظر ، وأقرب إلى الأرض قبالة دار فخر الدين جهاركس ، والفندق المستجدّ ، فإذا كان اليوم الثاني عشر من ربيع الأوّل ، تقدّم بأن يعمل في دار الفطرة عشرون قنطارا من السكر اليابس حلواء يابسة من طرائفها ، وتعبى في ثلثمائة صينية من النحاس ، وهو مولد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فتفرّق تلك الصواني في أرباب الرسوم من أرباب الرتب ، وكل صينية في قوارة من أوّل النهار إلى ظهره.

فأوّل أرباب الرسوم قاضي القضاة ، ثم داعي الدعاة ، ويدخل في ذلك القرّاء بالحضرة ، والخطباء والمتصدّرون بالجوامع بالقاهرة ، وقومة المشاهد ، ولا يخرج ذلك مما يتعلق بهذا الجانب بدعو يخرج من دفتر المجلس كما قدّمناه ، فإذا صلى الظهر ركب قاضي القضاة ، والشهود بأجمعهم إلى الجامع الأزهر ، ومعهم أرباب تفرقة الصواني ، فيجلسون مقدار قراءة الختمة الكريمة ، ثم يستدعي قاضي القضاة ، ومن معه فإن كانت الدعوة مضافة إليه ، وإلّا حضر الداعي معه بنقباء الرسائل ، فيركبون ويسيرون إلى أن يصلوا إلى آخر المضيق من السيوفيين قبل الابتداء بالسلوك بين القصرين ، فيقفون هناك ، وقد سلكت الطريق على السالكين من الركن المخلق ، ومن سويقة أمير الجيوش عند الحوض هناك ، وكنست الطريق فيما بين ذلك ، ورشت بالماء رشا خفيفا ، وفرش تحت المنظرة المذكورة بالرمل الأصفر.

ثم يستدعى صاحب الباب من دار الوزارة ، ووالي القاهرة ماض ، وعائد لحفظ ذلك اليوم من الازدحام على نظر الخليفة ، فيكون بروز صاحب الباب من الركن المخلق هو وقت استدعاء القاضي ومن معه من مكان وقوفهم ، فيقربون من المنظرة ، يترجلون قبل الوصول إليها بخطوات ، فيجتمعون تحت المنظرة دون الساعة الزمانية بسمت وتشوّف لانتظار الخليفة ، فتفتح إحدى الطاقات ، فيظهر منها وجهه ، وما عليه من المنديل ، وعلى رأسه عدّة من الأستاذين المحنكين ، وغيرهم من الخواص منهم ، ويفتح بعض الأستاذين طاقة ، ويخرج منها رأسه ويده اليمنى في كمه ، ويشير به قائلا : أمير المؤمنين يردّ عليكم السلام ، فيسلم بقاضي القضاة أوّلا بنعوته وبصاحب الباب بعده كذلك ، وبالجماعة الباقية جملة جملة

٣٣٣

من غير تعيين أحد ، فيستفتح قرّاء الحضرة بالقراءة ويكونون قياما في الصدر وجوههم للحاضرين ، وظهورهم إلى حائط المنظرة ، فيقدّم خطيب الجامع الأنور المعروف بجامع الحاكم ، فيخطب كما يخطب فوق المنبر إلى أن يصل إلى ذكر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيقول : وإنّ هذا يوم مولده إلى ما منّ الله به على ملة الإسلام من رسالته ، ثم يختم كلامه بالدعاء للخليفة ، ثم يؤخر ويقدّم خطيب الجامع الأزهر ، فيخطب كذلك ، ثم خطيب الجامع الأقمر فيخطب كذلك ، والقرّاء في خلال خطابة الخطباء يقرءون. فإذا انتهت خطابة الخطباء أخرج الأستاذ رأسه ، ويده في كمه من طاقته ، وردّ على الجماعة السلام ، ثم تغلق الطاغتان ، فتنفض الناس ويجري أمر الموالد الخمسة الباقية على هذا النظام إلى حين فراغها على عدّتها من غير زيادة ولا نقص ، انتهى.

وهذا الباب صار بعد زوال الدولة الفاطمية يقابل دار الأمير فخر الدين جهاركس الصلاحيّ التي عرفت بعد ذلك بالدار القطبية ، وهي الآن المارستان المنصوري ، وصار موضع هذا الباب محراب مدرسة الظاهر ركن الدين بيبرس.

باب البحر (١) : هو من إنشاء الحاكم بأمر الله أبي عليّ منصور ، وهدم في أيام الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداريّ ، وشوهد فيه أمر عجيب.

قال جامع السيرة الظاهرية : لما كان يوم عاشوراء يعني من سنة اثنتين وسبعين وستمائة رسم بنقض علو أحد أبواب القصر المسمى بباب البحر ، قبالة المدرسة دار الحديث الكاملية لأجل نقل عمدة فيه لبعض العمائر السلطانية ، فظهر صندوق في حائط مبنيّ عليه ، فللوقت أحضرت الشهود وجماعة كثيرة ، وفتح الصندوق ، فوجد فيه صورة من نحاس أصفر مفرغ على كرسيّ شبه الهرام ، ارتفاعه قدر شبر له أربعة أرجل تحمل الكرسيّ ، والصنم جالس متورّكا ، وله يدان مرفوعتان ارتفاعا جيدا يحمل صحيفة دورها : قدر ثلاثة أشبار ، وفي هذه الصحيفة أشكال ثابتة ، وفي الوسط صورة رأس بغير جسد ، ودائرة مكتوب كتابة بالقبطيّ ، وبالقلفطيريات وإلى جانبها في الصحيفة شكل له قرنان يشبه شكل السنبلة ، وإلى الجانب الآخر شكل آخر ، وعلى رأسه صليب ، والآخر في يده عكاز ، وعلى رأسه صليب ، وتحت أرجلهم أشكال طيور ، وفوق رؤوس الأشكال كتابة ، ووجد مع هذا الصنم في الصندوق لوح من ألواح الصبيان التي يكتبون فيها بالمكاتب مدهون وجهه الواحد أبيض ، ووجهه الواحد أحمر ، وفيه كتابة قد تكشط أكثرها من طول المدّة ، وقد بلي اللوح وما بقيت الكتابة تلتئم ، ولا الخط يفهم.

وهذا نص ما فيه ، وأخليت مكان كتابته التي تكشطت ، وأمّا الوجه الأبيض : فهو

__________________

(١) من أبواب القصر الغربية سمي بذلك لأن الخليفة كان يخرج منه عند ما يقصد التوجه إلى شاطىء النيل بالمقس وهو من إنشاء الحاكم بأمر الله وموضعه قبالة المدرسة الكاملية. (محمد رمزي).

٣٣٤

مكتوب بقلم الصحيفة القبطيّ ، والمكتوب في الوجه الأحمر على هذه الصورة : السطر الأوّل بقي منه مكتوبا الإسكندر (١) ، السطر الثاني : الأرض وهبها له ، السطر الثالث : وجرب لكل (٢) ، السطر الرابع : أصحاب (٣) ، السطر الخامس : وهو يحرس (٤) ، السطر السادس : واحترازه بقوّة ، السطر السابع : الملك مرجو ، وأبواب السطر الثامن غير بيته سبعة (٥) ، السطر التاسع : عالم حكيم عالم في عقله ، السطر العاشر : وصفها فلا تفسد ، السطر الحادي عشر : طارد كل سوء ، والذي صاغها النساء ، السطر الثاني : عشر سد أيضا كل آثار اسدية بيبرس ، وهي أحد (٦) ، السطر الثالث عشر : بيبرس ملك الزمان والحكمة كلمة الله عزوجل ، هذا صورة ما وجد في اللوح مما بقي من الكتابة والبقية قد تكشط.

وقيل : إنّ هذا اللوح بخط الخليفة الحاكم ، وأعجب ما فيه اسم السلطان ، وهو بيبرس ، ولما شاهد السلطان ذلك : أمر بقراءته ، فعرض على قرّاء الأقلام ، فقرىء ، وذلك بالقلم القبطيّ ، ومضمونه طلسم عمل للظاهر بن الحاكم ، واسم أمّه رصد ، وفيه أسماء الملائكة ، وعزائم ورقي وأسماء روحانية ، وصور ملائكة أكثره حرس لديار مصر وثغورها ، وصرف الأعداء عنها ، وكفهم عن طروقهم إليها ، وابتهال إلى الله تعالى بأقسام كثيرة لحماية الديار المصرية ، وصونها من الأعداء ، وحفظها من كل طارق من جميع الأجناس ، وتضمن هذا الطلسم : كتابة بالقلفطيريات ، وأوفاقا ، وصورا ، وخواص لا يعلمها إلّا الله تعالى ، وحمل هذا الطلسم إلى السلطان ، وبقي في ذخائره. قال : ورأيت في كتاب عتيق رث سماه مصنفه : وصية الإمام العزيز بالله ، والد الإمام الحاكم بأمر الله لولده المذكور ، وقد ذكر فيه الطلسمات التي على أبواب القصر ، ومن جملتها : إنّ أوّل البروج : الحمل ، وهو بيت المريخ وشرف الشمس ، وله القوّة على جميع سلطان الفلك ، لأنه صاحب السيف ، واسفهسلارية العسكر بين يدي الشمس الملك ، وله الأمر والحرب والسلطان والقوّة ، والمستولي لقوّة روحانيته على مدينتنا ، وقد أقمنا طلسما لساعته ويومه لقهر الأعداء ، وذل المنافقين في مكان أحكمناه على إشرافه عليه ، والحصن الجامع لقصر مجاور الأوّل باب بنيناه ، هذا نص ما رأيته ، انتهى.

ولعل معنى كتابة بيبرس في هذا اللوح إشارة إلى أن هدم هذا الباب يكون على زمان بيبرس ، فإنّ القوم كانت لهم معارف كثيرة ، وعنايتهم بهذا الفنّ وافرة كبيرة ، والله أعلم ، وموضع باب البحر هذا اليوم يعرف : بباب قصر بشتاك ، قبالة المدرسة الكاملية.

باب الريح (٧) : كان على ما أدركته تجاه سور سعيد السعداء على يمنة السالك من

__________________

(١) بالأصل هكذا غير مكتملة.

(٢) باب الريح : مكانه اليوم باب وكالة سالم وسعيد بأزرعة الحضارمة رقم / ٢٥ / بشارع التمبكشية جوار جامع جمال الدين (الجامع المعلق) تجاه الجانب القبلي لجامع سعيد السعداء. (محمد رمزي).

٣٣٥

الركن المخلق إلى رحبة باب العيد ، وكان بابا مربعا ، يسلك فيه من دهليز مستطيل مظلم إلى حيث المدرسة السابقية ، ودار الطواشي سابق الدين ، وقصر أمير السلاح ، وينتهي إلى ما بين القصرين تجاه حمام البيسري ، وعرف هذا الباب في الدولة الأيوبية : بباب قصر ابن الشيخ ، وذلك أن الوزير : الصاحب معين الدين حسين بن شيخ الشيوخ ، وزير الملك الصالح نجم الدين أيوب : كان يسكن بالقصر الذي في داخل هذا الباب ، ثم قيل له في زمننا : باب القصر ، وكان على حاله ، له عضادتان من حجارة ، ويعلوه اسكفة حجر مكتوب فيها نقرا في الحجر عدّة أسطر ، بالقلم الكوفيّ لم يتهيأ لي قراءة ما فيها ، وكان دهليز هذا الباب عريضا يتجاوز عرضه فيما أقدّر : العشرة أذرع في طول كبير جدّا ، ويعلو هذا الباب دور للسكنى تشرف على الطريق ، وما زال على ذلك ، إلى أن أنشأ الأمير الوزير المشير جمال الدين يوسف الإستادار مدرسته برحبة باب العيد ، واغتصب لها أملاك الناس ، وكان مما اغتصب ما بجوار المدرسة المذكورة من الحوانيت ، والرباع التي فوقها ، وما جاوز ذلك ، وهدمها ليبنيها على ما يريد ، فهدم هذا الباب في صفر سنة إحدى عشرة وثمانمائة ، وبنى في مكانه ، ومكان الدهليز المظلم الذي كان ينتهي بالسالك فيه من هذا الباب إلى المدرسة السابقية : هذه القيسارية الكبيرة ذات الحوانيت ، والسقيفة والأبواب الجديدة ، ودخل فيها بعض مما كان بجانبي هذا الباب من الحوانيت وعلوها ، ولما هدم هذا الباب ظهر في داخل بنيانه شخص ، وبلغني ذلك فسرت إلى الأمير المذكور ، وكان بيني وبين صحبة ، لأشاهد هذا الشخص المذكور ، والتمست منه إحضاره ، فأخبرني أنه أحضر إليه شخص من حجارة : قصير القامة إحدى عينيه أصغر من الأخرى ، فقلت : لا بدّ لي من مشاهدته ، فأمر بإحضاره الموكل بالعمارة ، وأنا معه إذ ذاك في موضع الباب ، وقد هدم ما كان فيها من البناء ، فذكر أنه رماه بين أحجار العمارة ، وأنه تكسر وصار فيما بينها ، ولا يستطيع تمييزه منها ، فأغلظ عليه وبالغ في الفحص عنه ، فأعياهم إحضاره.

فسألت الرجل حينئذ فقال لي : إنهم لما انتهوا في الهدم إلى حيث كان هذا الشخص إذا بدائرة فيها كتابة وبوسطها شخص قصير ، صغير إحدى العينين من حجارة ، وهذه كانت صفة جمال الدين فإنه كان قصير القامة ، إحدى عينيه أصغر من الأخرى ، ويشبه ، والله أعلم ، أن يكون قد عين في تلك الكتابة التي كانت حول الشخص ، أنّ هذا الباب يهدمه من هذه صفته ، كما وجد في باب البحر اسم بيبرس الذي هدم على يديه ، وبأمره ، وقد ظفر جمال الدين هذا بأموال عظيمة وجدها في داخل هذا القصر ، لما أنشأ داره الأولى في الحدرة من داخل هذا الباب في سنة ست وتسعين وسبعمائة ، وكان لكثرة هذا المال لا يستطيع كتمانه ، ومن شدّة خوفه يومئذ من الظاهر برقوق أن يظهر عليه ، لا يقدر أن يصرّح به ، فكان يقول لأصحابه وخواصه : وجدت في هذا المكان سبعين قفة من حديد.

أخبرني اثنان رئيسان من أعيان الدولة عنه : إنه قال لهما هذا القول ، وكنت إذ ذاك أيام

٣٣٦

عمارته لهذه القاعة أتردّد لشيخنا سراج الدين عمر بن الملقن رحمه‌الله تعالى بالمدرسة السابقية ، وبها كان يسكن ، فتعرّفت بجمال الدين منه ، وكان يومئذ من عرض الجند ، ويعرف : باستادار نحاس ، فاشتهر هناك أنه وجد حال هدمه وعمارته القاعة ، والرواق بالحدرة مكانا مبنيا تحت الأرض مبيض الحيطان ، فيه مال فما كان عندي شك أنه من أموال خبايا الفاطميين ، فإنه قد ذكر غير واحد من الإخباريين ، أن السلطان صلاح الدين لما استولى على القصر بعد موت العاضد لم يظفر بشيء من الخبايا ، وعاقب جماعة ، فلم يوقفوه على أمرها.

باب الزمرد (١) : سمي بذلك لأنه كان يتوصل منه إلى قصر الزمرذ ، وموضعه الآن المدرسة الحجازية بخط رحبة باب العيد.

باب العيد (٢) : هذا الباب مكانه اليوم في داخل درب السلامي بخط رحبة باب العيد ، وهو عقد محكم البناء ويعلوه قبة قد عملت مسجدا ، وتحتها حانوت يسكنه سقّاء ، ويقابله مصطبة ، وأدركت العامّة ، وهم يسمون هذه القبة بالقاهرة ، ويزعمون أن الخليفة كان يجلس بها ، ويرخي كمه فتأتي الناس وتقبله ، وهذا غير صحيح ، وقيل لهذا الباب : باب العيد ، لأنّ الخليفة كان يخرج منه في يومي العيد إلى المصلى بظاهر باب النصر ، فيخطب بعد أن يصلي بالناس صلاة العيد ، كما ستقف عليه عند ذكر المصلى إن شاء الله تعالى ، وفي سنة إحدى وستين وستمائة : بنى الملك الظاهر بيبرس خانا للسبيل بظاهر مدينة القدس ، ونقل إليه باب العيد هذا ، فعمله بابا له ، وتم بناؤه في سنة اثنتين وستين.

باب قصر الشوك (٣) : وهو الذي كان يتوصل منه إلى قصر الشوك ، وموضعه الآن تجاه حمام عرفت بحمام الإيدمريّ ، ويقال لها اليوم : حمام يونس عند موقف المكارية ، بجوار خزانة البنود على يمنة السالك منها إلى رحبة الإيدمريّ ، وهو الآن زقاق ينتهي إلى بئر يسقى منها بالدلاء ، ويتوصل من هناك إلى المارستان العتيق وغيره ، وأدركت منه قطعة من جانبه الأيسر.

باب الديلم (٤) : وكان يدخل منه إلى المشهد الحسينيّ ، وموضعه الآن درج ينزل منها

__________________

(١) باب الزمرد : هو إلى جانب باب العيد وكان من الأبواب الشرقية للقصر الكبير. صبح الأعشى ٣ / ٣٩٥.

(٢) باب العيد : هو باب البيمارستان العتيق سمي بذلك لأن الخليفة كان يخرج منه لصلاة العيد. وإليه تنسب رحبة باب العيد. صبح الأعشى ٣ / ٣٩٥.

(٣) باب قصر الشوك : ومكانه بالموضع المعروف بقصر الشوك على القرب من رحبة الأيدمري. صبح الأعشى ٣ / ٣٩٥.

(٤) باب الديلم : هو باب مشهد الحسين. وموضعه اليوم بوابة أثرية قديمة يعلوها مئذنة قديمة على مدخل شارع الباب الأخضر الشرقي لمسجد سيدنا الحسين (مصطلحات محمد رمزي).

٣٣٧

إلى المشهد تجاه الفندق الذي كان دار الفطرة ، ولم يبق لهذا الباب أثر البتة.

باب تربة الزعفران (١) : مكانه الآن بجوار خان الخليلي من بحريه ، مقابل فندق المهمندار الذي يدق فيه ورق الذهب ، وقد بني بأعلاه طبقة ، ورواق ولا يكاد يعرفه كثير من الناس ، وعليه كتابة بالقلم الكوفيّ ، وهذا الباب كان يتوصل منه إلى تربة القصر المذكورة فيما تقدّم.

باب الزهومة (٢) : كان في آخر ركن القصر ، مقابل خزانة الدرق التي هي اليوم : خان مسرور ، وقيل له : باب الزهومة لأن اللحوم وحوائج الطعام التي كانت تدخل إلى مطبخ القصر الذي للحوم إنما يدخل بها من هذا الباب. فقيل له : باب الزهومة يعني باب الزفر ، وكان تجاهه أيضا درب السلسلة الآتي ذكره إن شاء الله تعالى. وموضعه الآن : باب قاعة الحنابلة من المدارس الصالحية ، تجاه فندق مسرور الصغير ، ومن بعد باب الزهومة المذكور باب الذهب الذي تقدّم ذكره ، فهذه أبواب القصر الكبير التسعة.

ذكر المنحر (٣)

وكان بجوار هذا القصر الكبير : المنحر ، وهو الموضع الذي اتخذه الخلفاء لنحر الأضاحي في عيد النحر ، وعيد الغدير وكان تجاه رحبة باب العيد ، وموضعه الآن يعرف : بالدرب الأصفر تجاه خانقاه بيبرس ، وصار موضعه ما في داخل هذا الدرب من الدور والطاحون وغيرها ، وظاهره تجاه رأس حارة برجوان يفصل بينه وبين حارة برجوان الحوانيت التي تقابل باب الحارة ، ومن جملة المنحر الساحة العظيمة التي عملت لها خوند بركة أمّ السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسين ، البوّابة العظيمة بخط الركن المخلق بجوار قيسارية الجلود التي عمل فيها حوانيت الأساكفة ، وكان الخليفة إذا صلى صلاة عيد النحر ، وخطب ينحر بالمصلى ، ثم يأتي المنحر المذكور ، وخلفه المؤذنون يجهرون بالتكبير ، ويرفعون أصواتهم كلما نحر الخليفة شيئا ، وتكون الحربة في يد قاضي القضاة ، وهو بجانب الخليفة ليناوله إياها إذا نحر ، وأوّل من سنّ منهم إعطاء الضحايا ، وتفرقتها في أولياء الدولة على قدر رتبهم : العزيز بالله نزار.

__________________

(١) وهو من أبواب القصر الكبير القبلية ، كان يتوصل منه إلى مقابر الخلفاء التي كانت بداخل القصر حيث المدرسة البديرية خلف المدارس الصالحية ومحله الآن الباب المعقود تجاه خان النحاس المسمى بخان الفسقية. (مصطلحات محمد رمزي).

(٢) الزهومة : الزفر. ومكانه قاعة شيخ الحنابلة بالمدرسة الصالحية وكانوا يدخلون الطعام من هذا الباب.

صبح الأعشى ٣ / ٣٩٥.

(٣) المنحر : الموضع الذي اتخذه الخلفاء الفاطميين لنحر الأضاحي في الأعياد ومحله اليوم مجموعة المباني الواقعة غربي جامع سعيد السعداء بقسم الجمالية. (محمد رمزي).

٣٣٨

ما كان يعمل في عيد النحر : قال المسبحيّ : وفي يوم عرفة يعني من سنة ثمانين وثلثمائة حمل يانس صاحب الشرطة السماط ، وحمل أيضا عليّ بن سعد المحتسب سماطا آخر ، وركب العزيز بالله يوم النحر ، فصلى وخطب على العادة ، ثم نحر عدّة نوق بيده ، وانصرف إلى قصره ، فنصب السماط ، والموائد ، وأكل ونحر بين يديه ، وأمر بتفرقة الضحايا على أهل الدولة ، وذكر مثل ذلك في باقي السنين.

وقال ابن المأمون في عيد النحر من سنة خمس عشرة وخمسمائة : وأمر بتفرقة عيد النحر ، والهبة وجملة العين ، ثلاثة آلاف وثلثمائة وسبعون دينارا ، ومن الكسوات مائة قطعة ، وسبع قطع برسم الأمراء المطوّقين ، والأستاذين المحنكين ، وكاتب الدست ، ومتولي حجبة الباب ، وغيرهم من المستخدمين ، وعدّة ما ذبح : ثلاثة أيام النحر في هذا العيد ، وعيد الغدير : ألفان وخمسمائة وأحد وستون رأسا.

تفصيله : نوق مائة وسبعة عشر رأسا ، يقر أربعة وعشرون رأسا ، جاموس عشرون رأسا ، هذا الذي ينحره ويذبحه الخليفة بيده في المصلى والنحر ، وباب الساباط ، ويذبح الجزارون من الكباش ألفين وأربعمائة رأس ، والذي اشتملت عليه نفقات الأسمطة في الأيام المذكورة خارجا عما يعمل بالدار المأمونية من الأسمطة ، وخارجا عن أسمطة القصور عند الحرم ، وخارجا عن القصور الحلواء ، والقصور المنفوخ المصنوعة بدار الفطرة : ألف وثلثمائة وستة وعشرون دينارا ، وربع وسدس دينار ، ومن السكر برسم القصور ، والقطع المنفوخ أربعة وعشرون قنطارا.

تفصيله عن قصرين في أوّل يوم خاصة اثنا عشر قنطارا المنفوخ عن ثلاثة الأيام اثنا عشر قنطارا ، وقال في سنة ست عشرة وخمسمائة : وحضر وقت تفرقة كسوة عيد النحر ووصل ما تأخر فيها بالطراز ، وفرّقت الرسوم على من جرت عادته خارجا عما أمر به من تفرقة العين المختص بهذا العيد وأضحيته ، وخارجا عما يفرّق على سبيل المناخ ، ومن باب الساباط مذبوحا ، ومنحورا ستمائة دينار وسبعة عشر دينارا ، وفي التاسع من ذي الحجة ، جلس الخليفة الآمر بأحكام الله على سرير الملك ، وحضر الوزير ، وأولاده وقاموا بما يجب من السلام ، واستفتح المقرئون ، وتقدّم حامل المظلة ، وعرض ما جرت عادته من المظال الخمسة التي جميعها مذهب ، وسلم الأمراء على طبقاتهم ، وختم المقرئون ، وعرضت الدواب جميعها ، والعماريات والوحوش وعاد الخليفة إلى محله ، فلما أسفر الصبح : خرج الخليفة ، وسلم على من جرت عادته بالسلام عليه ، ولم يخرج شيء عما جرت به العادة في الركوب والعود ، وغير الخليفة ثيابه ، ولبس ما يختص بالنحر ، وهي البدلة الحمراء بالشدّة التي تسمى : بشدّة الوفار ، والعلم الجوهر في وجهه بغير قضيب ملك في يده إلى أن دخل المنحر ، وفرشت الملاءة الديبقيّ الحمراء وثلاث بطائن

٣٣٩

مصبوغة حمر ، ليتقي بها الدم مع كون كل من الجزارين ، بيده مكبة صفاف مدهونة يلقي بها الدم عن الملاءة ، وكبر المؤذنون ، ونحر الخليفة أربعا وثلاثين ناقة ، وقصد المسجد الذي آخر صف المنحر ، وهو مغلق بالشروب والفاكهة المعبأة فيه بمقدار ما غسل يديه ، ثم ركب من فوره ، وجملة ما نحره ، وذبحه الخليفة خاصة في المنحر ، وباب الساباط دون الأجل الوزير المأمون ، وأولاده ، وإخوته في ثلاثة الأيام ما عدّته : ألف وتسعمائة وستة وأربعون رأسا.

تفصيله : نوق مائة وثلاث عشرة ناقة ، نحر منها في المصلى عقيب الخطبة ، ناقة وهي التي تهدي وتطلب من آفاق الأرض للتبرّك بلحمها ، ونحر في المناخ مائة ناقة ، وهي التي يحمل منها للوزير ، وأولاده وإخوته والأمراء ، والضيوف ، والأجناد ، والعسكرية والمميزين من الراجل ، وفي كل يوم يتصدّق منها على الضعفاء والمساكين بناقة واحدة ، وفي اليوم الثالث من العيد تحمل ناقة منحورة للفقراء في القرافة ، وينحر في باب الساباط ما يحمل إلى من حوته القصور ، وإلى داره الوزارة ، وإلى الأصحاب ، والحواشي اثنتا عشرة ناقة ، وثماني عشرة بقرة وخمس عشرة جاموسة ، ومن الكباش ألف وثمانمائة رأس ، ويتصدّق كل يوم في باب الساباط بسقط ما يذبح من النوق والبقر.

وأما مبلغ المنصرف على الأسمطة في ثلاثة الأيام خارجا عن الأسمطة بالدار المأمونية ، فألف وثلثمائة وستة وعشرون دينارا وربع وسدس دينار ، ومن السكر برسم قصور الحلاوة ، والقطع المنفوخ المصنوعة بدار الفطرة خارجا عن المطابخ ثمانية وأربعون قنطارا.

وقال ابن الطوير : فإذا انقضى ذو القعدة ، وأهلّ ذو الحجة ، اهتمّ بالركوب في عيد النحر ، وهو يوم عاشره ، فيجري حاله كما جرى في عيد الفطر من الزي ، والركوب إلى المصلى ، ويكون لباس الخليفة فيه : الأحمر الموشح ، ولا ينخرم منه شيء ، وركوبه ثلاثة أيام متوالية ، فأوّلها : يوم الخروج إلى المصلى والخطابة ، كعيد الفطر ، وثاني يوم وثالثه إلى المنحر ، وهو المقابل لباب الريح الذي في ركن القصر المقابل لسور دار سعيد السعداء ، الخانقاه (١) اليوم ، وكان براحا خاليا لا عمارة فيه ، فيخرج من هذا الباب الخليفة بنفسه ، ويكون الوزير واقفا عليه ، فيترجل ويدخل ماشيا بين يديه بقربه ، هذا بعد انفصالهما من المصلى ، ويكون قد قيّد إلى هذا المنحر أحد وثلاثون فصيلا وناقة أمام مصطبة مفروشة يطلع

__________________

(١) الخانقاه : كلمة فارسية معناها البيت ، وقيل أصلها خونقاه أي الموضع الذي يأكل فيه الملك. والخوانق حصلت في الإسلام في حدود سنة ٤٠٠ ه‍ وجعلت لتخلي الصوفية فيها للعبادة. وهذه الخانقاه أول خانقاه عملت بالديار المصرية ولم تزل موجودة ومعروفة باسم : جامع سعيد السعداء بشارع الجمالية.

(محمد رمزي).

٣٤٠