كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٢

تقي الدين احمد بن علي المقريزي

كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٢

المؤلف:

تقي الدين احمد بن علي المقريزي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

وعرفته دهماء العامّة ، ولكنه صعب مستصعب ، وأمر مستقبل ، وعلم خفيّ غامض ستره الله في حجبه ، وعظم شأنه عن ابتذال أسراره ، فهو سرّ الله المكتوم ، وأمره المستور الذي لا يطيق حمله ، ولا ينهض بأعبائه ، وثقله إلّا ملك مقرّب ، أو نبيّ مرسل ، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للتقوى ، فإذا ارتبط المدعوّ على الداعي ، وأنس له ، نقله إلى غير ذلك.

فمن مسائلهم ما معنى : رمي الجمار؟ والعدو بين الصفا والمروة؟ ولم كانت الحائض تقضي الصوم ، ولا تقضي الصلاة؟ وما بال الجنب يغتسل من ماء دافق يسير؟ ولا يغتسل من البول النجس الكثير القذر؟ وما بال الله خلق الدنيا في ستة أيام؟ أعجز عن خلقها في ساعة واحدة؟ وما معنى الصراط المضروب في القرآن مثلا؟ والكاتبين الحافظين وما لنا لا نراهما؟ أخاف أن نكابره ، ونجاحده حتى أدلى العيون ، وأقام علينا الشهود ، وقيد ذلك في القرطاس بالكتابة ، وما تبديل الأرض غير الأرض؟ وما عذاب جهنم؟ وكيف يصح تبديل جلد مذنب بجلد لم يذنب حتى يعذب؟ وما معنى : ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية؟ وما إبليس؟ وما الشياطين؟ وما وصفوا به وأين مستقرّهم؟ وما مقدار قدرهم؟ وما يأجوج ومأجوج وهاروت وماروت وأين مستقرّهم؟ وما سبعة أبواب النار؟ وما ثمانية أبواب الجنة؟ وما شجرة الزقوم النابتة في الجحيم؟ وما دابة الأرض ورؤس الشياطين؟ والشجرة الملعونة في القرآن؟ والتين والزيتون؟ وما الخنس الكنس؟ وما معنى ألم والمص؟ وما معنى كهيعص وحمعسق ، ولم جعلت السماوات سبعا والأرضون سبعا ، والمثاني من القرآن سبع آيات ، ولم فجرت العيون اثنتي عشرة عينا ، ولم جعلت الشهور اثني عشر شهرا ، وما يعمل معكم عمل الكتاب والسنة ، ومعاني الفرائض اللازمة؟ فكروا أوّلا في أنفسكم أين أرواحكم؟ وكيف صورها؟ وأن مستقرّها؟ وما أوّل أمرها والإنسان ما هو؟ وما حقيقته؟ وما الفرق بين حياته وحياة البهائم؟ وفضل ما بين حياة البهائم وحياة الحشرات؟ وما الذي بانت به حياة الحشرات من حياة النبات؟ وما معنى قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خلقت حوّاء من ضلع آدم»؟ وما معنى قول الفلاسفة : الإنسان عالم صغير والعالم إنسان كبير؟ ولم كانت قامة الإنسان منتصبة دون غيره من الحيوانات؟ ولم كان في يديه من الأصابع عشر ، وفي رجليه عشر أصابع؟ وفي كل أصبع من أصابع يديه ثلاثة شقوق إلا الإبهام ، فإنّ فيه شقين فقط؟ ولم كان في وجهه سبع ثقب؟ وفي سائر بدنه ثقبان؟ ولم كان في ظهره اثنتا عشرة عقدة وفي عنقه سبع عقد؟ ولم جعل عنقه صورة ميم ، ويداه : حاء ، وبطنه : ميما ، ورجلاه : دالا حتى صار ذلك كتابا مرسوما يترجم عن محمد ، ولم جعلت قامته إذا انتصب صورة ألف ، وإذا ركع صارت صورة : لام ، وإذا سجد صارت صورة هاء ، فكان كتابا يدل على الله ، ولم جعلت أعداد عظام الإنسان كذا؟ وأعداد أسنانه كذا؟ والأعضاء الرئيسة كذا إلى غير ذلك من التشريح ، والقول في العروق والأعضاء ، ووجوه منافع الحيوان ، ثم يقول الداعي : ألا تتفكرون في حالكم ، وتعتبرون وتعلمون أنّ الذي خلقكم حكيم غير مجازف ، وأنه فعل جميع ذلك

٢٦١

لحكمة ، وله فيها أسرار خفية ، حتى جمع ما جمع ، وفرّق ما فرّق ، فكيف يسعلكم الإعراض عن هذه الأمور ، وأنتم تسمعون قول الله عزوجل : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) [الذاريات / ٢٠ ، ٢١] ، (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [إبراهيم / ٢٥] ، (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) [فصلت / ٥٣]. فأيّ شيء رآه الكفار في أنفسهم وفي الآفاق ، حتى عرفوا أنه الحق ، وأيّ حق عرفه من جحد الديانة ، ألا يدلكم هذا على أنّ الله جل اسمه أراد أن يرشدكم إلى بواطن الأمور الخفية ، وأسرار فيها مكتومة لو نبهتم لها ، وعرفتموها لزالت عنكم كل حيرة ، ودحضت كل شبهة ، وظهرت لكم المعارف السنية ، ألا ترون أنكم جهلتم أنفسكم التي من جهلها ، كان حريا أن لا يعلم غيرها ، أليس الله تعالى يقول : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) [الإسراء / ٧٢] ونحو ذلك من تأويل القرآن ، وتفسير السنن والأحكام ، وإيراد أبواب من التجويز والتعليل ، فإذا علم الداعي أن نفس المدعوّ قد تعلقت بما سأله عنه ، وطلب منه الجواب عنها قال له : حينئذ لا تعجل فإنّ دين الله أعلى وأجل من أن يبذل لغير أهله ، ويجعل غرضا للعب وجرت عادة الله ، وسنته في عباده عند شرع من نصبه أن يأخذ العهد على من يرشده ، ولذلك قال : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) [الأحزاب / ٧] ، وقال عزوجل : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) [الأحزاب / ٢٣] ، وقال جلّ جلاله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة / ١] ، وقال : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً) [النحل / ٩١] ، وقال : (لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) [المائدة / ٧٠]. ومن أمثال هذا فقد أخبر الله تعالى أنه لم يملك حقه إلا لمن أخذ عهده فأعطنا صفقة يمينك ، وعاهدنا بالموكد من أيمانك وعقودك ، أن لا تفشي لنا سرّا ، ولا تظاهر علينا أحدا ، ولا تطلب لنا غيلة ، ولا تكتمنا نصحا ، ولا توالي لنا عدوّا ، فإذا أعطى العهد قال له الداعي : أعطنا جعلا من مالك نجعله مقدّمة أمام كشفنا لك الأمور ، وتعريفك إياها ، والرسم في هذا الجعل بحسب ما يراه الداعي ، فإن امتنع المدعوّ أمسك عنه الداعي ، وإن أجاب وأعطى نقله إلى الدعوة الثانية ، وإنما سميت الإسماعيلية بالباطنية لأنهم يقولون : لكل ظاهر من الأحكام الشرعية باطن ، ولكل تنزيل تأويل.

الدعوة الثانية : لا تكون إلّا بعد تقدّم الدعوى الأولى ، فإذا تقرّر في نفس المدعوّ جميع ما تقدّم ، وأعطى الجعل ، قال له الداعي : إنّ الله تعالى لم يرض في إقامة حقه ، وما شرعه لعباده إلّا أن يأخذوا ذلك عن أئمة نصبهم للناس ، وأقامهم لحفظ شريعته على ما أراده الله تعالى ، ويسلك في تقرير هذا ، ويستدل عليه بأمور مقرّرة في كتبهم ، حتى يعلم أن

٢٦٢

اعتقاد الأئمة قد ثبت في نفس المدعوّ ، فإذا اعتقد ذلك ، نقله إلى الدعوة الثالثة.

الدعوة الثالثة : مرتبة على الثانية ، وذلك أنه إذا علم الداعي ممن دعاه ، أنّ ارتباطه على دين الله لا يعلم إلّا من قبل الأئمة ، قرّر حينئذ عنده أن الأئمة سبعة ، قد رتبهم الباري تعالى كما رتب الأمور الجليلة ، فإنه جعل الكواكب السيارة سبعة ، وجعل السماوات سبعا ، وجعل الأرضين سبعا ، ونحو ذلك مما هو سبع من الموجودات.

وهؤلاء الأئمة السبعة هم : عليّ بن أبي طالب ، والحسن بن عليّ ، والحسين بن عليّ ، وعليّ بن الحسين الملقب زين العابدين ، ومحمد بن عليّ ، وجعفر بن محمد الصادق ، والسابع هو : القائم صاحب الزمان.

وهم أعني الشيعة مختلفون في هذا القائم ، فمنهم من يجعله : محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ، ويسقط إسماعيل بن جعفر ، ومنهم من يعدّ إسماعيل بن جعفر إماما ، ثم يعدّ ابنه محمد بن إسماعيل ، فإذا تقرّر عند المدعوّ أن الأئمة سبعة انحل عن معتقد الإمامية من الشيعة القائلين بإمامة اثني عشر إماما ، وصار إلى معتقد الإسماعيلية ، بأنّ الإمامة انتقلت إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر ، فإذا علم الداعي ثبات هذا العقد في نفس المدعوّ ، شرع في ثلب بقية الأئمة الذين قد اعتقد الإمامية فيهم الإمامة ، وقرّر عند المدعوّ أنّ محمد بن إسماعيل عنده علم المستورات ، وبواطن المعلومات التي لا يمكن أن توجد عند أحد غيره ، وأنّ عنده أيضا علم التأويل ، ومعرفة تفسير ظاهر الأمور ، وعنده سرّ الله تعالى في وجه تدبيره المكتوم ، وإتقان دلالته في كل أمر يسأل عنه في جميع المعدومات ، وتفسير المشكلات ، وبواطن الظاهر كله والتأويلات ، وتأويل التأويلات ، وأنّ دعاته هم : الوارثون لذلك كله من بين سائر طوائف الشيعة لأنهم أخذوا عنه ، ومن جهته رووا ، وإنّ أحدا من الناس المخالفين لهم لا يستطيع أن يساويهم ، ولا يقدر على التحقق بما عندهم إلّا منهم ، ويحتج لذلك بما هو معروف في كتبهم مما لا يسع هذا الكتاب حكايته لطوله ، فإذا انقاد المدعوّ ، وأذعن لما تقرّر ، نقله إلى الدعوة الرابعة.

الدعوة الرابعة : لا يشرع الداعي في تقريرها حتى يتيقن صحة انقياد المدعوّ لجميع ما تقدّم ، فإذا تيقن منه صحة الانقياد ، قرّر عنده أنّ عدد الأنبياء الناسخين للشرائع المبدّلين لأحكامها ، أصحاب الأدوار ، وتقليب الأحوال ، الناطقين بالأمور ، سبعة فقط ، كعدد الأئمة سواء ، وكل واحد من هؤلاء الأنبياء لا بدّ له من صاحب يأخذ عنه دعوته ، ويحفظها على أمّته ، ويكون معه ظهيرا له في حياته ، وخليفة له من بعد وفاته ، إلى أن يبلغ شريعته إلى أحد يكون سبيله معه ، كسبيله هو مع نبيه الذي اتبعه ، ثم كذلك كل مستخلف خليفة إلى أن يأتي منهم على تلك الشريعة ، سبعة أشخاص.

ويقال لهؤلاء السبعة : الصامتون لثباتهم على شريعة اقتفوا فيها أثر واحد هو أوّلهم ،

٢٦٣

ويسمى الأوّل من هؤلاء السبعة : السوس ، وأنه لا بدّ عند انقضاء هؤلاء السبعة ، ونفاذ دورهم من استفتاح دور ثان يظهر فيه نبيّ ينسخ شرع من مضى من قبله ، وتكون الخلفاء من بعده أمورهم تجري كأمر من كان قبلهم ، ثم يكون من بعدهم نبيّ ناسخ يقوم من بعده سبعة صمت أبدا ، وهكذا حتى يقوم النبيّ السابع من النطقاء ، فينسخ جميع الشرائع التي كانت قبله ، ويكون صاحب الزمان الأخير.

فكان أوّل هؤلاء الأنبياء النطقاء : آدم عليه‌السلام ، وكان صاحبه وسوسه ابنه شيث ، وعدوّ إتمام السبعة الصامتين على شريعة آدم.

وكان الثاني من الأنبياء النطقاء نوح عليه‌السلام فإن نطق بشريعة ، نسخ بها شريعة آدم ، وكان صاحبه وسوسه ابنه سام ، وتلاه بقية السبعة الصامتين على شريعة نوح.

ثم كان الثالث من الأنبياء النطقاء إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليه ، فإنه نطق بشريعة نسخ بها شريعة نوح وآدم عليهما‌السلام ، وكان صاحبه وسوسه في حياته ، والخليفة القائم من بعده المبلغ شريعته ابنه إسماعيل عليه‌السلام ، ولم يزل يخلفه صامت بعد صامت على شريعة إبراهيم ، حتى تمّ دور السبعة الصمت.

وكان الرابع من الأنبياء النطقاء : موسى بن عمران عليه‌السلام ، فإنه نطق بشريعة نسخ بها شريعة آدم ونوح وإبراهيم ، وكان صاحبه وسوسه أخوه هارون ، ولما مات هارون في حياة موسى ، قام من بعد موسى ، يوشع بن نون خليفة له صمت على شريعته ، وبلغها فأخذها عنه واحد بعد واحد إلى أن كان آخر الصمت على شريعة موسى ، يحيى بن زكرياء وهو آخر الصمت.

ثم كان الخامس من الأنبياء النطقاء المسيح عيسى ابن مريم صلوات الله عليه ، فإنه نطق بشريعة نسخ بها شرائع من كان قبله ، وكان صاحبه وسوسه : شمعون الصفا ، ومن بعده تمام السبعة الصمت على شريعة المسيح.

إلى أن كان السادس من الأنبياء النطقاء نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإنه نطق بشريعة نسخ بها جميع الشرائع التي جاء بها الأنبياء من قبله ، وكان صاحبه وسوسه عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، ثم من بعد عليّ ستة صمتوا على الشريعة المحمدية ، وقاموا بميراث أسرارها ، وهم : ابنه الحسن ، ثم ابنه الحسين ، ثم عليّ بن الحسين ، ثم محمد بن عليّ ، ثم جعفر بن محمد ، ثم إسماعيل بن جعفر الصادق ، وهو آخر الصمت من الأئمة المستورين والسابع من النطقاء هو صاحب الزمان.

وعند هؤلاء الإسماعيلية أنه : محمد بن إسماعيل بن جعفر وأنه الذي انتهى إليه علم الأوّلين ، وقام بعلم بواطن الأمور وكشفها ، وإليه المرجع في تفسيرها دون غيره ، وعلى

٢٦٤

جميع الكافة أتباعه والخضوع له ، والانقياد إليه ، والتسليم له ، لأنّ الهداية في موافقته وأتباعه ، والضلال والحيرة إلى في العدول عنه ، فإذا تقرّر ذلك عند المدعوّ انتقل الداعي إلى الدعوة الخامسة.

الدعوة الخامسة : مترتبة على ما قبلها ، وذلك أنه إذا صار المدعوّ في الرتبة الرابعة من الاعتقاد أخذ الداعي يقرّر أنه لا بدّ مع كل إمام قائم في كل عصر حجج متفرّقون في جميع الأرض عليهم تقوم ، وعدّة هؤلاء الحجج أبدا اثنا عشر رجلا في كل زمان كما أنّ عدد الأئمة سبعة ، ويستدل لذلك بأمور منها : أنّ الله تعالى لم يخلق شيئا عبثا ، ولا بدّ في خلق كل شيء من حكمة ، وإلّا فلم خلق النجوم التي بها قوام العالم سبعة ، وجعل أيضا السماوات سبعا ، والأرضين سبعا ، والبروج اثني عشر ، والشهور اثني عشر شهرا ، ونقباء بني إسرائيل اثني عشر نقيبا ، ونقباء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأنصار اثني عشر نقيبا ، وخلق تعالى في كف كل إنسان أربع أصابع ، وفي كل أصبع ثلاث شقوق تكون جملتها اثني عشر شقا ، على أنه في يد كل إبهام شقان ، دلالة على أنّ الإنسان بدنه كالأرض ، وأصابعه كالجزائر الأربع والشقوق التي في الأصابع كالحجج ، والإبهام الذي به قوام جميع الكف ، وسداد الأصابع ، كالذي يقوّم الأرض بقدر ما فيها ، والشقان اللذان في الإبهام إشارة إلى أنّ الإمام وسوسة لا يفترقان ، ولذلك صار في ظهر الإنسان : اثنتا عشرة خرزة ، إشارة إلى الحجج الاثني عشر ، وصار في عنقه : سبع ، فكان العنق عاليا في خرزات الظهر ، وذلك إشارة إلى الأنبياء النطقاء ، والأئمة السبعة ، وكذلك الأثقاب السبعة التي في وجه الإنسان العالي على بدنه ، وأشياء من هذا النوع كثيرة ، فإذا تمهد عند المدعوّ ما دعاه إليه الداعي ، وتقرّر نقله حينئذ إلى الدعوة السادسة.

الدعوة السادسة : لا تكون إلا بعد ثبوت جميع ما تقدّم في نفس المدعوّ ، وذلك أنه إذا صار إلى الرتبة الخامسة ، أخذ الداعي في تفسير معاني شرائع الإسلام من الصلاة والزكاة والحج والطهارة ، وغير ذلك من الفرائض بأمور مخالفة للظاهر ، بعد تمهيد قواعد تبين في أزمنة من غير عجلة تؤدّي إلى أنّ هذه الأشياء ، وضعت على جهة الرموز لمصلحة العامة ، وسياستهم حتى يشتغلوا بها عن بغي بعضهم على بعض ، وتصدّهم عن الفساد في الأرض ، حكمة من الناصبين للشرائع ، وقوّة في حسن سياستهم لأتباعهم ، وإتقانا منهم لما رتبوه من النواميس ونحو ذلك ، حتى يتمكن هذا الاعتقاد في نفس المدعوّ ، فإذا طال الزمان ، وصار المدعوّ يعتقد أنّ أحكام الشريعة كلها وضعت على سبيل الرمز لسياسة العامّة ، وأنّ لها معاني أخر غير ما يدل عليه الظاهر ، ونقله الداعي إلى الكلام في الفلسفة ، وحضه على النظر في كلام أفلاطون ، وأرسطو ، وفيثاغورس ، ومن في معناهم ، ونهاه عن قبول الأخبار ، والاحتجاج بالسمعيات ، وزين له الاقتداء بالأدلة العقلية ، والتعويل عليها ، فإذا استقرّ ذلك عنده واعتقده ، نقله بعد ذلك إلى الدعوة السابعة ، ويحتاج ذلك إلى زمان طويل.

٢٦٥

الدعوة السابعة : لا يفصح بها الداعي ما لم يكثر أنسه بمن دعاه ، ويتيقن أنه قد تأهل إلى الانتقال إلى رتبة أعلى مما هو فيه ، فإذا علم ذلك منه قال : إنّ صاحب الدلالة ، والناصب للشريعة ، لا يستغني بنفسه ، ولا بدّ له من صاحب معه يعبر عنه ليكون أحدهما الأصل والآخر عنه كان وصدر ، وهذا إنما هو إشارة العام السفليّ ، لما يحويه العالم العلويّ ، فإنّ مدبر العالم في أصل الترتيب ، وقوام النظام صدر عنه أوّل موجود بغير واسطة ، ولا سبب نشأ عنه ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس / ٨٢] إشارة إلى الأوّل في الرتبة ، والآخر هو القدر الذي قال فيه : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [القمر / ٤٩] وهذا معنى ما نسمعه من أنّ الله : أوّل ما خلق القلم ، فقال للقلم : اكتب ، فكتب في اللوح ما هو كائن ، وأشياء من هذا النوع موجودة في كتبهم ، وأصلها مأخوذ من كلام الفلاسفة القائلين : الواحد لا يصدر عنه إلّا واحد ، وقد أخذ هذا المعنى المتصوّفة ، وبسطوه بعبارات أخر في كتبهم ، فإن كنت ممن ارتاض وعرف مقالات الناس تبين ذلك ما ذكرت ، ولا يحتمل هذا الكتاب بسط القول في هذا المعنى ، وإذا تقرّر ما ذكر في هذه الدعوة عند المدعوّ ، نقله الداعي إلى الدعوة الثامنة.

الدعوة الثامنة : متوقفة على اعتقاد سائر ما تقدّم ، فإذا استقرّ ذلك عند المدعوّ ، دينا له ، قال له الداعي : اعلم أن أحد المذكورين اللذين هما مدبر الوجود والصادر عنه ، إنما تقدّم السابق على اللاحق ، تقدّم العلة على المعلول ، فكانت الأعيان كلها ناشئة ، وكائنة عن الصادر الثاني ، بترتيب معروف في بعضهم ، ومع ذلك فالسابق عندهم : لا اسم له ، ولا صفة ، ولا يعبر عنه ، ولا يقيد فلا يقال هو موجود ، ولا معدوم ، ولا عالم ، ولا جاهل ، ولا قادر ، ولا عاجز ، وكذلك سائر الصفات ، فإنّ الإثبات عندهم يقتضي شركة بينه وبين المحدثات ، والتقي يقتضي التعطيل ، وقالوا : ليس بقديم ، ولا محدث ، بل القديم أمره وكلمته والمحدث خلقه وفطرته ، كما هو مبسوط في كتبهم ، فإذا استقرّ ذلك عند المدعوّ قرر عنده الداعي ، أن التالي يدأب في أعماله حتى يلحق بمنزلة السابق ، وأنّ الصامت في الأرض يدأب في أعماله حتى يصير بمنزلة الناطق سواء ، وأنّ الداعي يدأب في أعماله حتى يبلغ منزلة السوس ، وحالة سواء.

وهكذا تجري أمور العالم في أكواره وأدواره ، ولهذا القول بسط كثير ، فإذا اعتقده المدعوّ قرّر عنده الداعي أنّ معجزة النبيّ الصادق الناطق ليست غير أشياء ينتظم بها سياسة الجمهور ، وتشمل الكافة مصلحتها بترتيب من الحكمة تحوي معاني فلسفية تنبىء عن حقيقة أنية السماء والأرض ، وما يشتمل العالم عليه بأسره من الجواهر والأعراض ، فتارة برموز يعقلها العالمون ، وتارة بإفصاح يعرفه كل أحد ، فينتظم بذلك للنبيّ شريعة يتبعها الناس ، ويقرّر عنده أيضا أنّ القيامة ، والقرآن ، والثواب ، والعقاب ، معناها : سوى ما يفهمه

٢٦٦

العامّة ، وغير ما يتبادر الذهن إليه ، وليس هو إلّا حدوث أدوار عند انقضاء أدوار من أدوار الكواكب ، وعوالم اجتماعاتها من كون ، وفساد جاء على ترتيب الطباع ، كما قد بسطه الفلاسفة في كتبهم ، فإذا استقرّ هذا العقد عند المدعوّ ، نقله الداعي إلى الدعوة التاسعة.

الدعوة التاسعة : هي النتيجة التي يحاول الداعي بتقرير جميع ما تقدّم رسوخها في نفس من يدعوه ، فإذا تيقن أنّ المدعوّ تأهل لكشف السرّ ، والإفصاح عن الرموز أحاله على ما تقرّر في كتب الفلاسفة من علم الطبيعيات ، وما بعد الطبيعة والعلم الإلهي ، وغير ذلك من أقسام العلوم الفلسفية ، حتى إذا تمكن المدعوّ من معرفة ذلك ، كشف الداعي قناعه وقال اذكر من الحدوث ، والأصول رموز إلى معاني المبادىء ، وتقلب الجواهر ، وأنّ الوحي إنما هو صفاء النفس ، فيجد النبيّ في فهمه ما يلقي إليه ، ويتنزل عليه ، فيبرزه إلى الناس ، ويعبر عنه بكلام الله الذي ينظم به النبيّ شريعته بحسب ما يراه من المصلحة في سياسة الكافة ، ولا يجب حينئذ العمل بها إلّا بحسب الحاجة من رعاية مصالح الدهماء ، بخلاف العارف ، فإنه لا يلزمه العمل بها ، ويكفيه معرفته ، فإنها اليقين الذي يجب المصير إليه وما عدا المعرفة من سائر المشروعات ، فإنما هي أثقال وآصار حملها الكفار أهل الجهالة لمعرفة الأعراض والأسباب. ومن جملة المعرفة عندهم : أن الأنبياء النطقاء أصحاب الشرائع ، إنّما هم لسياسة العامّة ، وإنّ الفلاسفة أنبياء حكمة الخاصة ، وإنّ الإمام إنما وجوده في العالم الروحاني ، إذا صرنا بالرياضة في المعارف إليه ، وظهوره الآن إنما هو ظهور أمره ونهيه على لسان أوليائه ، ونحو ذلك مما هو مبسوط في كتبهم ، وهذا حاصل علم الداعي ، ولهم في ذلك مصنفات كثيرة ، منها اختصرت ما تقدّم ذكره.

ابتداء هذه الدعوة : إعلم أنّ هذه الدعوة منسوبة إلى شخص كان بالعراق يعرف : بميمون القدّاح ، وكان من غلاة الشيعة ، فولد ابنا عرف : بعبد الله بن ميمون ، اتسع علمه وكثرت معارفه ، وكاد أن يطلع على جميع مقالات الخليقة ، فرتب له مذهبا ، وجعله في تسع دعوات ، ودعا الناس إلى مذهبه ، فاستجاب له خلق ، وكان يدعو إلى الإمام محمد بن إسماعيل ، وظهر من الأهواز ، ونزل بعسكر مكرّم ، فصار له مال ، واشتهرت دعاته ، فأنكر الناس عليه ، وهموا به ففرّ إلى البصرة ، ومعه من أصحابه الحسين الأهوازيّ ، فلما انتشر ذكره بها طلب ، فصار إلى بلاد الشام ، وأقام بسلمية ، وبها ولد له ابنه أحمد ، فقام من بعد أبيه عبد الله بن ميمون فسير الحسين الأهوازيّ داعية له إلى العراق ، فلقي حمدان بن الأشعث المعروف : بقرمط بسواد الكوفة ، فدعاه واستجاب له ، وأنزله عنده ، وكان من أمره ما هو مذكور في أخبار القرامطة من كتابنا هذا ، عند ذكر المعز لدين الله معدّ ، ثم إنه ولد لأحمد بن عبد الله : ابنه الحسين ومحمد المعروف : بأبي الشلعلع ، فلما هلك أحمد خلفه ابنه الحسين ، ثم قام من بعده أخوه أبو الشلعلع ، وكان من أمرهم ما هو مذكور في موضعه ، فانتشرت الدعاة في أقطار الأرض ، وتفقهوا في الدعوة ، حتى وضعوا فيها الكتب الكثيرة،

٢٦٧

وصارت علما من العلوم المدوّنة ، ثم اضمحلت الآن ، وذهبت بذهاب أهلها ، ولهذا يقال : إنّ أصل دعوة الإسماعيلية مأخوذ من القرامطة ، ونسبوا من أجلها إلى الإلحاد.

صفة العهد الذي يؤخذ على المدعوّ : وهو إنّ الداعي يقول لمن يأخذ عليه العهد ويحلفه : جعلت على نفسك عهد الله وميثاقه ، وذمّة رسوله ، وأنبيائه ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، وما أخذه على النبيين من عقد ، وعهد ، وميثاق إنك تستر جميع ما تسمعه ، وسمعته ، وعلمته ، وتعلمه ، وعرفته ، ونعرفه من أمري ، وأمر المقيم بهذا البلد لصاحب الحق الإمام الذي عرّفت إقراري له ، ونصحي لمن عقد ذمّته ، وأمور إخوانه وأصحابه وولده ، وأهل بيته المطيعين له على هذا الدين ، ومخالصته له من الذكور والإناث ، والصغار والكبار ، فلا تظهر من ذلك شيئا قليلا ، ولا كثيرا ، ولا شيئا يدل عليه إلا ما أطلقت لك أن تتكلم به ، أو أطلقه لك صاحب الأمر المقيم بهذا البلد ، فتعمل في ذلك بأمرنا ولا تتعدّاه ، ولا تزيد عليه ، وليكن ما تعمل عليه قبل العهد ، وبعده بقولك ، وفعلك أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وتشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وتشهد أن الجنة حقّ ، وأن النار حقّ ، وأن الموت حق ، وأن البعث حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث من في القبور ، وتقيم الصلاة لوقتها ، وتؤتي الزكاة لحقها ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت الحرام ، وتجاهد في سبيل الله حق جهاده على ما أمر الله به ورسوله ، وتوالي أولياء الله ، وتعادي أعداء الله ، وتقوم بفرائض الله وسننه ، وسنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى آله الطاهرين ظاهرا وباطنا ، وعلانية سرّا وجهرا فإنّ ذلك يؤكد هذا العهد ، ولا يهدمه ، ويثبته ، ولا يزيله ، ويقرّ به ، ولا يباعده ، ويشدّه ، ولا يضعفه ، ويوجب ذلك ، ولا يبطله ويوضحه ، ولا يعميه ، كذلك هو الظاهر والباطن ، وسائر ما جاء به النبييون من ربهم صلوات الله عليهم أجمعين على الشرائط المبينة في هذا العهد ، جعلت على نفسك الوفاء بذلك ، قل : نعم ، فيقول المدعوّ : نعم.

ثم يقول الداعي له : والصيانة له بذلك ، وأداء الأمانة على أن لا تظهر شيئا أخذ عليك في هذا العهد في حياتنا ، ولا بعد وفاتنا لا في غضب ، ولا على حال رضى ، ولا على رغبة ، ولا في حال رهبة ، ولا عند شدّة ، ولا في حال رخاء ، ولا على طمع ، ولا على حرمان ، تلقي الله على الستر لذلك ، والصيانة له على الشرائط المبينة في هذا العهد ، وجعلت على نفسك عهد الله وميثاقه ، وذمّته وذمة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن تمنعني وجميع من أسميه لك ، وأثبته عندك مما تمنع منه نفسك ، وتنصح لنا ولوليك وليّ الله نصحا ظاهرا وباطنا ، فلا تخن الله ووليه ، ولا أحدا من إخواننا وأوليائنا ، ومن تعلم أنه منا بسبب في أهل ولا مال ، ولا رأي ، ولا عهد ، ولا عقد تتأوّل عليه بما يبطله ، فإن فعلت شيئا من ذلك ، وأنت تعلم أنك قد خالفته ، وأنت على ذكر منه فأنت بريء من الله خالق السماوات والأرض الذي سوّى خلقك ، وألف تركيبك ، وأحسن إليك في دينك ودنياك ، وآخرتك ، وتبرأ من رسله الأوّلين

٢٦٨

والآخرين ، وملائكته المقرّبين الكروبيين ، والروحانيين والكلمات التامّات ، والسبع المثاني ، والقرآن العظيم ، وتبرأ من التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، والذكر الحكيم ، ومن كل دين ارتضاه الله في مقدّم الدار الآخرة ، ومن كل عبد رضي‌الله‌عنه ، وأنت خارج من حزب الله ، وحزب أوليائه وخذلك الله خذلانا بينا ، يعجل لك بذلك النقمة والعقوبة ، والمصير إلى نار جهنم التي ليس لله فيها رحمة ، وأنت بريء من حول الله وقوّته ، وملجأ إلى حول نفسك ، وقوّتك ، وعليك لعنة الله التي لعن الله بها إبليس ، وحرّم عليه بها الجنة وخلده في النار ، إن خالقت شيئا من ذلك ، ولقيت الله يوم تلقاه ، وهو عليك غضبان ، ولله عليك أن تحج إلى بيته الحرام ثلاثين حجة حجا واجبا ماشيا حافيا ، لا يقبل الله منك إلّا الوفاء بذلك ، وكل ما تملك في الوقت الذي تخالفه فيه ، فهو صدقة على الفقراء والمساكين الذين لا رحم بينك ، وبينهم لا يأجرك الله عليه ، ولا يدخل عليك بذلك منفعة وكل مملوك لك من ذكر وأنثى في ملكك ، أو تستفيده إلى وقت وفاتك إن خالفت شيئا من ذلك ، فهم أحرار لوجه الله عزوجل ، وكل امرأة لك أو تتزوّجها إلى وقت وفاتك إن خالفت شيئا من ذلك ، فهنّ طوالق ثلاثا بتة ، طلاق الحرج لا مثوبة لك ، ولا خيار ، ولا رجعة ، ولا مشيئة ، وكل ما كان لك من أهل ومال وغيرهما ، فهو عليك حرام ، وكل ظهار فهو لازم لك ، وأنا المستحلف لك لإمامك ، وحجتك ، وأنت الحالف لهما ، وإن نوت أو عقدت أو أضمرت ، خلاف ما أحملك عليه ، وأحلفك به ، فهذه اليمين من أوّلها إلى آخرها مجدّدة عليك لازمة لك ، لا يقبل الله منك ، إلّا الوفاء بها والقيام بما عاهدت بيني وبينك. قل : نعم ، فيقول : نعم ، ولهم مع ذلك وصايا كثيرة أضربنا عنها خشية الإطالة وفيما ذكرناه كفاية لمن عقل.

٢٦٩

الدواوين

وكانت دواوين الدولة الفاطمية لما قدم المعز لدين الله إلى مصر ، ونزل بقصره في القاهرة ، محلها بدار الإمارة من جوار الجامع الطولونيّ.

فلما مات المعز ، وقلد العزيز بالله الوزارة ، ليعقوب بن كلس نقل الدواوين إلى داره ، فلما مات يعقوب نقلها العزيز بعد موته إلى القصر ، فلم تزل به إلى أن استبدّ الأفضل بن أمير الجيوش ، وعمر دار الملك بمصر فنقل إليها الدواوين ، فلما قتل عادت من بعده إلى القصر ، وما زالت هناك حتى زالت الدولة.

قال في كتاب الذخائر والتحف : وحدّثني من أثق به ، قال : كنت بالقاهرة يوما من شهور سنة تسع وخمسين وأربعمائة ، وقد استفحل أمر المارقين ، وقويت شوكتهم ، وامتدّت أيديهم إلى أخذ الذخائر المصونة في قصر السلطان بغير أمره ، فرأيت وقد دخل من باب الديلم أحد أبواب القصور المعمورة الزاهرة المعروف بتاج الملوك شادي ، وفخر العرب عليّ بن ناصر الدولة بن حمدان ، ورضي الدولة بن رضي الدولة ، وأمير الأمراء بحتكين ابن بسكتكين ، وأمير العرب بن كيغلغ والأعز بن سنان ، وعدّة من الأمراء أصحابهم البغداديين وغيرهم ، وصاروا في الإيوان الصغير ، فوقفوا عند ديوان الشام لكثرة عددهم وجماعتهم ، وكان معهم أحد الفرّاشين المستخدمين برسم القصور المعمورة ، فدخلوا إلى حيث كان الديوان النظريّ في الديوان المذكور ، وصحبتهم فعلة ، وانتهوا إلى حائط مجيّر ، فأمروا الفعلة بكشف الجير عنه ، فظهرت حنية باب مسدود ، فأمروا بهدمه ، فتوصلوا منه إلى خزانة ، ذكر أنها عزيزية من أيام العزيز بالله فوجدوا فيها من السلاح ما يروق الناظر ، ومن الرماح العزيزية المطلية أسنتها بالذهب ، ذات مهارك فضة مجراة بسواد ممسوح ، وفضة بياض ثقيلة الوزن عدّة رزم ، أعوادها من الزان الجيد ، ومن السيوف المجوهرة النصول ومن النشاب الخلنجيّ وغيره ، ومن الدرق اللمطيّ ، والجحف التينيّ وغير ذلك ، ومن الدروع المكلل سلاح بعضها والمحلّى بعضها بالفضة المركبة عليه ، ومن التخافيف ، والجواشن ، والكراعيدات الملبسة ديباجا المكوكبة بكواكب فضة ، وغير ذلك ، مما ذكر أنّ قيمته تزيد على عشرين ألف دينار ، فحملوا جميع ذلك بعد صلاة المغرب.

ولقد شاهدت بعض حواشيهم ، وركابياتهم يكسرون الرماح ، ويتلفون بذلك أعوادها

٢٧٠

الزان ، ليأخذوا المهارك الفضة ومنهم من يجعل ذلك في سراويله ، وعمامته ، وجيبه ، ومنهم من يستوهب من صاحب السيف الثمين ، وكان فيها من الرماح الطوال الخطية السمر الجياد عدّة ، حملوا منها ما قدروا عليه ، وبقي منها ما كسره الركابية ، ومن يجري مجراهم كانوا يبيعونه للمغازليين ، ولصناع المرادن ، حتى كثر هذا الصنف بالقاهرة ، ولم تعترضهم الدولة ، ولا التفتت إلى قدر ذلك ، ولا احتفلت به ، وجعلته هو وغيره فداء لأموال المسلمين ، وحفظا لما في منازلهم.

ديوان المجلس

قال ابن الطوير : ديوان المجلس ، هو أصل الدواوين قديما ، وفيه علوم الدولة بأجمعها ، وفيه عدّة كتاب ، ولكل واحد مجلس مفرد ، وعنده معين أو معينان ، وصاحب هذا الديوان ، هو المتحدّث في الإقطاعات ، ويلحق بديوان النظر ويخلع عليه وينشأ له السجل ، وله المرتبة والمسند والدواة والحاجب إلى غير ذلك.

قال : ذكر خدمهم الخاصة المتصلة بهم ، فأوّلها دفتر المجلس ، وصاحبه من الأستاذين المحنكين ، ثم يتولاه أجلّ كتاب الدولة ممن يكون مترشحا لرأس الدواوين ، ويتضمن ذلك الدفتر ، وله مكان ديوان بالقصر الباطن من الإنعام في العطايا ، والظاهر من الرسوم المعروفة في غرّة السنة ، والضحايا والمرتب من الكسوات للأولّاد ، والأقارب والجهات ، وأرباب الرتب على اختلاف الطبقات ، وما يرد من ملوك الدنيا من التحف والهدايا ، وما يرسل إليهم من الملاطفات ، ومقادير الصلات للمترسلين بالمكاتبات ، وما يخرج من الأكفان لمن يموت من أرباب الجهات المحترمات ، ثم يضبط ما ينفق في الدولة من المهمات ليعلم ما بين كل سنة من التفاوت ، فالصرّة المنعم بها في أوّل العام من الدنانير ، والرباعية والقراريط تقرب من ثلاثة آلاف دينار ، وثمن الضحايا يقرّب من ألفي دينار ، وما ينفق في دار الفطرة فيما يفرّق على الناس سبعة آلاف دينار ، وما ينفق في دار الطراز للاستعمالات الخاص ، وغيرها في كل سنة عشرة آلاف دينار ، وما ينفق في مهمّ فتح الخليج غير المطاعم ألفا دينار ، وما ينفق في شهر رمضان في سماطه ثلاثة آلاف دينار ، وما ينفق في سماطي الفطر ، والنخر أربعة آلاف دينار ، وهذا خارج عما يطلق للناس أصنافا من خزائنه من المآكل والمشارب والمواصلة من الهبات ، وما تخرج به الخطوط من التشريفات (١) ، والمسامحات (٢) ، وما يطلق من الأهراء من الغلات حتى لا يفوتهم علم شيء من هذه المطلقات ، وفي هذه الخدمة كاتب مستقل بين يدي صاحب ديوانه الأصليّ ، ومعه

__________________

(١) التشريفات : هي الملابس الخاصة التي ينعم بها الخليفة عليهم. صبح الأعشى ٤ / ٥٣.

(٢) المسامحات : أن يصير الشخص مسموحا له بالخدم السلطانية يقيم حيث شاء ويرتحل متى شاء تارة بمعلوم يتناوله مجانا وتارة بغير معلوم. صبح الأعشى ١ / ٥٣.

٢٧١

كاتبان آخران لتنزيل ذلك في الدفتر ، والدفتر عبارة عن جرائد مسطوحات ينزل ذلك فيها في أوقاته من غير فوات.

قال : وإذا انقضى عيد النحر من كل سنة تقدّم بعمل الاستيمار لتلك السنة تمام ذي الحجة منها ، فيجتمع كتاب ديوان الرواتب عند متوليه ، وتحمل العروض إليه ، فإذا تحرّرت نسخة التحرير : بيّضت بعد أن يستدعي من المجلس أوراق بالإدرار الذي يقبض بغير حرج ، وفي الإدرار ما هو مستقرّ بالوجهين ، فيضاف هذا المبلغ بجهاته إلى المبالغ المعلومة بديوان الرواتب وجهاتها ، حتى لا يفوت من الاستيمار شيء من كل ما تقرّر شرحه ، ويعلم مقداره عينا وورقا ، وغلة وغير ذلك ، فيحرّر ذلك كله بأسماء المرتزقين ، وأوّلهم : الوزير ، ومن يلوذ به ، وعلى ذلك إلى أن ينتهي الجميع إلى أرباب الضرّ ، فإذا تكمل استدعى له من خزانة الفرش وطاء حرير لشدّه ، وشرابة لمسكه ، إمّا خضراء أو حمراء ، ويعمل له صدر من الكلام اللائق بما بعده ، وهذا كله خارج عن الكسوات المطلقة لأربابها ، والرسوم المعدّة في كل سنة ، وما يحمل من دار الفطرة من الأصناف برسم عيد الفطر ، وعما يشهد به دفتر المجلس من العطايا الخافية والرسوم ، وقد انعقد مرّة ، وأنا أتولى ديوان الرواتب على ما مبلغه نيف ومائة ألف دينار أو قريب من مائتي ألف دينار ، ومن القمح والشعير على عشرة آلاف أردب ، فإذا فرغ من مسكه في الشرابة حمل إلى صاحب ديوان النظر إن كان ، وإلّا فلصاحب ديوان المجلس ليعرضه على الخليفة ، إن كان يعني مستبدّا أو الوزير لاستقبال المحرّم من السنة الآتية في أوقات معلومة ، فيتأخر في العرض ، وربما يستوعب المحرّم ليحيط العلم بما فيه ، فإذا كمل العرض أخرج إلى الديوان ، وقد شطب على بعضه ، وكانوا يتحرّجون من الإقامات على مال الدولة التي لا أصل لها ، وعلى غير متوفر ، ويتنجزها أربابها بالمستقبلات على الخلفاء والوزراء ، وينقص قوم للاستكثار ، ويزاد قوم للاستحقاق ، ويصرف قوم ، ويستخدم آخرون على ما تقتضيه الآراء في ذلك الوقت ، ثم يسلم لرب هذا الديوان فيحمل الأمر على ما شطب عليه ، وعلامة الإطلاق خروجه من العرض.

وقيل : إنه عمل مرّة في أيام المستنصر بالله ، فلما استؤذن على عرضه ، قال : هل وقع أحد بما فيه غيرنا؟ قيل له : معاذ الله يا مولانا ، ما تمّ إنعام إلّا لك ، ولا رزق إلّا من الله على يديك ، فقال : ما ينقص به أمرنا ، ولا خطنا ، وما صرفناه في دولتنا بإذننا ، وتقدّم إلى وليّ الدولة بن جبران كاتب الإنشاء بإمضائه للناس من غير عرض ، وحمل الأمر على حكمه ، ووقع عن الخليفة بظاهره : الفقر مرّ المذاق ، والحاجة تذل الأعناق ، وحراسة النعم بإدرار الأرزاق ، فليجروا على رسومهم في الإطلاق ما عندكم ينفد ، وما عند الله باق.

ووقع في خلافة الحافظ لدين الله على استيمار الرواتب ما نصه : أمير المؤمنين لا يستكثر في ذات الله كثيرا لإعطاء ، ولا يكدّره بالتأخير له ، والتسويف ، والإبطاء ، ولما انتهى

٢٧٢

إليه ما أرباب الرواتب عليه من القلق للامتناع من إيجاباتهم ، وحمل خروجاتهم ، قد ضعفت قلوبهم ، وقنطت نفوسهم ، وساءت ظنونهم ، شملهم برحمته ورأفته ، وأمنهم مما كانوا وجلين من مخافته ، وجعل التوقيع بذلك بخط يده تأكيدا للإنعام والمنّ ، وتهنئة بصدقة لا تتبع بالأذى والمنّ ، فليعتمد في ديوان الجيوش المنصورة إجراء ما تضمنت هذه الأوراق ذكرهم على ما ألفوه ، وعهدوه من رواتبهم ، وإيجابها على سياقها لكافتهم من غير تأوّل ، ولا تعنت ولا استدراك ولا تعقب وليجروا في نسبياتهم على عادتهم لا ينقض من أمرهم ما كان مبرما ، ولا ينسخ من رسمهم ما كان محكما ، كرما من أمير المؤمنين ، وفعلا مبرورا ، وعملا بما أخبر به عزوجل في قوله تعالى : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) [الإنسان / ٩] ولينسخ في جميع الدواوين بالحضرة إن شاء الله تعالى.

وقال في كتاب كنز الدرر : إن في سنة ست وأربعمائة : عرض على الحاكم بأمر الله الاستيمار باسم المتفقهين ، والقرّاء ، والمؤذنين بالقاهرة ومصر ، وكانت الجملة في كل سنة : أحدا وسبعين ألف دينار ، وسبعمائة ، وثلاثة وثلاثين دينارا وثلثي دينار وربع دينار ، فأمضى جميع ذلك.

وقال ابن المأمون : وأما الاستيمار ، فبلغني ممن أثق به أنه كان في الأيام الأفضلية اثني عشر ألف دينار ، وصار في الأيام المأمونية لاستقبال سنة ست عشرة ، وخمسمائة ستة عشر ألف دينار ، وأما تذكر الطراز ، فالحكم فيها مثل الاستيمار ، والشائع فيها أنها كانت تشمل في الأيام الأفضلية على أحد وثلاثين ألف دينار ، ثم اشتملت في الأيام المأمونية على ثلاثة وأربعين ألف دينار ، وتضاعفت في الأيام الآمرية ، وعرض روزنامج بما أنفق عينا من بيت المال في مدّة أوّلها محرّم سنة سبع وعشرة وخمسمائة ، وآخرها : سلخ ذي الحجة منها في العساكر المسيرة لجهاد الفرنج برّا ، والأساطيل بحرا ، والمنفق في أرباب النفقات من الحجرية والمصطيعية والسودان على اختلاف قبوضهم ، وما ينصرف برسم خزانة القصور الزاهرة ، وما يبتاع من الحيوان برسم المطابخ ، وما هو برسم منديل الكمّ الشريف في كل سنة ، مائة دينار ، والمطلق في الأعياد والمواسم ، وما ينعم به عند الركوبات من الرسوم والصدقات ، وعند العود منها ، وثمن الأمتعة المبتاعة من التجار على أيدي الوكلاء والمطلق برسم الرسل ، والضيوف ، ومن يصل متسأمنا ، ودار الطراز ، ودار الديباج ، والمطلق برسم الصلاة والصدقات ، ومن يعتدي للإسلام ، وما ينعم به على الولاة عند استدامهم في الخدم ، ونفقات بيت المال ، والعمائر وهو من العين : أربعمائة ألف وثمانية وستون ألفا ، وسبعمائة وسبعة وتسعون دينارا ونصف من جملة : خمسمائة ألف وسبعة وستين وألفا ، ومائة وأربعين دينارا ونصف ، يكون الحاصل بعد ذلك مما يحمل إلى الصناديق الخاص برسم المهمات لما يتجدّد من تسفير العساكر ، وما يحمل إلى الثغور عند نفاد ما بها : ثمانية وتسعين ألفا ، ومائة وسبعة وتسعين دينارا وربعا وسدسا ، ولم يكن يكتب من بيت المال وصول ، ولا مجرى ولا

٢٧٣

تعرّف ، وذلك خارج عما يحمل مشاهرة برسم الديوان المأمونيّ ، والأجلاء إخوته ، وأولاده ، وما أنعم به على ما تضمنت اسمه مشاهرة من الأصحاب ، والحواشي ، وأرباب الخدم ، والكتاب ، والأطباء ، والشعراء ، والفرّاشين الخاص والجوق ، والمؤدبين ، والخياطين ، والرفائين ، وصبيان بيت المال ، ونوّاب الباب ، ونقباء الرسائل ، وأرباب الرواتب المستقرّة من ذوي النسب ، والبيوتات والضعفاء ، والصعاليك من الرجال والنساء عن مشاهرتهم ، ستة عشر ألفا ، وستمائة واثنان وثمانون دينارا وثلثا دينار يكون في السنة : مائتي ألف ومائة دينار ، فتكون الجملة سبمائة ألف وسبعة وستين ألفا ومائتين وأربعة وتسعين دينارا ونصفا.

قال : وفي هذا الوقت ، يعني شوّال ، سنة سبع عشرة وخمسمائة : وقعت مرافعة في أبي البركات بن أبي الليث متولي ديوان المجلس صورتها المملوك يقبل الأرض ، وينهى إنه ما واصل إنهاء حال هذا الرجل ، وما يعتمده لأنه أهل أن ينال خدمته ، وإنما هي نصيحة تلزمه في حق سلطانه ، وقد حصل له من الأموال والذخائر ما لا عدد له ولا قيمة عليه ، ويضرب المملوك عن وجوه الجناية التي هي ظاهرة ، لأن السلطان لا يرضى بذكرها في عالي مجلسه ولا سماعها في دولته ، وله ولأهله مستخدمون في الدولة ست عشرة سنة بالجاري الثقيل لكل منهم.

ويذكر المملوك ما وصلت قدرته إلى علمه ، ما هو باسمه خاصة دون من هو مستخدم في الدواوين من أهله ، وأصحابه ، ويبدأ بما باسمه مياومة إدرارا من بيت المال ، والخزائن ودار التعبية ، والمطابخ ، وشون الحطب ، وهو ما يبين برسم البقولات والتوابل : نصف دينار ، ومن الضأن : رأس واحد ، ومن الحيوان : ثلاثة أطيار ، ومن الحطب : حملة واحدة ، ومن الدقيق : خمسة وعشرون رطلا ، ومن الخبز : عشرون وظيفة ، ومن الفاكهة : ثمرة زهرة قصريتان وشمامة ، وفي كل اثنين وخميس من السماط بقاعة الذهب : طيفور (١) خاص وصحن من الأوائل ، وخمسة وعشرون رغيفا من الخبز الموائدي والسميذ ، وفي كل يوم أحد وأربعاء من الأسمطة بالدار المأمونية مثل ذلك ، وفي كل يوم سبت وثلاثاء من أسمطة الركوبات : خروف مشويّ ، وجام حلوى ورباعي عنبا ، ويحضر إليه في كل يوم من الإصطبلات بغلة بمركوب محلى وبغلة برسم الراجل ، وفراشين من الجوق برسم خدمته ، وتبيت على بابه ، وإذا خرج من بين يدي السلطان في الليل ، كان له شمعة من الموكبيات توصله إلى داره وزنها : سبعة عشر رطلا ، ولا تعود ، وبرسم ولده : في كل يوم ثلاثة أرطال لحم ، وعشرة أرطال دقيق ، وفي أيام الركوبات رباعي ، والمشاهرة جاري ديوان الخاص ،

__________________

(١) طيفور : ج. طيافير وهو عبارة عن مقعر عميق قاعه مسطح وجوانبه مرتفعة باستقامة بنسبة ثلاث إلى أربع بوصات. معجم دوزي.

٢٧٤

والمجلس برسمه : مائة وعشرون دينارا ، وبرسم ولده : راتبا عشرة دنانير وأثبت أربعة غلمان نصارى ، ونسبهم للإسلام في جملة المستخدمين في الركاب ، ولم يخدموا لا في الليل ، ولا في النهار بما مبلغه سبعة دنانير ، ومن السكر خمسة عشر رطلا ، ومن عسل النحل : عشرة أرطال ، ومن قلب الفستق : ثلاثة أرقال ، وقلب البندق : خمسة أرطال ، وقلب اللوز : أربعة أرطال ، وورد مربى : رطلان ، زيت طيب : عشرة أرطال ، شيرج : خمسة أرطال ، زيت حار : ثلاثون رطلا ، خل : ثلاث جرار ، أرز : نصف ويبة ، سماق : أربعة أرطال ، حصرم وكشك ، وحب رمّان ، وقراصيا بالسوية : اثنا عشر رطلا ، سدر وأشنا : ويبة ، ومن الكيزان : عشرون شربة عزيزية وثلجية واحدة ، ومن الشمع ست شمعات منهنّ : اثنتان منويات ، وأربعة رطليات ، والمسانهة في بكور الغرّة برسم الخاصة : خمسة دنانير ، وخمسة رباعية ، وعشرة قراريط جدد ، وبرسم ولده : دينار ورباعي ، وثلاثة قراريط ، وخروف مقموم ، وخمسة أرؤس ، وربع قنطار خبز برماذق ، وصحن أرز بلبن وسكر ، ومن السماط بالقصر في اليوم المذكور خروف شواء ، وزبادي ، وجام حلوى والخبز ، وقطعة منفوخ ، ومن القمح : ثلثمائة أردب ، ومن الشعير : مائة وخمسون أردبا.

وفي المواليد الأربعة : أربع صواني فطرة ، وكسوة الشتاء ، برسمه خاصة منديل حريري وشقة ديبقيّ حرير وشقة ديباج ، ورداء أطلس ، وشقة ديباج داري ، وشقتان سقلاطون إحداهما اسكندرانية وشقتان عتابيّ وشقتان خز مغربيّ ، وشقتان اسكندرانيّ ، وشقتان دمياطيّ ، وشقة طلي مرش ، وفوطة خاص.

وبرسم ولده : شقة سقلاطون داري ، وشقة عتابيّ داري ، وشقة خز مغربيّ ، وشقتان دمياطيّ ، وشقتان اسكندرانيّ ، وشقة طلي وفوطة.

وبرسم من عنده : منديلا كم أحدهما خزائنيّ خاص ، ونصفي أردية ديبقي ، وشقة سقلاطون داري وشقة عتابيّ ، وشقة سوسيّ ، وشقة دمياطيّ ، وشقتان اسكندرانيّ ، وفوطة ، وبرسمه أيضا في عيد الفطر : طيفوران ، فطرة مشورة ، ومائة حبة بوري ، وبدلة مذهبة مكملة ، ولولده : بدلة حرير ، وبرسم من عنده حلة مذهبة ، وفي عيد النحر : رسمه مثل عيد الفطر ، ويزيد عنه هبة مائة دينار ، ولولده : مثل عيد الفطر وزيادة عشرة دنانير ، ويساق إليه من الغنم ما لم يكن باسمه.

وفي موسم فتح الخليج : أربعون دينارا ، وصينية فطرة ، وطيفور خاص من القصر ، وخروف شواء ، وحام حلواء ، وبرسم ولده : خمسة دنانير ، ولخاصه في النوروز : ثلاثون دينارا ، وشقة ديبقي حريري ، وشقة لاذ ومعجر حريري ، ومنديل كم حريري ، وفوطة ، ومائة بطيخة ، وسبعمائة حبة رمان ، وأربعة عناقيد موز ، وفرد بسر وثلاثة أقفاص تمر قوصيّ ، وقفصان سفرجل ، وثلاث بكالي هريسة ، واحدة بدجاج ، وأخرى بلحم ضان ،

٢٧٥

والثالثة بلحم بقريّ ، وأربعون رطلا خبز برماذق ، ولولده : خمسة دنانير وحوائج النوروز بما تقدّم ذكره ، وبرسم الغيطاس : خمسمائة حبة ترنج ونارنج وليمون مركب ، وخمسة عشر طنّ قصب ، وعشر حبات بوري ، وباسمه في عيد الغدير من السماط بالقصر مثل عيد النحر ، وله هبة عن رسم الخلع من المجلس المأمونيّ ، يعني مجلس الوزارة ثلاثون دينارا ، ولولده خمسة دنانير ، ومن تكون هذه رسومه في أيّ وجه تنصرف أمواله ، والذي باسم أخيه نظير ذلك ، وكذلك صهره في ديوان الوزارة وابن أخيه في الديوان التاجيّ ، ووجوه الأموال من كل جهة واصلة إليهم ، والأمانة مصروفة عنهم.

وقد اختصر المملوك فيما ذكر ، والذي باسمه أكثر ، وإذا أمر بكشف ذلك من الدواوين تبين صحة قول المملوك ، وعلم أنه ممن يتجنب قول المحال ، ولا يرضاه لنفسه سيما أن رفعه إلى المقام الكريم ، وشنع ذلك بكثرة القول فيهم ، وعرّض بالقبض عليهم ، وأوجب على نفسه أنه يثبت في جهاتهم من الأموال التي تخرج عن هذا الإنعام ما يجده حاضرا مدخورا عند من يعرفه مائة ألف دينار ، فلم يسمع كلامه إلى أن ظهر الراهب في الأيام الآمرية ، فوجد هو وغيره الفرصة فيهم ، وكثر الوقائع عليهم ، فقبض عليهم عن آخرهم ، ومن يعرفهم ، وأخذ منهم الجملة الكبيرة ، ثم بعد ذلك عادوا إلى خدمهم بما كان من أسمائهم ، وتجدّد من جاههم ، وانتقامهم من أعدائهم أكثر مما كان أوّلا ، انتهى.

فانظر أعزك الله إلى سعة أحوال الدولة من معلوم رجل واحد من كتاب دواوينها ، يتبين لك بما تقدّم ذكره في هذه المرافعة من عظم الشأن وكثر العطاء ، ما يكون دليلا على باقي أحوال الدولة.

ديوان النظر

قال ابن الطوير : أما دواوين الأموال ، فإنّ أجلّها من يتولى النظر عليهم ، وله العزل ، والولاية ، ومن يده عرض الأوراق في أوقات معروفة على الخليفة أو الوزير ، ولم ير فيه نصرانيّ ، إلّا الأحزم ، ولم يتوصل إليه إلّا بالضمان ، وله الاعتقال بكل مكان يتعلق بنوّاب الدولة ، وله الجلوس بالمرتبة ، والمسند ، وبين يديه حاجب من أمراء الدولة ، وتخرج له الدواة بغير كرسي ، وهو يندب المترسلين لطلب الحساب ، والحث على طلب الأموال ، ومطالبة أرباب الدولة ، ولا يعترض فيما يقصده من أحد من الدولة.

ديوان التحقيق

هو ديوان مقتضاه المقابلة على الدواوين ، وكان لا يتولاه إلّا كاتب خبير ، وله الخلع المرتبة ، والحاجب ، ويلحق برأس الديوان يعني متولي النظر ، ويفتقر إليه في أكثر الأوقات.

وقال ابن المأمون : وفي هذه السنة يعني سنة إحدى وخمسمائة : فتح ديوان المجلس ،

٢٧٦

قال : ولما كثرت الأموال عند ابن أبي الليث صاحب الديوان ، رغب في التبجح على الأفضل بن أمير الجيوش ينهضه ، ويسأله أن يشاهده قبل حمله ، وذكر أنه سبعمائة ألف دينار خارجا عن نفقات الرجال ، فجعلت الدنانير في صناديق بجانب ، والدراهم في صناديق بجانب ، وقام ابن أبي الليث بين الصفين ، فلما شاهد الأفضل بن أمير الجيوش ذلك ، قال لابن أبي الليث : يا شيخ تفرّحني بالمال؟ وتربة أمير الجيوش إن بلغني أن بئرا معطلة ، أو أرضا بائرة ، أو بلدا خراب ، لأضربنّ عنقك ، فقال : وحق نعمتك لقد حاشا الله أيامك أن يكون فيها بلد خراب ، أو بئر معطلة ، أو أرض بور ، فأبى أن يكشف عما ذكر انتهى.

وقتل ابن أبي الليث في سنة ثمان عشرة وخمسمائة.

ديوان الجيوش والرواتب

قال ابن الطوير : أما الخدمة في ديوان الجيوش ، فتنقسم قسمين : الأوّل ديوان الجيش ، وفيه مستوف أصيل ولا يكون إلّا مسلما ، وله مرتبة على غيره لجلوسه بين يدي الخليفة داخل عتبة باب المجلس ، وله الطرّاحة ، والمسند ، وبين يديه الحاجب ، وترد عليه أمور الأجناد ، له العرض والحلي والثياب.

ولهذا الديوان خازنان برسم رفع الشواهد ، وإذا عرض أحد الأجناد ، ورضي به عرض دوابه ، فلا يثبت له إلّا الفرس الجيد من ذكور الخيل ، وإناثها ، ولا يترك لأحد منهم برذون ولا بغل ، وإن كان عندهم البراذين والبغال ، وليس لهم تغيير أحد من الأجناد إلّا بمرسوم ، وكذلك إقطاعهم ، ويكون بين يدي هذا المستوفي : نقباء الأمراء ينهون إليه متجدّدات الأجناد من الحياة والموت والمرض والصحة ، وكان قد فسح للأجناد في مقايضة بعضهم بعضا في الإقطاع بالتوقيعات بغير علامة ، بل بتخريج صاحب ديوان المجلس ، ومن هذا الديوان تعمل أوراق أرباب الجرايات ، وما كان لأمير ، وإن علا قدره بلد مقور إلّا نادرا.

وأما القسم الثاني من هذا الديوان : فهو ديوان الرواتب ، ويشتمل على أسماء كل مرتزق ، وجار ، وجارية ، وفيه كاتب أصيل بطرّاحة ، وفيه من المعينين والمبيضين نحو عشرة أنفس والتعريفات واردة عليه من كل عمل باستمرار من هو مستمرّ ، ومباشرة من استجدّ ، وموت من مات ليوجب استحقاقه على النظام المستقيم.

وفي هذا الديوان عدّة عروض ، العرض الأوّل : يشتمل على راتب الوزير ، وهو في الشهر خمسة آلاف دينار ، ومن يليه من ولد ، وأخ من ثلثمائة دينار إلى مائتي دينار ، ولم يقرّر لولد وزير خمسمائة دينار سوى شجاع بن شاور ، المنعوت : بالكامل ، حواشيهم على مقتضى عدّتهم ، من خمسمائة إلى أربعمائة إلى ثلثمائة خارجا عن الإقطاعات.

العرض الثاني حواشي الخليفة ، وأوّلهم : الأستاذون المحنكون على رتبهم ، وجواري

٢٧٧

خدمهم التي لا يباشرها سواهم ، فزمام القصر ، وصاحب بيت المال ، وحامل الرسالة ، وصاحب الدفتر ، ومشاد التاج ، وزمام الأشراق الأقارب ، وصاحب المجلس لكل واحد منهم : مائة دينار في كل شهر ، ومن دونهم ينقص عشرة دنانير حتى يكون آخرهم من له في كل شهر عشرة دنانير ، وتزيد عدّتهم على ألف نفس ، ولطبيبي الخاص لكل واحد : خمسون دينارا ، ولمن دونهما من الأطباء برسم المقيمين بالقصر ، لكل واحد عشرة دنانير.

العرض الثالث : يتضمن أرباب الرتب بحضرة الخليفة ، فأوّله كاتب الدست الشريف ، وجارية : مائة وخمسون دينارا ، ولكل واحد من كتابه ثلاثون دينارا ، ثم صاحب الباب وجارية : مائة وعشرون دينارا ، ثم حامل السيف وحامل الرمح لكل منهما : سبعون دينارا وبقية الأزمّة على العساكر والسودان : من خمسين إلى أربعين دينارا إلى ثلاثين دينارا.

العرض الرابع : يشتمل على المستقرّ لقاضي القضاة ، ومن يلي قاضي القضاة : مائة دينار ، وداعي الدعاة : مائة دينار ، ولكل من قرّاء الحضرة : عشرون دينارا إلى خمسة عشر إلى عشرة ، والخطباء الجوامع : من عشرين دينارا إلى عشرة ، وللشعراء من عشرين دينارا إلى عشرة دنانير.

العرض الخامس : يشتمل على أرباب الدواوين ، ومن يجري مجراهم ، وأوّلهم : من يتولى ديوان النظر وجاريه : سبعون دينارا ، وديوان التحقيق جاريه : خمسون دينارا ، وديوان المجلس : أربعون دينارا ، وصاحب دفتر المجلس : خمسة وثلاثون دينارا ، وكاتبه : خمسة دنانير ، وديوان لجيوش وجاريه : أربعون دينارا ، والموقع بالقلم الجليل : ثلاثون دينارا ، ولجميع أصحاب الدواوين الجاري فيها المعاملات لكل واحد : عشرون دينارا ، ولكل معين : من عشرة دنانير إلى سبعة إلى خمسة دنانير.

العرض السادس : يشتمل على المستخدمين بالقاهرة ومصر لكل احد من المستخدمين في ولاية القاهرة ، وولاية مصر في الشهر : خمسون دينارا ، والحماة بالإهراء ، والمناخات والجوالي والبساتين ، والأملاك وغيرها لكل منهم : من عشرين دينارا إلى خمسة عشر إلى عشرة إلى خمسة دنانير.

العرض السابع : الفرّاشون بالقصور برسم خدمها وتنظيفها خارجا وداخلا ونصب الستائر المحتاج إليها ، وخدمة المناظر الخارجة عن القصر ، فمنهم خاص برسم خدمة الخليفة ، وعدّتهم : خمسة عشر رجلا منهم : صاحب المائدة ، وحامي المطابخ : من ثلاثين دينارا إلى ما حولها ، ولهم رسوم متميزة ، ويقربون من الخليفة في الأسمطة التي يجلس عليها ، ويليهم الرشاشون داخل القصر وخارجه ، ولهم عرفاء ، ويتولى أمرهم أستاذ من خواص الخليفة وعدّتهم : نحو الثلاثمائة رجل ، وجار بهم : من عشرة دنانير إلى خمسة دنانير.

٢٧٨

العرض الثامن : صبيان الركاب ، وعدّتهم : تزيد على ألفي رجل ، ومقدّموهم أصحاب ركاب الخليفة ، وعدّتهم : اثنا عشر مقدّما ، منهم : مقدّم المقدّمين ، وهو صاحب الركاب اليمين ، ولكل من هؤلاء المقدّمين في كل شهر : خمسون دينارا ، ولهم نقباء من جهة المذكورين يعرفونهم وهم مقرّرون جوقا على قدر جواريهم ، جوقة لكل منهم : خمسة عشر دينارا ، وجوقة لكل منهم : عشرة دنانير ، وجوقة لكل منهم : خمسة دنانير ، ومنهم من ينتدب في الخدم السلطانية ، ويكون لهم نصيب في الأعمال التي يدخلونها ، وهم الذين يحملون الملحقات لركوب الخليفة في المواسم وغيرها.

وأوّل من قرّر العطاء لغلمانه ، وخدمه ، وأولادهم الذكور والإناث ، ولنسائهم ، وقرّر لهم أيضا الكسوة : العزيز (١) بالله نزار بن المعز.

ديوان الإنشاء والمكاتبات

وكان لا يتولاه إلّا أجل كتاب البلاغة ، ويخاطب : بالشيخ الأجل ، ويقال له : كاتب الدست الشريف ، ويسلم المكاتبات الواردة مختومة ، فيعرضها على الخليفة من بعده ، وهو الذي يأمر بتنزيلها ، والإجابة عنها للكتاب ، والخليفة يستشيره في أكثر أموره ، ولا يحجب عنه متى قصد المثول بين يديه ، وهذا أمر لا يصل إليه غيره ، وربما بات عند الخليفة ليالي وكان جاريه : مائة وعشرين دينارا في الشهر ، وهو أوّل أرباب الإقطاعات ، وأرباب الكسوة ، والرسوم والملاطفات ولا سبيل أن يدخل إلى ديوانه بالقصر ، ولا يجتمع بكتابه أحد إلّا الخواص ، وله حاجب من الأمراء الشيوخ ، وفرّاشون وله المرتبة الهائلة ، والمخادّ ، والمسند ، والدواة لكنها بغير كرسيّ ، وهي من أخص الدوى ، ويحملها أستاذ من أستاذي الخليفة.

التوقيع بالقلم الدقيق في المظالم

وكان لا بدّ للخليفة من جليس يذاكره ما يحتاج إليه من كتاب الله ، وتجويد الخط ، وأخبار الأنبياء ، والخلفاء ، فهو يجتمع به في أكثر الأيام ، ومعه أستاذ من المحنكين مؤهل لذلك ، فيكون الأستاذ ثالثهما ، ويقرأ على الخليفة ملخص السير ، ويكرّر عليه : ذكر مكارم الأخلاق ، وله بذلك رتبة عظيمة تلحق برتبة كاتب الدست ، ويكون صحبته للجلوس دواة محلاة ، فإذا فرغ من المجالسة ، ألقي في الدواة كاغد : فيه عشرة دنانير ، وقرطاس : فيه

__________________

(١) العزيز بالله : هو نزار أبو منصور بن المعز لدين الله. ثاني خلفاء مصر من الفاطميين. مولده بالمهدية بالمغرب سنة ٣٤٤ ه‍ ولي الخلافة بعد وفاة أبيه سنة ٣٦٥ ه‍ وبقي حتى وفاته سنة ٣٨٦ ه‍. النجوم الزاهرة ج ٤.

٢٧٩

ثلاثة مثاقيل ندّ مثلث خاص ليتبخر به عند دخوله على الخليفة ثاني مرة ، وله منصب التوقيع بالقلم الدقيق ، وله طرّاحة ، ومسند ، وفرّاش يقدّم إليه ما يوقع عليه ، وله موضع من حقوق ديوان المكاتبات ، لا يدخل إليه أحد إلّا بإذن ، وهو يلي صاحب ديوان المكاتبات في الرسوم ، والكساوي وغيرها.

التوقيع بالقلم الجليل

وهي رتبة جليلة ، ويقال لها : الخدمة الصغرى ، ولها الطرّاحة ، والمسند بغير حاجب ، بل الفرّاش لترتيب ما يوقع فيه.

مجلس النظر في المظالم

كانت الدولة إذا خلت من وزير صاحب سيف ، جلس صاحب الباب في باب الذهب (١) بالقصر ، وبين يديه النقباء والحجاب ، فينادي المنادي بين يديه : يا أرباب الظلامات ، فيحضرون ، فمن كانت ظلامته مشافهة أرسلت إلى الولاة والقضاة رسالة بكشفها ، ومن تظلم ممن ليس من أهل البلدين أحضر قصة بأمره ، فيتسلمها الحاجب منه ، فإذا جمعها أحضرها إلى الموقع بالقلم الدقيق ، فيوقع عليها ، ثم تحمل إلى الموقع بالقلم الجليل ، فيبسط ما أشار إليه الموقع الأوّل ، ثم تحمل في خريطة إلى الخليفة ، فيوقع عليها ، ثم تخرج في الخريطة إلى الحاجب ، فيقف على باب القصر ، ويسلم كل توقيع لصاحبه ، فإن كان وزيره صاحب سيف : جلس للمظالم بنفسه ، وقبالته : قاضي القضاة ، ومن جانبيه شاهدان معتبران ، ومن جانب الوزير : الموقع بالقلم الدقيق ، ويليه : صاحب ديوان المال ، وبين يديه صاحب الباب واسفهسلار العساكر ، وبين أيديهما النوّاب ، والحجاب على طبقاتهم ، ويكون الجلوس بالقصر في مجلس المظالم في يومين من الأسبوع ، وكان الخليفة إذا رفعت إليه القصة ، وقع عليها : يعتد ذلك إن شاء الله تعالى ، ويوقع في الجانب الأيمن منها ، يوقع بذلك ، فتخرج إلى صاحب ديوان المجلس ، فيوقع عليها جليلا ، ويخلي مكان العلامة فيعلم عليها الخليفة وتثبت ، وكانت علامتهم أبدا : الحمد لله رب العالمين ، وكان الخليفة يوقع في المسامحة ، والتسويغ والتحبيس : قد أنعمنا بذلك ، وقد أمضينا ذلك ، وكان إذا أراد أن يعلم ذلك الشيء الذي أنهي وقع ليخرج الحال في ذلك ، فإذا أحضر إليه إخراج الحال ، علم عليه فإن كان حينئذ وزير وقع الخليفة بخطه ، وزيرنا السيد الأجل وذكر نعته المعروف به أمتعنا الله ببقائه يتقدّم بنجاز ذلك إن شاء الله تعالى ، فيكتب الوزير تحت خط

__________________

(١) باب الذهب : من أبواب القصر الغربية ومن أعظم الأبواب وأجلها كانت تدخل منه المواكب وجميع أهل الدولة وكان تجاه البيمارستان المنصوري ومحله محراب المدرسة الظاهرية بشارع بيت القاضي من جهة شارع بين القصرين. (مصطلحات محمد رمزي).

٢٨٠