كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٢

تقي الدين احمد بن علي المقريزي

كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٢

المؤلف:

تقي الدين احمد بن علي المقريزي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

الخليفة : يمتثل أمر مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، ويثبت في الدواوين.

رتب الأمراء

كان أجل خدم الأمراء : أرباب السيوف ، خدم الباب ، ويقال لمتولي هذه الخدمة : صاحب الباب ، وينعت أوّلا بالمعظم ، وأوّل من خدم بها : المعظم خمرتاش في أيام الخليفة الحافظ ، وكان من العقلاء ، وناب عن الحافظ في مرضه ، فلما عوفي أراده على الوزارة ، فامتنع ، وله نائب يقال له : النائب ، وتسمى الخدمة فيها : بالنيابة الشريفة ومقتضاها أنها مميزة ، ولا يليها إلّا أعيان العدول ، وأرباب العمائم ، وينعت أبدا بعدي الملك ، وهو الذي يتلقى الرسل الواصلة من الدول ، ومعه نوّاب الباب في خدمته ، ويحفظهم ينزلهم بالأماكن المعدّة لهم ، ويقدّمهم للسلاح على الخليفة ، والوزير مع صاحب الباب ، فيكون صاحب الباب يمينا ، وهو يسار ، ويتولى افتقادهم ، والحث على ضيافتهم ، ولا يمكن من التقصير في حقوقهم ، واجتماع الناس بهم ، والاطلاع على ما جاؤوا فيه ، ولا من ينقل الأخبار إليهم ، ويلي رتبة صاحب الباب ، الإسفهسلار ، وهو زمام كل زمام ، وإليه أمور الأجناد ، ثم يليه حامل سيف الخليفة أيام الركوب بالمظلة واليتيمة ، ثم من يزم طائفتي الحافظية ، والآمرية ، وهما وجه الأجناد ، وهؤلاء أرباب الأطواق ، ويليهم : أرباب القصب ، والعماريات ، وهي الأعلام ، ثم زي الطوائف ، ثم من يترشح لذلك من الأماثل وكانت الدولة لا تسند ذلك إلّا إلى أرباب الشجاعة ، والنجدة ، ولهذا دخل فيه أخلاط الناس من الأرمن والروم وغيرهم ، وعلى ذلك كان عملهم لا للزينة والتباهي.

قاضي القضاة

وكان من عادة الدولة ، أنه إذا كان وزير : رب سيف ، فإنه يقلد القضاء رجلا نيابة عنه ، وهذا إنما حدث من عهد أمير الجيوش بدر الجماليّ ، وإذا كان الخليفة مستبدّا قلد القضاء رجلا ، ونعته بقاضي القضاة ، وتكون رتبته أجل رتب أرباب العمائم ، وأرباب الأقلام ، ويكون في بعض الأوقات داعيا ، فيقال له حينئذ : قاضي القضاة ، وداعي الدعاة ولا يخرج شيء من الأمور الدينية عنه ، ويجلس السبت والثلاثاء ، بزيادة جامع عمرو بن العاص بمصر على طرّاحة ومسند حرير.

فلما ولي ابن عقيل القضاء ، رفع المرتبة والمسند ، وجلس على طرّاحات السامان ، فاستمرّ هذا الرسم ويجلس الشهود حواليه يمنة ويسرة بحسب تاريخ عدالتهم ، وبين يديه خمسة من الحجاب اثنان بين يديه ، واثنان على باب المقصورة ، وواحد ينفذ الخصوم إليه ، وله أربعة من الموقعين بين يديه : اثنان يقابلان اثنين ، وله كرسيّ الدواة ، وهي دواة محلاة

٢٨١

بالفضة تحمل إليه من خزائن القصور ، ولها حامل بجامكية (١) في الشهر على الدولة ، ويقدّم له من الإصطبلات برسم ركوبه على الدوام : بغلة شهباء ، وهو مخصوص بهذا اللون من البغال دون أرباب الدولة ، وعليها من خزانة السروج ، سرج محلي ثقيل وراء دفتر فضة ، ومكان الجلد حرير ، وتأتيه في المواسم الأطواق ، ويخلع عليه الخلع المذهبة بلا طبل ، ولا بوق إلّا إذا ولي الدعوة مع الحكم ، فإنّ للدعوة في خلعها الطبل ، والبوق ، والبنود الخاص وهي نظير البنود التي يشرّف بها الوزير صاحب السيف ، وإذا كان للحكم خاصة كان حواليه القرّاء رجالة ، وبين يديه المؤذنون يعلنون بذكر الخليفة ، والوزير إن كان ، ثم ويحمل بنوّاب الباب والحجاب ، ولا يتقدّم عليه أحد في محضر هو حاضره من رب سيف وقلم ، ولا يحضر لأملاك ولا جنازة إلا بإذن ، ولا سبيل إلى قيامه لأحد ، وهو في مجلس الحكم ولا يعدّل شاهد إلّا بأمره ، ويجلس بالقصر في يومي الاثنين والخميس ، أوّل النهار للسلام على الخليفة ، ونوّابه لا يفترون عن الأحكام ، ويحضر إليه وكيل بيت المال ، وكان له النظر في ديوان الضرب لضبط ما يضرب من الدنانير فكان يحضر مباشرة التغليق بنفسه ، ويختم عليه ، ويحضر لفتحه ، وكان القاضي لا يصرف إلّا بجنحة ، ولا يعدّل أحد إلّا بتزكية عشرين شاهدا : عشرة من مصر ، وعشرة من القاهرة ، ورضي الشهود به ، ولا يحتمي أحد على الشرع ومن فعل ذلك أدب.

قاعة الفضة

وهي من جملة قاعات القصر.

قاعة السدرة

كانت بجوار المدرسة ، والتربة الصالحية ، واشتراها قاضي القضاة : شمس الدين محمد بن ابراهيم بن عبد الواحد بن عليّ بن سرور المقدسيّ الحنبليّ ، مدرس الحنابلة بالمدرسة الصالحية : بألف وخمسة وتسعين دينارا في رابع شهر ربيع الآخر : سنة ستين وستمائة من كمال الدين ظافر بن الفقيه نصر وكيل بيت المال ، ثم باعها شمس الدين المذكور للملك الظاهر بيبرس في حادي عشري ربيع الآخر المذكور ، وكان يتوصل إليها من باب البحر.

قاعة الخيم

كانت شرقيّ قاعة السدرة ، وقد دخلت قاعة السدرة ، وقاعة الخيم في مكان المدرسة الظاهرية العتيقة.

__________________

(١) الجامكية : الراتب الشهري.

٢٨٢

المناظر الثلاث

استجدّهن الوزير المأمون البطائحي ، وزير الخليفة الآمر بأحكام الله : إحداهن بين باب الذهب ، وباب البحر والأخرى : على قوس باب الذهب ، ومنظرة ثالثة ، وكان يقال لها : الزاهرة ، والفاخرة ، والناضرة ، وكان يجلس الخليفة في إحداها لعرض العساكر يوم عيد الغدير ، ويقف الوزير في قوس باب الذهب.

قصر الشوك

(١) قال ابن عبد الظاهر كان منزلا لبني عذرة قبل القاهرة يعرف : بقصر الشوك ، وهو الآن أحد أبواب القصر انتهى ، والعامّة تقول : قصر الشوق ، وأدركت مكانه دارا استجدّت بعد الدولة الفاطمية ، هدمها الأمير جمال الدين يوسف الإستادار في سنة إحدى عشرة وثمانمائة ، لينشئها دارا ، فمات قبل ذلك ، وموضعه اليوم بالقرب من دار الضرب فيما بينه ، وبين المارستان العتيق.

قصر أولاد الشيخ

هذا المكان من جملة القصر الكبير ، وكان قاعة ، فسكنها الوزير الصاحب الأمير الكبير : معين الدين حسين بن شيخ الشيوخ صدر الدين بن حمويه في أيام الملك الصالح : نجم الدين أيوب ، فعرف به ، وأدركت هذا المكان خطا يعرف : بالقصر يتوصل إليه من زقاق تجاه حمام بيسري ، وفيه عدّة دور منها : دار الطواشي سابق الدين ، ومدرسته المعروفة بالمدرسة السابقية ، وكان يتوصل إليه من الركن المخلق أيضا من الباب المظلم تجاه سور سعيد السعداء بالمعروف قديما : بباب الريح ، ثم عرف : بقصر ابن الشيخ ، وعرف في زمننا : بباب القصر إلى أن هدمه جمال الدين الإستادار كما يأتي إن شاء الله تعالى.

قصر الزمرّد

هو من جملة القصر الكبير ، وعرف أخيرا : بقصر قوصون ، ثم عرف في زمننا : بقصر الحجازية ، وقيل له : قصر الزمرّد لأنه كان بجوار : باب الزمرد ، أحد أبواب القصر ، ووجد به في سنة بضع وسبعين وسبعمائة تحت التراب عمودان عظيمان من الرخام الأبيض ، فعمل لهما ابن عابد رئيس الحراريق السلطانية أساقيل ، وجرّهما إلى المدرسة التي أنشأها الملك الأشرف شعبان بن حسين تجاه : الطبلخاناة من قلعة الجبل ، وأدركنا لجرّ هذين العمودين

__________________

(١) كان بمكان القاهرة حاليا موضع يعرف ب (قصير الشوك) بصيغة التصغير تنزله بنو عذرة في الجاهلية وصار عند بناء القاهرة خطا يعرف بقصر الشوك قرب دار الضرب. الخطط التوفيقية ج ١ / ٣١.

٢٨٣

أوقاتا في أيام تجمع الناس فيها من كل أوب لمشاهدة ذلك ، ولهجوا بذكرهما زمنا ، وقالوا فيهما شعرا ، وغناء كثيرا ، وعملوا نموذجات من ثياب الحرير ، وتطريز المناديل عرفت بجرّ العمود ، وكانت الأنفس حينئذ منبسطة ، والقلوب خالية من الهموم وللناس إقبال على اللهو لكثرة نعمهم ، وطول فراغهم ، وكان العمودان المذكوران ، مما ارتدم من أنقاض القصر فسبحان الوارث.

الركن المخلق (١)

موضعه الآن : تجاه حوض الجامع الأقمر على يمنة من أراد الدخول إلى المسجد المعروف الآن : بمعبد موسى (٢) وقيل له : الركن المخلق لأنه ظهر في : سنة ستين وستمائة في هذا الموضع حجر مكتوب عليه : هذا مسجد موسى عليه‌السلام ، فخلق بالزعفران ، وسمي من ذلك اليوم بالركن المخلق ، وأخبرني الأمير الوزير أبو المعالي يلبغا السالميّ ، أنه قرأ في الأسطر المكتوبة : بأسكفة باب الجامع الأقمر كلاما من جملته ، والحوانيت التي بالركن المخوّق : بواو بعد الخاء ، فرأيت بعد ذلك في الأمالي للقالي ، وقال أبو عبيدة عن أبي عمر ، والخوقاء : الصحراء التي لا ماء بها ، ويقال : الواسعة وأخوق : واسع ، فلعله سمي : المخوّق بمعنى الاتساع ، فكان ركنا متسعا ، وفي بناء واسع أو يكون المخلق باللام من قولهم قدح مخلق بضم الميم ، وفتح الخاء ، وتشديد اللّام ، وفتحها أي : مستو أملس ، وكل ما لين وملس ، فقد خلق ، فكل مملس مخلق ، وسمته العامة بعد ذلك : الركن المخلق عندما خلقوه بالزعفران ، والله أعلم.

السقيفة (٣)

وكان من جملة القصر الكبير موضع يعرف : بالسقيفة يقف عنده المتظلمون ، وكانت عادة الخليفة أن يجلس هناك كل ليلة لمن يأتيه من المتظلمين ، فإذا ظلم أحد وقف تحت السقيفة ، وقال بصوت عال : لا إله إلّا الله محمد رسول الله عليّ وليّ الله ، فيسمعه الخليفة ، فيأمر بإحضاره إليه ، أو يفوّض أمره إلى الوزير أو القاضي أو الوالي ، ومن غريب ما وقع أن

__________________

(١) الركن المخلّق : يطلق هذا الاسم على الزاوية التي كان يتلاقى فيها الحائط البحري للقصر الكبير بالحائط الغربي وهذا الركن موضعه الزاوية البحرية الغربية للمنزل رقم ١١ بشارع التمبكجية تجاه دورة مياه الجامع الأقمر (مصطلحات محمد رمزي).

(٢) معبد موسى : بني مسجد بجوار الركن المخلق وقيل أن القائد جوهر جمع عظاما يقال أنها لحواري سيدنا عيسى عليه‌السلام وبنى مكانها مسجدا داخل سور القاهرة عرف : بمعبد موسى. النجوم الزاهرة ج ٤ / ٣٧.

(٣) قوله السقيفة هكذا هنا في النسخ بالقاف والفاء وهو الظاهر المتبادر خلافا لما مرّ من أنها سفينة بالفاء والنون أه مصححة.

٢٨٤

الموفق بن الخلال : لما كان يتحدّث في أمور الدواوين أيام الخليفة الحافظ لدين الله ، وخرج من انتدب بعد انحطاط النيل من العدول ، والنصارى الكتاب إلى الأعمال لتحرير ما شمله الريّ ، وزرع من الأراضي وكتابة المكلفات ، فخرج إلى بعض النواحي من يمسحها من شادّ ، وناظر ، وعدول ، وتأخر الكاتب النصرانيّ ، ثم لحقهم وأراد التعدية إلى الناحية ، فحمله ضامن تلك المعدّية إلى البرّ ، وطلب منه أجرة التعدية ، فنفر فيه النصرانيّ ووسبّه ، وقال : أنا ماسح هذه البلدة ، وتريد مني حق التعدية ، فقال له الضامن : إن كان لي زرع خذه ، وقلع لجام بغلة النصرانيّ ، وألقاه في معدّيته ، فلم يجد النصراني بدّا من دفع الأجرة إليه ، حين أخذ لجام بغلته ، فلما تمم مساحة البلد ، وبيض مكلفة المساحة ليحملها إلى دواوين الباب ، وكانت عادتهم حينئذ ، كتب الجملة بزيادة عشرين فدّانا ترك بياضا في بعض الأوراق ، وقابل العدول على المكلفة ، وأخذ الخطوط عليها بالصحة ، ثم كتب في البياض الذي تركه : أرض اللجام باسم ضامن المعدّية عشرين فدانا ، قطيعة كل فدّان : أربعة دنانير ، عن ذلك ثمانون دينارا ، وحمل المكلفة إلى ديوان الأصل وكانت العادة إذا مضى من السنة الخراجية أربعة أشهر ندب من الجند من فيه حماسة ، وشدّة ، ومن الكتاب العدول ، وكاتب نصرانيّ ، فيخرجون إلى سائر الأعمال لاستخراج ثلث الخراج على ما تشهد به المكلفات المذكورة فينفق في الأجناد ، فإنه لم يكن حينئذ للأجناد إقطاعات ، كما هو الآن ، وكان من العادة أن يخرج إلى كل ناحية ممن ذكر من لم يكن خرج وقت المساحة ، بل ينتدب قوم سواهم ، فلما خرج الشادّ والكاتب والعدول لاستخراج ثلث مال الناحية استدعوا أرباب الزرع على ما تشهد به المكلفة ، ومن جملتهم ضامن المعدّية ، فلما حضر : ألزم بستة وعشرين دينارا وثلثي دينار عن نظير ثلث المال الثمانين دينارا التي تشهد بها المكلفة ، عن خراج أرض اللجام فأنكر الضامن أن تكون له زراعة بالناحية ، وصدّقه أهل البلد ، فلم يقبل الشادّ ذلك ، وكان عسوفا ، وأمر به فضرب بالمقارع واحتج بخط العدول على المكلفة ، وما زال به حتى باع معدّيته وغيرها ، وأورد ثلث المال الثابت في المكلفة وسار إلى القاهرة ، فوقف تحت السقيفة ، وأعلن بما تقدّم ذكره ، فأمر الخليفة الحافظ بإحضاره ، فلما مثل بحضرته قص عليه ظلامته مشافهة ، وحكى له ما اتفق منه في حق النصرانيّ ، وما كاده به ، فأحضر ابن الخلال ، وجميع أرباب الدواوين ، وأحضرت المكلفات التي عملت للناحية المذكورة في عدّة سنين ماضية ، وتصفحت بين يديه سنة سنة ، فلم يوجد لأرض اللجام ذكر البتة ، فحينئذ أمر الخليفة الحافظ : بإحضار ذلك النصرانيّ ، وسمر في مركب وأقام له من يطعمه ويسقيه ، وتقدّم بأن يطاف به سائر الأعمال ، وينادى عليه ، ففعل ذلك ، وأمر بكف أيدي النصرانية كلها عن الخدم في سائر المملكة ، فتعطلوا مدّة إلى أن ساءت أحوالهم.

وكان الحافظ مغرما بعلم النجوم وله عدّة من المنجمين من جملتهم : شخص صار إليه عدّة من أكابر كتاب النصارى ، ودفعوا إليه جملة من المال ، ومعهم رجل منهم يعرف :

٢٨٥

بالأخرم بن أبي زكريا ، وسألوه أن يذكر للحافظ في أحكام تلك السنة حلية هذا الرجل ، فإنه إن أقامه في تدبير دولته زاد النيل ، ونما الارتفاع ، وزكت الزروع ، ونتجت الأغنام ، ودرّت الضروع ، وتضاعفت الأسماك ، وورد التجار ، وجرت قوانين المملكة على أجمل الأوضاع ، فطمع ذلك المنجم في كثرة ما عاينه من الذهب وعمل ما قرّره النصارى معه ، فلما رأى الحافظ ذلك تعلقت نفسه بمشاهدة تلك الصفة ، فأمر بإحضار الكتاب من النصارى ، صار يتصفح وجوههم من غير أن يطلع أحدا على ما يريده ، وهم يؤخرون الأخرم عن الحضور إليه قصدا منهم ، وخشية أن يفطن بمكرهم إلى أن اشتدّ إلزامهم بإحضار سائر من بقي منهم ، فأحضروه بعد أن وضعوا من قدره ، فلما رآه الحافظ : رأى فيه الصفات التي عينها منجمه ، فاستدناه إليه ، وقربه وآل أمره إلى أن ولّاه أمير الدواوين ، فأعاد كتاب النصارى أوفر ما كانوا عليه ، وشرعوا في التجبر ، وبالغوا في إظهار الفخر ، وتظاهروا بالملابس العظيمة ، وركبوا البغلات الرائعة ، والخيول المسوّمة بالسروج المحلاة ، واللجم الثقيلة ، وضايقوا المسلمين في أرزاقهم واستولوا على الأحباس الدينية ، الأوقاف الشرعية ، واتخذوا العبيد والمماليك ، والجواري من المسلمين والمسلمات ، وصودر بعض كتاب المسلمين ، فألجأته الضرورة إلى بيع أولاده وبناته ، فيقال : إنه اشتراهم بعض النصارى ، وفي ذلك يقول ابن الخلال :

إذا حكم النصارى في الفروج

وغالوا بالبغال وبالسروج

وذلت دولة الإسلام طرّا

وصار الأمر في أيدي العلوج

فقل للأعور الدجال هذا

زمانك إن عزمت على الخروج

وموضع السقيفة فيما بين درب السلامي ، وبين خزانة البنود يتوصل إليه من تجاه البئر التي قدّام دار كانت تعرف : بقاعة ابن كتيلة ، ثم استولى عليها جمال الدين الإستادار ، وجعلها مسكنا لأخيه ناصر الدين الخطيب وغير بابها.

دار الضرب (١)

هذا المكان الذي هو الآن : دار الضرب من بعض القصر ، فكان خزانة بجوار الإيوان الكبير سجن بها الخليفة الحافظ لدين الله أبو الميمون عبد المجيد ابن الأمير أبي القاسم محمد بن المستنصر بالله أبي تميم معدّ ، ذلك أنّ الآمر لما قتل في يوم الثلاثاء : رابع عشر ذي القعدة سنة أربع وعشرين خمسمائة ، قام العادل برغش ، وهزار الملوك جوامرد (٢) ، وكانا أخص غلمان الآمر بالأمير عبد المجيد ، ونصباه خليفة ، ونعتاه بالحافظ لدين الله ، وهو

__________________

(١) دار الضرب : بنيت في أيام الوزير المأمون البطائحي وكانت تضرب بها النقود وهي بالقشاشين وسمي بعد ذلك سوق الخراطين ويعرف اليوم باسم شارع الصنادقية. (محمد رمزي).

(٢) ورد في النجوم الزاهرة : هزبر الملوك : برغواد ج ٥.

٢٨٦

يومئذ أكبر الأقارب سنا ، وذكر أن الآمر ، قال قبل أن يقتل بأسبوع عن نفسة المسكين المقتول بالسكين ، وإنه أشار إلى أن بعض جهاته حامل منه ، وأنه رأى أنها ستلذ ذكرا ، وهو الخليفة من بعده ، وأن كفالته للأمير عبد المجيد ، فجلس على أنه كافل للمذكور ، وندب هزار الملوك للوزارة ، وخلع عليه ، فلم ترض الأجناد به ، وثاروا بين القصرين ، وكبيرهم رضوان بن ولخشي ، وقاموا بأبي عليّ بن الأفضل الملقب : بكتيفات ، وقالوا : لا نرضى إلّا أن يصرف هزار الملوك وتفوّض الوزارة لأحمد بن الأفضل في سادس عشرة ، فكان أوّل ما بدأ به أن أحاط على الخليفة الحافظ ، وسجنه بالقاعة المذكورة ، وقيده ، وهمّ بخلعه ، فلم يتأت له ذلك ، وكان إماميا ، فأبطل ذكر الحافظ من الخطبة ، وصار يدعو للقائم المنتظر ، ونقش على السكة : الله الصمد الإمام محمد ، فلما قتل في يوم الثلاثاء سادس عشر المحرّم سنة ست وعشرين وخمسمائة بالميدان خارج باب الفتوح ، سارع صبيان الخاص الذين تولوا قتله إلى الحافظ ، وأخرجوه من الخزانة المذكورة وفكوا عنه قيده ، وكان كبيرهم : يانس (١) ، وأجلسوه في الشباك على منصب الخلافة ، وطيف برأس أحمد بن الأفضل ، وخلع على : يانس خلع الوزارة ، وما زالت الخلافة في يد الحافظ ، حتى مات ليلة الخميس لخمس خلون من جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين ، وخمسمائة عن : سبع وستين سنة منها : خليفة من حين قتل ابن الأفضل : ثمان عشرة سنة ، وأربعة أشهر وأيام.

خزائن السلاح

كانت بالإيوان الكبير الذي تقدّم ذكره في صدر الشباك الذي يجلس فيه الخليفة تحت القبة التي هدمت في سنة سبع وثمانين وسبعمائة كما تقدّم ، وخزائن السلاح المذكورة هي الآن باقية بجوار دار الضرب خلف المشهد الحسينيّ ، وعقد الإيوان باق ، وقد تشعث.

المارستان العتيق (٢)

قال القاضي الفاضل في متجدّدات سنة سبع وسبعين وخمسمائة في تاسع ذي القعدة: أمر السلطان يعني صلاح الدين يوسف بن أيوب بفتح : مارستان للمرضى والضعفاء ، فاختير له مكان بالقصر ، وأفرد برسمه من أجرة الرباع الديوانية مشاهرة ، مبلغها مائتا دينار ، وغلات جهاتها الفيوم ، واستخدم له أطباء ، وطبائعيين ، وجرايحيين ، ومشارف ، وعاملا ، وخداما ،

__________________

(١) يانس : أبو الفتح يانس الحافظي كان أميرا للجيوش ثم وزيرا للخليفة الحافظ لدين الله الفاطمي وإليه تنسب الحارة اليانسية. النجوم الزاهرة ج ٥.

(٢) ويسمى أيضا البيمارستان الفاطمي لأن الذي بناه : العزيز بالله الفاطمي سنة ٣٨٤ ه‍ وكان القرآن مكتوبا في حيطانه. وكان واقعا تجاه دار الغرب بسوق الخراطين والبعض يقول البيمارستان المنصوري خطأ لأن البيمارستان المنصوري بني سنة ٦٨٠ ه‍ زمن السلاطين الجراكسة بناه السلطان منصور قلاوون.

والبيمارستان كلمة أعجمية معناها : بيت المرضى. النجوم الزاهرة ج ٤. صبح الأعشى ج ٣.

٢٨٧

ووجد الناس به رفقا ، وإليه مستروحا ، وبه نفعا ، وكذلك بمصر أمر : بفتح مارستانها القديم وأفرد برسمه من ديوان الأحباس ما تقدير ارتفاعه : عشرون دينارا ، واستخدم له طبيب ، وعامل ومشارف ، وارتفق به الضعفاء ، وكثر بسبب ذلك الدعاء.

وقال ابن عبد الظاهر : كان قاعة بناها العزيز بالله في سنة أربع وثمانين وثلثمائة ، وقيل : إن القرآن مكتوب في حيطانها ، ومن خواصها أنه لا يدخلها ثمل لطلسم بها ، ولما قيل ذلك لصلاح الدين رحمه‌الله قال : هذا يصلح أن يكون مارستانا ، وسألت مباشريه عن ذلك ، فقالوا : إنه صحيح ، وكان قديما المارستان ، فيما بلغني القشاشين ، وأظنه المكان المعروف : بدار الديلم انتهى ، والقشاشين المذكورة تعرف اليوم : بالخرّاطين المسلوك فيها إلى الخيميين ، والجامع الأزهر.

التربة المعزية

كان من جملة القصر الكبير : التربة المعزية ، وفيها دفن المعز لدين الله ، آباءه الذين أحضرهم في توابيت معه من بلاد المغرب ، وهم الإمام المهدي عبيد الله ، وابنه القائم بأمر الله محمد ، وابنه الإمام المنصور بنصر الله إسماعيل ، واستقرّت مدفنا يدفن فيه الخلفاء ، وأولادهم ، ونساءهم ، وكانت تعرف : بتربة الزعفران ، وهو مكان كبير من جملتها الموضع الذي يعرف اليوم : بخط الزراكشة العتيق ، ومن هناك بابها ، ولما انشأ الأمير : جهاركس الخليليّ خانه المعروف به في الخط المذكور ، أخرج ما شاء الله من عظامهم ، فألقيت في المزابل على كيمان البرقية ، ويمتدّ من هناك من حيث المدرسة البديرية خلف المدارس الصالحية النجمية ، وبها إلى اليوم بقايا من قبورهم ، وكان لهذه التربة عوايد ورسوم منها : أن الخليفة كلما ركب بمظلة ، وعاد إلى القصر لا بدّ أن يدخل إلى زيارة آبائه بهذه التربة ، وكذلك لا بدّ أن يدخل في يوم الجمعة دائما ، وفي عيدي الفطر والأضحى مع صدقات ورسوم تفرّق.

قال ابن المأمون : وفي هذا الشهر يعني شوّالا سنة ست عشرة وخمسمائة ، تنبه ذكر الطائفة النزارية ، وتقرّر بين يدي الخليفة الآمر بأحكام الله أن يسير رسول إلى صاحب الموق بعد أن جمعوا الفقهاء من الإسماعيلية ، والإمامية ، وقال لهم الوزير المأمون البطائحيّ ما لكم من الحجة في الرد على هؤلاء الخارجين على الإسماعيلية؟ فقال كل منهم : لم يكن لنزار إمامة ومن اعتقد هذا ، فقد خرج عن المذهب ، وضلّ ، ووجب قتله ، وذكروا حجتهم ، فكتب الكتاب ، ووصلت كتب من خواص الدولة تتضمن أن القوم قويت شوكتهم ، واشتدّت في البلاد طمعتهم ، وأنهم سيروا الآن ثلاثة آلاف برسم النجوى وبرسم المؤمنين الذين تنزل الرسل عندهم ، ويختفون في محلهم ، فتقدّم الوزير بالفحص عنهم ، والاحتراز التام على الخليفة في ركوبه ، ومنتزهاته ، وحفظ الدور والأسواق ، ولم يزل البحث في طلبهم إلى أن

٢٨٨

وجدوا ، فاعترفوا بأن خمسة منهم هم الرسل الواصلون بالمال فصلبوا.

وأما المال وهو ألفا دينار ، فإنّ الخليفة أبى قبوله ، وأمر أن ينفق في السودان عبيد الشراء ، وأحضر من بيت المال نظير المبلغ ، وتقدّم بأن يصاغ به قنديلان من ذهب ، وقنديلان من فضة ، وأن يحمل منها قنديل ذهب ، وقنديل فضة إلى مشهد الحسين بثغر عسقلان ، وقنديل إلى التربة المقدّسة تربة الأئمة بالقصر ، وأمر الوزير المأمون : بإطلاق ألفي دينار من ماله ، وتقدّم بأن يصاغ بها قنديل ذهب ، وسلسلة فضة برسم المشهد العسقلانيّ ، وأن يصاغ على المصحف الذي بخط أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب بالجامع العتيق بمصر من فوق الفضة ذهب ، وأطلق حاصل الصناديق التي تشتمل على مال النجاوي برسم الصدقات عشرة آلاف درهم تفرّق في الجوامع الثلاثة : الأزهر بالقاهرة ، والعتيق بمصر ، وجامع القرافة ، وعلى فقراء المؤمنين على أبواب القصور ، وأطلق من الاهراء ألفي أردب قمحا ، وتصدّق على عدّة من الجهات بجملة كثيرة ، واشتريت عدّة جوار من الحجر ، وكتب عتقهن للوقت ، وأطلق سراحهن ، وقال في كتاب الذخائر : إنّ الأتراك طلبوا من المستنصر نفقة في أيام الشدّة ، فماطلهم وإنهم هجموا على التربة المدفون فيها أجداده ، فأخذوا ما فيها من قناديل الذهب وكانت قيمة ذلك ، مع ما اجتمع إليه من الآلات الموجودة هناك مثل المداخن ، والمجامر وحلي المحاريب وغير ذلك خمسين ألف دينار.

القصر النافعيّ (١)

قال ابن عبد الظاهر : القصر النافعيّ قرب التربة يقرب من جهة السبع خوخ كان فيه عجائز من عجائز القصر وأقارب الأشراف انتهى.

وموضع هذا القصر اليوم فندق المهمندار الذي يدق فيه الذهب ، وما في قبليه من خان منجك ، ودار خواجا عبد العزيز المجاورة للمسجد الذي بحذاء خان منجك ، وما بجوار دار خواجا من الزقاق المعروف : بدرب الحبشيّ ، وكان حدّ هذا القصر الغربيّ ينتهي إلى الفندق الذي بالخيميين المعروف قديما : بخان منكورس ، ويعرف اليوم : بخان القاضي ، واشترى بعض هذا القصر لما بيع بعد زوال الدولة ، الأمير ناصر الدين عثمان بن سنقر الكامليّ المهمندار الذي يعرف : بفندق المهمندار بعد أن كان اصطبلا له ، واشترى بعضه الأمير حسام الدين لاجين الإيدمري المعروف : بالدر قيل دوادار الملك الظاهر بيبرس ، وعمّره اصطبلا ، ودارا ، وهي الدار التي تعرف اليوم : بخواجا عبد العزيز على باب درب الحبشي ، ثم عمل الإصطبل الخان الذي يعرف اليوم : بخان منجك ، وابتنى الناس في مكان درب

__________________

(١) كان هذا القصر واقعا قرب التربة المعزية التي بالقصر الكبير وكان يسكنه عجائز القصر وأقارب الأشراف. وموقعه تجاه باب الفرج القبلي لجامع سيدنا الحسين قرب خان الخليلي. (م. رمزي).

٢٨٩

الحبشيّ الدور ، وزال أثر القصر ، فلم يبق منه شيء البتة.

الخزائن التي كانت بالقصر

وكانت بالقصر الكبير عدّة خزائن منها : خزانة الكتب ، وخزانة البنود ، وخزائن السلاح ، وخزائن الدرق ، وخزائن السروج ، وخزانة الفرش ، وخزانة الكسوات ، وخزانة الأدم ، وخزائن الشراب ، وخزنة التوابل ، وخزائن الخيم ، ودار التعبية ، وخزائن دار أفتكين ، ودار الفطرة ، ودار العلم ، وخزانة الجوهر والطيب ، وكان الخليفة يمضي إلى موضع من هذه الخزائن ، وفي كل خزانة دكة عليها طرّاحة ، ولها فرّاش يخدمها ، وينظفها طول السنة ، وله جار في كل شهر ، فيطوفها كلها في السنة.

خزانة الكتب (١)

قال المسبحيّ : وذكر عند العزيز بالله ، كتاب العين للخليل بن أحمد ، فأمر خزان دفاتره ، فأخرجوا من خزانته نيفا وثلاثين نسخة من كتاب العين ، منها نسخة بخط الخليل بن أحمد ، وحمل إليه رجل نسخة من كتاب تاريخ الطبري : اشتراها بمائة دينار ، فأمر العزيز الخزان ، فأخرجوا من الخزانة ما ينيف عن عشرين نسخة من تاريخ الطبريّ ، منها نسخة بخطه.

وذكر عنده كتاب : الجمهرة لابن دريد ، فأخرج من الخزانة مائة نسخة منها ، وقال في كتاب الذخائر : عدّة الخزائن التي برسم الكتب في سائر العلوم بالقصر : أربعون خزانة ، خزانة من جملتها ثمانية عشر ألف كتاب من العلوم القديمة ، وإن الموجود فيها من جملة الكتب المخرجة في شدّة المستنصر ألفان وأربعمائة ختمة قرآن في ربعات بخطوط منسوبة زائدة الحسن محلاة بذهب وفضة ، وغيرهما ، وإنّ جميع ذلك كله ذهب فيما أخذه الأتراك في واجباتهم ببعض قيمته ، ولم يبق في خزائن القصر البرانية منه شيء بالجملة دون خزائن القصر الداخلة التي لا يتوصل إليها ، ووجدت صناديق مملوءة أقلاما مبرية من براية ابن مقلة ، وابن البوّاب وغيرهما.

قال : وكنت بمصر في العشر الأول من محرّم سنة إحدى وستين وأربعمائة ، فرأيت فيها خمسة وعشرين جملا موقرة كتبا محمولة إلى دار الوزير أبي الفرج محمد بن

__________________

(١) كان للفاطميين في القاهرة مكتبات منها أربعون خزانة في قصر الخلافة وحده ملأى بنفائس المؤلفات الجليلة المقدار ونوادرها المعدومة المثال. وكان أشهرها هذه الخزانة المذكورة وكانت من عجائب الدنيا ولم يكن في جميع بلاد الإسلام دار كتب أعظم منها كانت تجمع مئتي ألف مجلد في مختلف أنواع العلوم والفنون. ولكنها تعرضت للنهب البيع والإتلاف عند دخول الأكراد في أواسط القرن السادس للهجرة. تاريخ التمدن الإسلامي ج ٣ / ٢٠٥.

٢٩٠

جعفر (١) المغربيّ ، فسألت عنها ، فعرفت أنّ الوزير أخذها من خزائن القصر هو ، والخطير ابن الموفق في الدين بإيجاب وجبت لهما عما يستحقانه ، وغلمانهما من ديوان الجبليين ، وإن حصة الوزير أبي الفرج منها قوّمت عليه من جاري مماليكه ، وغلمانه بخمسة آلاف دينار ، وذكر لي من له خبرة بالكتب أنها تبلغ أكثر من مائة ألف دينار ، ونهب جميعها من داره يوم انهزم ناصر الدولة بن حمدان من مصر في صفر من السنة المذكورة مع غيرها ، مما نهب من دور من سار معه من الوزير أبي الفرج ، وابن أبي كدينة ، وغيرهما هذا سوى ما كان في خزائن دار العلم بالقاهرة ، وسوى ما صار إلى عماد الدولة أبي الفضل بن المحترق بالإسكندرية ، ثم انتقل بعد مقتله إلى المغرب ، وسوى ما ظفرت به لواتة محمولا مع ما صار إليه بالابتياع ، والغصب في بحر النيل إلى الاسكندرية في سنة إحدى وستين وأربعمائة ، ومما بعدها من الكتب الجليلة المقدار ، المعدومة المثل في سائر الأمصار صحة ، وحسن خط ، وتجليد ، وغرابة التي أخذ جلودها عبيدهم ، وإماؤهم برسم عمل ما يلبسونه في أرجلهم ، وأحرق ورقها تأوّلا منهم أنها خرجت من قصر السلطان أعز الله أنصاره ، وإنّ فيها كلام المشارقة الذي يخالف مذهبهم سوى ما غرق ، وتلف ، وحمل إلى سائر الأقطار ، وبقي منها ما لم يحرق ، وسفت عليه الرياح التراب ، فصار تلالا باقية إلى اليوم في نواحي آثار تعرف : بتلال الكتب.

وقال ابن الطوير : خزانة الكتب كانت في أحد مجالس المارستان اليوم يعني : المارستان العتيق ، فيجيء الخليفة راكبا ، ويترجل على الدكة المنصوبة ، ويجلس عليها ، ويحضر إليه من يتولاها ، وكان في ذلك الوقت الجليس بن عبد القويّ ، فيحضر إليه المصاحف بالخطوط المنسوبة ، وغير ذلك مما يقترحه من الكتب ، فإن عنّ له أخذ شيء منها أخذه ، ثم يعيده ، وتحتوي هذه الخزانة على عدّة رفوف في دور ذلك المجلس العظيم ، والرفوف مقطعة بحواجز ، وعلى كل حاجز باب مقفل بمفصلات ، وقفل وفيها من أصناف الكتب ما يزيد على مائتي ألف كتاب من المجلدات ، ويسير من المجرّدات ، فمنها الفقه على سائر المذاهب ، والنحو ، واللغة ، وكتب الحديث والتواريخ ، وسير الملوك ، والنجامة ، والروحانيات ، والكيمياء من كل صنف النسخ ، ومنها النواقص التي ما تممت كل ذلك بورقة مترجمة ملصقة على كل باب خزانة ، وما فيها من المصاحف الكريمة في مكان فوقها ، وفيها من الدروج بخط ابن مقلة ، ونظائره كابن البوّاب وغيره ، وتولى بيعها ابن صورة في أيام الملك الناصر صلاح الدين ، فإذا أراد الخليفة الانفصال مشى فيها مشية لنظرها ، وفيها ناسخان ، وفرّاشان صاحب المرتبة. وآخر ، فيعطى الشاهد عشرين دينارا ،

__________________

(١) وزير وكاتب استوزره المستنصر بالله الفاطمي سنة ٤٥٠ ه‍ ولقبه (الوزير الأجل الكامل الأوحد صفي أمير المؤمنين وخالصته) ثم عزل من الوزارة وولي ديوان الإنشاء إلى أن توفي سنة ٤٧٨ ه‍. الأعلام ج ٦ / ٧٢.

٢٩١

ويخرج إلى غيرها ، وقال ابن أبي طي بعد ما ذكر استيلاء صلاح الدين على القصر ، ومن جملة ما باعوه : خزانة الكتب ، وكانت من عجائب الدنيا ، ويقال : إنه لم يكن في جميع بلاد الإسلام دار كتب أعظم من التي كانت بالقاهرة في القصر ، ومن عجائبها : أنه كان فيها ألف ، ومائتا نسخة من تاريخ الطبريّ إلى غير ذلك ، ويقال : إنها كانت تشتمل على ألف وستمائة ألف كتاب ، وكان فيها من الخطوط المنسوبة أشياء كثيرة انتهى ، ومما يؤيد ذلك أن القاضي الفاضل عبد الرحيم بن عليّ : لما أنشأ المدرسة الفاضلية بالقاهرة ، جعل فيها من كتب القصر مائة ألف كتاب مجلد ، وباع ابن صورة دلال الكتب منها جملة في مدّة أعوام ، فلو كانت كلها مائة ألف لما فضل عن القاضي الفاضل منها شيء ، وذكر ابن أبي واصل : أن خزانة الكتب كانت تزيد على مائة وعشرين ألف مجلد.

خزانة الكسوات

قال ابن أبي طي : وعمل يعني لمعز الدين الله دارا ، وسماها : دار الكسوة كان يفصل فيها من جميع أنواع الثياب والبز ، ويكسو بها الناس على اختلاف أصنافهم كسوة الشتاء والصيف ، وكانت لأولاد الناس ، ونسائهم كذلك وجعل ذلك رسما يتوارثونه في الأعقاب ، وكتب بذلك كتبا ، وسمى هذا الموضع : خزانة الكسوة ، وقال عند ذكر انقراض الدولة.

ومن أخبارهم : أنهم كانوا يخرجون من خزائن الكسوة إلى جميع خدمهم وحواشيهم ، ومن يلوذ بهم من صغير وكبير ، ورفيع ، وحقير كسوات الصيف والشتاء من العمامة إلى السراويل ، وما دونه من الملابس والمنديل من فاخر الثياب ، ونفيس الملبوس ، ويقومون لهم بجميع ما يحتاجون إليه من نفيس المطعومات والمشروبات ، وسمعت من يقول : إنه حضر كسا القصر التي تخرج في الصيف والشتاء ، فكان مقدارها ستمائة ألف دينار وزيادة ، وكانت خلعهم على الأمراء الثياب الديبقيّ ، والعمائم بالطراز الذهب ، وكان طراز الذهب والعمامة من خمسمائة دينار ، ويخلع على أكابر الأمراء الأطواق والأسورة والسيوف المحلاة ، وكان يخلع على الوزير عوضا عن الطوق عقد جوهر.

وقال ابن المأمون : وجلس الأجلّ يعني الوزير المأمون في مجلس الوزارة لتنفيذ الأمور ، وعرض المطالعات ، وحضر الكتاب ، ومن جملتهم ابن أبي الليث كاتب الدفتر ، ومعه ما كان أمر به من عمل جرائد الكسوة للشتاء بحكم حلوله ، وأوان تفرقتها ، فكان ما اشتمل عليه المنفق فيها لسنة ست عشرة وخمسمائة : من الأصناف أربعة عشر ألفا وثلثمائة وخمس قطع ، وإنّ أكثر ما أنفق عن مثل ذلك في الأيام الأفضلية في طول مدّتها لسنة ثلاث عشرة ، وخمسمائة : ثمانية آلاف وسبعمائة وخمس وسبعون قطعة ، يكون الزائد عنها بحكم ما رسم به في منفق سنة ، ست عشرة : خمسة آلاف وستمائة وأربعا وثلاثين قطعا ، ووصلت الكسوة المختصة بالعيد في آخر الشهر ، وقد تضاعفت عما كانت عليه في الأيام

٢٩٢

الأفضلية لهذا الموسم ، وهي تشتمل على ذهوب وسلف دون العشرين ألف دينار ، وهو عندهم الموسم الكبير ، ويسمى : بعيد الحلل ، لأنّ الحلل فيه تعمّ الجماعة ، وفي غيره للأعيان خاصة ، فأحضر الأمير : افتخار الدولة مقدّم خزانة الكسوة الخاص ليتسلم ما يختص بالخليفة ، وهو برسم الموكب : بدلة خاص جليلة مذهبة ، ثوبها موشح مجاوم مذايل عدّتها باللفافتين إحدى عشرة قطعة ، السلف عنها مائة وستة وسبعون دينارا ونصف ، ومن الذهب العالي المغزول : ثلثمائة وسبعون وخمسون مثقالا ونصف ، كل مثقال أجرة غزله ثمن دينار ، ومن الذهب العراقي : ألفان وتسعمائة وأربع وتسعون قصبة.

تفصيل ذلك : شاشية طميم السلف : ديناران ، وسبعون قصبة ذهبا عراقيا منديل بعمود ذهب السلف : سبعون وألفان ومائتان وخمسون قصبة ذهبا عراقيا ، فإن كان الذهب نظير المصريّ ، كان الذي يرقم فيه : ثلثمائة وخمسة وعشرين مثقالا ، لأنّ كل مثقال نظير تسع قصبات ذهبا عراقيا وسط سرب بطانة للمنديل السلف : عشرة دنانير وسبعون قصبة ذهبا عراقيا ثوب موشح مجاوم مطرّف السلف : خمسون دينارا وثلثمائة وأحد وخمسون مثقالا ونصف ذهبا عاليا ، أجرة كل مثقال ثمن دينار ، تكون جملة مبلغه ، وقيمة ذهبه : ثلثمائة وأربعة وتسعين دينارا ونصفا ، ثوب ديبقيّ حريريّ وسلطانيّ السلف : اثنا عشر دينارا ، غلالة ديبقيّ حريريّ السلف : عشرون دينارا ، منديل كم أوّل مذهب السلف : خمسة دنانير ومائتان وأربع قصبات ذهبا عراقيا ، منديل كم ثان حريريّ السلف : خمسة دنانير ، حجرة السلف : أربعة دنانير ، عرضيّ مذهب السلف : خمسة دنانير وخمسة عشر مثقالا ذهبا عاليا ، عرضي لفافة للتخت دينار واحد ونصف ، بدلة ثانية برسم الجلوس على السّماط عدّتها باللفافتين ، عشر قطع السلف : مائة وأربعة عشر دينارا ، ومن الذهب العالي خمسة وخمسون مثقالا ، ومن الذهب العراقيّ : سبعمائة وأربعون قصبة.

تفصيل ذلك : شاشية طميم السلف : ديناران ، وسبعون قصبة ذهبا عراقيا ، منديل السلف : ستون دينارا ، وستمائة قصبة ذهبا عراقيا ، شقة وكم السلف : ستة عشر دينارا ، وخمسة وخمسون مثقالا ذهبا عاليا ، أجرة كل مثقال ثمن دينار شقة ديبقيّ حريريّ وسلطانيّ: اثنا عشر دينارا ، شقة ديبقيّ غلالة ثمانية دنانير ، منديل الكمّ الحريريّ : خمسة دنانير ، حجرة أربعة دنانير ، عرضي خمسة دنانير ، عرضي برسم التخت دينار واحد ونصف ، وهذه البدلة لم تكن فيما تقدّم في أيام الأفضل لأنه لم يكن ثم سماط يجلس عليه الخليفة ، فإنه كان قد نقل ما يعمل في القصور من الأسمطة ، والدواوين إلى داره ، فصاره يعمل هناك ، ما هو برسم الأجل أبي الفضل : جعفر أخي الخليفة الآمر بدلة مذهبة مبلغها : تسعون دينارا ونصف ، وخمسة وعشرون مثقالا ذهبا عاليا ، وأربعمائة وسبعون قصبة ذهبا عراقيا ، تفصيل ذلك : منديل السلف : عشرة دنانير ، شقة غلالة ديبقيّ السلف : ثمانية دنانير ، حجرة : ثلاثة دنانير وثلث ، عرضي ديبقيّ : ثلاثة دنانير ، الجهة العالية بالدار الجديدة التي يقوم بخدمتها

٢٩٣

جوهر : حلة مذهبة موشح مجاوم مذايل مطرّف عدّتها : خمس عشرة قطعة سلفها : ستة آلاف وثلثمائة وثلاثون قصبة ، تفصيل ذلك : مذهب مكلف موشح مجاوم السلف : خمسة عشر دينارا ، وستمائة وستون قصبة ، سداسيّ مذهب السلف : ثمانية عشر دينارا ، ومائتا قصبة معجر أوّل مذهب موشح مجاوم مطرّف السلف : خمسون دينارا ، وألف وتسعمائة قصبة. معجز ثان حريريّ السلف : خمسة وثلاثون دينارا ونصف ، رداء حريريّ أوّل السلف : عشرة دنانير ونصف ، رداء حريريّ ثان ، السلف : تسعة دنانير ، دراعة موشح مجاوم مذايل مذهبة السلف : خمسة وتسعون دينارا ، ومن الذهب العراقيّ ألفان وستمائة وخمس وخمسون قصبة ، شقة ديبقيّ حريريّ وسطاني السلف : عشرون دينارا ونصف ، شقة ديبقيّ بغير رقم برسم عجز التفصيل : ثلاثة دنانير ، ملاءة ديبقيّ السلف : أربعة وعشرون دينارا وستمائة قصبة ، منديل كم أوّل السلف : ستة دنانير ، ومائة وستون قصبة ، منديل كم ثان السلف : خمسة دنانير ، ومائة وستون قصبة منديل كم ثالث السلف : خمسة دنانير ، حجرة : ثلاثة دنانير ، عرضي ديبقيّ : ثلاثة دنانير ، جهة مكنون القاضي بمثل ذلك على الشرح ، والعدّة جهة مرشد : حلة مذهبة عدّتها ، أربع عشرة قطعة السلف : مئة وأحد وأربعون دينارا ، ومن الذهب العراقيّ : ألف وستمائة وتسع وثمانون قصبة ، جهة عنبر مثل ذلك.

السيدة جهة ظل : مثل ذلك ، جهة منجب : مثل ذلك ، الأمير أبو القاسم عبد الصمد : بدلة مذهبة ، الأمير داود مثله ، السيدة العمة حلة مذهبة ، السيدة العابدة العمة مثل ذلك ، الموالي الجلساء من بني الأعمام ، وهم أبو الميمون بن عبد المجيد ، والأمير أبو اليسر ابن الأمير محسن ، والأمير أبو عليّ ابن الأمير جعفر ، والأمير حيدرة ابن الأمير عبد المجيد ، والأمير موسى ابن الأمير عبد الله ، والأمير أبو عبد الله ابن الأمير داود لكل منهم : بدلة مذهبة ، البنون والبنات من بني الأعمام غير الجلساء لكل منهم : بدلة حريريّ ، ست سيدات لكل منهنّ حلة حريريّ ، جهة المولى أبي الفضل جعفر التي يقوم بخدمتها ريحان حلة مذهبة ، جهة المولى عبد الصمد حلة حريري ، ما يختص بالدار الجيوشية والمظفرية فعلى ما كان بأسمائهم ، المستخدمات لخزانة الكسوة الخاص زين الخزان المقدّمة : حلة مذهبة ، ست خزان لكل منهنّ حلة حريريّ ، عشر وقافات لكل منهنّ كذلك ، المعلمة مقدّمة المائدة كذلك ، رايات مقدّمة خزانة الشراب كذلك ، المستخدمات من أرباب الصنائع من القصوريات ، وممن انضاف إليهنّ من الأفضليات مائة وسبعون حلة مذهبة وحريريّ على التفصيل المتقدّم ، المستخدمات عند الجهات العالية ، جهة جوهر عشرون حلة مذهبة وحريريّ ، وكذلك المستخدمات عند مكنون الأمراء.

الأستاذون المحنكون : الأمير الثقة زمام القصور : بدلة مذهبة ، الأمير نسيب الدولة مرشد متولي الدفتر كذلك ، الأمير خاصة الدولة ريحان متولي بيت المال كذلك ، الأمير عظيم الدولة ، وسيفها حامل المظلة كذلك ، الأمير صارم الدولة صاف متولي الستر كذلك.

٢٩٤

وفيّ الدولة إسعاف متولي المائدة مثله ، الأمير افتخار الدولة جندب بدلة مذهبة ، نظير البدلة المختصة بالأمير الثقة ولكل من غير هؤلاء المذكورين : حلة حريريّ أربع قطع ولفافة فوطة ، مختار الدولة ظل بدلة حريريّ ، ستة أستاذين في خزانة الكسوة الخاص عند الأمير افتخار الدولة جندب لكل منهم بدلة مذهبة ، جوهر زمام الدار الجديدة بدلة حريريّ ، تاج الملك أمين بيت المال مثله ، مفلح برسم الخدمة في المجلس مثله ، مكنون متولي خدمة الجهة العالية مثله ، فنون متولي خدمة التربة مثله ، مرشد الخاصي مثله ، النوّاب عن الأمير الثقة في زمان القصور ، وعدّتهم أربعة لكل منهم بدلة حريريّ خسرواني ، العظمي مقدّم خزانة الشراب ، ورفيقه لكل منهما بدلة. كذلك الصقالبة أرباب المداب ، وعدّتهم أربعة لكل منهم : بدلة حريريّ وشقة وفوطة ، نائب الستر مثل ذلك. الأستاذون برسم خدمة المظلة ، وعدّتهم خمسة لكل منهم : منديل سوسيّ ، وشقة دمياطيّ ، وشقة اسكندرانيّ ، وفوطة ، الأستاذون الشدّادون برسم الدواب ، وعدّتهم ستة كذلك ، ما حمل برسم السيد الأجل المأمون يعني الوزير : بدلة خاصة مذهبة كبيرة موكبية عدّتها : إحدى عشرة ، وما هو برسم جهاته وبرسم أولاده : الأجل تاج الرياسة ، وتاج الخلافة ، وسعد الملك محمود ، وشرف الخلافة جمال الملك موسى ، وهو صاحب التاريخ نظير ما كان باسم أولاد الأفضل بن أمير الجيوش ، وهم : حسن ، وحسين ، وأحمد الأجل المؤتمن سلطان الملوك يعني أخا الوزير عن تقدمة العساكر ، وزم الأزمّة وبرسم الجهة المختصة به ، وركن الدولة عزا الملوكأ بو الفضل جعفر عن حمل السيف الشريف خارجا عما له من حماية خزانة الكسوات ، وصناديق النفقات ، وما يحمل أيضا للخزائن المأمونية مما ينفق منها على من يحسن في الرأي من الحاشية المأمونية : ثلاثون بدلة.

الشيخ الأجل أبو الحسن بن أبي أسامة كاتب الدست الشريف : بدلة مذهبة عدّتها خمس قطع وكمّ وعرضي ، الأمير فخر الخلافة حسام الملك متولي حجبية الباب : بدلة مذهبة ، كذلك القاضي ثقة الملك ابن النائب في الحكم : بدلة مذهبة عدّتها أربع قطع وكمّ وعرضي ، الشيخ الداعي وليّ الدولة بن أبي الحقيق : بدلة مذهبة ، الأمير الشريف أبو عليّ أحمد بن عقيل نقيب الأشراف (١) : بدلة حريري ثلاث قطع وفوطة ، الشريف أنس الدولة متولي ديوان الإنشاء بدلة كذلك ، ديوان المكاتبات الشيخ أبو الرضى ابن الشيخ الأجل أبي الحسن النائب عن والده في الديوان المذكور : بدلة مذهبة عدّتها ثلاث قطع وكمّ ، أبو المكارم : هبة الله أخوه بدلة مذهبة ثلاث قطع وفوطة ، أبو محمد حسن أخوهما كذلك أخوهم أبو الفتح بدلة حريريّ قطعتان وفوطة ، الشيخ أبو الفضل يحيى بن سعيد الندميّ

__________________

(١) نقيب الأشراف : مهمته الاهتمام بأولاد علي بن أبي طالب من فاطمة بنت محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويكون جليل القدر وله النظر في أمورهم ومنع من يدخل فيهم من الأدعياء وعليه أن يعيد مرضاهم ويمشي في جنائزهم ويسعى في حوائجهم. صبح الأعشى ج ٣ / ٢٧٣.

٢٩٥

منشئ ما يصدر عن ديوان المكاتبات ، ومحرّر ما يؤمر به من المهمات : بدلة مذهبة عدّتها ثلاث قطع وكم ومزنر ، أبو سعيد الكاتب : بدلة حريريّ ، أبو الفضل الكاتب كذلك ، الحاج موسى المعين في الإلصاق كذلك.

وأما الكتاب بديوان الإنشاء فلم يتفق وجود الحساب الذي فيه أسماؤهم ، فيذكروا ، ومن القياس أن يكونوا قريبا من ذلك ، الشيخ وليّ الدولة أبو البركات متولي ديوان المجلس والخاص : بدلة مذهبة عدّتها خمس قطع وكم وعرضي ، ولامرأته حلة مذهبة. الشيخ أبو الفضائل هبة الله بن أبي الليث متولي الدفتر ، وما جمع إليه بدلة ، أبو المجد ولده بدلة حريريّ ، عدى الملك أبو البركات متولي دار الضيافة : بدلة مذهبة ، وبعده الضيوف الواردون إلى الدولة جميعهم ، منهم من له بدلة مذهبة ومنهم من له بدلة حريريّ ، وكذلك من يتفق حضوره من الرسل على هذا الحكم.

مقدّمو الركاب : عفيف الدولة مقبل بدلة مذهبة ، القائد موفق والقائد تميم مثل ذلك ، أربعة من المقدّمين برسم الشكيمة لكل منهم : بدلة حريري الروّاض عدّتهم ثلاثة لكل منهم: بدلة حريري ، الخاص من الفرّاشين ، وهم اثنان وعشرون رجلا منهم أربعة مميزون لكل منهم : بدلة مذهبة ، وبقيتهم لكل واحد بدلة حريريّ.

الأطباء : الشديد أبو الحسن عليّ بن أبي الشديد : بدلة حريري ، أبو الفضل النسطوري بدلة حريري ، وكذلك الفئة المستخدمون برسم الحمام ، وهم ثمانية مقدّمهم : بدلة مذهبة ، وبقيتهم لكل واحد بدلة حريريّ ، والي القاهرة ، ووالي مصر لكل منهما بدلة مذهبة.

المستخدمون في المواكب : الأمير كوكب الدولة حامل الرمح الشريف وراء الموكب ، والدرقة المعزية : بدلة حريريّ ، حاملا الرمحين المعزية أيضا أمام الموكب بغير درق لكل منهما : منديل وشقة وفوطة ، وهؤلاء الثلاثة رماح ما هي عربية بل هي خشوت قدم بها المعز من المغرب ، حاملا لواء الحمد المختصان بالخليفة عن يمينه ويساره لكل منهما بدلة ، متولي بغل الموكب الذي يحمل عليه جميع العدّة المغربية بدلة حريري ، متولي حمل المظلة كذلك ، عشرة نفر من صبيان الخاص برسم حمل العشرة رماح العربية المغشاة بالديباج وراء الموكب لكل منهم : منديل وشقة وفوطة ، حامل السبع وراء الموكب : بدلة حريري.

المقدّمون من صبيان الخاص ، وهم عشرون لكل منهم : بدلة ، عرفاء الفرّاشين الذين ينحطون عن فرّاشي الخاص ، وفرّاشي المجلس ، وفرّاشي خزائن الكسوة الخاص لكل منهم : بدلة حريري ، الفرّاشون في خزائن الكسوات المستخدمون بالإيوان ، وهم الذين يشدّون ألوية الحمد بين يدي الخليفة ليلة الموسم فإنها لا تشدّ إلّا بين يديه ، ويبدأ هو باللف عليها بيده على سبيل البركة ، ويكمل المستخدمون بقية شدّها ، وما سوى ذلك من القضب الفضة ، وألوية الوزارة ، وغيرها ، وعدّتهم : سبعة لكل منهم : منديل سوسي ، وشقتان

٢٩٦

اسكندرانيّ. المستخدمون برسم حمل القضب الفضة ، ولوائي الوزارة أربعة عشر كذلك ، مشارف خزانة الطيب ، وكانت من الخدم الجليلة ، وكان بها أعلام الجوهر التي يركب بها الخليفة في الأعياد ، ويستدعى منها عند الحاجة ، ويعاد إليها عند الغنى عنها ، وكذلك السيف والثلاثة رماح المعزية ، مشارف خزائن السروج بدلة حريري ، مشارف خزائن الفرش ، وكاتب بيت المال ، ومشارف خزائن الشراب ، ومشارف خزائن الكتب كل منهم : بدلة حريري ، وبركات الأدمي والمستخدمون بالدولة بالباب ، وسنان الدولة مز الكركنديّ عن زم الرهجية ، والمبيت على أبواب القصور وكانت من الخدم الجليلة ، والصبيان الحجرية المشدّون بلواء الموكب بعد المقرّبين ، وعدّتهم عشرون لكل منهم الكسوة في الشتاء ، والعيدين وغيرهما ، وعدّة الذين يقبضون الكسوة في العيدين من الفرّاشين أكثر من صبيان الركاب ، وذلك أنهم يتولون الأسمطة ، ويقفون في تقدمتها ، وينفرد عنهم المستخدمون في الركاب بما لهم من المتحصل في المخلفات في العيدين ، وهو ما مبلغه ستة آلاف دينار ما لأحد معهم فيها نصيب ، وكان يكتب في كل كسوة هي برسم وجوه الدولة رقعة من ديوان الانشاء.

فمما كتب به من إنشاء ابن الصيرفيّ مقترنة بكسوة عيد الفطر من سنة : خمس وثلاثين وخمسمائة ، ولم يزل أمير المؤمنين منعما بالرغائب ، موليا إحسانه كل حاضر من أوليائه ، وغائب مجزلا حظهم من منائحه ومواهبه ، موصلا إليهم من الحباء ما يقصر شكرهم عن حقه وواجبه ، وإنك أيها الأمير لأولاهم من ذلك بجسيمه ، وأحراهم باستنشاق نسيمه ، وأخلقهم بالجزء الأوفى منه عند فضه وتقسيمه ، إذ كنت في سماء المسابقة بدرا ، وفي جرائد المناصحة صدرا ، وممن أخلص في الطاعة سرّا وجهرا ، وحظي في خدمة أمير المؤمنين بما عطر له وصوفا وسير له ذكرا ، ولما أقبل هذا العيد السعيد ، والعادة فيه أن يحسن الناس هيآتهم ويأخذوا عند كل مسجد زينتهم ، ومن وظائف كرم أمير المؤمنين تشريف أوليائه وخدمه فيه ، وفي المواسم التي تجاريه ، بكسوات على حسب منازلهم تجمع بين الشرف والجمال ، ولا يبقى بعدها مطمع للآمال ، وكنت من أخص الأمراء المقدّمين.

قال : ووصلت الكسوة المختصة بغرّة شهر رمضان ، وجمعتيه برسم الخليفة للغرّة بدلة كبيرة موكبية مكملة مذهبة ، وبرسم الجامع الأزهر للجمعة الأولى من الشهر : بدلة موكبية حريريّ مكملة منديلها وطيلسانها بياض ، وبرسم الجامع الأنور للجمعة الثانية بدلة منديلها وطيلسانها شعري ، وما هو برسم أخي الخليفة للغرّة خاصة بدلة مذهبة ، ويرسم له مع جهات الخليفة أربع حلل مذهبات ، وبرسم الوزير للغرّة بدلة مذهبة مكملة موكبية ، وبرسم الجمعتين بدلتان حريري ، ولم يكن لغير الخليفة ، وأخيه الوزير في ذلك شيء فيذكر ، ووصلت الكسوة المختصة بفتح الخليج ، وهي برسم الخليفة تختان ضمنهما بدلتان إحداهما : منديلها وطيلسانها طميم برسم المضيّ ، والأخرى جميعها حريريّ ، برسم العود ، وكذلك ما يختص بإخوته ، وجهاته بدلتان مذهبتان وأربع حلل مذهبة ، وبرسم الوزير بدلة

٢٩٧

موكبية مذهبة في تخت ، وبرسم أولاده الثلاثة : ثلاث بدلات مذهبة ، وبرسم جهته حلة مذهبة في تخت وبقية ما يخص المستخدمين ، وابن أبي الردّاد في تخوت كل تخت : عدّة بدلات ، وحضر متولي الدفتر ، واستأذن على ما يحمل برسم الخليفة ، وما يفرّق ويفصل برسم الخلع ، وما يخرج من حاصل الخزائن عن الواصل ، وهو ما يفصل برسم الخاص من الغلمان برسم : سبعمائة قباء وخمسمائة وشقين سقلاطون داري ، وبرسم رؤساء العشاريات من الشقق الدمياطيّ ، والمناديل السوسيّ ، والفوط الحرير الحمر ، وبرسم النواتية التي برسم الخاص من العشارية من الشقق الإسكندرانيّ ، والكلوتات ، وقد تقدّم تفصيل الكسوات جميعها ، وعددها وأسماء المستمرّين لقبضها.

وقال في كتاب الذخائر : وحدّثني من أثق به عن ابن عبد العزيز أنه قال : قوّمنا ما أخرج من خزائن القصر يعني في سني الشدّة أيام المستنصر ، من سائر ألوان الخسرواني ، ما يزيد على خمسين ألف قطعة أكثرها مذهب ، وسألت ابن عبد العزيز ، فقال : أخرج من الخزائن مما حرّرت قيمته على يدي ، وبحضرتي أكثر من ألف قطعة.

وحدّثني أبو الفضل يحيى بن دينار البغداديّ : أحد أصحاب الدواوين بالحضرة أن الذي تولى أبو سعيد النهاوندي المعروف : بالمعتمد بيعه خاصة من مخرج القصر دون غيره من الأمناء في مدّة يسيرة : ثمانية عشر ألف قطعة من بلور ، ويحكم منها ما يساوي الألف دينار إلى عشرة دنانير ونيف ، وعشرون ألف قطعة خسرواني. وحدّثني عميد الملك أبو الحسن عليّ بن عبد الكريم فخر الوزراء بن عبد الحاكم ، أن ناصر الدولة أرسل يطالب المستنصر بما بقي لغلمانه ، فذكر أنه لم يبق عنده شيء إلّا ملابسه ، فأخرج ثمانمائة بدلة من ثيابه بجميع آلاتها كاملة فقوّمت وحملت إليه.

وقال ابن الطوير : الخدمة في خزائن الكسوات لها رتبة عظيمة في المباشرات ، وهما خزانتان ، فالظاهرة يتولاها خاصة أكبر حواشي الخليفة إمّا أستاذ أو غيره ، وفيها من الحواصل ما يدل على إسباغ نعم الله تعالى على من يشاء من خلقه من الملابس الشروب ، والخاص الديبقيّ الملوّنة ، رجالية ونسائية ، والديباج الملوّنة ، والسقلاطون وإليها يحمل ما يستعمل في دار الطراز بتنيس ودمياط وإسكندرية من خاص المستعمل وبها صاحب المقص ، وهو مقدّم الخياطين ، ولأصحابه مكان لخياطتهم ، والتفصيل يعمل على مقدار الأوامر وما تدعو الحاجة إليه ، ثم ينقل إلى خزانة الكسوة الباطنة ما هو خاص للباس الخليفة ، ويتولاها امرأة تنعت : بزين الخزان أبدا ، وبين يديها ثلاثون جارية ، فلا يغير الخليفة أبدا ثيابه إلّا عندها ، ولباسه خافيا الثياب الدارية وسعة أكمامها سعة نصف أكمام الظاهر ، وليس في جهة من جهاته ثياب أصلا ، ولا يلبس إلّا من هذه الخزانة ، وكان برسم هذه الخزانة بستان من أملاك الخليفة على شاطىء الخليج يعني أبدا فيه النسرين ، والياسمين

٢٩٨

فيحمل في كل يوم منه شيء في الصيف والشتاء ، لا ينقطع البتة برسم الثياب والصناديق ، فإذا كان أوان التفرقة الصيفية أو الشتوية شدّ لمن تقدّم ذكره من أولاد الخليفة ، وجهاته وأقاربه ، وأرباب الرواتب والرسوم من كل صنف شدّة على ترتيب الفروض من شقق الديباج الملوّن ، والسقلاطون إلى السوسيّ ، والإسكندرانيّ على مقدار الفصول من الزمان ، ما يقرب من مائتي شدّة ، فالخواص في العراضي الديبقي ، ودونهم في أوطية حرير ، ودونهم في فوط إسكندرية ، ويدخل في ذلك : كتاب ديواني الإنشاء ، والمكاتبات دون غيرهم من الكتاب على مقدارهم ، وذلك يخرج من الجواري في الشهر المطلقات.

وقال القاضي الفاضل في متجدّدات سنة سبع وستين وخمسمائة بعد وفاة العاضد : وكشف حاصل الخزائن الخاصة بالقصر ، فقيل : إن الموجود فيها : مائة صندوق كسوة فاخرة من موشى ، ومرصع ، وعقود ثمينة ، وذخائر فخمة ، وجواهر نفيسة ، وغير ذلك من ذخائر عظيمة الخطر ، وكان الكاشف بهاء الدين قراقوش.

خزائن الجوهر والطيب والطرائف

قال ابن المأمون : وكان بها الأعلام والجوهر التي يركب بها الخليفة في الأعياد ويستدعى منها عند الحاجة ، ويعاد إليها عند الغنى عنها ، وكذلك السيف الخاص ، والثلاثة رماح المعزية ، وقال في كتاب الذخائر والتحف : وذكر بعض شيوخ دار الجوهر بمصر : أنه استدعى يوما هو وغيره من الجوهريين من أهل الخبرة بقيمة الجوهر إلى بعض خزائن القصر يعني في أيام الشدّة زمن المستنصر ، فأخرج صندوق كيل منه : سبعة أمداد زمرّد قيمتها ، على الأقل : ثلثمائة ألف دينار ، وكان هناك جالسا فخر العرب بن حمدان ، وابن سنان ، وابن أبي كدينة ، وبعض المخالفين فقال بعض من حضر من الوزراء المعطلين للجوهريين : كم قيمة هذا الزمرّد؟ فقالوا : إنما نعرف قيمة الشيء إذا كان مثله موجودا ، ومثل هذا لا قيمة له ، ولا مثل! فاغتاظ ، وقال ابن أبي كدينة : فخر العرب كثير المؤنة ، وعليه خرج ، فالتفت إلى كتاب الجيش ، وبيت المال ، فقال : يحسب عليه فيه خمسمائة دينار ، فكتب ذلك ، وقبضه وأخرج عقد جوهر قيمته على الأقل : من ثمانين ألف دينار فصاعدا ، فتحرّيا فيه ، فقال : يكتب بألفي دينار ، وتشاغلوا بنظر ما سواه ، وانقطع سلكه فتناثر حبّه ، فأخذوا واحد منهم واحدة ، فجعلها في جيبه ، وأخذ ابن أبي كدينة أخرى ، وأخذ فخر العرب بعض الحب ، وباقي المخالفين التقطوا ما بقي منه ، وغاض كأن لم يكن ، وأخذ ما كان أنفذه : الصليحي من نفيس الدرّ الرفيع الرائع وكيله على ما ذكر سبع ويبات ، وأخذوا ألفا ومائتي خاتم ذهبا وفضة فصوصها من سائر أنواع الجوهر المختلف الألوان والقيم والأثمان ، والأنواع مما كان لأجداده وله ، وصار إليه من وجوه دولته منها ثلاثة خواتم ذهب مربعة عليها ثلاثة فصوص أحدها زمرّذ ، والاثنان ياقوت سماقيّ ، ورمّانيّ بيعت باثني عشر ألف دينار بعد ذلك.

٢٩٩

وأحضر خريطة (١) فيها نحو ويبة جوهر ، وأحضر الخبراء من الجوهريين ، وتقدّم إليهم بقيمتها ، فذكروا أن لا قيمة لها ، ولا يشتري مثلها إلّا الملوك ، فقوّمت : بعشرين ألف دينار ، فدخل جوهر الكاتب المعروف : بالمختار عز الملك إلى المستنصر ، وأعلمه أن هذا الجوهر اشتراه جدّه : بسبعمائة ألف دينار واسترخصه ، فتقدّم بإنفاقه في الأتراك ، فقبض كل واحد منهم جزء بقيمة الوقت ، وفرّق عليهم.

قال : فأمّا ما أخذ مما في خزائن البلور ، والمحكم والمينا المجرى بالذهب والمجرود ، والبغدادي والخيار ، والمدهون ، والخلنج ، والعينيّ ، والدهيميّ ، والآمديّ ، وخزائن الفرش والبسط ، والستور ، والتعاليق فلا يحصى كثرة.

وحدّثني من أثق به من المستخدمين في بيت المال : أنه أخرج يوما في جملة ما أخرج من خزائن القصر عدّة صناديق ، وإنّ واحدا منها فتح ، فوجد فيه على مثال كيزان الفقاع من صافي البلور المنقوش والمجرود شيء كثير ، وإنّ جميعها مملوء من ذلك وغيره ، وحدثني من أثق به أنه رأى : قدح بلور بيع مجرودا بمائتين وعشرين دينارا ، ورأى خردادي بلور بيع : بثلاثمائة وستين دينارا ، وكوز بلور بيع : بمائتين وعشرة دنانير ، ورأى صحون مينا كثيرة تباع من : المائة دينار إلى ما دونها.

وحدّثني من أثق بقوله أنه رأى بطرابلس قطعتين من البلور الساذج ، الغاية في النقاء ، وحسن الصنعة إحداهما خردادي ، والأخرى باطية مكتوب على جانب كل واحدة منهما : اسم العزيز بالله ، تسع الباطية سبعة أرطال بالمصري ماء ، والخردادي تسعة ، وإنه عرضهما على جلال الملك أبي الحسن عليّ بن عمار ، فدفع فيهما : ثمانمائة دينار ، فامتنع من بيعهما ، وكان اشتراهما من مصر من جملة ما أخرج من الخزائن ، وإن الذي تولى بيعه : أبو سعيد النهاندي من مخرج القصر دون غيره من الأمناء في مديدة يسيرة ، ثمانية عشر ألف قطعة من بلور ، ويحكم منها ما يساوي : الألف دينار إلى عشرة دنانير.

وأخرج من صواني الذهب المجراة بالمينا ، وغير المجراة المنقوشة بسائر أنواع النقوش المملوء جميعها من سائر أنواعه ، وألوانه ، وأجناسه شيء كثير جدّا ، ووجد فيما وجد غلف خيار مبطنة بالحرير محلاة بالذهب مختلفة الأشكال خالية مما فيها من الأواني عدّتها : سبعة عشر ألف غلاف ؛ كان في كل قطعة إما بلور مجرود أو محكم أو ما يشاكله ، ووجد أكثر من مائة كأس باد زهر ، ونصب ، وأشباهها ، على أكثرها اسم هارون الرشيد وغيره.

ووجد في خزائن القصر عدّة صناديق كثيرة مملوءة سكاكين مذهبة ، ومفضضة بنصب

__________________

(١) الخريطة : وعاء من أدم وغيره يشرج على ما فيه.

٣٠٠