تقي الدين احمد بن علي المقريزي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٩
فملك بعده ابنه ايساد وهو ابن خمس وأربعين سنة : وكان جبارا طماح العين ، فانتزى امرأة أبيه ، وانكشف أمره معها ، وكان أكبر همه اللهو واللعب ، فجمع كل ملة في مملكته ، ورفض العلوم ، وأهمل أمر الهياكل والكهنة ، وترك النظر في أحوال الناس ، وبنى قصورا على النيل ليتنزه فيها ، وأتلف أكثر الأموال في اللعب ، فكرهه الناس ، وكرههم إلى أن سمّوه ، فمات عن مائة وعشرين سنة.
وملك بعده ابنه صا : ويقال : إنّ صا هو ابن مرقونس ، وهو أخود أيساد ، ولما ملك سكن منف ، ووعد الناس بخير وملك الأحياز كلها ، وعمل بها عجائب وطلسمات ، وردّ الكهنة إلى مراتبهم ونفى الملهين وأهل الشرّ ، ونصب العقاب الذي عمله أبوه وشرّف هيكله ودعا إليه وبنى بداخل الواحات مدينة ونصب قرب البحر أعلاما كثيرة ، وجعل على الأطراف أصحاب أخبار يرفعون إليه ما يجري في حدودهم ، وعمل على حافتي النيل مناير يوقد عليها إذا حزبهم أمر أو قصدهم أحد ، وجعل بحافة بحر الملح منارا يعلم به أمر البحر ، ويقال : إنه بنى أكثر مدينة منف ، وكل بنيان عظيم بالإسكندرية ، وكان لما ملك البلد بأسره جمع الحكماء ، ونظر في النجوم وكان بها حاذقا ، فرأى أن مصر ، لا بدّ أن تغرق من نيلها ، وإنها تخرب على يد رجل يأتي من ناحية الشام ، فجمع كل فاعل بمصر ، وبنى مدينة في الواح الأقصى ، وقصده ملك الإفرنجة ، وملك منه مدينة منف ، وقدم معه ألف مركب ، وهدم أكثر الإسكندرية ودخل إلى النيل من رشيد حتى أخذ منف وفرّ منه صا إلى المدائن الداخلة ، وتحصن بها من عدوّه ، فامتنعت بالطلسمات أياما كثيرة ، ثم كانت العاقبة له وعاد عدوّه منهزما ، ورجع إلى منف فتتبع الكهنة وقتل منهم كثيرا ، وأقام ملكا سبعا وستين سنة ، وعاش مائة وسبعين سنة.
وملك ابنه تدراس : واستولى على الأحياز كلها وصفا له الوقت وملك مصر ، وكان محتكما مجرّبا ذا أيد وقوّة ومعرفة بالأمور ، فأظهر العدل وأقام الهياكل وأهلها قياما حسنا وبنى بيتا للزهرة ، وحفر خليج سخا وحارب بعض عمالقة الشام ، ودخل إلى فلسطين وقتل بها خلقا وسبى بعض أهلها إلى مصر ، وغزا السودان من الزنج والحبشة ووجه في النيل بثلاثمائة سفينة فلقي السودان ، وكانوا زهاء ألف ألف فهزمهم ، وقتل أكثرهم وأسر منهم خلقا كثيرا ، وساق الفيلة والنمور إلى مصر ، وعمل على حدود بلده منارات زبر عليها اسمه ومسيره وظفره ، وفي أيامه بعث الله نبيه صالحا إلى ثمود ، ويقال : إنه هو الذي أنزل النوبة حيث هي ، وذلك أنه لما أوغل في أرض الحبشة ، وقتل أمم السودان وجد فيهم أمة تقرأ صحف آدم وشيث وإدريس فمنّ عليها ، وأنزلها على نحو من شهر من أرض مصر ، فسموا النوبة ، ومات بمنف.
فملك بعده ابنه ماليق : وكان عاقلا كريما ، حسن الصورة مجرّبا مخالفا لأبيه وأهل
مصر في عبادة الكواكب والبقر ، ويقال : إنه كان موحدا على دين أجداده ، قبطيم ومصرايم ، وكانت القبط تذمه لذلك ، وأمر الناس باتخاذ كل قارة من الخيل ، واقتنى السلاح وأكثر الأسفار ، وأنشأ في بحر المغرب مائتي سفينة وخرج في جيش عظيم في البرّ والبحر ، وأتى البربر ، فهزمهم واستأصل أكثرهم ، وبلغ إفريقية ، وسار إلى الأندلس يريد الإفرنجة ، فلم يمرّ بأمّة إلا أبادها ، فحشد له ملك الإفرنجة وحاربه شهرا ، ثم طلب صلحه ، وأهدى إليه فسار عنه ، ودوّخ الأمم المتصلة بالبحر الأخضر والقبط تذكر أنه رأى سبعين أعجوبة ، وعمل أعمالا على البحر ، وزبر عليها اسمه ومسيره وخرّب مدن البربر ، ورجع فتلقاه أهل مصر بأصناف الرياحين وأنواع اللهو ، وفرشت له الطرقات ، فهابه الملوك ، وحملوا إليه الهدايا وما زال موحدا حتى مات.
فملك بعده ابنه حزابا : وكان لينا سهل الخلق قد عرّفه أبوه التوحيد ، ونهاه عن عبادة الأصنام فرجع عن ذلك بعده إلى دين قومه ، وغزا الهند والسودان بعد ما عمل مائة سفينة على شكل سفن الهند ، وتجهز وحمل معه امرأته ووجوه أصحابه واستخلف ابنه كلكلي على مصر ، وكان صبيا وجعل معه وزيرا كاهنا ، فمرّ على ساحل اليمن وعاث في مدائنه ، وبلغ سرنديب وأوقع بأهلها ، وبلغ جزيرة بين الهند والصين ، فأذعن له أهلها وتنقل في تلك الجزائر سنين ، فيقال : إنه أقام في سفره سبع عشرة سنة ، ورجع غانما ، فهابه الملوك ، وبنى عدّة هياكل ، وأقام بها الأصنام للكواكب ، ثم غزا نواحي الشام فأطاعه أهله ورجع فغزا النوبة والسودان ، وضرب عليهم خراجا يحملونه إليه ، ورفع أقدار الكهنة ومصاحفهم ، وكان يرى أن هذا الظفر بمعونة الكواكب له ، ومات وقد ملك خمسا وسبعين سنة. فقام ابنه كلكلي وعقد له بالإسكندرية ، فأقام بها شهرا ، ثم قدم إلى منف ، وكان أصناميا ، فسرّ به أهل مصر ، وكان يحب الحكمة ، وإظهارالعجائب ويقرّب أهلها ويجيزهم وعمل الكيمياء وخزن أموالا عظيمة بصحارى الغرب ، وهو أوّل من أظهر علم الكيمياء بمصر ، وكان علمها مكتوما ، وكان من تقدّمه من الملوك أمر بترك صنعتها ، فعملها كلكلي ، وملأ دور الحكمة منها حتى لم يكن الذهب في زمن بمصر أكثر منه في وقته ، ولا الخراج لأنه كان مائة ألف ألف ، وبضعة عشر ألف ألف مثقال ، فاستغنوا عن إثارة المعادن ، وعمل أيضا من الحجارة الملوّنة التي تشف شيئا كثيرا ، وعمل من الفيروزج وغيره أشياء.
واخترع أمورا تخرج عن حدّ العقل حتى سمي حكيم الملوك ، وغلب جميع الكهنة في علومهم ، وكان يخبرهم بما يغيب عنهم ، وكان نمرود إبراهيم عليهالسلام في وقته ، فاتصل بنمرود خبر حكمته وسحره ، فاستزاره ، وكان النمرود جبارا مشوّه الخلق يسكن السواد من العراق ، وأتاه الله قوّة وقدرة وبطشا ، فغلب على كثير من الأمم ، فتقول القبط : إنّ النمرود لما استزار كلكلي وجه إليه أن يلقاه بموضع كذا ، فسار إلى الموضع على أربعة أفراس تحمله ذوات أجنحة ، وقد أحاط به نور كالنار ، وحوله صور هائلة ، وقد خيل بها وهو
متوشح بثعبان متحزم ببعضه ، وقد فغر فاه وهو يضربه بقضيب آس ، فلما رآه النمرود هاله ، وأقرّ له بجليل الحكمة ، وسأله : أن يكون ظهيرا له ، ويقال : إنه كان يرتفع ويجلس على الهرم الغربيّ في قبة تلوح على رأسه ، فإذا دهم أهل البلد أمر اجتمعوا حول الهرم فيقيم أياما لا يأكل ولا يشرب ، ثم استتر مدّة حتى توهموا أنه هلك فطمع فيه الملوك ، وقصده ملك من الغرب في جيش عظيم ، حتى قدم وادي هبيب ، فأقبل حتى جللهم من سحره بشيء كالغمام شديد الحرّ ، فأقاموا تحته أياما متحيرين ، ثم طار إلى مصر ، وأمرهم بالخروج إلى الجيش ، فوجدوهم قد ماتوا هم ودوابهم ، فهابه الكهنة مهابة لم يهابوها أحدا قبله ، وعمر طويلا وغاب فلم يعلم خبره.
وقال ابن عبد الحكم : إنّ كلكلي ابن حزابا ملكهم نحو مائة سنة ثم مات ولا ولد له.
فملك أخوه ماليا بن حزابا. قال ابن وصيف شاه : وقام أخوه ماليا : وكان شرها كثير الأكل والشرب منفردا بالرفاهية غير ناظر في شيء من الحكمة ، وجعل أمر البلد إلى وزيره ، واشتغل بالنساء ، وكان له من النساء ثمانون امرأة فهجم عليه ابنه طوطيس ، وهو سكران فقتله ، وقتل امرأة كانت عنده.
وملك بعده ابنه طوطيس : ويقال : إنه عمرو بن امرئ القيس بن بابليون بن حمير بن سبا بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، ويقال : الوليد بن الريان ، وأنه أحد فراعنة مصر ، من ولد دان بن فهلوج بن أمراز بن أشود بن سام بن نوح.
وقيل : فراعنة مصر من ولد عملاق الأوّل بن لاود بن سام بن نوح ، وكان جبارا جريئا شديد البأس مهابا ، والقبط تزعم أنه أوّل الفراعنة بمصر ، وهو فرعون إبراهيم عليهالسلام ، ويقال : إن الفراعنة سبعة ، هو أوّلهم ، وحفر نهرا في شرقيّ مصر بسفح الجبل حتى ينتهي إلى مرفأ السفن في البحر الملح ، وكان يحمل إلى هاجر أمّ إسماعيل التي أعطاها إبراهيم عليهالسلام الحنطة وأصناف الغلات فتصل إلى جدّة فأحيى بلد الحجاز مدّة ، ويقال : إن كل ما حليت به الكعبة في ذلك العصر مما أهداه ملك مصر ، ولكثرة ما حمل إلى الحجاز سمته العرب من جرهم الصادوق.
وفي كتاب هروشيش : أن سلطان المصريين في زمن إبراهيم الخليل عليهالسلام ، كان بأيدي قوم يدعون ببني فاليق بن دارش ، ودام ملكهم بمصر مائة وعشرين سنة ، وقال ابن إسحاق عن بعضهم : إن فراعنة مصر من ولد دان بن فهلوج بن امراز بن أشود بن سام بن نوح ، قال : والمشهور أنهم من العماليق ، منهم الريان بن الوليد ، ويقال : الوليد بن الريان فرعون يوسف ، والوليد بن مصعب فرعون موسى ، ومنهم سنان بن علوان.
قال ابن وصيف شاه : وإنما قيل له : فرعون ، لأنه أكثر القتل ولم يرزق غير ابنة ،
وكانت عاقلة فخافت لكثرة قتله الناس ، فقتلته بسمّ ، وله في الملك مائة وسبعون سنة.
وملكت بعده جورياق : فوعدت الناس بالإحسان ، وجمعت الأموال وقدّمت الكهنة وأهل الحكمة ورؤساء السحرة ، ورفعت أقدارهم وجدّدت الهياكل ، وصار من لم يرضها إلى مدينة أتريب ، وملّكوا رجلا من ولد أتريب ، وقد تقدّم خبره في الإسكندرية ، وجورياق أوّل امرأة ملكت مصر من ولد نوح عليهالسلام ، وماتت.
فملكت بعدها ابنة عمها زلفى بنت مأمون : وكانت عذراء عاقلة ، فوعدت الناس بالجميل ، وقام عليها أيمن الإتريبيّ ، واستنصر بملك العمالقة ، فسير معه قائدا ، فأخرجت إليه جيشا فالتقوا بالعريش ، واقتتلوا حتى فني منهم كثير من الناس ، ثم انهزم أصحاب زلفى إلى منف ، وهم في أقفيتهم ، فخرجت زلفى إلى الصعيد ، ونزلت الأشمونين ، فكان بينها وبين عساكر العمالقة حروب انهزموا فيها ، وخرجوا عن منف بعد ما عاثوا فيها وعدّوا إلى الجرف ، فامتنعوا به ، وصارت مصر بينهم نصفين ، ثم إنّ زلفى عاودت الحرب ، فاستمرّت ثلاثة أشهر حتى انهزمت إلى قوص وأيمن خلفها ، فلما أيقنت أنها تؤخذ ، سمّت نفسها ، فهلكت.
وقال ابن عبد الحكم : ثم توفي طوطيس بن ماليا ، فاستخلفت ابنته جورياق ابنة طوطيس ، ولم يكن له ولد غيرها ، ثم توفيت جورياق فاستخلفت ابنة عمها زلفى ابنة مأمون بن ماليا ، فعمرت دهرا طويلا ، وكثروا ونموا وملأوا أرض مصر كلها ، فطمعت فيهم العمالقة ، فغزاهم الوليد بن دومع ، فقاتلهم قتالا عظيما ، ثم رضوا أن يملكوه عليهم فملكهم نحوا من مائة سنة ، فطغى وتكبر ، وأظهر الفاحشة ، فسلط الله عليه سبعا فافترسه وأكل لحمه.
والذي ملك مصر من الفراعنة خمسة : وملك أيمن وتجبر ، وقتل خلقا ممن حاربه ، وكان الوليد بن دومع العمليقي قد خرج في جيش كثيف ، فبعث غلاما يقال له : فرعون ، إلى مصر ، ففتحها. ثم قدم بعده واستباح أهل مصر ، وأخذ أموالهم ثم خرج ليقف على مصب النيل فرأى جبل القمر ، وأقام في غيبته أربعين سنة ، ورجع إلى مصر ، وقد خالفه فرعون ، وفرّ منه فاستعبد أهل مصر وملكهم مائة وعشرين سنة حتى هلك.
وملك ابنه الريان بن الوليد بن دومع : أحد العمالقة ، وكان أقوى أهل الأرض في زمانه وأعظمهم ملكا.
والعمالقة : ولد عمليق بن لاود بن سام بن نوح ، وهو فرعون يوسف عليهالسلام ، والقبط تسميه : نهراوش ، وقيل : فرعون يوسف ، اسمه : الريان بن الوليد بن ليث بن قاران بن عمرو بن عمليق بن بلقع بن عابر بن اشليخا بن لود بن سام بن نوح ، وقيل : فرعون
يوسف ، هو : جدّ فرعون موسى أبو أبيه ، واسمه : برخو ، وكان عظيم الخليق جميل الوجه عاقلا ، فوعد الناس الجميل ، وأسقط عنهم الخراج لثلاث سنين وفرّق المال فيهم.
وملك رجلا من أهل بيته يقال له : أطفين ، وهو الذي يقال له : العزيز ، وكان عاقلا أديبا مستعملا للعدل والعمارة ، فأمر أن ينصب له سرير من فضة في قصر الملك يجلس عليه ، ويخرج وجميع الكتاب والوزراء بين يديه ، فكفى نهراوش ما خلف ستره ، وقام بجميع أموره وخلاه للذاته ، فأقام على قصفه مدّة والبلد عامر ، فقصده رجل من العمالقة ، وسار إلى مصر في جيوشه ، فخرج إليه وقاتله وهزمه ، وسار خلفه ، ودخل الشام وعاث هنالك ، فهابته الملوك ولاطفته.
وقيل : إنه بلغ الموصل ، وضرب على أهل الشام خراجا وخرج لغزو بلاد المغرب في تسعمائة ألف ، ومرّ بأرض البربر ، وجلا كثيرا منهم ، ومرّ إلى البحر الأخضر ، وسار إلى الجنوب ، فقدم النوبة وعاد إلى مدينة منف ، وكان من خبر يوسف معه ما ذكر عند ذكر الفيوم.
وملك بعده ابنه دريموش (١) : ويقال : له دارم بن الريان ، وهو الفرعون الرابع ، فخالف سنة أبيه ، وكان يوسف خليفته ، فيقبل منه تارة ، ويخالفه تارة ، وظهر في أيامه معدن فضة فأثار منه شيئا عظيما.
وفي أيامه مات يوسف عليهالسلام ، فاستوزر بعده رجلا حمله على أذى الناس ، وأخذ أموالهم ، فبلغ ذلك منهم مبلغا عظيما ، ثم زاد في التجرّي حتى اقتلع كل امرأة جميلة بمدينة منف من أهلها ، فكان لا يسمع بامرأة حسناء في موضع إلا وجّه إليها ، فحملت إليه فاضطرب الناس وشنعوا عليه وعطلوا الصنائع والأعمال والأسواق ، فعدا عليهم ، وقتل منهم مقتلة عظيمة ، وزاد الأمر حتى اجتمعوا على خلعه ، فبرز لهم وأسقط عنهم خراج ثلاث سنين ، وأنفق فيهم مالا فسكتوا ، وفي أيامه ثار القبط على بني إسرائيل وطلبوا من الوزير ، أن يخرجهم من مصر ، فما زال بهم حتى أمسكوا ، وبلغ الملك ذلك ، وكان قد خرج إلى الصعيد فتوعد أهل مصر ، فشغبوا عليه وحشدوا له ، فحاربوه فقتل منهم خلقا كثيرا ، وظفر بمن بقي ، فقتلهم وصلبهم على حافتي النيل ، وعاد إلى أعظم ما كان عليه من أخذ الأموال والنساء ، واستخدام أشراف القبط وبني إسرائيل ، فأجمع الكل على ذمّه ، فركب النيل للنزهة ، وثار به ريح عاصف ، فغرق ، فلم يوجد إلا بناحية شطنوف ، وقيل : فيما بين طرا وحلوان.
فقدّم الوزير ابنه معاديوس : وكان صبيا ، ويقال له : معدان ، فأسقط عن الناس
__________________
(١) إن الذي ملك بعد الريان بن الوليد هو قابوس بن مصعب. الكامل في التاريخ لابن الأثير ج ١ / ١٠٧.
ما أسقطه أبوه من الخراج ، ووعد بالإحسان فاستقام له الأمر ، وردّ نساء الناس ، وهو خامس الفراعنة ، وحدث في زمانه طوفان مصر ، وكثر بنوا إسرائيل وعابوا الأصنام ، فأفردوا ناحية عن البلد بحيث لا يختلط بهم غيرهم ، وأقطعوا موضعا في قبليّ منف ، فاجتمعوا فيه ، وبنوا فيه معبدا ، وغلب بعض الكنعانيين على الشام ، ومنع من الضريبة التي كانت على أهل الشام لملك مصر ، فاجتمع الناس إلى معدان ، وحثوه على المسير لحربه ، فامتنع من المسير ولزم الهيكل ، فزعموا أنه قام في هيكل زحل للعبادة ، فتجلى له زحل ، وخاطبه. وقال له : قد جعلتك ربا على أهل بلدك ، وحبوتك بالقدرة عليهم ، وعلى غيرهم ، وسأرفعك إليّ ، فلا تخل من ذكري فعظم عند نفسه وتجبر ، وأمر الناس ، أن يسموه ربا ، وترفع عن أن ينظر في شيء من أمر الملك ، وجعل عليه ابنه اكسامس.
فقام ابنه اكسامس في الملك ، ويقال : كلسم بن معدان ، فرتب الناس مراتب ، وقسم الكور والأعمال ، وأمر باستنباط العمارات ، وإظهار الصناعات ، ووسع على الناس في أرزاقهم ، وأمر بتنظيف الهياكل ، وتجديد لباسها وأوانيها وزاد في القرابين ، وهو الذي يقال له : كاشم بن معدان بن دارم بن الريان بن الوليد بن دومع العمليقي ، وهو سادس الفراعنة ، وسموا فراعنة ، بفرعان ، الأوّل فصار اسما لكل من تجبر وعلا أمره ، فطال ملكه ، وأقام أعلاما كثيرة حول منف ، وعمل مدنا كثيرة ، ومناير للوقودات وطلسمات ، وأقام سبع سنين بأجمل أمر ، فلما مات وزير أبيه استخلف رجلا من أهل بيت المملكة يقال له ظلما بن قومس ، وكان شجاعا ساحرا كاهنا كاتبا حكيما متصرّفا في كل فنّ ، وكانت نفسه تنازعه الملك ، فأصلح أمر الملك وبنى مدنا من الجانبين ، ورأى في نجومه أنه سيكون حدث ، فبنى بناحية رقودة والصعيد ملاعب ومصانع وشكا إليه القبط من الإسرائيليين ، فقال : هم عبيدكم ، فأذلوهم من حينئذ ، وخرج إلى ناحية البربر ، فعاث وقتل وسبى ، وفي أيامه : بنيت منارة الإسكندرية ، وهاج البحر الملح فغرّق كثيرا من القرى والجنان والمصانع ، ومات اكسامس ، وكان ملكه إحدى وثلاثين سنة ، منها إحدى عشرة سنة يدبر أمره ظلما ، فلما مات اضطرب الناس ، واتهموا ظلما أنه سمه فقام.
وولي لاطيس بن اكسامس : وكان جريئا معجبا صلفا ، فأمر ونهى ، وألزم الناس أعمالهم ، وقال : أنا مستقيم ما استقمتم ، وإن ملتم عن الواجب ملت عنكم ، وحط جماعة عن مراتبهم ، وصرف ظلما عن خلافته ، واستخلف غيره ، وأنفذ ظلما إلى الصعيد في جماعة من الإسرائيليين ، وجدّد بناء الهياكل وبنى القرى وأثار معادن كثيرة وكنز في صحراء الشرق عدّة كنوز ، وكان يحب الحكمة ، ثم تجبر وعلا أمره ، وأمر أن لا يجلس أحد في مجلسه ، ولا في قصر الملك ، لا كاهن ولا غيره ، بل يقومون على أرجلهم حتى يمضوا ، وزاد في أذى الناس والعنف بهم ، وممنع فضول ما بأيديهم وقصرهم على القوت ، وجمع أموالهم وطلب النساء ، وانتزع كثيرا منهنّ وفعل أكثر مما فعله من تقدّم قبله ، واستعبد بني
إسرائيل ، وقتل جماعة من الكهنة ، فأبغضه الخاص والعام ، وثار ظلما بالصعيد ، وكاتب وجوه الناس فكتب لاطيس بصرفه عن العمل ، فامتنع وحارب عساكره ، وزحف حتى دخل منف.
ظلما بن قومس : فرعون موسى ، يقال : إن اسمه الوليد بن مصعب بن اراهون بن الهلوت بن قاران بن عمرو بن عمليق بن بلقع بن عابر بن اشليخا بن لود بن سام بن نوح ، وإنه من العمالقة ، وكان قصيرا طويل اللحية أشهل العين اليمنى صغير العين اليسرى ، أعرج ، وزعم قوم : أنه من القبط وأن نسبه ونسب أهل بيته مشهور عندهم ، وقيل غير ذلك ، وكان من خبره ما ذكرنا في كنيسة دموة.
وقال ابن عبد الحكم : ولما أغرق الله فرعون بقيت مصر بعد غرقه ، ليس فيها من أشراف أهلها أحد ، ولم يبق إلا العبيد والأجراء والنساء ، فأعظم أشراف من بمصر من النساء أن يولين منهم أحدا ، وأجمع رأيهنّ أن يولين امرأة يقال لها : دلوكة.
فملكت دلوكة ابنة زبا : ويقال : دلوكة بنت قاران ، وكان لها عقل وتجارب ومعرفة ، وكانت في شرف منهنّ ، وهي يومئذ بنت مائة وستين سنة ، فبنت جدارا حصنت به مصر من الأعداء ، وكان من حدّ زنج إلى إفريقية إلى الواحات إلى بلد النوبة على كل موضع منه حرس قيام ليلهم ، ونهارهم يقدون النار وقودا لا يطفأ أبدا أحاطت به على جميع أرض مصر كلها في ستة أشهر ، وهو حائط العجوز ، وفي أيامها ، بنت تدورة الساحرة البرابي في وسط منف ، فملكتهم دلوكة عشرين سنة حتى بلغ صبيّ من أبناء أكابرهم يقال له : دركون بن بلاطس ، ثم مات واستخلف ابنه تودست ، ثم توفي تودست بن دركون ، فاستخلف أدقاش ، فلم يملك إلا ثلاث سنين ، حتى مات فاستخلف أخوه مرينا بن مرينوس ، ثم توفي فاستخلف أستادس بن مرينا ، فطغى وتكبر وسفك الدم وأظهر الفاحشة ، فخلعوه وقتلوه وبايعوا رجلا من أشرافهم يقال له : بلطوس بن مينا كيل ، فملكهم أربعين سنة ، ثم توفي فقام ابنه مالوس ، ثم توفي مالوس ، فاستخلف أخوه ميناكيل بن بلطوس بن ميناكيل ، فملكهم زمانا ، ثم توفي واستخلف ابنه نوله بن ميناكيل ، فملكهم مائة وعشرين سنة ، وهو الأعرج الذي سبى ملك بيت المقدس ، وقدم به إلى مصر ، وكان قد تمكن وطغى وبلغ مبلغا لم يبلغه أحد ممن قبله بعد فرعون ، فصرعته دابته ، فمات.
وقيل له : الأعرج ، لأنه لما غزا أهل بيت المقدس ونهبهم ، وسبى ملكهم يوشيا بن أمون بن منشا بن حزقيا ، همّ أن يصعد على كرسيّ نبيّ الله سليمان بن داود ، وكان بلولب لا يمكن أحدا أن يصعد عليه إلا برجليه جميعا ، فصعد برجل واحدة ، وهي اليمنى ، فدار اللولب على ساقه الأخرى فاندقت ، فلم يزل يجمع بها إلى أن مات ، فلذلك سمي الأعرج.
فاستخلف مرينوس بن نولة ، فملكهم زمانا ، ثم توفي واستخلف ابنه قرقورة ، فملكهم
ستين سنة ، ثم توفي واستخلف أخوه نقاس بن مرنيوس ، وانهدم البربا في زمنه ، فلم يقدر أحد على إصلاحه ، ثم توفي نقاس واستخلف ابنه قوميس بن نقاس ، فملكهم دهرا وحاربه بخت نصر وقتله ، وخرّب مدينة منف ، وغيرها من المدائن وسبى أهل مصر ، ولم يترك بها أحدا حتى بقيت أرض مصر أربعين سنة خرابا ليس فيها ساكن.
وذكر في ترجمة كتاب هروشيش الأندلسيّ في وصف الدول والحروب ، أنّ فيما بين غرق فرعون موسى إلى مائة وسبع سنين ، كان بمصر ملك يسمى نوشردس كان يقتل الغرباء ، والأضياف ويذبحهم لأوثانه ، ويجعل دماءهم قربانا لها ، وأن بعد غرق فرعون إلى ثلثمائة وثمان وعشرين سنة ، كان بمصر ملك يسمى : بروبة ، وكان عظيم المملكة قويّ السلطان أخذ بالحرب أكثر نواحي الجنوب برّا وبحرا ، وهو أوّل من حارب الروم الذين قيل لهم بعد ذلك الغوط ، وكان قد أرسل إليهم يدعوهم إلى طاعته ، ويخوّفهم حربه ، فأجابوه ليس من الرأي المحمود للملك الغنيّ محاربة قوم فقراء لكثرة نوازل الحروب ، واختلاف حوادثها بالظفر والهلاك ، وإنا لا ننتظر مجيئك ، بل نسرع لغارتك ، وأتبعوا قولهم عملا ، وخرج فرعون إليهم ، فخرجوا مسرعين إليه وهزموا جيوشه ، ونهبوا عساكره وأمواله وعدده ، وجميع ذخائره ومضوا فنهبوا أرض مصر حتى كادوا يغلبون عليها لولا وحول عرضت لهم منعتهم مما خلفها ، ثم انصرفوا إلى بلاد الشام بحروب متصلة ، حتى أذلوا أهلها ، وجعلوهم يؤدّون إليهم المغارم ، وأقاموا محاربين لمن خالفهم في غزوتهم خمس عشرة سنة ، ولم ينصرفوا إلى بلادهم حتى أتتهم من نسائهم من يقلن لهم : إما أن تنصرفوا ، وإما أن تتخذ الأزواج ونطلب النسل من عند المجاورين لنا ، فعند ذلك انصرفوا إلى بلادهم ، وقد امتلأت أيديهم أموالا وأوقارا جمة ، وقد خلفوا وراءهم ذكرا مفزعا.
ويقال : إنّ ملوك مدين ملكوا مصر ، خمسمائة عام بعد غرق فرعون ، وهلاك دلوكة حتى أخرجهم منها نبيّ الله سليمان بن داود ، فعاد الملك بعدهم إلى القبط ، وإنّ جالوت بن بالوت ، لما قتله داود ، سار ابنه جالوت بن جالوت إلى مصر ، وبها ملوك مدين ، فأنزله ملك مصر ، بالجانب الغربيّ ، فأقام بها مدّة ثم سار إلى بلاد الغرب.
ويقال : إنّ القبط ملكوا مصر بعد دلوكة ، وابنها مدّة ستمائة سنة وعشرين سنة ، وعدّتهم سبعة وعشرون ملكا ، هم : ديوسقوليطا ، ومدّته ثمان وسبعون سنة ، وقيل : ثمان وثمانون سنة.
ثم ملك بعده سمانادوس ، ستا وعشرين سنة ، وقام بعده سوماناس مدّة مائة سنة ، ثم ملك مفخراس أربع سنين ، ثم ملك أماناقوناس تسع سنين ، ثم اسحوريس ست سنين ، ثم فسيناخس تسع سنين ، ثم فسوسانس خمسا وثلاثين سنة ، ثم ملك سسوناخوسيس إحدى وعشرين سنة ، ثم ملك اساليون خمس عشرة سنة ، ثم طافالونيس ثلاث عشرة سنة ، ثم
نطافاناسطلس خمسا وعشرين سنة ، ثم أساراثون تسع سنين ، ثم ملك فسامرس عشر سنين ، ثم أوفاينواس أربعا وأربعين سنة ، ثم ساياقور اثنتي عشرة سنة ، ثم سخس الحبشي اثنتي عشرة سنة ثم طراحوش الحبشي عشرين سنة ، ثم أمراس الحبشي اثنتي عشرة سنة ، ثم استطافينياس سبع سنين ، ثم باخفاسوس ست سنين ، ثم ياخو ثمان سنين ، ثم فساماملطيقوش أربعا وأربعين سنة ، ثم بحنوقا ست سنين ، ثم فسامرتاس سبع عشرة سنة ، ثم وافرس خمسا وعشرين سنة ، ثم أماسلس اثنتين وأربعين سنة.
وملك بعد هؤلاء : مصر خمسة ملوك من ملوك بابل ، وهم : أمرطيوش ست سنين ، ثم ما فرطاس سبع سنين ، ثم أوخرس اثنتي عشرة سنة ، ثم فساموت مدّة سنتين ، ثم ملك موتاطوس سبع سنين.
ثم ملك ثلاثة ملوك من أثور ، وهم : الجرامقة الذين ملكوا الموصل والجزيرة ، وهم : نافاطانبوش ثلاث عشرة سنة ، ثم طوس سبع سنين ، ثم نافاطانيناس ثمان عشرة سنة.
ثم انتقل ملك مصر منهم : إلى الإسكندر بن فيليبس اليوناني ، وهذه أسماء رومية ، ولعلها أو بعضها متداخل فيما تقدّم ذكره ممن ملك بعد دلوكة.
وبين بخت نصر ، وبين الطوفان ألفا سنة وثلثمائة وست وخمسون سنة وأشهر ، ويجتمع من حساب ما وقع في التوراة ، أنّ بين الطوفان ، وبين خراب بيت المقدس على يد بخت نصر من السنين ، ألفا وستمائة وأربعا وثمانين سنة ، وهذا خلاف ما نقله المسعوديّ ، والله تعالى أعلم بالصواب.
ذكر مدينة الإسكندرية
هذه المدينة من أعظم مدائن الدنيا وأقدمها وضعا ، وقد بنيت غير مرّة ، فأوّل ما بنيت بعد كون الطوفان في زمان مصرايم بن بيصر بن نوح ، وكان يقال لها : إذ ذاك مدينة رقودة ، ثم بنيت بعد ذلك مرّتين.
فلما كان في أيام اليونانيين ، جدّدها الإسكندر بن فيليبس المقدونيّ الذي قهر دارا ، وملك ممالك الفرس بعد تخريب بخت نصر مدينة منف ، بمائة وعشرين سنة شمسية ، فعرفت به ، ومنذ جدّدها الإسكندر المذكور انتقل تخت المملكة من مدينة منف إلى الإسكندرية ، فصارت دار المملكة بديار مصر ، ولم تزل على ذلك حتى ظهر دين الإسلام ، وقدم عمرو بن العاص بجيوش المسلمين ، وفتح الحصن والإسكندرية ، وصارت ديار مصر أرض إسلام ، فانتقل تخت الملك حينئذ من الإسكندرية إلى فسطاط مصر ، وصار الفسطاط من بعد الإسكندرية دار مملكة ديار مصر.
وسأقص عليك من أخبار الإسكندرية ما وصل إليه علمي ، إن شاء الله تعالى.
ذكر أبو الحسن المسعوديّ في كتاب أخبار الزمان : أنّ الكوكة ، وهي أمّة في غابر الدهر من أهل أيلة ملكوا الأرض وقسموها على ثلاثين كورة ، وأربعة أقسام ، كل قسم عمل ، وبنوا في كل عمل ، مدينة بها ملك يجلس على منبر من ذهب ، وله بربا ، وهي بيت الحكمة ، وله هيكل على اسم كوكب فيه أصنام من ذهب ، وجعلوا الإسكندرية واسمها رقودة ، خمس عشرة كورة ، وجعلوا فيها كبار الكهنة ، ونصبوا في هياكلها من أصنام الذهب أكثر مما نصبوا في غيرها ، فكان ما بها مائتا صنم من ذهب ، وقسموا الصعيد ثمانين كورة على أربعة أقسام وثلاثين مدينة فيها جميع العجائب.
وذكر بطليموس في كتاب الأقاليم ووصف الجزائر والبحار والمدن : أنّ مدينة الإسكندرية لبرج الأسد ودليلها المرّيخ ، وساعاتها أربع عشرة ساعة ، وطولها ستون درجة ونصف درجة يكون ذلك أربع ساعات مستوية وثلث عشر ساعة.
وقال ابن وصيف شاه في ذكر أخبار مصرايم بن بيصر بن نوح ، وعلمهم أيضا عمل الطلسمات ، وكانت تخرج من البحر دواب تفسد زرعهم وجنانهم وبنيانهم ، فعملوا لها الطلسمات ، فغابت ، ولم تعد وبنوا على غير البحر مدنا منها مدينة رقودة مكان الإسكندرية ، وجعلوا في وسطها قبة على أساطين من نحاس مذهب ، والقبة مذهبة ونصبوا فوقها ، مرآة من أخلاط شتى ، قطرها خمسة أشبار وارتفاع القبة مائة ذراع ، فكانوا إذا قصدهم قاصد من الأمم التي حولهم ، فإن كان مما يهمهم ، وكان من البحر عملوا لتلك المرآة عملا ، فألقت شعاعها على ذلك الشيء فأحرقته ، فلم تزل إلى أن غلب البحر عليها.
ويقال : إنّ الإسكندر إنما عمل المنارة تشبيها بها ، وكان عليها أيضا مرآة يرى فيها من يقصدهم من بلاد الروم ، فاحتال عليهم بعض ملوكهم ، ووجه إليها من أزالها ، وكانت من زجاج مدبر.
قال : وذكر بعض القبط أنّ رجلا من بني الكهنة الذين قتلهم ، ايساد ملك مصر سار إلى ملك كان في بلاد الإفرنجة ، فذكر له كثرة كنوز مصر وعجائبها ، وضمن له أن يوصله إلى ملكها وأموالها ويرفع عنه أذى طلسماتها حتى يبلغ جميع ما يريد ، فلما اتصل صا بن مرقونس أخي ايساد ، وهو ملك مصر يومئذ ، أنّ صاحب بلاد الإفرنجة يتجهز إليه عمد إلى جبل بين البحر الملح وشرقيّ النيل ، فأصعد إليه أكثر كنوزه ، وبنى عليها قبابا مصفحة بالرصاص ، وظهر صاحب بلاد الإفرنجة في ألف مركب ، فكان لا يمرّ بشيء من أعلام مصر ومنازلها إلا هدمه ، وكسر الأصنام بمعونة ذلك الكاهن ، حتى أتى الإسكندرية الأولى فعاث فيها ، وفيما حولها وهدم أكثر معالمها إلى أن دخل النيل من ناحية رشيد ، وصعد إلى منف ، وأهل النواحي يحاربونه ، وهو ينهب ما مرّ به ، ويقتل ما قدر عليه إلى أن طلب المدائن الداخلة لأخذ كنوزها ، فوجدها ممتنعة بالطلسمات الشداد ، والمياه العميقة والخنادق
والشداخات ، فأقام عليها أياما كثيرة ، فلم يمكنه الوصول إليها وغضب على الكاهن ، فقتله من أجل أنّ جماعة من أصحابه هلكوا ، فاجتمع أهل النواحي ، وقتلوا من أصحابه الذين بالمراكب خلقا ، وأحرقوا بعض المراكب ، وقام أهل مصر بسحرهم وتهاويلهم فأتت رياح أغرقت أكثر مراكبه حتى نجا بنفسه ، وقد خرج فعاد الناس إلى منازلهم وقراهم ، ورجع الملك صا إلى مدينة منف ، وأقام بها ، وتجهز لغزو بلدان الروم ، وبعث إليها وخرّب الجزائر فهابته الملوك ، وتتبع الكهنة فقتل منهم خلقا كثيرا ، وأقام ملكا سبعا وستين سنة ، ومات وعمره مائة وسبعون سنة ، ودفن بمنف في وسطها تحت الأرض ، ومعه الأموال والجواهر والتماثيل والطلسمات ، كما فعل آباؤه منها : أربعة آلاف مثقال ذهبا على صور حيوانات برّية وبحرية ، وتمثال عقاب من حجر أخضر ، وتمثال تنين من ذهب ، وزبروا عليها اسمه ، وغلبته الملوك وسيرته ، وعهد إلى ابنه تدراس.
قال : ولما جلست جورياق ابنة طوطيس ، أوّل فراعنة مصر ، وهو فرعون إبراهيم الخليلعليهالسلام على سرير الملك بعد قتلها لأبيها ، وعدت الناس بالإحسان ، وأخذت في جمع الأموال ، فاجتمع لها ما لم يجتمع لملك ، وقدّمت الكهنة وأهل الحكمة ، ورؤساء السحرة ، ورفعت أقدارهم ، وأمرت بتجديد الهياكل وصار من لم يرضها إلى مدينة أتريب ، وملكوا عليها رجلا من ولد أتريب يقال له : إيداخس ، فعقد على رأسه تاجا ، واجتمع إليه جماعة ، فأنفذت إليه جيشا فهزموه ، وقتلوا أكثر أصحابه فهرب إلى الشام ، وبها الكنعانيون فاستغاث بملكهم ، فجهزه بجيش عظيم ففتحت جورياق الخزائن وفرّقت الأموال وقوّت السحر ، فعملوا أعمالهم وتقدّم إيداخس بجيوش الكنعانيين ، وعليها قائد منهم يقال له : جيرون.
فلما نزلوا أرض مصر بعثت ظئرا لها من عقلاء النساء ، إلى القائد سرّا عن إيداخس تعرّفه رغبتها في تزوّجه ، وأنها لا تختار أحدا من أهل بيتها ، وأنه إن قتل إيداخس تزوّجت به وسلمته ملك مصر ، ففرح بذلك ، وسمّ إيداخس بسمّ أنفذته إليه فقتله ، وبعثت إليه بعد قتل إيداخس أنه لا يجوز أن أتزوّجك حتى يظهر قومك في بلدي ، وتبني لي مدينة عجيبة ، وكان افتخارهم حينئذ بالبنيان وإقامة الأعلام ، وعمل العجائب ، وقالت : انتقل من موضعك إلى غربيّ بلدي فثم آثار لنا كثيرة ، فاقتف تلك الأعمال وابن عليها ، ففعل ، وبنى مدينة في صحراء الغرب ، يقال لها : قيدومة ، وأجرى إليها من النيل نهرا وغرس حولها غروسا كثيرة ، وأقام بها منارا عاليا فوقه منظر مصفح بالذهب والفضة والزجاج والرخام ، وهي تمدّه بالأموال وتكاتب صاحبه عنه وتهاديه ، وهو لا يعلم.
فلما فرغ منها قالت له : إنّ لنا مدينة أخرى حصينة كانت لأوائلنا ، وقد خرّبت منها أمكنة ، وتشعث حصنها ، فامض إليها واعمل في إصلاحها حتى أنتقل أنا إلى هذه المدينة
التي بنيتها ، فإذا فرغت من إصلاح تلك المدينة ، فانفذ إليّ جيشك حتى أصير إليك وأبعد عن مدينتي وأهل بيتي فإني أكره أن تدخل عليّ بالقرب منهم ، فمضى ، وجدّ في عمل الإسكندرية الثانية.
وأهل التاريخ يذكرون أنّ الذي قصدها الوليد بن دومع العمليقي ثاني الفراعنة ، وكان سبب قصدها أنه كان به علة فوجه إلى الأقطار ليحمل إليه من مائها حتى يرى ما يلائمه ، فوجه إلى مملكة مصر غلاما ، فوقف على كثرة خيراتها ، وحمل إليه من مائها وألطافها ، وعاد إليه فعرّفه حال مصر ، فسار إليها في جيش كثيف ، وكاتب الملكة يخطبها لنفسه ، فأجابته وشرطت عليه أن يبني لها مدينة يظهر فيها أيده وقوّته ، ويجعلها لها مهرا ، فأجابها وشق مصر إلى ناحية الغرب ، فبعثت إليه أصناف الرياحين والفواكه وخلقت وجوه الدواب ، فمضى إلى الإسكندرية ، وقد خربت بعد خروج العادية منها فنقل ما كان من حجارتها ومعالمها وعمدها ، ووضع أساس مدينة عظيمة ، وبعث إليها مائة ألف فاعل ، وأقام في بنائها مدّة ، وأنفق جميع ما كان معه من المال وكلما بنى شيئا خرج من البحر دواب فتقلعه ، فإذا أصبح لم يجد من البناء شيئا ، فاهتم لذلك ، وكانت جورياق قد أنفذت إليه ألف رأس من المعز اللبون يستعمل ألبانها في مطبخه ، وكانت مع راع تثق به يرعاها هنالك ، فكان إذا أراد أن ينصرف عند المساء خرجت إليه من البحر جارية حسناء ، فتتوق نفسه إليها ، فإذا كلمها شرطت عليه أن تصارعه ، فإن صرعها ، كانت له ، وإن صرعته ، أخذت من المعز رأسين ، فكانت طول الأيام تصرعه ، وتأخذ الغنم ، حتى أخذت أكثر من نصفها وتغير باقيها لشغله بحبّ الجارية عن رعيها ونحل جسمه ، فمرّ به صاحبه وسأله عن حاله ، فأخبره الخبر خوفا من سطوته ، فلبس ثياب الراعي ، وتولى رعي الغنم يومه إلى المساء ، فخرجت إليه الجارية وشرطت عليه الشرط ، فأجابها وصارعها فصرعها وشدّها فقالت : إن كان ولا بدّ من أخذي ، فسلمني لصاحبي الأول ، فإنه ألطف بي وقد عذبته مدّة ، فردّها إليه ، وقال له : سلها عن هذا البنيان الذي نبنيه ، ويزال من ليلته من يفعل ذلك؟ وهل في ثباته من حيلة؟ فسألها الراعي عن ذلك ، فقالت : إنّ دواب البحر التي تنزع بنيانكم ، فقال : فهل من حيلة؟ قالت : نعم ، تعملون توابيت من زجاج كثيف بأغطية ، وتجعلون فيها أقواما يحسنون التصوير ، ويكون معهم صحف وأنقاش ، وزاد يكفيهم أياما وتحمل التوابيت في المراكب بعد ما تشدّ بالحبال فإذا توسطوا الماء أمروا المصوّرين أن يصوّروا جميع ما يمرّ بهم ، ثم ترفع تلك التوابيت فإذا وقفتم على تلك الصور فاعملوا لها أشباها من صفر أو حجارة أو رصاص وانصبوها قدّام البنيان الذي تبنونه من جانب البحر ، فإنّ تلك الدواب إذا خرجت ، ورأت صورها هربت ، ولم تعد ، فعرّف الراعي صاحبه ذلك ففعله ، وتمّ البنيان وبنى المدينة.
وقال قوم : إنّ صاحب البناء والغنم هو جيرون ، كان قصدهم قبل الوليد ، وإنما أتاهم الوليد بعد جورياق وقهرهم وملك مصر.
وذكروا : أنّ الأموال التي كانت مع جيرون نفدت كلها في تلك المدينة ، ولم تتم ، فأمر الراعي أن يخبر الجارية فقالت : إنّ في المدينة التي خربت ملعبا مستديرا حوله سبعة عمد على رؤوسها تماثيل من صفر قيام ، فقرّب لكل تمثال منها ثورا سمينا ، ولطخ العمود الذي تحته من دم الثور ، وبخره بشعر من ذنبه ، وشيء من نحاتة قرونه وأظلافه ، وقل له : هذا قربانك ، فأطلق لي ما عندك ، ثم قس من كل عمود إلى الجهة التي يتوجه إليها وجه التمثال ، مائة ذراع ، واحفر عند امتلاء القمر ، واستقامة زحل ، فإنك تنتهي بعد خمسين ذراعا إلى بلاطة عظيمة ، فلطخها بمرارة الثور ، وأقلها فإنك تنزل إلى سرب طوله ، خمسون ذراعا في آخره خزانة مقفلة ، ومفتاح القفل تحت عتبة الباب ، فخذه ولطخ الباب ببقية المرارة ودم الثور وبخره بنحاتة قرونه وأظلافه وشعر ذنبه ، وأدخل فإنه يستقبلك صنم في عنقه لوح من صفر مكتوب فيه جميع ما في الخزانة فخذ ما شئت ولا تعترض ميتا تجده ولا ما عليه ، وكذلك كل عمود وتمثاله فإنك تجد مثل تلك الخزانة ، وهذه نواويس سبعة من الملوك وكنوزهم ، فلما سمع ذلك سرّ به ، وامتثله فوجد ما لا يدرك وصفه ، ووجد من العجائب شيئا كثيرا ، فتمّ بناء المدينة وبلغ ذلك جورياق ، فساءها وكانت قد أرادت إتعابه وهلاكه بالحيلة.
ويقال : إنه وجد فيما وجد درجا من ذهب مختوما فيه مكحلة زبرجد فيها ذرور أخضر ، ومعها عرق أحمر من اكتحل من ذلك الذرور بالعرق ، وكان أشيب عاد شابا واسودّ شعره ، وأضاء بصره حتى يدرك الروحانيين ، ووجد تمثالا من ذهب إذ ظهر غيمت السماء وأمطرت ، وتمثال غراب من حجر إذا سئل عن شيء صوّت وأجاب عنه ، ووجد في كل خزانة عشر أعجوبات.
فلما فرغ من بناء المدينة وجه إلى جورياق يحثها على القدوم إليه ، فحملت إليه فرشا فاخرا ليبسطه في المجلس الذي يجلس فيه ، وقالت له : اقسم جيشك أثلاثا ، فانفذ إليّ ثلثه حتى إذا بلغت ثلث الطريق ، فانفذ الثلث الآخر ، فإذا جزت نصف الطريق ، فانفذ الثلث الباقي ليكونوا من ورائي لئلا يراني أحد إذا دخلت عليك ، ولا يكون عندك إلا صبية تثق بهم يخدمونك ، فإني أوافيك في جوار تكفيك الخدمة ، ولا أحتشمهنّ ، ففعل.
وأقامت تحمل الجهاز إليه والأموال حتى علم بمسيرها فوجه إليها ثلث جيشه ، فعملت لهم الأطعمة والأشربة المسمومة ، وأنزلهم جواريها وحشمها ، وقدّموا إليهم الأطعمة والأشربة ، والطيب وأنواع اللهو ، فلم يصبح منهم أحد حيا ، وسارت فلقيها الثلث الآخر ، ففعلت به مثل ذلك وهي توجه إليه أنها أنفذت جيشه إلى قصرها ومملكتها يحفظونهما ، وسارت حتى دخلت عليه هي وظئرها وجواريها ، فنفخت ظئرها في وجهه نفخة بهت إليها ، ورشت عليه ما كان معها ، فارتعدت أعضاؤه وقال : من ظنّ أنه يغلب النساء ، فقد كذبته
نفسه وغلبته النساء ، ثم إنها فصدت عروقه وقالت : دماء الملوك شفاء ، وأخذت رأسه ووجهت به إلى قصرها ، ونصبته عليه وحوّلت تلك الأموال إلى مدينة منف ، وبنت منارا بالإسكندرية ، وزبرت عليه اسمها واسمه ، وما فعلت به وتاريخ الوقت.
فلما بلغ خبرها الملوك هابوها وأطاعوها وهادوها ، وعملت بمصر عجائب كثيرة ، وبنت على حدّ مصر من ناحية النوبة حصنا ، وقنطرة يجري ماء النيل من تحتها ، واعتلت فقلدت ابنة عمها زلفى بنت مأمون وماتت.
وقال ابن خرداذبه : إنّ الإسكندرية بنيت في ثلثمائة سنة ، وأنّ أهلها مكثوا سبعين سنة لا يمشون فيها بالنهار إلا بخرق سود مخافة على أبصارهم من شدّة بياض حيطانها ومنارتها العجيبة على سرطان زجاج في البحر ، وإنه كان فيها سوى أهلها ستمائة ألف من اليهود خول لأهلها.
وقال ابن وصيف شاه : وكانت العمارة ممتدّة في رمال رشيد والإسكندرية إلى برقة فكان الرجل يسير في أرض مصر ، فلا يحتاج إلى زاد لكثرة الفواكه والخيرات ، ولا يسير إلا في ظلال تستره من حرّ الشمس ، وعمل الملك صا بن قبطيم في تلك الصحاري قصورا ، وغرس فيها غروسا وساق إليها من النيل أنهارا فكان يسلك من الجانب الغربيّ إلى حد الغرب في عمارة متصلة ، فلما انقرض أولئك القوم بقيت آثارهم في تلك الصحارى ، وخربت تلك المنازل وباد أهلها ، ولا يزال من دخل تلك الصحارى يحكي ما رآه فيها من الآثار والعجائب.
وقال ابن عبد الحكم : وكان الذي بنى الإسكندرية ، وأسس بناءها : ذو القرنين الروميّ ، واسمه : الإسكندر ، وبه سميت : الإسكندرية ، وهو أوّل من عمل لوشى ، وكان أبوه أوّل القياصرة ، وقيل : إنه رجل من أهل مصر اسمه مرزبا بن مرزبه اليونانيّ من ولد يونان بن يافث بن نوح صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : كان من أهل لوبية كورة من كور مصر الغربية ، وقال ابن لهيعة : وأهلها روم ويقال : هو رجل من حمير. قال تبع :
قد كان ذو القرنين جدّي مسلما |
|
ملكا تدين له الملوك بمحشد |
بلغ المغارب والمشارق يبتغي |
|
أسباب علم من حكيم مرشد |
فرأى مغيب الشمس عند غروبها |
|
في عين ذي خلب وثأط حرمد |
ويروى : قد كان ذو القرنين قبلي مسلما ، وحدّثني عثمان بن صالح ، حدّثني عبد الله بن وهب ، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، عن سعد بن مسعود التجيبيّ ، عن شيخين من قومه قالا : كنا بالإسكندرية فاستطلنا يومنا ، فقلنا : لو انطلقنا إلى عقبة بن عامر نتحدّث عنده ، فانطلقنا إليه فوجدناه جالسا في داره ، فأخبرنا : إنا استطلنا يومنا ، فقال : وأنا مثل ذلك! إنما خرجت حين استطلته ، ثم أقبل علينا فقال : كنت عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخدمه ، فإذا
أنا برجال من أهل الكتاب معهم مصاحف أو كتب فقالوا : استأذن لنا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فانصرفت إليه ، فأخبرته بمكانهم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما لي ولهم يسألوني عما لا أدري إنما أنا عبد لا أعلم إلا ما علمني ربي». ثم قال : «أبلغني وضوءا» فتوضأ ، ثم قام إلى مسجد بيته ، فركع ركعتين ، فلم ينصرف حتى عرفت السرور في وجهه والبشر ، ثم انصرف فقال : أدخلهم ومن وجدت بالباب من أصحابي ، فأدخله قال : فأدخلتهم فلما وقفوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لهم : «إن شئتم أخبرتكم عما أردتم أن تسألوني قبل أن تتكلموا وإن أحببتم تكلمتم ، وأخبرتكم» ، قالوا : بلى ، أخبرنا قبل أن نتكلم ، قال : «أحببتم أن تسألوني عن ذي القرنين ، وسأخبركم عما تجدونه مكتوبا عندكم إن أول أمره إنه غلام من الروم أعطي ملكا ، فسار حتى أتى ساحل البحر من أرض مصر ، فابتنى عنده مدينة يقال لها : الإسكندرية ، فلما فرغ من بنائها أتاه ملك ، فعرج به حتى استقله فرفعه فقال : انظر ما تحتك ، فقال : أرى مدينتي ، وأرى مدائن معها ، ثم عرج به ، فقال : انظر! فقال : قد اختلطت مدينتي مع المدائن ، فلا أعرفها ، ثم زاد ، فقال : انظر! فقال : أرى مدينتي وحدها ولا أرى غيرها ، قال له الملك : إنما تلك الأرض كلها والذي ترى يحيط بها هو البحر ، وإنما أراد بك أن يريك الأرض ، وقد جعلك لك سلطانا فيها سوف يعلم الجاهل ، ويثبت العالم ، فسار حتى بلغ مغرب الشمس ، ثم سار حتى بلغ مطلع الشمس ، ثم أتى السدّين وهما جبلان لينان يزلق عنهما كل شيء فبنى السدّ ، ثم جاز يأجوج ومأجوج فوجد قوما وجوههم وجوه الكلاب يقاتلون يأجوج ومأجوج ، ثم قطعهم فوجد أمّه قصارا يقاتلون القوم الذين وجوههم وجوه الكلاب ، ووجد أمّة من الغرانيق يقاتلون القوم القصار ، ثم مضى فوجد أمّة من الحيات تلتقم الحية منها الصخرة العظيمة ، ثم أفضى إلى البحر المدير بالأرض فقالوا : نشهد أن أمره هكذا كما ذكرت وإنا نجده هكذا في كتابنا» (١).
وعن خالد بن معدان الكلاعيّ : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم سئل عن ذي القرنين فقال : «ملك مسح الأرض من تحتها بالأسباب».
قال خالد : وسمع عمر بن الخطاب رضياللهعنه رجلا يقول : يا ذا القرنين ، فقال : اللهم غفرا أما رضيتم أن تسموا بالأنبياء حتى تسميتم بالملائكة.
وقال قتادة ، عن الحسن : كان ذو القرنين ملكا وكان رجلا صالحا ، قال : وإنما سمي ذا القرنين لأنّ عليا رضياللهعنه سئل عن ذي القرنين ، فقال : لم يكن ملكا ولا نبيا ولكن كان عبدا صالحا أحب الله فأحبه ونصح لله فنصحه الله بعثه الله عزوجل إلى قومه فضربوه على قرنيه فمات ، فسمي ذا القرنين ، ويقال : إنما سمي ذا القرنين لأنه
__________________
(١) في الكامل لابن الأثير : تجد روايات مختلفة عن الإسكندر غير هذه ، وإن الذي بنى السد وجاز يأجوج ومأجوج غير هذا الإسكندر.
جاوز قرني الشمس من المغرب والمشرق.
ويقال : إنما سمي ذا القرنين لأنه كان له غديرتان من شعر رأسه يطأ فيهما ، وقيل : بل كان له قرنان صغيران تواريهما العمامة.
وعن ابن شهاب : إنما سمي ذا القرنين لأنه بلغ قرن الشمس من مغربها وقرن الشمس من مشرقها.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : كان أوّل شأن الإسكندرية أنّ فرعون اتخذ بها مصانع ومجالس ، وكان أوّل من عمرها وبنى فيها ، فلم تزل على بنائه ومصانعه ، ثم تداولها ملوك مصر بعده فبنت دلوكة بنت زبا منارة الإسكندرية ومنارة بوقير بعد فرعون ، فلما ظهر سليمان بن داود عليهماالسلام على الأرض اتخذ بها مجلسا ، وبنى فيها مسجدا ، ثم إن ذا القرنين ملكها ، فهدم ما كان من بناء الملوك والفراعنة ، وغيرهم إلا بناء سليمان لم يهدمه ، ولم يغيره ، وأصلح ما كان رث منه ، وأقرّ المنارة على حالها ، ثم بنى الإسكندرية من أوّلها بناء يشبه بعضه بعضا ثم تداولها الملوك بعده من الروم وغيرهم ، ليس من ملك إلا يكون له بناء يضعه بالإسكندرية يعرف به ، وينسب إليه.
قال ابن لهيعة : وبلغني أنه وجد بالإسكندرية حجر مكتوب فيه : أنا شدّاد بن عاد ، وأنا الذي نصب العماد ، وحيّد الأحياد ، وشدّ بذراعه الواد بنيتهنّ إذ لا شيب ولا موت ، وإذ الحجارة في اللين مثل الطين ، وفي رواية : وكنزت في البحر كنزا على اثني عشر ذراعا لن يخرجه أحد حتى تخرجه أمّة محمد صلىاللهعليهوسلم.
قال ابن لهيعة : والأحياد كالمغار ، وقال أبو علي القاليّ في كتاب الأمالي ، وأنشد ابن الأعرابيّ وغيره :
تسألني عن السنين كم لي |
|
فقلت عمر الحسل |
أو عمر نوح زمن الفطحل |
|
لو أنني أوتيت علم الحكل |
وعشت دهرا زمن الفطحل |
|
لكنت رهن هرم أو قتل |
وفي رواية :
علم سليمان كلام النمل |
|
أيام كان الصخر مثل الوحل |
وقال آخر : زمن الفحطل إذ السلام رطاب ، وعندهم أنّ زمن الفحطل : زمان كان بعد الطوفان عظم فيه الخصب ، وحسنت أحوال أهله ، وقال بعضهم : زمن الفحطل زمن لم يخلف بعده ، وقوله : علم الحكل ، الحكل ما لا يسمع صوته من الحيوان ، وهذا الرجز لرؤبة بن العجاج بن رؤبة بن لبيد بن صخر بن كثيف بن حيي بن بكر بن ربيعة بن سعد بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، وذلك أنه ورد ماء لعكل ، فرأى فتاة فأعجبته ، فخطبها ، فقالت :
أرى سنا ، فهل من مال؟ قال : نعم قطعة من إبل ، قالت : فهل من ورق؟ قال : لا ، قالت : يا آل عكل أكبروا أمعارا. فقال رؤبة :
لما ازدرت قدري وقلت إبلي |
|
تألفت واتصلت بعكل |
حظي وهزت رأسها تستبلي |
|
تسألني عن السنين كم لي |
فقلت لو عمرت عمر الحسل |
|
أو عمر نوح زمن الفطحل |
والصخر مبتلّ كطين الوحل |
وفي رواية :
لو أنني أوتيت علم الحكل |
|
علم سليمان كلام النمل |
وسألت أبا بكر بن دريد عن زمن الفطحل ، فقال : تزعم العرب أنه زمان كانت فيه الحجارة رطبة.
قال ابن عبد الحكم ، ويقال : إنّ الذي بنى الإسكندرية شدّاد بن عاد ، والله أعلم.
وكانت الإسكندرية ثلاث مدن بعضها إلى جنب بعض منيعة ، وهي موضع المنارة وما والاها ، والإسكندرية وهي موضع قصبة الإسكندرية اليوم ونفيطة ، وكان على كل واحدة منهنّ سور وسور من خلف ذلك على الثلاث مدن يحيط بهنّ جميعا ، وقيل : كان على الإسكندرية سبعة حصون منيعة وسبعة خنادق ، قال : وإنّ ذا القرنين لما بنى الإسكندرية رخمها بالرخام الأبيض جدرها وأرضها ، فكان لباسهم فيها السواد والحمرة ، فمن قبل ذلك لبس الرهبان السواد من نصوع بياض الرخام ، ولم يكونوا يسرجون فيها بالليل من بياض الرخام ، وإذا كان القمر أدخل الرجل الذي يخيط بالليل في ضوء القمر مع بياض الرخام الخيط في ثقب الإبرة.
ويقال : بنيت الإسكندرية في ثلثمائة سنة ، وسكنت ثلثمائة سنة ، وخربت ثلثمائة سنة ، ولقد مكثت سبعين سنة ما يدخلها أحد إلا وعلى بصره خرقة سوداء من بياض جصها وبلاطها ، ولقد مكثت سبعين سنة ما يستسرج فيها ، قال : وكانت الإسكندرية بيضاء تضيء بالليل والنهار ، وكانوا إذا غربت الشمس لم يخرج أحد من بيته ، ومن خرج اختطف وكان منهم راع يرعى على شاطىء البحر ، فكان يخرج من البحر شيء فيأخذ من غنمه ، فكمن له الراعي في موضع حتى خرج ، فإذا جارية قد نفشت شعرها ومانعته عن نفسها فقوي عليها فذهب بها إلى منزله ، فآنست به ، فرأتهم لا يخرجون بعد غروب الشمس ، فسألتهم فقالوا : من خرج منا اختطف ، فهيأت لهم الطلسمات ، فكانت أوّل من وضع الطلسمات بمصر في الإسكندرية ، وقيل : كان الرخام قد سخر لهم حتى يكون من بكرة النهار كالعجين فإذا انتصف النهار اشتدّ.
وقال المسعوديّ : ذكر جماعة من أهل العلم أنّ الإسكندر المقدونيّ ، لما استقام ملكه في بلاده وسار حتى يختار أرضا صحيحة الهواء والتربة والماء ، حتى انتهى إلى موضع الإسكندرية ، فأصاب فيها أثر بنيان وعمدا كثيرة من الرخام وفي وسطها عمود عظيم عليه مكتوب بالقلم المسند ، وهو القلم الأوّل من أقلام حمير وملوك عاد ، أنا شدّاد بن عاد شدّدت بساعدي الواد ، وقطعت عظيم العماد وشوامخ الجبال ، والأطواد ، وبنيت إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد ، وأردت أن أبني هنا مدينة كإرم وأنقل إليها كل ذي قدم وكرم من جميع العشائر والأمم ، وذلك إذ لا خوف ولا هرم ولا اهتمام ولا سقم ، فأصابني ما أعجلني ، وعما أردت قطعني ، ومع وقوعه طال همي وشجني ، وقلّ نومي وسكني ، فارتحلت بالأمس عن داري ، لا لقهر ملك جبار ولا لخوف جيش جرّار ، ولا عن رغبة ولا عن صغار ، ولكن لتمام المقدار ، وانقطاع الآثار ، وسلطان العزيز الجبار ، فمن رأى أثري ، وعرف خبري وطول عمري ونفاد صبري وشدّة حذري ، فلا يغترّ بالدنيا بعدي ، فإنها غرّارة غدّارة ، تأخذ منه ما تعطي ، وتسترجع منه ما تؤتي ، وكلام كثير يرى فناء الدنيا ويمنع من الاغترار بها والسكون إليها.
فنزل الإسكندر مفكرا يتدبر هذا الكلام ، ويعتبره ثم بعث يحشر الصناع من البلاد ، وخط الأساس ، وجعل طولها وعرضها أميالا وجمع إليها العمد والرخام ، وأتته المراكب ، فيها أنواع الرخام ، وأنواع المرمر والأحجار من جزيرة صقلية ، وبلاد إفريقية وأقريطش ، وأقاصي بحر الروم مما يلي مصبه بحر أقيانوس ، وحمل إليه أيضا من جزيرة رودس ، وأمر الفعلة والصناع أن يدوروا بما رسم لهم من أساس سور المدينة ، وجعل على كل قطعة من الأرض خشبة قائمة ، وجعل من الخشبة إلى الخشبة حبالا منوطة بعضها ببعض ، وأوصل جميع ذلك بعمود من الرخام ، وكان أمام مضربه وعلق على العمود جرسا عظيما مصوّتا ، وأمر الناس والقوّام على البنائين والفعلة والصناع أنهم إذا سمعوا صوت ذلك الجرس ، وتحرّكت الجبال ، وقد علق على كل قطعة منها جرسا صغيرا حرصوا على أن يضعوا أساس المدينة دفعة واحدة من سائر أقطاره ، وأحب الإسكندر أن يجعل ذلك في وقت يختاره وطالع سعد ، فحرّك الإسكندر رأسه ، وأخذته نعسة في حال ارتقابه بالوقت المحمود ، فجاء غراب ، فجلس على حبل الجرس الكبير الذي فوق العمود فحرّكه ، وخرج صوت الجرس وتحرّكت الجبال ، وخفق ما عليها من الأجراس الصغار ، وكان ذلك معمولا بحركات هندسية وحيل حكمية ، فلما رأى الصناع تلك الجبال قد تحرّكت ، وسمعوا الأصوات وضعوا الأساس دفعة واحدة وارتفع الضجيج بالتحميد والتقديس ، فاستيقظ الإسكندر من رقدته ، وسأل عن الخبر فأخبر بذلك فأعجب! وقال : أردت أمرا وأراد الله غيره ، ويأبى الله إلا ما يريد ، أردت طول بقائها ، وأراد الله سرعة فنائها وخرابها ، وتداول الملوك إياها وإنّ الإسكندر لما أحكم بناءها ، وثبت أساسها وجنّ الليل عليهم خرجت دواب البحر ، فأتت
على جميع البنيان ، فقال الإسكندر حين أصبح : هذا بدّ والخراب في عمارتها ، وتحقق مراد الباري سبحانه من زوالها ، فتطير من فعل الدواب فلم تزل البناة في كل يوم تبني وتحكم ، ويوكل من يمنع الدواب إذا خرجت من البحر ، فيصبحون وقد خرجت وخرّبت البنيان ، فقلق الإسكندر لذلك وراعه ما رأى من البحر! فأقبل يفكر ما الذي يصنع وأيّ حيلة تنفع في ذلك حتى تدفع الأذية عن المدينة ، فسنحت له الحيلة عند خلوّه بنفسه وإيراده الأمور وإصدارها ، فلما أصبح دعا الصناع فاتخذوا له تابوتا من الخشب طوله عشرة أذرع في عرض خمسة أذرع ، وجعلت فيه جامات من الزجاج قد أحاط بها خشب التابوت باستدارتها ، وقد أمسك ذلك بالقار والزفت وغيره من الأطلية الدافعة للماء حذرا من دخول الماء إلى التابوت ، وقد جعل فيها مواضع للحبال ، ودخل الإسكندر في التابوت ورجلان من كتابه ممن له علم بإتقان التصوير ، وأمر أن تسدّ عليه الأبواب وأن تطلى بما ذكرنا من الأطلية ، وأمر بمركبين عظيمين فأخرجا إلى لجة البحر ، وعلق في التابوت من أسفله مثقلات الرصاص والحديد والحجارة لتهوي بالتابوت سفلا ، وجعل التابوت بين المركبين وألصقهما بخشب بينهما لئلا يفترقا ، وشدّ حبال التابوت إلى المركبين وطوّل حباله ، فغاص التابوت حتى انتهى إلى قرار البحر ، فنظروا إلى دواب البحر وحيوانه من ذلك الزجاج الشفاف في صفاء ماء البحر فإذا بصور الشياطين على مثال الناس ، وفيهم من له مثل رؤوس السباع ، وفي أيديهم الفوس مع بعضهم ، وفي أيدي بعضهم المناشير والمقامع يحكون بذلك صناع المدينة والفعلة ، وما في أيديهم من آلات البناء ، فأثبت الإسكندر ومن معه تلك الصور ، وحكوها بالتصوير في القراطيس على اختلاف أنواعها وتشوّه خلقها ، وقدودها ثم حرّك الحبال ، فلما أحس بذلك من في المركبين جذبوا الحبال ، وأخرجوا التابوت ، فخرج الإسكندر ، وأمر صناع الحديد والنحاس والحجارة ، فعملوا تماثيل تلك الدواب على ما صوّر ، فلما فرغوا منها وضعت على العمد بشاطئ البحر ، ثم أمرهم فبنوا ، فلما جنّ الليل ظهرت الدواب والآفات من البحر ، فنظرت إلى صورها على العمد مقابلة إلى البحر ، فرجعت ولم تعد بعد ذلك ، فبنيت الإسكندرية وشيدت ، وأمر الإسكندر أن يكتب على أبوابها : هذه الإسكندرية أردت أن أبنيها على الفلاح والنجاح واليمن والسعادة والسرور والثبات في الدهور ، ولم يرد الباري عزوجل ملك السماوات والأرض ، ومفني الأمم أن يثبتها كذلك ، فبنيتها ، وأحكمت بنيانها وشيدت سورها ، وآتاني الله عزوجل من كل شيء علما وحكمة ، وسهل لي وجوه الأسباب ، فلم يتعذر عليّ في العالم شيء مما أردته ، ولا امتنع عني شيء مما طلبته لطفا من الله عزوجل ، وصنعا لي وصلاحا لعباده من أهل عصري ، والحمد لله رب العالمين لا إله إلا هو رب كل شيء ، ورسم بعد هذه الكتابة كلّ ما يحدث ببلده من الأحداث بعده في مستقبل الزمان من الآفات والعمران والخراب ، وما يؤول أمرها إليه إلى وقت دثور العالم.
وكان بناء الإسكندرية طبقات ، وتحتها قناطر مقنطرة عليها دور المدينة يسر تحتها الفارس ، وبيده رمح لا تضيق به حتى يدور جميع تلك الآزاج والقناطر التي تحت المدينة ، وقد عمل لتلك العقود والآزاج مخاريق ومتنفسات للضياء ومنافذ للهواء ، وقد كانت الإسكندرية تضيء بالليل بغير مصباح لشدّة بياض الرخام والمرمر ، وكانت أسواقها وشوارعها وأزقتها مقنطرة كلها لا يصيب أهلها شيء من المطر ، وكان عليها سبعة أسوار من أنواع الحجارة المختلفة الألوان بينها خنادق ، وبين كل خندق وسور فصول ، وربما تعلق في المدينة شقاق الحرير الأخضر لاختطاف بياض الرخام أبصار الناس لشدّة بياضه.
فلما أحكم بناءها ، وسكنها أهلها كانت آفات البحر ، وسكانه على ما زعم الإخباريون من المصريين والإسكندريين تختطف بالليل أهل المدينة ، فيصبحون ، وقد فقد منهم العديد الكثير ، فلما علم بذلك الإسكندر اتخذ الطلسمات على أعمدة هنالك تدعى : المسال ، وهي باقية إلى هذه الغاية كل واحد من هذه الأعمدة على هيئة السروة وطول كل واحد منها ثمانون ذراعا على عمد من نحاس ، وجعل تحتها صورا وأشكالا وكتابة.
قال مؤلفه رحمهالله فيما تقدّم من حكاية ابن وصيف شاه : ما يتبين به وهم ما نقله المسعوديّ ، من أن الإسكندر هو الذي عمل التابوت حتى صوّر أشكال حيوانات البحر ، فإنّ ابن وصيف شاه أعرف بأخبار أهل مصر ، وكذلك ما ذكره المسعوديّ من أنّ المسال ، من عمل الإسكندر وهم أيضا ، بل هذه المسال هي المناير التي كان ينوّر عليها والأعلام التي كانت ملوك مصر القدماء تنصبها ، وهي من أعمال ملوك القبط الأول ، ومن أعمال الفراعنة الذين ملكوا مصر من قديم الزمان.
ذكر الإسكندر
هو الإسكندر بن فيليبس بن آمنته (ويقال : آمنتاس) بن هركلش (ويقال : هرقول) الجبار ، الذي هو ابن الإسكندر الأعظم ، ولي أبوه فيليبس الملك في بلد مجدونية (ويقال : مقدونية) خمسا وعشرين سنة ، استنبط فيها ضروبا من المكر وابتدع أنواعا من الشرّ تقدّم فيها كل من ولي الملك بها قبله.
وكان في أوّل أمره قد جعله أخوه الإسكندر رهينة عند أمير من الروم ، فأقام عنده ثلاث سنين ، وكان فيلسوفا فتعلم عنده ضروب الفلسفة ، فلما قتل أخوه الإسكندر ، اجتمع الناس على تولية فيليبس فولوه أميرا ، فقام في السلطان مقاما عظيما ، فحارب الروم وغلب عليهم ومضى إلى البرية ، فقتل بها من الناس آلافا ، وغلب على مدائن فاجتمع له جمع لا يقاد ، وجيش لا يرام ، فأذل جميع الروم وذهبت عينه في بعض الحروب ، وغمر البلدان والمدائن عمارة وهدما وسبيا وانتهابا ، ثم حشد جميع أهل بلد الروم وعبأ عسكرا فيه : مائتا