كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ١

تقي الدين احمد بن علي المقريزي

كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ١

المؤلف:

تقي الدين احمد بن علي المقريزي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٩

عدت على رواحلهما الإنسية ، فآذتها ، وقتلتها فتحيل عند ذلك الرجلان الفزاريان بحيل ، وفتلا حبالا وأشراكا شباكا من ليف النخل ، وقيدا تلك الإبل الوحشية ، وفتلا خوصا ، وضفرا قفاصا من الخوص لزادهما ، وملآها تمرا ، وزللا من تلك الإبل الوحشية مكان رواحلهما عوضا عنها ، وركباها متوجهين نحو الشرق ، وحملا معهما من الجريد أعني جريد النخل ما يعرفان به الطريق التي بينهما وبينها ، ويجعلان ذلك أمارات لمرورهما إليها ، فكانا كلما مرّا على شرف جعلا عليه ، جريدتين علما ، حتى وصلا إلى الجبل الغربيّ من مصر ، فنزلا إلى البهنسا ، فعرّفا قومهما ، وتحملا بأهاليهما ، فلما علوا سطح الجبل الغربيّ ، وجدا كلّ ما فرقاه من جريد النخل على رؤوس الآكام مجتمعا في مكان واحد في أعلى الجبل ، فرجعا عند ذلك لأهاليهما ، ومن معهم إلى أرض البهنسا ، وهذا ما حدّثني به ، والله أعلم.

ذكر مدينة الأشمونين

كانت من أعظم مدن الصعيد ، يقال : إنها من بناء أشمون بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه‌السلام.

وقال ابن وصيف شاه : كان أشمون أعدل ولد أبيه ، وأرغبهم في صنعة تبقى ، ويبقى ذكرها ، وهو الذي بنى المجالس المصفحة بالزجاج الملوّن وسط النيل ، وتقول القبط : إنه بنى سربا تحت الأرض من الأشمونين إلى أنصنا تحت النيل ، وقيل : إنه حفره ، وعمله لبناته لأنهنّ كنّ يمضين إلى هيكل الشمس ، وكان هذا السرب مبلط الأرض والحيطان والسقف بالزجاج الثخين الملوّن.

وقيل : إنّ أشمون كان أطول إخوته ملكا.

وقال أهل الأثر : إنه ملك ثمانمائة سنة ، وإنّ قوم عاد انتزعوا منه الملك بعد ستمائة من ملكه ، وأقاموا تسعين سنة واستولوا على البلد ، فانتقلوا إلى الدثنية (١) من طريق الحجاز إلى وادي القرى ، فعمروها ، واتخذوا بها المنازل ، والمصانع وسلط الله عليهم الذر ، فأهلكهم ، وعاد ملك مصر إلى أشموم.

ويقال : إنه عمل على باب الأشمونين أوزة من نحاس ، فكان الغريب إذا جاء ليدخل المدينة ، صاحت الأوزة وصفقت بجناحيها ، فيعلم به فإن أحبوا منعوه ، وإن أحبوا تركوه ، وكثرت الحيات في وقته ، فكانوا يصيدونها ، ويعملون من لحومها ، أدوية وترياقات ، ثم ساقوها بسحرهم إلى وادي الحيات في جبال لوبية ومراقية ، فسجنوها هناك.

وقال في كتاب هروشيش : إنّ أشمون بن قبط أوّل ملوك المصريين ، وإنّه كان في

__________________

(١) الدثينة : ناحية بين الجند وعدن وقال الزمخشري هي منزل لبني سليم. معجم البلدان ج ٢ / ٤٤٠.

٤٤١

زمان شاروح بن راغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح ، وإن سنيّ الدنيا صارت إلى زمان شاروح ، ألفين وتسعمائة وخمس سنين يكون ذلك بعد الطوفان بستمائة وثلاث وستين سنة ، وبها كانت فرهة الخيل ، والبغال والحمير ، وكان يعمل بها فرش القرمز الذي يشبه الأرمني.

وكان ينزل بأرض الأشمونين عدّة بطون من بني جعفر بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، وكانوا بادية أصحاب شوكة ، وكان معهم بنو مسلمة بن عبد الملك بن مروان خلفاء لهم ، ومعهم بطن آخر يقال لهم : إنّ أباهم كان مولى لعبد الملك بن مروان ، ويزعمون أنهم من بني أمية صلبية ، وكان معهم أيضا حلفاء لهم بنو خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ينزلون ، أرض دلجة عند أشمون.

ذكر مدينة إخميم

ضبطها البكري (١) : بكسر الهمزة ، وإسكان الخاء ، ثم ميم وياء وميم على بناء إفعيل ، وهي في الجانب الشرقيّ من النيل ، والذي بناها مناقيوش أحد ملوك القبط الأول.

قال ابن وصيف شاه : كان جلدا محتكما ، فاستأنف العمارة وبنى القرى ، ونصب الأعلام ، وجمع الحكم ، ومصاحف الملوك والحكماء ، وعمل العجائب ، وبنى لنفسه مدينة انفرد بها ، وعمل عليها حصنا ، ونصب عليه أربعة أعلام في كل ركن من أركانه علم ، وبين تلك الأعلام ثمانون صنما من نحاس ، وأخلاط في أيديهما السلاح ، وزبر على صدرها آياتها.

وكان بمنف رجل من أولاد الكهنة من أعلم الناس بالسحر ، وأبصرهم بأخذ التماسيح والسباع ، وكان يعلم الغلمان السحر ، فإذا حذقوا علّم غيرهم ، فأمر الملك أن يبني له مدينة ، ويحوّل إليها وهي إخميم ، فملكهم مناقيوش نيفا وأربعين سنة ومات ، فدفن في الهرم المحاذي لأطفيح ، ومعه شيء كثير من المال والجوهر والآنية والتماثيل ، وزبر عليه اسمه ، والوقت الذي هلك فيه ، قال : وذكر أهل إخميم : أنّ رجلا أتى من الشرق وكان يلزم البربا ، ويأتي إليه كل يوم ببخور ، وخلوق فيبخر ، ويطيب صورة في عضادة الباب ، فيجد تحتها دينارا ، فيأخذه ، وينصرف ففعل ذلك مدّة حتى وشى به غلام له إلى عامل البلد ، فقبض عليه ، فبذل مالا وخرج عن البلد.

وكانت بربا إخميم من أعجب البرابي ، وأعظمها قد بنيت لخزن برّهم فإنهم قضوا على أهل مصر بالطوفان قبل وقته بقرائن ، لكنهم اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : تكون نار

__________________

(١) البكري : عبد الله بن عبد العزيز البكري أبو عبيد مؤرخ جغرافي ثقة علامة بالأدب. له عدة مؤلفات منها : (معجم ما استعجم) توفي سنة ٤٨٧ ه‍. الأعلام ج ٤ / ٩٨.

٤٤٢

فتحرق ماء على جميع وجه الأرض ، وقال آخرون : بل يكون ماء ، فعملوا هذه البرابي قبل الطوفان ، وكان في هذه البربا صور الملوك الذين يملكون مصر ، وكانت مبنية بحجر المرمر ، وطول كل حجر منها ، خمسة أذرع في سمك ذراعين ، وهي سبعة دهاليز سقوفها حجارة طول الحجر منها ثمانية عشر ذراعا في عرض خمسة أذرع مدهونة باللازورد ، وغيره من الأصباغ التي يحسبها الناظر ، كأنما فرغ الدّهان منها الآن لجدتها ، وكان كل دهليز منها على اسم كوكب من الكواكب السبعة السيارة ، وجدران هذه الدهاليز منقوشة بصور مختلفة الهيئات والمقادير ، فيها رموز علوم القبط من الكيمياء ، والسيمياء ، والطلسمات ، والطب والنجوم ، والهندسة وغير ذلك ، أودعوها تلك الصور.

وذكر ابن جبير في رحلته : أنّ طول هذه البربا مائتا وعشرون ذراعا ، وسعتها مائة وسبعون ذراعا ، وأنها قائمة على أربعين ، سارية سوى الحيطان دور كل سارية خمسون شبرا ، وبين كل ساريتين ثلاثون شبرا ، ورؤوسها في نهاية العظم كلها منقشة من أسفلها إلى أعلاها ، ومن رأس كل سارية إلى الأخرى لوح عظيم من الحجر المنحوت ، فيها ما ذرعه ستة وخمسون شبرا طولا في عرض عشرة أشبار ، وارتفاع ثمانية أشبار ، وسطحها من ألواح الحجارة كأنها فرش واحد فيه التصاوير البديعة ، والأصبغة الغربية كهيئة الطيور والآدميين ، وغير ذلك في داخلها وخارجها ، وعرض حائط البربا ثمانية عشر شبرا من حجارة مرصوصة ، كذا قاسها ابن جبير في سنة ثمان وسبعين وخمسمائة.

ويقال : إنّ ذا النون عرف منها ، علم الكيمياء ، وما زالت هذه البربا قائمة إلى سنة ثمانين وسبعمائة ، فخرّبها رجل من أهل إخميم يعرف : بالخطيب كمال الدين بن بكر الخطيب علم الدين عليّ ، ونال منها مالا ، فلم تطل حياته ، ومات ، ومن حينئذ تلاشى أمر إخميم إلى أن خربت ، وقد ذكر جماعة أنّ بربا إخميم كانت في هيئة غلام أمرد عريان ، وإنّ قوما دخلوها مرّة فتبعهم ، وأخذ يضربهم ضربا وجيعا ، حتى خرجوا هاربين ، وحكى مثل ذلك عمن دخل الأهرام أيضا.

وقد حكي أنّ رجلا ألصق على صورة من بربا إخميم شمعة ، فكان إذا تركها في موضع التجأت العقارب إليها ، وإذا وضع الشمعة في تابوت اجتمعت العقارب حوله.

ويقال : إنه كان في بربا إخميم شيطان قائم على رجل واحدة ، وله يد واحدة ، وقد رفعها إلى الهواء ، وفي جبهته وحواليه كتابة ، وله إحليل ظاهر ملتصق بالحائط ، وكان يذكر أنّ من احتال ، حتى ينقب على ذلك الإحليل حتى يخرجه ، من غير أن ينكسر ، ويعلقه على وسطه ، فإنه لا يزال منغطا إلى أن ينزعه ، ويجامع ما أحب ، ولا يفتر ما دام معلقا عليه ، وإنّ بعض من ولي إخميم اقتلعه ، فوجد منه شيئا عجيبا من ذلك ، وكانت الأنطاع تجلب من إخميم ، وبها تعمل.

٤٤٣

ويقال : إنه كان بها اثنا عشر ألف عريف على السحرة ، وكان بها شجر البنج ، ويقال : إنّ الذي بنى بربا إخميم اسمه دومريا ، وإنه جعل هذه البربا مثلا للأمم الآتية بعده ، وكتب فيها تواريخ الأمم والأجيال ومفاخرهم التي يفتخرون بها ، وصوّر فيها الأنبياء والحكماء ، وكتب فيها من يأتي من الملوك إلى آخر الدهر ، وكان بناؤه إياها والنسر برأس الحمل ، والنسر يقيم عندهم في كل برج ثلاثة آلاف سنة.

قلت : والنسر في زماننا بآخر باب برج الجدي ، فيكون على ذلك لهذه البربا منذ بنيت نحو الثلاثين ألف سنة.

وذكر أبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم القيسيّ (١) في كتاب تحفة الألباب : أن هذه البربا مربعة من حجارة منحوتة ، ولها أربعة أبواب يفضي كل باب إلى بيت له أربعة أبواب كلها مظلمة ، ويصعد منها إلى بيوت كالغرف على قدرها.

ذكر مدينة العقاب

قال المسعوديّ : مدينة العقاب غربيّ أهرام أبو صير بالجيزة على مسيرة خمسة أيام بلياليها للراكب المجدّ ، وقد عوّر طريقها ، وعمي المسلك إليها ، والسمت الذي يؤدّي نحوها ، وفيها عجائب البنيان والجواهر ، والأموال.

وقال ابن وصيف شاه : وكان الوليد بن دومع العمليقيّ ، قد خرج في جيش كثيف يتنقل في البلدان ، ويقهر ملوكها ، فلما صار بالشام ، وجه غلاما له يقال له : عون ، فسار إلى مصر ، وفتحها ، ثم سار ، فتلقاه عون ودخل مصر ، فاستباح أهلها.

ثم سنح له أن يقف على مصب النيل ، فخرج في جيش كثيف ، واستخلف عونا على مصر ، وأقام في غيبته أربعين سنة ، وإنّ عونا بعد سبع سنين من مسيرة تجبر ، وادّعى أنه الملك ، وأنكر أن يكون غلام الوليد وإنما هو أخوه ، وغلب بالسحر ، وسبى الحرائر فمال الناس إليه ، ولم يدع امرأة من بنات ملوك مصر ، إلا نكحها ، ولا مالا إلا أخذه وقتل صاحبه ، وهو مع ذلك يكرم الكهنة ، ويعظم الهياكل ، فاتفق أنه رأى الوليد في منامه ، وهو يقول له : من أمرك أن تتسمى باسم الملك؟ وقد علمت أنه من فعل ذلك استحق القتل ، ونكحت بنات الملوك ، وأخذت الأموال بغير واجب ، ثم أمر بقدر ملئت زيتا ، وأحميت حتى غلت ، ونزع ثيابه ليلقيه فيها ، فأتاه عقاب ، فاختطفه ، وحلق به في الجوّ ، وجعله في هوّة على رأس جبل ، فسقط إلى واد فيه حمأة منتنة ، فانتبه مرعوبا ، وقص ذلك على كهنته ، فقالوا : نحن نخلصك منه بأن تعمل عقابا وتعبده ، فإنه الذي خلصك في نومك ، فقال :

__________________

(١) راجع ص ٤٢٥ حاشية ٢.

٤٤٤

أشهد لقد قال لي : إعرف لي هذا المقام ، ولا تنسه ، فعمل عقابا من ذهب ، وجعل عينيه جوهرتين ، ووشحه بالجوهر ، وعمل له هيكلا لطيفا ، وأرخى عليه ستور الحرير ، وأقبلوا على تبخيره وقربانه ، حتى نطق لهم ، فأقبل عون على عبادته ، ودعا الناس إلى ذلك ، فأجابوه ، ثم أمر فجمع له كل صانع بمصر ، وأخرج أصحابه إلى صحراء الغرب لطلب أرض سهلة حسنة الاستواء يدخل إليها من مواضع صعبة ، وجبال وعرة بحيث تقرب من مغيض الماء التي هي اليوم : الفيوم ، وكانت مغيضا لماء النيل ، حتى أصلحها يوسف عليه‌السلام ليجري الماء منها إلى المدينة ، فخرجوا ، وأقاموا شهرا يطوفون حتى وجدوا بغيته ، فلم يبق بمصر فاعل ، ولا مهندس ، ولا أحد له بصر بالبناء ، وقطع الصخور ، ونحتها ، إلّا وجّه إليها ، وأنفذ ألف رجل من الجيش ، وسبعمائة ساحر لمعاونتهم ، وأنفذ معهم الآلات والأزواد على العجل وطريق هذه العجل إلى الفيوم في صحراء الغرب واضحة من خلف الأهرام.

فلما تكامل له ما أراد من نحت الحجارة ، خطوا المدينة فرسخين في مثلهما ، وحفروا في الوسط بئرا جعلوا فيها تمثال خنزير من نحاس بأخلاط ، ونصبوه على قاعدة نحاس ، ووجهه إلى الشرق ، وذلك بطالع بيت زحل واستقامته وسلامته ، وكان في شرفه ، وذبحوا خنزيرا ، ولطخوا التمثال بدمه في وجهه ، وبخروه بشيء من شعره ، وحشوا جوفه بدمه ، وشعره وعظامه ولحمه ومرارته ، وجعلوا في أذنيه من مرارته ، وحرّقوا بقية الخنزير ، وجعلوا رماده في قلة من نحاس بين يدي التمثال ، ونقشوه بآيات زحل ، ثم شقوا في البئر من الجهات الأربع في كل جهة ، سربا إلى حيطان المدينة ، وعملوا على أفواهها منافس تجذب الهواء ، وسدّوا البئر من الجهات الأربع قبة على عمد مرتفعة على حيطان المدينة ، وجعلوا فيها شوارع يتصل كل شارع بباب من أبواب المدينة ، وفصلوها بالطرقات والمنازل ، وجعلوا حول القبة تماثيل فرسان من نحاس بأيديهما حراب ، ووجوهها تجاه الأبواب ، وجعلوا أساس المدينة من حجر أسود ، فوقه حجر أحمر ، عليه حجر أصفر ، من فوقه حجر أخضر ، وفوق الجميع حجر أبيض يشف ، وكلها مبنية بالرصاص المصبوب بين الحجارة ، وفي قلوبها أعمدة من حديد على بناء الأهرام ، وجعلوا طول حصنها ستين ذراعا في عرض عشرين ، وعلى رأس كل باب حصن بأعلاه ، عقاب كبير من صفر وأخلاط ، قد نشر جناحيه ، وهو أجوف ، وعلى كل ركن فارس بيده حربة ، ووجهه إلى خارج المدينة ، وساق الماء إلى الباب الشرقيّ ينحدر في صبه إلى الباب الغربيّ ، ويخرج إلى صهاريج ، وكذلك من الباب الجنوبيّ إلى الشماليّ ، وقرّب للعقاب ، عقبانا ذكورا ، واجتلب الرياح إلى أفواه التماثيل ، فصار يسمع لها أصوات هائلة ، ووكل بها أرواحا تمنع الداخل إليها ، إلا أن يكون من أهلها.

ونصب العقاب الذي يتعبد له تحت القبة في وسط المدينة على قاعدة بأربعة أركان

٤٤٥

على كل ركن ، وجه شيطان ، وجعلها على عمود يديرها ، فكان العقاب يدور إلى الجهات ، فيقيم في كل جهة ربع السنة ، فلما تمّ ذلك نقل إلى المدينة الأموال والجواهر التي بمصر من عهد الملوك ، والتماثيل والحكم ، وتراب الفضة والعقاقير والسلاح ، وحوّل إليها كبار السحرة والكهنة ، وأصحاب الصنائع ، والتجار وقسم المساكن بينهم ، فلا يختلط أهل صناعة بسواهم وعمل بها ربضا (١) لأصحاب المهن والزراعة ، وعقد على تلك الأنهار قناطر يمشي عليها الداخل إلى المدينة ، وجعل الماء يدور حول الربض ، ونصب عليها أعلاما وحرسا ، ثم غرس وراء ذلك مما يتصل بالبرية النخل والكرم ، وجميع أصناف الشجر على أقسام مقسومة ، ومن وراء ذلك كله مزارع الغلات من كل جهة ، كل ذلك خوفا من الوليد.

قال : وبين هذه المدينة ، وبين منف ثلاثة أيام ، وكان يقيم فيها ويخرج إليها ، ثم يعود إلى منف وكان لها أربعة أعياد في السنة ، وهي : الأوقات التي يتحوّل العقاب فيها ، فلما تمّ لعون ذلك ، اطمأنّ قلبه ، إلى أن وافى إليه كتاب الوليد من النوبة يأمره بحمل الأزواد ، ونصب الأسواق ، فوجه إليه في البرّ والبحر ، بما أراد وحوّل أهله ومن اصطفاه من بنات الملوك والكبراء إلى المدينة.

فلما قرب الوليد ، خرج إليها وتحصن فيها ، واستخلف على منف ، فقدم الوليد ، وقد سمع ما فعله عون ، فغضب ، وهمّ أن يبعث إليه جيشا ، فعرّف بخبر المدينة ومنعتها ، وخبر السحرة ، فكتب إليه أن يقدم عليه ، ويحذره عاقبة التخلف ، فأجابه ما على الملك مني مؤنة ولا تعرّض ، ولا عيب في بلده لأني عبده ، وأنا له ردء في هذا المكان من كل عدوّ يأتيه من الغرب ، ولا أقدر على المسير إليه لخوفي منه ، فليقرّني الملك بحالي كأحد عماله ، وأوجه إليه ما يلزمني من خراجه وهداياه ، وبعث إليه بأموال جليلة ، وجوهر نفيس ، فكف عنه ، وأقام الوليد بمصر حتى مات.

ذكر مدينة الفيوم (٢)

اعلم : أن موضع الفيوم كان مغيض ماء النيل ، فلما ولي السيد يوسف الصدّيق عليه‌السلام تدبير ، أمور مصر عمّرها. قال ابن وصيف شاه : ثم ملك الريان بن الوليد ، وهو فرعون وسف ، والقبط تسميه : نهر أوش ، فجلس على سرير الملك ، وكان عظيم الخلق جميل الوجه عاقلا متمكنا ، فوعد بالجميل ، وأسقط عن الناس خراج ثلاث سنين ، وفرّق المال في الخاص والعامّ.

__________________

(١) الربض : الناحية المسوّرة.

(٢) الفيوم : مدينة بمصر وهي ولاية غربية بينها وبين الفسطاط أربعة أيام بينهما مفازة لا ماء فيها ، وقيل : إن سيدنا يوسف عليه‌السلام حفر نهرا عظيما حتى ساقه إلى الفيوم. معجم البلدان ج ٤ / ٢٨٦.

٤٤٦

وملك على البلد رجلا من أهل بيته يقال له : أطفين ، وهو الذي يسميه أهل الأثر العزيز فأمر أن ينصب له في قصر الملك سرير من فضة يجلس عليه ، ويغدو فيه ، ويروح إلى باب الملك ، ويخرج العمال والكتاب بين يديه ، فكفى نهراوش ، ما خلف ستره ، وقام بجميع أموره ، وخلاه للذته ، فانغمس نهر أوش في لهوه ، ولم ينظر في عمل ، ولا ظهر للناس حينا ، والبلد عامر ، وهو لا يسأل عن شيء ، وعمل له مجالس من زجاج ملوّن ، وحولها ماء فيه أسماك مفرطة وبلور ملوّن ، فكان إذا وقعت عليه الشمس ، ظهر له شعاع عجيب ، وعملت له عدّة منتزهات على عدد أيام السنة ، فكان كل يوم في موضع منها ، وعمل له في كل موضع من الآنية والفرش ما ليس لغيره ، فاتصل بملوك النواحي تشاغله بلذاته ، وتدبير أطفين.

فسار ملك من العماليق يقال له : أبو قابوس عاكر بن ينحوم إلى مصر ، ونزل على حدودها ، فجهز إليه العزيز جيشا عليه قائد يقال له : بريانس ، فأقام يحاربه ثلاث سنين ، فظفر به العمليقيّ وقتله ، وهدم الأعلام والمصانع ، وقوي طعمه في البلد ، فاجتمع الناس إلى قصر الملك ، واستغاثوا ، فخرج إليهم وعرض جيوشه ، وخرج في ستمائة ألف مقاتل سوى الأتباع ، فالتقوا من وراء الحوف ، وكان بينهما قتال شديد ، فانهزم العمليقيّ ، وتبعه نهراوش إلى حدّ الشام ، وقتل خلقا من أصحابه ، وأفسد زروعهم ، وأشجارهم ، وحرّق وصلب ، ونصب أعلاما على الأماكن التي وصلها وزبر عليها ، أنى لمن تجاوز هذا المكان بالمرصاد.

وقيل : إنه بلغ الموصل ، وضرب على أهل الشام خراجا ، وبنى عند العريش مدينة لطيفة ، وشحنها بالرجال ، ورجع إلى مصر ، فحشد من جميع الأعمال جنودا ، واستعدّ لغزو ملك الغرب ، وخرج في سبعمائة ألف ، فمرّ بأرض البربر ، وأجلى كثيرا منها ، وجهز قائدا في السفن من ناحية رقودة إلى جزائر بني يافث ، فعاث فيها ، وخرج من ناحية أرض البربر ، فقتل وصالح بعضهم على مال حملوه إليه ، ومضى إلى إفريقية وقرطاجنة ، فصالحوه على مال ، ومرّ حتى بلغ مصب البحر الأخضر إلى بحر الروم ، وهو موضع أصنام النحاس ، فأقام هناك صنما زبر عليه ، اسمه ، وتاريخ خروجه ، وضرب على أهل تلك النواحي الخراج ، وعدّى إلى الأرض الكبيرة.

وسار إلى الأندلس ، فحاربه ملكها أياما ، ثم صالحه على مال وأن يمنع من يغزو مصر من ناحيته ، وانصرف على غير البحر مشرّقا في بلاد البربر ، فلم يمرّ بأمّه إلا ودخلت في طاعته ، ومرّ في الجنوب ، فقتل خلقا وبعث قائدا إلى مدينة على البحر الأسود ، فخرج إليه ملكها ، وذكر له حال الريان ومصالحة الملوك له ، فقال : ما بلغنا أحد قط ، وسأله القائد عن البحر هل ركبه أحد قط؟ فقال : ما يقدر أحد على ركوبه ، وربما أظله غمام ، فلا يرى أياما.

٤٤٧

وقدم الريان ، فحملوا الهدايا إليه وفاكهة أكثرها الموز ، وحجارة سوداء إذا جعلت في الماء صارت بيضاء ، ثم سار الملك على أمم السودان إلى مملكة الدمدام (١) الذين يأكلون الناس ، فخرجوا إليه عراة ، فهزمهم وظفر بهم ، ومرّ على البحر المظلم ، فغشيهم منه غمام ، فترجع شمالا حتى انتهى إلى تمثال من حجر أحمر يومئ بيده ارجعوا ، وعلى صدره مزبور ما ورائي أحد ، فسار إلى مدينة النحاس ، فلم يصل إليها ومضى إلى الوادي المظلم ، فكانوا يسمعون منه جلبة عظيمة ، ولا يرون أحدا لشدّة ظلمته ، وسار إلى وادي الرمل ، فرأى على معبره أصناما عليها أسماء الملوك ، فأقام عليه صنما زبر عليه اسمه ، فلما أثبت الرمل جاز عليه إلى الخراب المتصل بالبحر الأسود ، فرأى سباعا يزأر بعضها على بعض ، فحكم أنه لا مذهب له من ورائها ، فرجع وعدّى وادي الرمل ، ومرّ بأرض العقارب فهلك بعض أصحابه ، ودفعوا عن أنفسهم أذاها بالرقي وجازها إلى مدينة الحكماء ، وتعرف بمدينة الكند ، ففرّوا منه إلى جبل.

فأقام عليه أياما حتى كاد يهلك جيشه عطشا ، فنزل إليه من الجبل رجل من أفاضل الحكماء ، وقد لبس شعره جسده ، فقال للملك : أين تريد أيها المغرور الممدود له في الأجل المرزوق فوق الكفاية أتعبت نفسك ، وجيشك ألا اجترأت بما تملكه ، واتكلت على خالقك ، وربحت الراحة ، وتركت العناء والغرر بهذا الخلق؟ فعجب من قوله وسأله عن الماء ، فدله عليه ، وسأله عن موضعهم فقال : موضع لا يصل إليه أحد ولا بلغه قبلك أحد ، فقال : ما عيشك؟ قال : من أصول النبات نقنع به ، ويكفينا اليسير ، قال : فمن أين تشربون؟ قال : من الأمطار والثلوج ، قال : فلم هربتم منا؟ قال : زهادة في مخالطتكم وإلا فليس لنا ما نخافكم عليه ، قال : فكيف بكم إذا حميت الشمس؟ قال : نأوي إلى غيران تحت هذا الجبل ، قال : فهل لكم في مال أخلفه لكم؟ قال : إنما يريد المال أهل الترف ، ونحن لا نستعمل منه شيئا استغنينا عنه بما قد اكتفينا به ، وعندنا منه ما لو رأيته لاحتقرت ما عندك ، قال : فأرنيه ، فانطلق بنفر من أصحابه إلى أرض في سفح جبلهم فيها قضبان ذهب ناتئة ، وأراهم واديا لهم في حافتيه حجارة زبرجد ، وفيروز فأمر نهراوش أصحابه أن يحملوا من كبار تلك الحجارة ، ففعلوا.

ورأى الحكيم جماعة الملك يصلون إلى صنم يحملونه معهم ، فسأل الملك : أن لا يقيم بأرضهم ، وخوّفه من عبادة الأصنام ، فودّعه وسار ، فلم يمرّ بأمّه إلا أثر فيها حتى بلغ النوبة ، فصالحهم على مال ، وأقام على دنقلة (٢) صنما ، وزبر عليه اسمه ومسيره ، وسار يريد مدينة منف ، فكان أهل كل مدينة من مدائن مصر يتلقونه بالفرح والسرور والرياحين

__________________

(١) مملكة الدمدم : جنوبي بلاد التكرور وأهلها يشبهون التتر في تدوير وجوههم. الأعشى ج ٥ / ٣٢١.

(٢) دنقلة : وردت في معجم البلدان : دمقلة وبخط السكري : دنكلة. معجم البلدان ج ٢ / ٤٧٨.

٤٤٨

والطيب إلى أن بلغ منف ، فخرج أهلها إليه مع العزيز بأصناف الرياحين ، والطيب ، وكان العزيز قد بنى له مجلسا من زجاج ملوّن وفرشه بأحسن فرش ، وغرس حوله الأشجار والرياحين ، وجعل فيه بحرة من زجاج سماويّ ، وفي أرضه شبه السمك من زجاج أبيض ، فنزل الملك فيه ، وأقام الناس يأكلون ويشربون أياما كثيرة ، وتفقد جيشه ، ففقد منهم سبعين ألفا ، ووجد فيهم ممن أسره نيفا وخمسين ألفا ، فكانت مدّة غيبته عن مصرفي مسيرة هذه ، إحدى عشرة سنة.

فلما بلغ الملوك قدومه هابوه ، واشتدّ بأسه ، وتجبر وبنى في الجانب الشرقيّ قصورا من رخام ، ونصب عليها أعلاما ، وأمر بالعمارة ، وإصلاح الجسور ، واستنباط الأراضي حتى زاد الخراج على مائة ألف ألف دينار.

ودخل إلى البلد في أيامه غلام من أهل الشام احتال عليه إخوته ، وباعوه ، وكانت قوافل الشام تعرّس بناحية الموقف اليوم ، فوقف الغلام ، ونودي عليه ، وهو : يوسف الصدّيق ابن يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليهم وسلامه ، فاشتراه إطفين ليهديه إلى الملك.

فلما أتي به قصره ، رأته امرأته زليخا ، وهي ابنة عمه ، فقالت : اتركه لنا نربيه لينفعنا ، وكان من أمرها ما قصه الله تعالى في القرآن ، فكانت تكتم حبه حتى غلبت ، فخلت به وتزينت له ، وعرّفته أنها تحبه ، وأنه وإن واتاها على ما تريده منه حبته بمال عظيم ، فامتنع من ذلك ، ورأت أن تغلبه ، فما زالت تعاركه ، وهو ممتنع منها إلى أن وافى زوجها وراءه ، وهو هارب منها ، وكان العزيز عنينا لا يأتي النساء ، فجعل يوسف يعتذر إليه وقالت : إني كنت نائمة ، فأتاني يراودني عن نفسي ، وتبين من شاهد أهلها أن الأمر من قبل امرأته ، فقال ليوسف : أعرض عن هذا ، أي عن اعتذارك ، وقال لها : استغفر لذنبك ، وقد كان خبر أطفين ، والغلام بلغ الملك ، وكان نهراوش عاود العكوف على اللهو والاحتجاب عن الناس ، واتصل خبر زليخا ويوسف بنساء الخاصة ، فعيرنها بذلك ، فدعت جماعة منهنّ ، وصنعت لهنّ طعاما وشرابا ، وعملت مجلسين مذهبين وفرشتهما بديباج أصفر مذهب ، وأرخت عليهما ستور الديباج ، وأمرت المواشط بتزين يوسف وإخراجه من المجلس الذي يحاذي المجلس الذي كانت مع النسوة فيه ، وكان المجلس محاذيا للشمس ، فأخذته المواشط ، ونظمن شعره بأصناف الجواهر ، وألبسنه ثوب ديباج أصفر ، قد نسج بدارات حمر مذهبة فيها أطيار صغار خضر مبطن ببطانة خضراء ، ومن تحته غلالة حمراء ، وعلى رأسه تاج قد نظم بالدرّ والجوهر ، وأخرجن من تحت التاج أطراف شعره على جبهته ، ورددن ذوائبه على صدره ، وجعلن جبهته مكشوفة ، والتاج محيط بها ، وفي أذنيه قرطي جوهر ، ومن خلف طوق القباء شعر مسبل بين كتفيه منظوم مشبك بالذهب والجوهر ، وفي عنقه

٤٤٩

طوق منظوم بذهب مشدّد بجوهر أحمر ودرّ فاخر ، وفي وسطه منطقة ذهب فيها لوالب جوهر ملوّن ، ولها معاليق منظومة ، وألبسنه خفين أبيضين منقوشين بأخضر على نقوش ذهب ، وجعلن للقباء الذي عليه وشاحين وإفراور يحيط بأسفله وكميه من جوهر أخضر ، وعقرين صدغيه على خديه ، وكحلن عينيه ، ودفعن إليه مذبة شعرها أخضر.

فلما فرغ النساء من طعامهنّ ، وشربن أقداحا قدّمت إليهنّ سكاكين قبضهنّ من جوهر ليقطعن بها الفاكهة ، فيقال : إنهنّ أخذن أترجا ، وهنّ يقطعنه إذ قالت لهنّ : قد بلغني حديثكنّ في أمري مع عبدي ، فقلن لها : الأمر كما بلغك لأنك أعلى قدرا من هذا ، ومثلك يرتفع عن أولاد الملوك لحسنك وشرفك ، فكيف ترضين بغلامك؟ فقالت : لم يبلغكنّ الصدق ، ولا هو عندي بهذا ، وأو مأت إلى المواشط أن يخرجن يوسف ، فرفعن الستور عن المجلس الذي يحاذي مجلسها ، وبرز منه يوسف محاذيا بوجهه الشمس ، فأشرق المجلس ، وما فيه من وجه يوسف ، وأقبل بالمذبة ، وهنّ يرمقنه.

فوقف على رأس زليخا يذب عنها ، فاشتغل النساء برؤيته ، وجعلن يقطعن أيديهنّ موضع الفاكهة التي كانت معهنّ ، ولا يعين الكلام ذهولا منهنّ بما رأين من حسن يوسف! فقالت لهنّ زليخا ما لكنّ قد اشتغلتن عن خطابي بالنظر إلى عبدي؟ فقلن : معاذ الله ما هذا عبدك؟ إن هذا إلّا ملك كريم ، ولم يبق منهنّ امرأة إلا حاضت ، وأنزلت شهوة من محبته (١) ، فقالت زليخا عند ذلك : فهذا الذي لمتني فيه ، فقلن : ما ينبغي لأحد أن يلومك في هذا ، ومن لامك فقد ظلمك فدونكه ، قالت : قد فعلت ، فأبى عليّ ، فخاطبنه لي.

فكانت كل واحدة منهنّ تخاطبه وتدعوه سرّا إلى نفسها ، وتبتذل له ، وهو يمتنع عليها فإذا يئست منه أن يجيبها لنفسها خاطبته من جهة زليخا ، وقالت : مولاتك تحبك وأنت تكرهها ، ما ينبغي أن تخالفها ، فقال : ما لي بذلك حاجة ، فلما رأين ذلك أجمعن على أخذه غصبا ، فقالت زليخا : لا يجوز هذا لكنه إن لم يفعل لأمنعنه اللذات ولأسجننه وأنتزع جميع ما أعطيته ، فقال يوسف : رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه ، فأقسمت بإلهها وكان صنما من زبرجد أخضر باسم عطارد إنه إن لم يفعل لتعجلن له ذلك.

ثم أمرت بنزع ثيابه ، وألبسته الصوف ، وسألت العزيز حبسه ليزول ما قذفها به ، فأمر به فحبس ، ورأى الملك في منامه كأن آتيا أتاه ، فقال له : إن فلانا وفلانا قد عزما على قتلك يريد صاحبي طعامه وشرابه ،

فلما أصبح قرّرهما فاعترفا له ، وقيل : اعترف أحدهما ، وأنكر الآخر فأمر بحبسهما ، وكان اسم صاحب الطعم راسان ، واسم صاحب الشراب مرطس ،

__________________

(١) ورد في الجزء الأول من الكامل في التاريخ لابن الأثير : عند ورود مثل هذه الأخبار عن سيدنا يوسف عليه‌السلام يجب النظر والتوقف عند كل خبر أو رواية لم يرد بها نص مؤكد وصحيح من القرآن والسنة. لأن المصدر الوحيد لتلك الروايات وتفصيلاتها هو التوراة ولا تخلو من تحريف.

٤٥٠

وكان يوسف عليه‌السلام وهو في السجن رؤوفا بمن فيه ، ويعدهم الفرج ، فأخبره صاحبا طعام الملك وشرابه برؤياهما التي قصها الله في كتابه ، فوقع كما قصه يوسف ، ورأى الملك البقرات والسنابل ، فعرّفه الساقي خبر يوسف ، فمضى إليه ، وقصها عليه.

فلما عاد إلى الملك قال : جيئوني به ، فقال يوسف : ما أخرج أو يكشف أمر النسوة اللاتي من أجلهنّ حبست ، فكشف عن ذلك ، فاعترفت زليخا بالقصة ، ووجه إليه ، فأخرج وغسل من درن السجن ، وألبس ما يليق بالدخول على الملوك ، فلما رآه امتلأ قلبه من حبه وإكباره ، وسأله عن الرؤيا ففسرها كما قال الله تعالى. فقال الملك : ومن يقوم لي بذلك؟ قال : أنا ، فخلع عليه خلع الملوك ، وألبسه تاجا وأمر أن يطاف به وركب الجيش معه ، وتردد إلى قصر الملك ، وجلس على سرير العزيز ، واستخلفه الملك على ملكه مكانه.

ويقال : إنّ العزيز إطفين ، كان قد مات ، فزوّجه امرأته ، وقال لها يوسف : هذا أصلح مما أردت ، فقالت : اعذرني إنّ زوجي كان عنينا ، ولم ترك امرأة إلّا صبا قلبها إليك من حسنك ، وجاءت سنّو خصب في مصر ، فجمع يوسف الغلال ، وخزنها وأكثر منها ، فلما جاءت سنّو الجدب بدأ النيل في النقصان ، وكان ينقص كل سنة أكثر من التي قبلها ، فقحط البلد حتى بيع القمح بالمال والجوهر والدواب والثياب والآنية والعقار ، وكاد أهل مصر يرحلون عنها لو لا تدبير يوسف ، وقحط الشام أيضا ، وكان من مجيء إخوة يوسف ما قصه الله تعالى ، ووجه إلى أبيه ، فحمل إلى مصر وجميع أهله ، وخرج في وجوه أهل مصر ، فتلقاه وأدخله على الملك ، وكان يعقوب مهابا ، فأعظمه الملك ، وسأله عن سنه وصناعته وعبادته فقال : سني عشرون ومائة سنة ، وأما صناعتي فلنا غنم ترعى ننتفع بها ، وأعبد رب العالمين الذي خلقك وخلقني ، وهو إله آبائي وإلهك وإله كل شيء.

وكان في مجلس الملك ، كاهن جليل القدر ، فقال للملك : إني أخاف أن يكون خراب مصر على يد ولد هذا ، فقال له الملك : فأنّى لنا خبره ، فقال الكاهن ليعقوب : أرني إلهك أيها الشيخ ، قال : إلهي أعظم من أن يرى ، قال : فإنا نرى آلهتنا ، قال : إن آلهتكم من ذهب وفضة وحجارة وجوهر ونحاس وخشب ، مما يعمله بنو آدم ، وهم عبيد ، إلهي لا إله إلّا هو العزيز الحكيم ، قال الكاهن : إنّ كل شيء لا تراه العيون ليس بشيء ، فغضب يعقوب وكذبه ، وقال : إنّ الله شيء لا كالأشياء وهو خالق كل شيء لا إله إلا هو ، قال : فصفه لنا ، قال : إنما يوصف المخلوق لكنه خالق واحد قديم مدبر أزليّ يرى ولا يرى ، وقام يعقوب مغضبا ، فأجلسه الملك وأمر الكاهن ، فكف عنه ، فقال الكاهن : إنا نجد في كتبنا أنّ خراب مصر يجري على أيدي هؤلاء؟ فقال الملك : هذا يكون في أيامنا؟ قال : لا ، ولا إلى مدّة كثيرة ، والصواب : أن يقتله الملك ولا يبقى من ذريته أحدا ، فقال الملك : إن كان الأمر كما تقول ، فلا يمكننا أن ندفعه ، ولا نقدر على قتل هؤلاء ، وأنزل يعقوب ومن معه بوادي

٤٥١

السدير (١) إلى أن مات ، فحمل إلى قرية إبراهيم عليه‌السلام ودفن عنده.

ويقال : إنّ نهراوش الملك آمن ، وكتم إيمانه خوفا من فساد أمره ، وأقام ملكا مائة وعشرين سنة.

وفي وقته عمل يوسف الفيوم ، فإنّ أهل مصر كانوا وشوا به إلى الملك ، وقالوا : قد كبر ونقص نفعه ، فاختبره فقال له : إني وهبت هذه الناحية لابنتي ، وكانت مغايض للماء ، فدبرها لها ، فعملها يوسف ، واحتال للمياه حتى أخرجها ، وقلع أو حالها وساق المنهي ، وبنى اللاهون ، وجعل الماء فيها مقسوما موزونا ، وفرغ منها في شهور أربعة ، فعجبوا من حكمته.

ويقال : إنه أول من هندس بمصر ، ومات نهراوش : فخلف ابنه در مجوش وسمته أهل الأثر : دارم بن الريان ، وهو الفرعون الرابع عندهم ، فحالف سنة أبيه ، وكان يوسف خليفته ، فقبل منه بعضا وخالفه في البعض ، فمات يوسف في أيامه ، وله مائة وعشرون سنة ، فكفن وجعل في تابوت من رخام ، ودفن في الجانب الغربيّ ، فأخصب ونقص الشرقيّ ، فحوّل إليه ، فأخصب ونقص الغربيّ ، فاتفقوا على أن يجعلوه في الشرقيّ عاما وفي الغربيّ عاما ، ثم حدث لهم من الرأي أن يجعلوا له حلقا وثاقا ، ويشدّوا التابوت في وسط النيل ، فأخصب الجانبان كلاهما.

وقال ابن عبد الحكم : فملكهم الريان بن الوليد بن دومع ، وهو صاحب يوسف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما رأى الملك رؤياه التي رأى ، وعبره يوسف أرسل إليه الملك ، فأخرجه من السجن.

قال ابن عباس رضي‌الله‌عنهما : فأتاه الرسول ، فقال : ألق عنك ثياب السجن ، والبس ثيابا جددا ، وقم إلى الملك ، فدعا له أهل السجن ، وهو يومئذ ابن ثلاثين سنة ، فلما أتاه رأى غلاما حدثا ، فقال : أيعلم هذا رؤياي ولا تعلمها السحرة والكهنة؟ وأقعده قدّامه ، وقال له : لا تخف ، قال : فلما استنطقه ، وسأله عظم في عينيه ، وجعل إليه أمره فدفع إليه خاتمه ، وولاه ما خلف بابه وألبسه طوقا من ذهب وثياب حرير ، وأعطاه دابة مسرجة مزينة كدابة الملك ، وضرب بالطبل بمصر : إنّ يوسف خليفة الملك.

وعن عكرمة : أن فرعون قال ليوسف : قد سلطنتك على مصر غير أني أريد أن أجعل كرسيّ أطول من كرسيك بأربع أصابع ، قال يوسف : نعم وأجلسه على السرير ، ودخل الملك بيته مع نسائه ، وفوّض أمر مصر كلها إليه ، فبسبب عبارة رؤيا الملك ملك يوسف مصر.

__________________

(١) وادي السدير : هو أول ما يلقى القاصد من الشام إلى مصر وهو مستنقع الماء وغيضه في أرض مصر بين العباسية والخشبي تنصب فيه فضلات النيل. معجم البلدان ج ٣ / ٢٠٢.

٤٥٢

وعن الليث بن سعد قال : حدّثني مشيخة لنا قالوا : اشتدّ الجوع على أهل مصر ، فاشتروا الطعام بالذهب حتى لم يجدوا ذهبا ، فاشتروا بالفضة ، حتى لم يجدوا فضة ، فاشتروا بأغنامهم ، حتى لم يجدوا غنما ، فلم يزل يبيعهم الطعام حتى لم يبق لهم فضة ولا ذهب ، ولا شاة ولا بقرة في تلك السنين ، فأتوه في الثالثة فقالوا : لم يبق لنا إلا أنفسنا ، وأهلونا وأرضونا ، فاشترى يوسف أرضهم كلها لفرعون ، ثم أعطاهم يوسف طعاما يزرعونه على أن لفرعون الخمس.

ويقال في خبر بناء يوسف عليه‌السلام : مدينة الفيوم أنه لما وزر لفرعون ثلاثين سنة عزله ، فقال : لم عزلتني؟ فقال : لم أعزلك لريبة ، ولا أنسى بركتك ، ولكن آبائي عهدوا إليّ أن لا يتولى لنا وزير أكثر من ثلاثن سنة ، وإنا نخشى أن يتأصل الوزير حتى يدبر على الملك ، فقال له يوسف : قد علمت نصحي لك ، حتى صيرت ديار مصر كلها ملكا لك ، فأقطعني أرضا تكون لقوتي وقوت أهلي وعشيرتي ، فقال له فرعون : اختر حيث شئت ، فمشى يوسف في قفار الأرض حتى رأى أرض الفيوم ، وفيها جبل حائل بين النيل وبينها ، فوزن ماء النيل حتى رأى أن قاعها يركبه النيل ، فحرق خرقا في ذلك الجبل ، وساق الماء فيه إلى الفيوم ، فسقى الأرض ، وعمل في جوانب الماء ، ثلثمائة وستين قرية على عدد أيام السنة ، وشحنها بالغلال ، والأقوات التي ازدرعها ، فكان إذا نقص النيل ، ووقع الجوع بأرض مصر ، باع كل يوم ، ما جمعه في قرية من قرى الفيوم ، حتى ملك مصر لنفسه ، كما جمعها للملك ، فعظم شأن يوسف ، وكثر ماله ، فردّه الملك بعد مدّة إلى وزارته ، وتوفي وهو وزير ، فأوصى بخروج جثته إلى الأرض المقدّسة ، فخرج بها هارون بن إفراييم بن يوسف في مائة ألف من بني إسرائيل ، فهزمته الجبابرة فيما بين مصر والشام ، وهلك أكثر من معه ، وعاد بمن بقي معه إلى مصر ، فأقاموا بها ، حتى بعث الله موسى بن عمران عليه‌السلام إلى فرعون رسولا ، فخرج ببني إسرائيل من مصر ، ومعه جثة يوسف عليه‌السلام.

وفي ذلك الزمان استنبطت الفيوم ، وقيل : كان سبب ذلك ، أنّ يوسف عليه‌السلام لما ملك مصر ، وعظمت منزلته من فرعون ، وجاوز سنه مائة سنة ، قال وزراء الملك له : إنّ يوسف قلّ عمله ، وتغير عقله ، ونفدت حكمته ، فعنفهم فرعون ، وردّ عليهم مقالتهم وأساء اللفظ لهم ، فكفوا ، ثم عاودوه بذلك القول بعد سنين ، فقال لهم : هلموا ما شئتم من أيّ شيء أختبره به.

وكان بلد الفيوم يومئذ يدعى الجوبة ، وإنما كانت لمصالة ماء الصعيد ، وفضوله فاجتمع رأيهم على أن تكون هي المحنة التي يمتحنون بها يوسف ، فقالوا لفرعون : سل يوسف أن يصرف ماء الجوبة عنها ، ويخرجه منها ، فتزداد بلدا إلى بلدك وخراجا إلى خراجك ، فدعا يوسف فقال : تعلم مكان ابنتي فلانة مني وقد رأيت إذا بلغت أن أطلب لها

٤٥٣

بلدا ، وإني لم أصب لها إلا الجوبة ، وذلك إنه بلد بعيد قريب لا يرى بوجه من الوجوه إلا من غابة أو صحراء ، وكذلك ليست هي تؤتى من ناحية من النواحي من مصر إلا من مفازة وصحراء ، فالفيوم وسط مصر كمثل مصر في وسط البلاد ، لأنّ مصر لا تؤتى من ناحية من النواحي إلّا من صحراء أو مفازة قال : وقد اقتطعتها إياها ، فلا تتركن وجها ، ولا نظرا إلا بلغته ، فقال يوسف : نعم أيها الملك ، متى أردت ذلك فابعث إليّ ، فإني إن شاء الله فاعل ذلك ، قال : إنّ أحبه إليّ وأرفعه ، وأعجله ، فأوحى إلى يوسف ، أن تحفر ثلاثة خلج ، خليجا من أعلى الصعيد من موضع كذا إلى موضع كذا ، وخليجا شرقيا من موضع كذا إلى موضع كذا ، وخليجا غريبا من موضع كذا إلى موضع كذا.

فوضع يوسف العمال ، فحفر خليج المنهى من أعلى أشمون (١) إلى اللاهون (٢) ، وأمر البنائين أن يحفروا اللاهون ، وحفر خليج الفيوم ، وهو الخليج الشرقيّ ، وحفر خليجا بقرية يقال لها : بنهمت ، من قرى الفيوم ، وهو الخليج الغربيّ ، فخرج ماؤها من الخليج الشرقيّ ، فصب في النيل وخرج من الخليج الغربيّ ، فصب في صحراء بنهمت إلى الغرب ، فلم يبق في الجوبة ماء ، ثم أدخلها الفعلة ، فقطع ما كان فيها من القصب والطرفاء ، وأخرجه منها ، وكان ذلك ابتداء جري النيل ، وقد صارت أرض الجوبة نقية برية ، وارتفع ماء النيل ، فدخل في رأس المنهي ، فجرى فيه حتى انتهى إلى اللاهون ، فقطعه إلى الفيوم ، فدخل خليجها فسقاها ، فصارت لجة من النيل ، وخرج إليها الملك ووزراؤه وكان هذا كله في سبعين يوما.

فلما نظر إليها الملك قال لوزرائه : أولئك هذا عمل ألف يوم ، فسميت : الفيوم ، وأقامت تزرع كما تزرع غوائط مصر.

قال : وقد سمعت في استخراج الفيوم غير هذا ، أنّ يوسف عليه‌السلام ملك مصر ، وهو ابن ثلاثين ، فأقام يدبرها أربعين سنة ، فقال أهل مصر : قد كبر يوسف واختلف رأيه ، فعزلوه وقالوا : اختر لنفسك من الموات أرضا تقطعها لنفسك ، وتصلحها وتعمل رأيك فيها ، فإن رأينا من رأيك وحسن تدبيرك ما نعلم أنك في زيادة من عقلك رددناك إلى ملكك ، فاعترض البريّة في نواحي مصر ، فاختار موضع الفيوم ، فأعطيها فشق إليها خليج المنهي من النيل ، حتى أدخله الفيوم كلها ، وفرغ من حفر ذلك كله في سنة.

قال يزيد بن أبي حبيب : وبلغنا أنه إنما عمل ذلك بالوحي وقوي على ذلك بكثرة

__________________

(١) أشمون : مدينة قديمة أزلية عامرة وأهل مصر يقولون عنها الأشمونين وهي قصبة من كور الصعيد الأدنى غربي النيل. معجم البلدان ج ١ / ٢٠٠.

(٢) اللّاهون : بلد بصعيد مصر به مسجد يوسف الصديق والسّكر الذي بناه لرد الماء إلى الفيوم. معجم البلدان ج ٥ / ٩.

٤٥٤

الفعلة والأعوان ، فنظروا ، فإذا الذي أحياه يوسف من الفيوم لا يعلمون له بمصر كلها مثلا ولا نظيرا ، فقالوا : ما كان يوسف قط أفضل عقلا ولا رأيا ولا تدبيرا منه اليوم ، فردّوا إليه الملك ، فأقام ستين سنة أخرى تمام مائة سنة ، حتى مات ، وهو ابن ثلاثين ومائة سنة.

قال : ثم بلغ يوسف قول وزراء الملك ، وإنه إنما كان ذلك على المحنة منهم له ، فقال للملك : عندي من الحكمة والتدبير غير ما رأيت ، فقال له الملك : وما ذاك؟ قال : أنزل الفيوم من كل كورة من كور مصر أهل بيت ، وآمر أهل كل بيت أن يبنوا لأنفسهم قرية ، وكانت قرى الفيوم على عدد كور مصر ، فإذا فرغوا من بناء قراهم ، صيرت لكل قرية من الماء بقدر ما أصير لها من الأرض لا يكون في ذلك زيادة ، ولا نقص ، وأصير لكل قرية شربا في زمان لا ينالهم الماء إلّا فيه ، وأصير مطأطئا للمرتفع ، ومرتفعا للمطأطىء بأوقات من الساعات في الليل والنهار ، وأصير لها قبضات ، فلا يقصر بأحد دون حقه ، ولا يزداد فوق قدره ، فقال له فرعون : هذا من ملكوت السماء؟ قال : نعم ، فبدأ يوسف ، فأمر ببنيان القرى وحدّد لها حدودا ، وكانت أوّل قرية عمرت بالفيوم قرية يقال لها سانة ، وهي القرية التي كانت تنزلها بنت فرعون ، ثم أمر بحفر الخليج ، وبنيان القناطر ، فلما فرغوا من ذلك استقبل وزن الأرض ، ووزن الماء ، ومن يومئذ حدثت الهندسة ، ولم يكن الناس يعرفونها قبل ذلك ، وكان أوّل من قاس النيل بمصر ، يوسف ، ووضع مقياسا بمنف.

قال جامعه : وفي التوراة : أن فرعون ألزم بني إسرائيل البناء ، وضرب اللبن ، فبنوا له عدّة مدن محصنة منها فيثوم وعرمسيس. قال الشارح : هي الفيوم ، وحوف رمسيس ، وفي زمان الريان بن الوليد ، دخل يعقوب عليه‌السلام ، وولده مصر ، وهم ثلاثة وسبعون نفسا ما بين رجل وامرأة ، فأنزلهم يوسف ما بين عين شمس إلى الفرما ، وهي أرض ريفية بريّة ، وكان يعقوب لما دنا من مصر أرسل ، يهودا إلى يوسف ، فخرج إليه يوسف ، فلقيه فالتزمه وبكى.

فلما دخل يعقوب على فرعون كلمه ، وكان يعقوب شيخا كبيرا حليما حسن الوجه واللحية جهير الصوت ، فقال له فرعون : أيها الشيخ كم أتى عليك؟ قال : عشرون ومائة ، وكان بهمن ساحر فرعون قد وصف صفة يعقوب ويوسف وموسى صلوات الله عليهم في كتبه ، وأخبر أن خراب مصر ، وهلاك أهلها يكون على أيديهم ، ووضع البربايات وصفات من تخرب مصر على يديه. فلما رأى يعقوب ، قام إلى مجلسه ، فكان أول ما سأله عنه أن قال : من تعبد أيها الشيخ؟ قال له يعقوب : أعبد الله إله كل شيء ، فقال : فكيف تعبد من لا ترى؟ قال يعقوب : إنه أعظم وأجلّ من أن يراه أحد ، قال : فنحن نرى آلهتنا؟ قال يعقوب : إن آلهتكم من عمل أيدي بني آدم من يموت ويبلى ، وإنّ إلهي لأعظم وأرفع ، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد ، فنظر بهمن إلى فرعون فقال : هذا الذي يكون هلاك بلادنا على يديه؟

٤٥٥

قال فرعون : أفي أيامنا أو في أيام غيرنا؟ قال : ليس في أيامك ولا أيام بنيك ، قال الملك : فهل تجد هذا فيما قضى به إلهكم؟ قال : نعم ، قال : فكيف تقدر أن تقيل من يريد إلهه هلاك قومه على يديه؟ فلا يعبأ بهذا الكلام.

وعن كعب : أنّ يعقوب عاش في أرض مصر ست عشرة سنة ، فلما أحضرته الوفاة قال ليوسف : لا تدفني بمصر ، فإذا مت فاحملوني فادفنوني في مغارة جبل جيرون ، وجيرون مسجد إبراهيم الخليل عليه‌السلام ، وبينه وبين بيت المقدس ، ثمانية عشر ميلا.

قال : فلما مات لطخوه بمرّ وصبر وجعلوه في تابوت من ساج ، فكانوا يفعلون به ذلك أربعين يوما ، حتى كلم يوسف فرعون ، فأعلمه : أنّ أباه قد مات ، وإنه سأله أن يقبره في أرض كنعان ، فأذن له وخرج معه أشراف أهل مصر ، حتى دفنه ، وانصرف.

وقيل : قبر يعقوب بمصر ، فأقام بها نحوا من ثلاث سنين ، ثم حمل إلى بيت المقدس ، وأوصاهم بذلك عند موته.

قال : ثم مات الريان بن الوليد ، فملكهم من بعده ابنه دارم بن الريان ، وفي زمانه توفي يوسف عليه‌السلام ، فلما حضرته الوفاة قال : إنكم ستخرجون من أرض مصر إلى أرض آبائكم ، فاحملوا عظامي معكم ، فمات فجعلوه في تابوت ، ودفنوه في أحد جانبي النيل ، فأخصب الجانب الذي كان فيه ، وأجدب الجانب الآخر ، فحوّلوه إلى الجانب الآخر ، فأخصب الجانب الذي حوّلوه إليه ، وأجدب الآخر.

فلما رأوا ذلك جمعوا عظامه ، فجعلوها في صندوق من حديد ، وجعلوا فيه سلسلة ، وأقاموا عمودا على شاطىء النيل ، وجعلوا في أصله سكة من حديد ، وجعلوا السلسلة في السكة ، وألقوا الصندوق في وسط النيل ، فأخصب الجانبان جميعا.

وكان سبب حمل عظام يوسف من مصر إلى الشام أنّ سارة ابنة أسر بن يعقوب عمّرت حتى صارت عجوزا كبيرة ذاهبة البصر ، فلما سرى موسى عليه‌السلام ببني إسرائيل غشيتهم ضبابة ، حالت بينهم وبين الطريق أن يبصروه ، وقيل لموسى : لن تعبر إلّا ومعك عظام يوسف ، قال : ومن يدري أين موضعها؟ قالوا : عجوز كبيرة ذاهبة البصر تركناها في الديار ، فرجع موسى ، فلما سمعت حسه قالت : ما ردّك؟ قال : أمرت أن أحمل عظام يوسف ، قالت : ما كنتم لتعبروا إلا وأنا معكم ، قال : دليني على عظام يوسف ، فدلته عليها ، فأخذ عظام يوسف معه إلى التيه(١).

يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم : خليل الرحمن صلوات الله عليهم أحد

__________________

(١) التيه : هو الموضع الذي تاه به موسى بن عمران عليه‌السلام وقومه وهي أرض بين أيلة ومصر وبحر القلزم وجبال السراة من أرض الشام والغالب على أرضها الرمال. معجم البلدان ج ٢ / ٦٩.

٤٥٦

الأسباط الاثني عشر ولد بأرض كنعان من بلاد الشام ، ورأى الأحد عشر كوكبا ، والشمس والقمر له ساجدين ، وعمره سبع عشرة سنة ، وكاد إخوته على ذلك ، وباعوه من قوم مدنيين ، فساروا به إلى مصر ، وباعوه لقائد فرعون ، فأقام في منزله اثني عشر شهرا ، ثم راودته امرأة العزيز عن نفسه ، فاعتصم ، وكذبت عليه ، إلى أن حبس ، ومكث في السجن عشر سنين ، وقيل غير ذلك ، فلم يزل في السجن إلى أن رأى الساقي والخباز ذينك المنامين ، وفسّر لهما يوسف وخرجا فأنسي الساقي يوسف سنتين إلى أن رأى الملك البقر والسنابل ، فذكره ، وأتاه فقص عليه الرؤيا وعبرها ، فأخرج من السجن ، وله حينئذ ثلاثون سنة ، فاستوزره الملك ، ومن ذلك الوقت إلى أن صار يعقوب إلى مصر تسع سنين منها ، سبع سنين من سني الشبع ، وسنتان من سني الجوع ، وكان ليعقوب في السنة التي صار فيها إلى مصر ، مائة سنة وثلاثون سنة ، وكان أهل بيته حينئذ سبعين نفسا ، ومنذ سار إلى مصر إلى أن ولد موسى عليه‌السلام ، مائة وثلاثون سنة أخرى.

فلما مضى له بمصر ، سبع عشرة سنة توفي وعمره مائة وسبع وأربعون سنة ، فخاف الأسباط حينئذ مقابلة يوسف إياهم ، فقالوا : إنّ أباك أوصى أن تغفر ذنب إخوتك ، فإنك وهم عبيد الله ، إله أبيك ، فبكى يوسف ، وقال لهم : لا تحتاجون إلى ذلك ، ووعدهم بخير تممه لهم ، ومات يوسف وله مائة سنة وعشر سنين ، والله أعلم.

ذكر ما قيل في الفيوم وخلجانها وضياعها

قال اليعقوبيّ : كان يقال ، في متقدّم الأيام مصر والفيوم لجلالة الفيوم ، وكثرة عمارتها ، وبها القمح الموصوف ، وبها يعمل الخيش.

وحكى المسعوديّ : أنّ معنى الفيوم ، ألف يوم.

قال القضاعيّ : الفيوم وهي مدينة دبرها يوسف النبيّ عليه‌السلام بالوحي ، وكانت ثلثمائة وستين ضيعة ، تمير كل ضيعة منها مصر يوما واحدا ، فكانت تمير مصر السنة ، وكانت تروى من اثني عشر ذراعا ، ولا يستبحر ما زاد على ذلك ، فإنّ يوسف عليه‌السلام اتخذ لهم مجرى ورتبه ليدوم لهم دخول الماء فيه ، وقوّمه بالحجارة المنضدة ، وبنى به اللّاهون.

وقال ابن رضوان (١) : الفيوم يخزن فيه ماء النيل ، ويزرع عليه مرّات في السنة ، حتى إنك ترى هذا الماء إذا خلى يغير لون النيل ، وطعمه وأكثر ما تحسن هذه الحالة في البحيرة

__________________

(١) ابن رضوان : علي بن رضوان بن علي بن جعفر طبيب رياضي من العلماء من كبار الفلاسفة في الإسلام كان رأسا للأطباء في عهد الحاكم الفاطمي له كتب عديدة منها : (دفع مضار الأبدان) و (التوسط بين أرسطو وخصومه) توفي سنة ٤٥٣ ه‍. الأعلام ج ٤ / ٢٨٩.

٤٥٧

التي تكون في أيام القيظ سفط ونهيا ، وصاعدا إلى ما يلي الفيوم ، وهذه حالة تزيد في رداءة أهل المدينة يعني مصر ، ولا سيما إذا هبت ريح الجنوب ، فإنّ الفيوم في جنوب مدينة مصر على مسافة بعيدة من أرضها.

وقال القاضي السعيد أبو الحسن عليّ بن القاضي المؤتمن ، بقية الدولة أبي عمرو عثمان بن يوسف القرشيّ المخزوميّ في كتاب المنهاج في علم الخراج : وهذه الأعمال من أحسن الأشياء تدبيرا وأوسعها أرضا وأجودها قطرا ، وإنما غلب على بعضها الخراب لخلوّها من أهلها ، واستيلاء الرمل على كثير من أرضها ، وقد وقفت على دستور عمله أبو إسحاق إبراهيم بن جعفر بن الحسن بن إسحاق لذكر خلجان الأعمال المدثورة ، وما عليها من الضياع ، وقد أوردته ههنا ، وإن كان منه ما قد دثر ، ومنه ما تغيرت أسماؤه ، ومنه ما جهلت مواضعه بالدثور ، ولكن أوردته ليعلم منه حال العامر الآن ، ويستقصي به من له رغبة في عمارة ما يقذر عليه من الغامر ، وفي إيراده مصلحة ليعلم شرب كل موضع ونسخته.

دستور : على ما أوضحه الكشف من حال الخلج الأمّهات بمدينة الفيوم ، وما لها من المواضع وشرب كل ضيعة منها ، ورسمها في السدّ والفتح والتعديل والتحرير ، وزمان ذلك عمل في جمادى الآخرة سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة ، تبتدىء بعون الله وحسن توفيقه بذكر حال البحر الأعظم الذي منه هذه الخلج ، فنذكر مادّته التي صلاحه بصلاحها.

خليج الفيوم الأعظم : يصل الماء إلى هذا الخليج من البحر الصغير المعروف بالنهي ذي الحجر اليوسفيّ ، وفوقه هذا البحر عند الجبل المعروف : بكرسيّ الساحرة من أعمال الأشمونين ، ومنه شرب بعض الضياع الأشمونية ، والقيسية ، والأهناسية وعلى جانبيه ضياع كثيرة شربها منه ، وشرب كروم ما له كروم منها.

قال الحجر اليوسفيّ : والحجر اليوسفيّ جدار مبنيّ بالطوب ، والجير المعروف عند المتقدّمين بالصاروج ، وهو الجير والزيت ، وبناؤه من جهة الشمال إلى الجنوب ، ويتصل من نهايته من الجنوب بجدار بناؤه مثل بنائه على استقامة من الغرب إلى الشرق ، ويحصره ميلان منه في نهايته ، وطوله مائتا ذراع بذراع العمل ، ويتصل بهذا الجدار على طول ثمانين ذراعا منه من جهة الغرب نهاية الجدار الأعظم من الجنوب.

وفائدة بناء الجدار الأعظم ردّ الماء إذا انتهى إلى حدود اثنتي عشرة ذراعا إلى مدينة الفيوم ، وطول ما يتصل منه الجدار الذي من جهة الغرب إلى الشرق ، ثم يتصل بالميل ، ثم ينخفض من حدود هذا الميل إلى ميل مثله يقابله من جهة الشمال خمسون ذراعا ، وبعد ما بين هذين الميلين ، وهو المنخفض مائة ذراع وعشرة أذرع ، ومقدار المنخفض منه ، أربعة أذرع ، وهذا المنخفض هو الذي يسدّ بجسر من حشيش يسمى لبشا ، وعرض ما يجري عليه الماء ، وهو موضع اللبش وما قابله إلى جهة الشرق ، أربعون ذراعا ، وعليه مسك اللبش

٤٥٨

الثاني ، ويتصل بهذا الميل إلى جهة الشمال ، ما طوله ثلثمائة واثنان وسبعون ذراعا ، ثم يتصل به على نهاية هذا الطول ، جدار يمرّ على استقامته إلى الحجر مبنيّ بالحجر طوله على استقامته إلى جهة الشرق ، مائة ذراع ، ثم ينخفض أيضا من حيث يتصل بهذا الجدار ما طوله ، عشرون ذراعا ، وقدر المنخفض منه ذراعان.

وهذا المنخفض أيضا يسدّ بجسر حشيش يسمى : اللكبد ، وطول بقية الجدار إلى نهايته من جهة الشمال ، مائة وستة وثلاثون ذراعا ، وقبالة هذا بطوله منه مبلط ، وفيه قناطر مبنية بالحجر كانت قديما تردّ الماء إلى اليوم من الخليج القديم الذي عنده السدود اليوم ، وكان عليها أبواب ، وعدّتها عشر قناطر قديمة ، فيكون جميع ذرع الجدار الأعظم من نهايته ، سبعمائة واثنين وسبعين ذراعا بذراع العمل دون الجدار المعترض من الغرب إلى الشرق ، ويمرّ هذا الجدار الأعظم من كلتا جهتيه جميعا ، حتى يتصل بالجبل ، فتوجد آثاره في القيظ مرورا على غير استقامة ، وعرضه مختلف ، وكلما انتهى إلى سطحه ، قلّ عرضه ، وعرض أعلاه مع الظاهر من أسفله جميعا ستة عشر ذراعا ، وفيه منافس يخرج منه الماء ، وهي برابخ زجاج ملوّثة بشبه المينا وأزرق وسليمانيّ.

وهو من العجائب الحسنة في عظم البناء وإتقانه ، لأنه من الأبنية اللاحقة بمنارة الإسكندرية ، وبناء الأهرام ، فمن معجزته أن النيل يمرّ عليه من عهد يوسف عليه‌السلام إلى هذه الغاية ، وما تغير عن مستقرّه ، ويدخل الماء من هذا البحر في هذا الزمان إلى مدينة الفيوم من خليجها الأعظم ما بين أرض الضيعتين المعروفتين ، بدمونة واللاهون ، ومنه شرب هاتين الضيعتين وغيرهما سيحا ، ومنه شرب كرومها بالدواليب على أعناق البقر ، وإن قصر النيل عن الصعود إلى سوادها ، سقيت منه على أعناق البقر وزرعت ، وينتهي في الخليج الأعظم إلى خليج يعرف بخليج الأواسي ، وليس عليه رسم في سدّ ولا فتح ولا تعديل ، وينتهي إلى الضيعة المعروفة ببياض ، فيملأ بركها وغيرها من البرك ، وللبرك مقاسم يصل إلى كل مقسم منها لغايته ، ومقدار شرب ما عليه ، وينتهي إلى الضيعة المعروفة بالأوسية الكبرى (١) ، فمنه شربها من مقسمين لها ، وبرسمها باب ، ومنه يشرب نخلها وشجرها ، وعلى هذا الحدّ طاحونة تعمل بالماء.

ثم ينتهي إلى ثلاثة مقاسم آخرها الضيعة المعروفة بمرطينة منها مقسم لها ، ومقسم لقبالات عدّة ، والمقسم الثالث يسقي أحد أحياء النخل ، وبهذا الحيّ أسواق وبساتين قد خربت ، وجميز دائر به ، وكان بها بيوت في أقنية النخل ، ثم ينتهي إلى حيّ ثان على ضفة الأوّل ، ثم ينتهي إلى الضيعة المعروفة بالجوبة ، فيملأ بركها وينتهي إلى ثلاثة مقاسم في

__________________

(١) الأوسية الكبرى : بلد بمصر من ناحية أسفل الأرض يضاف إليها كورة فيقال كورة الأوسية والبجوم.

معجم البلدان ج ١ / ٢٨٠.

٤٥٩

صف ، وفوقها خليج معطل ويشرب من هذه المقاسم عدّة ضياع ، ثم ينتهي الماء من هذا الخليج إلى البطس ، وهو نهايته ، وعلى الخليج الأعظم بعد هذا أباليز شربها منه من أفواه لها سيحا ، فإذا نضب ماء النيل ، نصب على أفواهها برسم صيد السمك شباك.

ثم ينتهي الخليج الأعظم على يمنة من يريد الفيوم إلى خليج يعرف : بخليج سمسطوس (١). منه شرب سمسطوس وغيرها ، وأباليز كثيرة تجاوز الصحراء من المشرق منه ، ومن قبليه ، وهي ما بين هذا الخليج ، وخليج الأواسي.

ثم ينتهي الخليج الأعظم أيضا إلى : خليج ذهالة. ومنه شرب عدّة ضياع وعليه يزرع الأرز وغيره.

ثم ينتهي الخليج الأعظم إلى ثلاث خلج ثم ينتهي إلى خليج بينطاوة. وبهذا الخليج ثلاثة أبواب قديمة يوسفية سعة كل باب منها ، ذراعان بذراع العمل ، ويمرّ فيه الماء ، وينتهي أيضا إلى بابين يوسفيين ، ورسم هذا الخليج أن يسدّ هو وسائر المطاطية على استقبال عشر تخلو من هاتور إلى سلخه ، ويفتح على استقبال كهيك إلى عشر تبقى منه ، ثم يسدّ إلى عشر تخلو من طوبة ، ثم يفتح ليلة الغيطاس إلى سلخ طوبة ، ثم يسدّ على استقبال أمشير إلى عشرة تبقى منه ، ثم يفتح لعشر تبقى منه إلى عشر تخلو من برمهات ، ثم يفتح إلى عشر تخلو من برمودة ، ثم يعدل في موضعه ، وقد خرب ما على بحريه من الضياع ، ويشرب منه عدّة ضياع ، ولهذا الخليج مغيض معمول تحت الجبل بقبو يخرج منه الماء في زمان تكاثره.

ثم ينتهي الخليج الأعظم إلى : خليج دله. وهو من المطاطية ، وحكمه في السدّ ، والفتح ، والتعديل ، والتحسين كما تقدّم ، وهو على يسرة من يريد المدينة ، وله بابان يوسفيان مبنيان بالحجر سعة كل منهما ذراعان وربع ، ومنه شرب عدّة ضياع أمّهات وغيرها ، وفي وسطه مفيض لزمان الاستبحار ، يفتح فيفيض الماء إلى البركة العظمى ، وفي أقصى هذه البركة أيضا مفيض له أبواب يقال : إنها كانت من حديد فإذا زادت فتحت الأبواب ، فيمضي الماء إلى الغرب ، وقيل : إنه يمرّ إلى سنترية ، وكان على هذين الخليجين بساتين وكروم كثيرة تشرب على أعناق البقر.

وينتهي الخليج الأعظم إلى خليج المجنونة. سمي بذلك لعظم ما يصير إليه من الماء ، وحكمه في السدّ ، وغيره على ما ذكر ، ومنه شرب ضياع كثيرة ، وبه تدار طواحين وإليه تصير مصالات مياه الضياع القبلية ، وإلى بركة في أقصى مدينة الفيوم تجاور الجبل المعروف بأبي قطران ، ويلقي ما ينصب من مصالات الضياع البحرية فيها ، وهي البركة العظمى.

__________________

(١) سمسطوس : في معجم البلدان وردت : سمسطا وهي غربي النيل بالصعيد الأدنى من البهنسا. معجم البلدان ج ٣ / ٢٥٠.

٤٦٠