كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ١

تقي الدين احمد بن علي المقريزي

كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ١

المؤلف:

تقي الدين احمد بن علي المقريزي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٩

من الفساد والنهب والقتل ما لم يسمع بمثله ، فعزله الأندلسيون ، وولوا رجلا منهم يعرف بالكنانيّ ، ثم حاربت بنو مدلج الأندلسيين فظفر بهم الأندلسيون ونفروهم عن البلاد ، فلم يقدر بنو مدلج على الرجوع إلى أرض الإسكندرية حتى طلب السريّ من الأندلسيين أن يردّوهم ، فأذنوا لهم حينئذ ورجعوا ، وكان أبو قبيل يقول : أنا على الإسكندرية من أربعين مركبا مسلمين وليسوا بمسلمين ، تأتي في آخر الصيف أخوف مني عليها من الروم ، فيقال له : ما هذه الأربعون مركبا في هذا الخلق ، لو كانت نيرانا تضطرم ، فيقول : اسكت ويلك منها ، وممن فيها يكون خراب الإسكندرية وما حولها ، وبلغ عبد العزيز الجرويّ قتل ابن ملاك ، فسار في خمسين ألفا ، حتى نزل على حصن الإسكندرية ، وحصرها حتى أجهد من فيها ، فبلغه : أن السري بن الحكم بعث إلى تنيس بعثا ، فكرّ راجعا في المحرّم سنة إحدى ومائتين ، فدعا الأندلسيون للسري ، ثم لما خلع أهل مصر المأمون ، ودعوا لإبراهيم بن المهديّ ، وقام الجرويّ بذلك سار إلى الإسكندرية وحصر الأندلسيين حتى دخلها صلحا ، ودعي له بها ثم سار عنها إلى الفسطاط ، فحارب السري وقتل ابنه ، ثم انصرف ، فسار الأندلسيون بعامل الجرويّ ، وأخرجوه من الإسكندرية وخلعوا الجرويّ ، ودعوا للسريّ فسار إليهم الجرويّ في شهر رمضان سنة ثلاث ومائتين ، فعارضته القبط بسخا وأمدّتهم بنو مدلج ، وهم في نحو من مائتي ألف فهزمهم ، وبعث بجيوشه إلى الإسكندرية فحاصروها ، وكانت بين السريّ وبين أهل الصعيد حروب ، ثم إنّ الجرويّ سار إلى الإسكندرية سيره الرابع ، وحاصرها ونصب عليها المجانيق سبعة أشهر ، من أوّل شعبان سنة أربع ومائتين إلى سلخ صفر سنة خمس ، فأصاب الجرويّ فلقة من حجر منجنيقة ، فمات سلخ صفر سنة خمس ومائتين ، وقام من بعده ابنه عليّ.

فلم تزل الفتن بالأندلسيين في الإسكندرية متصلة إلى أن قدم عبد الله بن طاهر إلى مصر من قبل أمير المؤمنين المأمون ، وأخرج عبيد الله بن السريّ من مصر ، وسار إلى الإسكندرية في قوّاد العجم من أهل خراسان مستهلّ صفر سنة اثنتي عشرة ومائتين ، فحاصرها بضع عشرة ليلة ، حتى خرج إليه أهلها بأمان وصالحه الأندلسيون على أن يسيرهم من الإسكندرية حيث أحبوا ، على أن لا يخرجوا في مراكبهم أحدا من أهل مصر ، ولا عبدا ولا آبقا ، فإن فعلوا فقد حلت له دماؤهم ، ونكث عهدهم وتوجهوا ، فبعث ابن طاهر ، من يفتش عليهم مراكبهم ، فوجدوا فيها جمعا من الذين اشترط عليهم أن لا يخرجوهم ، فأمر بإحراق مراكبهم ، فسألوه أن يردّهم إلى شرطهم ، ففعل وساروا إلى جزيرة أقريطش ، وملكوها ، وكان الأمير معهم أبو حفص عمر بن عيسى ، ثم ملكها ولده من بعده ، وعمرها الأندلسيون إلى أن غزاها الروم سنة خمس وأربعين وثلثمائة ، وملكها بعد حصار طويل ، وولى على الإسكندرية إلياس بن أسد بن سامان ، ورجع إلى الفسطاط في جمادى الآخرة ، ثم سار إلى العراق ، ولما انتقض أسفل الأرض في جمادى الأولى سنة ست عشرة ومائتين ،

٣٢١

وحاربهم الأفشين ومعه عيسى بن منصور الرافقيّ أمير مصر ، وبعث عبد الله بن يزيد بن مزيد الشيبانيّ إلى الغربية ، فانهزم إلى الإسكندرية ، واستجاشت عليه بنو مدلج وحصروه في شوّال ، فسار الأفشين وأوقع بمن في طريقه حتى قدم الإسكندرية في جنوده ، فلقيته طائفة من بني مدلج ، فهزمهم مرّتين وأسر منهم وقتل ودخل الإسكندرية لعشر بقين من ذي الحجة ، ففرّ منه رؤساؤها.

وكان عليها معاوية بن عبد الواحد بن محمد بن عبد الرحمن بن معاوية بن خديج ، فأصلح أمرها ، ثم خرج إلى أهل البشرود ، فامتنعوا عليه حتى قدم المأمون إلى مصر ، فصار إلى البشرود والأفشين قد أوقع بالقبط بها كما تقدّم ذكره.

ولما ولي إبراهيم بن أحمد بن محمد بن الأغلب إفريقية في سنة إحدى وستين ومائتين حسنت سيرته ، فكانت القوافل والتجار تسير في الطرق وهي آمنة وبنى الحصون ، والمحارس على ساحل البحر حتى كانت توقد النار من مدينة سبتة إلى الإسكندرية ، فيصل الخبر منها إلى الإسكندرية في ليلة واحدة ، وبينهما مسيرة أشهر.

وفي سنة اثنتين وثلثمائة دخل حباسة (١) في جيوش إفريقية إلى الإسكندرية في المحرّم ، ومعه مائة ألف أو زيادة عليها ، وقدمت الجيوش من المشرق ، مددا لتكين أمير مصر ، وسار حباسة من الإسكندرية ونودي بالنضير في الفسطاط لعشر بقين من جمادى الآخرة ، فلم يتخلّف عن الخروج إلى الجيزة أحد من الخاصة والعامّة ، إلا من عجز عن الحركة لمرض ، أو عذر ، وأتاهم حباسة فلقوه وهزموه ، ثم دار عليهم ، فقتل من أهل مصر نحوا من عشرة آلاف ، ونهض حباسة إلى إفريقية ، وأقاموا بمصر مضطربين.

فأقبل مؤنس الخادم من العراق في رمضان بجيوش كثيرة ، فصرف تكين في ذي القعدة ، وولى ذكاء الأعور (٢) في صفر سنة ثلاث وثلثمائة ، فخرج في جيوشه إلى الإسكندرية ، وتتبع كل من يومأ إليه بمكاتبة صاحب إفريقية ، فسجن منهم ، وقتل كثيرا وجلا أهل لوبية ومراقية إلى الإسكندرية في شوّال سنة أربع وثلثمائة ، خوفا من صاحب برقة.

وفي سنة سبع وثلثمائة ، سارت مقدّمة المهديّ ، عبيد الله من إفريقية مع ابنه أبي القاسم إلى لوبية ، فهرب أهل الإسكندرية وجلوا عنها ، وخرج منها مظفر بن ذكاء الأعور في جيشه ، ودخلت إليها العساكر يوم الجمعة لثمان خلون من صفر ، وفرّ أهل القوّة من الفسطاط إلى الشأم ، فخرج ذكاء أمير مصر إلى الجيزة ، وعسكر بها ، ثم مرض ومات على مصافه بالجيزة في ربيع الأوّل.

__________________

(١) حباسة بن يوسف من جملة عساكر المهدي العبيدي الفاطمي وهو : حباسة بالسين كما في الطبري وابن الأثير وهو : حباشة بالشين كما في روايات الكندي.

(٢) ذكاء الأعور : هو الأمير أبو الحسن ذكا الرومي الأعور ولي إمرة مصر سنة ٣٠٣ ه‍. النجوم الزاهرة ج ٣ / ٢٠٧.

٣٢٢

فولي تكين بعده ولايته الثانية من قبل المقتدر ، ونزل الجيزة وأقبلت مراكب صاحب إفريقية إلى الإسكندرية عليها سليمان الخادم ، فقدم ثمل الخادم صاحب مراكب طرسوس ، فالتقيا برشيد في شوّال ، فاقتتلا فبعث الله ريحا على مراكب سليمان ألقتها إلى البر فتكسر أكثرها ، وأخذ من فيها أخذا باليد ، وقتل أكثرهم ، وأسر من بقي وسيقوا إلى الفسطاط فقتل منهم نحو سبعمائة رجل ، وسار أبو القاسم بن المهدي من الإسكندرية إلى الفيوم ، وملك جزيرة الأشمونين والفيوم ، وأزال عنها جند مصر ، فمضى ثمل الخادم في مراكبه إلى الإسكندرية ، فقاتل من بها من أهل إفريقية ، فظفر بهم ، ونقل أهل الإسكندرية إلى رشيد وعاد إلى الفسطاط ، ومضى في مراكبه إلى اللاهون ، ولحقته العساكر ، فدخلوا إلى الفيوم في صفر سنة سبع وثلثمائة ، فخرج أبو القاسم بن المهدي إلى برقة ، ولم يكن بينهما قتال ، ورجعت العساكر إلى الفسطاط ، وما زالت الإسكندرية وأعمالها في اضطراب إلى أن قدمت جيوش المعز لدين الله ، مع القائد جوهر في سنة ثمان وخمسين وثلثمائة ، فملكتها وما برحت إلى أن قام بها نزار بن المستنصر ، وكان من أمره ما قد ذكر عند ذكر خزائن القصر.

وفي سنة اثنتي عشرة وستمائة ، اجتمع بالإسكندرية ثلاثة آلاف من تجار الفرنج ، وقدمت بطسة إلى المينا فيها من ملوك الفرنج ، ملكان ، فهموا أن يثوروا ويقتلوا أهل البلد ، ويملكوها ، فتوجه الملك العادل ، أبو بكر بن أيوب ، إليها وقبض على التجار المذكورين ، وعلى من بالبطسة واستصفى أموالهم ، وسجنهم وسجن الملكين ، وجرت خطوب حتى أطلق السلطان نساءهم ، وعاد إلى القاهرة.

وفي سنة أربع وخمسين وخمسمائة ، بنى الملك الصالح طلائع بن رزيك على بلبيس حصنا من لبن.

وفي سنة اثنتين وستين وخمسمائة ، كانت وقعة البابين بين الوزير شاور ، وأسد الدين شيركوه ، فانهزم عسكر شيركوه ، ومضى منهم طائفة إلى الإسكندرية ، ثم كانت لشيركوه على شاور ، فانهزم منه إلى القاهرة ، ومضى شيركوه إلى الإسكندرية ، فخرج إليه أهل الثغر ، وفيهم : نجم الدين محمد بن مصال والي الثغر وقاضيه الأشرف بن الخباب ، وناظره القاضي الرشيد بن الزبير ، وسرّوا بقدومه وسلّموه المدينة ؛ ثم سار منها يريد بلاد الصعيد.

واستخلف ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيوب على الثغر في ألف فارس ، فنزل عليه شاور ، ومعه : مري ملك الفرنج ، فقام معه أهل الثغر ، واستعدّوا لقتال شاور ، فكان ما أخرجوه أربعة وعشرين ألف فرس ، فوعدهم شاور أن يضع عنهم المكوس والواجبات ، ويعطيهم الخمس إذا سلموه صلاح الدين ، فأبوا ذلك ، وألحوا في قتاله ، فحصرهم حتى قلّ الطعام عندهم ، فتوجه إليهم شيركوه وقد حشد من العربان جموعا كثيرة ، فبعث إليه شاور

٣٢٣

وبذل له خمسة آلاف دينار على أن يرجع إلى الشأم ، فأجابه إلى ذلك ، وفتحت المدينة ، وخرج صلاح الدين إلى مري ملك الفرنج ، وجلس معه ، فما زال به شاور أن يسلمه صلاح الدين ، فلم يوافقه ، بل سيره إلى عمه شيركوه من البحر على عكا بمن معه إلى دمشق ، ودخل شاور إلى الإسكندرية في سابع عشر شوّال ، فاستتر ابن مصال ، وفرّ إلى الشأم ، وقبض على ابن الخباب ، وعوقب حتى فداه أهله بمال جزيل ، ولم يقدر على ابن الزبير ، وخرج إلى رشيد.

هذا وقد امتنع الفقيه أبو الطاهر بن عوف ، وجماعة كثيرة بالمنار فوقف عليهم شاور ، فقال له ابن عوف : اعذرنا يا أمير الجيوش ، وسامحنا بما فعلناه ، فعفا عنهم ، وولي القاضي الأشرف أبا القاسم عبد الرحمن بن منصور بن نجا ، ناظرا على الأموال ، وخرج ومعه مري ملك الفرنج إلى القاهرة ، ثم توجه مري إلى بلاده.

وفي سنة إحدى وسبعين وستمائة ، ورد الخبر بحركة الفرنج إلى ثغور مصر ، فاهتم الملك الظاهر بيبرس بأمر الشواني ، ونصب على أسوار الإسكندرية نحو مائة منجنيق.

وفي يوم الخميس شهر رجب سنة سبع وعشرين ، خرج بعض تجار الفرنج إلى ظاهر باب البحر حيث تجتمع العامّة للفرجة ، وتعرّض إلى صبيّ أمرد يراوده عن نفسه ، فأنكر ذلك بعض من هناك من المسلمين ، وقال : هذا ما يحل ، فأخذ الفرنجي خفا كان بيده ، وضربه على وجهه ، فصاح بالناس ، فأتوه ، فقام الفرنج مع صاحبهم ، واتسع الخرق إلى أن ركب متولي الثغر ، وأغلق أبواب المدينة ، وطلب من أثار الفتنة ففرّوا ، وعاد إلى داره ، وترك الأبواب مغلقة ، وكان بظاهر المدينة خلق كثيرة قد توجهوا على عادتهم في حوائجهم فحيل بينهم وبين بيوتهم ، وجاء الليل وهم قيام على الأبواب يضجون ويصيحون ، فمضى أعيان البلد إلى المتولي ، وما زالوا به ، حتى فتح لهم ، فدخلوا مبادرين وهم يزدحمون ، فمات منهم زيادة على عشرة أنفس ، وتلفت أعضاء جماعة ، وذهب من عمائم الناس ومناديلهم ، وغير ذلك شيء كثير ؛ وعظم البكاء والصراخ طول الليل ، فلما كان من الغد ، ركب الوالي لكشف أحوال الناس ، فتكاثروا عليه ورجموه ، فانهزم منهم إلى داره فتبعوه وقاتلوه ، فقاتلهم من أعلى الدار حتى سفكت بينهما دماء كثيرة ، وأحرقوا بابه ، ونهبوا دورا بجانبه.

فكتب يستنجد والي دمنهور ومن حوله من العربان ، فأتوه واحتاطوا بالمدينة ، وسرّح الطائر إلى السلطان بخروج أهل الإسكندرية عن الطاعة ، فاشتدّ غضبه وخشي من إطلاقهم الأمراء المسجونين ، وبعث إلى القضاة فجمعهم واستفتاهم في قتالهم ، فكتبوا بما يجب ، وخرج إليهم الوزير مغلطاي الجماليّ ، وطوغان شادّ الدواوين ، وأيدمر أمير جندار ، وعدّة من المماليك السلطانية ، وناظر الخاص ، ومع الوزير تذكرة بإراقة دماء أهل الفساد ،

٣٢٤

ومصادرة جماعة وأخذ أموال أهل البلد ، والقبض على الأسلحة المعدّة بها للغزاة وإمساك القاضي والشهود وحمل الأمراء المسجونين إلى القاهرة ، فساروا في عاشره ، وقدموا الثغر بعد ثلاثة أيام ، ونزل الوزير بالخيس ، وفرض على الناس خمسمائة ألف دينار مصرية ، وأحضر قاضي القضاة ، عماد الدين ونائبه في الحديد ، وأنكر عليهما كونهما شهرا النداء في البلد بالغزاة في سبيل الله ، فأنكرا وقوع هذا منهما ، وأنهما لم يكن في قدرتهما ردّ السواد الأعظم ، فضرب نائبه ابن الشيبي ضربا مبرّحا ، وألزمه بحمل ستمائة ألف درهم ، وألزم القاضي بخمسمائة ألف درهم ، وكان قد رسم بشنقه ، فتلطف في مكاتبة السلطان ، واعتذر عنه وبرّأه حتى عفا عنه ، وتتبع العامّة فوسط منهم ثلاثين رجلا في يوم الجمعة ، ثالث عشره ، فتسارع الناس إلى دورهم من الخوف ، فذهبت عدّة عمائم واشتدّ الخوف مدّة عشرين يوما ، وكتب السلطان تتوالى بالإيقاع بأهل الثغر ، وأخذ أموالهم والوزير يحسن في الجواب إلى أن جهز الأمراء المسجونين ، وسار من الثغر ، وقد استعرض ما به من السلاح ، فوجد ستة آلاف عدّة كاملة جعلها جميعها في قاعة وختم عليها ، وبلغت الجباية من الناس ما ينيف على مائتين وستين ألف دينار ، فكانت هذه من المحن العظيمة ، والحوادث الشنيعة ، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

ذكر مدينة أتريب

هذه المدينة بناها أتريب بن قبطيم بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه‌السلام. قال ابن وصيف شاه : وكان أتريب قد انتقل إلى حيزه بعد موت أبيه قبطيم ، وهي المدينة التي كان أبوه بناها له ، وكان طولها اثني عشر ميلا ، ولها اثنا عشر بابا ، وجعل في شارعها الأعظم ثلاث قباب عالية على أعمدة بعضها فوق بعض منها قبة في وسط المدينة ، وقبتان في طرفيها ، وجعل على كل قبة مرقبا كبيرا وفي كل ناحية منها ملعبا ، ومجالس ومنتزهات تشرق ، وشق في غربيها نهرا وعقد عليه قناطر ، وجعل من فوقها مجالس متصلة ، وحولها المنازل تدور بالخليج متصلة بالقناطر على رياض مزروعة من خلفها الجنان والبساتين ، وعلى كل باب من الأبواب ، أعجوبة من تماثيل وأصنام متحرّكة ، وأصنام تمنع من يؤذي ، وجعل في داخل كل باب صورة شيطانين من صفر ، فإذا قصدها أحد من أهل الخير قهقه الشيطان الذي عن يمنة الباب ، وإن كان من أهل الشرّ بكى الشيطان الذي عن يسرة الباب ، وجعل في كل منتزه منها من الوحش الآلف والطيور المغرّدة كل مستحسن ، وفوق قباب المدينة صورا تصفر إذا هبت الرياح ، ونصب مرآة ترى البلاد البعيدة ، وبنى حذاءها في الشرق مدينة ، وجعل فيها ملاعب وأصناما بارزة في صور مختلفة ، وفي وسطها بركة إذا مرّ بها الطير سقط عليها ، فلا يبرح حتى يؤخذ وجعل لها حصنا ، باثني عشر بابا ، على كل باب تمثال يعمل بأعجوبة ، وعمل حواليها جنانا ، وجعل بالقرب منها في ناحية الشرق مجلسا منقوشا على ثماني أساطين ، وفوقه قبة عليها طائر منشور الجناحين يصفر في كل يوم ثلاث

٣٢٥

تصفيرات ، بكرة ونصف النهار وعند غروب الشمس ، وأقام فيها أصناما وعجائب كثيرة ، وبنى مدنا كثيرة ، وأقام فيها رجلا يقال له : برسان ، يعمل الكيمياء ، وضرب منها دنانير في كل دينار ، سبعة مثاقيل عليها صورته ، وعاش أتريب ملكا ثلثمائة وستين سنة ، وبلغ من العمر خمسمائة سنة ، وعمل له ناوس في جبل بالشرق ، حفر له تحته سرب بطن بالزجاج والمرمر ، وجعل على سرير من ذهب مرصع ، وحملت إليه ذخائره وجعلوا على بابه صورة تنين لا يدنو منه أحد إلا أهلكه ، وسوّروا عليه الرمال ، وزبروا عليه اسمه وتاريخ وقته.

وقال ابن الكنديّ : أربع كور بمصر ليس على وجه الأرض أفضل منها ، ولا تحت السماء لهنّ نظير : كورة الفيوم ، وكورة أتريب ، وكورة سمنود ، وكورة أنصنا ؛ وكورة أتريب من جملة كور أسفل الأرض ، وهي مائة وثماني قرى.

وكان يقال : مدائن السحرة من ديار مصر سبع وهي : أرمنت ، وبيا ، وبوصير ، وأنصنا ، وصان ، وأتريب ، وصا.

ذكر مدينة تنيس (١)

تنيس : بكسر التاء المنقوطة باثنتين من فوقها وكسر النون المشدّدة وياء آخر الحروف وسين مهملة : بلدة من بلاد مصر في وسط الماء ، وهي من كورة الخليج سميت بتنيس بن حام بن نوح ، ويقال : بناها قليمون من ولد أتريب بن قبطيم ، أحد ملوك القبط في القديم.

قال ابن وصيف شاه : وملكت بعد أتريب ، ابنته ، فدبرت الملك وساسته بأيد وقوّة خمسا وثلاثين سنة ، وماتت ، فقام بالملك من بعدها ، ابن أختها ، قليمون الملك ، فردّ الوزراء إلى مراتبهم ، وأقام الكهان على مواضعهم ولم يخرج الأمر عن رأيهم ، وجدّ في العمارات وطلب الحكم.

وفي أيامه بنيت تنيس الأولى التي غرّقها البحر ، وكان بينه وبينها شيء كثير وحولها الزرع والشجر والكروم وقرى ومعاصر للخمر وعمارة لم يكن أحسن منها ، فأمر الملك أن يبنى له في وسطها مجالس ، وينصب له عليها قباب وتزين بأحسن الزينة والنقوش ، وأمر بفرشها وإصلاحها ، وكان إذا بدا النيل يجري ، انتقل الملك إليها ، فأقام بها إلى النوروز ، ورجع وكان للملك بها أمناء يقسمون المياه ، ويعطون كل قرية قسطها ، وكان على تلك القرى ، حصن يدور بقناطر ، وكان كل ملك يأتي يأمر بعمارتها والزيادة فيها ويجعلها له منتزها.

__________________

(١) تنّيس : بكسرتين وتشديد النون ، جزيرة في بحر مصر قريبة من البرما بين الفرما ودمياط. معجم البلدان ج ٢ / ٥١.

٣٢٦

ويقال : إنّ الجنتين اللتين ذكرهما الله تعالى في كتابه العزيز إذ يقول : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ) [الكهف / ٣٢] الآيات ، كانتا لأخوين من بيت الملك أقطعهما ذلك الموضع ، فأحسنا عمارته وهندسته وبنيانه ، وكان الملك يتنزه فيهما ، ويؤتي منهما بغرائب الفواكه والبقول ، ويعمل له من الأطعمة والأشربة ما يستطيبه ، فعجب بذلك المكان أحد الأخوين ، وكان كثير الضيافة والصدقة ، ففرّق ماله في وجوه البرّ ، وكان الآخر ممسكا يسخر من أخيه إذا فرّق ماله ، وكلما باع من قسمه شيئا اشتراه منه حتى بقي لا يملك شيئا ، وصارت تلك الجنة لأخيه واحتاج إلى سؤاله ، فانتهره وطرده ، وعيره بالتبذير ، وقال : قد كنت أنصحك بصيانة مالك ، فلم تفعل ، ونفعني إمساكي فصرت أكثر منك مالا وولدا ، وولى عنه مسرورا بماله وجنته ، فأمر الله تعالى البحر ، فركب تلك القرى ، وغرّقها جميعها ، فأقبل صاحبها يولول ويدعو بالثبور ويقول : يا ليتني لم أشرك بي أحدا ، قال الله جلّ جلاله : (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ) [الكهف / ٤٣].

وفي زمان قليمون الملك ، بنيت دمياط ، وملك قليمون تسعين سنة ، وعمل لنفسه ناوسا في الجبل الشرقيّ ، وحوّل إليه الأموال والجواهر وسائر الذخائر ، وجعل من داخله تماثيل تدور بلواليب في أيديها سيوف من دخل قطعته ، وجعل عن يمينه ويساره ، أسدين من نحاس مذهب بلوالب ، من أتاه حطماه ، وزبر عليه : هذا قبر قليمون بن أتريب بن قبطيم بن مصر عمّر دهرا ، وأتاه الموت فما استطاع له دفعا ، فمن وصل إليه فلا يسلبه ما عليه وليأخذ من بين يديه.

ويقال : إنّ تنيس أخ لدمياط.

وقال المسعوديّ في كتاب مروج الذهب وغيره : تنيس كانت أرضا لم يكن بمصر مثلها استواء وطيب تربة ، وكانت جنانا ونخلا وكرما وشجرا ومزارع ، وكانت فيها مجار على ارتفاع من الأرض ، ولم ير الناس بلدا أحسن من هذه الأرض ، ولا أحسن اتصالا من جنانها وكرومها ، ولم يكن بمصر كورة يقال إنها تشبهها إلا الفيوم ، وكان الماء منحدرا إليها لا ينقطع عنها صيفا ولا شتاء يسقون جنانهم إذا شاءوا ، وكذلك زروعهم وسائره يصب إلى البحر من جميع خلجانه ، ومن الموضع المعروف بالأشتوم ، وقد كان بين البحر وبين هذه الأرض مسيرة يوم ، وكان فيما بين العريش وجزيرة قبرس ، طريق مسلوك إلى قبرس ، تسلكه الدواب يبسا ولم يكن بين العريش وجزيرة قبرس في البحر سير طويل ، حتى علا الماء الطريق الذي كان بين العريش وقبرس ، فلما مضت لدقلطيانوس من ملكه مائتا وإحدى وخمسون سنة ، هجم الماء من البحر على بعض المواضع التي تسمى اليوم : بحيرة تنيس ، فأغرقه وصار يزيد في كل عام ، حتى أغرقها بأجمعها ، فما كان من القرى التي في قرارها غرق ، وأما الذي كان منها على ارتفاع من الأرض فبقي منه تونة وبورا وغير ذلك مما هو

٣٢٧

باق إلى هذا الوقت ، والماء محيط بها ، وكان أهل القرى التي في هذه البحيرة ينقلون موتاهم إلى تنيس ، فنبشوهم واحدا بعد واحد ، وكان استحكام غرق هذه الأرض بأجمعها قبل أن تفتح مصر بمائة سنة. قال : وقد كان لملك من الملوك التي كانت دارها ، الفرما مع أركون من أراكنة : البلينا ، وما اتصل بها من الأرض ، حروب عملت فيها خنادق وخلجان فتحت من النيل إلى البحر يمتنع بها كل واحد من الآخر ، وكان ذلك داعيا لتشعب الماء من النيل واستيلائه على هذه الأرض.

وقال في كتاب أخبار الزمان : وكانت تنيس عظيمة لها مائة باب ، وقال ابن بطلان : تنيس بلد صغير على جزيرة في وسط البحر ، ميله إلى الجنوب عن وسط الإقليم الرابع ، خمس درج ، وأرضه سبخة ، وهواؤه مختلف ، وشرب أهله من مياه مخزونة في صهاريج تملأ في كل سنة عند عذوبة مياه البحر بدخول ماء النيل إليها ، وجميع حاجاتها مجلوبة إليها في المراكب ، وأكثر أغذية أهلها السمك والجبن وألبان البقر ، فإنّ ضمان الجبن السلطانيّ سبعمائة دينار حسابا عن كل ألف قالب دينار ونصف ، وضمان السمك عشرة آلاف دينار ، وأخلاق أهلها سهلة منقادة ، وطبائعهم مائلة إلى الرطوبة والأنوثة.

قال أبو السريّ الطبيب : إنه كان يولد بها في كل سنة مائتا مخنث ، وهم يحبون النظافة والدماثة والغناء واللذة ، وأكثرهم يبيتون سكارى ، وهم قليلو الرياضة لضيق البلد ، وأبدانهم ممتلئة الأخلاط وحصل بها مرض يقال له : الفواق التنيسيّ ، فلما فتحت دمياط ، سار إليها المسلمون ، فبرز إليهم نحو عشرين ألفا من العرب المتنصرة والقبط والروم ، فكانت بينهم حروب آلت إلى وقوع أبي ثور في أيدي المسلمين ، وانهزام أصحابه ، فدخل المسلمون البلد وبنوا كنيستها جامعا ، وقسموا الغنائم وساروا إلى الفرما ، فلم تزل تنيس بيد المسلمين ، إلى أن كانت إمرة بشر بن صفوان الكلبيّ على مصر من قبل يزيد بن عبد الملك في شهر رمضان سنة إحدى ومائة ، فنزل الروم تنيس ، فقتل مزاحم بن مسلمة المراديّ أميرها في جمع من الموالي ، وفيهم يقول الشاعر :

ألم تربع فيخبرك الرجال

بما لاقى بتنيس الموالي

وكانت تنيس مدينة كبيرة ، وفيها آثار كثيرة للأوائل ، وكان أهلها مياسير أصحاب ثراء ، وأكثرهم حاجة ، وبها يحاك ثياب الشروب التي لا يصنع مثلها في الدنيا ، وكان يصنع فيها للخليفة ثوب يقال له : البدنة لا يدخل فيه من الغزل سداء ولحمة غير أوقيتين ، وينسج باقيه بالذهب بصناعة محكمة لا تحوج إلى تفصيل ولا خياطة تبلغ قيمته ألف دينار ، وليس في الدنيا طراز ثوب كتان يبلغ الثوب منه ، وهو سادج بغير ذهب مائة دينار عينا ، غير طراز تنيس ودمياط ، وكان النيل إذا أطلق يشرب منه من بمشارق الفرما من ناحية جرجير ، وفاقوس من خليج تنيس ، فكانت من أجلّ مدن مصر ، وإن كانت شطا ، وديفو ، ودميرة ،

٣٢٨

وتونة ، وما قاربها من تلك الجزائر يعمل بها الرفيع فليس ذلك يقارب التنيسيّ والدمياطيّ ، وكان الحمل منها إلى ما بعد سنة ستين وثلثمائة ، يبلغ من عشرين ألف دينار إلى ثلاثين ألف دينار لجهاز العراق ، فلما تولى الوزير يعقوب بن كلس تدبير المال استأصل ذلك بالنوائب ، وكان يسكن بمدينة تنيس ودمياط نصارى تحت الذمّة ، وكان أهل تنيس يصيدون السماني وغير ذلك من الطير على أبواب دورهم ، والسماني طائر يخرج من البحر ، فيقع في تلك الشباك ، وكانت السفن تركب من تنيس إلى الفرما وهي على ساحل البحر.

ولما مات هارون الرشيد ، وقام من بعده ابنه محمد الأمين ، وأراد الغدر والنكث بالمأمون ، كان على مصر ، حاتم بن هرثمة بن أعين من قبل الأمين ، فلما ثار عليه أهل تنو ، ونمي بعث إليهم السريّ بن الحكم ، وعبد العزيز بن الوزير الجرويّ ، فغلبا بعد الثمانية من شوّال سنة أربع وتسعين ومائة ، ثم ولي الأمير جابر بن الأشعث الطائيّ مصر ، وصرف حاتم بن هرثمة ، وكان جابر لينا ، فلما تباعد ما بين محمد الأمين وبين أخيه عبد الله المأمون ، وخلع محمد أخاه من ولاية العهد ، وترك الدعاء له على المنابر ، وعهد إلى ابنه موسى ، ولقبه بالشديد ودعى له ، تكلم الجند بمصر بينهم في خلع محمد غضبا للمأمون ، فبعث إليهم جابر ينهاهم عن ذلك ، ويخوّفهم عواقب الفتن ، وأقبل السريّ بن الحكم يدعو الناس ، إلى خلع محمد ، وكان ممن دخل إلى مصر في أيام الرشيد من جند ، الليث بن الفضل ، وكان خاملا فارتفع ذكره بقيامه في خلع محمد الأمين.

وكتب المأمون إلى أشراف مصر يدعوهم إلى القيام بدعوته ، فأجابوه وبايعوا المأمون في رجب سنة ست وتسعين ومائة ، ووثبوا بجابر ، فأخرجوه وولوا عباد بن محمد ، فبلغ ذلك محمد الأمين ، فكتب إلى رؤساء الحوف بولاية ربيعة بن قيس الجرشيّ ، وكان رئيس قيس الحوف ، فانقاد أهل الحوف كلهم معه ، يمنها وقيسها ، وأظهروا دعوة الأمين ، وخلع المأمون ، وساروا إلى الفسطاط لمحاربة أهلها واقتتلوا ، فكانت بينهما قتلى ، ثم انصرفوا وعادوا مرارا إلى الحرب ، فعقد عباد بن محمد لعبد العزيز الجرويّ ، وسيره في جيش ليحارب القوم في دارهم ، فخرج في ذي القعدة سنة سبع وتسعين ومائة ، وحاربهم بعمريط ، فانهزم الجرويّ ، ومضى في قومه من لخم وجذام إلى فاقوس ، فقال له قومه : لم لا تدعو لنفسك فما أنت بدون هؤلاء الذين غلبوا على الأرض؟ فمضى فيهم إلى تنيس ، فنزلها ثم بعث بعماله يجبون الخراج من أسفل الأرض ، فبعث ربيعة بن قيس يمنعه من الجباية ، وسار أهل الحوف في المحرّم سنة ثمان وتسعين إلى الفسطاط ، فاقتتلوا ، وقتل جمع من الفريقين ، وبلغ أهل الحوف قتل الأمين ، فتفرّقوا.

وولي إمرة مصر ، مطلب بن عبد الله الخزاعيّ من قبل المأمون ، فدخلها في ربيع الأوّل ، وولى عبد العزيز الجرويّ شرطته ، ثم عزله وعقد له على حرب أسفل الأرض ، ثم

٣٢٩

صرف المطلب ، وولى العباس بن موسى بن عيسى في شوّال ، فولي عبد العزيز الشرطة ، فلما ثار الجند وأعادوا المطلب في المحرّم سنة تسع وتسعين ، هرب الجرويّ إلى تنيس ، وأقبل العباس بن موسى بن عيسى من مكة إلى الحوف ، فنزل ببلبيس ، ودعا قيسا إلى نصرته ، ثم مضى إلى الجرويّ بتنيس ، فأشار عليه أن ينزل دار قيس ، فرجع إلى بلبيس في جمادى الآخرة ، وبها مات مسموما في طعام دسه إليه المطلب على يد قيس ، فدان أهل الأحواف للمطلب ، وبايعوه ، وسارعوا إلى جب عميرة وسالموه عند ما لقوه ، وبعث إلى الجرويّ يأمره بالشخوص إلى الفسطاط فامتنع من ذلك ، وسار في مراكبه حتى نزل شطنوف ، فبعث إليه المطلب السريّ بن الحكم في جمع من الجند يسألونه الصلح ، فأجابهم إليه ، ثم اجتهد في الغدر بهم ، فتيقظوا له ، فمضى راجعا إلى بنا ، فاتبعوه وحاربوه.

ثم عاد ، فدعاهم إلى الصلح ولاطف السريّ ، فخرج إليه في زلاج وخرج الجرويّ في مثله ، فالتقيا في وسط النيل مقابل سندفا ، وقد أعدّ الجرويّ في باطن زلاجة الحبال ، وأمر أصحابه بسندفا إذا لصق بزلاج السريّ ، أن يجرّوا الحبال إليهم ، فلصق الجرويّ بزلاج السريّ ، فربطه في زلاجه ، وجرّ الحبال ، وأسر السريّ ، ومضى به إلى تنيس ، فسجنه بها ، وذلك في جمادى الأولى ، ثم كرّ الجرويّ وقاتل ، فلقيه جموع المطلب بسفط سليط في رجب ، فظفر ، ولما عزل عمر بن ملاك عن الإسكندرية ، ثار بالأندلسيين ، ودعا للجرويّ ، فأقبل عبد الله بن موسى بن عيسى إلى مصر طالبا بدم أخيه العباس في المحرّم سنة مائتين ، فنزل على عبد العزيز الجرويّ ، فسار معه في جيوش كثيرة العدد في البرّ والبحر حتى نزل الجيزة ، فخرج إليه المطلب في أهل مصر ، فحاربوه في صفر ، فرجع الجرويّ إلى شرقيون ، ومضى عبد الله بن موسى إلى الحجاز ، وظهر المطلب على أنّ أبا حرملة فرجا الأسود ، هو الذي كاتب عبد الله بن موسى ، وحرّضه على المسير ، فطلبه ففرّ إلى الجرويّ ، وجدّ المطلب في أمر الجرويّ ، فأخرج الجرويّ السريّ بن الحكم من السجن ، وعاهده وعاقده على أن يثور بالمطلب ويخلعه ، فعاهده السريّ على ذلك فأطلقه ، وألقى إلى أهل مصر أنّ كتاب ورد بولايته فاستقبله الجند من أهل خراسان ، وعقدوا له عليهم وامتنع المصريون من ولايته ، فنزل داره بالحمراء ، وأمدّه قيس بجمع منهم وحارب المصريين فهزمهم ، وقتل منهم ، فطلب المطلب منه الأمان ، فأمنه ، وخرج من مصر.

واستبدّ السريّ بن الحكم ، بأمر مصر في مستهل شهر رمضان (١) ، فلما قتل الأندلسيون ، عمر بن ملاك بالإسكندرية ، سار إليها الجرويّ في خمسين ألفا ، فبعث السريّ إلى تنيس بعثا ، فكرّ الجرويّ راجعا إلى تنيس في محرّم سنة إحدى ومائتين ، فلما ثار الجند بالسريّ في شهر ربيع الأوّل ، وبايعوا سليمان بن غالب ، قام عباد بن محمد عليه وخلعه ،

__________________

(١) في النجوم الزاهرة ج ٢ / ٢٠٩ : في مستهل شهر رمضان سنة ٢٠٠ ه‍ بعد عزل المطلب عنها.

٣٣٠

وقام بالأمر عليّ بن حمزة بن جعفر بن سليمان بن عليّ بن عبد الله بن عباس ، في مستهل شعبان ، فامتنع عباد أن يبايعه ، ولحق بالجرويّ ، ثم لحق به أيضا سليمان بن غالب ، فكان معه وعاد السريّ إلى ولايته مصر ، في شعبان وقوي سلطانه.

فلما كان في المحرّم سنة اثنتين مائتين ، ورد كتاب المأمون إليه يأمره ، بالبيعة لوليّ عهده عليّ بن موسى (١) الرضى ، فبويع له بمصر ، وقام في فساد ذلك إبراهيم بن المهديّ ببغداد ، وكتب إلى وجوه الجند بمصر ، يأمرهم بخلع المأمون ، ووليّ عهده وبالوثوب على السريّ ، فقام بذلك الحارث بن زرعة بن محرّم بالفسطاط ، وعبد العزيز بن الوزير الجرويّ بأسفل الأرض ، ومسلمة بن عبد الملك الطحاويّ الأزديّ بالصعيد ، وخالفوا السريّ ، ودعوا إلى إبراهيم بن المهديّ ، وعقدوا على ذلك الأمر لعبد العزيز بن عبد الرحمن الأزديّ ، فحاربه السريّ ، وظفر به في صفر ولحق كل من كره بيعة عليّ الرضى بالجرويّ ، لمنعته بتنيس وشدّة سلطانه ، فسار إلى الإسكندرية ، وملكها ودعى له بها وببلاد الصعيد ، ثم سار في جمع كبير لمحاربة السريّ ، واستعدّ كل منهما لصاحبه بأعظم ما قدر عليه ، فبعث إليه السريّ ابنه ميمونا ، فالتقيا بشطنوف ، فقتل ميمون في جمادى الأولى سنة ثلاث ومائتين ، وأقبل الجرويّ على مراكبه إلى الفسطاط ليحرقها ، فخرج إليه أهل المسجد ، وسألوه الكف ، فانصرف عنها وحارب الإسكندرية غير مرّة ، وقتل بها من حجر أصابه من منجنيقه في آخر صفر سنة خمس ومائتين.

ومات السريّ بعده بثلاثة أشهر في آخر جمادى الأولى ، وقام بعده الجرويّ ابنه عليّ بن عبد العزيز الجرويّ ، فحارب أبا نصر محمد بن السريّ أمير مصر بعد أبيه بشطنوف ، ثم التقيا بدمنهور ، فيقال : إنّ القتلى بينهما يومئذ كانوا سبعة آلاف ، وانهزم ابن السريّ إلى الفسطاط ، فتبعته مراكب ابن الجوريّ ، ثم عادت فدخل أبو حرملة فرج بينهما حتى اصطلحا ، ومات ابن السريّ في شعبان سنة ست ومائتين ، فولي بعده أخوه عبيد الله بن السريّ ، فكف عن ابن الجرويّ.

وبعث المأمون ، مخلد بن يزيد بن مزيد الشيبانيّ إلى مصر في جيش من ربيعة ، فامتنع عبيد الله بن السريّ من التسليم له ، ومانعه فاقتتلوا ، وانضم عليّ بن الجرويّ إلى خالد بن يزيد ، وأقام له الأنزال وأغاثه ، وسار حتى نزل على خندق عبيد الله بن السريّ ، فاقتتلا في شهر ربيع الأوّل سنة سبع ومائتين ، وجرت بينهما حروب بعد ذلك آلت إلى ترفع خالد إلى أرض الحوف ، فكره ذلك ابن الجرويّ ، ومكر به حتى أخرجه من عمله إلى غربيّ النيل فنزل نهيا ، وانصرف ابن الجرويّ إلى تنيس ، فصار خالد في ضرّ وجهد ، وعسكر له

__________________

(١) هو علي بن موسى بن جعفر الصادق ويلقب بعلي الرضا. بايع له المأمون بولاية العهد وخلع أخاه القاسم وترك لبس السواد ولبس الخضرة وذلك سنة ٢٠١ ه‍ وهو ثامن الأئمة الاثني عشرية عند الإمامية ومن أجلاء السادة أهل البيت وفضلائهم ولد سنة ١٥٣ ه‍ وتوفي سنة ٢٠٣ ه‍ النجوم الزاهرة ج ٢ / ٢١٥ الأعلام ج ٥ / ٢٦.

٣٣١

ابن السريّ في شهر رمضان وأسره وأخرجه من مصر إلى مكة في البحر.

وبعث المأمون ، بولاية عبيد الله بن السريّ ، على ما في يده وهو فسطاط مصر ، وصعيدها وغربيها ، وبولاية عليّ بن عبد العزيز الجرويّ تنيس مع الحوف الشرقيّ ، وضمنه خراجه ، وأقبل ابن الجرويّ على استخراج خراجه من أهل الحوف فمانعوه ، وكتبوا إلى ابن السريّ يستمدّونه عليه ، فأمدّهم بأخيه ، فالتقيا بكورة بنا في بلقينة ، فاقتتلوا في صفر سنة تسع ومائتين ، وامتدّت الحروب بينهما إلى أثناء ربيع الأوّل وهم منتصفون ، فانصرف ابن الجرويّ فيمن معه إلى دمياط ، فسار ابن السريّ إلى محلة شريقون ، ونهبها وبعث إلى تنيس ودمياط فملكها ، ولحق ابن الجرويّ بالفرما ، وسار منها إلى العريش ، فنزل فيما بينها وبين غزة ، ثم عاد وأغار على الفرما في جمادى الآخرة ، ففرّ أصحاب ابن السريّ من تنيس ، وسار ابن الجرويّ إلى شطنوف ، فخرج إليه ابن السريّ ، واقتتلا ، فكانت لابن الجرويّ في أوّل النهار ، ثم أتاه كمين ابن السريّ فانهزم ، وذلك في رجب ، فمضى إلى العريش ، وسار ابن السريّ إلى تنيس ودمياط ، ثم أقبل ابن الجرويّ في المحرّم سنة عشر ومائتين ، وملك تنيس ودمياط بغير قتال ، فبعث إليه ابن السريّ البعوث فحاربهم.

فبينما هم في ذلك إذ قدم عبد الله بن طاهر ، فتلقاه ابن الجرويّ بالأموال والأنزال ، وانضم إليه ونزل معه ببلبيس ، فامتنع ابن السريّ ، ودافع ابن طاهر ، فتراخى له وبعث ، فجبى المال ، ونزل زفتا ، وبعث إلى شطنوف عيسى الجلوديّ على جسر عقده من زفتا ، وجعل ابن الجرويّ على سفنه التي جاءته من الشام لمعرفته بالحرب ، فهزم مراكب ابن السريّ في المحرّم سنة إحدى عشرة ، وصالح ابن طاهر عبيد الله بن السريّ في صفر ، وخلع عليه ، وأجازه بعشرة آلاف دينار ، وأقرّه بالخروج إلى المأمون ، فسكنت فتن مصر بعبد الله بن طاهر.

وفي سنة سبع وسبعين وثلثمائة ، ولدت بتنيس ، معزى جديا له قرون عدّة ، ورأسه مع صدره وبدنه ، ومقدّمه بصوف أبيض ، ومؤخره بشعر أسود ، وذنبه ذنب شاة.

وولدت امرأة سخلة لها رأس مدوّر ، ولها يدان ورجلان وذنب.

ولثلاث بقين من ذي الحجة من هذه السنة ، حدث بتنيس رعد وبرق وريح شديدة وسواد عظيم في الجوّ ، ثم ظهر وقت السحر في السماء عمود نار احمرّت منه السماء والأرض أشدّ حمرة وخرج غبار ودخان يأخذ بالأنفس ، فلم يزل إلى الرابعة من النهار حتى ظهرت الشمس ، ولم يزل كذلك خمسة أيام.

وفي سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة ، حضر عند قاضي تنيس أبي محمد عبد الله بن أبي الريس رجل وامرأة فطالبت المرأة الرجل بفرض واجب عليه ، فقال الرجل : تزوّجت

٣٣٢

بها منذ خمسة أيام ، فوجدت لها ما للرجال وما للنساء! فبعث إليها القاضي امرأة لتشرف عليها ، فأخبرت أن لها فوق القبل : ذكرا بخصيتين ، والفرج تحتها ، والذكر أقلف ، وإنها رائعة الحسن ، فطلقها الزوج.

قال أبو عمرو الكنديّ : حدّثني أبو نصر أحمد بن عليّ ، قال : حدّثني يس بن عبد الأحد قال : سمعت أبي يقول : لما دخل عبد الله بن طاهر مصر كنت فيمن دخل عليه ، فقال : حدّثنا عبد الله بن لهيعة عن أبي قبيل عن سبيع ، قال : يا أهل مصر كيف بكم إذا كان في بلدكم فتن ، فوليكم فيها الأعرج ، ثم الأصفر ، ثم الأمرد ، ثم يأتي رجل من ولد الحسين لا يدفع ، ولا يمنع تبلغ راياته البحر الأخضر ، يملأها عدلا ، فقلت : كان ذلك ، كانت الفتنة ، فوليها السريّ وهو الأعرج ، والأصفر ابنه أبو النصر ، والأمرد عبيد الله بن السريّ ، وأنت عبد الله بن طاهر بن الحسين ، ثم إن عبد الله بن طاهر سار إلى الإسكندرية ، وأصلح أمرها ، وأخرج ابن الجرويّ إلى العراق ، ثم قدم بالأفشين إلى مصر في ذي الحجة سنة خمس عشرة ، وقد أمر الأفشين أن يطالبه بالأموال التي عنده ، فإن دفعها إليه وإلا قتله ، فطالبه ، فلم يدفع إليه شيئا ، فقدّمه بعد الأضحى بثلاث فقتله.

وفي جمادى الآخرة سنة تسع عشرة ومائتين ، ثار يحيى بن الوزير في تنيس ، فخرج إليه المظفر بن كندر أمير مصر ، فقاتله في بحيرة تنيس ، وأسره وتفرّق عنه أصحابه.

وفي سنة تسع وثلاثين ومائتين ، أمر المتوكل ببناء حصن على البحر بتنيس ، فتولى عمارته ، عنبسة بن إسحاق أمير مصر ، وأنفق فيه وفي حصن دمياط والفرما مالا عظيما.

وفي سنة تسع وأربعين ومائتين عذبت بحيرة تنيس صيفا وشتاء ، ثم عادت ملحا صيفا وشتاء ، وكانت قبل ذلك تقيم ستة أشهر عذبة وستة أشهر مالحة.

وفي سنة ثمان وأربعين وثلثمائة ، وصلت مراكب من صقلية ، فنهبوا مدينة تنيس. وفي سنة ثمان وسبعين وثلثمائة ، صيد بأشتوم تنيس حوت طوله ثمانية وعشرون ذراعا ونصف من ذلك ، طول رأسه ، تسعة أذرع ، ودائر بطنه مع ظهره ، خمسة عشر ذراعا ، وفتحة فمه ، تسعة وعشرون شبرا ، وعرض ذنبه ، خمسة أذرع ونصف ، وله يدان يجذف بهما طول كل يد ، ثلاثة أذرع ، وهو أملس أغبر غليظ الجلد مخطط البطن ببياض وسواد ولسانه أحمر ، وفيه خمل كالريش طوله نحو الذراع يعمل منه أمساط شبه الذبل ، وله عينان كعيني البقر. فأمر أمير تنيس أبو إسحاق بن لوبة به فشق بطنه ، وملح بمائة أردب ملح ورفع فكه الأعلى بعود خشب طويل ، وكان الرجل يدخل إلى جوفه بقفاف الملح ، وهو قائم غير منحن وحمل إلى القصر حتى رآه العزيز بالله. وفي ليلة الجمعة ثامن عشر ربيع الأوّل سنة تسع وسبعين وثلثمائة ، شاهد أهل تنيس ، تسعة أعمدة من نار تلتهب في آفاق السماء من ناحية الشمال ، فخرج الناس إلى ظاهر البلد يدعون الله تعالى ، حتى أصبحوا فخبت تلك النيران ، وفيها صيد

٣٣٣

ببحيرة تنيس ، حوت طوله ذراع ونصفه الأعلى فيه ، رأس وعينان وعنق وصدره على صورة أسد ويداه في صدره بمخالبه ونصفه الأدنى صورة حوت بغير قشر فحمل إلى القاهرة. وفي سنة سبع وتسعين وثلثمائة ولدت جارية بنتا برأسين ، أحدهما بوجه أبيض مستدير ، والآخر بوجه أسمر فيه سهولة في كل وجه عينان ، فكانت ترضعهما ، وكلاهما مركب على عنق واحد في جسد واحد بيدين ورجلين وفرج ودبر ، فحملت إلى العزيز حتى رآها ووهب لأمها جملة من المال ، ثم عادت إلى تنيس وماتت بعد شهور.

وفي سنة إحدى وسبعين وخمسمائة وصل إلى تنيس من شواني صقلية نحو أربعين مركبا ، فحصروها يومين ، وأقلعوا ثم وصل إليها من صقلية أيضا في سنة ثلاث وسبعين نحو أربعين مركبا فقاتلوا أهل تنيس حتى ملكوها. وكان محمد بن إسحاق صاحب الأسطول قد حيل بينه وبين مراكبه ، فتحيز في طائفة من المسلمين إلى مصلى تنيس ، فلما اجنهم الليل ، هجم بمن معه البلد على الفرنج ، وهم في غفلة ، فأخذ منهم مائة وعشرين ، فقطع رؤوسهم ، فأصبح الفرنج إلى المصلى وقاتلوا من بها من المسلمين ، فقتل من المسلمين نحو السبعين ، وسار من بقي منهم إلى دمياط ، فمال الفرنج على تنيس وألقوا فيها النار ، فأحرقوها ، وساروا وقد امتلأت أيديهم بالغنائم والأسرى إلى جهة الإسكندرية بعد ما أقاموا بتنيس ، أربعة أيام.

ثم لما كانت سنة ست وسبعين وخمسمائة نزل فرنج عسقلان في عشر حراريق (١) على أعمال تنيس ، وعليها رجل منهم ، يقال له : المعز ، فأسر جماعة ، وكان على مصر ، الملك العادل من قبل أخيه الملك الناصر ، صلاح الدين يوسف ، عند ما سار إلى بلاد الشام ، ثم مضى المعز ، وعاد فأسر ونهب ، فثار به المسلمون ، وقاتلوه فظفرهم الله به وقبضوا عليه ، وقطعوا يديه ورجليه وصلبوه.

وفي سنة سبع وسبعين وخمسمائة ، انتدب السلطان لعمارة قلعة تنيس ، وتجديد الآلات بها عندما اشتدّ خوف أهل تنيس من الإقامة بها ، فقدّر لعمارة سورها القديم على أساساته الباقية مبلغ ثلاثة آلاف دينار عن ثمن أصناف وآجر.

وفي سنة ثمان وثمانين وخمسمائة ، كتب بإخلاء تنيس ، ونقل أهلها إلى دمياط ، فأخليت في صفر من الذراري والأثقال ، ولم يبق بها سوى المقاتلة في قلعتها.

وفي شوّال من سنة أربع وعشرين وستمائة ، أمر الملك الكامل ، محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب ، بهدم مدينة تنيس ، وكان من المدن الجليلة تعمل بها الثياب السرية ، وتصنع بها كسوة الكعبة.

__________________

(١) الحراريق : جمع حراقة سفينة حربية فيها مرامي للنيران يرمى بها العدو.

٣٣٤

قال الفاكهيّ في كتاب أخبار مكة : ورأيت كسوة مما يلي الركن الغربيّ ، يعني من الكعبة ، مكتوبا عليها ، مما أمر به السريّ بن الحكم وعبد العزيز بن الوزير الجرويّ ، بأمر الفضل بن سهل ذي الرياستين (١) ، وطاهر بن الحسين سنة سبع وتسعين ومائة ، ورأيت شقة من قباطي مصر في وسطها إلا أنهم كتبوا في أركان البيت بخط دقيق أسود ، مما أمر به أمير المؤمنين ، المأمون سنة ست ومائتين ، ورأيت كسوة من كسا المهديّ مكتوبا عليها : بسم الله بركة من الله لعبد الله المهديّ محمد أمير المؤمنين أطال الله بقاءه ، مما أمر به إسماعيل بن إبراهيم أن يصنع في طراز تنيس على يد الحكم بن عبيدة سنة اثنتين وستين ومائة ، ورأيت كسوة من قباطي مصر مكتوبا عليها : بسم الله ، بركة من الله مما أمر به عبد الله المهديّ محمد أمير المؤمنين أصلحه الله محمد بن سليمان أن يصنع في طراز تنيس كسوة الكعبة على يد الخطاب بن مسلمة عامله سنة تسع وخمسين ومائة.

قال المسبحيّ في حوادث سنة أربع وثمانين وثلثمائة : وفي ذي القعدة ورد يحيى بن اليمان من تنيس ودمياط والفرما بهديته ، وهي أسفاط وتخوت وصناديق مال ، وخيل وبغال وحمير وثلاث مظال ، وكسوتان للكعبة.

وفي ذي الحجة سنة اثنتين وأربعمائة وردت هدية تنيس الواردة في كل سنة منها خمس نوق مزينة ومائة رأس من الخيل بسروجها ولجمها وتجافيف وصناعات عدّة ، وثلاث قباب دبيقية بمراتبها ، ومتحرقات وبنود ، وما جرى الرسم بحمله من المتاع والمال والبز.

ولما قدم الحاكم استدعت أخته ، السيدة سيدة الملك إلى عامل تنيس عن الحاكم بأن يحمل مالا كان اجتمع قبله ، ويعجل توجيهه ، وقيل : إنه كان ألف ألف دينار ، وألفي ألف درهم اجتمعت من ارتفاع البلد لثلاث سنين ، وأمره الحاكم بتركها عنده ، فحمل ذلك إليها وبه استعانت على ما دبرت.

وفي سنة خمس عشرة وأربعمائة ورد الخبر على الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله ، أبي هاشم عليّ بن الحاكم بأمر الله : أن السودان وغيرهم ثاروا بتنيس ، وطلبوا أرزاقهم وضيقوا على العامل ، حتى هرب ، وأنهم عاثوا في البلد وأفسدوا ، ومدّوا أيديهم إلى الناس ، وقطعوا الطرقات وأخذوا من المودع ألفا وخمسمائة دينار ، فقام الجرجراي وقعد ، وقال : كيف يفعل هذا بخزانة السلطان؟ وساءنا فعل هذا بتنيس ، أو بيت المال وسير خمسين فارسا للقبض على الجناة ، وما زالت تنيس مدينة عامرة ليس بأرض مصر مدينة أحسن منها ، ولا أحصن من عمارتها إلى أن خرّبها الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب في سنة أربع وعشرين وستمائة ، فاستمرّت خرابا ، ولم يبق منها إلا رسومها في وسط البحيرة ، وكان

__________________

(١) أي رئاسة السيف والقلم.

٣٣٥

من جملة كورة تنيس : بورا ، ومنها ، وإيوان ، وشطا ، وبحيرتها الآن يصاد منها السمك ، وهي قليلة العمق يسار فيها بالعاديّ وتلتقي السفينتان هذه صاعدة ، وهذه نازلة بريح واحدة ، وقلع كل واحدة منها مملوء بالريح سيرهما في السرعة مستو توسط البحيرة عدّة جزائر تعرف اليوم بالعزب ، جمع عزبة ، بضم العين المهملة وزاء ثم باء موحدة ، سكنها طائفة من الصيادين ، وفي بعضها ملاحات يؤخذ منها ملح عذب لذيذ ملوحته ، وماؤها ملح ، وقد يحلو أيام النيل.

تونة : وكان من جملة عمل مدينة تنيس قرية يقال لها : تونة يعمل بها طراز تنيس ، ويصنع بها من جملة الطراز كسوة الكعبة أحيانا.

قال الفاكهي : ورأيت أيضا كسوة لهارون الرشيد من قباطي مصر مكتوبا عليها : بسم الله ، بركة من الله للخليفة الرشيد عبد الله هارون أمير المؤمنين أكرمه الله مما أمر به الفضل بن الربيع أن يعمل في طراز تونة سنة تسعين ومائة.

سمناي : قرية من قرى تنيس غلبت عليها بحيرة تنيس ، فصارت جزيرة ، فلما كان في شهر ربيع الأوّل سنة سبع وثلاثين وثمانمائة ، كشف عن حجارة وآجرّ بها ، فإذا عضادات زجاج كثيرة مكتوب على بعضها اسم الإمام المعز لدين الله ، وعلى بعضها اسم الإمام العزيز بالله نزار ، ومنها ما عليه اسم الإمام الحاكم بأمر الله ، ومنها ما عليه اسم الإمام الظاهر لإعزاز دين الله ، ومنها ما عليه اسم المستنصر ، وهو أكثرها ؛ أخبرني بذلك من شاهده ورآه.

بورا : كانت فيما بين تنيس ودمياط ، وإليها ينسب السمك الذي يقال له : البوريّ ، وإليها ينسب أيضا بنو البوريّ ، الذين كانوا بالقاهرة والإسكندرية.

وفي سنة عشر وستمائة ، وصل العدوّ إليها بشوانية ، وسباها فقدمت إليها القطائع التي كانت على رشيد ، فسار عنها العدوّ.

القيس : بفتح القاف وبعدها سين مهملة ، بلد ينسب إليها الثياب القيسية آثارها إلى اليوم باقية على البحر الملح فيما بين السوادة والواردة ، وبعدها من مدينة الفرما قريب من ستة برد في البرّ ، وهناك تل عظيم من رمل خارج في البحر الشاميّ يقطع الفرنج عنده الطريق على المارة ، وبالقرب من التل سباخ ينبت فيه ملح يحمله العربان إلى غزة والرملة ، وبقرب هذا السباخ آبار يزرع عندها مقاثي لعربان تلك البوادي.

ذكر مدينة صا

قال ابن وصيف شاه : ولما قسم قبطيم بن مصرايم الأرض بين أشمون وأتريب وقفط وصا ، انتقل كل واحد إلى قسمه وحيزه ، فخرج صا بأهله وولده وحشمه إلى حيزه ، وهو بلد البحيرة والإسكندرية حتى انتهى إلى برقة ، ونزل مدينة صا قبل أن تبنى الإسكندرية ، وكان

٣٣٦

صا أصغر ولد أبيه وأحبهم إليه ، فلما ملك حيزه أمر بالنظر في العمارات وبناء المدائن والبلدان والهياكل ، وإظهار العجائب كما صنع إخوته وطلب الزيادة في ذلك.

وقال مرهون الهنديّ : صاحب بانة فبنى من حدّ صا إلى حدّ لوبية ، ومراقيه على البحر أعلاما ، وجعل على رؤوس تلك الأعلام مرائي من أخلاط شتى ، فكان منها ما يمنع من دواب البحر وأذاها ، ومنها ما إذا قصدتم عدوّ من الجزائر وأصابها الشمس ، ألقت شعاعا على مراكبهم ، فأحرقتها ، ومنها ما يرى المدائن التي تحاذيهم من عدوة البحر ، وما يعمله أهلها ، ومنها ما ينظر فيها إلى إقليم مصر فيعلم منه ما يخصب ، وما يجدب في كل سنة ، وجعل فيها حمامات تقدمن نفسها ، وجعل مستشرفات ومنتزهات ، وكان ينزل كل يوم منها في موضع بمن يخصه من خدمه وحشمه ، وجعل حواليها بساتين وسرح فيها الطيور المغرّدة ، والوحش المستأمن ، والأنهار المطردة والرياض المونقة ، وجعل شرفات قصوره من حجارة ملوّنة تلمع إذا أصابتها الشمس ، فينشر شعاعها على ما حولها ، ولم يدع شيئا من آلة النعمة والرفاهية إلا استعمله ، فكانت العمارة ممتدّة في رمال رشيد ورمال الإسكندرية إلى برقة ، وكان الرجل يسافر في أرض مصر لا يحتاج إلى زاد لكثرة الفواكه والخيرات ، ولا يسير إلا في ظلال تستره من الشمس ، وعمل في تلك الصحاري قصورا ، وغرس فيها غروسا ، وساق إليها من النيل أنهارا ، فكان يسلك من الجانب الغربيّ إلى حدّ الغرب في عمارة متصلة ، فلما انقرض أولئك القوم بقيت آثارهم في تلك الصحاري ، وخربت تلك المنازل وباد أهلها ، ولا يزال من دخل تلك الصحاري يحكي ما رآه فيها من الآثار والعجائب.

قال مؤلفه رحمه‌الله : حدّثني الثقة ، عمن دخل مدينة صا ، ومشى في خرابها فإذا هو بلبنة طولها أربعة أشبار ، فتناولها وأخذ يتأملها ، ثم كسرها فإذا فيها سنبلة قدر شبر وافر ، كأنها كما حصدت ، وفركها بيده فخرج منها قمح أبيض ، كبار حبه جدّا في قدر حب اللوبيا ، فأكله كله فلم يجد فيه تغيرا ، ودخل آخر إليها قبيل سنة تسعين وسبعمائة ، وأخذ منها لبنة طولها ذراع ونصف في عرض ذراع ، فكسرها فإذا فيها سنبلة قمح ثخن كل قمحة منها في مقدار ما يكون أكبر من الحمص ، فلم يطق كسره إلا بعد ما رضه بالحجارة رضا ، ووجد بصا : صنم لطيف طول أصبع فاتفق أنه ألقي في خابية ماء فصار خمرا ، وكان ذلك عند رجل من تنيس ، فصلحت حاله من بيعه ذلك الخمر ، فطلبه الأمير الأوحد مستولي تنيس ، وما زال به حتى أخذ الصنم منه.

رمل الغرابي

اعلم أنّ هذا الرمل ممتدّ في الأرض ويسميه بعضهم : الرمل الهبير ، وطوله من وراء جبل طي إلى أن يتصل مشرقا بالبحر ، ويمضي من وراء جبل طي إلى أرض مصر ، ثم إلى

٣٣٧

بلد النوبة ، ويمتدّ إلى البحر المحيط مسيرة خمسة أشهر ، ومنه عرق يضرب من القادسية إلى البحرين ، فيعبر البحرين فيمرّ على مشارق خورستان وفارس إلى أن يرد سجستان ويمرّ مشرقا إلى مرو آخذا على جيحون في برّية خوارزم ، ويأخذ في بلاد الحدلحية إلى الصين والبحر المحيط في جهة الشرق ، وهو على ما وصفته وسقته من المحيط بالمشرق إلى المحيط بالمغرب ، وفيه جبال عظام لا ترتقى ، وبعضه في أرض سهلة ينتقل من مكان إلى مكان ، ومنه أصفر لين اللمس وأحمر وأزرق سماويّ وأسود حالك وأكحل مشبع كالنيل وأبيض كالثلج ، ومنه ما يحكي الغبار نعومة ، ومنه خشن جريش اللمس ، وزعم بعضهم أن رمل الغرابيّ ، وما يتصل به من حدّ العريش إلى أرض العباسة حادث.

وذكر في سبب كونه ، خبر فيه معتبر ، وهو أنّ شدّاد بن هدّاد بن شدّاد بن عاد ، أحد الملوك العادية ، قدم إلى مصر ، وغلب بكثرة جيوشه أشمون بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح ملك مصر ، وهدم ما بناه هو وآباؤه ، وبنى لنفسه أهراما ونصب أعلاما زبر عليها الطلسمات ، واختط موضع الإسكندرية ، وأقام هناك دهرا إلى أن نزل به وبقومه وباء ، فخرجوا من أرض مصر إلى جهة وادي القرى فيما بين المدينة النبوية ، وأرض الشام ، وعمروا الملاعب والمصانع لحبس المياه التي تجتمع من الأمطار والسيول ، فكان سعة كل مصنع ميلا في ميل ، وغرسوا النخل وغيره ، وزرعوا أصناف الزراعات ، فيما بين راية وأيلة إلى البحر الغربيّ ، وامتدّت منازلهم من الدثنة إلى العريش والجفار في أرض سهلة ذات عيون تجري وأشجار مثمرة ، وزروع كثيرة ، فأقاموا بهذه الأرض دهرا طويلا ، حتى عثوا وبغوا وتجبروا وطغوا ، وقالوا : نحن الأكثرون قوّة الأشدّون الأغلبون ، فسلط الله عليهم الريح فأهلكتهم ونسفت مصانعهم وديارهم ، حتى سحلتها رملا فما تراه من هذه الرمال التي بأرض الجفار ، ما بين العباسة حيث المنزلة التي تعرف اليوم بالصالحية إلى العريش من رمل مصانع العادية ، وسالة صخورهم لما أهلكهم الله بالريح ودمّرهم تدميرا ، وإياك وإنكار ذلك لغرابته ، ففي القرآن الكريم ما يشهد لصحته ، قال تعالى : (وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) [الذاريات / ٤١] أي كالشيء الهالك البالي ، وقيل : الرميم : نبات الأرض إذا يبس ، وديس ، وقيل : الورق الجاف المتحطم مثل الهشيم ، والرميم : الخلق البالي من كل شيء.

مراقية : مدينة مراقية ، كورة من كور مصر الغربية ، وهي آخر حدّ أرض مصر ، وفي آخر أرض مراقية تلقي أرض انطابلس ، وهي برقة وبعدها من مدينة سنترية نحو من بريدين ، وكان قطرا كبيرا به نخل كثير ومزارع ، وبه عيون جارية ، وبها إلى اليوم بقية ، وثمرها جيد إلى الغاية وزرعها إذا بذر ينبت من الحبة الواحدة من القمح ، مائة سنبلة ، وأقل ما تنبت تسعون سنبلة ، وكذلك الأرز بها فإنه جيد زاك وبها إلى اليوم بساتين متعدّدة ، وكانت مراقية في القديم من الزمان سكنها البربر الذين نفاهم داود عليه‌السلام من أرض فلسطين ، فنزلها

٣٣٨

منهم خلائق ، ومنها تفرّقت البربر ، فنزلت زناتة ومغيلة وضريسة الجبال ، ونزلت لواتة أرض برقة ، ونزلت هوّارة طرابلس المغرب ، ثم انتشرت البربر إلى السويس ، فلما كان في شوّال سنة أربع وثلثمائة من سني الهجرة المحمدية جلى أهل لوبية ومراقية إلى الإسكندرية خوفا من صاحب برقة ، ولم تزل في اختلال إلى أن تلاشت في زمننا ، وبها بعد ذلك بقية جيدة.

كوم شريك : هذا المكان بالقرب من الإسكندرية ، له ذكر في الأخبار عرف بشريك بن سميّ بن عبد يغوث بن جزء المراديّ القطيفيّ ، من الصحابة رضي‌الله‌عنهم ، وكان على مقدّمة عمرو بن العاص في فتح الإسكندرية الثاني ، فعند ما كثرت جمائع الروم انحاز شريك إلى هذا الكوم بأصحابه ، ودافع الروم حتى أدركه عمرو ، وكوم شريك هذا من جملة حوف رمسيس.

غيفة : قرية تقارب مدينة بلبيس ، من الفسطاط إليها مرحلتان ، كانت منزلة قافلة الحاج ، ويقال : إنّ صواع الملك الذي فقد من مدينة مصر وجد في رحال إخوة يوسف عليه‌السلام ، بغيفة هذه.

سمنود : كان بها بربا عليه هيئة درقة ، فيها كتابة حكى ابن زولاق عن أبي القاسم مأمون العدل : أنه نسخ الكتابة في قرطاس وصوّره على درقة ، قال : فما كنت أستقبل به أحدا ، إلا ولى هاربا ، وكان بها أيضا تماثيل وصور من يملك مصر ، فيهم قوم عليهم شاسيات ، وبأيديهم الحراب ، وعليهم مكتوب هؤلاء يملكون مدينة مصر.

ذكر مدينة بلبيس

وسميت في التوراة : أرض حاشان ، وفيها نزل يعقوب لما قدم على ولده يوسف عليهما‌السلام ، فأنزله بأرض حاشان ، وهي : بلبيس إلى العلاقمة من أجل مواشيهم. قال ابن سعيد : بلبيس واليها يصل حكمه إلى الواردة وهي آخر حدّ مصر ، وإليها تنتهي المعادلة بفضة السواد ، ويصير الناس يتعاملون بالفلوس بعدها إلى العريش ، وهي أوّل الشام ، وقيل : هي آخر مصر.

وقال أبو عبيد البكريّ : بلبيس ، فتح أوّله وإسكان ثانيه بعده باء مثل الأولى مفتوحة أيضا وياء ساكنة وسين مهملة ، وهو موضع قريب مصر معروف ، وذكر ابن خرداذبه في كتاب المسالك والممالك : أن بين بلبيس ، ومدينة فسطاط مصر ، أربعة وعشرين ميلا.

وذكر الواقديّ : أنّ المقوقس زوّج ابنته أرمانوسة من قسطنطين بن هرقل ، وجهزها بأموالها وجواريها وغلمانها وحشمها لتسير إليه حتى يبني عليها في مدينة فيسارية ، وهم محاصرون لها ، فخرجت إلى بلبيس ، وأقامت بها ، وبعثت حاجبها الكبير في ألفي فارس إلى الفرما ليحفظ الطريق ، ولا يدع أحدا من الروم ولا غيرهم يعبر إلى مصر ، وبعث

٣٣٩

المقوقس رسله إلى أطراف بلاده مما يلي الشام ، أن لا يتركوا أحدا يدخل أرض مصر مخافة أن يتحدّثوا بغلبة المسلمين على الشام ، فيدخل الرعب في قلوب عساكره ، فلما قدم عمر بن الخطاب الجابية ، وسار عمرو بن العاص إلى مصر ، نزل على بلبيس ، وبها أرمانوسة ابنة المقوقس ، فقاتل من بها وقتل منهم زهاء ألف فارس ، وأسر ثلاثة آلاف ، وانهزم من بقي إلى المقوقس ، وأخذت أرمانوسة وجميع مالها وسائر ما كان للقبط في بلبيس ، فأحب عمرو ملاطفة المقوقس ، فسيّر إليه ابنته أرمانوسة مكرمة في جميع مالها مع قيس بن أبي العاص السهميّ ، فسرّ بقدومها ، ثم سار عمرو إلى القصر ، ولم تزل من مدائن مصر الكبار ، حتى نزل عليها مري ملك الفرنج ، وأخذها عنوة بعد حصار طويل ، وقتل منها آلافا ، ولها أخبار كثيرة وقد خربت منذ عهد الحوادث بديار مصر ، بعد سنة ست وثمانمائة بعد ما أدركناه ، وبها عمارة كثيرة ، وفيها عدّة بساتين وأهلها أصحاب يسار ونعم سنية.

ذكر بلد الورادة

الورادة من جملة الجفار. قال عبيد الله بن عبد الله بن خرداذبه في كتاب المسالك والممالك : وصفة الطريق والأرض من الرملة إلى أردود ، اثنا عشر ميلا ، ثم إلى غزة عشرون ميلا ، ثم إلى العريش أربعة وعشرون ميلا في رمل ، ثم الورادة ثمانية عشر ميلا ، ثم إلى الغريب عشرون ميلا ، ثم إلى الفرما أربعة وعشرون ميلا.

قال الخليفة المأمون :

لليلك كان بالميدا

ن أقصر منه بالفرما

غريب في قرى مصر

يقاسي الهم والسدما

ثم إلى جرير ثلاثون ميلا ، ثم إلى القاصرة أربعة وعشرون ميلا ، ثم إلى مسجد قضاعة ثمانية عشر ميلا ، ثم إلى بلبيس أحد وعشرون ميلا ، ثم إلى فسطاط مدينة مصر أربعة وعشرون ميلا.

وقال جامع تاريخ دمياط : ولما افتتح المسلمون الفرما ، بعد ما افتتحوا دمياط وتنيس ، ساروا إلى البقارة فأسلم من بها ، وساروا منها إلى الورادة ، فدخل أهلها في الإسلام وما حولها إلى عسقلان.

وقال القاضي الفاضل في متجدّدات شهر المحرّم سبع وستين وخمسمائة : وصابحنا الورادة فبتنا على مينا الورادة ، ودخلنا الورادة فرأيت تاريخ منارة جامعها سنة ثمان وأربعمائة ، واسم الحاكم بأمر الله عليها ، والورادة من جملة الجفار ، ويقال : أخذ اسمها من الورود ، ولم يزل جامعها عامرا تقام به الجمعة إلى ما بعد السبعمائة ، وبلد الورّادة القديمة في شرقيّ المنزلة التي يقال لها اليوم : الصالحية ، وبها آثار عمائر ونخل قليل.

٣٤٠