كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٢

تقي الدين احمد بن علي المقريزي

كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ٢

المؤلف:

تقي الدين احمد بن علي المقريزي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

فبعث إليهم وهزمهم ، وبعث إلى الصعيد ، فقدم صالح بن عليّ بن عبد الله بن عباس في طلب مروان هو وأبو عون عبد الملك بن يزيد يوم الثلاثاء للنصف من ذي الحجة ، فأدرك صالح مروان ببوصير من الجيزة بعد ما استخلف على الفسطاط معاوية بن بحيرة بن ريسان ، فحارب مروان حتى قتل ببوصير يوم الجمعة لسبع بقين من ذي الحجة ، ودخل صالح إلى الفسطاط يوم الأحد لثمان خلون من المحرّم سنة ثلاث وثلاثين ومائة ، وبعث برأس مروان إلى العراق ، وانقضت أيام بني أمية.

فولي : صالح بن عليّ بن عبد الله بن عباس ، ولي من قبل أمير المؤمنين أبي العباس عبد الله بن محمد السفاح ، فاستقبل بولايته المحرّم سنة ثلاث وثلاثين ومائة ، وبعث بوفد أهل مصر إلى أبي العباس السفاح ببيعة أهل مصر ، وأسر عبد الملك بن موسى بن نصير وجماعة ، وقتل كثيرا من شيعة بني أمية ، وحمل طائفة منهم إلى العراق ، فقتلوا بقلنسوة (١) من أرض فلسطين ، وأمر للناس بأعطياتهم للمقاتلة والعيال ، وقسمت الصدقات على اليتامى والمساكين ، وزاد صالح في المسجد ، وورد عليه كتاب أمير المؤمنين السفاح ، بإمارته على فلسطين والاستخلاف على مصر ، فاستخلف أبا عون مستهلّ شعبان سنة ثلاث وثلاثين ، وسار ومعه عبد الملك بن نصير ملزما ، وعدّة من أهل مصر صحابة لأمير المؤمنين ، وأقطع الذين سوّدوا قطائع منها : منية بولاق ، وقرى إهناس ، وغيرها ثم من بعد صالح بن عليّ. سكن أمراء مصر العسكر ، وأوّل من سكنه أبو عون ، والله تعالى أعلم.

ذكر العسكر الذي بني بظاهر مدينة فسطاط مصر

اعلم : أن موضع العسكر قد كان يعرف في صدر الإسلام بالحمراء القصوى ، وقد تقدّم أن الحمراء القصوى كانت خطة بني الأزرق ، وبني روبيل ، وبني يشكر بن جزيلة ، ثم دثرت هذه الخطط بعد العمارة بتلك القبائل ، حتى صارت صحراء ، فلما قدم مروان بن محدم آخر خلفاء بني أمية إلى مصر منهزما من بني العباس نزلت عساكر صالح بن عليّ ، وأبي عون عبد الملك بن يزيد في هذه الصحراء ، حيث جبل يشكر حتى ملؤوا الفضاء ، وأمر أبو عون أصحابه بالبناء فيه ، فبنوا وذلك في سنة ثلاث وثلاثين ومائة.

فلما خرج صالح بن عليّ من مصر خرب أكثر ما بنى فيه إلى زمن موسى بن عيسى الهاشميّ فابتنى فيه دارا أنزل فيها حشمة وعبيده ، وعمر الناس ، ثم ولي : السريّ بن الحكم ، فأذن للناس في البناء ، فابتنوا فيه وصار مملوكا بأيديهم ، واتصل بناؤه ببناء الفسطاط ، وبنيت فيه دار الإمارة ، ومسجد جامع عرف بجامع العسكر ، ثم عرف بجامع ساحل الغلة ، وعملت

__________________

(١) قلنسوة : حصن قرب الرملة من أرض فلسطين. معجم البلدان ج ٤ / ٣٩٢.

١٠١

الشرطة أيضا في العسكر ، وقيل لها : الشرطة العليا ، وإلى جانبها بنى أحمد بن طولون جامعه الموجود الآن ، وسمي من حينئذ ذلك الفضاء بالعسكر ، وصار أمراء مصر إذا ولوا ينزلون به من بعد أبي عون ، فقال الناس من يومئذ : كنا بالعسكر ، وخرجنا إلى العسكر ، وكتب من العسكر ، وصار مدينة ذات محال ، وأسواق ودور عظيمة ، وفيه بنى أحمد بن طولون مارستانه (١) ، فأنفق عليه ، وعلى مستغله ستين ألف دينار ، وكان بالقرب من بركة قارون التي صارت كيمانا ، وبعضها بركة على يسرة من سار من حدرة ابن قميحة يريد قنطرة السدّ ، وعلى بركة قارون هذه كانت جنان بني مسكين ، وبني كافور الإخشيدي دارا أنفق عليها مائة ألف دينار ، وسكنها في رجب سنة ست وأربعين وثلثمائة ، وانتقل منها بعد أيام عليها مائة ألف دينار ، وسكنها في رجب سنة ست وأربعين وثلثمائة ، وانتقل منها بعد أيام لوباء وقع في غلمانه من بخار البركة ، وعظمت العمارة في العسكر جدّا إلى أن قدم أحمد بن طولون من العراق إلى مصر ، فنزل بدار الإمارة من العسكر ، وكان لها باب إلى جامع العسكر ، وينزلها الأمراء منذ بناها صالح بن عليّ بعد قتله مروان ، وما زال بها أحمد بن طولون إلى أن بنى القصر ، والميدان بالقطائع ، فتحوّل من العسكر ، وسكن قصره بالقطائع ، فلما ولي أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون بعد أبيه ، جعل دار الإمارة ديوان الخراج ، ثم فرّقت حجرا بعد دخول محمد بن سليمان الكاتب إلى مصر ، وزوال دولة بني طولون ، فسكن محمد بن سليمان بدار الإمارة في العسكر عند المصلى القديم ، وكان المصلى القديم حيث الكوم المطلّ الآن على قبر القاضي بكار ، وما زالت الأمراء تنزل بالعسكر إلى أن قدم القائد جوهر (٢) من المغرب ، وبنى القاهرة المعزية ، ولما بنى أحمد بن طولون القطائع اتصلت مبانيها بالعسكر ، وبنى جامعه على جبل يشكر ، فعمرها هنا لك عمارة عظيمة تخرج عن الحدّ في الكثرة ، وقدم جوهر القائد بعساكر مولاه المعز لدين الله في سنة ثمان وخمسين وثلثمائة ، والعسكر عامر إلّا أنه منذ بنيت القطائع هجر اسم العسكر ، وصار يقال : مدينة الفسطاط والقطائع ، وربما قيل : والعسكر أحيانا ، فلما خرّب محمد بن سليمان قصر ابن طولون ، وميدانه بقي في القطائع مساكن جليلة حيث كان العسكر ، وأنزل المعز لدين الله عمه أبا عليّ في دار الإمارة ، فلم يزل أهله بها إلى أن خربت القطائع في الشدّة العظمى التي كانت في خلافة المستنصر أعوام بضع وخمسين وأربعمائة ، فيقال : إنه كان هناك زيادة على مائة ألف دار سوى البساتين ، وما هذا ببعيد ، فإنّ ذلك كان ما بين سفح الشرف الذي عليه الآن قلعة الجبل ، وبين ساحل مصر القديم حيث الآن الكبارة خارج مصر ، وما على سمتها إلى كوم الجارح ، ومن كوم الجارح إلى جامع ابن طولون ، وخط

__________________

(١) المارستان : تعني بيت المرضى أي المستشفى (مصطلحات محمد رمزي).

(٢) جوهر بن عبد الله الرومي أبو الحسن. كان من موالي المعز لدين الله الفاطمي صاحب إفريقية سيره إلى مصر فدخلها سنة ٣٥٨ ه‍ وأرسل الجيوش لفتح بلاد الشام وضمها إليها وهو الذي بنى القاهرة والجامع الأزهر توفي سنة ٣٨١ ه‍. الأعلام ج ٢ / ١٤٨.

١٠٢

قناطر السباع ، وخط السبع سقايات إلى قنطرة السدّ ، ومراغة مصر إلى المعاريج بمصر ، وإلى كوم الجارح ، ففي هذه المواضع كان العسكر والقطائع ، ويخص العسكر من بين ذلك ما بين قناطر السباع ، وحدرة ابن قميحة إلى كوم الجارح حيث الفضاء الذي يتوسط ما بين قنطرة السدّ ، وبين سور القرافة الذي يعرف بباب المجدم ، فهذا هو العسكر ، ولما استولى الخراب في المحنة أمر ببناء حائط يستر الخراب عن نظر الخليفة إذا سار من القاهرة إلى مصر ، فيما بين العسكر والقطائع ، وبين الطريق ، وأمر ببناء حائط آخر عند جامع ابن طولون.

فلما كان في خلافة الآمر بأحكام الله أبي عليّ منصور بن المستعلي أمر وزيره أبو عبد الله محمد بن فاتك المنعوت بالأجل المأمون بن البطائحي ، فنودي مدّة ثلاثة أيام في القاهرة ومصر ، بأنّ من كان له دار في الخراب ، أو مكان فليعمره ، ومن عجز عن عمارته يبيعه أو يؤجره من غير نقل شيء من أنقاضه ، ومن تأخر بعد ذلك ، فلا حق له ولا حكر يلزمه ، وأباح تعمير جميع ذلك بغير طلب حق ، وكان سبب هذا النداء أنه لما قدم أمير الجيوش بدر الجماليّ في آخر الشدّة العظمى ، وقام بعمارة إقليم مصر ، أخذ الناس في نقل ما كان بالقطائع والعسكر من أنقاض المساكن حتى أتى على معظم ما هنا لك الهدم ، فصار موحشا ، وخرب ما بين القاهرة ومصر من المساكن ، ولم يبق هنا لك إلّا بعض البساتين ، فلما نادى الوزير المأمون عمّر الناس ما كان من ذلك ، مما يلي القاهرة من جهة المشهد النفيسيّ إلى ظاهر باب زويلة ، كما يرد خبر ذلك في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ، ونقلت أنقاض العسكر كما تقدّم ، فصار هذا الفضاء الذي يتوصل إليه من مشهد السيدة نفيسة ، ومن الجامع الطولونيّ ، ومن قنطرة السدّ ، ومن باب المجدم في سور القرافة ، ويسلك في هذا الفضاء إلى كوم الجارح ، ولم يبق الآن من العسكر ما هو عامر سوى جبل يشكر الذي عليه جامع ابن طولون ، وما حوله من الكبش ، وحدرة ابن قميحة إلى خط السبع سقايات ، وخط قناطر السباع إلى جامع ابن طولون ، وأما سوق الجامع من قبليه ، وما وراء ذلك إلى المشهد النفيسيّ ، وإلى القبيبات ، والرميلة تحت القلعة ، فإنما هو من القطائع كما ستقف عليه عند ذكر القطائع ، وعند ذكر هذه الخطط ، إن شاء الله تعالى ، وطالما سلكت هذا الفضاء الذي بين جامع ابن طولون ، وكوم الجارح ، حيث كان العسكر ، وتذكرت ما كان هنا لك من الدور الجليلة والمنازل العظيمة ، والمساجد والأسواق والحمامات والبساتين والبركة البديعة ، والمارستان العجيب ، وكيف بادت حتى لم يبق لشيء منها أثر البتة فأنشدت أقول :

وبادوا فلا مخبر عنهم

وماتوا جميعا وهذا الخبر

فمن كان ذا عبرة فليكن

فطينا ففي من مضى معتبر

وكان لهم أثر صالح

فأين هم ثم أين الأثر

١٠٣

وسيأتي لذلك مزيد بيان عند ذكر القطائع ، وعند ذكر خط قناطر السباع ، وغيره من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

ذكر من نزل العسكر من أمراء مصر

من حين بني إلى أن بنيت القطائع

إعلم : أنّ أمراء مصر ما برحوا ينزلون فسطاط مصر منذ اختط بعد الفتح إلى أن بنى أب عون العسكر ، فصارت أمراء مصر من عهد أبي عون إنما ينزلون بالعسكر ، وما برحوا على ذلك إلى أن أنشأ الأمير أبو العباس أحمد بن طولون القصر والميدان والقطائع ، فتحوّل من العسكر إلى القصر ، وسكن فيه وسكنه الأمراء من أولاده بعده إلى أن زالت دولتهم ، فسكن الأمراء بعد ذلك العسكر إلى أن زالت دولة الإخشيدية بقدوم جوهر القائد من المغرب.

وأوّل من سكن العسكر من أمراء مصر : أبو عون : عبد الملك بن يزيد من أهل جرجان ولي صلاة مصر وخراجها ، باستخلاف صالح بن عليّ له ، في مستهل شعبان سنة ثلاث وثلاثين ومائة ، ووقع الوباء بمصر ، فهرب أبو عون إلى يشكر ، واستخلف صاحب شرطته عكرمة بن عبد الله بن عمرو بن قحزم ، وخرج إلى دمياط في سنة خمس وثلاثين ومائة ، واستخلف عكرمة ، وجعل على الخراج : عطاء بن شرحبيل ، وخرج القبط بسمنود ، فبعث إليهم وقتلهم ، وورد الكتاب بولاية صالح بن عليّ على مصر وفلسطين والمغرب ، جمعلت له ، ووردت الجيوش من قبل أمير المؤمنين السفاح لغزو المغرب.

فولي : صالح بن عليّ الثانية على الصلاة والخراج ، فدخل لخمس خلون من ربيع الآخر سنة ست وثلاثين ومائة ، فأقرّ عكرمة على شرطة الفسطاط ، وجعل على شرطته بالعسكر : يزيد بن هاني الكنديّ ، وولى أبا عون جيوش المغرب ، وقدّم أمامه دعاة لأهل إفريقية ، وخرج أبو عون في جمادى الآخرة ، وجهزت المراكب من الإسكندرية إلى برقة ، فمات السفاح في ذي الحجة ، واستخلف أبو جعفر عبد الله بن محمد المنصور ، فأقرّ صالحا ، وكتب إلى أبي عون بالرجوع ، وردّ الدعاة ، وقد بلغوا شبرت (١) ، وبلغ أبو عون برقة ، فأقام بها أحد عشر يوما ، ثم عاد إلى مصر في جيشه ، فجهزه صالح إلى فلسطين لحربه فغلب ، وسير إلى مصر ثلاثة آلاف رأس ، ثم خرج صالح إلى فلسطين ، واستخلف ابنه الفضل ، فبلغ بلبيس ورجع ، ثم خرج لأربع خلون من رمضان سنة سبع وثلاثين ، فلقي أبا عون بالفرما ، فأمّره على مصر صلاتها وخراجها ، ومضى فدخل أبو عون الفسطاط لأربع بقين من رمضان.

__________________

(١) شبرت : قلعة حصينة على ساحل البحر بالأندلس بينها وبين طرطوشة يومان. معجم ج ٣ / ٣٢٠.

١٠٤

فولي : أبو عون ولايته الثانية من قبل صالح بن عليّ ، ثم أفرده أبو جعفر بولايتها ، وقدم أبو جعفر بيت المقدس ، وكتب إلى أبي عون بأن يستخلف على مصر ، ويخرج إليه ، فاستخلف عكرمة على الصلاة ، وعطاء على الخراج ، وخرج للنصف من ربيع الأوّل سنة إحدى وأربعين ومائة ، فلما صار إلى أبي جعفر ببيت المقدس ، بعث أبو جعفر : موسى بن كعب فكانت ولاية أبي عون هذه ثلاث سنين ، وستة أشهر.

فوليها : موسى بن كعب (١) بن عيينة ابن عائشة أبو عيينة من تميم من قبل أبي جعفر المنصور ، وكان أحد نقباء بني العباس ، فدخلها لأربع عشرة بقيت من ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومائة على صلاتها وخراجها ، ونزل العسكر وبها الناس من الجند يغدون ، ويروحون إليه ، كما كانوا يفعلون بالأمراء قبله ، فانتهوا عنه حتى لم يكن أحد يلزم بابه ، وكان قد اتهم في خراسان بأمر أبي مسلم ، فأمر به أسد بن عبد الله البجليّ والي خراسان ، فألجم بلجام ، ثم كسرت أسنانه ، فكان يقول بمصر كانت لنا أسنان وليس عندنا خبز ، فلما جاء الخبز ذهبت الأسنان. وكتب إليه أبو جعفر : إني عزلتك من غير سخطة ، ولكن بلغني أنّ غلاما يقتل بمصر يقال له : موسى ، فكرهت أن تكونه ، فكان ذلك موسى بن مصعب زمن المهديّ ، كما يأتي إن شاء الله تعالى ، فولي موسى بن كعب سبعة أشهر ، وصرف في ذي القعدة ، واستخلف على الجند ابن خاله ابن حبيب ، وعلى الخراج نوفل بن الفرات ، وخرج لست بقين منه.

فولي : محمد بن الأشعث بن عقبة الخزاعيّ من قبل أبي جعفر على الصلاة والخراج ، وقدم لخمس خلون من ذي الحجة سنة إحدى وأربعين ومائة ، وبعث أبو جعفر إلى نوفل بن الفرات : أن اعرض على محمد بن الأشعث ضمان خراج مصر ، فإن ضمنه فأشهد عليه ، واشخص إليّ ، وإن أبى فاعمل على الخراج ، فعرض عليه ذلك فأبى ، فانتقل نوفل الدواوين ، فافتقد ابن الأشعث الناس ، فقيل له : هم عند صاحب الخراج ، فندم على تسليمه ، وعقد على جيش بعث به إلى المغرب لحربه فانهزم ، وخرج ابن الأشعث يوم الأضحى سنة اثنتين وأربعين ، وتوجه إلى الإسكندرية ، واستخلف محمد بن معاوية بن بجير بن رسان صاحب شرطته ، ثم صرف ابن الأشعث ، فكانت ولايته سنة وشهرا.

وولي : حميد بن قحطبة (٢) بن شبيب بن خالد بن سعدان الطائيّ من قبل أبي جعفر على الصلاة والخراج ، فدخل في عشرين ألفا من الجند لخمس خلون من رمضان سنة ثلاث

__________________

(١) وال من كبار القواد وأحد الرجال الذين هدوا أركان الدولة الأموية ورفعوا عماد الدولة العباسية ولاه المنصور ولاية الهند ومصر وتوفي سنة ١٤١ ه‍. الأعلام ج ٧ / ٣٢٦.

(٢) من القادة الشجعان ولي إمرة مصر سنة ١٤٣ ه‍ ثم الجزيرة ووجه لغزو أرمينية سنة ١٤٨ ه‍ ولغزو كابل سنة ١٥٢ ه‍ ثم جعل أميرا على خراسان إلى أن توفي سنة ١٥٩ ه‍. الأعلام ج ٢ / ٢٨٣.

١٠٥

وأربعين ومائة ، ثم قدم عسكر آخر في شوّال ، وقدم عليّ بن محمد بن عبد الله بن حسن بن الحسن داعية لأبيه وعمه ، فدس إليه حميد ، فتغيب ، فكتب بذلك إلى أبي جعفر ، فصرفه في ذي القعدة ، وخرج لثمان بقين من ذي القعدة سنة أربع وأربعين.

فولي : يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة من قبل أبي جعفر على الصلاة والخراج ، فقدم على البريد للنصف من ذي القعدة ، فاستخلف على الخراج معاوية بن مروان بن موسى بن نصير ، وفي إمرته ظهرت دعوة بني الحسن بن عليّ بمصر ، وتكلم بها الناس ، وبايع كثير منهم لعليّ بن محمد بن عبد الله ، وطرق المسجد لعشر خلون من شوّال سنة خمس وأربعين ، كما يذكر في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ، ثم قدمت الخطباء برأس إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن عليّ في ذي الحجة ، فنصبت في المسجد ، وورد كتاب أبي جعفر بأمر يزيد بن حاتم بالتحوّل من العسكر إلى الفسطاط ، وأن يجعل الديوان في كنائس القصر ، وذلك في سنة ست وأربعين ومائة من أجل ليلة المسجد ، ومنع يزيد أهل مصر من الحج سنة خمس وأربعين ، فلم يحج أحد منهم ، ولا من أهل الشام ، لما كان بالحجاز من الاضطراب بأمر بني حسن ، ثم حج يزيد في سنة سبع وأربعين ، واستخلف عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية بن خديج صاحب شرطته ، وبعث جيشا لغزو الحبشة من أجل خارجيّ ظهر هناك ، فظفر به الجيش ، وقدم رأسه في عدّة رؤوس ، فحملت إلى بغداد ، وضم يزيد برقة إلى عمل مصر ، وهو أوّل من ضمها إلى مصر ، وذلك في سنة ثمان وأربعين ، وخرج القبط بسخا (١) في سنة خمسين ومائة ، فبعث إليهم جيشا ، فشتته القبط ورجع منهزما ، فصرفه أبو جعفر في ربيع الآخر سنة اثنتين وخمسين ومائة ، فكانت ولايته سبع سنين وأربعة أشهر.

وولي : عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج من قبل أبي جعفر على الصلاة لثنتي عشرة بقيت من ربيع الآخر ، وهو أوّل من خطب بالسواد ، وخرج إلى أبي جعفر لعشر بقين من رمضان سنة أربع وخمسين ومائة ، واستخلف أخاه محمدا ، ورجع في آخرها ، ومات وهو وال مستهلّ صفر سنة خمس وخمسين ومائة ، واستخلف أخاه محمدا ، فكانت ولايته سنتين وشهرين.

فولي : محمد بن عبد الرحمن بن معاوية بن خديج باستخلاف أخيه ، فأقرّه أبو جعفر على الصلاة ، ومات وهو وال للنصف من شوّال ، فكانت ولايته ثمانية أشهر ونصفا ، واستخلف موسى بن عليّ.

فولي : موسى بن عليّ بن رباح باستخلاف محمد بن خديج ، فأقرّه أبو جعفر على

__________________

(١) سخا : كورة بأسفل مصر وهي الآن قصبة كورة الغربية. معجم البلدان ج ٣ / ١٩٦.

١٠٦

الصلاة وخرج القبط بهبيب في سنة ست وخمسين ، فبعث إليهم وهزمهم ، وكان يروح إلى المسجد ماشيا ، وصاحب شرطته بين يديه يحمل الحربة ، وإذا أقام صاحب الشرطة الجدود يقول له : ارحم أهل البلاد ، فيقول : أيها الأمير ما يصلح الناس إلا ما يفعل بهم ، وكأن يحدّث ، فيكتب الناس عنه ، ومات أبو جعفر لست خلون من ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة ، وبويع ابنه محمد المهديّ ، فأقرّ موسى بن عليّ إلى سابع عشر ذي الحجّة سنة إحدى وستين ومائة ، فكانت ولايته ست سنين وشهرين.

وولي : عيسى بن لقمان (١) بن محمد الجمحيّ : من قبل المهديّ على الصلاة والخراج ، فقدم لثلاث عشرة بقيت من ذي الحجة سنة إحدى وستين ومائة ، وصرف لثنتي عشرة بقيت من جمادى الأولى سنة اثنتين وستين ومائة فوليها أربعة أشهر.

ثم ولي : واضح مولى أبي جعفر من قبل المهديّ على الصلاة والخراج ، فدخل لست بقين من جمادى الأولى وصرف في رمضان.

فولي : منصور بن يزيد بن منصور الرعينيّ ، وهو ابن خال المهديّ على الصلاة ، فقدم لإحدى عشرة خلت من رمضان سنة اثنتين وستين ومائة ، وصرف للنصف من ذي الحجة ، فكان مقامه شهرين وثلاثة أيام.

ثم ولي : يحيى بن داود أبو صالح من أهل خراسان من قبل المهديّ على الصلاة والخراج ، فقدم في ذي الحجة ، وكان أبوه تركيا ، وهو من أشدّ الناس ، وأعظمهم هيبة ، وأقدمهم على الدم ، وأكثرهم عقوبة ، فمنع من غلق الدروب بالليل ، ومن غلق الحوانيت حتى جعلوا عليها شرائح القصب لمنع الكلاب ، ومنع حرّاس الحمامات أن يجلسوا فيها ، وقال : من ضاع له شيء ، فعليّ أداؤه ، وكان الرجل يدخل الحمام ، فيضع ثيابه ، ويقول : يا أبا صالح احرسها ، فكانت الأمور على هذا مدّة ولايته ، وأمر الأشراف والفقهاء ، وأهل النوبات بلبس القلانس الطوال ، والدخول بها على السلطان يوم الاثنين والخميس بلا أردية ، وكان أبو جعفر المنصور إذا ذكره قال : هو رجل يخافني ، ولا يخاف الله ، فولي إلى المحرّم سنة أربع وستين.

وقدم : سالم بن سوادة التميميّ من قبل المهديّ على الصلاة ، ومعه أبو قطيعة إسماعيل بن إبراهيم على الخراج لثنتي عشرة خلت من المحرّم.

ثم ولي : إبراهيم بن صالح بن عليّ بن عبد الله بن عباس من قبل المهديّ على الصلاة والخراج ، فقدم لإحدى

عشرة خلت من المحرّم سنة خمس وستين ، وابتنى دارا عظيمة

__________________

(١) ولي مصر سنة ١٦١ ه‍ لمحمد المهدي ولم يستمر سوى عدة أشهر وعزل سنة ١٦٢ ه‍. الأعلام ج ٥ / ١٠٧.

١٠٧

بالموقف من العسكر ، وخرج دحية بن المعصب بن الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان بالصعيد ، ونابذ ، ودعا إلى نفسه بالخلافة ، فتراخى عنه إبراهيم ، ولم يحفل بأمره حتى ملك عامّة الصعيد ، فسخط المهديّ لذلك ، وعزله عزلا قبيحا لسبع خلون من ذي الحجة سنة سبع وستين ، فوليها ثلاث سنين.

ثم ولي : موسى بن مصعب بن الربيع من أهل الموصل على الصلاة والخراج من قبل المهديّ ، فقدم لسبع خلون من ذي الحجة المذكور ، فردّ إبراهيم ، وأخذ منه وممن عمل له ثلثمائة ألف دينار ، ثم سيره إلى بغداد ، وشدّد موسى في استخراج الخراج ، وزاد على كل فدّان ضعف ما يقبل به ، وارتشى في الأحكام ، وجعل خرجا على أهل الأسواق ، وعلى الدواب ، فكرهه الجند ونابذوه ، وثارت قيس واليمانية ، وكاتبوا أهل الفسطاط ، فاتفقوا عليه وبعث بجيش إلى قتال دحية بالصعيد ، وخرج في جند مصر كلهم لقتال أهل الحوف.

فلما التقوا انهزم عنه أهل مصر بأجمعهم ، وأسلموه فقتل من غير أن يتكلم أحد من أهل مصر لتسع خلون من شوّال سنة ثمان وستين ومائة ، فكانت ولايته عشرة أشهر ، وكان ظالما غاشما سمعه الليث بن سعد يقرأ في خطبته : : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها) ، فقال الليث : اللهم لا تمقتنا.

ثم ولي : عسامة بن عمرو (١) باستخلاف موسى بن مصعب ، وبعث إلى دحية جيشا مع أخيه بكار بن عمرو ، فحارب يوسف بن نصير ، وهو على جيش دحية ، فتطاعنا ووضع يوسف الرمح في خاصرة بكار ، ووضع بكار الرمح في خاصرة يوسف فقتلا معا ، ورجع الجيشان منهزمين ، وذلك في ذي الحجة ، وصرف عسامة لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة بكتاب ورد عليه من الفضل بن صالح بأنه ولي مصر ، وقد استخلفه ، فخلعه إلى سلخ المحرّم سنة تسع وستين ومائة.

ثم قدم الفضل بن صالح بن عليّ بن عبد الله بن عباس سلخ المحرّم المذكور في جيوش الشام ، ومات المهديّ في المحرّم هذا ، وبويع موسى الهادي ، فأقرّ الفضل ، وقدم مصر يضطرب من أهل الخوف ومن خروج دحية ، فإنّ الناس كانوا قد كاتبوه ودعوه ، فسير العساكر حتى هزم دحية ، وأسر وسيق إلى الفسطاط فضربت عنقه ، وصلب في جمادى الآخرة سنة تسع وستين ، فكان الفضل يقول : أنا أولى الناس بولاية مصر ، لقيامي في أمر دحية ، وقد عجز عنه غيري فعزل ، وندم على قتل دحية ، والفضل هو الذي بنى الجامع بالعسكر في سنة تسع وستين ، فكانوا يجمعون فيه.

__________________

(١) ولي مصر من قبل المهدي وكان من ذوي الرأي والشجاعة توفي بمصر سنة ١٧٦ ه‍. الأعلام ج ٤ / ٢٣٣.

١٠٨

ثم ولي : عليّ بن سليمان بن عليّ بن عبد الله بن عباس من قبل الهادي على الصلاة والخراج ، فدخل في سنة تسع وستين ومائة ، ومات الهادي للنصف من ربيع الأوّل سنة سبعين ومائة ، وبويع هارون بن محمد الرشيد ، فأقرّ عليّ بن سليمان ، وأظهر في ولايته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومنع الملاهي والخمور ، وهدم الكنائس المحدثة بمصر ، وبذل له في تركها خمسون ألف دينار ، فامتنع وكان كثير الصدقة في الليل ، وأظهر أنه تصلح له الخلافة ، وطمع فيها ، فسخط عليه هارون الرشيد ، وعزله لأربع بقين من ربيع الأوّل سنة إحدى وسبعين ومائة.

ثم ولي : موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن عليّ بن عبد الله بن عباس من قبل الرشيد على الصلاة ، فأذن للنصارى في بنيان الكنائس التي هدمها عليّ بن سليمان ، فبنيت بمشورة الليث بن سعد ، وعبد الله بن لهيعة ، ثم صرف لأربع عشرة خلت من رمضان سنة اثنتين وسبعين ومائة ، فكانت ولايته سنة وخمسة أشهر ونصفا.

ثم ولي : مسلمة بن يحيى بن قرّة بن عبيد الله البجليّ من أهل جرجان من قبل الرشيد على الصلاة ، ثم صرف في شعبان سنة ثلاث وسبعين ، فوليها أحد عشر شهرا.

ثم ولي : محمد بن زهير الأزدي على الصلاة والخراج لخمس خلون من شعبان ، فبادر الجند لعمر بن غيلان صاحب الخراج ، فلم يدفع عنه ، فصرف بعد خمسة أشهر في سلخ ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين ومائة.

فولي : داود بن يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة ، وقدم هو وإبراهيم بن صالح بن عليّ ، فولى داود الصلاة ، وبعث بإبراهيم لإخراج الجند الذين ثاروا من مصر ، فدخل لأربع عشرة خلت من المحرّم سنة أربع وسبعين ومائة ، فأخرجت الجند العديدة إلى المشرق والمغرب في عالم كثير ، فساروا في البحر فأسرتهم الروم ، وصرف لست خلون من المحرّم سنة خمس وسبعين ، فكانت ولايته سنة ونصف شهر.

ثم ولي : موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن عليّ بن عبد الله بن عباس على الصلاة والخراج من قبل الرشيد ، فدخل لسبع خلون من صفر سنة خمس وسبعين ، وصرف لليلتين بقيتا من صفر سنة ست وسبعين ومائة ، فولي سنة واحدة.

ثم ولي : إبراهيم بن صالح بن عليّ بن عبد الله بن عباس ثانيا من قبل الرشيد ، فكتب إلى عسامة بن عمرو ، فاستخلفه ، ثم قدم نصر بن كلثوم خليفته على الخراج مستهلّ ربيع الأوّل ، وتوفي عسامة لسبع بقين من ربيع الآخر ، فقدم روح بن روح بن زنباع خليفة لإبراهيم على الصلاة والخراج ، ثم قدم إبراهيم للنصف من جمادى الأولى ، وتوفي وهو وال لثلاث خلون من شعبان ، فكان مقامه بمصر شهرين وثمانية عشر يوما ، وقام بالأمر بعده ابنه

١٠٩

صالح بن إبراهيم ، مع صاحب شرطته خالد بن يزيد.

ثم ولي : عبد الله بن المسيب بن زهير بن عمرو الضبيّ من قبل الرشيد على الصلاة لإحدى عشرة بقيت من رمضان سنة ست وسبعين ومائة ، وصرف في رجب سنة سبع وسبعين ومائة.

فولي : إسحاق بن سليمان بن عليّ بن عبد الله بن عباس من قبل الرشيد على الصلاة والخراج مستهلّ رجب ، فكشف أمر الخراج ، وزاد على المزارعين زيادة أجحفت بهم ، فخرج عليه أهل الحوف ، فحاربهم ، فقتل كثير من أصحابه ، فكتب إلى الرشيد بذلك ، فعقد لهرثمة بن أعين في جيش عظيم ، وبعث به فنزل الحوف ، فتلقاه أهله بالطاعة ، وأذعنوا فقبل منهم ، واستخرج الخراج كله ، فكان صرف إسحاق في رجب سنة ثمان وسبعين ومائة.

فولي : هرثمة بن أعين من قبل الرشيد على الصلاة والخراج لليلتين خلتا من شعبان ثم سار إلى إفريقية لثنتي عشر خلت من شوّال ، فأقام بمصر شهرين ونصفا.

ثم ولي : عبد الملك بن صالح بن عليّ بن عبد الله بن عباس من قبل الرشيد على الصلاة والخراج ، فلم يدخل مصر ، واستخلف عبد الله بن المسيب بن زهير الضبيّ ، وصرف في سلخ سنة ثمان وسبعين ومائة.

فولي : عبيد الله بن المهديّ محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عباس من قبل الرشيد على الصلاة والخراج في يوم الاثنين لثنتي عشرة خلت من المحرّم سنة تسع وسبعين ومائة ، فاستخلف ابن المسيب ، ثم قدم لإحدى عشرة خلت من ربيع الأول ، وصرف في شهر رمضان ، فولي تسعة أشهر وخرج من مصر لليلتين خلتا من شوّال. فأعاد الرشيد موسى بن عيسى وولاه مرّة ثالثة على الصلاة ، فقدم ابنه يحيى بن موسى خليفة له لثلاث خلون من رمضان ، ثم قدم آخر ذي القعدة ، وصرف في جمادى الآخرة سنة ثمانين ومائة.

فولى الرشيد عبيد الله بن المهديّ ثانيا على الصلاة ، فقدم داود بن حباش خليفة له لسبع خلون من جمادى الآخرة ، ثم قدم لأربع خلون من شعبان ، وصرف لثلاث خلون من رمضان سنة إحدى وثمانين ومائة.

فولي : إسماعيل بن صالح بن عليّ بن عبد الله بن عباس على الصلاة لسبع خلون من رمضان ، فاستخلف عون بن وهب الخزاعيّ ، ثم قدم لخمس بقين منه. قال ابن عفير : ما رأيت على هذه الأعواد أخطب من إسماعيل بن صالح ، ثم صرف في جمادى الآخرة سنة اثنتين وثمانين ومائة.

فولي : إسماعيل بن عيسى بن موسى بن محمد بن عليّ بن عبد الله بن عباس من قبل الرشيد على الصلاة ، فقدم لأربع عشرة بقيت من جمادى الآخرة ، وصرف في رمضان.

١١٠

فولي : الليث بن الفضل (١) البيورديّ من أهل بيورد على الصلاة والخراج ، وقدم لخمس خلون من شوّال ، ثم خرج إلى الرشيد لسبع بقين من رمضان سنة ثلاث وثمانين ومائة بالمال والهدايا ، واستخلف أخاه الفضل بن عليّ ، ثم عاد في آخر السنة ، وخرج ثانيا بالمال لتسع بقين من رمضان سنة خمس وثمانين ، واستخلف هاشم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج ، وقدم لأربع عشرة خلت من المحرّم سنة ست وثمانين ، فكان كلما غلق خراج سنة ، وفرغ من حسابها خرج بالمال إلى أمير المؤمنين هارون الرشيد ، ومعه الحساب ، ثم خرج عليه أهل الحوف ، وساروا إلى الفسطاط ، فخرج إليهم في أربعة آلاف ليومين بقيا من شعبان سنة ست وثمانين ومائة ، واستخلف عبد الرحمن بن موسى بن عليّ بن رباح على الجند والخراج ، فواقع أهل الحوف ، وانهزم عنه الجند ، فبقي في نحو المائتين فحمل بهم ، وهزم القوم من أرض الجبّ إلى غيفة (٢) ، وبعث إلى الفسطاط بثمانين رأسا ، وقدم فرجع أهل الحوف ، ومنعوا الخراج ، فخرج ليث إلى الرشيد ، وسأله أن يبعث معه بالجيوش ، فإنه لا يقدر على استخراج الخراج من أهل الأحواف إلّا بجيش ، فرفع محفوظ بن سليمان أنه يضمن خراج مصر عن آخره بغير سوط ولا عصا ، فولاه الرشيد الخراج ، وصرف ليثا عن الصلاة والخراج ، وبعث أحمد بن إسحاق على الصلاة ، مع محفوظ ، وكانت ولاية ليث أربع سنين ، وسبعة أشهر.

فولي : أحمد بن إسماعيل بن عليّ بن عبد الله بن عباس من قبل الرشيد على الصلاة والخراج ، وقدم لخمس بقين من جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين ، ثم صرف لثمان عشرة خلت من شعبان سنة تسع وثمانين ، فولى سنتين وشهرا ونصفا.

ثم ولي : عبيد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عليّ بن عبد الله بن عباس على الصلاة ، واستخلف لهيعة بن عيسى بن لهيعة الحضرميّ ، ثم قدم للنصف من شوّال ، وصرف لإحدى عشرة بقيت من شعبان سنة تسعين ومائة ، وخرج واستخلف هاشم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية بن خديج.

وولي : الحسين بن جميل (٣) من قبل الرشيد على الصلاة ، وقدم لعشر خلون من رمضان ، ثم جمع له الخراج مع الصلاة في رجب سنة إحدى وتسعين ، وخرج أهل الحوف ، وامتنعوا من أداء الخراج ، وخرج أبو النداء بأيلة في نحو ألف رجل ، فقطع الطريق

__________________

(١) أصله من أبيورد بخراسان ولي إمرة مصر للرشيد سنة ١٨٣ ه‍. كان شجاعا شديد البطش توفي بعد سنة ١٨٧ ه‍. الأعلام ج ٥ / ٢٤٨.

(٢) غيفة : ضيعة تقارب بلبيس ينزل فيها الحجاج إذا خرجوا من مصر. معجم البلدان ج ٤ / ٢٢١.

(٣) مولى أبي جعفر المنصور ممن ولي مصر أرسله الرشيد واليا عليها سنة ١٩٠ ه‍ وصرف سنة ١٩٢ ه‍ ، وكانت له عناية بالإصلاح. الأعلام ج ٢ / ٢٣٤.

١١١

بأيلة (١) ، وشعيب ، ومدين (٢) ، وأغار على بعض قرى الشام ، وضوى إليه من جذام جماعة ، فبلغ من النهب والقتل مبلغا عظيما ، فبعث الرشيد من بغداد جيشا لذلك ، وبعث الحسين بن جميل من مصر : عبد العزيز بن الوزير بن صابي الجرويّ في عسكر ، فالتقى العسكران بأيلة ، فظفر عبد العزيز بأبي النداء ، وسار جيش الرشيد إلى بلبيس في شوّال سنة إحدى وتسعين ومائة ، فأذعن أهل الحوف بالخراج ، وصرف ابن جميل لثنتي عشرة خلت من ربيع الآخر سنة اثنتين ، وتسعين ومائة.

فولي : مالك بن دلهم (٣) بن عمير الكلبيّ على الصلاة والخراج ، وقدم لسبع بقين من ربيع الآخر ، وفرغ يحيى بن معاذ أمير جيش الرشيد من أمر الحوف ، وقدم الفسطاط لعشر بقين من جمادى الآخرة ، فكتب إلى أهل الأحواف أن اقدموا حتى أوصي بك مالك بن دلهم ، فدخل الرؤساء من اليمانية والقيسية ، فأخذت عليهم الأبواب ، وقيدوا ، وسار بهم للنصف من رجب ، وصرف مالك لأربع خلت من صفر سنة ثلاث وتسعين ومائة.

فولي الحسن بن التختاح بن التختكان على الصلاة والخراج ، فاستخلف العلاء بن عاصم الخولانيّ ، وقدم لثلاث خلون من ربيع الأوّل ، ثم مات الرشيد ، واستخلف ابنه محمد الأمين ، فثار الجند بمصر ، ووقعت فتنة عظيمة قتل فيها عدّة ، وسير الحسن مال مصر ، فوثب أهل الرملة ، وأخذوه ، وبلغ الحسن عزله ، فسار من طريق الحجاز لفساد طريق الشام لثمان بقين من ربيع الأوّل سنة أربع وتسعين ومائة ، واستخلف عوف بن وهب على الصلاة ، ومحمد بن زياد بن طبق القيسيّ على الخراج.

فولي حاتم بن هرثمة بن أعين من قبل الأمين على الصلاة والخراج ، وقدم في ألف من الأبناء ، فنزل بلبيس ، فصالحه أهل الأحواف على خراجهم ، وثار عليه أهل تنو وتمي (٤) ، وعسكروا ، فبعث إليهم جيشا ، فانهزموا ، ودخل حاتم إلى الفسطاط ، ومعه نحو مائة من الرهائن لأربع خلون من شوّال ، وصرف في جمادى الآخرة سنة خمس وتسعين ومائة.

فولي جابر بن الأشعث بن يحيى الطائيّ من قبل الأمين على الصلاة والخراج لخمس بقين من جمادى الآخرة ، وكان لينا ، فلما حدثت فتنة الأمين والمأمون ، قام السريّ بن الحكم غضبا للمأمون ، ودعا الناس إلى خلع الأمين ، فأجابوه وبايعوا المأمون

__________________

(١) سبقت ترجمتها.

(٢) سبقت ترجمتها.

(٣) هو مالك بن دلهم بن عيسى الكلبي ولّاه الرشيد على مصر سنة ١٩٢ ه‍ وتوفي حوالي ٢٠٠ ه‍ الأعلام ج ٥ / ٢٦٠.

(٤) تنو وتميّ : كور بمدن مصر يقال لها كورة : تتا وتمي وهما كورة واحدة. معجم البلدان ج ٢ / ٤٦.

١١٢

لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ست وتسعين ، وأخرجوا جابر بن الأشعث ، وكانت ولايته سنة.

فولي عباد بن محمد بن حيان أبو نصر من قبل المأمون على الصلاة والخراج ، لثمان خلون من رجب بكتاب هرثمة بن أعين ، وكان وكيله على ضياعه بمصر في الثامن من رجب سنة ست وتسعين ، فبلغ الأمين ما كان بمصر ، فكتب إلى ربيعة بن قيس بن الزبير الجرشي رئيس قيس الحوف بولاية مصر ، وكتب إلى جماعة بمعاونته ، فقاموا ببيعة الأمين ، وخلعوا المأمون ، وساروا لمحاربة أهل الفسطاط ، فخندق عباد ، وكانت حروب ، فقتل الأمين ، وصرف عباد في صفر سنة ثمان وتسعين ومائة ، فكانت ولايته سنة وسبعة أشهر.

فولي المطلب بن عبد الله بن مالك الخزاعيّ من قبل المأمون على الصلاة والخراج ، فدخل من مكة للنصف من ربيع الأوّل ، فكانت في أيامه حروب ، وصرف في شوّال بعد سبعة أشهر.

فولي العباس بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن عليّ بن عبد الله بن عباس من قبل المأمون على الصلاة والخراج ، فقدم ابنه عبد الله ، ومعه الحسين بن عبيد بن لوط الأنصاريّ في آخر شوّال ، فسجنا المطلب ، فثار الجند مرارا ، فمنعهم الأنصاريّ أعطياتهم وتهدّدهم ، وتحامل على الرعية وعسفها ، وتهدّد الجميع ، فثاروا ، وأخرجوا المطلب من الحبس ، وأقاموه لأربع عشرة خلت من المحرّم سنة تسع وتسعين ومائة ، وأقبل العباس ، فنزل بلبيس ، ودعا قيسا إلى نصرته ، ومضى إلى الجرويّ بتنيس ، ثم عاد فمات في بلبيس لثلاث عشرة بقيت من جمادى الآخرة ، ويقال : إن المطلب دسّ إليه سما في طعامه فمات منه ، وكانت حروب وفتن ، فكانت ولاية المطلب هذه سنة وثمانية أشهر.

ثم ولي السري بن الحكم بن يوسف من قوم الزط ومن أهل بلخ بإجماع الجند عليه عند قيامه على المطلب في مستهلّ رمضان سنة مائتين.

ثم ولي سليمان بن غالب بن جبريل البجليّ على الصلاة والخراج بمبايعة الجند له لأربع خلون من ربيع الأوّل سنة إحدى ومائتين ، فكانت حروب ، ثم صرف بعد خمسة أشهر.

وأعيد السري بن الحكم ثانيا من قبل المأمون على الصلاة والخراج ، فذمّت ولايته ، وأخرجه الجند من الحبس لثنتي عشرة خلت من شعبان ، وتتبع من حاربه ، وقوي أمره ومات ، وهو وال لانسلاخ جمادى الأولى سنة خمس ومائتين ، فكانت ولايته هذه ثلاث سنين وتسعة أشهر وثمانية عشر يوما.

فولي ابنه محمد بن السريّ أبو نصر أوّل جمادى الآخرة على الصلاة والخراج ، وكان

١١٣

الجروي قد غاب على أسفل الأرض فجرت بينهما حروب ، ثم مات لثمان خلون من شعبان سنة ست ومائتين ، وكانت ولايته أربعة عشر شهرا.

ثم ولي عبيد الله بن السريّ بن الحكم بمبايعة الجند لتسع خلون من شعبان على الصلاة والخراج ، فكانت بينه وبين الجرويّ حروب إلى أن قدم عبد الله بن طاهر ، وأطعن له عبيد الله في آخر صفر سنة إحدى عشرة ومائتين.

فولي عبد الله بن طاهر (١) بن الحسين بن مصعب من قبل المأمون على الصلاة والخراج ، فدخل يوم الثلاثاء لليلتين خلتا من ربيع الأوّل سنة إحدى عشرة ومائتين ، وأقام في معسكره حتى خرج عبد الله بن السريّ إلى بغداد للنصف من جمادى الأولى ، ثم سار إلى الإسكندرية مستهلّ صفر سنة اثنتي عشرة ، واستخلف عيسى بن يزيد الجلوديّ ، فحصرها بضع عشرة ليلة ، ورجع في جمادى الآخرة ، وأمر بالزيادة في الجامع العتيق ، فزيد فيه مثله ، وركب النيل متوجها إلى العراق لخمس بقين من رجب ، وكان مقامه بمصر واليا سبعة عشر شهرا ، وعشرة أيام.

ثم ولي عيسى بن يزيد الجلوديّ باستخلاف ابن طاهر على صلاتها إلى سابع عشر ذي القعدة سنة ثلاث عشرة ، فصرف ابن طاهر ، وولي الأمير أبو إسحاق بن هارون الرشيد مصر ، فأقرّ عيسى على الصلاة فقط ، وجعل على الخراج : صالح بن شيرازاد ، فظلم الناس ، وزاد عليهم في خراجهم ، فانتفض أهل أسفل الأرض ، وعسكروا ، فبعث عيسى بابنه محمد في جيش ، فحاربوه فانهزم ، وقتل أصحابه في صفر سنة أربع عشرة.

فولي عمير بن الوليد التميميّ باستخلاف أبي إسحاق بن الرشيد على الصلاة لسبع عشرة خلت من صفر ، وخرج ومعه عيسى الجلوديّ لقتال أهل الحوف في ربيع الآخر ، واستخلف ابنه محمد بن عمير فاقتتلوا ، وكانت بينهم معارك قتل فيها عمير لست عشرة خلت من ربيع الآخر ، فكانت مدّة إمرته ستين يوما.

فولي عيسى الجلوديّ ثانيا لأبي إسحاق على الصلاة ، فحارب أهل الحوف بمنية مطر ، ثم انهزم في رجب ، وأقبل أبو إسحاق إلى مصر في أربعة آلاف من أتراكه ، فقاتل أهل الحوف في شعبان ، ودخل إلى مدينة الفسطاط لثمان بقين منه ، وقتل أكابر الحوف ، ثم خرج إلى الشام غرّة المحرّم سنة خمس عشرة ومائتين في أتراكه ، ومعه جمع من الأسارى في ضر وجهد شديد.

__________________

(١) من أشهر الولاة في العصر العباسي أصله من خراسان ولي الشام ونقل إلى مصر سنة ٢١١ ه‍ ثم إلى الدينور وخراسان وكان المأمون يعتمد عليه. ولد سنة ١٨٢ ه‍ وتوفي سنة ٢٣٠ ه‍ ؛. الأعلام ج ٤ / ٩٣.

١١٤

وولي على مصر عبدويه بن جبلة (١) من الأبناء على الصلاة ، فخرج ناس بالحوف في شعبان ، فبعث إليهم وحاربهم حتى ظفر بهم ، ثم قدم الأفشين حيدر بن كاوس الصفديّ إلى مصر لثلاث خلون من ذي الحجة ، ومعه عليّ بن عبد العزيز الجرويّ لأخذ ماله ، فلم يدفع إليه شيئا ، فقتله ، وصرف عبدويه ، وخرج إلى برقة.

وولي عيسى بن منصور بن موسى بن عيسى الرافعيّ ، فولى من قبل أبي إسحاق أوّل سنة ست عشرة على الصلاة ، فانتقضت أسفل الأرض عربها ، وقبطها في جمادى الأولى ، وأخرجوا العمال لسوء سيرتهم ، وخلعوا الطاعة ، فقدم الأفشين من برقة للنصف من جمادى الآخرة ، ثم خرج هو وعيسى في شوّال ، فأوقعا بالقوم ، وأسرا منهم وقتلا ، ومضى الأفشين ورجع عيسى ، فسار الأفشين إلى الحوف ، وقتل جماعتهم ، وكانت حروب إلى أن قدم أمير المؤمنين عبد الله المأمون لعشر خلون من المحرّم سنة سبع عشرة ومائتين ، فسخط على عيسى وحلّ لواءه ، فأخذه بلباس البياض ، ونسب الحدث إليه ، وإلى عماله وسير الجيوش وأوقع بأهل الفساد وسبى القبط ، وقتل مقاتلتهم ، ثم رحل لثمان عشرة خلت من صفر بعد تسعة وأربعين يوما.

وولي كيدر (٢) وهو نصر بن عبد الله أبو مالك الصفديّ ، فورد كتاب المأمون عليه بأخذ الناس بالمحنة في جمادى الآخرة سنة ثمان عشرة ، والقاضي بمصر يومئذ هارون بن عبد الله الزهريّ ، فأجاب ، وأجاب الشهود ، ومن وقف منهم سقطت شهادته ، وأخذ بها القضاة والمحدّثون والمؤذنون ، فكانوا على ذلك من سنة ثمان عشرة إلى سنة اثنتين وثلاثين ، ومات المأمون في رجب سنة ثمان عشرة ، وبويع أبو إسحاق المعتصم ، فورد كتابه على كيدر ببيعته ، ويأمره بإسقاط من في الديوان من العرب ، وقطع العطاء عنهم ، ففعل ذلك ، فخرج يحيى بن الوزير الجرويّ في جمع من لخم وجذام ، ومات كيدر في ربيع الآخر سنة تسع عشرة ومائتين.

فولى ابنه المظفر بن كيدر باستخلاف أبيه وخرج إلى يحيى بن وزير ، وقاتله وأسره في جمادى الآخرة ، ثم صرفت مصر إلى أبي جعفر أشناس فدعي له بها ، وصرف مظفر في شعبان.

فولي موسى بن أبي العباس ثابت من قبل أشناس على الصلاة مستهلّ شهر رمضان

__________________

(١) من قواد بني العباس ولي إمارة مصر سنة ٢١٥ ه‍ نيابة عن المعتصم حين كان واليا لعهد المأمون. أصله من الأبناء. الأعلام ج ٤ / ١٨٦.

(٢) أصل أبيه من الصفد من كبار القواد والولاة في العصر العباسي ولي أسرة مصر سنة ٢٢٤ ه‍ وصرف عنها توفي بالإسكندرية سنة ٢٣٣ ه‍. الأعلام ج ٥ / ٢٦٦.

١١٥

سنة تسع عشرة ، وصرف في ربيع الآخرة سنة أربع وعشرين ومائتين ، فكانت ولايته أربع سنين ، وسبعة أشهر.

فولى مالك بن كيدر بن عبد الله الصفديّ من قبل أشناس على الصلاة وقدم لسبع بقين من ربيع الآخر ، وصرف لثلاث خلون من ربيع الآخر سنة ست وعشرين ، فولى سنتين وأحد عشر يوما ، وتوفي لعشر خلون من شعبان سنة ثلاث وثلاثين ومائتين.

فولي عليّ بن يحيى (١) الأرمنيّ من قبل أشناس على صلاتها ، وقدم لسبع خلون من ربيع الآخر سنة ست وعشرين ومائتين ، ومات المعتصم في ربيع الأوّل سنة سبع وعشرين ، وبويع : الواثق بالله ، فأقرّه إلى سابع ذي الحجة سنة ثمان وعشرين ومائتين ، فكانت ولايته سنتين وثلاثة أشهر.

ثم ولي عيسى بن منصور الثانية من قبل أشناس على صلاتها ، فدخل لسبع خلون من المحرّم سنة تسع وعشرين ومائتين ، ومات أشناس سنة ثلاثين ، وجعل مكانه إيتاخ ، فأقرّ عيسى ، ومات الواثق ، وبويع المتوكل ، فصرف عيسى للنصف من ربيع الأوّل سنة ثلاث وثلاثين ومائتين ، وقدم عليّ بن مهرويه خليفة هرثمة بن النضر ، ثم مات عيسى في قبة الهواء بعد عزله لإحدى عشرة خلت من ربيع الآخر.

فولي هرثمة بن نضر الجبليّ من أهل الجبل لإيتاخ على الصلاة ، وقدم لست خلون من رجب سنة ثلاث وثلاثين ومائتين ، فورد كتاب المتوكل يترك الجدال في القرآن لخمس خلون من جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين ومائتين ، ومات هرثمة ، وهو وال لسبع بقين من رجب سنة أربع ، واستخلف ابنه حاتم بن هرثمة.

فولي حاتم بن هرثمة بن النضر باستخلاف أبيه له على الصلاة ، وصرف لست خلون من رمضان.

فولي عليّ بن يحيى بن الأرمنيّ الثانية من قبل إيتاخ على الصلاة لست خلون من رمضان ، وصرف إيتاخ في المحرّم سنة خمس وثلاثين ، واستصفيت أمواله بمصر ، وترك الدعاء له ، ودعي للمنتصر مكانه ، وصرف عليّ في ذي الحجة منها.

فولي إسحاق بن يحيى (٢) بن معاذ بن مسلم الجبليّ من قبل المنتصر وليّ عهد أبيه المتوكل على الله على الصلاة والخراج ، فقدم لإحدى عشرة خلت من ذي الحجة ، فورد

__________________

(١) قائد من الأمراء في العصر العباسي أصله أرمني وكان شديد الوطأة على الروم له فيهم غزوات قتل سنة ٢٤٩ ه‍ في إحدى وقائعه بالثغور الجزرية. الأعلام ج ٥ / ٣١.

(٢) وال من كبار القادة في أيام المأمون والمعتصم والواثق ولاه المتوكل إمرة مصر أواخر سنة ٢٣٥ ه‍ توفي سنة ٢٣٧ ه‍. الأعلام ج ١ / ٢٩٧.

١١٦

كتاب المتوكل والمنتصر بإخراج الطالبيين من مصر إلى العراق ، فأخرجوا ، ومات إسحاق بعد عزله أوّل ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين ومائتين.

فولي خوط عبد الواحد بن يحيى بن منصور بن طلحة بن زريق من قبل المنتصر على الصلاة والخراج ، فقدم لتسع بقين من ذي القعدة سنة ست وثلاثين ومائتين ، وصرف عن الخراج لتسع خلون من صفر سنة سبع وثلاثين ، وأقرّ على الصلاة ، ثم صرف سلخ صفر سنة ثمان وثلاثين بخليفته عنبسة على الصلاة والشركة في الخراج مستهل ربيع الأوّل.

فولي عنبسة بن إسحاق (١) بن شمر عبس أبو جابر من قبل المنتصر على الصلاة ، وشريكا لأحمد بن خالد الضريقسيّ صاحب الخراج ، فقدم لخمس خلون من ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين ومائتين وأخذ العمال بردّ المظالم ، وأقامهم للناس ، وأنصف منهم ، وأظهر من العدل ما لم يسمع بمثله في زمانه ، وكان يروح ماشيا إلى المسجد الجامع من العسكر ، وكان ينادي في شهر رمضان السحور ، وكان يرمى بمذهب الخوارج ، وفي ولايته نزل الروم دمياط ، وملكوها وما فيها ، وقتلوا بها جمعا كثيرا من الناس وسبوا النساء والأطفال ، فنفر إليهم يوم النحر من سنة ثمان وثلاثين في جيشه ، وكثير من الناس ، فلم يدركهم ، وأضيف له الخراج مع الصلاة ، ثم صرف عن الخراج أوّل جمادى الآخرة سنة إحدى وأربعين ، وأفرد بالصلاة ، وورد الكتاب بالدعاء للفتح بن خاقان (٢) في ربيع الأوّل سنة اثنتين وأربعين ، فدعا له ، وعنبسة هذا آخر من ولي مصر من العرب ، وآخر أمير صلى بالناس في المسجد الجامع ، وصرف أوّل رجب منها ، فقدم العباس بن عبد الله بن دينار خليفة يزيد بن عبد الله بولاية يزيد ، وكانت ولاية عنبسة أربع سنين ، وأربعة أشهر ، وخرج إلى العراق في رمضان سنة أربع وأربعين.

فولي يزيد بن عبد الله بن دينار أبو خالد من الموالي ، ولاه : المنتصر على الصلاة ، فقدم لعشر بقين من رجب سنة اثنتين وأربعين ، فأخرج المؤنثين من مصر ، وضربهم وطاف بهم ، ومنع من النداء على الجنائز ، وضرب فيه ، وخرج إلى دمياط مرابطا في المحرّم سنة خمس وأربعين ورجع في ربيع الأوّل ، فبلغه نزول الروم الفرما ، فرجع إليها ، فلم يلقهم ، وعطل الرهان وباع الخيل التي تتخذ للسلطان ، فلم تجر إلى سنة تسع وأربعين ، وتتبّع الروافض ، وحملهم إلى العراق ، وبنى مقياس النيل في سنة سبع وأربعين ، وجرت على

__________________

(١) من قواد بني العباس من أهل البصرة ولاه المأمون الرقة ثم ولاه المنتصر مصر سنة ٢٣٨ ه‍ وحمدت سيرته وهو آخر عربي ولي مصر. الأعلام ج ٥ / ٩١.

(٢) أديب شاعر فصيح كان في نهاية الفطنة والذكاء فارسي الأصل من أبناء الملوك اتخذه المتوكل أخا له واستوزره وجمع له إمارة الشام. وله عدة مؤلفات. منها : (اختلاف الملوك) وقتل مع المتوكل سنة ٢٤٧ ه‍. الأعلام ج ٥ / ١٣٣.

١١٧

العلويين في ولايته شدائد ، ومات المتوكل في شوّال ، وبويع ابنه محمد المنتصر ، ومات الفتح بن خاقان ، فأقرّ المنتصر يزيد على مصر ، ثم مات المنتصر في ربيع الأوّل سنة ثمان وأربعين ، وبويع المستعين ، فورد كتابه بالاستسقاء لقحط كان بالعراق ، فاستسقوا السبع عشرة خلت من ذي القعدة ، واستسقى أهل الآفاق في يوم واحد ، وخلع المستعين في المحرّم سنة اثنتين وخمسين ، وبويع المعتز ، فخرج جابر بن الوليد بأرض الإسكندرية ، وكانت هناك حروب ابتدأت من ربيع الآخر ، فقدم مزاحم بن خاقان من العراق معينا ليزيد في جيش كثيف لثلاث عشرة بقيت من رجب ، فواقعهم حتى ظفر بهم ، ثم صرف يزيد ، وكانت مدّته عشر سنين ، وسبعة أشهر وعشرة أيام.

فولي مزاحم بن خاقان بن عرطوج أبو الفوارس التركيّ لثلاث خلون من ربيع الأوّل سنة ثلاث ، وخمسين ومائتين على الصلاة من قبل المعتز ، وخرج إلى الحوف ، فأوقع بأهله وعاد ، ثم خرج إلى الجيزة ، فسار إلى تروجة ، فأوقع بأهلها ، وأسر عدّة من أهل البلاد ، وقتل كثيرا ، وسار إلى الفيوم ، فطاش سيفه ، وكثر إيقاعه بسكان النواحي وعاد.

وولي الشرطة أرجوز ، فمنع النساء من الحمامات والمقابر ، وسجن المؤنثين والنوائح ، ومنع من الجهر بالبسملة في الصلاة بالجامع في رجب سنة ثلاث وخمسين ، ولم يزل أهل مصر على الجهر بها في الجامع منذ الإسلام إلى أن منع منها : أرجوز ، وأخذ أهل الجامع بتمام الصفوف ، ووكل بذلك رجلا من العجم يقوم بالسوط من مؤخر المسجد ، وأمر أهل الحلق بالتحوّل إلى القبلة قبل إقامة الصلاة ، ومنع من المساند التي يستند إليها ، ومن الحصر التي كانت للمجالس في الجامع ، وأمر أن تصلى التراويح في رمضان خمس تراويح ، ولم يزل أهل مصر يصلونها ستا إلى شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين ومائتين ، ومنع من التثويب ، وأمر بالأذان يوم الجمعة في مؤخر المسجد ، وأن يغلس بصلاة الصبح ، ونهى أن يشق ثوب على ميت أو يسوّد وجه ، أو يحلق شعر ، أو تصيح امرأة ، وعاقب في ذلك ، وشدّد فيه ، ثم مات مزاحم لخمس مضين من المحرّم سنة أربع وخمسين.

فاستخلف ابنه أحمد بن مزاحم ، فولي باستخلاف أبيه على الصلاة إلى أن مات لسبع خلون من ربيع الآخر ، فكانت ولايته شهرين ويوما ، فاستخلف أرجوز بن أولع طرخان التركيّ على الصلاة ، فولي خمسة أشهر ونصفا ، وخرج أوّل ذي القعدة بعد أن صرف بأحمد بن طولون (١) في شهر رمضان سنة أربع وخمسين ومائتين ، وإليه كان أمر البلد جميعه ، من أيام مزاحم ، وفي أيام ابنه أحمد أيضا ، والله تعالى أعلم.

__________________

(١) صاحب الديار المصرية والشامية والثغور تركي مستعرب كان شجاعا جوادا حسن السيرة موصوفا بالشدة على خصومه والفتك بهم. ولد سنة ٢٢٠ ه‍ وتوفي سنة ٢٧٠ ه‍. الأعلام ج ١ / ١٤٠.

١١٨

ذكر القطائع ودولة بني طولون

اعلم : أنّ القطائع قد زالت آثارها ، ولم يبق لها رسم يعرف ، وكان موضعها : من قبة الهواء التي صار مكانها قلعة الجبل إلى جامع ابن طولون ، وهذا أشبه أن يكون طول القطائع ، وأمّا عرضها : فإنه من أوّل الرميلة تحت القلعة إلى الموضع الذي يعرف اليوم بالأرض الصفراء عند مشهد الرأس الذي يقال له الآن : زين العابدين ، وكانت مساحة القطائع ميلا في ميل ، فقبة الهواء كانت في سطح الجرف الذي عليه قلعة الجبل.

وتحت قبة الهواء : قصر ابن طولون ، وموضع هذا القصر : الميدان السلطانيّ تحت القلعة والرميلة التي تحت القلعة مكان سوق الخيل والحمير والجمال. كانت بستانا ، ويجاورها الميدان في الموضع الذي يعرف اليوم : بالقبيبات ، فيصير الميدان ، فيما بين القصر والجامع الذي أنشأه أحمد بن طولون ، وبحذاء الجامع : دار الأمارة في جهته القبلية ، ولها باب من جدار الجامع يخرج منه إلى المقصورة المحيطة بمصلى الأمير إلى جوار المحراب ، وهناك أيضا دار الحرم ، والقطائع : عدّة قطع ، تسكن فيها عبيد ابن طولون ، وعساكره وغلمانه ، وكل قطيعة لطائفة ، فيقال : قطيعة السودان ، وقطيعة الروم ، وقطيعة الفرّاشين ، ونحو ذلك ، فكانت كل قطيعة لسكنى جماعة بمنزلة الحارات التي بالقاهرة ، وكان ابتداء عمارة هذه القطائع ، وسببها : أنّ أمير المؤمنين المعتصم بالله أبا إسحاق محمد بن هارون الرشيد ، لما اختص بالأتراك ، ووضع من العرب ، وأخرجهم من الديوان ، وأسقط أسماءهم ، ومنعهم العطاء ، وجعل الأتراك أنصار دولته ، وأعلام دعوته. كان من عظمت عنده منزلته قلّده الأعمال الجليلة الخارجة عن الحضرة فيستخلف على ذلك العمل الذي تقلده من يقوم بأمره ، ويحمل إليه ماله ، ويدعى له على منابره كما يدعى للخليفة ، وكانت مصر عندهم بهذه السبيل.

وقصد المعتصم ، ومن بعده من الخلفاء بذلك ، العمل مع الأتراك محاكاة ما فعله الرشيد ، بعبد الملك بن صالح ، والمأمون بطاهر بن الحسين ، ففعل المعتصم مثل ذلك بالأتراك ، فقلد أشناس ، وقلّد الواثق إيتاخ ، وقلد المتوكل نقا ووصيف ، وقلد المهتدي ماجور ، وغير من ذكرنا من أعمال الأقاليم ما قد تضمنته كتب التاريخ ، فتقلد باكباك مصر ، وطلب من يخلفه عليها ، وكان أحمد بن طولون قد مات أبوه في سنة أربعين ومائتين ، ولأحمد عشرون سنة منذ ولد من جارية كانت تدعى قاسم ، وكان مولده في سنة عشرين ومائتين ، وولدت أيضا أخاه موسى وحبسية وسمانة ، وكان طولون من الطغرغر مما حمله نوح بن أسد عامل بخارى إلى المأمون فيما كان موظفا عليه من المال ، والرقيق والبراذين ، وغير ذلك في كل سنة ، وذلك في سنة مائتين ، فنشأ أحمد بن طولون نشأ جميلا غير نشء أولاد العجم ، فوصف بعلوّ الهمة ، وحسن الأدب والذهاب بنفسه عما كان يترامى إليه أهل

١١٩

طبقته ، وطلب الحديث ، وأحب الغزو ، وخرج إلى طرسوس (١) مرّات ، ولقي المحدّثين ، وسمع منهم ، وكتب العلم ، وصحب الزّهاد وأهل الورع ، فتأدّب بآدابهم ، وظهر فضله ، فاشتهر عند الأولياء ، وتميز على الأتراك ، وصار في عداد من يوثق به ، ويؤتمن على الأموال والأسرار ، فزوّجه ماجور ابنته ، وهي أم ابنه العباس ، وابنته فاطمة.

ثم إنه سأل الوزير عبيد الله بن يحيى أن يكتب له برزقه على الثغر ، فأجابه وخرج إلى طرسوس ، فأقام بها وشق على أمّه مفارقته ، فكاتبته بما أقلقه ، فلما قفل الناس إلى سرّ من رأى سار معهم إلى لقاء أمّه ، وكان في القافلة ، نحو خمسمائة رجل ، والخليفة إذ ذاك : المستعين بالله أحمد بن المعتصم ، وكان قد أنفذ خادما إلى بلاد الروم لعمل أشياء نفيسة ، فلما عاد بها ، وهي : وقر بغل إلى طرسوس ، خرج مع القافلة ، وكان من رسم الغزاة أن يسيروا متفرّقين ، فطرق الأعراب بعض سوادهم ، وجاء الصائح : فبدر أحمد بن طولون لقتالهم وتبعوه ، فوضع السيف في الأعراب ، ورمى بنفسه فيهم حتى استنفذ منهم جميع ما أخذوه ، وفرّوا منه ، وكان من جملة ما استنفذ من الأعراب البغل المحمل بمتاع الخليفة ، فعظم أحمد بما فعل عند الخادم ، وكبر في أعين القافلة ، فلما وصلوا إلى العراق ، وشاهد المستعين ما أحضره الخادم أعجب به ، وعرّفه الخادم خروج الأعراب ، وأخذهم البغل بما عليه ، وما كان من صنع أحمد بن طولون ، فأمر له بألف دينار ، وسلم عليه مع الخادم ، وأمره أن يعرّفه به إذا دخل مع المسلمين ، ففعل ذلك ، وتوالت عليه صلاة الخليفة حتى حسنت حاله ، ووهبه جارية اسمها : مياس استولدها ابنه خمارويه في النصف من المحرّم سنة خمسين ومائتين ، فلما خلع المستعين ، وبويع المعتز أخرج المستعين إلى واسط ، واختار الأتراك أحمد بن طولون أن يكون معه ، فسلم إليه ومضى به ، فأحسن عشرته ، وأطلق له التنزه والصيد ، وخشي أن يلحقه منه احتشام ، فألزمه كاتبه أحمد بن محمد الواسطيّ ، وهو إذ ذاك غلام حسن الشاهد حاضر النادرة ، فأنس به المستعين.

ثم إن فتيحة أم المعتز كتبت إلى أحمد بن طولون بقتل المستعين ، وقلدته واسط ، فامتنع من ذلك ، وكتب إلى الأتراك يخبرهم بأنه لا يقتل خليفة له في رقبته بيعة ، فزاد محله عند الأتراك بذلك ، ووجهوا سعيد الحاجب ، وكتبوا إلى ابن طولون بتسليم المستعين له ، فتسلمه منه وقتله ، وواراه ابن طولون ، وعاد إلى سرّ من رأى ، وقد تقلد باكباك مصر ، وطلب من يوجهه إليها ، فذكر له أحمد بن طولون ، فقلده خلافته ، وضم إليه جيشا ، وسار إلى مصر ، فدخلها يوم الأربعاء لسبع بقين من شهر رمضان سنة أربع وخمسين ومائتين متقلّدا للقصبة دون غيرها من الأعمال الخارجة عنها ، كالإسكندرية ونحوها ، ودخل معه

__________________

(١) طرسوس : مدينة بثغور الشام بين أنطاكية وحلب وبلاد الروم بينها وبين أذنة ستة فراسخ. معجم البلدان ج ٤ / ٢٨.

١٢٠