التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

السيّد علي الحسيني الميلاني

التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧١

« أشار على أبي بكر أن يجمعه » (١) جمعاً بينه وبين ما دلّ على أنّ « الأول » هو « أبو بكر ».

وكذا نرفض ما أخرجه البخاري عن زيد بن ثابت أنّه قال : « أرسل إليّ أبو بكر بعد مقتل أهل اليمامة ... » (٢) لوجوه منها :

أولاً : إنّ القرآن كان مجموعاً مؤلّفاً على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو بعيد وفاته بأمر منه ، وإذ قد فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك كيف يقول زيد لأبي بكر : « كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم »؟!

وثانياً : قوله : « فتتبّعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال » يناقضه ما دلّ على كونه مؤلّفاً ومدوّناً على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد رواه هو ... بل رووا أنّ جبريل عرض القرآن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في عام وفاته مرّتين ، بل ذكر ابن قتيبة أنّه كا آخر عرض قام به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للقرآن على مصحف زيد بن ثابت نفسه (٣).

وثالثاً : قوله : « حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري ، لم أجدها مع أحد غيره » ممّا اضطرب القوم في معناه ، كما اختلفوا في اسم هذا الرجل الذي وجد عنده ذلك (٤).

__________________

(١) فتح الباري ٩ : ١٠.

(٢) صحيح البخاري ٦ : ٢٢٥.

(٣) المعارف : ٢٦٠.

(٤) فتح الباري ٩ : ١٢ ، إرشاد الساري ٧ : ٤٤٨ ، المرشد الوجيز : ٤٣ ، البرهان ١ : ٢٣٦ ، مناهل العرفان ١ : ٢٦٦.

٢٦١

رفض أحاديث قبول الآية بشاهدين

وكذا نرفض ما أخرجه ابن أبي داود : « إنّ أبا بكر قال لعمر ولزيد : اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين من كتاب الله فاكتباه » (١) قال ابن حجر : « رجاله ثقات مع انقطاعه ». فإنّه بغضّ النظر عمّا في سنده تدفعه الضرورة ، فلا حاجة إلى الوجوه التي ذكرها ابن حجر التوجيهه حيث قال : « كأنّ المراد بالشاهدين الحفظ والكتابة ، أو المراد أنّهما يشهدان على أنّ ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو المراد أنّهما يشهدان على أنّ ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن ، وكان غرضهم أن لا يكتب إلاّ من عين ما كتب بين يدي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا مجرّد الحفظ » (٢) مع أنّ بعض تلك الوجوه غير قابل للتصديق به أبداً.

ولهذا الحديث ـ في الدلالة على كتابة القرآن بشهادة شاهدين ـ نظائر في كتبهم نذكر بعضها مع إسقاط أسانيده :

١ ـ « لمّا قتل أهل اليمامة أمر أبو بكر عمر بن الخطّاب وزيد بن ثابت فقال : أجلسا على باب المسجد فلا يأتينّكما أحد بشيء من القرآن تنكرانه يشهد عليه رجلان إلاّ أثبتمّاه ؛ وذلك لأنّه قتل باليمامة ناس من أصحاب رسول الله قد جمعوا القرآن » (٣).

٢ ـ « أراد عمر بن الخطّاب أن يجمع القرآن فقام في الناس

__________________

(١) المصاحف : ٥٥.

(٢) فتح الباري ٩ : ١١.

(٣) منتخب كنز العمّال ٢ : ٤٥.

٢٦٢

فقال : من كان تلقّى من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شيئاً من القرآن فليأتنا به ، وكانوا كتبوا ذلك في الصحف والألواح والعسب ، وكان لا يقبل من أحد شيئاً حتى يشهد شهيدان ، فقتل وهو يجمع ذلك إليه ، فقام عثمان فقال : من كان عنده من كتاب الله شيء فليأتنا به ، وكان لا يقبل من ذلك شيئاً حتى يشهد عليه شهيدان ، فجاء خزيمة بن ثابت فقال : إنّي قد رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما ، قالوا : وما هما؟ قال : تلقّيت من رسول الله ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم ... ) إلى آخر السورة. فقال عثمان : وأنا أشهد أنّهما من عند الله ، فأين ترى أن نجعلهما؟ قال : اختم بهما آخر ما نزل من القرآن ، فختمت بهما براءة » (١).

٣ ـ « كان عمر لا يثبت آية في المصحف حتى يشهد رجلان ، فجاء رجل من الأنصار بهاتين الآيتين : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ... ) إلى آخرها ، فقال عمر : لا أسألك عليها بيّنة أبداً ، كذلك كان رسول الله » (٢).

٤ ـ خزيمة بن ثابت : « جئت بهذا الآية : ( لقد جاءكم ... ) على عمر بن الخطّاب وإلى زيد بن ثابت ، فقال زيد : من يشهد معك؟ قلت : لا والله ما أدري. فقال عمر : أنا أشهد معه على ذلك » (٣).

٥ ـ زيد بن ثابت : « لمّا كتبنا المصاحف فقدرت آية كنت أسمعها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوجدتها عند خزيمة بن

__________________

(١) منتخب كنز العمّال ٢ : ٤٥.

(٢) منتخب كنز العمّال ٢ : ٤٥ ـ ٤٦.

(٣) منتخب كنز العمّال ٢ : ٤٦.

٢٦٣

ثابت : ( من المؤمنين رجال صدقوا ... ) وكان خزيمة يدعى ذا الشهادتين ، أجاز رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهادته بشهادة رجلين » (١).

٦ ـ « أول من جمع القرآن أبو بكر وكتبه زيد ، وكان الناس يأتون زيد بن ثابت فكان لا يكتب إلاّ بشهادة عدلين ، وإنّ آخر سورة براءة لم توجد إلاّ مع أبي خزيمة ابن ثابت ، فقال : اكتبوها فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جعل شهادته بشهادة رجلين ، فكتب. وإنّ عمر أتى بآية الرجم فلم نكتبها لأنّه كان وحده » (٢).

وممّا يزيد بطلان هذه الأحاديث وضوحاً وجود التكاذب فيما بينها ، وبيان ذلك :

إنّ الحديث الثاني صريح في أنّ الجمع كان في زمن عمر والآتي بالآيتين خزيمة بن ثابت والشاهد معه عثمان. لكن في الثالث « جاء رجل من الأنصار » وقال عمر : « لا أسألك عليها بيّنة أبداً كذلك كان رسول الله ». وفي الرابع : « فقال زيد : من يشهد معك؟ » قال خزيمة : « لا والله ما أدري ، فقال عمر : أنا أشهد معه ». وفي السادس : أنّ الجمع كان في زمن أبي بكر والكاتب زيد « فكان لا يكتب آية إلاّ بشهادة عدلين » وأنّ آخر سورة براءة لم توجد إلاّ مع خزيمة بن ثابت ، فقال : «أكتبوها فإنّ رسول الله جعل شهادته بشهادة رجلين ».

وأيضاً : وجود التكاذب بينها وبين الحديث التالي : « إنّهم جمعوا القرآن في المصاحف في خلافة أبي بكر ، وكان رجال يكتبون ويملي

__________________

(١) منتخب كنز العمّال ٢ : ٤٩ و ٥٢.

(٢) الإتقان ١ : ١٠١.

٢٦٤

عليهم اُبَيّ ، فلمّا انتهوا إلى هذه الآية من سورة براءة : ( ثم انصرفوا صرف الله ... ) فظنّوا أنّ هذا آخر ما نزل من القرآن ، فقال اُبَيّ بن كعب : أقرأني بعدها آيتين : ( لقد جاءكم رسول ... ) (١).

وهكذا ترتفع جميع الشبهات حول القرآن الكريم بعد سقوط الأحاديث التي هي المناشيء الأصليّة لها ...

حول ما صنعه عثمان

ويبقى الكلام حول ما صنعه عثمان ... فهل جمع القرآن من جديد؟ وكيف؟ وبواسطة من؟

لقد اختلفت أحاديث القوم وكلمات علمائهم في هذا المقام أيضاً ، وقد أشرنا إلى بعض ذلك فيما تقدّم ... ولمّا كان الصحيح كون القرآن مكتوباً على عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومجموعاً مدوّناً قبل عهد عثمان بزمن طويل ، بل لا دور لمن تقدّم عليه في جمعه ... فالصحيح أنّ الذي فعله عثمان على عهده لم يكن إلاّ جمع المسلمين على قراءة واحدة ، وهي القراءة المشهورة المتعارفة بينهم ، المتواترة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... ومنعهم عن القراءات الاخرى المبنيّة على أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف.

أمّا هذا العمل فلم ينتقده عليه أحد من المسلمين ، لأنّ مصاحف الصحابة والتابعين كانت مختلفة ، حتى أنّ بعض العلماء ألّف في أختلافها كتاباً خاصاً ، (٢) وكان لكل من الصحابة أتباع في البلاد يقرؤون على

__________________

(١) مجمع الزوائد ٧ : ٣٥.

(٢) أنظر : المصاحف لابن أبي داود السجستاني.

٢٦٥

قراءته ، ومن الطبيعي أن يؤدّي الإختلاف في قراءة القرآن إلى ما لا تحمد عقباه ...

بل أعلن بعض الأصحاب تأييده لما قام به عثمان ، ورووا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : « لا تقولوا في عثمان إلاّ خيراً ، فو الله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلاّ عن ملأٍ منّا. قال : ما تقولون في هذه القراءة ، فقد بلغني أنّ بعضهم يقول : إنّ قراءتي خير من قراءتك ، وهذا يكاد يكون كفراً ، قلنا : فما ترى؟ قال : أرى أن يجمع الناس على مصحف واحد ، فلا يكون فرقة ولا اختلاف. قلنا : فنعم ما رأيت (١).

وعنه أنّه قال : « لو ولّيت لفعلت مثل الذي فعل » (٢).

وقد يؤيّده نقل السيّد ابن طاووس ذلك وسكوته عليه ، حيث جاء في الباب الثاني الذي عقده لنقل أشياء من كتب التفاسير ونقدها : « فصل فيما نذكره من كتاب عليه : جزء فيه اختلاف المصاحف تأليف أبي جعفر محمد بن منصور رواية محمد بن زيد بن مروان ، قال في السطر الخامس من الوجهة الاولة منه : إن القرآن جمعه على عهد أبي بكر زيد بن ثابت ، وخالفة في ذلك أبي وعبدالله بن مسعود وسالم ومولى أبي حذيفة ، ثم عاد عثمان جمع القرآن برأي مولانا علي بن أبي طالب ... » (٣).

وأيضاً : أنّ عدج الآي والسور الذي عليه أكثر القرّاء كما تقدم في الفصل الخامس من الباب الأول عن عدةٍ من أعلام الإمامية هو

__________________

(١) فتح الباري ٩ : ١٥.

(٢) إرشاد الساري ٧ : ٤٤٨ ، البرهان ١ : ٢٤٠ وغيرهما.

(٣) سعد السعود : ٢٧٨.

٢٦٦

العدد الكوفي كما ذكر الشيخ الطوسي (١) وقد ذكر الشيخ الطبرسي في أوّل تفسيره. « أن عدد أهل الكوفة أصح الأعداد وأعلاها إسناداً ، لأنه مأخوذ عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب » (٢).

وأيضاً : قول العلاّمة الحلّي : « يجب أن يقرأ بالمتواتر من الآيات وهو ما تضمنّه مصحف علي عليه‌السلام ، لأن أكثر الصحابة اتّفقوا عليه ، وأحرق عثمان ما عداه ، ولا يجوز أن يقرأ مصحف ابن مسعود ولا أبي ولا غيرهما » (٣).

ما كان بين عثمان وابن مسعود

نعم ، انتقد على عثمان أخذه المصاحف من أصحابها بالقوّة وإحراقه لها ، وقد رووا عن ابن مسعود الإمتناع من تسليم مصحفه .. والإنتقاد الشديد لتقديم زيد بن ثابت عليه ...

قلت : أمّا امتناعه من تسليم مصحفه فهو من الامور الثابتة التي لا تقبل الخدش ، ولا حاجة إلى ذكر أخباره ومصادر ، وأمّا اعتراضه على تقديم زيد بن ثابت ففيه روايات صحيحة عندهم ... فقد روى الحافظ ابن عبدالبرّ ، عن الأعمش ، عن شقيق ، قال : « لمّا أمر عثمان في المصاحف بما أمر قام عبدالله بن مسعود خطيباً فقال : أيأمروني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت؟! والّذي نفسي بيده لقد أخذت من فيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبعين سورة وأنّ زيد بن ثابت لذو ذؤابة يلعب به الغلمان ، والله ما نزل من القرآن شيء إلاّ وأنا أعلم في أيّ

__________________

(١) التبيان ١٠ : ٤٣٨.

(٢) مجمع البيان ١ : ١١.

(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ١١٥.

٢٦٧

شيء نزل ، وما أحد أعلم بكتاب الله منّي ، ولو أعلم أحداً تبلّغنيه الإبل أعلم بكتاب الله منّي لأتيته. ثمّ استحيى ممّا قال فقال : وما أنا بخيركم ، قال شقيق : فقعدت في الحلق فيها أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما سمعت أحداً أنكر ذلك عليه ولا ردّ ما قال » (١).

إضطراب القوم في ما رووه عن ابن مسعود في زيد

فهذا الحديث يكشف عن مدى تألّم ابن مسعود وتضجره وشدّة اعتراضه وانتقاده لتقديم زيد بن ثابت عليه ... ومثله أحاديث وآثار اخرى.

وهذا الموضع أيضاً من المواضع المشكلة ... ولذا اضطرب القوم فيه إضطراباً شديداً ، أمّا البخاري فقد أخرج الحديث محرّفاً وتصّرف فيه تستّراً على عثمان وزيد ، فرواه عمن الأعمش ، عن شقيق ، قال : « خطبنا عبد الله فقال : والله لقد أخذت من فيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بضعاً وسبعين سورة ، والله لقد علم أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّي من أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم. قال شقيق : فجلست في الحلق أسمع ما يقولون ، فما سمعت رادّاً يقول غير ذلك » (٢).

وأمّا إبن أبي داود فقد ترجم باب رضى ابن مسعود بعد ذلك بما صنع عثمان ، لكن لم يورد ما يصّرح بمطابقة ما ترجم به (٣).

__________________

(١) الإستيعاب ٣ : ٩٩٣.

(٢) صحيح البخاري بشرح ابن حجر ٩ : ٣٩.

(٣) فتح الباري ٩ : ٤٠.

٢٦٨

وقال بعضهم : ما رووا عن ابن مسعود من الطعن في زيد بن ثابت كلّه موضوع (١).

وأمّا ما كان من عثمان بالنسبة إلى ابن مسعود فمشهور في التاريخ ، فقد ضربه حتى كسر بعض أضلاعه ، ومنعه عطاءه ، ووقعت بينهما منافرة شديدة حتى عهد ابن مسعود إلى عمّار أن لا يصلّي عثمان عليه. وعاده عثمان في مرض الموت فقال له : ما تشتكي؟ فقال : ذنوبي. فقال : فما تشتهي؟ قال : رحمة ربي. قال : أدعو لك طبيباً؟ قال : الطيب أمرضني. قال : أفلا آمر لك بعطائك؟ قال : منعتنيه وأنا محتاج إليه وتعطينية وأنا مستغن عنه؟ قال : يكون لولدك. قال : رزقهم على الله تعالى. قال : إستغفر لي يا أبا عبد الرحمن. قال : أسأل الله أن يأخذ لي عنك حقّي » (٢).

كلمة في زيد بن ثابت

قلت : ما رواه الأعمش عن شقيق أخرجه مسلم والنسائي وأبو عوانة وابن أبي داود ... وسواء كان صحيحاً أو موضوعاً .. فإنّ أمر جميع ما ورد حول القرآن. مشتملاً على دور لزيد بن ثابت فيه. مريب ...

لأنّ هذا الرجل الذي كان حين قدوم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة ابن إحدى عشرة سنة (٣) قد جعلوه من مؤلّفي القرآن على

__________________

(١) مباحث في علوم القرآن ، لصبحي الصالح : ٨٢.

(٢) اُسد الغابة ٣ : ٢٥٩ ، تاريخ ابن كثير ٧ : ١٦٣ ، الخميس ٢ : ٢٦٨ ، السيرة الحلبيّة ٢ : ٧٨ ، شرح النهج ١ : ٢٣٦. نقلاً عن هامش نهج الحق : ٢٩٥.

(٣) الاستيعاب ٢ : ٥٣٦.

٢٦٩

عهد الرسول ... وأنّه على قراءة عارض جبريل القرآن مع النبي عام وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... وأنّه الذي جمع القرآن الموجود على عهد عثمان بأمره ... وأن القرآن الموجود على حرف زيد ...!!

فإن صحّ هذا كلّه فهي « شنشنة أعرفها من أخزم ».

ولكنّ محمد بن كعب القرظي لم يذكر زيداً فيمن جمع القرآن على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

وأمّا على عهد أبي بكر فقد عرفت بطلان أحاديث الجمع على عهده ، على أنّ أبا بكر لم يصفه إلاّ بـ « إنّك رجل شابّ عاقل لا نتّهمك » وما كا فيه شيء يتقدّم به على ابن عبّاس وابن مسعود واُبَيّ بن كعب وأضرابهم من حفّاظ القرآن وقرّائه والعلماء فيه ...

مضافاً إلى أنّ قوماً من أهل السنّة عارضوا بهذا الحديث حديث أنس بن مالك أنّ زيد بن ثابت أحد الّذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالوا : « فلو كان زيد قد جمع القرآن على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأملاه من صدره وما احتاج إلى ما ذكر » (٢).

وأمّا حديث معارضة القرآن على قراءته ـ كما عن ابن قتيبة ـ فقد تكذّبه رواية وكيع وجماعة معه ، عن الأعمش عن أبي ظبيان « قال : قال لي عبدالله بن عبّاس : أيّ القراءتين تقرأ؟ قلت : القراءة الأولى قراءة ابن امّ عبد ، فقال : أجل هي الآخرة ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعرض القرآن على جبرئيل في كلّ عام مرّة ، فلمّا كان العام الذي

__________________

(١) الإتقان ١ : ٢٧٢ ، منتخب كنز العمّال ٢ : ٣٧٠.

(٢) الاستيعاب ٢ : ٥٣٨.

٢٧٠

قبض فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عرضه عليه مرّتين ، فحضر ذلك عبدالله فعلم ما نسخ من ذلك وما بدّل » (١).

خلاصة البحث

ويتلخّص البحث في هذه الناحية في النقاط التالية :

١ ـ إنّ القرآن الكريم كان مكتوباً على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان حفّاظه وقرّاؤه يفوق عددهم حدّ التواتر بكثير.

٢ ـ إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام جمع القرآن الكريم على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ رتّبه ودوّنه بعد وفاته على ترتيب نزوله ، وذكر فيه الناسخ والمنسوخ وبعض التفسير والتأويل.

٣ ـ إنّ الخلفاء الثلاثة لا دور لهم في جمع القرآن ولا في كتابته ولا في حفظه ، لا على عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا في عهد حكومتهم.

٤ ـ إنّ الذي فعله عثمان هو ترتيب سور القرآن كما هو موجود الآن ، من غير زيادة فيه ولا نقصان ، وحمل الناس على قراءة هذا المصحف ونبذ القراءات الاخرى التي كان عليها تبعاً لأصحابها.

كلمة لابُدّ منها :

وهي أنّه لو أطاع المسلمون نبيّهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وامتثلوا أمره بالرجوع إلى أهل بيته من بعده والتمسك بهم والتعلم منهم ـ كما

__________________

(١) الاستيعاب ٣ : ٩٩٢.

٢٧١

في حديث الثقلين المتواتر وغيره ـ لأخذوا القرآن وعلومه من عين صافية ، ولكن هل علم الذي قال : « حسبنا كتاب الله » ثم منع عن كتابة السنّة وسعى وراء عزل أهل البيت عن قيادة الامّة ، وحرمها من العلوم المودعة عندهم عليه‌السلام بأنّ القرآن سيمزّقه على المدى البعيد على يد « الوليد » ، فلا يبقى كتاب ولا سنّة ولا عترة؟!

إنّه قد يصعب على بعض الناس القبول بترتّب كل هذه الآثار ، بل تغيّر مصيرامّة بكاملها على كلمة واحدة قالها قائلها!!

٣ ـ في أحاديث نقصان القرآن

وأمّا أخبار نقصان القرآن ... فقد ذكرنا ردّ من ردّها مطلقاً ، وتأويلات من صحّحها ، وأشرنا إلى أنّ المعروف بين المتأوّلين هو الحمل على نسخ التلاوة ... لكنّا نبحث عن هذه الآثار على التفصيل الآتي :

أمّا ما كان من هذه الآثار ضعيفاً سنداً فهو خارج عن دائرة البحث ... وقد عرفت ممّا تقدّم أنّ هذا حال قسم ممّا يدلّ على نقصان.

وأمّا التي صحّت سنداً فهي أخبار آحاد ، ولا كلام ولا ريب في عدم ثبوت القرآن بخبر الواحد.

ثمّ إنّ ما أمكن حمله منها على تفسير وبيان شأن النزول ونحو ذلك فلا داعي للردّ والتكذيب له ـ كما لم يجز الأخذ بظاهره الدالّ عل النقصان ـ فإنّ عدّة من الأصحاب كانوا قد كتبوا القرآن ، وكان بين مصاحفهم الإختلاف في ترتيب السور وقراءة الآيات وما شاكل ذلك. وإنّ بعضهم قد أصناف إلى الآيات ما سمعه من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من التفسير والتوضيح لها ، ومن هذا القبيل جلّ ما في أجزاء

٢٧٢

الآيات ، كآية ولاية النبي ، وآية المحافظة على الصلوات ، وآية المتعة ، وآية ( يا أيّها الرسول بلّغ ... ) وأمثالها ...

وإن لم يمكن ـ أو لم يتمّ ـ الحمل على بعض الوجوه كما هو الحال فيما ورد حول سور وآيات كاملة اسقطت من القرآن .. فإمّا الحمل على نسخ التلاوة وإمّا الردّ والتكذيب ...

تحقيق في النسخ

لكنّ الحمل على نسخ التلاوة دون الحكم أو هما معاً غير تامّ لوجوه :

هذا النسخ مستحيل أو ممنوع شرعاً

الأول : إنّه لا أصل للقسمين المذكورين من النسخ ... وتوضيح ذلك : أنّهم قالوا : بأنّ النسخ في القرآن على ثلاثة أضرب ، أحدها : ما نسخ لفظه وبقي حكمة. والثاني : ما نسخ لفظه وحكمة معاً. والثالث : ما نسخ حكمه دون لفظه. وقد مثّلوا للضرب الأول بآية الرجم ، ففي الصحيح عن عمر : « إنّ الله بعث محمداً بالحقّ وأنزل عليه الكتاب ، فكان ممّا أنزل عليه آية الرجم فقرأتها وعقلتها ووعيتها ». قال ابن حزم : « فأمّا قول من لا يرى الرجم أصلاً فقول مرغوب ، عنه لأنّه خلاف الثابت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد كان نزل به قرآن ، ولكنّه نسخ لفظه وبقي حكمه » (١).

__________________

(١) المحلّى ١١ : ٣٣٤.

٢٧٣

وعلى ذلك حمل أبو شامة (١) وكذا الطحاوي ، قال : « لكنّ عمر لم يقف على النسخ فقال ما قال ، ووقف على ذلك غيره من الأصحاب ، فكان من علم شيئاً أولى ممّن لم يعلمه ، وكان علم أبي بكر وعثمان وعلي بخروج آية الرجم من القرآن ونسخها من أولى من ذهاب ذلك على عمر » (٢).

قال السيوطي : « وأمثلة هذا الضرب كثيرة » ثمّ حمل عليه قول ابن عمر : « لا يقولنّ ...» وما روي عن عائشة في سورة الأحزاب ، وما روي عن أبيّ وغيره من سورة الخلع والحفد (٣).

وفي ( المحلّى ) بعد أن روى قال أبيّ في عدد آيات سورة الأحزاب : « هذا إسناد صحيح كالشمس لا مغمز فيه » قال : « ولو لم ينسخ لفظها لأقرأها اُبَيّ بن كعب زرّاً بلا شكّ ، ولكنّه أخبره بأنّها كانت تعدل سورة البقرة ولم يقل له : إنّها تعدل الآن ، فصحّ نسخ لفظها » (٤).

ومثّلوا للثاني بآية الرّضاع عن عائشة : « كان ممّا انزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرّمن ثمّ نسخن بخمس رضعات يحرّمن ، فتوفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهنّ ممّا يقرأ من القرآن ». رواه الشيخان. وقد تكلّموا في قولها : « وهنّ ممّا يقرأ » فإنّ ظاهره بقاء التلاوة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس كذلك .. وقد تقدّم بعض الكلام فيه ... قال مكّي : « هذا المثال فيه المنسوخ غير متلوّ ،

__________________

(١) المرشد الوجيز : ٤٢ : ٤٣.

(٢) مشكل الآثار ٣ : ٥ ـ ٦.

(٣) الإتقان ٢ : ٨١.

(٤) المحلّى ١١ : ٢٣٤.

٢٧٤

والناسخ أيضاً غير متلوذ ولا أعلم له نظيرا » (١).

وقال الآلوسي : « اسقط زمن الصدّيق مالم يتواتر وما نسخت تلاوته ، وكان يقرؤه من لم يبلغه النسخ وما لم يكن في العرضة الأخيرة ، ولم يأل جهداً في تحقيق ذلك ، إلاّ أنّه لم ينتشر نوره في الآفاق إلاّ زمن ذي النورين. فلهذا نسب إليه » ثمّ ذكر طائفة من الآثار الدالّة على نقصان القرآن عن أحمد والحاكم وغيرهما فقال : « ومثله كثير ، وعليه يحمل ما رواه أبو عبيد عن ابن عمر ، قال : لا يقولّون ... والروايات في هذا الباب أكثر من أن تحصى ، إلاّ أنّها محمولة على ما ذكرناه » (٢).

وفي آية الرّضاع قال : « والجواب : أنّ جميع ذلك منسوخ كما صرّح بذلك ابن عبّاس فيما مرّ ، ويدلّ على نسخ ما في خبر عائشة أنّه لو لم يكن منسوخاً لزم ضياع بعض القرآن لم ينسخ ، وإنّ الله تعالى قد تكفّل بحفظه ، وما في الرواية لا ينافي النسخ ... » (٣).

ووافق الزرقاني على حمل هذه الآحاديث على النسخ لورود ذلك في الأحاديث (٤).

لكنّ جماعة من علمائهم المتقدّمين والمـتأخرين ينكرون القسمين المذكورين من النسخ ، ففي الإتقان بعد أن ذكر الضرب الثالث ـ ما نسخ تلاوته دون حكمه ـ وأمثلته : « تنبيه : حكى القاضي أبو بكر في الإنتصار عن قوم إنكار هذا الضرب ، لأنّ الأخبار فيه أخبار آحاد ، ولا يجوز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجّة فيها.

__________________

(١) الإتقان ٢ : ٧٠.

(٢) روح المعاني ١ : ٢٤.

(٣) روح المعاني ١ : ٢٢٨.

(٤) مناهل العرفان ٢ : ٢٢٥.

٢٧٥

وقال أبو بكر الرازي : نسخ الرسم والتلاوة إنّما يكون بأن ينسيهم الله إيّاه ويرفعه من أوهامهم ويأمرهم بالإعراض عن تلاوته وكتبه في المصحف ، فيندرس على الأيّام كشائر كتب الله القديمة التي ذكرها في كتابه في قوله : ( إنّ هذا لفي الصّحف الاولى صحف إبراهيم وموسى ) ولا يعرف اليوم منها شيء.

ثمّ لا يخلو ذلك من أن يكون في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى إذا توفي لا يكون متلوّاً في القرآن أو يموت وهو متلوّ بالرسم ثم ينسيه الله الناس ويرفعه من أذهانهم ، وغير جائز نسخ شيء من القرآن بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (١) ثمّ أورد كلام الزركشي الآتي ذكره.

وقال الشوكاني : « منع قوم من نسخ اللفظ من بقاء حكمه ، وبه جزم شمس الدين السرخسي ، لأنّ الحكم لا يثبت بدون دليله » (٢).

وحكى الزرقاني عن جماعة في منسوخ التلاوة دون الحكم : إنّه مستحيل عقلاً ، وعن آخرين منع وقوعه شرعاً (٣).

ولم يصحّح الرافعي القول بنسخ التلاوة وأبطل كلّ ما حمل على ذلك وقال : « ولا يتوهّمنّ أحد أنّ نسبة بعض القول إلى الصحابة نصّ في أنّ ذلك المقول صحيح ألبتّة ، فإنّ الصحابة غير معصومين ، وقد جاءت روايات صحيحة بما أخطأ فيه بعضهم من فهم أشياء من القرآن على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وذلك العهد هو ما هو. ثمّ بما

____________

(١) الإتقان ٢ : ٨٥ ، وانظر البرهان ٢ : ٣٩ ـ ٤٠.

(٢) إرشاد الفحول : ١٨٩ ـ ١٩٠ ، وتقدّم نصّ عبارة السرخسي عن اصوله ٢ : ٧٨.

(٣) مناهل العرفان ٢ : ١١٢.

٢٧٦

وهل عنه بعضهم ممّا تحدّثوا من أحاديثه الشريفة ، فأخطأوا في فهم ما سمعوا ، ونقلنا في باب الرواية من تاريخ آداب العرب أنّ بعضهم كان يرّد على بعض فيما يشبه لهم أنّه الصواب خوف أن يكونوا قد وهموا ... على أنّ تلك الروايات القليلة [ فيما زعموه كان قرآناً وبطلت تلاوته ] (١) إن صحّت أسانيدها أو لم تصحّ فهي على ضعفها وقلّتها ممّا لا حفل به ما دام إلى جانبها إجماع الامّة وتظاهر الروايات الصحيحة وتواتر النقل والأداء على التوثيق » (٢).

وقال صبحي الصالح : « والولوع باكتشاف النسخ في آيات الكتاب أوقع القوم في أخطاء منهجية كان خليقاً بهم أن يتجنّبوها لئلاّ يحملها الجاهلون حملاً على كتاب الله ... لم يكن خفيّاً على أحد منهم أنّ الآية القرآنية لا تثبت إلاّ بالتواتر ، وأنّ أخبار الآحاد ظنّية لا قطيعة ، وجعلو النسخ في القرآن ـ مع ذلك ـ على ثلاثة أضرب : نسخ الحكم دون التلاوة ، ونسخ التلاوة دون الحكم ، ونسخ الحكم والتلاوة جميعاً.

وليكثروا إن شاؤوا من شواهد الضرب الأول ، فإنّهم فيه لا يمسّون النصّ القرآني من قريب ولا بعيد ، إذ الآية لم تنسخ تلاوتها بل رفع حكمها لأسرار تروبية وتشريعية يعلمها الله ، أمّا الجرأة العجيبة ففي الضربين الثاني والثالث ، اللذين نسخت فيهما بزعمهم تلاوة آيات معيّنة ، إمّا مع نسخ أحكامها وإمّا دون نسخ أحكامها.

والناظر في صنيعهم هذا سرعان ما يكتشف فيه خطأ مركّباً

__________________

(١) ما بين القوسين ذكره في الهامش. قلت : ما ذكره في الجواب عن هذه الآحاديث هو الحقّ لكنّ وصفها بالقلّة في غير محلّة فهي كثيرة بل أكثر من أن تحصى كما تقدّم في عبارة الآلوسي.

(٢) إعجاز القرآن : ٤٤.

٢٧٧

فتقسيم المسائل إلى أضرب إنّما يصلح إذا كان لكل ضرب شواهد كثيرة أو كافية على الأقلّ ليتيسّر استنباط قاعدة منها ، وما لعشّاق النسخ إلاّ شاهد أو اثنان على كلّ من هذين الضربين [ أمّا الضرب الذي نسخت تلاوته دون حكمه فشاهده المشهور ما قيل من أنّه كان في سورة النور : الشيخ والشيخة ... أنظر : تفسير ابن كثير ٣ : ٢٦١ ، وممّا يدلّ على اضطراب الرواية : أنّ في صحيح ابن حبّان ما يفيد أنّ هذه الآية التي زعموا نسخ تلاوتها كانت في سورة الأحزاب لا في سورة النور ، وأمّا الضرب الذي نسخت تلاوته وحكمه معاً فشاهده المشهور في كتب الناسخ والمنسوخ ماورد عن عائشة أنّها قالت : كان فيما انزل من القرآن ... ] (١) وجميع ما ذكروه منها أخبار آحاد ، ولا يجوز القطع على إنزال قرآن ونسخة بأخبار آحاد لا حجّة فيها.

وبهذا الرأي السديد أخذ ابن ظفر في كتابه الينبوع ، إذ أنكر عدّ هذا ممّا نسخت تلاوته ، قال : لأنّ خبر الواحد لا يثبت القرآن » (٢).

وقال مصطفى زيد وهو ينكر نسخ التلاوة دون الحكم : « وأمّا الآثار التي يحتجّون بها ... فمعظمها مرويّ عن عمر وعائشة ، ونحن نستبعد صدور مثل هذه الآثار عنهما ، بالرغم من ورودهما في الكتب الصحاح ... وفي بعض هذه الروايات جاءت العبارات التي لا تتّفق ومكانه عمر ولا عائشة ، ممّا يجعلنا نطمئن إلى اختلافها ودسّها على المسلمين » (٣).

__________________

(١) ما بين القوسين مذكور في الهامش.

(٢) مباحث في علوم القرآن : ٢٦٥ ـ ٢٦٦.

(٣) النسخ في القرآن ١ : ٢٨٣.

٢٧٨

وقال الخضري : « لا يجوز أن يرد النسخ على التلاوة دون الحكم ، وقد منعه بعض المعتزلة وأجازة الجمهور ، محتجّين بأخبار آحاد لا يمكن أن تقوم برهاناً على حصوله. وأنا لا أفهم معنى لآية أنزلها الله تعالى لتفيد حكماً ثم يرفعها مع بقاء حكمها » (١).

هذا ، وستأتي كلمات بعض أعلامهم في خصوص بعض الآثار.

وكذا أنكر المحقّقون من الإمامية القسمين المذكورين من النسخ ..

فقد قال السيد المرتضى : « ومثال نسخ التلاوة دون الحكم غير مقطوع به لأنّه من خبر الآحاد ، وهو ما روي أنّ من جملة القرآن : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة ، فنسخت تلاوة ذلك. ومثال نسخ الحكم والتلاوة معاً موجود في أخبار الآحاد وهو ما روي عن عائشة ... » (٢).

وقد تبعه على ذلك غيره (٣).

لا دليل على أنّ هذه الآيات منسوخة

الثاني : وعلى فرض تمامية الكبرى فإنّه لا دليل على أنّ هذه الآيات التي حكتها الآثار المذكور منسوخة ، إذ لم ينقل نسخها ، ولم يرد في حديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في واحد منها أنّها منسوخة ، ولقد كان المفروض أن يبلّغ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأمّة بالنسخ كما

__________________

(١) تاريخ التشريع الاسلامي.

(٢) الذريعة إلى اصول الشريعة ١ : ٤٢٨.

(٣) البيان في تفسير القرآن : ٣٠٤.

٢٧٩

بلّغ بالنزول.

فقد ورد في الحديث أنّه قال لابيّ : « إنّ الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن » فقرأ عليه ( آية الرغبة ) ، فلو كانت منسوخة ـ كما يزعمون ـ لأخبره بذلك ولنهاه عن تلاوتها ، ولكنّه لم يفعل ـ إذا لو فعل لنقل ـ ولذا بقي اُبَيّ ـ كما في حديث آخر عن أبي ذرّ ـ يقرأ الآية بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله معتقداً بكونها من آي القرآن العظيم.

ونازع عمر ابيّاً في قراءته ( آية الحميّة ) وغلّط له ، فخصمه ابيّ بقوله : « لقد علمت أنّي كنت أدخل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقرؤني وأنت بالباب ، فإن أحببت أن أقرىء الناس على ما أقرأني وإلاّ لم أقرىء حرفاً ما حييت » ، فقال له عمر : « بل أقرىء الناس ».

وهذا يدلّ على أنّ اُبَيّاً قد تعلّم الآية هكذا من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وجعل يقرئ الناس على ما أقرأه ، ولو كان ثمّه ناسخ لعلمه ابيّ أو أخبره الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فكفّ عن تلك القراءة .. هذا من جهة.

ومن جهة اخرى ، فإنّ قول عمر في جوابه : « بل أقرئ الناس » يدلّ على عدم وجود ناسخ للآية أصلاً ، وإلاّ لذكره له في الجواب.

حملها على نسخ التلاوة غير ممكن

الثالث : عدم إمكان حمل الآيات المذكورة على منسوخ التلاوة على فرض صحّة القول به :

فآية الرجم قد سمعها جماعة ـ كما تفيد الأحاديث المتقدّمة ـ من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مصرّ حين بأنّها من آي القرآن

٢٨٠