كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٢

تقي الدين احمد بن علي المقريزي

كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٢

المؤلف:

تقي الدين احمد بن علي المقريزي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

مختلفة من سائر الجواهر وصناديق كثيرة مملوءة من أنواع الدوى المربعة ، والمدوّرة والصغار ، والكبار المعمولة من الذهب والفضة والصندل والعود ، والأبنوس الزنجيّ ، والعاج ، وسائر أنواع الخشب المحلاة بالجوهر ، والذهب والفضة ، وسائر الأنواع الغريبة ، والصنعة المعجزة الدقيقة بجميع آلاتها فيها ما يساوي : الألف دينار ، والأكثر والأقل سوى ما عليها من الجواهر ، وصناديق مملوءة مشارب ذهب وفضة مخرقة بالسواد صغار ، وكبار مصنوعة بأحسن ما يكون من الصنعة ، وعدّة أزيار (١) صينيّ كبار ، مختلفة الألوان مملوءة : كافورا قيصوريا ، وعدّة من جماجم (٢) العنبر الشحريّ ، ونوافج المسك التبتي ، وقواريره وشجر العود وقطعه.

ووجد للسيدة رشيدة ابنة المعز حين ماتت في سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة : ما قيمته ألف ألف دينار وسبعمائة ألف دينار من جملته : ثلاثون ثوب خز مقطوع واثنا عشر ألفا من الثياب المصمت ألوانا ، ومائة قاطرميز مملوءة كافورا قيصوريا ، ومما وجد لها معممات بجواهرها من أيام المعز ، وبيت هرون الرشيد الخز الأسود الذي مات فيه بطوس ، وكان من ولي من الخلفاء ينتظرون وفاتها ، فلم يقض ذلك إلّا للمستنصر بالله ، فحازه في خزانته.

ووجد لعبدة بنت المعز : أيضا وماتت في سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة ما لا يحصى. حدّثني بعض خزان القصر : أن خزائن السيدة عبدة ، ومقاصيرها وصناديقها ، وما يجب أن يختم عليه ذهب من الشمع في خواتيمه على الصحة والمشاهدة أربعون رطلا بالمصريّ وإنّ بطائق المتاع الموجود كتبت : في ثلاثين رزمة ورق ، ومما وجد لها أيضا : أربعمائة قمطرة (٣) ، وألف وثلثمائة قطعة مينا فضة مخرّقة زنة كل مينا : عشرة آلاف درهم ، وأربعمائة سيف محلى بالذهب ، وثلاثون ألف شقة صقلية ، ومن الجوهر ما لا يحدّ كثرة ، وزمرذ كيله : أردب واحد ، وأن سيد الوزراء أبا محمد البازوري وجد في موجوداتها : طستا وإبريقا ، فلفرط استحسانه لهما ، سأل المستنصر فيهما ، فوهبهما له ، ووجد مدهن ياقوت أحمر وزنه : سبعة وعشرون مثقالا ، وأخرج أيضا : تسعون طستا وتسعون إبريقا من صافي البلور ، ووجد في القصر خزائن مملوءة من سائر أنواع الصيني منها : أجاجين صيني كبار محلاة ، كل إجانة منها على ثلاثة أرجل على صورة الوحوش ، والسباع قيمة كل قطعة منها : ألف دينار ، معمولة لغسل الثياب ، ووجد عدّة أقفاص مملوءة ببيض صينيّ معمول على هيئة البيض في خلقته ، وبياضه يجعل فيها ماء البيض النيمبرشت يوم الفصاد ، ووجد حصير ذهب وزنها : ثمانية عشر رطلا ذكر أن الحصير التي جليت عليها : بوران بنت الحسن بن سهل

__________________

(١) أزيار : ج زير هو الدّن.

(٢) جماجم : ضرب من المكاييل وهي آنية من فضة.

(٣) القمطرة : ما تصان به الكتب ونحوها.

٣٠١

على المأمون ، وأخرج ثمان وعشرون صينية مينا مجرابا لذهب بكعوب ، كان أرسلها ملك الروم إلى العزيز بالله ، قوّمت كل صينية منها : بثلاثة آلاف دينار ، أنفذ جميعها إلى ناصر الدولة.

ووجد عدّة صناديق مملوءة مرائي حديد من صيني ، ومن زجاج المينا لا يحصى ما فيها كثرة ، جميعها محلى بالذهب المشبك والفضة ، ومنها المكلل بالجوهر في غلف الكيمخت ، وسائر أنواع الحرير والخيزران وغيره ، مضبب بالذهب والفضة ، ولها المقابض من العقيق وغيره ، وأخرج من المظال وقضبها الفضة والذهب شيء كثير ، وأخرج من خزائن الفضة ما يقارب : الألف درهم من الآلات المصنوعة من الفضة المجراة بالذهب فيها : ما زنة القطعة الواحدة منه ، خمسة آلاف درهم ، الغريبة النقش والصنعة التي تساوي خمسة دراهم بدينار ، وإنّ جميعه بيع كل عشرين درهما بدينار ، سوى ما أخذ من العشاريات الموكبية ، وأعمدة الخيام ، وقضب المظال والمتحوقات ، والأعلام والقناديل ، والصناديق ، والتوقات ، والروّازين والسروج واللجم والمناطق التي للعماريات ، والقباب وغيرها مثل ذلك وأضعافه.

وأخرج من الشطرنج والنرد المعمولة من سائر أنواع الجوهر ، والذهب ، والفضة ، والعاج والآبنوس برقاع الحرير ، والمذهب ما لا يحدّ كثرة ونفاسة ، وأخرج آلات فضة وزنها : ثلثمائة ألف ونيف ، وأربعون ألف درهم تساوي ستة دراهم بدينار ، وأخرج أقفاص مملوءة من سائر آلات مصوغة مجراة بالذهب عدّتها أربعمائة قفص كبار ، سبكت جميعها ، وفرّقت على المخالفين ، وأخرجت أربعة آلاف نرجسية مجوّفة بالذهب ، يعمل فيها النرجس ، وألفا بنفسجية كذلك ، وأخرج من خزانة الطرائف : ستة وثلاثون ألف قطعة من محكم وبلور ، وقوّم السكاكين بأقل القيم ، فجاءت قيمتها على ذلك : ستة وثلاثين ألف دينار وأخرج من تماثيل العنبر : اثنان وعشرون ألف قطعة ، أقل تمثال منها وزنه : اثنا عشر منا ، وأكبره يجاوز ذلك ، ومن تماثيل الخليفة ما لا يحدّ ، من جملتها ثمانمائة بطيخة كافور.

وأخرجت الكلوتة (١) المرصعة بالجوهر ، وكانت من غريب ما في القصر ، ونفيسه ، ذكر أن قيمتها : ثلاثون ألف دينار ، ومائة ألف دينار ، قوّمت : بثمانين ألف دينار ، وكان وزن ما فيها من الجوهر : سبعة عشر رطلا اقتسمها فخر العرب ، وتاج الملوك ، فصار إلى فخر العرب منها قطعة بلخش وزنها : ثلاثة وعشرون مثقالا ، وصار إلى تاج الدين مما وقع إليه حبات درّ ، كل حبة : ثلاثة مثاقيل ، عدّتها مائة حبة فلما كانت هزيمتهم من مصر نهبت ،

__________________

(١) الجمع كلوتات : وهي غطاء للرأس تلبس وحدها أو بعمامة وتسمى ، كلفة وكلفتاه وكلفته. استحدث لبسها في مصر سلاطين الأيوبيين. صبح الأعشى ج ١ / ٤٧٤.

٣٠٢

وأخرج من خزائن الطيب : خمسة صواري عود هندي ، كل واحد من تسعة أذرع إلى عشرة أذرع ، وكافور قيصوري زنة كل حبة : من خمسة مثاقيل إلى ما دونها ، وقطع عنبر وزن القطعة : ثلاثة آلاف مثقال ، وأخرج متارد صيني محمولة على ثلاثة أرجل ملء كل وعاء منها : مائتا رطل من الطعام ، وعدّة قطع شب وباد زهر منها : جام سعته ثلاثة أشبار ونصف ، وعمقه شبر ، مليح الصنعة ، وقاطرميز بلور فيه : صور ثابتة تسع سبعة عشر رطلا ، وبلوجة بلور مجرود تسع عشرين رطلا ، وقصرية نصب كبيرة جدّا ، وطابع ندّ فيه ألف مثقال ، كان فخر الدولة أبو الحسن عليّ بن ركن الدولة بن بويه الديلميّ عمله مكتوب في وسطه فخر الدولة شمس الملة ، وأبيات منها :

ومن يكن شمس أهل الأرض قاطبة

فندّه طابع من ألف مثقال

وطاوس ذهب مرصع بنفيس الجوهر ، عيناه من ياقوت أحمر ، وريشه من الزجاج المينا المجري بالذهب على ألوان ريش الطاوس ، وديك من الذهب له عرف مفروق كأكبر ما يكون من أعراف الديوك من الياقت الأحمر مرصع بسائر الدر ، والجوهر ، وعيناه ياقوت ، وغزال مرصع بنفيس الدر والجوهر ، وبطنه أبيض ، قد نظم من در رائع ، ومجمع سكارج من بلور تخرج منه وتعود فيه ، فتحته أربعة أشبار ، مليح الصنعة في غلاف خيزران ، وبطيخة من الكافور في شباك ذهب مرصعة وزنها خالصة سبعون مثقالا من كافور ، وقطعة عنبر تسمى : الخروف وزنها سوى ما يمسكها من الذهب : ثمانون منا ، وبطيخة كافور أيضا وجد ما عليها من الذهب : ثلاثة آلاف مثقال ، ومائدة نصب كبيرة واسعة قوائمها منها ، وبيضة بلخش وزنها : سبعة وعشرون مثقالا أشدّ صفاء من الياقوت الأحمر ، وقاطر ميز بلور مليح التقدير ، يسع مروقتين قوّم في المخرج : بثمانمائة دينار دفع إلى تاج الملوك فيه بعد ذلك ألفا دينار ، فامتنع من بيعه ، مائدة جزع يقعد عليها جماعة ، قوائمها مخروطة منها ، ونخلة ذهب مكللة بالجوهر ، وبديع الدرّ في إجانة ذهب تجمع الطلع والبلح ، والرطب بشكله ، ولونه وعلى صفته ، وهيأته من الجواهر لا قيمة لها ، وكوز زير بلور يحمل عشرة أرطال ماء ، ودارج مرصع بنفيس الجوهر لا قيمة له ، ومزيرة مكللة بحب لؤلؤ نفيس ، وقبة العشاريّ ، وكارته وكسوة رحله الذي استعمله عليّ بن أحمد الجرجراي ، وفيه مائة ألف وسبعة وستون ألفا ، وسبعمائة درهم نقرة ، وأطلق للصناع عن أجرة صياغته ، وثمن ذهب للطلاء : ألفان وتسعمائة دينار ، وكان سعر الفضة حينئذ : كل مائة درهم بستة دنانير وربع ، سعر ستة عشر درهما بدينار ، وأخرج العشاريّ الفضي الذي استعمله عليّ بن أحمد لأمّ المستنصر ، وكان فيه مائة ألف ، وعشرون ألف درهم نقرة ، وصرف أجرة صياغة ، وطلاء ألفان وأربعمائة دينار ، وكسوة بمال جليل ، وأخرج جميع كسا العشاريات التي برسم البرية والبحرية ، وعدّتها ، ومناطقها ورؤوس منحرفات وأهلة ، وصفريات وكانت أربعمائة ألف دينار لستة

٣٠٣

وثلاثين عشاريا ، وعدّة مياكيم فضة فيها ما وزنه مائة وتسعة أرطال فضة ، وأخرج بستان أرضه فضة مخرقة مذهبة وطينة ندّ ، وأشجاره فضة مذهبة مصوغة وأثماره عنبر ، وغيره وزنه ثلثمائة وستة أرطال ، وبطيخة كافور وزنها ستة عشر ألف مثقال ، وقطع ياقوت أزرق زنة كل قطعة : سبعون درهما ، قطع زمرّذ زنة كل قطعة ثمانون درهما ، ونصاب مرآة من زمرّذ له طول وثخن كل ذلك أخذه المخالفون.

خزائن الفرش والأمتعة

قال في كتاب الذخائر : وحدّثني من أثق به عن ابن عبد العزيز الأنماطيّ قال : قوّمنا ما أخرج من خزائن القصر من سائر الخسرواني ، ما يزيد على خمسين ألف قطعة أكثرها مذهب ، وسألت ابن عبد العزيز ، فقال : أخرج من الخزائن ما حرّرت قيمته على يدي وبحضرتي أكثر من مائة ألف قطعة ، وأخرج مرتبة خسرواني حمراء بيعت : بثلاثة آلاف وخمسمائة دينار ، ومرتبة قلموني بيعت : بألفين وأربعمائة دينار ، وثلاثون سندسية بيعت كل واحدة منها : بثلاثين دينارا ، ونيف وعشرون ألف قطعة خسرواني في هدبه لم يقطع منها شيء ، وكانت قيمة العرض المبيع بأقل القيم ، وأبرز الأثمان في مدّة خمسة عشر يوما من صفر سنة ستين وأربعمائة سوى ما نهب وسرق ثلاثون ألف ألف دينار قبض جميعها الجند ، والأتراك ليس لأحد منهم درهم واحد قبضه عن استحقاق.

وحدّثني الأمير أبو الحسن عليّ بن الحسن أحد مقدّمي الخيميين بالقصر : أنّ الفرّاشين دخلوا إلى بعض خزائن الفرش لما اشتدّت مطالبة المارقيّ للمستنصر بالمال إلى الخزانة المعروفة : بخزانة الرفوف ، وسميت بذلك لكثرة رفوفها ، لكل رف منها سلم مفرد ، فأنزلوا منها ألفي عدل شقق طميم بهدبها من سائر أنواع الخسرواني وغيره لم تستعمل بعد ، وجميع ما فيها مذهب معمول بسائر الأشكال ، والصور ، وأنهم فتحوا عدلا منها ، فوجدوا ما فيه أجلة معمولة للفيلة من خسرواني أحمر مذهب كأحسن ما يكون من العمل ، وموضع نزول أفخاذ الفيل ، ورجليه ساذجة بغير ذهب. وأخرج من بعض الخزائن ثلاثة آلاف قطعة خسرواني أحمر مطرّز بأبيض في هدبها لم يفصل من كسا بيوت كاملة بجميع آلاتها ومقاطعها ، وكل بيت يشتمل على مسانده ، ومخادّه ، ومساوره ، ومراتبه ، وبسطه وعتبه مقاطعه وستوره ، وكل ما يحتاج إليه فيه.

قال : وأخرج من خزائن الفرش من البيوت الكاملة الفرش من القلمونيّ والديبقيّ من سائر ألوانه ، وأنواعه المخمل ، والخسرواني ، والديباج الملكيّ ، والخز وسائر الحرير من جميع ألوانه وأنواعه ما لا يحصى كثرة ، ولا يعرف قدره نفاسة ، وأخرج من الحصر ، والأنخاخ السامان المطرّزة بالذهب والفضة وغير المطرّزة من المخرمة ، والطيور والفيلة المصوّرة بسائر أنواع الصور شيء كثير ، والتمس بعض الأتراك من المستنصر مقرمة يعني

٣٠٤

ستارة سندس أخضر مذهبة ، فأخرج عدل منها مكتوب عليه : مائة وثمانية وثمانون من جملة أعداد أعدال ، فيها من المتاع ، ووجد من الستور الحرير المنسوجة بالذهب على اختلاف ألوانها وأطوالها عدّة مئين تقارب الألف فيها : صور الدول وملوكها ، والمشاهير فيها مكتوب على صورة كل واحد اسمه ومدّة أيامه وشرح حاله.

وأخرج من خزائن الفرش أربعة آلاف رزمة خسروانيّ مذهب في كل رزمة فرش مجلس ببسطه وتعاليقه ، وسائر آلاته منسوجة في خيط واحد باقية على حالها لم تمس ، وصار إلى فخر العرب مقطع من الحرير الأزرق التستريّ القرقوبيّ غريب الصنعة منسوج بالذهب ، وسائر ألوان الحرير ، كان المعز لدين الله أمر بعمله في سنة ثلاث وخمسين وثلثمائة ، فيه صورة أقاليم الأرض وجبالها ، وبحارها ، ومدنها ، وأنهارها ، ومسالكها شبه جغرافيا ، وفيه صورة مكة والمدينة مبينة للناظر مكتوب على كل مدينة ، وجبل وبلد ونهر ، وبحر ، وطريق اسمه بالذهب أو الفضة أو الحرير ، وفي آخره مما أمر بعمله المعز لدين الله شوقا إلى حرم الله ، وإشهارا لمعالم رسول الله في سنة ثلاث وخمسين وثلثمائة ، والنفقة عليه : اثنان وعشرون ألف دينار ، وصار إلى تاج الملوك : بيت أرمنيّ أحمر منسوج بالذهب ، عمل للمتوكل على الله لا مثل له ولا قيمة ، وبساط خسروانيّ دفع إليه فيه ألف دينار ، فامتنع من بيعه.

وقال ابن الطوير : خزانة الفرش ، وهي قريبة من باب الملك يحضر إليها الخليفة من غير جلوس ، ويطوف فيها ويستخبر عن أحوالها ، ويأمر بإدامة الاستعمال ، وكان من حقوقها استعمال السامان في أماكن خارجها بالقاهرة ومصر ، ويعطي مستخدمها : خمسة عشر دينارا يعني يوم يطوف بها الخليفة.

خزائن السلاح

قال في كتاب الذخائر : فأما خزائن السيوف ، والآلات ، والسلاح فإنّ بعضها أخذ ، وقسم بين العشرة الثائرين على المستنصر ، وهم ناصر الدولة بن حمدان ، وأخواه ، وبلد كوس ، وابن سبكتكين ، وسلام عليك ، وشاور بن حسين. حتى صار ذو الفقار : إلى تاج الملوك ، وصمصامة عمرو بن معدي كرب ، وسيف عبد الله بن وهب الراسيّ ، وسيف كافور ، وسيف المعز ، وسيف أبي المعز إلى : الأعز بن سنان ، ودرع المعز لدين الله ، وكانت تساوي ألف دينار ، وسيف الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهما‌السلام ، ودرقة حمزة بن عبد المطلب رضي‌الله‌عنه ، وسيف جعفر الصادق رضي‌الله‌عنه ، ومن الخود والدروع ، والتخافيف ، والسيوف المحلاة بالذهب ، والفضة ، والسيوف الحديدية ، وصناديق النصول ، وجعاب السهام الخلنج ، وصناديق القسيّ ، ورزم الرماح الزان الخطية ، وشدات القسا الطوال والزرد والبيض مئين ألوف ، وكان كل صنف منها مفردا عشرات ألوف.

٣٠٥

وقال ابن الطوير : خزانة السلاح يدخل إليها الخليفة ، ويطوفها قبل جلوسه على السرير هناك ، ويتأمّل حواصلها من الكراغندات المدفونة بالزرد المغشاة بالديباج المحكمة الصناعة ، والجواشن المبطنة المذهبة ، والزرديات السابلة برءوسها ، والخود المحلاة بالفضة وكذلك أكثر الزرديات ، والسيوف على اختلافها من العربيات ، والقلجوريات ، والرماح القنا ، والقنطاريات المدهونة والمذهبة ، والأسنة البرصانية ، والقسيّ لرماية اليد المنسوبة إلى صناعها مثل الخطوط المنسوبة إلى أربابها ، فيحضر إليه منها ما يجرّبه ، ويتأمّل النشاب ، وكانت نصوله مثلثة الأركان على اختلافها ، ثم قسيّ الرجل والركاب ، وقسيّ اللولب الذي زنة نصله : خمسة أرطال ، ويرمى من كل سهم بين يديه ، فينظر كيف مجراه ، والنشاب الذي يقال له : الجراد ، وطوله : شبر يرمى به عن قسيّ في مجار معمولة برسمه ، فلا يدري به الفارس أو الراجل إلّا وقد نفذ ، فإذا فرغ من نظر ذلك كله ، خرج من خزانة الدرق ، وكانت في المكان الذي هو خان مسرور ، وهي برسم الاستعمالات للأساطيل من الكبورة الخرجية ، والخود الجلودية إلى غير ذلك ، فيعطي مستخدمها : خمسة وعشرون دينارا ، ويخلع على متقدّم الاستعمالات جوكانية مزيد حريرا ، وعمامة لطيفة.

خزائن السروج

قال في كتاب الذخائر : أخرج فيما أخرج : صناديق سروج محلاة بفضة مجراة بسواد ممسوحة وجد على صندوق منها : الثامن والتسعون والثلاثمائة ، وعدّة ما فيها زيادة على أربعة آلاف سرج ، وأخرج المستنصر من خزائن السروج : خمسة آلاف سرج كان أبو سعد إبراهيم بن سهل التستريّ دخرها له فيها ، وتقدّم بحفظها كل سرج منها يساوي : من سبعة آلاف دينار إلى ألف ، وأكثرها عال سبك جميعها ، وفرّق في الأتراك كان برسم ركابه منها أربعة آلاف سرج ، وأخذ من خزائن السيدة والدته : أربعة آلاف سرج مثلها ، ودونها صنع بها مثل ذلك. وقال ابن الطوير : خزانة السروج تحتوي على ما لا يحتوي عليه مملكة من الممالك ، وهي قاعة كبيرة بدورها مصطبة علوها ذراعان ، ومجالسها كذلك ، وعلى تلك المصطبة متكآت مخلصة الجانبين على كل متكأ ثلاثة سروج متطابقة ، وفوقه في الحائط وتد مدهون مضروب في الحائط قبل تبييضه ، وهو بارز بروزا متكئا عليه المركبات الحلي على لجم تلك السروج الثلاثة من الذهب خاصة أو الفضة خاصة أو الذهب ، والفضة ، وقلائدها وأطواقها لأعناق الخيل ، وهي لخاص الخليفة ، وأرباب الرتب ما يزيد على ألف سرج ، ومنها لجام هو الخاص ومنها الوسط ، ومنها الدون ، وهي خيار غيرها برسم العواري لأرباب الرتب والخدم ، ومنها ما هو قريب من الخاص فيكون عند المستخدم بشداده الدائم ، وجاريه على الخليفة ما دام مستخدما ، والعلف مطلق من الأهراء وأما الصاغة : فإنّ فيها منهم ومن المركبين والخرّازين عددا جمادا ثمين لا يفترون عن العمل ، وكل مجلس

٣٠٦

مضبوط بعدد متكآته ، وما عليها من السروج ، والأوتاد واللجم ، وكل مجلس لذلك عند مستخدميه في العرض ، فلا يختل عليهم منها شيء ، وكذلك وسط قاعدتها بعدّة متوالية أيضا ، والشدّادون مطلوبون بالنقائص منها أيام المواسم وهم يحضرونها أو قيمتها فيعرض ويركب ، ويحضر إليها الخليفة ، ويطوفها من غير جلوس ، ويعطي حاميها للتفرقة في المستخدمين عشرين دينارا.

ويقال : إنّ الحافظ لدين الله عرضت له فيها حاجة ، فجاء إليها مع الحامي ، فوجد الشاهد غير حاضر وختمه عليها ، فرجع إلى مكانه ، وقال : لا يفك ختم العدل إلّا هو ، ونحن نعود في وقت حضوره انتهى.

وكان الخليفة الآمر بأحكام الله تحدّثه نفسه بالسفر إلى المشرق والغارة على بغداد ، فأعدّ لذلك شروجا مجوّفة القرابيص ، وبطنها بصفائح من قصدير ليجعل فيها الماء ، وجعل لها فما فيه صفارة ، فإذا دعت الحاجة إلى الماء شرب منه الفارس ، وكان كل سرج منها يسع سبعة أرطال ماء ، وعمل عدّة مخال للخيل من ديباج ، وقال في ذلك :

دع اللوم عني لست مني بموثق

فلا بدّ لي من صدمة المتحقّق

وأسقي جيادي من فرات ودجلة

وأجمع شمل الدين بعد التفرّق

وأوّل من ركب المتصرّفين في دولته من يخوله بالمراكب الذهب في المواسم : العزيز بالله نزار بن المعز.

خزائن الخيم

قال في كتاب الذخائر : وأخبرني سماء الرؤساء أبو الحسن عليّ بن أحمد بن مدبر وزير ناصر الدولة قال : أخرج فيما أخرج من خزائن القصر عدّة لم تحص من أعدال الخيم ، والمضارب ، والفازات ، والمسطحات ، والجركاوات ، والحصون ، والقصور ، والشراعات ، والمشارع ، والفساطيط المعمولة من الديبقيّ ، والمخمل والخسرانيّ ، والديباج الملكيّ ، والأرمنيّ ، والبهنساويّ ، والكردوانيّ والجيد من الحلبيّ ، وما أشبه ذلك من سائر ألوانه ، وأنواعه ، ومن السندس والطميم أيضا منها المفيل ، والمسبع ، والمخيل ، والمطوّس والمطير ، وغير ذلك من سائر الوحوش ، والطير والآدميين من سائر الأشكال ، والصور البديعة الرائعة ، ومنها الساذج والمنقوش في ظاهره بغرائب النقوش بجميع آلاتها من الأعمدة الملبسة أنابيب الفضة ، والثياب المذهبة ، وغير المذهبة من سائر أنواعها ، وألوانها ، والصفريات الفضة على أقدارها ، والحبال الملبسة القطن ، والحرير ، والأوتاد ، وسائر ما يحتاج إليه من جميع آلاتها وعدّتها المبطن جميعها بالديبقيّ الطميم المذهب ، والخسروانيّ المذهب ، وثياب الحرير الصينيّ ، والتستريّ ، والمضبب ، والرجيح ، والشرفيّ ، والشعريّ ،

٣٠٧

والديباج والمريش ، وسائر أنواع الحرير من سائر الألوان ، وأنواعها كبارا وصغارا منها ما يحمل خرقه ، وأوتاده ، وعمده ، وسائر عدّته على عشرين بعيرا ، ودون ذلك ، وفوقه.

فالمسطح بيت مربع له أربع حيطان ، وسقف بستة أعمدة منها عمودان للحائط الواحد المرفوع للدخول والخروج ، والخيمة ظهرها حائط مربع وسقيفتها إلى الباب حائط مربع ، وأركانها شوارك من الجانبين على قدر القائم ، وفيها أربعة أعمدة اثنان في الباب واثنان في وسطها ، وكلما زادت زاد عمدها وسقفها ، لها حدان مشروكان من الجانبين ، والشراع حائط في الظهر مسقف على الرأس بعمودين من أيّ موضع دارت الشمس حوّل إلى ناحية الشمس ، والمشرعة فيه مثل المظلة على عمود واحد تامّ ، وشراع سابل خلفها من أيّ موضع دارت الشمس أدير ، والقبة على حالها.

وحدّثني أبو الحسن عليّ بن الحسن الخيميّ قال : أخرجنا في جملة ما أخرج من خزائن القصر أيام المارقين حين اشتدّت المطالبة على السلطان : فسطاطا كبيرا أكبر ما يكون يسمى : المدورة الكبيرة يقوم على فرد عمود طوله : خمسة وستون ذراعا بالكبير ، ودائر فلكته : عشرون ذراعا ، وقطرها : ستة أذرع وثلثا ذراع ، ودائره خمسمائة ذراع ، وعدّة قطع خرقه : أربع وستون قطعة كل قطعة منها تحزم في عدل واحد يجمع بعضه إلى بعض بعرى وشراريب حتى ينصب ، يحمل خرقه وحباله ، وعدّته على : مائة جمل ، وفي صفريته المعمولة من الفضة ثلاثة قناطير مصرية يحملها من داخل قضبان حديد من سائر نواحيها ، تمتلىء ماء من راوية جمل قد صوّر في رفرفه كل صورة حيوان في الأرض ، وكل عقد مليح ، وشكل ظريف ، وفيه باذهنج طوله : ثلاثون ذراعا. في أعلاه ، كان أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن البازوري أمر بعمله أيام وزارته ، فعمله الصناع ، وعدّتهم : مائة وخمسون صانعا في مدّة تسع سنين ، واشتملت النفقة عليه على ثلاثين ألف دينار ، وكان عمله على مثال القاتول (١) الذي كان العزيز بالله أمر بعمله أيام خلافته إلّا أن هذا أعلى عمودا منه ، وأوسع ، وأعظم ، وأحسن ، وكان الخليفة أنفذ إلى متملك الروم في طلب عمودين للفسطاط طول كل واحد منهما : سبعون ذراعا بعد أن غرم عليهما ألف دينار أحدهما في هذا الفسطاط بعد أن قطع منه خمسة أذرع ، والآخر حمله ناصر الدولة بن حمدان حين خرج على الخليفة المستنصر بالله إلى الاسكندرية ، وما أدري ما فعل به.

قال : وأقمنا مدّة طويلة في تفصيل بعضه من بعض ، وتقطيعه خرقا وشققا قوّمت على المذكورين بأقل القيم ، وتفرّق في الآفاق ، وقال لي أيضا : أخرجنا مسطحا قلمونيا مخملا موجها من جانبيه ، عمل بتنيس للعزيز بالله يسمى : دار البطيخ ، وسطه بكنيس على ستة

__________________

(١) القاتول : خيمة كبيرة جدا كانت للعزيز بالله الفاطمي وسميت بالقاتول لأنه ما نصب قط إلا وقتل رجل أو رجلين من الفراشين. النجوم الزاهرة.

٣٠٨

أعمدة ، أربعة منها في أركان الكنيس ، وفي أربعة الأركان أربع قباب ، ومن القبة إلى القبة رواق دائر عليه ، والقباب دونه ، وفي كل قبة أربعة أعمدة ذول كل عمود من أعمدة الكنيس ثمانية عشر ذراعا ، وكذلك طول قائم القباب ، وفعلنا به مثل ما فعلنا في الأوّل.

وقال لي : أخرجنا مسطحا عمل للظاهر لإعزاز دين الله : بتنيس ذهب في ذهب طميم ، قائم على عمود له : ست صفاري بلور ، وستة أعمدة فضة أنفق عليه أربعة عشر ألف دينار ، ومسطحا ديبقيا كبيرا مذهبا بدوائر كردواني منقوش ، وأخرجنا قصورا تحيط بالخيام بشرفات من المخمل والقلمونيّ ، والديبقيّ (١) ، والديباج الخسروانيّ ، والحرير من سائر أنواعه ، وألوانه المذهبة المنقوشة بحياضها ، ودككها ، ومصاطبها ، وقدورها ، وزجاجها ، وسائر عددها.

وأخرجنا من الخيام الكردواني شيئا كثيرا ، وأخرجنا خيمة كبيرة مدوّرة كردوانيّ مليحة النقش والصنعة ، عدّتها قطع كثيرة طول عمودها خمسة وثلاثون ذراعا فعلنا بجميعها مثل ما فعلنا بالأوّل ، وأخرج في جملتها الفسطاط الكبير المعروف بالمدوّرة الكبيرة المتولي عمله بحلب أبو الحسن عليّ بن أحمد المعروف بابن الأيسر في سني نيف وأربعين وأربعمائة المنفق على خرقه ، ونقشه وعمله ، وعدّته ثلاثون ألف دينار الذي عموده أثول ما يكون من صواري درامين الروم البنادقة أربعون ذراعا ، ودائر فلكة عوده أربعة وعشرون شبرا ، ويحمل على سبعين جملا ، ووزن صفريته الفضة قنطاران سوى أنابيب عمده ، ويتولى إتقان عمده ، ونصبه مائتا رجل من فرّاش ومعين ، وهو شبيه بالقاتول العزيزيّ ، وسمي بالقاتول : لأنه ما نصب قط إلّا ، وقتل رجلا أو رجلين ممن يتولى إتقانه من فرّاش وغيره.

قال : ووجد في خزائن مملوءة من سائر أنواع الصواني المدهونة ببغداد المذهبة التي حشيت ، كل واحدة منها بما دونها في السعة إلى ما سعته دون الدرهم ، ومن سائر أنواع الأطباق الخلع الرازي في هذه السعة ، وفوق ذلك ودونه قد حشيت بطونها بما دونها في السعة ، إلى ما سعته دون الدينار ، ومن الموائد القوائمية الصغار ، والكبار ألوف ، ومن موائد الكرم ، وما أشبهها شيء كثير ، ومن الجفان الحور الواسعة التي قد عملت مقابضها من الفضة ، وحليت بأنواع الحلي التي لا يقدر الجمل القويّ على حمل جفنتين منها ، لعظمها تساوي الواحدة منها : مائة دينار ، وفوقها ، ودونها شيء كثير ، ووجد من الدكك ، والمحاريب ، والأسرّة العود ، والصندل ، والعاج والأبنوس ، والبقم شيء كثير مليح الصنعة. وقال ابن ميسر : وعمل الأفضل بن أمير الجيوش خيمة سماها : خيمة الفرح اشتملت على :

__________________

(١) الديبقي : الأصح : الدبيقي. وهو نوع من الأقمشة الحريرية المزركشة كانت تصنع في : دبيق وهي بلدة مصرية قديمة زالت كانت واقعة على بحيرة المنزلة وموضعها الآن تل دبيق في الشمال الشرقي لقرية (صا الحجر) بمركز فاقوس : والنسبة إليها : دبيقي. (مصطلحات محمد رمزي).

٣٠٩

ألف ألف وأربعمائة ألف ذراع ، وقائمها ارتفاعه خمسون ذراعا بذراع العمل ، صرف عليها : عشرة آلاف دينار ، ومدحها جماعة من الشعراء.

خزانة الشراب

قال ابن المأمون : ولم يكن في الإيوان فيما تقدّم شراب حلو ، بل إنها قرّرت لاستقبال النظر المأمونيّ ، وأطلق لها من السكر : مائة وخمسة عشر قنطارا ، وبرسم الورد المربى خمسة عشر قنطارا ، وأما ما يستعمل بالكافوريّ من الحلو الفانيذ والحامض ، فالمبلغ في ذلك على ما حصره شاهده في السنة : ستة آلاف وخمسمائة دينار ، وما يحمل للكافوريّ أيضا برسم كرك الماورد ما يستدعيه متولي الشراب.

وقال ابن الطوير : خزانة الشراب ، وهي أحد مجالسه أيضا يعني القاعة التي هي الآن: المارستان العتيق ، فإذا جلس الخليفة على السرير عرض عليه ما فيها حاميها ، وهو من كبار الأستاذين وشاهدها ، فيحضر إليه فرّاشوها بين يدي مستخدمها من عيون الأصناف العالية من المعاجين العجيبة في الصينيّ ، والطيافير الخلنج ، فيذوق ذلك شاهدها بحضرته ، ويستخبر عن أحوالها بحضور أطباء الخاص ، وفيها من الآلات ، والأزياء الصينيّ ، والبرابي عدّة عظيمة للورد ، والبنفسج ، والمرسين ، وأصناف الأدية من الراوند الصيني ، وما يجري مجراه ، مما لا يقدر أحد على مثله إلّا هناك ، وما يدخل في الأدوية من آلات العطر إلى ذلك ، ويسأل عن الدرياق الفاروق ، ويأمرهم بتحصيل أصنافه ليستدرك عمله قبل انقطاع الحاصل منه ، ويؤكد في ذلك تأكيدا عظيما ، ويستأذن على ما يطلق منها برقاع أطباء الخاص للجهات ، وحواشي القصر ، فيأذن في ذلك ، ويعطي الحامي للتفرقة في الجماعة : ثلاثين دينارا.

خزانة التوابل

وقال ابن المأمون : فأما التوابل العالي منها والدون ، فإنها جملة كثيرة ، ولم يقع لي شاهد بها ، بل إنني اجتمعت بأحد من كان مستخدما في خزانة التوابل ، فذكر أنها تشتمل على : خمسين ألف دينار في السنة ، وذلك خارج عما يحمل من البقولات ، وهي باب مفرد مع المستخدم في الكافوري ، والذي استقرّ إطلاقه على حكم الاستيمار من الجرايات المختصة بالقصور ، والرواتب المستجدّة ، والمطلق من الطيب ، ويذكر الطراز ، وما يبتاع من الثغور ، ويستعمل بها وغير ذلك.

فأوّلها : جراية القصور ، وما يطلق لها من بيت المال إدرارا لاستقبال النظر المأمونيّ:ستة آلاف وثلثمائة وثلاثة وأربعون دينارا ، تفصيله : منديل الكم الخاص الآمري في الشهر :ثلاثة آلاف دينار ، عن مائة دينار كل يوم أربع جمع الحمام في كل جمعة : مائة دينار

٣١٠

أربعمائة دينار ، وبرمس الإخوة والأخوات ، والسيدة الملكة ، والسيدات ، والأمير أبي عليّ ، وإخوته ، والموالي ، والمستخدمات ، ومن استجدّ من الأفضليات ألفان وتسعمائة وثلاثة وأربعون دينارا ، ولم يكن للقصور في الأيام الأفضلية من الطيب راتب فيذكر ، بل كان إذا وصلت الهدية والجاوي من البلاد اليمنية تحمل برمّتها إلى الإيوان ، فينقل منها بعد ذلك للأفضل ، والطيب المطلق للخليفة من جملتها فانفسخ هذا الحكم.

وصار المرتب من الطيب مياومة ، ومشاهرة على ما يأتي ذكره ما هو برسم الخاص الشريف في كل شهر ندّ مثلث : ثلاثون مثقالا ، عود صيفيّ : مائة وخمسة دراهم ، كافور قديم : خمسة عشر درهما ، عنبر خام : عشرة مثاقيل ، زعفران : عشرون درهما ، ماء ورد : ثلاثون رطلا ، برسم بخور المجلس الشريف في كل شهر في أيام السلام ، ندّ مثلث : عشرة مثاقيل ، عود صيفي : عشرون درهما ، كافور قديم : ثمانية دراهم ، زعفران شعر : عشرة دراهم ، ما هو برسم بخور الحمام في كل ليلة جمعة عن أربع جمع في الشهر ، ندّ مثلث : أربعة مثاقيل ، عود صيفي : عشرة مثاقيل ، ما هو برسم السيدات ، والجهات ، والأخوة في كل شهر : ندّ مثلث خمسة وثلاثون مثقالا ، عود صيفي : مائة وعشرون درهما ، زعفران شعر : خمسون درهما ، عنبر خام : عشرون مثقالا ، كافور قديم : عشرون درهما ، مسك : خمسة عشر مثقالا ، ماء ورد : أربعون رطلا ، ما هو برسم المائدة الشريفة ما تستلمه المعلمة مسك خمسة عشر مثقالا ، ماء ورد : خمسة عشر رطلا ، ما هو برسم خزانة الشراب الخاص مسك : ثلاثة مثاقيل ، ندّ ثلث سبعة مثاقيل ، عود صيفي : خمسة وثلاثون درهما ، ماء ورد:عشرون رطلا ، ما هو برسم بخور المواكب الستة ، وهي الجمعتان الكائنتان في شهر رمضان ، برسم الجامعين بالقاهرة يعني الجامع الأزهر ، والجامع الحاكمي ، والعيدان ، وغيد الغدير ، وأوّل السنة بالجوامع والمصلى ، ندّ خاص جملة كثيرة لم تتحقق فتذكر ، ولم يكن للغرّتين غرّة السنة ، وغرّة شهر رمضان ، وفتح الخليج بخور فيذكر ، وعدّة المبخرين في المواكب ستة : ثلاثة عن اليمين ، وثلاثة عن الشمال ، وكل منهم مشدود الوسط ، وفي كمه فحم برسم تعجيل المدخنة ، والمداخن فضة ، وحامل الدرج الفضة الذي فيه البخور أحد مقدّمي بيت المال ، وهو فيما بين المبخرين طول الطريق ، ويضع بيده البخور في المدخنة ، وإذا مات أحد هؤلاء المبخرين لا يخدم عوضا عنه إلّا من يتبرّع بمدخنة فضة ، لأنّ لهم رسوما كثيرة في المواسم مع قربهم في المواكب من الخليفة ، ومن الوقت الذي يتبرّع فيه بالمدخنة يرجع في حاصل بيت المال ، وإذا توفي حاملها لا ترجع لورثته ، وعدّة ما يبخر في الجوامع والمصلى غير هؤلاء في مداخن كبار ، في صواني فضة : ثلاث صوان ، في المحراب إحداهنّ ، وعن يمين المنبر ، وشماله اثنتان ، وفي الموضع الذي يجلس فيه الخليفة إلى أن تقام الصلاة صينية رابعة.

وأما البخور المطلق برسم المأمون فهو في كل شهر : ندّ مثلث : خمسة عشر مثقالا ،

٣١١

عود صيفيّ : ستون درهما ، عنبر خام : ستة مثاقيل ، كافور : ثمانية دراهم ، زعفران شعر : عشرة دراهم ، ماء ورد : خمسة عشر رطلا ومنها مقرّر الحلوى ، والفستق ، ومما استجدّ ما يعمل في الإيوان برسم الخاص في كل يوم من الحلوى : اثنا عشر جاما رطبة ويابسة نصفين وزن كل جام من الرطب : عشرة أرطال ، ومن اليابس : ثمانية أرطال ، ومقرّر الخشكنانج (١) والبسندود (٢) في كل ليلة على الاستمرار برسم الخاص الآمريّ ، والمأمونيّ : قنطار واحد سكر ، ومثقالان مسك وديناران برسم المؤن لعمل خشكنانج وبسندود في قعبان وسلال صفصاف ، ويحمل ثلثا ذلك إلى القصر والثلث إلى الدار المأمونية.

قال وجرت مفاوضة بين متولي بيت المال ، ودار الفطرة بسبب الأصناف ، ومن جملتها : الفستق ، وقلة وجوده وتزايد سعره إلى أن بلغ رطل ونصف : بدينار ، وقد وقف منه لأرباب الرسوم ما حصل شكواهم بسببه ، فجاوبه متولي الديوان ، بأن قال : ما تمّ موجب الإنفاق لما هو راتب من الديوان ، وطالعا المقام العالي بأنه لما رسم لهما : ذكرا جميع ما اشتمل عليه ما هو مستقرّ الإنفاق من قلب الفستق والذي يطلق من الخزائن من قلب الفستق إدرارا مستقرّا بغير استدعاء ، ولا توقيع مياومة ، كل يوم حسابا في الشهر التام عن ثلاثين يوما خمسمائة وخمسة وثمانون رطلا ، وفي الشهر الناقص عن تسعة وعشرين يوما خمسمائة وخمسة وستون رطلا حسابا عن كل : يوم تسعة عشر رطلا ونصف من ذلك ما يستلمه الصناع الحلاويون ، والمستخدمون بالإيوان مما يصنع به خاص خارجا عما يصنع بالمطابخ الآمرية عن اثني عشر جام حلوى خاص وزنها : مائة وثمانية أرطال منها : رطب ستون رطلا ، ويابس وغيره : ثمانية وأربعون رطلا مما يحمل في يومه وساعته ، منها ما يحمل مختوما برسم المائدتين الآمريتين بالباذهنج (٣) ، والدار الجديدة اللتين ما يحضرهما إلّا من كبرت منزلته ، وعظمت وجاهته جامان رطبا ويابسا ، وما يفرّق في العوالي من الموالي ، والجهات على أوضاع مختلفة تسع جامات ، وما يحمل إلى الدار المأمونية برسم المائدة بالداردون السماط : جام واحد.

تتمة المياومة المذكورة ما يتسلمه الشاهد ، والمشارف على المطابخ الآمرية ، مما يصنع فيها برسم الجامات الحلوى ، وغيره مما يكون على المدورة في الأسمطة المستمرّة بقاعة الذهب في أيام السلام ، وفي أيام الركوبات ، وحلول الركاب بالمناظر أربعة أرطال ،

__________________

(١) الخشكنانج : في النجوم الزاهرة : الخشكنان ويعرف بمصر بالخشتنان وهو نوع من الحلوى مصنوع من الرقاق على شكل حلقة مجوفة يملأ وسطها باللوز أو الفسق. وهي كلمة فارسية. (مصطلحات محمد رمزي).

(٢) البسندود : ذكرت بالنجوم الزاهرة (البستندوذ) وأصله بالفارسية (بشندة) وهو طعام فارسي مصنوع من دقيق وبلح. (محمد رمزي).

(٣) تقدمت ترجمتها.

٣١٢

وما يتسلمه الحاج مقبل الفرّاش برسم المائدة المأمونية ، مما يوصله لزمام الدار دون المطابخ الرجالية رطلان الحكم الثاني يطلق مشاهرة بغير توقيع ، ولا استدعاء بأسماء كبراء الجهات ، والمستخدمين من الأصحاب ، والحواشي في الخدم المميزة ، وهو في الشهر ثلاثة عشر رطلا ، والديوان شاهد بأسماء أربابه ، وما يطلق من هذه الخزائن السعيدة بالاستدعاءات والمطالعات ، ويوقع عليه بالإطلاق من هذا الصنف في كل سنة على ما يأتي ذكره ، وما يستدعى برسم التوسعة في الراتب عند تحويل الركاب العالي إلى اللؤلؤة مدّة أيام النيل المبارك في كل يوم رطلان ، وما يستدعى برسم الصيام مدّة تسعة وخمسين يوما رجب وشعبان حسابا عن كل يوم : رطلان مائة وثمانية عشر رطلا وما يستدعى لما يصنع بدار الفطرة في كل ليلة برسم الخاص خشكنانج لطيفة ، وبسندود ، وجوارشات ، ونواطف ، ويحمل في سلال صفصاف لوقته ، عن مدّة أوّلها مستهل رجب ، وآخرها سلخ رمضان عن تسعة وثمانين يوما مائة وثمانية وسبعون رطلا ، لكل ليلة : رطلان ، ويسمى ذلك : بالتعبية ، وما يستدعيه صاحب بيت المال ، ومتولي الديوان.

فيما يصنع بالإيوان الشريف برسم الموالد الشريفة الأربعة : النبويّ ، والعلويّ ، والفاطميّ ، والآمريّ مما هو برسم الخاص ، والموالي ، والجهات بالقصور الزاهرة ، والدار المأمونية ، والأصحاب ، والحواشي خارجا عما يطلق مما يصنع بدر الوكالة ، ويفرّق على الشهود ، والمتصدّرين والفقراء ، والمساكين مما يكون حسابه من غير هذه الخزائن عشرون رطلا قلب فستق حسابا لكل يوم مؤبد منها : خمسة أرطال.

ما يستدعى برسم ليالي الوقود الأربع الكائنات في رجب وشعبان ، مما يعمل بالإيوان برسم الخاصيين ، والقصور خاصة : عشرون رطلا لكل ليلة خمسة أرطل.

وأما ما ينصرف في الأسمطة ، والليالي المذكورات في الجامع الأزهر بالقاهرة ، والجامع الظاهريّ بالقرافة فالحكم في ذلك يخرج عن هذه الخزائن ، ويرجع إلى مشارف الدار السعيدة ، وكذلك ما يستدعيه المستخدمون في المطابخ الآمرية من التوسعة من هذا الصنف المذكور في جملة غيره برسم الأسمطة لمدّة تسعة وعشرين يوما من شهر رمضان وسلخه لأسماط فيه ، وفي الأعياد جميعها بقاعة الذهب ، وما يستدعيه النائب برسم ضيافة من يصرف من الأمراء في الخدم الكبار ، ويعود إلى الباب ، ومن يرد إليه من جميع الضيوف ، وما يستدعيه المستخدمون في دار الفطرة برسم فتح الخليج ، وهي الجملتان الكبيرتان ، فجميع ذلك لم يكن في هذه الخزائن محاسبته ، ولا ذكر جملته ، والمعاملة فيه مع مشارف الدار السعيدة ، وأما : ما يطلق من هذا الصنف من هذه الخزائن في هذه الولائم ، والأفراح ، وإرسال الأنعام فهو شيء لم تتحقق أوقاته ، ولا مبلغ استدعائه ، أنهى المملوكان ذلك ، والمجلس فضل السموّ ، والقدرة فيما يأمر به إن شاء الله تعالى.

٣١٣

دار التعبية

قال ابن المأمون : دار التعبية كانت في الأيام الأفضلية تشتمل على مبلغ يسير ، فانتهى الأمر فيها إلى عشرة دنانير كل يوم خارجا عما هو موظف على البساتين السلطانية ، وهو النرجس والنينوفران الأصفر ، والأحمر ، والنخل الموقوف برسم الخاص ، وما يصل إليه من الفيوم ، وثغر الإسكندرية ، ومن جملتها تعبية للجهات ، والخاص والسيدات ، ولدار الوزارة ، وتعبية المناظر في الركوبات إلى الجمع في شهر رمضان خارجا عن تعبية الحمامات ، وما يحمل كل يوم من الزهرة ، وبرسم خزانة الكسوة الخاص ، وبرسم المائدة ، وتفرقة الثمرة الصيفية في كل سنة على الجهات ، والأمراء ، والمستخدمين ، والحواشي ، والأصحاب ، وما يحمل لدار الوزارة ، والضيوف وحاشية دار الوزارة.

خزانة الأدم

قال : وأما الراتب من عند بركات الأدميّ ، فإنه في كل شهر ثمانون زوجا أو طية من ذلك ، برسم الخاص : ثلاثون زوجا ، برسم الجهات : أربعون زوجا ، برسم الوزارة : عشرة أزواج خارجا عن السباعيات ، فإنها تستدعى من خزانة الكسوة ، وفي كل موسم تكون مذهبة.

خزائن دار أفتكين (١)

قال ابن الطوير : وكانت لهم دار كبرى يسكنها : نصر الدولة أفتكين الذي رافق نزار بن المستنصر بالإسكندرية جعلوها : برسم الخزن ، فقيل : خزائن دار أفتكين ، وتحتوي على أصناف عديدة من الشمع المحمول من الإسكندرية وغيرها ، وجميع القلوب المأكولة من الفستق وغيره ، والأعسال على اختلاف أصنافها ، والسكر ، والقند ، والشيرج ، والزيت ، فيخرج من هذه الخزائن بيد حاميها ، وهو من الأستاذين المميزين ومشارفها ، وهو من المعدّلين راتب المطابخ : خاصا وعامّا أو لأيام ، ينفق منها للمستخدمين ، ثم لأرباب التوقيعات من الجهات ، وأرباب الرسوم في كل شهر من أرباب الرتب حتى لا يخرج عما يحتاجونه فيها إلا اللحم ، والخضراوات ، فهي أبدا معمورة بذلك انتهى. خبر نزار وأفتكين : لما مات الخليفة المستنصر بالله أبو تميم معدّ بن الإمام الظاهر لإعزاز دين الله أبي الحسن عليّ بن الحاكم بأمر الله أبي عليّ منصور : في ليلة الخميس الثامن عشر من ذي الحجة سنة

__________________

(١) أفتكين : الملقب : بنصر الدولة وذكره ابن ميسر وابن تغري بردي : ناصر الدولة. وهو أفتكين التركي أحد غلمان أمير الجيوش بدر الجمالي. ترقى في خدمته إلى أن ولّاه الإسكندرية. ثم قتله الأفضل بن بدر الجمالي سنة ٤٨٨ ه‍. أخبار مصر لابن ميسر.

٣١٤

سبع وثمانين وأربعمائة ، بادر الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي إلى القصر ، وأجلس: أبا القاسم أحمد بن المستنصر في منصب الخلافة ، ولقبه : بالمستعلي بالله ، وسير إلى الأمير نزار ، والأمير عبد الله ، والأمير إسماعيل : أولاد المستنصر فجاؤوا إليه ، فإذا أخوهم أحمد ، وهو أصغرهم قد جلس على سرير الخلافة ، فامتعضوا لذلك ، وشق عليهم.

وأمرهم الأفضل بتقبيل الأرض ، وقال لهم : قبلوا الأرض لمولانا المستعلي بالله ، وبايعوه فهو الذي نص عليه الإمام المستنصر قبل وفاته بالخلافة من بعده ، فامتنعوا من ذلك ، وقال كل منهم : إن أباه قد وعده بالخلافة ، وقال نزار : لو قطعت ما بايعت من هو أصغر مني سنا ، وخط والدي عندي بأني وليّ عهده ، وأنا أحضره ، وخرج مسرعا ليحضر الخط ، فمضى لا يدري به أحد ، وتوجه إلى الاسكندرية.

فلما أبطأ مجيئه بعث الأفضل إليه ليحضر بالخط ، فلم يعلم له خبرا. فانزعج لذلك انزعاجا عظيما ، وكانت نفرة نزار من الأفضل لأمور منها : أنه خرج يوما فإذا بالأفضل قد دخل من باب القصر ، وهو راكب ، فصاح به نزار : انزل يا أرمنيّ الجنس (١) ، فحقدها عليه ، وصار كل منهما يكره الآخر ، ومنها : أنّ الأفضل : كان يعارض نزارا في أيام أبيه ، ويستخف به ، ويضع من حواشيه ، وأسبابه ، ويبطش بغلمانه ، فلما مات المستنصر خافه ، لأنه كان رجلا كبيرا ، وله حاشية ، وأعوان ، فقدّم لذلك أحمد بن المستنصر بعد ما اجتمع بالأمراء وخوّفهم من نزار ، وما زال بهم حتى وافقوه على الإعراض عنه ، وكان من جملتهم : محمود بن مصال ، فسير خفية إلى نزار ، وأعلمه بما كان من اتفاق الأفضل مع الأمراء على إقامة أخيه أحمد ، وإدارته لهم عنه ، فاستعدّ إلى المسير إلى الاسكندرية هو وابن مصال ، فلما فارق الأفضل ، ليحضر إليه بخط أبيه ، خرج من القصر متنكرا ، وسار هو وابن مصال إلى الاسكندرية ، وبها الأمير نصر الدولة أفتكين أحد مماليك أمير الجيوش بدر الجمالي ، ودخلا عليه ليلا وأعلماه بما كان من الأفضل ، وتراميا عليه ، ووعده نزار بأن يجعله وزيرا مكان الأفضل ، فقبلهما أتمّ قبول ، وبايع نزارا ، وأحضر أهل الثغر لمبايعته فبايعوه ، ونعته بالمصطفى لدين الله ، فبلغ ذلك الأفضل ، فأخذ يتجهز لمحاربتهم وخرج في آخر المحرّم سنة ثمان وثمانين بعسكره ، وسار إلى الاسكندرية ، فبرز إليه نزار وأفتكين ، وكانت بين الفريقين عدّة حروب شديدة انكسر فيها الأفضل ، ورجع بمن معه منهزما إلى القاهرة ، فقوي نزار وأفتكين ، وصار إليهما كثير من العرب ، واشتدّ أمر نزار ، وعظم واستولى على بلاد الوجه البحريّ ، وأخذ الأفضل يتجهز ثانيا إلى المسير لمحاربة نزار ، ودس إلى أكابر العربان ، ووجوه أصحاب نزار وأفتكين ، وصاروا إلى الاسكندرية ، فنزل الأفضل إليها ، وحاصرها حصارا شديدا ، وألحّ في مقاتلتهم ، وبعث إلى أكابر أصحاب نزار ، ووعدهم.

__________________

(١) وردت العبارة في النجوم الزاهرة : انزل يا أرمني يا نجس.

٣١٥

فلما كان في ذي القعدة وقد اشتدّ البلاء من الحصار جمع ابن مصال ماله ، وفرّ في البحر إلى جهة بلاد المغرب ، ففت ذلك في عضد نزار وتبين فيه الانكسار ، واشتدّ الأفضل ، وتكاثرت جموعه ، فبعث نزار وأفتكين إليه يطلبان الأمان منه ، فأمنهما ودخل الاسكندرية ، وقبض على نزار وأفتكين ، وبعث بهما إلى القاهرة ، فأما نزار : فإنه قتل في القصر بأن أقيم بين حائطين بنيا عليه فمات بينهما ، وأما أفتكين ، فإنه قتله الأفضل بعد قدومه ، ودار أفتكين هذه كانت خارج القصر وموضعها الآن حيث مدرسة القاضي الفاضل ، وآدره بدرب ملوخيا.

خزانة البنود (١)

البنود : هي الرايات والأعلام ، ويشبه أن تكون هي التي يقال لها في زمننا : العصائب السلطانية ، وكانت خزانة البنود ملاصقة للقصر الكبير ، ومن حقوقه فيما بين قصر الشوك ، وباب العيد بناها : الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله أبو هاشم عليّ بن الحاكم بأمر الله ، وكان فيها ثلاثة آلاف صانع مبرزين في سائر الصنائع ، وكانت أيام الظاهر هذا سكونا وطمأنينة ، وكان مشتغلا بالأكل والشرب ، والنزه ، وسماع الأغاني.

وفي زمانه تأنق أهل مصر والقاهرة في اتخاذ الأغاني والرقاصات ، وبلغ من ذلك المبالغ العجيبة ، واتخذت له حجرة المماليك ، وكانوا يعلمونهم فيها أنواع العلوم وأنواع آلة الحرب ، وصنوف حيلها من الرماية ، والمطاعنة ، والمسابقة وغير ذلك.

وقال في كتاب الذخائر والتحف : ولما وهب السلطان يعني الخليفة المستنصر لسعد الدولة المعروف بسلام عليك ما في خزانة البنود من جميع المتاع والآلات ، وغير ذلك في اليوم السادس من صفر سنة إحدى وستين وأربعمائة ، حمل جميعه ليلا ، وكان فيما وجد سعد الدولة فيها ألفا وتسعمائة درقة إلى ما سوى ذلك من آلات الحرب وما سواه ، وغير ذلك من القضب الفضة والذهب والبنود ، وما سواه ، وفي خلال ذلك سقط من بعض الفرّاشين : مقط شمع موقد نارا ، فصادف هناك أعدال كتان ، ومتاعا كثيرا ، فاحترق جميعه ، وكانت لتلك غلبة عظيمة ، وخوف شديد فيما يليها من القصر ، ودور العامّة والأسواق.

وأعلمني من له خبرة بما كان في خزانة البنود أن مبلغ ما كان فيها من سائر الآلات ، والأمتعة ، والذخائر لا يعرف له قيمة عظما ، وإنّ المنفق فيها كل سنة : من سبعين ألف دينار إلى ثمانين ألف دينار من وقت دخول القائد جوهر ، وبناء القصر من سنة ثمان وخمسين

__________________

(١) خزانة البنود : كانت هي خزانة السلاح في الدولة الفاطمية وكانت ملاصقة للقصر الكبير فيما بين قصر الشوك وباب العيد. بناها الخليفة الظاهر. وموضعها الآن مجموعة الدور التي تحد اليوم من الشمال بشارع قصر الشوك ومن الشرق درب القزازين. وقد احترقت سنة ٤٦١ ه‍ وجعلت بعد هذا الحريق حبسا للأمراء والوزراء إلى أن زالت الدولة الفاطمية. (مصطلحات صبح الأعشى / ١١٧).

٣١٦

وثلثمائة إلى هذا الوقت ، وذلك زائد عن مائة سنة ، وإنّ جميعه باق فيها على الأيام لم يتغير ، وإنّ جميعه احترق حتى لم يبق منه باقية ، ولا أثر ، وإنه احترق في هذه الليلة من قربات النفط عشرات ألوف ، ومن زراقات النفط أمثالها ، فأما الدرق والسيوف والرماح والنشاب ، فلا تحصى بوجه ، ولا سبب مع ما فيها من قضب الفضة ، وثيابها المذهبة وغيرها ، والبنود المجملة ، وسروج ولجم وثياب الفرحية المصبغات والبنادين ، وغيرها بعد أن أخذوا ما قدروا عليه ، حتى لواء الحمد (١) ، وسائر البنود ، وجميع العلامات ، والألوية. وحدّثني من أثق به أيضا : أنه احترق فيها من السيوف عشرات ألوف ، وما لا يحصى كثرة ، وإن السلطان بعد ذلك بمدّة طويلة احتاج إلى إخراج شيء من السلاح لبعض مهماته ، فأخرج من خزانة واحدة مما بقي وسلم خمسة عشر ألف سيف مجوهرة سوى غيرها.

حدّثني بجميعه الأجل : عظيم الدولة متولي الستر الشريف انتهى.

وجعلت خزانة البنود بعد هذا الحريق حبسا ، وفيها يقول القاضي المهذب بن الزبير لما اعتقل بها ، وكتب بها للكامل بن شاور :

أيا صاحبي سجن الخزانة خليا

نسيم الصبا يرسل إلى كبدي نفحا

وقولا لضوء الصبح هل أنت عائد

إلى نصري أم لا أرى بعدها صبحا

ولا تيأسا من رحمة الله أن أرى

سريعا بفضل الكامل العفو والصفحا

وقال :

أيا صاحبي سجن الخزانة خليا

من الصبح ما يبدو سناه لناظري

فو الله ما أدري أطرفي ساهر

على طول هذا الليل أم غير ساهر

وما لي من أشكو إليه إذا كما

سوى ملك الدنيا شجاع بن شاور

واستثمرت سجنا للأمراء ، والوزراء ، والأعيان إلى أن زالت الدولة ، فاتخذها ملوك بني أيوب أيضا سجنا ، تعتقل فيه الأمراء والمماليك.

ومن غريب ما وقع بها أن الوزير : أحمد بن عليّ الجرجرائي (٢) : لما توفي طلب الوزارة : الحسن بن عليّ الأنباري : فأجيب إليها ، فتعجل من سوء التدبير قبل تمامه ما فوّته مراده ، وضيع ماله ونفسه ، وذلك أنه كان قد نبغ في أيام الحاكم بأمر الله أخوان يهوديان :

__________________

(١) عبارة عن لوائين على رمحين ملفوفين غير منشورين يعرفان بلواء الحمد. ملبسان بأنابيب من ذهب إلى حد أسنتهما وبأعلاهما رايتان من الحرير الأبيض المرقوم بالذهب يخرجان لخروج المظلة إلى أميرين معدّين لحملهما. صبح الأعشى ٣ / ٥٤٢.

(٢) سبقت ترجمته.

٣١٧

بتصرّف أحدهما في التجارة ، والآخر في الصرف ، وبيع ما يحمله التجار من العراق.

وهما : أبو سعد إبراهيم ، وأبو نصر هارون ابنا سهل التستريّ ، واشتهر من أمرهما في البيوع وإظهار ما يحصل عندهما من الودائع الخفية لمن يفقد من التجار في القرب والبعد ، ما ينشأ به جميل الذكر في الآفاق ، فاتسع حالهما لذلك ، واستخدم الخليفة الظاهر لإعزار دين الله : أبا سعد إبراهيم بن سهل التستريّ في ابتياع ما يحتاج إليه من صنوف الأمتعة ، وتقدّم عنده ، فباع له جارية سوداء ، فتحظى بها الظاهر ، وأولدها : ابنه المستنصر ، فرعت لأبي سعد ذلك ، فلما أفضت الخلافة إلى المستنصر ولدها قدّمت : أبا سعد ، وتخصصت به في خدمتها.

فلما مات الوزير الجرجرائي ، وتكلم ابن الأنباري في الوزارة قصده أبو نصر أخو أبي سعد ، فجبهه أحد أصحابه بكلام مؤلم ، فظنّ أبو نصر أن الوزير ابن الأنباري إذا بلغه ذلك ينكر على غلامه ، ويعتذر إليه ، فجاء منه خلاف ما ظنه ، وبلغه عنه أضعاف ما سمعه من الغلام ، فشكا ذلك إلى أخيه أبي سعد ، وأعلمه بأنّ الوزير متغير النية لهما ، فلم يفتر أبو سعد عن ابن الأنباريّ ، وأغرى به أمّ المستنصر مولاته ، فتحدّثت مع ابنها الخليفة المستنصر في أمره حتى عزله عن الوزارة فسعى أبو سعد عند أمّ المستنصر : لأبي نصر صدقة بن يوسف الفلاحيّ في الوزارة ، فاستوزره المستنصر ، وتولى أبو سعد الإشراف عليه ، وصار الوزير الفلاحيّ منقادا لأبي سعد تحت حكمه ، وأخذ الفلاحي يعمل على ابن الأنباري ويغري به ، ويصنع عليه ديونا ، ويذكر عنه ما يوجب الغضب عليه ، حتى تمّ له ما يريد ، فقبض عليه ، وخرّج عليه من الدواوين أموالا كثيرة ، مما كان يتولاه قديما ، وألزمه بحملها ، ونوّع له أصناف العذاب ، واستصفى أمواله ، وهو معتقل بخزانة البنود ، ثم قتله في يوم الاثنين الخامس من المحرّم سنة أربعين وأربعمائة بها ، فاتفق أن الفلاحي لما صرف عن الوزارة ، اعتقل بخزانة البنود حيث كان ابن الأنباري ، قم قتل بها ، وحفر له ليدفن ، فظهر في الحفر رأس ابن الأنباري قبل أن يمضي فيه القتل ، فقال لا إله إلّا الله : هذا رأس ابن الأنباري أنا قتلته ، ودفنته ههنا وأنشد :

رب لحد قد صار لحدا مرارا

ضاحكا من تزاحم الأضداد (١)

فقتل ، ودفن في تلك الحفرة مع ابن الأنباري ، فعدّ ذلك من غرائب الاتفاق.

ثم إن خزانة البنود جعلت منازل للأسرى من الفرنج المأسورين من البلاد الشامية أيام

__________________

(١) البيت من قصيدة لأبي العلاء المعري مطلعها :

غير مجد في ملتي واعتقادي

نوح باك ولا ترنم شاد

٣١٨

كانت محاربة المسلمين لهم ، فأنزل بها الملك الناصر محمد بن قلاون : الأسارى بعد حضوره من الكرك ، وأبطل السجن بها ، فلم يزالوا فيها بأهاليهم ، وأولادهم في أيام السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون ، فصار لهم فيها أفعال قبيحة ، وأمور منكرة شنيعة من التجاهر : ببيع الخمر ، والتظاهر بالزنا واللياطة ، وحماية من يدخل إليها من أرباب الديون ، وأصحاب الجرائم وغيرهم ، فلا يقدر أحد ، ولو جلّ على أخذ من صار إليهم واحتمى بهم.

والسلطان يغضي عنهم لما يرى في ذلك من مراعاة المصلحة ، والسياسة التي اقتضاها الحال من مهادنة ملوك الفرنج ، وكان يسكن بالقرب منها الأمير الحاج آل ملك الجوكندار ، ويبلغه ما يفعله الفرنج من العظائم الشنيعة ، فلا يقدر على منعهم ، وفحش أمرهم ، فرفع الخبر إلى السلطان ، وأكثر من شكايتهم غير مرّة والسلطان يتغافل عن ذلك إلى أن كثرت مفاوضة الحاج آل ملك للسلطان في أمرهم ، فقال له السلطان : أتنقل أنت عنهم يا أمير؟

فلم يسعه إلّا الإعراض عن ذلك ، وعمّر داره التي بالحسينية ، والإصطبل ، والجامع المعروف : بآل ملك والحمام والفندق ، وانتقل من داره التي كان فيها بجوار خزانة البنود ، وسكن بالحسينية إلى أن مات السلطان الملك الناصر في أخريات سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ، وتنقل الملك في أولاده إلى أن جلس الملك الصالح عماد الدين إسماعيل ابن الملك الناصر محمد بن قلاون ، وضرب شورى على من يكون نائب السلطنة بالديار المصرية يدبر أحوال المملكة ، كما كانت العادة في ذلك مدّة الدلة التركية ، فأشير بتولية الأمير : بدر الدين جنكل بن البابا ، فتنصل من ذلك ، وأبى قبوله ، فعرضت النيابة على الأمير الحاج آل مالك فاستبشر وقال : لي شروط أشرطها على السلطان ، فإن أجابني إليها فعلت ما يرسم به.

وهي أن لا يفعل شيء في المملكة إلا برأيي ، وأن يمنع الناس من شرب الخمر ، ويقام منار الشرع ، ولا يعترض على أمر من الأمور ، فأجيب إلى ما سأل ، وأحضرت التشاريف ، فأفيضت عليه بالجامع من قلعة الجبل في يوم الجمعة الثاني عشر من المحرّم سنة أربع وأربعين وسبعمائة ، وأصبح يوم السبت جالسا في دار النيابة من القلعة ، وحكم بين الناس ، وأوّل ما بدأ به : أن أمر والي القاهرة بالنزول إلى خزانة البنود ، وأن يحتاط على جميع ما فيها من الخمر والفواحش ، ويخرج الأسرى منها ، ويهدمها حتى يجعلها دكا ، ويسوّي بها الأرض ، فنزل إليها ومعه الحاجب في عدّة وافرة ، وهجموا على من فيها ، وهم آمنون ، وأحاطوا بسائر ما تشتمل عليه ، وقد اجتمع من العامّة والغوغاء ، ما لا يقع عليه حصر ، فأراقوا منها خمورا كثيرة تتجاوز الحدّ في الكثرة ، وأخرج من كان فيها من النساء البغايا ، وغيرهنّ من الشباب ، وأرباب الفساد ، وقبض على الفرنج والأرمن ، وهدمها حتى

٣١٩

لم يبق لها أثر ، ونودي في الناس ، فحكروها وبنوا فيها الدور والطواحين على ما هي علي الآن ، وأمر بالأسرى ، فأنزلوا بالقرب من المشهد النفيسيّ ، بجوار كيمان مصرفهم هناك إلى الآن ، وأنزل من كان منهم أيضا بقلعة الجبل ، فأسكنوا معهم وطهر الله تلك الأرض منهم ، وأراح العباد من شرّهم ، فإنها كانت شرّ بقعة من بقاع الأرض يباع فيها لحم الخنزير على الوضم ، كما يباع لحم الضأن ، ويعصر فيها من الخمور في كل سنة ما لا يستطيع أحد حصره ، حتى يقال : إنه كان يعصر بها في كل سنة : اثنان وثلاثون ألف جرّة خمر ، ويباع فيها الخمر نحو : اثني عشر رطلا بدرهم إلى غير ذلك من سائر أنواع الفسوق.

دار الفطرة (١)

قال ابن الطوير : دار الفطرة خارج القصر ، بناها : العزيز بالله ، وهو أوّل من بناها ، وقرّر فيها ما يعمل مما يحمل إلى الناس في العيد ، وهي قبالة باب الديلم من القصر الذي يدخل منه إلى المشهد الحسينيّ ، ويكون مبدأ الاستعمال فيها ، وتحصيل جميع أصنافها من السكر والعسل ، والقلوب ، والزعفران ، والطيب ، والدقيق لاستقبال النصف الثاني من شهر رجب كل سنة ليلا ونهارا ، من الخشكنانج والبسندود ، وأصناف الفانيذ الذي يقال له: كعب الغزال ، والبرماورد ، والفستق ، وهو شوابير مثال الصنج ، والمستخدمون يرفعون ذلك إلى أماكن وسيعة مصونة فيحصل منه في الحاصل شيء عظيم هائل ، بيد مائة صانع للعلاويين مقدّم ، وللخشكانيين آخر ، ثم يندب لها مائة فرّاش لحمل طيافير للتفرقة على أرباب الرسوم خارجا عمن هو مرتب لخدمتها من الفرّاشين الذين يحفظون رسومها ومواعينها الحاصلة بالدائم ، وعدّتهم : خمسة فيحضر إليها الخليفة ، والوزير معه ، ولا يصحبه في غيرها من الخزائن لأنها خارج القصر ، وكلها للتفرقة فيجلس على سريره بها ، ويجلس الوزير على كرسي ملين على عادته في النصف الثاني من شهر رمضان ، ويدخل معه قوم من الخواص ، ثم يشاهد ما فيها من تلك الحواصل المعمولة المعباة مثل الجبال من كل صنف ، فيفرّقها من ربع قنطار إلى عشرة أرطال إلى رطل واحد ، وهو أقلها.

ثم ينصرف الخليفة والوزير بعد أن ينعم على مستخدميها بستين دينارا ، ثم يحضر إلى حاميها ومشارفها الأدعية (٢) المعمولة المخرجة من دفتر المجلس ، كل دعو لتفريق فريق من خاص ، وغيره حتى لا يبقى أحد من أرباب الرسوم إلّا واسمه وارد في دعو من تلك الأدعية ، ويندب صاحب الديوان الكتاب المسلمين في الديوان ، فيسيرهم إلى مستخدميها ، فيسلم كل كاتب دعوا أو دعوين أو ثلاثة على كثرة ما يحتويه وقلته ، ويؤمر بالتفرقة من ذلك

__________________

(١) دار الفطرة : كانت خارج القصر قبالة الديلم ومشهد الحسين بناها العزيز بالله ومحلها اليوم شارع فريد تجاه بوابة شارع الباب الأخضر (م. رمزي).

(٢) الأدعية : ج دعو والمراد به الخطبة المكتوبة وفيها ذكر العيد وسننه والدعاء للدولة.

٣٢٠