كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ١

تقي الدين احمد بن علي المقريزي

كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ١

المؤلف:

تقي الدين احمد بن علي المقريزي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٩

فلما قدم عمرو بن العاص غيبت الروم ذلك الجمل لئلا يكون شاهدا عليهم. قال ابن لهيعة : بلغني أن تلك الصورة في ذلك الموضع قد أتى الآن عليها سنين لا يدرى من عملها.

قال القضاعيّ : فهذه عشرون أعجوبة من جملتها ما يتضمن عدّة عجائب ، فلو بسطت لجاء منها عدد كثير ، ويقال : ليس من بلد فيه شيء غريب إلا وفي مصر مثله أو شبيه به. ثم تفضل مصر على البلدان بعجائبها التي ليست في بلد سواها.

وفي كتاب تحفة الألباب : أنه كان بمصر بيت تحت الأرض فيه رهبان من النصارى ، وفي البيت سرير صغير من خشب تحت صبيّ ميت ملفوف في نطع أديم مشدود بحبل ، وعلى السرير مثل الباطية فيها أنبوب من نحاس فيه فتيل إذا اشتعل الفتيل بالنار وصار سراجا خرج من ذلك الأنبوب الزيت الصافي الحسن الفائق حتى تمتلىء تلك الباطية ، وينطفي السراج بكثرة الزيت فإذا انطفأ لم يخرج من الدهن شيء ، فإذا خرج الصبي الميت من تحت السرير لم يخرج من الزيت شيء والباطية يريقها الإنسان فلا يرى تحتها شيئا ، ولا موضعا فيه ثقب ، وأولئك الرهبان يتعيشون من ذلك الزيت يشتريه الناس منهم فينتفعون به.

وقال الأستاذ إبراهيم بن وصيف (١) شاه : عديم الملك ابن تقطريم كان جبارا لا يطاق عظيم الخلق ، فأمر بقطع الصخور ليعمل هرما كما عمل الأوّلون ، وكان في وقته الملكان اللذان أهبطا من السماء ، وكانا في بئر يقال له افتارة ، وكانا يعلمان أهل مصر السحر.

وكان يقال : إن الملك عديم بن البودشير استكثر من علمهما ، ثم انتقلا إلى بابل ، وأهل مصر من القبط يقولون : إنهم شيطانان يقال لهما : مهلة وبهالة ، وليس هما الملكين والملكان ببابل في بئر هناك يغشاها السحرة إلى أن تقوم الساعة. ومن ذلك الوقت عبدت الأصنام وقال قوم : كان الشيطان يظهر وينصبها لهم. وقال قوم : أوّل من نصبها بدوره وأوّل صنم أقامه صنم الشمس ، وقال آخرون : بل النمرود الأوّل أمر الملوك بنصبها ، وعبادتها وعديم أول من صلب ، وذلك أن امرأة زنت برجل من أهل الصناعات ، وكان لها زوج من أصحاب الملك ، فأمر بصلبهما على منارين ، وجعل ظهر كل واحد منهما إلى ظهر الآخر وزبر على المنارين اسمهما وما فعلاه ، وتاريخ الوقت الذي عمل ذلك بهما فيه ، فانتهى الناس عن الزنى وبنى أربع مداين ، وأودعها صنوفا كثيرة من عجائب الأعمال والطلسمات ، وكنز فيها كنوزا كثيرة وعمل في الشرق منارا وأقام على رأسه صنما موجها إلى الشرق مادّا يديه يمنع دواب البحر والرمال أن تتجاوز حدّه ، وزبر في صدره تاريخ الوقت

__________________

(١) مؤرخ من القرن السادس الهجري. له كتاب (عجائب الدنيا) وكتاب (جواهر البحور ووقائع الدهور في أخبار الديار المصرية) ت. سنة ٥٩٦ ه‍. الأعلام ج ١ / ٧٨.

٦١

الذي نصبه فيه ويقال : إن هذا المنار قائم إلى وقتنا هذا. ولولا هذا لغلب الماء الملح من البحر الشرقيّ على أرض مصر وعمل على النيل قنطرة في أول بلد النوبة ، ونصب عليها أربعة أصنام موجهة إلى أربع جهات الدنيا في يدي كل واحد من الأصنام حربتان يضرب بهما إذا أتاهم آت من تلك الجهة فلم تزل بحالها إلى أن هدمها فرعون موسى عليه‌السلام ، وعمل البربا على باب النوبة ، وهو هناك إلى وقتنا هذا ، وعمل في إحدى المدائن الأربع التي ذكرناها حوضا من صوّان أسود مملوء ماء لا ينقص طول الدهر ، ولا يتغيّر ماؤه لأنه اجتلب إليه من رطوبة الهواء ، وكان أهل تلك الناحية ، وأهل تلك المدينة يشربون منه ولا ينقص ماؤه ، وعمل ذلك لبعدهم عن النيل.

وذكر بعض كهنة القبط أن ذلك الماء ثم لقربه من البحر الملح فإن الشمس ترفع بحرّها بخار البحر فينحصر من ذلك البخار جزء بالهندسة ، أو بالسحر ، وتجعله ينحط ذلك في ذلك الموضع بالجوهر مثل الظل ، وتمدّه بالهواء فلا ينقص بذلك ماؤه على الدهر ، ولو شرب منه العالم وعمل قدحا لطيفا على مثل هذا العمل ، وأهداه حوميل الملك إلى إسكندر اليوناني وملكهم عديم مائة وأربعين سنة ، ومات وهو ابن سبعمائة وثلاثين سنة ، ودفن في إحدى المدائن ذات العجائب وقيل : في صحراء قفط.

وذكر بعض القبط أن ناووس عديم عمل في صحراء قفط على وجه الأرض تحت قبة عظيمة من زجاج أخضر برّاق معقود على رأسها كرة من ذهب عليها طائر من ذهب موشح بجوهر منشور الجناحين يمنع من الدخول إلى القبة ، وكان قطرهما مائة ذراع في مثلها وجعل جسده في وسطها على سرير من ذهب مشبك ، وهو مكشوف الوجه ، وعليه ثياب منسوجة بالذهب المغروز بالجوهر المنظوم ، وطول القبة أربعون ذراعا ، وجعل في القبة مائة وسبعين مصحفا من مصاحف الحكمة وسبع موائد بأوانيها. منها مائدة من درّ رماني أحمر وأوانيها منها ومائدة من ذهب قلموني أوانيها منها ، ومائدة من حجر الشمس المضيء بآنيتها وهو الزبرجد الذي إذا نظرت إليه الأفاعي سالت أعينها ومادة من كبريت أحمر مدبر بآنيتها ، ومائدة من ملح أبيض مدبر برّاق بآنيتها ومائدة من زئبق معقود وجعل في القبة جواهر كثيرة وبرابي صنعة مدبرة ، وحوله سبعة أسياف ، وأتراس من حديد أبيض مدبر ، وتماثيل أفراس من ذهب عليها سروج من ذهب ، وسبعة توابيت من دنانير عليها صورته ، وجعل معه من أصناف العقاقير والسمومات والأدوية في برابي من حجارة ، وقد ذكر من رأى هذه القبة أنهم أقاموا أياما فما قدروا على الوصول إليها وأنهم إذا قصدوها ، وكانوا منها على ثمانية أذرع دارت القبة عن أيمانهم أو عن شمائلهم.

ومن أعجب ما ذكروه أنهم كانوا يحاذون آزاجها أزجا (١) أزجا فلا يرون غير الصورة

__________________

(١) الأزج : محركة : ضرب من الأبنية ج. آزج وآزاج.

٦٢

التي يرونها من الأزج الآخر على معنى واحد. وذكروا أنهم رأوا وجه الملك قدر ذراع ونصف بالكبير ولحيته كبيرة مكشوفة ، وقدّروا طول بدنه عشرة أذرع وزيادة ، وذكر هؤلاء الذين رأوها أنهم خرجوا لحاجة ، فوجدوها اتفاقا. وأنهم سألوا أهل قفط عنها فلم يجدوا أحدا يعرفها سوى شيخ منهم.

وأوصى عديم الملك ابنه شداب بن عديم أن ينصب في كل حيز من أحياز ولايته منارا ، ويزبر عليه اسمه فانحدر إلى الأشمونين ، وعمل مناراتها وزبر عليها اسمه ، وعمل بها ملاعب وعمل في صحرائها منارا أقام عليه صنما برأسين على اسم كوكبين كانا مقترنين في الوقت الذي خرج فيه إلى اتريب وبنى فيها قبة عظيمة مرتفعة على عمد وأساطين بعضها فوق بعض ، وعلى رأسها صنما صغيرا من ذهب ، وعمل هيكلا للكواكب ، ومضى إلى حيز صا فعمل فيه منارا على رأسه مرآة من أخلاط تورى الأقاليم ، ورجع وعمل شداب بن عديم هيكل ارمنت. وأقام فيه أصناما بأسماء الكواكب من جميع المعادن وزينه بأحسن الزينة ، ونقشه بالجواهر والزجاج الملوّن وكساه الوشي والديباج ، وعمل في المدائن الداخلة من أنصنا هيكلا وأقام فيه باتريب ، وهيكلا شرقيّ الإسكندرية ، وأقام صنما من صوّان أسود باسم زحل على عبرة النيل من الجانب الغربيّ وبنى في الجانب الشرقيّ مداين في إحداها صورة صنم قائم ، وله إحليل إذا أتاه المعقود والمسحور ومن لا ينتشر ذكره فمسحه بكلتي يديه انتشر ذكره ، وقوي على الباه وفي إحداها بقرة ، لها ضرعان كبيران إذا انعقد لبن امرأة أتتها ومسحتها بيديها فإنه يدر لبنها ، وجمع التماسيح بطلسم عمله بناحية أسيوط ، فكانت تنصب من النيل إلى اخميم انصبابا فيقتلها ويستعملها جلودا في السفن وغيرها.

وعمل منقاوس الملك بيتا تدور به تماثيل بجميع العلل ، وكتب على رأس كل تمثال ما يصلح من العلاج ، فانتفع الناس بها زمانا إلى أن أفسدها بعض الملوك وعمل صورة امرأة مبتسمة لا يراها مهموم إلا زال همه ونسيه فكان الناس يتناوبونها ، ويطوفون حولها ثم عبدوها من جملة ما عبدوه بعد ذلك.

وعمل تمثالا من صفر مذهب بجناحين لا يمرّ به زان ولا زانية إلا كشف عورته بيده ، وكان الناس يمتحنون به الزناة فامتنعوا من الزنا فرقا منه. فلما ملك كلكن عشقت حظية عنده رجلا من خدمه ، وخافت أن تمتحن بذلك الصنم. فأخذت في ذكر الزواني مع الملك وأكثرت من سبهنّ وذمّهنّ فذكر كلكن ذلك الصنم ، وما فيه من المنافع. فقالت : صدق الملك غير أن منقاوس لم يصب في أمره لأنه أتعب نفسه وحكماءه فيما جعله لإصلاح العامة دون نفسه ، وكان حكم هذا أن ينصب في دار الملك حيث يكون نساؤه وجواريه فإن اقترفت إحداهنّ ذنبا علم بها فيكون رادعا لهنّ متى عرض بقلوبهنّ شيء من الشهوة فقال :

٦٣

كلكن صدقت ، وظنّ أن هذا منها نصح ، فأمر بنزع الصنم من موضعه ونقله إلى داره ، فبطل عمله وعملت المرأة ما كانت همت به.

وبنى هيكلا على جبل القصير للسحرة ، فكانوا لا يطلقون الرياح للمراكب المقلعة إلا بضريبة يأخذونها منهم للملك.

وبنى مناوس بن منقاوس في صحراء الغرب مدينة بالقرب من مدينة السحرة تعرف : بقنطرة ذات عجائب ، وجعل بوسطها قبة عليها كالسحابة تمطر شتاء وصيفا مطرا خفيفا ، وتحت القبة مطهرة فيها ماء أخضر يداوي به من كل داء فيبريه ، وعمل في شرقيها بربا لطيفا له أربعة أبواب لكل باب عضادتان في كل عضادة صورة وجه يخاطب كل واحد منهما صاحبه بما يحدث في يومه فمن دخل البربا على غير طهارة نفخا في وجهه فأصابه رعدة فظيعة لا تفارقه حتى يموت. وكانوا يقولون : إن في وسطه مهبط النور في صورة العمود من اعتنقه لم يحتجب عن نظره شيء من الروحانية وسمع كلامهم ، ورأى ما يعملون ، وعلى كل باب من أبواب هذه المدينة صورة راهب في يده مصحف فيه علم من العلوم. فمن أحب معرفة ذلك العلم أتى تلك الصورة ، فمسحها بيديه وأمرّهما على صدره فيثبت ذلك العلم في صدره. ويقال : إن هاتين المدينتين بنيتا على اسم هرمس ، وهو عطارد وأنهما بحالهما (وحكي عن رجل أنه أتى عبد العزيز بن مروان ، وهو أمير مصر ، فعرّفه أنه تاه في صحراء الشرق ، فوقع على مدينة خراب فيها شجرة تحمل كل صنف من الفاكهة ، وأنه أكل منها وتزوّد فقال له رجل من القبط : هذه إحدى مدينتي هرمس ، وفيها كنوز كثيرة فوجه عبد العزيز معه جماعة معهم ماء وزاد ، فأقاموا يطوفون تلك الصحاري شهرا فلم يقفوا لها على أثر.

وعملت أم ميلاطس الملك بركة عظيمة في صحراء الغرب ، وجعلت في وسطها عمودا طوله ثلاثون ذراعا ، وفي أعلاه قصعة من حجارة يفور منها الماء فلا ينقص أبدا. وجعلت حول البركة أصناما من حجارة ملونة على صور الحيوانات من الوحش ، والطير والبهائم ، فكان كل جنس يأتي إلى صورته ويألفها فيؤخذ باليد وينتفع به.

وعملت لابنها منتزها لأنه كان يحب الصيد ، فجعلت فيه مجالس مركبة على أساطين من مرمر مصفّح بالذهب مرصع بالجوهر ، والزجاج الملوّن وزخرفته بالتصاوير العجيبة ، والنقوش فكان الماء يطلع من فوّارات وينصب إلى أنهار قد صفحت بالفضة تجري إلى حدائق فيها بديع الفروشات ، وقد أقيم حولها تماثيل تصفر بأنواع اللغات ، وأرخت على المجلس ستورا من ديباج ، واختارت لابنها من حسان بنات عمه وبنات الملوك وزوجته وحولته إلى هذه الجنة وبنت حول الجنة مجالس للوزراء ، والكهنة ، وأشراف أهل الصناعات ، فكانوا يرفعون إليه جميع ما يعملونه ، فإذا فرغوا من أعمالهم حمل إليهم الطعام

٦٤

والشراب ، وكان ميلاطس تقلد الملك بعد أبيه مرقوه وهو صبيّ وكانت أمه مدبرة الملك ، وهي حازمة مجرّبة فأجرت الأمور على ما كانت عليه في حياة أبيه وأحسنت وعدلت في الرعية ووضعت عنهم بعض الخراج ، وكانت أيامه سعيدة كلها في الخصب الكثير والسعة للناس والعدل ، وكان له يوم يخرج فيه إلى الصيد ، ويرجع إلى جنته فيأمر لكل من معه بالجوائز والأطعمة ويجلس للنظر يوما في مصالح الناس وقضاء حوائجهم ويخلو يوما بنسائه. وكان ملكه ثلاث عشرة سنة ، وجدّر فمات.

وعمل فرسون بن قيلمون بن أتريب منارا على بحر القلزم ، وعلى رأسه مرآة تجتذب بها المراكب إلى شاطىء البحر فلا يمكنها أن تبرح إلا أن تعشر فإذا عشرت سترت المرآة حتى تجوز المراكب ، وأقام فرسون مائتي سنة وستين سنة ؛ وعمل لنفسه ناووسا خلف الجبل الأسود الشرقي في وسطه قبة حولها اثنا عشر بيتا في كل بيت أعجوبة لا تشبه الأخرى ، وزبر عليها اسمه ومدة ملكه.

وكا مرقونس الملك حكيما محبا للنجوم ، والعلوم والحكمة ، فعمل في أيامه درهما إذا ابتاع به صاحبه شيئا اشترط أن يزن له ما يبتاعه منه بوزن الدرهم ، ولا يطلب عليه زيادة فيغترّ البائع بذلك ويقبل الشرط فإذا تم ذلك بينهما وقع في وزن الدرهم أرطال كثيرة تساوي عشرة أضعافه ، وكان إذا أحب أن يدخل في وزنه أضعاف تلك الأرطال دخل ، وقد وجد هذا الدرهم في كنوزهم ثم في خزائن بني أمية وكان الناس يتعجبون منه ووجدوا دراهم أخر ، قيل : إنها عملت في وقته أيضا فيكون الدرهم منها في ميزان الرجل فإذا أراد أن يبتاع حاجة أخذ ذلك الدرهم ، وقبله وقال : اذكر العهد وابتاع به ما أراد فإذا أخذ السلعة ومضى إلى بيته وجد الدرهم قد سبقه إلى منزله ، ويجد البائع موضع ذلك الدرهم ، ورقة آس أو قرطاسا أو مثل ذلك بدور الدرهم ، وفي وقته عملت الآنية الزجاج التي توزن فإذا ملئت ماء أو غيره ، ثم وزنت لم تزد عن وزنها الأوّل شيئا وعمل في وقته الآنية التي إذا جعل فيها الماء صار خمرا في لونه ورائحته وفعله ، وقد وجد من هذه الآنية باطفيح في أمارة هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون شربة جزع بعروة زرقاء ببياض ، وكان الذي وجدها أبو الحسن الصائغ الخراساني هو ونفر معه ، فأكلوا على شاطىء النيل وشربوا بها الماء فوجدوه خمرا سكروا منه وقاموا ليرقصوا فوقعت الشربة ، فانكسرت عدّة قطع ؛ فاغتم الرجل وجاء بها إلى هارون فأسف عليها ، وقال : لو كانت صحيحة لاشتريتها ببعض ملكي.

وأما الآنية النحاسية التي تجعل الماء خمرا ، فإنها منسوبة إلى قلوبطرة (١) بنت بطليموس ملكة الإسكندرية فكثير ، وفي وقته عملت الصور الحيثمية من الضفادع والخنافس

__________________

(١) قلوبطرة : هي قلوبطرا بنت بطليموس حكمت اثنين وعشرين سنة حوالى سنة ٥٠ ق. م. وبحكم ابنها قيصرون زال حكم البطالسة عن مصر وذلك سنة ٣٠ ق. م. صبح الأعشى ٣ / ٤٧٧.

٦٥

والذباب والعقارب وسائر الحشرات ، وكانت إذا جعلت في موضع اجتمع إليها ذلك الجنس ، ولا يقدر على مفارقة تلك الصورة حتى يقتل ، وكأنه يعمل أعماله كلها بصور درج الفلك وأسمائها ، وطوالعها فيتم له من ذلك ما يريده.

وعمل في صحراء الغرب ملعبا من زجاج ملوّن في وسطه قبة من زجاج أخضر صافي اللون. فإذا طلعت عليه الشمس ألقت شعاعها على مواضع بعيدة وعمل في جوانبه الأربعة أربعة مجالس عالية من زجاج كل مجلس لون ونقش عليها بغير لونها طلسمات عجيبة ، ونقوشات غريبة وصورا بديعة كل ذلك من زجاج مطلق يشف ، وكان يقيم في هذا الملعب الأيام وعمل له ثلاثة أعياد في كل سنة. فكان الناس يحجون إليه في كل عيد ويذبحون له ويقيمون فيه سبعة أيام ، ولم يزل هذا الملعب تقصده الأمم فإنه لم يكن له نظير ، ولا عمل في العالم مثله إلى أن هدمه بعض الملوك لعجزه عن عمل مثله.

وكانت أم مرقونس ابنة ملك النوبة وكان أبوها يعبد الكوكب الذي يقال له السها ويسميه إلها. سألت ابنها أن يعمل لها هيكلا يفردها به ، فعمله وصفحه بالذهب والفضة ، وأقام فيه صنما وأرخى عليه الستور الحرير ، فكانت تدخل إليه بجواريها وحشمها وتسجد له في كل يوم ثلاث مرّات ، وعملت لكل شهر عيدا تقرّب له قرابين وتبخره ليله ونهاره ، ونصبت له كاهنا من النوبة يقوم به ويقرّب له ويبخره ، ولم تزل بابنها حتى سجد له ، ودعي إلى عبادته. فلما رأى الكاهن الأمر في عبادة الكواكب قد تم وأحكم من جهة الملك أحب أن يكون لكوكب السّها مثالا في الأرض على صورة حيوان يتعبد له ، فأقام بعمل الحيلة في ذلك إلى أن اتفق أن العقبان كثرت بمصر ، وأضرّت بالناس فأحضر الملك هذا الكاهن وسأله عن سبب كثرتها ، فقال : إن إلهك أرسلها لتعمل لها نظيرا ليسجد له.

فقال مرقونس : إن كان يرضيه ذلك ، فأنا فاعله. فقال : إن ذلك رضاه ، فأمر بعمل عقاب طوله ذراعان في عرض ذراع من ذهب مسبوك وعمل عينيه من ياقوتتين ، وعمل له وشاحين من لؤلؤ منظوم على أنابيب جوهر أخضر ، وفي منقاره درة معلقة وسرو له بالدرّ الأحمر ، وأقامه على قاعدة من فضة منقوشة قد ركبت على قائمة زجاج أزرق ، وجعله في أزج عن يمين الهيكل ، وألقى عليه ستور الحرير وجعل له دخنة من جميع الأفاويه والصموغ وقرّب له عجلا أسود ، وبكارة الفراريج ، وباكورة الفواكه والرياحين. فلما تمت له سبعة أيام دعاهم إلى السجود إليه ؛ فأجابه الناس ، ولم يزل الكاهن يجهد نفسه في عبادة العقاب وعمل له عيدا. فلما تم لذلك أربعون يوما نطق الشيطان من جوفه. وكان أوّل ما دعاهم إليه أن ينجز له في إنصاف الشهور بالمندل ، ويرش الهيكل بالخمر العتيقة التي تؤخذ من رؤوس الخوابي ، وعرّفهم أنه قد أزال عنهم العقبان وضررها ، وكذلك يفعل في غيرها مما يخافون. فسرّ الكاهن بذلك ، وتوجه إلى أمّ الملك يعرّفها ذلك ، فسارت إلى الهيكل

٦٦

وسمعت كلام العقاب فسرّها ذلك وأعظمته. وبلغ الملك فركب إلى الهيكل حتى خاطبه وأمره ونهاه فسجد له ، وأقام له سدنة وأمر أن يزين بأصناف الزينة ، وكان مرقونس يقوم بهذا الهيكل ويسجد لتلك الصورة ، ويسألها عما يريد فتخبره. وعمل من الكيمياء ما لم يعمله أحد من الملوك فيقال : إنه دفن في صحراء الغرب خمسمائة دفين ؛ ويقال : إنه عمل على باب مدينة صا عمودا عليه صنم في صورة امرأة جالسة وفي يدها مرآة تنظر إليها ، وكان العليل يأتي إلى هذه المرأة وينظر فيها أو ينظر له أحد فيها فإن كان يموت من علته تلك رؤي ميّتا وإن كان يعيش رآه حيا ، وينظر فيها أيضا للمسافر فإن رأوه مقبلا بوجهه علموا أنه راجع ، وإن رأوه موليا علموا أنه يتمادى في سفره ، وإن كان مريضا أو ميتا رأوه كذلك في المرآة.

وعمل بالإسكندرية صورة راهب جالس على قاعدة وعلى رأسه كالبرنس وفي يده كالعكاز فإذا مرّ به تاجر جعل بين يديه شيئا من المال على قدر بضاعته فإن تجاوزه ولو عن بعد من غير أن يضع بين يديه المال لم يقدر على الجواز وثبت قائما مكانه فكان يجتمع من ذلك مال عظيم يفرّق في الزمنى ، والضعفاء والفقراء.

وعمل في زمنه كل أعجوبة ظريفة وأمر أن يزبر اسمه عليها وعلى كل علم وكل طلسم وكل صنم.

وعمل لنفسه ناووسا (١) في داخل الأرض عند جبل يقال له : سدام وعمل تحته أزجا يقال: إن طوله مائة ذراع وارتفاعه ثلاثون ذراعا وعرضه عشرون ذراعا ، وصفحه بالمرمر ، والزجاج الملوّن وسقفه بالحجارة ، وعمل فيها دائرة مساطب مبلطة بزجاج على كل مسطبة أعجوبة وفي وسط الأزج دكة من زجاج على كل ركن من أركانها صورة تمنع الدنوّ إليها وبين كل صورتين منارة عليها حجر مضيء وفي وسط الدكة حوض من ذهب فيه جسده بعدما ضمده بالأدوية الماسكة ، ونقل إليه ذخائره من الذهب والجوهر وغيره ، وسدّ باب الأزج بالصخور والرصاص ، وهيل عليها الرمال وكان ملكه ثلاثا وسبعين سنة وعمره مائتين وأربعين سنة ، وكان جميلا ذا وفرة حسنة ، فتنسكت نساؤه ولزمن الهيكل من بعده. وملك بعده ابنه إيساد ، ثم صا بن إيساد. وقيل : صا بن مرقونس أخو إيساد فعمل مرآة في مدينة منف تري الأوقات التي تخصب فيها مصر وتجدب وبنى بداخل الواحات مدينة ، ونصب قرب البحر أعلاما كثيرة.

وعمل خلف المقطم صنما يقال له : صنم الحيلة ، فكان كل من تعذر عليه أمر يأتيه ويبخره فيتيسر ذلك الأمر له ، وجعل بحافة البحر الملح منارا يعلم منه أمر البحر ،

__________________

(١) الناووس : تابوت من حجر يدفنون فيه موتاهم إذا لم يحرقوا.

٦٧

وما يحدث فيه من أقصى ما يصل إليه البصر على مسيرة أيام. وهو أوّل من اتخذها ويقال : إنه بنى أكثر مدينة منف وكل بنيان عظيم بالإسكندرية.

ولما ملك بدارس بن صا الأحياز كلها بعد أبيه ، وصفا له ملك مصر بنى في غربي مدينة منف بيتا عظيما لكوكب الزهرة ، وأقام فيه صنما عظيما من لازورد مذهب ، وتوجّه بذهب يلوح بزرقة وسوّره بسوارين من زبرجد أخضر ، وكان الصنم في صورة امرأة لها ضفيرتان من ذهب أسود مدبر. وفي رجليها خلخالان من حجر أحمر شفاف ، ونعلان من ذهب وبيدها قضيب مرجان ، وهي تشير بسبابتها كأنها مسلمة على من في الهيكل ، وجعل بحذائها تمثال بقرة ذات قرنين ، وضرعين من نحاس أحمر مموّه بذهب موشحة بحجر اللازورد ، ووجّه البقرة تجاه وجه الزهرة ، وبينهما مطهرة من أخلاط الأجساد على عمود رخام مجزع ، وفي المطهرة ماء مدبر يستنشق به من كل داء وفرش الهيكل بحشيشة الزهرة يبدلونها في كل سبعة أيام ، وجعل في الهيكل كراسي للكهنة قد صفحت بالذهب والفضة ، وقرّب لهذا الصنم ألف رأس من الضأن والمعز والوحش والطير ، وكان يحضر يوم الزهرة ويطوف به وفرش الهيكل وستره ، وجعل فيه تحت قبة صورة رجل راكب على فرس له جناحان ومعه حربة في سنانها رأس إنسان معلق.

ولم يزل هذا الهيكل إلى أن هدمه بخت نصر في أيام ماليق بن تدارس ، وكان موحدا على دين قبطيم ومصرايم خرج في جيش عظيم في البر والبحر فغزا البربر ، وأرض إفريقية ، وبلاد الأندلس وأرض الإفرنج إلى البحر ، وعمل في البحر أعلا ما زبر عليها اسمه ومسيره ، ورجع فهابه ملوك الأرض وكان في غربي مصر مدينة يقال لها : قرميدة بها قوم قد ملكوا عليهم امرأة ساحرة فغزاهم ، فلم ينل منهم قصدا ، ورجع فأرادت ملكتهم إفساد مصر ، فعملت من سحرها وأمرت ، فألقي في النيل ففاض الماء على المزارع حتى أفسدها وكثرت التماسيح والضفادع ، وفشت الأمراض في الناس ، وانبثت فيهم الثعابين والعقارب ، فأحضر ماليق الكهنة والحكماء في دار حكمتهم وألزمهم بالنظر لذلك. فنظروا في نجومهم فرأوا أن هذه الآفة أتتهم من ناحية الغرب ، وإنّ امرأة عملته وألقته في النيل ، فعلموا حينئذ أنه من فعل تلك الساحرة ، واجتهدوا في دفع ذلك بما عندهم من العلم حتى انكشف عنهم الماء الفاسد ، وهلكت الدواب المضرة وجهزوا قائدا في جيش إلى المدينة فلم يجدوا بها غير رجل واحد فأخذوا من الأموال والجواهر والأصنام ما لا يحصى.

فمن ذلك صورة كاهن من زبرجد أخضر على قائمة من حجر الأسباديم ، وصورة روحانيّ من ذهب رأسه من جوهر أحمر ، وله جناحان من دور في يده مصحف فيه كثير من علومهم في دفتين مرصعتين بجوهر ، ومطهرة من ياقوت أزرق على قاعدة زجاج أخضر فيها ماء لدفع الأسقام ، وفرس من فضة إذا عزم عليه بعزائمه ودخن بدخنته وركبه أحد طار به

٦٨

فأحضر ذلك وغيره من عجائب السحرة وأصنامهم والأموال والجواهر إلى مصر ، ومعهم الرجل ، فسأله الملك عن أعجب أعمالهم قال : قصدهم بعض ملوك البربر بجمع كثيف ، وتخاييل هائلة. فأغلق أهل مدينتنا حصنهم ولجوا إلى الأصنام ، فأتى الكاهن إلى بركة عظيمة بعيدة القعر كانوا يشربون منها ، فجلس على حافتها وأحاط رؤساء الكهنة بها. وأخذ يزمزم على الماء حتى فار وخرج من وسطه نار في وسطها وجه كدارة الشمس لها ضوء فخرّ الجماعة لها سجودا ، وتلك الصورة تعظم حتى صعدت وخرقت القبة ، وسمع منها قد كفيتم شرّ عدوّكم ، فقاموا وإذا بعدوّهم قد هلك وسائر من معه وذلك أن صورة الشمس التي ظهرت من الماء مرّت فصاحت عليهم صيحة هلكوا بها.

ولما ملك كلكن مصر بعد أبيه خريبا ؛ كان النمرود في وقته ، فاتصل بنمرود خبر حكمته وسحره فاستزاره ، ووجه إليه أن يلقاه ، وكان النمرود يسكن سواد العراق وغلب على كثير من الأمم فأقبل كلكن على أربعة أفراس تحمله لها أجنحة قد أحاطب به كالنار ، وحوله صور هائلة ؛ فدخل بها وهو متوشح بثعبان ومحزم ببعضه وذلك التنين فأغرفاه ، ومعه قضيب آس أخضر كلما حرّك التنين رأسه ضربه بالقضيب ، فلما رأى النمرود ذلك هاله ، واعترف له بجليل الحكم.

وتقول القبط : إن كلكن كان يرتفع فيجلس على الهرم الغربيّ في قبة تلوح على رأسه ، وكان أهل البلد إذا دهمهم أمر اجتمعوا حول الهرم ، ويقولون : إنه ربما أقام على رأس الهرم أياما لا يأكل ولا يشرب ، ثم إنه استتر مدّة حتى توهموا أنه هلك فطمع الملوك في مصر.

وقصدها ملك من المغرب. يقال له : سادوم في جيش عظيم إلى أن بلغ وادي هيبب ، فأقبل كلكن وجللهم من سحره بشيء كالغمام شديد الحرارة ، وهم تحته أياما لا يدرون أين يتوجهون ، ثم ارتفع وصار بمصر يعرّفهم ما عمل وأمرهم ، فخرجوا. فإذا بالقوم ودوابهم قد ماتوا فهابه جميع الكهنة وصوّروه في سائر الهياكل وبنى هيكلا لزحل من صوان أسود في ناحية الغرب وجعل له عيدا.

(وفي أيام دارم بن الريان) وهو الفرعون الرابع الذي يقال له عند القبط : دريموش ، ظهر معدن فضة على ثلاثة أيام من النيل فأثاروا منه شيئا عظيما وعمل صنما على اسم القمر لأن طالعه كان برج السرطان ، ونصبه على القصر الرخام الذي بناه أبوه في شرقيّ النيل ، ونصب حوله أصناما كلها من الفضة وألبسها الحرير الأحمر ، وعمل للصنم عيدا كلما دخل برج السرطان. ولمّا ولى اكسايس الملك بعد أبيه معدان بن معاديوس بن دارم بن دريموس وهو الفرعون السادس أقام أعلاما كثيرة حول منف ، وجعل عليها أساطين يمشي من بعضها إلى بعض ، وعمل برقودة وصا ومدائن الصعيد ، وأسفل الأرض أعلاما ، ومنائر للوقود ،

٦٩

وطلسمات كثيرة ، وعمل كودة من فضة ونقش عليها صورة الكواكب ودهنها بالدهن الصينيّ ، وأقامها على منار في وسط منف ، وعمل في هيكل أبيه روحاني زحل من ذهب أسود مدبر ، وعمل في وقته ميزانا يعتبر به الناس كفتاه من ذهب ، وعلاقته من فضة ، وسلاسله من ذهب فكان معلقا في هيكل الشمس ، وكتب على إحدى كفتيه : حق ، والأخرى : باطل ، وتحته فصوص قد نقش عليها أسماء الكواكب ، فيدخل الظالم والمظلوم يأخذ كل منهما فصا من تلك الفصوص ويسمى عليه ما يريده ، ويجعل أحد الفصين في كفة ، والآخر في كفة ، فتثقل كفة الظالم ، وترتفع كفة المظلوم ، ومن أراد سفرا أخذ فصين وذكر على أحدهما اسم السفر ، وعلى الآخر الإقامة ، وجعل كل واحد في كفة فإن ثقلا جميعا ولم يرتفع أحدهما على الآخر لم يسافر ، وإن ارتفعا سافر ، وإن ارتفع أحدهما أخر السفر ، ثم سافر وكذا من عليه دين ومن له غائب أو ينظر في صلاح أمره وفساده.

ويقال : إن بخت نصر لمّا دخل إلى مصر حمل هذا الميزان معه فيما حمل إلى بابل ، وجعله في بيت من بيوت النار. وعمل في أيامه تنورا أيضا يشوي فيه من غير نار ، ويطبخ فيه بغير نار ، وسكينا تنصب فإذا رآها شيء من البهائم أقبل حتى يذبح نفسه بها. وعمل ماء يستحيل نارا وزجاجا يستحيل هواء ، وشيئا من النيرنجيات والنواسيس.

(وأما البرابي) فذكر ابن وصف شاه : أن سوريد الذي بنى الأهرام هو الذي بنى البرابي كلها ، وعمل فيها الكنوز وزبر عليها علوما ووكل بها روحانية تحفظها ممن يقصدها.

وقال في كتاب الفهرست : وبمصر أبنية يقال لها : البرابي من الحجارة العظيمة الكبيرة ، وهي على أشكال مختلفة ، وفيها مواضع الصحن والسحق والحل والعقد والتقطير تدل على أنها عملت لصناعة الكيمياء ، وفي هذه الأبنية نقوش وكتابات لا يدرى ما هي وقد أصيبت تحت الأرض فيها هذه العلوم مكتوبة في التوز ، وهي صفائح الذهب والنحاس وفي الحجارة.

وذكر الحسن بن أحمد الهمداني أن برابي مصر تنسب إلى براب بن الدرمسيل بن نحويل بن خنوخ بن قار بن آدم عليه‌السلام.

وذكر أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني ، في كتاب الإشارات الباقية عن القرون الخالية : أن كنيسة في بعض قرى مصر قد شاهدها الموثوق بقولهم المأخوذ برأيهم المأمون من جهتهم الرواية عنهم فيها سرداب ينزل إليه بنيف وعشرين مرقاة ، وفيه سرير تحته رجل وصبيّ مشدودين في نطع وفوقه ثور رخام في جوفه باطية زجاج يدخلها قنينة من نحاس في جوفها فتيلة كتان توقد فيصب فيها زيت فلا يلبث إلا أن تمتلىء الباطية الزجاج زيتا ، وتفيض إلى الثور الرخام ، فينفق على تلك الكنيسة وقناديلها.

٧٠

وذكر الجهانيّ : أنه صار إليه من وثق به ورفع الباطية عن الثور وأفرغ الزيت من الباطية والثور جميعا وأطفأ النار وأعادها جميعا إلا الزيت فإنه صبّ زيتا من عنده وأبدله فتيلة أخرى وأشعلها ، فما لبث الزيت أن فاض إلى الباطية الزجاج ثم فاض إلى الثور الرخام من غير مدد ولا عنصر.

وذكر الجهانيّ : أنه إذا أخرج الميت من تحت السرير انطفأت النار ، ولم يفض الزيت.

وذكر عن أهل القرية : أن المرأة المتوهمة في نفسها حملا تحمل ذلك الصبيّ ، وتضعه في حجرها فيتحرّك ولدها في البطن إن كان الحمل حقيقة ، أو تيأس إن لم تحس بحركة.

قال المؤلف رحمه‌الله : أخبرني داود بن رزق الله بن عبد الله وكانت له سياحات كثيرة بأراضي مصر ومعرفة أحوالها أنه عبر في مغارة كبيرة يقال لها : مغارة شقلقيل بالوجه القبلي فإذا فيها كوم عظيم من سندروس وأنه تخطاه ومضى فإذا شيء كثير إلى الغاية من السمك ، وجميعها ملفوفة بثياب كأنها قد كفنت بعد الموت ، وأنه أخذ منها سمكة وفتشها فإذا في فمها دينار عليه كتابة لا يحسن قراءتها. وأنه صار يأخذها سمكة سمكة ، ويخرج من فم كل واحدة دينارا حتى اجتمع له من ذلك عدّة دنانير. وأنه أخذ تلك الدنانير ورجع ليخرج حتى جاء إلى الكوم السندروس ، وإذا به ارتفع حتى سدّ عليه الموضع ، فعاد إلى السمك ، وأعاد الدنانير إلى مواضعها ، وخرج فإذا السندروس كما كان أوّلا بحيث يتجاوزه ، ويخرج. فعاد وأخذ الدنانير ، ومشى يخرج بها فإذا السندروس قد ارتفع حتى سدّ عليه الموضع. فعاد إلى السمك ، وأعاد الدنانير إلى موضعها ، وخرج فإذا السندروس على حاله كما كان أوّلا بحيث يتجاوزه ويخرج. وأنه كرّر أخذ الدنانير ، وإعادتها مرارا. والحال على ما ذكر حتى خشي الهلاك ، فتركها وخرج. فلما كان مدّة سكن موضعها ، فرأى حجلا في جدار ، وقد قوّر ، ووضع حجر آخر فحاول الحجر الآخر حتى رفعه فإذا تحته ستة دنانير من تلك الدنانير التي وجدها في أفواه السمك ، فأخذ منها واحدا وترك البقية في موضعها ، وأعاد الحجر على الحجر ، وقدّر الله بعد ذلك أنه ركب النيل ليعدّي من البرّ الشرقيّ إلى البرّ الغربيّ.

قال : فلما توسط البحر وإذا بالأسماك تثب من الماء ، وتلقي أنفسها في المركب حتى كدنا نغرق من كثرتها ، فصاح الركاب خوفا من الهلاك قال : فتذكرت الدينار الذي معي ، وأنّ هذا ربما كان بسببه فأخرجته من جيبي وألقيته في الماء فتواثبت الأسماك من المركب ، وألقت نفسها في الماء حتى لم يبق منها شيء.

٧١

قلت : وأخبرني قديما بعض من لا أتهمه أنه ، ظفر بطلسم من هذا المعنى ، وأنه عنده وأراد أن يريني السمك يثب من الماء فلم يقدر لي أن أرى ذلك.

قال ابن عبد الحكم : لما أغرق الله آل فرعون ، بقيت مصر بعد غرقهم ليس فيها من أشراف أهلها أحد. ولم يبق بها إلا العبيد ، والأجراء والنساء. فاتفق من بمصر من النساء أن يولين منهم أحدا ، وأجمع رأيهنّ أن يولينّ امرأة منهنّ يقال لها : دلوكة بنت زبا ، وكان لها عقل ومعرفة وتجارب ، وكانت في شرف منهنّ وموضع وهي يومئذ بنت مائة وستين سنة. فملكوها ، فخافت أن يتناولها الملوك فجمعت نساء الأشراف ، وقالت لهنّ : إنّ بلادنا لم يكن يطمع فيها أحد ولا يمدّ عينه إليها ، وقد هلك أكابرنا وأشرافنا وذهب السحرة الذين كنا نقوى بهم ، وقد رأيت أن أبني حصنا أحدق به جميع بلادنا ، فأضع عليه المحارس من كل ناحية فإنا لا نأمن من أن يطمع فينا الناس ، فبنت جدارا أحاطت به على جميع أرض مصر كلها ، المزارع والمدائن والقرى ، وجعلت دونه خليجا يجري فيه الماء ، وأقامت القناطر والترع ، وجعلت فيه محارس ومسالح على كل ثلاثة أميال محرس ومسلحة ، وفيما بين ذلك محارس صغار على كل ميل ، وجعلت في كل محرس رجالا وأجرت عليهم الأرزاق ، وأمرتهم أن يحرسوا بالأجراس فإذا أتاهم آت يخافونه ضرب بعضهم إلى بعض الأجراس ، فأتاهم الخبر من أي وجه كان في ساعة واحدة ، فنظروا في ذلك فمنعت بذلك مصر من أرادها وفرغت من بنائه في ستة أشهر ، وهو الجدار الذي يقال له : جدار العجوز بمصر ، وقد بقيت بالصعيد منه بقايا كثيرة.

قال المسعودي وقيل : إنما ينته خوفا على ولدها ، وكان كثير القنص فخافت عليه سباع البرّ والبحر ، واغتيال من جاور أرضهم من الملوك والبوادي ، فحوّطت الحائط من التماسيح ، وغيرها. وقد قيل غير ما وصفنا. فملكتهم ثلاثين سنة في قول. قال المؤلف رحمه‌الله : قد بقي من حائط العجوز هذا في بلاد الصعيد بقايا. أخبرني الشيخ المعمر محمد بن المسعودي : أنه سار في بلاد الصعيد على حائط العجوز ومعه رفقة فاقتلع أحدهم منها لبنة فإذا هي كبيرة جدا تخالف المعهود الآن من اللبن في المقدار ، فتناولها القوم واحدا بعد واحد يتأمّلونها ، وبينما هم في رؤيتها إذ سقطت إلى الأرض ، فانفلقت عن حبة فول في غاية الكبر الذي يتعجب منه لعدم مثله في زماننا ، فقشروا ما عليها فوجدوها سالمة من السوس ، والعيب ، كأنها قريبة عهد بحصادها لم يتغير فيها شيء البتة فأكلها الجماعة قطعة قطعة. وكأنها إنما خبئت لهم من الزمن القديم ، والأعصر الخالية. إنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها.

قال ابن عبد الحكم : وكان ثم عجوز ساحرة يقال لها : بدور وكانت السحرة تعظمها ، وتقدّمها في علمهم وسحرهم فبعثت إليها دلوكة ابنة زبا : إنا قد احتجنا إلى سحرك ، وفزعنا

٧٢

إليك ، ولا نأمن أن يطمع فينا الملوك ، فاعملي لنا شيئا نغلب به من حولنا. فقد كان فرعون يحتاج إليك ، فكيف وقد ذهب أكابرنا ، يعني في الغرق مع فرعون موسى وبقي أقلنا ، فعملت بربا من حجارة في وسط مدينة منف ، وجعلت لها أربعة أبواب كل باب منها إلى جهة القبلة ، والبحر والغرب والشرق ، وصوّرت فيه صور الخيل ، والبغال والحمير والسفن والرجال ، وقالت لهم : قد عملت لكم عملا يهلك به كل من أرادكم من كل جهة تؤتون منها برّا أو بحرا ، وهذا يغنيكم عن الحصن ، ويقطع عنكم مؤنة من أتاكم من كل جهة فإنهم إن كانوا في البرّ على خيل أو بغال أو إبل أو في سفن أو رجالة ، تحركت هذه الصور من جهتهم التي يأتون منها فما فعلتم بالصور من شيء أصابهم ذلك في أنفسهم على ما تفعلون بهم. فلما بلغ الملوك حولهم أنّ أمرهم قد صار إلى ولاية النساء ، طمعوا فيهم ، وتوجهوا إليهم ، فلما دنوا من عمل مصر تحرّكت تلك الصور التي في البربا فطفقوا لا يهيجون تلك الصور بشيء ، ولا يفعلون بها شيئا إلا أصاب ذلك الجيش الذي كان أقبل إليهم مثله إن كان خيلا. فما فعلوا بتلك الخيل المصوّرة في البربا من قطع رؤوسها أو سوقها أو فقء عيونها أو بقر بطونها أثر مثل ذلك بالخيل التي أرادتهم ، وإن كانت سفنا أو رجالة ، فمثل ذلك وكانوا أعلم الناس بالسحر ، وأقواهم عليه وانتشر ذلك فتبادرهم الناس ، وكان نساء أهل مصر حين غرق فرعون وقومه ، ولم يبق إلا العبيد والأجراء لم يصبرن عن الرجال. فطفقت المرأة تعتق عبدها ، وتتزوّجه وتتزوّج الأخرى أجيرها ، وشرطن على الرجال أن لا يفعلوا شيئا إلا بإذنهنّ ، فأجابوهنّ في ذلك فكان أمر النساء على الرجال.

قال يزيد بن حبيب : إنّ نساء القبط على ذلك إلى اليوم اتباعا لمن مضى منهم. لا يبيع أحد منهم ، ولا يشتري إلا قال : استأمر امرأتي فملكتهم دلوكة بنت زبا عشرين سنة. تدبر أمرهم بمصر حتى بلغ صبيّ من أبناء أكابرهم ، وأشرافهم يقال له : دركون بن بلوطس ، فملكوه عليهم فلم تزل مصر ممتنعة بتدبير تلك العجوز نحوا من أربعمائة سنة.

وكلما انهدم من ذلك البربا الذي صوّر فيه الصور لم يقدر أحد على إصلاحه إلا تلك العجوز ، وولدها وولد ولدها ، وكانوا أهل بيت لا يعرف ذلك غيرهم فانقطع أهل ذلك البيت ، وانهدم من البربا موضع في زمان لقاس بن مرنيوس. فلم يقدر أحد على إصلاحه ، ومعرفة علمه وبقي على حاله وانقطع ما كان يقهرون به الناس. وبقوا كغيرهم إلا أنّ الجمع كثير والمال عندهم. فلما قدم بخت نصر بيت المقدس وظهر على بني إسرائيل ، وسباهم ، وخرج بهم إلى أرض بابل قصد مصر ، وخرب مدائنها ، وقراها ، وسبى جميع أهلها ولم يترك بها شيئا ، حتى بقيت مصر أربعين سنة خرابا ليس فيها ساكن يجري نيلها ويذهب لا ينتفع به ثم ردّ أهل مصر إليها بعد أربعين سنة ، فعمروها ولم تزل مقهورة من يومئذ.

٧٣

وقال بعض الحكماء : رأيت البرابي وأخذت أتأملها ، فوجدتها مستحكمة على جميع أشكال الفلك ، والذي ظهر لي أنه لم يعملها حكيم واحد بل تولى عملها قوم بعد قوم ، حتى تكاملت في دور كامل. وهو ستة وثلاثون ألف سنة شمسية ، لأنّ مثل هذه الأعمال لا تعمل إلا بالأرصاد ، ولا يتكامل رصد المجموع في أقل من هذه المدّة المذكورة ، وكانوا يجعلون الكتاب حفرا ، ونقرا في الصخور ، ونقشا في الحجارة ، وحلقة مركبة في البنيان ، وربما كان الكتاب هو الحفر إذا كان متضمنا لأمر جسيم ، أو عهدا لأمر عظيم ، أو موعظة يرتجى نفعها أو إحياء شرف يريدون تخليد ذكره.

وقد كتب غير المصريين كذلك كما كتبوا على قبة غمدان ، وعلى باب القيروان ، وعلى باب سمرقند ، وعلى عمود مأرب ، وعلى ركن المستقرّ ، وعلى الأبلق المفرد ، وعلى باب الرها ، وكانوا يعمدون إلى الأماكن الشريفة ، والمواضع المذكورة فيضعون الخط في أبعد المواضع من الدثور وأمنعها من الدروس ، وأجدر أن يراها من مرّ بها ، ولا ينسى على طول الدهر.

وقال المسعوديّ : واتخذت دلوكة بمصر البرابي والصور وأحكمت آلات السحر ، وجعلت في البرابي صور من يرد من كل ناحية ودوابهم إبلا كانت أو خيلا ، وصورت فيها من يرد من البحر في المراكب من بحر الغرب ، والشام وجمعت في هذه البرابي العظيمة المشيدة البنيان أسرار الطبيعة ، وخواص الأحجار ، والنباتات والحيوانات ، وجعلت ذلك في أوقات فلكية واتصالها بالمؤثرات العلوية ، وكانوا إذا ورد إليهم جيش من نحو الحجاز ، واليمن عوّرت تلك الصور التي في البريا من الإبل وغيرها فيتعوّر ما في ذلك الجيش وينقطع عنهم ناسه ، وحيوانه وإذا كان الجيش من نحو الشام فعل في تلك الصور التي من تلك الجهة التي أقبل منها جيش الشام ما فعل بما وصفنا. فيحدث في ذلك الجيش من الآفات في ناسه وحيوانه ما صنع في تلك الصور التي من تلك الجهة ، وكذلك من ورد من جيوش الغرب ، ومن ورد في البحر من رومية والشام ، وغير ذلك من الممالك. فهابهم الملوك والأمم ومنعوا ناحيتهم من عدوّهم واتصل ملكهم بتدبير هذه العجوز وإتقانها لزمّ أقطار المملكة وأحكامها السياسية.

وقد تكلم من سلف وخلف في هذه الخواص وأسرار الطبيعة التي كانت ببلاد مصر وهذا الخبر من فعل العجوز مستفيض لا يشكون فيه والبرابي بمصر من صعيدها وغيره باقية إلى هذا الوقت وفيها أنواع الصور مما إذا صوّرت في بعض الأشياء أحدثت أفعالا على حسب ما رسمت له ، وصنعت من أجله على حسب قولهم في الطبائع والله أعلم بكيفية ذلك.

قال : وأخبرني غير واحد من بلاد اخميم من صعيد مصر عن أبي الفيض ذي النون بن

٧٤

إبراهيم المصريّ (١) الإخميميّ الزاهد : وكان حكيما وكانت له طريقة يأتيها ، ونحلة يقصدها ، وكان ممن يقرّ على أخبار هذه البرابي وامتحن كثيرا مما صوّر فيها ورسم عليها من الكتابة ، والصور ، قال : رأيت في بعض البرابي كتابا تدبرته فإذا هو : احذر العبيد المعتقين ، والأحداث والجند المتعبدين ، والنبط المستعربين ، ورأيت في بعضها كتابا تدبرته فإذا فيه : يقدّر المقدّر والقضاء يضحك. وفي آخره كتابة تثبتها في ذلك العلوم فوجدتها :

تدبر بالنجوم ولست تدري

ورب النجم يفعل ما يريد

قال : وكانت هذه الأمة التي اتخذت هذه البرابي لهجة بالنظر في أحكام النجوم من المواظبين على معرفة أسرار الطبيعة ، وكان عندها مما دلت عليه أحكام النجوم : أنّ طوفانا سيكون في الأرض ، ولم يقطع على ذلك الطوفان ما هو؟ أنار تأتي على الأرض فتحرق ما عليها؟ أو ماء يغرقها ، أو سيف يبيد أهلها ، فخافت دثور العلوم ، وفناءها بفناء أهلها ، فاتخذت هذه البرابي ورسمت فيها علومها من الصور والتماثيل والكتابة ، وجعلت بنيانها نوعين طينا وحجارة وفرزت ما بني بالطين مما بني بالحجارة ، وقالت : إن كان هذا الطوفان نارا استحجر ما بني بالطين ، وإن كان الطوفان الوارد ماء أذهب ما بنينا بالطين ، ويبقى ما بني بالحجارة ، وإن كان الطوفان سيفا بقي كل من النوعين مما هو من الطين وما هو من الحجر. وهذا ما قيل ، والله أعلم. إنه كان قبل الطوفان ، وإنّ الطوفان الذي كانوا يرقبونه ولم يعينوه أنار هو أم ماء أم سيف. كان سيفا أتى على جميع أهل مصر من أمّة غشيتها ، وملك نزل عليها فأباد أهلها.

ومنهم من رأى أن ذلك الطوفان كان وباء عمّ أهلها. ومصداق ذلك ما يوجد ببلاد تنيس من التلال المتقذرة من الناس من صغير وكبير ، وذكر وأنثى ، كالجبال العظام ، وهي المعروفة ببلاد تنيس من أرض مصر بذات الكوم ، وما يوجد ببلاد مصر ، وصعيدها من الناس المنكسين بعضهم على بعض في الكهوف والغيران والنواويس ، ومواضع كثيرة من الأرض لا يدرى من أي الأمم هم ، فلا النصارى تخبر عنهم أنهم من أسلافهم ، ولا اليهود تقول إنهم من أوائلهم ولا المسلمون يدرون من هؤلاء ، ولا تاريخ ينبئ عن حالهم ، وعليهم أثوابهم وكثيرا ما يوجد في تلك البرابي والجبال من حليتهم. والبرابي ببلاد مصر بنيان قاتم عجيب كالبربا التي بأخميم والتي بسمنود وغير ذلك.

__________________

(١) هو ثوبان بن إبراهيم الإخميمي المصري أبو الفياض أحد الزهاد العباد المشهورين اتهم بالزندقة من قبل المتوكل العباسي كانت له فصاحة وحكمة وشعر. توفي بالجيزة بمصر سنة ٢٤٥ ه‍. الأعلام ج ٢ / ١٠٢.

٧٥

ذكر الدفائن والكنوز التي تسميها أهل مصر المطالب

الأصل في جواز تتبع الدفائن ما رواه أبو عمرو بن عبد البر والبيهقيّ في الدلائل من حديث ابن عباس.

أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لما انصرف من الطائف مرّ بقبر أبي رغال (١) فقال : «هذا قبر أبي رغال ، وهو أبو ثقيف». كان إذا هلك قوم صاح في الحرم فمنعه الله. فلما خرج من الحرم رماه بقارعة ، وآية ذلك أنه دفن معه عمود من ذهب فابتدر المسلمون قبره فنبشوه واستخرجوا العمود منه.

ومن حديث عبد الله بن عمر سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر ، فقال : «هذا قبر أبي رغال وكان بهذا الحرم يدفع عنه ، فلما أخرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه وآية ذلك أنه دفن معه عصا من ذهب إن نبشتم عليه أصبتموه معه» ، فابتدره الناس فأخرجوا العصا الذي كان معه.

وبمصر كنوز يوسف عليه‌السلام ، وكنوز الملوك من قبله ، والملوك من بعده لأنه كان يكنز ما يفضل عن النفقات ، والمؤن لنوائب الدهر ، وهو قول الله عزوجل : (فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ) [الشعراء / ٥٨] ويقال : إن علم الكنوز في كنيسة القسطنطينية نقلت إليها من طليطلة.

ويقال : إنّ الروم لما خرجت من الشام ومصر ، اكتنزت كثيرا من أموالها في مواضع أعدّتها لذلك ، وكتبت كتبا بأعلام مواضعها ، وطرق الوصول إليها ، وأودعت هذه الكتب قسطنطينية ، ومنها يستفاد معرفة ذلك ، وقيل : إن الروم لم تكتب ، وإنما ظفرت بكتب معالم كنوز من ملك قبلها من اليونانيين ، والكلدانيين ، والقبط. فلما خرجوا من مصر والشام ، حملوا تلك الكتب معهم ، وجعلوها في الكنيسة وقيل : إنه لا يعطى من ذلك أحد حتى يخدم الكنيسة مدّة. فيدفع إليه ورقة تكون حظه.

قال المسعوديّ : ولمصر أخبار عجيبة من الدفائن والبنيان ، وما يوجد في الدفائن من ذخائر الملوك التي استودعوها الأرض ، وغيرهم من الأمم ممن سكن تلك الأرض. وتدعى بالمطالب إلى هذه الغاية وقد أتينا على جميع ذلك فيما سلف من كتبنا.

__________________

(١) أبو رغال : قسي بن منبه جد قبيلة ثقيف صاحب القبر الذي يرجم إلى اليوم بين مكة والطائف لأنه كان دليل الحبشة لما غزوا الكعبة فهلك مع من هلك نحو / ٥٠ / ق. ه.

مرّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقبره فأمر برجمه فرجم فكان ذلك سنّة. قال حسان بن ثابت : إذا الثقفي فاخركم فقولوا : هلمّ نقد شأن أبي رغال.

وقال جرير : إذا مات الفرزدق فارجموه

كما ترمون قبر أبي رغال. الأعلام ج ٥ / ١٩٨.

٧٦

(فمن أخبارها) ما ذكره يحيى بن بكير قال : كان عبد العزيز بن مروان ، عاملا على مصر لأخيه عبد الملك بن مروان ، فأتاه رجل متنصح فسأله عن نصحه فقال : بالقبة الفلانية كنز عظيم. قال عبد العزيز : وما مصداق ذلك. قال : هو أن يظهر لنا بلاط من المرمر والرخام عند يسير من الحفر. ثم ينتهي بنا الحفر إلى باب من الصفر تحته عمود من الذهب على أعلاه ديك عيناه ياقوتتان تساويان ملك الدنيا ، وجناحاه مضرجان بالياقوت ، والزمرد (١) ورأسه على صفائح من الذهب على أعلى ذلك العمود ، فأمر له عبد العزيز بنفقة لأجرة من يحفر من الرجال في ذلك ويعمل فيه. وكان هناك تل عظيم ، فاحتفروا حفيرة عظيمة في الأرض ، والدلائل المقدّم ذكرها من الرخام والمرمر تظهر فازداد عبد العزيز حرصا على ذلك ، وأوسع في النفقة وأكثر من الرجالة ، ثم انتهوا في حفرهم إلى ظهور رأس الديك ، فبرق عند ظهوره لمعان عظيم. لما في عينيه من الياقوت ، ثم بان جناحاه ، ثم بانت قوائمه ، وظهر حول العمود عمود من البنيان بأنواع الحجارة ، والرخام وقناطر مقنطرة ، وطاقات على أبواب معقودة ، ولاحت منها تماثيل ، وصور أشخاص من أنواع الصور الذهب وأجرنة من الأحجار قد أطبق عليها أغطيتها ، وسبكت.

فركب عبد العزيز بن مروان ، حتى أشرف على الموضع ، فنظر إلى ما ظهر من ذلك فأسرع بعضهم ، ووضع قدمه على درجة من نحاس ينتهي إلى ما هناك ، فلما استقرّت قدماه على المرقاة ظهر سيفان عاديان عن يمين الدرجة ، وشمالها فالتقيا على الرجل فلم يدرك حتى جزآه قطعا وهوى جسمه سفلا. فلما استقرّ جسمه على بعض الدرج اهتز العمود ، وصفر الديك صفيرا عجيبا أسمع من كان بالبعد من هناك ، وحرّك جناحيه ، وظهرت من تحته أصوات عجيبة ، قد عملت بالكواكب والحركات إذا مال وقع على بعض تلك الدرج شيء أو ماسها شيء انقلبت فتهاوى من هناك من الرجال إلى أسفل تلك الحفرة ، وكان فيها ممن يحفر ويعمل وينقل التراب ، وينظر ويحوّل ويأمر وينهي نحو ألف رجل. فهلكوا جميعا ، فخرج عبد العزيز وقال : هذا ردم عجيب الأمر ممنوع النيل نعوذ بالله منه وأمر جماعة من الناس فطرحوا ما أخرج من هناك من التراب على من هلك من الناس. فكان الموضع قبرا لهم.

قال المسعودي : وقد كان جماعة من أهل الدفائن والمطالب ومن قد اعتنى وأغرى بحفر الحفائر ، وطلب الكنوز وذخائر الملوك والأمم السالفة المستودعة بطن الأرض ببلاد مصر ، قد وقع إليهم كتاب ببعض الأقلام السالفة فيه وصف موضع ببلاد مصر على أذرع يسيرة من بعض الأهرام بأن فيه مطلبا عجيبا ، فأخبروا الإخشيد محمد بن طفج (٢) بذلك

__________________

(١) الزمرد : ضرب من معدن / البريل / أخضر اللون يوجد في صخور الرخام وأشهر مناجمه في جنوب مصر. النجوم الزاهرة ج ١ / ٥٥.

(٢) هو محمد بن طغج بن جف الفرغاني التركي ولد سنة ٢٦٨ ه‍ ببغداد ثم ولي إمرة مصر بعد موت تكين منم قبل القاهر بالله. توفي سنة ٣٣٤ ه‍. ـ

٧٧

فأمرهم بحفره ، وأباحهم استعمال الحيلة في إخراجه ، فحفروا حفرا عظيما إلى أن انتهوا إلى أزج وأقباء وحجارة مجوّفة في صخرة منقورة فيها تماثيل قائمة على أرجلها من الخشب قد طلي بالأطلية المانعة من سرعة البلاء وتفرّق الأجزاء والصور مختلفة فيها صور شيوخ وشبان ونساء وأطفال. أعينهم من أنواع الجواهر كالياقوت والزمرد والزبرجد والفيروزج ، ومنها ما وجوهها ذهب ، وفضة فكسر بعض تلك التماثيل فوجدوا في أجوافها رمما بالية ، وأجساما فانية ، وإلى جانب كل تمثال منها نوع من الأبنية كالبراني وغيرها من المرمر والرخام ، وفيه من الطلي الذي قد طلي منه ذلك الميت الموضوع في التماثيل الخشب والطلاء دواء مسحوق ، وأخلاط معمولة لا رائحة لها ، فجعل منه على النار شيء ففاح منه ريح طيبة مختلفة لا تعرف في نوع من أنواع الطيب. وقد جعل كل تمثال من الخشب على صورة ما فيه من الناس على اختلاف أسنانهم ، ومقادير أعمارهم ، وتباين صورهم ، وبإزاء كل تمثال تمثال من الحجر المرمر ، أو من الرخام الأخضر على هيئة الصنم على حسب عبادتهم للتماثيل والصور. عليها أنواع من الكتابات لم يقف أحد على استخراجها من أهل الملل ، وزعم قوم من أهل الدراية أن لذلك القلم منذ فقد من أرض مصر. أربعة آلاف سنة ، وفيما ذكرناه دلالة على أن هؤلاء ليسوا بيهود ولا نصارى ولم يؤدّهم الحفر إلا لما ذكرناه من هذه التماثيل ، وكان ذلك في سنة ثمان وعشرين وثلثمائة ، وقد كان من سلف وخلف من ولاة مصر. من أحمد بن طولون وغيره ، إلى هذا الوقت وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة ، لهم أخبار عجيبة فيما استخرج في أيامهم من الدفائن ، والأموال والجواهر ، وما أصيب في هذه المطالب من القبور ، وقد أتينا على ذكرها فيما تقدّم من تصنيفنا.

(وركب) أحمد (١) بن طولون يوما إلى الأهرام ، فأتاه الحجاب بقوم عليهم ثياب صوف ، ومعهم المساحي والمعاول ، فسألهم عن ما يعملون فقالوا : نحن قوم نطلب المطالب ، فقال لهم : لا تخرجوا بعدها إلا بمشورتي أو رجل من قبلي وأخبروه أنّ في سمت الأهرام مطلبا قد عجزوا عنه فضم إليهم الرافقي وتقدّم إلى عامل الجيزة في إعانتهم بالرجال والنفقات ، وانصرف فأقاموا مدّة يعملون حتى ظهر لهم ، فركب أحمد بن طولون إليهم وهم يحفرون ، فكشفوا عن حوض مملوء دنانير ، وعليه غطاء مكتوب عليه بالبربطية فأحضر من قرأه : فإذا فيه أنا فلان بن فلان الملك الذي ميز الذهب من غشه ودنسه فمن أراد أن يعلم فضل ملكي على ملكه فلينظر إلى فضل عيار ديناري على عيار ديناره ، فإن مخلص الذهب من الغش مخلص في حياته وبعد وفاته ، فقال أحمد بن طولون : الحمد لله أنّ ما

__________________

ـ والإخشيد بلسان الفرغانة : ملك الملوك. النجوم الزاهرة ج ٣ / ٢٨٩.

(١) الأمير أبو العباس أحمد بن طولون التركي أمير مصر ولي مصر بعد عزل أرخوز سنة ٢٥٤ ه‍. وله من العمر ٣٤ سنة. كانت ولادته في سامراء سنة ٢٢٠ ه‍ وتوفي بمصر سنة ٢٧٠ ه‍. النجوم الزاهرة ج ٢ / ٦٢.

٧٨

نبهتني عليه هذه الكتابة أحبّ إليّ من المال ، ثم أمر لكل من القوم المطالبية بمائتي دينار منه ولكل من الصناع بخمسة دنانير بعد توفية أجرة عمله ، وللرافقي بثلاثمائة دينار ، ولنسيم الخادم بألف دينار وحمل باقي الدنانير ، فوجدها أجود من كل عيار ، وشدّد من حينئذ في العيار بمصر. حتى صار عيار ديناره الذي عرف بالأحمديّ أجود عيار ، وكان لا يطلى إلا به.

ذكر هلاك أموال أهل مصر

قال الله عزوجل : (وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما) [يونس / ٨٨ ـ ٨٩] هذا دعاء من موسى عليه‌السلام ، على فرعون وقومه من أهل مصر ، لكفرهم أن يهلك الله أموالهم. قال الزجاج : طمس الشيء : إذهابه عن صورته.

وعن عبد الله بن عباس رضي‌الله‌عنهما ، وعن محمد بن كعب القرظي أنهما قالا : صارت أموال أهل مصر ودراهمهم حجارة منقوشة كهيئتها صحاحا ، وأثلاثا وأنصافا ، فلم يبق معدن إلا طمس الله عليه فلم ينتفع به أحد بعدهم. وقال قتادة : بلغنا أن أموالهم وزروعهم صارت حجارة. وقال مجاهد : وعطية أهلكها الله تعالى حتى لا ترى يقال : عين مطموسة أي ذاهبة ، وطمس الموضع : إذا عفا ودرس. وقال ابن زيد : صارت دنانيرهم ودراهمهم وفرشهم وكل شيء لهم حجارة. وقال محمد بن كعب : وكان الرجل منهم يكون مع أهله وفراشه وقد صارا حجرين. قال : وقد سألني عمر بن عبد العزيز ، فذكرت ذلك فدعا بخريطة أصيبت بمصر ، فأخرج منها الفواكه والدراهم والدنانير وإنها لحجارة.

وقال محمد بن شهاب الزهري : دخلت على عمر بن عبد العزيز فقال : يا غلام ائتني بالخريطة. فجاء بخريطة نثر ما فيها ، فإذا فيها دراهم ودنانير وتمر وجوز وعدس وفول. فقال : كل يا ابن شهاب فأهويت فإذا هو حجارة فقلت : ما هذا يا أمير المؤمنين؟ قال : هذا مما أصاب عبد العزيز بن مروان في مصر إذ كان عليها واليا وهو مما طمس الله عليه من أموالهم.

وقال المضارب بن عبد الله الشامي : أخبرني من رأى النخلة بمصر مصروعة وإنها لحجر. ولقد رأيت ناسا كثيرا قياما وقعودا في أعمالهم لو رأيتهم ما شككت فيهم قبل أن تدنو منهم إنهم أناس وإنهم لحجارة. ولقد رأيت الرجل من رقيقهم وإنه لحارث على ثورين وإنه وثوريه لحجارة. ونقل وسمة بن موسى في قصص الأنبياء : أن فرعون لما هلك وقومه وآمنت بنو إسرائيل غائلته ندب موسى عليه‌السلام ؛ من نقبائه الاثني عشر نقيبين : أحدهما : كالب بن موقيا ، والآخر : يوشع بن نون ، مع كل واحد من سبطه اثنا عشر ألفا وأرسلهما إلى

٧٩

مصر. وقد خلت من حاميها لغرق أهلها مع فرعون فأخذوا ذخائر فرعون وكنوزه ، وعادوا إلى موسى. فذلك توريثهم أرض مصر يعني قول الله عزوجل عن قوم فرعون : (فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ) [الشعراء / ٥٨] ، (كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ) [الدخان / ٢٨] ، وقوله تعالى : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها) [الأعراف / ١٣٧] يعني أرض مصر أورثناها بني إسرائيل لأنهم هم المستضعفون الذين كانوا فيها بدليل قوله تعالى : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) [القصص / ٥]. قال جامعه ومؤلفه رحمه‌الله تعالى : أخبرني داود بن رزق بن عبد الله وكانت له سياحات كثيرة بأرض مصر أنه عبر إلى واد بالقرب من القلمون بالوجه القبلي فرأى فيه مقاتات كثيرة ما بين بطيخ وقثاء وتفاح وكلها حجارة وكان قد أخبرني قديما بعض الأعيان أنه شاهد في سفره إلى البلاد من أرض مصر بطيخا كثيرا كله حجارة وكذلك البطيخ من الصنف الذي يقال له العبدلي.

ذكر أخلاق أهل مصر وطبائعهم وأمزجتهم

قال أبو الحسن عليّ بن رضوان (١) الطبيب : مصر ، اسم فيما نقلت الرواة يدل على أحد أولاد نوح النبي عليه‌السلام ، فإنهم ذكروا أنّ مصر هذا نزل بهذه الأرض فانسل فيها ، وعمرها فسميت باسمه ، والذي يدل عليه هذا الاسم اليوم هو الأرض التي يفيض عليها النيل ، ويحيط بها حدود أربعة ؛ وهي : أنّ الشمس تشرق على أقصى العمارة بالشرق قبل أن تغيب عن آخر العمارة بالغرب بثلاث ساعات ، وثلثي ساعة. فيجب من ذلك أن تكون هذه الأرض في النصف الغربيّ من الربع العامر ، والنصف الغربيّ من الربع العامر على ما قال أبقراط ، وبطليموس : أقل حرارة وأكثر رطوبة من النصف الشرقيّ. لأنه قسم كوكب القمر ، والنصف الشرقيّ في قسم كوكب الشمس ، وذلك أن الشمس تشرق على النصف الشرقيّ قبل شروقها على النصف الغربيّ ، والقمر يهل على النصف الغربيّ قبل النصف الشرقيّ.

وقد زعم قوم من القدماء أنّ أرض مصر في وسط الربع من المعمور من الأرض بالطبع ، فأما بالقياس فعلى ما ذكرنا من أنها في النصف الغربيّ ، والحدّ الثالث هو أن أوّل بعد هذه الأرض عن خط الاستواء في جهة الجنوب أسوان وبعدها عن خط الاستواء اثنان وعشرون درجة ونصف ، فالشمس تسامت رؤوس أهلها مرّتين في السنة عند كونها في آخر الجوزاء ، أو في أوّل السرطان ، وفي هذين الوقتين لا يكون للقائم بأسوان نصف النهار ظل أصلا ، فالحرارة واليبس والإحراق غالب على مزاجها لأنّ الشمس تنشف رطوبتها ، ولذلك صارت ألوانهم سودا وشعورهم جعدة لاحتراق أرضهم.

__________________

(١) رياضي من علماء أهل مصر. اتصل بالحاكم الفاطمي فجعله رأسا للأطباء وهو من كبار الفلاسفة.

توفي سنة ٤٥٣ ه‍. الأعلام ج ٤ / ٢٨٩.

٨٠