كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ١

تقي الدين احمد بن علي المقريزي

كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ١

المؤلف:

تقي الدين احمد بن علي المقريزي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٩

ذكر مدائن أرض مصر

قال ابن سيده (١) : مدّن بالمكان : أقام ، والمدينة : الحصن يبني في أسطحة الأرض ، مشتق من ذلك ، والجمع : مدائن ومدن ، ومن هنا حكم أبو الحسن فيما حكى الفارسيّ عنه : أنّ مدينة فعيلة ، وقال العلامة أثير الدين أبو حيان : المدينة معروفة مشتقة من مدن ، فهي : فعيلة ومن ذهب إلى أنها مفعلة من دان ، فقوله ضعيف لإجماع العرب على الهمز في جمعها ، فإنهم قالوا : مدائن بالهمز ، ولا يحفظ مداين بالياء ، ولا ضرورة تدعو إلى أنها مفعلة من دان ، ويقطع بأنها فعيلة جمعهم لها ، على فعل فإنهم قالوا مدن ، كما قالوا صحف في صحيفة ؛ واعلم أن مدائن مصر كثيرة ، منها ما دثر وجهل اسمه ورسمه ، ومنها ما عرف اسمه وبقي رسمه ، ومنها ما هو عامر.

وأوّل مدينة عرف اسمها في أرض مصر ، مدينة : أمسوس ، وقد محا الطوفان رسمها ، ولها أخبار معروفة ؛ وبها كان ملك مصر قبل الطوفان ، ثم صارت مدينة مصر بعد الطوفان ، مدينة منف ، وكان بها ملك القبط والفراعنة ، إلى أن خربها ، بخت نصر ، فلما قدم الإسكندر بن فيليبس المقدونيّ من مملكة الروم عمّر مدينة الإسكندرية عمارة جديدة ، وصارت دار المملكة بمصر إلى أن قدم عمرو بن العاص بجيوش المسلمين ، وفتح أرض مصر ، فاختط فسطاط مصر ، وصارت مدينة مصر إلى أن قدم جوهر القائد من الغرب بعساكر المعز لدين الله أبي تميم معدّ ، وملك مصر ، واختط القاهرة ، فصارت دار المملكة بمصر إلى زالت الدولة الفاطمية على يد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ، فبنى قلعة الجبل ، وصارت القاهرة مدينة مصر إلى يومنا هذا.

وفي أرض مصر : عدّة مدائن ليست دار ملك وهي : مدينة الفيوم ، ومدينة دلاص ، ومدينة أهناس ، ومدينة البهنسا ، ومدينة القيس ، ومدينة طلخا ، ومدينة (٢) الأشمونين ، ومدينة أنصنا ، ومدينة قوص ، ومدينة سيوط ، ومدينة فاو ، ومدينة أخميم ، ومدينة البلينا ،

__________________

(١) ابن سيده : أبو الحسن علي بن إسماعيل إمام في اللغة وآدابها كان ضريرا ، ولد بالأندلس ٣٩٨ ه‍ ، له عدة مؤلفات في اللغة منها : (المحكم والمحيط الأعظم) توفي سنة ٤٥٨ ه‍. الأعلام ج ٤ / ٢٦٣.

(٢) مدينة الأشمونين : هي مدينة أمسوس وهي قبصة من كور الصعيد الأدنى غربي النيل. النجوم الزاهرة ج ١ / ٧٣.

٢٤١

ومدين هوّ ، ومدينة قنا ومدينة دندرة ، ومدينة قفط ، ومدينة الأقصر ، ومدينة اسنا ، ومدينة أرمنت ، ومدينة أدفو ، وثغر أسوان ، وأدركناه مدينة هذه مدائن الوجه القبلي.

وكان أهل مصر يسمون من سكن من القبط بالصعيد : المريس ، ومن سكن منهم أسفل الأرض يسمونه : البمبا ، وفي الوجه البحري مدينة : نوب من الحوف الشرقي بأسفل الأرض ، ومدينة عين شمس ، ومدينة أتريب ، ومدينة تنوا ، ومن قراها ناحية زنكلون ، ومدينة نميّ ، ومدينة بسطه ويعرف اليوم موضعها : بتل بسطة ، ومدينة قربيط ، ومدينة البتنون ، ومدينة منوف ، ومدينة طرّة ، ومدينة منوف أيضا ، ومدينة سخا ، ومدينة الأوسة وهي : دميرة ، ومدينة تيدة ، ومدينة الأفراحون ، ومن جملة قراها : نشا ، ومدينة بقيرة ، ومدينة بنا ، ومدينة شبراساط ، ومدينة سمنود ، ومدينة نوسا ، ومدينة سبتي ، ومدينة النجوم ، وقد غلب على مدينة النجوم : الرمال والسباخ ويعرف اليوم منها : قرية أدكو على ساحل البحر بين إسكندرية ورشيد ، ومدينة تنيس ، ومدينة دمياط ، ومدينة الفرما ، ومدينة العريش ، ومدينة صا ، ومدينة برنوط ، ومدينة قرطسا ، ومدينة أخنو ، ومدينة رشيد ، ومدينة مريوط ، ومدينة لوبية ومراقية ، وليس بعد لوبية ومراقية إلا أرض أنطابلس وهي : بريّة ، وفي كور القبلة مدينة فاران ، ومدينة القلزم ، ومدينة راية ، ومدينة ايلة ، ومدينة مدين ؛ وأكثر هذه المدائن قد خرب ومنها ما له أخبار معروفة ، وقد استحدث في الإسلام بعض مدائن و

سيأتي من أخبار ذلك إن شاء الله ما يكفي.

وديار مصر اليوم وجهان : قبليّ وبحريّ جملتهما ، خمس عشرة ولاية.

فالوجه القبليّ أكبرهما ، وهو تسعة أعمال عمل قوص ، وهو أجلها ، ومنه أسوان وغرب قمولة ، وأسوان حدّ المملكة من الجنوب ، وعمل أخميم ، وعمل سيوط ، وعمل منفلوط ، وعمل الأشمونين وبها الطحاوية ، وعمل البهنسا ، وعمل الفيوم ، وعمل اطفيح ، وعمل الجيزة.

والوجه البحريّ ستة أعمال : عمل البحيرة ، وهو متصل البرّ بالإسكندرية وبرقة ، وعمل الغربية وهي جزيرة واحدة يشتمل عليها ما بين البحرين : بحر دمياط ، وبحر رشيد ، والمنوفية ومنها : أبيار التي تسمى : جزيرة بني نصر ، وعمل قليوب ، وعمل الشرقية ، وعمل أشموم طناح ، ومنها الدقهلية ، والمرتاحية ، وهنا موضع ثغر البرلس وثغر رشيد والمنصورة ، وفي هذا الوجه الإسكندرية ودمياط وهما مدينتان لا عمل لهما.

وذكر أبو الحسن المسعوديّ في كتاب أخبار الزمان : أن الكوكة وهي : أمّة من أهل أيلة ملكو الأرض وقسموا الصعيد على ثمانين كورة ، وجعلوه أربعة أقسام ، وكان عدد مدن مصر الداخلة في كورها ثلاثين مدينة فيها جميع العجائب ، والكور مثل : أخميم وقفط وقوص والفيوم ويقال : إنّ مصر بن بيصر ، قسم الأرض بين أولاده فأعطى ولده أشمون من

٢٤٢

حدّ بلده إلى رأس البحر إلى دمياط ، وأعطى ولده أنصنا من حدّ أنصنا إلى الجنادل ، وأعطى لولده صا : من صا أسفل الأرض إلى الإسكندرية ، وأعطى لولده منوف وسط الأرض السفلي منف وما حولها ، وأعطى لولده قفط غربيّ الصعيد إلى الجنادل ، وأعطى لولده أتريب شرقيّ الأرض إلى البريّة بريّة فاران ، وأعطى لبناته الثلاثة وهن : الفرما ، وسريام ، وبدورة ، بقاعا من أرض مصر محدّدة فيما بين إخوتهن.

ذكر مدينة أمسوس وعجائبها وملوكها

قال الأستاذ إبراهيم بن وصيف شاه الكاتب في كتاب أخبار مصر وعجائبها : وكانت مصر القديمة اسمها : أمسوس.

وأوّل من ملك أرض مصر نقراوش الجبار بن مصرايم. ومعنى نقراوش : ملك قومه الأوّل ابن مركاييل بن دواييل بن عرياب بن آدم عليه‌السلام ، ركب في نيف وسبعين راكبا من بني عرياب جبابرة كلهم يطلبون موضعا يقطنون فيه فرارا من بني أبيهم ، عندما بغى بعضهم على بعض ، وتحاسدوا وبغى عليهم بنو قابيل بن آدم ، فلم يزالوا يمشون حتى وصلوا إلى النيل ، فلما رأوا سعة البلد فيه ، وحسنه أعجبهم ، فأقاموا فيه وبنوا الأبنية المحكمة ، وبنى نقراوش : مصر ، وسماها باسم أبيه : مصرايم ، ثم تركها ، وأمر ببناء مدينة سماها : أمسوس.

وقال ابن وصيف شاه : وكان قد وقع إليه علم ذلك من العلوم التي تعلمها دواييل من آدم عليه‌السلام ، فبنى الأعلام ، وأقام الأساطين وعمل المصانع واستخرج المعادن ، ووضع الطلسمات وشق الأنهار وبنى المدائن ، فكل علم جليل كان في أيدي المصريين إنما هو من فضل علم نقراوش ، وأصحابه. كان ذلك مرموزا على الحجارة ففسره قليمون الكاهن الذي ركب مع نوح عليه‌السلام في السفينة ونقراوش هو الذي بنى مدينة أمسوس ، وعمل بها عجائب كثيرة منها : طائر يصفر كل يوم عند طلوع الشمس مرّتين ، وعند غروبها مرّتين ، فيستدلون بصفيره على ما يكون من الحوادث حتى يتهيأون له. ومنها صنم من حجر أسود في وسط المدينة تجاهه صنم مثله إذا دخل إلى المدينة سارق لا يقدر أن يزول حتى يسلك بينهما ، فإذا دخل بينهما أطبقا عليه ، فيؤخذ وعمل صورة من نحاس على منار عال لا يزال عليها سحاب يطلع ، فكل من استمطرها أمطرت عليه ما شاء ، وعمل عمل حدّ البلاد أصناما من نحاس مجوّفة وملأها كبريت ، أو وكل بها روحانية النار ، فكانت إذا قصدهم قاصد أرسلت تلك الأصنام من أفواهها نارا أحرقته ، وعمل فوق جبل بطرس ، منارا يفور بالماء ، ويسقي ما حوله من المزارع ، ولم تزل هذه الآثار حتى أزالها الطوفان ، ويقال : إنه هو الذي أصلح مجرى النيل ، وكان قبله يتفرّق بين الجبلين ، وإنه وجه إلى بلاد النوبة جماعة هندسوه ، وشقوا نهرا عظيما منه بنوا عليه المدن ، وغرسوا الغروس ، وأحب أن يعرف مخرج

٢٤٣

النيل ، فسار حتى بلغ خلف خط الاستواء ، ووقف على البحر الأسود الزفتي ، ورأى النيل يجري على البحر مثل الخيوط حتى يدخل تحت جبل القمر ، ويخرج منه إلى بطائح.

ويقال : إنه هو الذي عمل التماثيل التي هناك ، وعاد إلى أمسوس وقسم البلاد بين أولاده ، فجعل لابنه الأكبر واسمه : نقاوش الجانب الغربيّ ، ولابنه شورب الجانب الشرقيّ ، وبنى لابنه الأصغر واسمه : مصرايم مدينة برسان ، وأسكنه فيها ، وأقام ملكا على مصر مائة وثمانين سنة ، ولما مات لطخ جسده بأدوية ماسكة ، وجعل في تابوت من ذهب ، وعمل له ناوس مصفح بالذهب ، ووضع فيه ومعه كنوز وإكسير وأوان من ذهب لا يحصى ذلك لكثرته ، وزبروا على الناوس تاريخ موته ، وأقاموا عليه طلسما يمنعه من الحشرات المفسدة.

وملك بعده ابنه نقاوش بن نقراوش وكان كأبيه في علم الكهانة والطلسمات ، وهو أوّل من عمر بمصر هيكلا ، وجعل فيه صور الكواكب السبعة ، وكتب على هيكل كلّ كوكب منافعه ومضاره ، وألبسها كلها الثياب الفاخرة ، وأقام لها خدمة وسدنة ، وخرج من أمسوس مغرّبا ، حتى بلغ البحر المحيط ، وأقام عليه أساطين على رؤوسها أصنام تسرج عيونها في الليل ، ومضى على بلاد السودان إلى النيل ، وأمر ببناء حائط على جنب النيل ، وعمل له أبوابا يخرج منها الماء وبنى في صحراء الغرب ، خلف الواحات ثلاث مدن على أساطين مشرفات من حجارة ملوّنة شفافة ، وفي كل مدينة عدّة خزائن من الحكمة ، وفي إحداها صنم للشمس على صورة إنسان ، وجسد طائر من ذهب وعيناه من جوهر أصفر ، وهو جالس على سرير من مغناطيس ، وفي يده مصحف العلوم ، وفي إحداها صنم رأسه رأس إنسان بجسد طائر ، ومعه صورة امرأة جالسة قد عملت من زئبق معقود لها ذؤابتان في يدها مرآة ، وعلى رأسها صورة كوكب ، وقد رفعت المرآة بيديها إلى وجهها ، وفي إحداها مطهرة فيها سبعة ألوان من سائل يرد إليها ولا يغير بعضها لون بعض ، وفي بعضها : صورة شيخ جالس قد عمل من الفيروزج وبين يديه صبية جلوس كلهم من عقيق ، وفي بعضها صورة هرمس ، يعني عطارد ، وهو ينظر إلى مائدة بين يديه من نوشادر على قوائم من كبريت أحمر ، وفي وسطها صحفة من جوهر ، وجعل فيها صورة عقاب من زبرجد أخضر ، وعيناه من ياقوت أصفر ، وبين يديه حية زرقاء من فضة قد لوت ذنبها على رجليه ، ورفعت رأسها كأنها تنفخ عليه ، وجعل فيها صفة المرّيخ وهو راكب على فرس وفي يده سيف مسلول من حديد أخضر ، وجعل فيها عمودا من جوهر أحمر ، وعليه قبة من ذهب فيها صورة المشتري ، وجعل فيها قبلة من آنك على أربعة أعمدة من جزع أزرق ، وفي سقفها صورة الشمس والقمر متحاذيين في صورة رجل وامرأة يتحادثان ، وجعل فيها قبة من كبريت أحمر فيها صورة الزهرة على هيئة امرأة ممسكة بضفائرها ، وتحتها رجل من زبرجد أخضر في يده كتاب فيه علم من علومهم كأنه يقرأ فيه عليها.

٢٤٤

وجعل في بقية الخزائن من كنوز الأموال والجواهر والحلي وإكسير الصنعة ، وصنوف الأدوية والسموم القاتلة ما لا يحصى كثرة ، وجعل على باب كل مدينة طلسما يمنع من دخولها ، وأنفذ لها مسارب تحت الأرض ينفذ بعضها إلى بعض طول كل سرب ثلاثة أميال ، وبنى أيضا مدينة بأرض مصر اسمها : حلجمة ، وعمل فيها جنّة صفح حيطانها بالجواهر الملوّنة بالذهب ، وغرس فيها أصناف الأشجار ، وأجرى تحتها الأنهار ، وغرس فيها شجرة مولدة تطعم سائر الفواكه ، وعمل فيها قبة من رخام أحمر على رأسها صنم يدور مع الشمس ، ووكل بها شياطين إذا خرج أحد من بيته في الليل هلك.

وأقام بها أساطين زبر عليها جميع العلوم ، وصور العقاقير ومنافعها ومضارها ، وجعل لهذه المدينة مسارب تتصل بمسارب تلك المدن الثلاث بين كل سرب منها ، وبين هذه المدينة عشرون ميلا ، فلم تزل هذه المدائن حتى أفسدها الطوفان ، ولمّا مات بعد مائة وتسع سنين من ملكه على مصر جعل في ناوس مطلسم ، ودفن فيه.

وملك بعده أخوه مصرام بن نقراوش الجبار بن مصرايم ويقال : به سميت مصر ، وكان حكيما فعمل هيكلا للشمس من مرمر مموّه بذهب أحمر ، وفي وسطه فرس من جوهر أزرق عليه صورة الشمس من ذهب أحمر ، وعلى رأسه قنديل من الزجاج فيه حجر مدبر يضيء أكثر من السراج ، ثم إنه ذلل الأسد وركبها وسار إلى البحر المحيط ، وجعل في وسطه قلعة بيضاء عليها صنم للشمس ، وزبر عليه اسمه وصفته ، وعمل صنما من نحاس زبر عليه :

أنا مصرايم الجبار كاشف الأسرار الغالب القهار ، وضعت الطلسمات الصادقة ، وأقمت الصور الناطقة ، ونصبت الأعلام الهائلة على البحار السائلة ليعلم من بعدي ، إنه لا يملك أحد أشدّ من أيدي ، وعاد إلى أمسوس ، واحتجب عن الناس ثلاثين سنة ، واستخلف رجلا يقال له : عيقام من ولد عرياب بن آدم ، وكان كاهنا ساحرا. فلمّا مضت المدّة أحب أهل مصر أن يروه ، فجمعهم عيقام بعدما أعلم مصرايم ، فظهر لهم ، في أعلى مجلس مزين بأصناف الزينة في صورة هائلة ملأت قلوبهم رعبا ، فخرّوا له ساجدين ، ودعوا له ، ثم أحضر إليهم الطعام فأكلوا وشربوا ، وأمرهم بالرجوع إلى مواضعهم ولم يروه بعدها.

فملك بعده خليفته عيقام ، وقد حكي عنه أهل مصر حكايات لا تصدّقها العقول.

ويقال : إنّ إدريس عليه‌السلام ، رفع في أيامه وإنه رأى في علمه كون الطوفان ، فبنى خلف خط الاستواء في سفح جبل القمر ، قصرا من نحاس ، وجعل فيه خمسة وثمانين تمثالا من نحاس يخرج ماء النيل من حلوقها ، ويصب في بطحاء تنتهي إلى مصر ، وسار إليه من أمسوس ، فشاهد حكمة بنيانه وزخرفة حيطانه ، وما فيها من النقوش من صور الأفلاك ، وغيرها ، وكان قصرا تسرج فيه المصابيح ، وتنصب به الموائد وعليها من كل الأطعمة

٢٤٥

الفاخرة في الأواني النفيسة ما لو أكل منها عسكر لما نقصت ذرة ، ولا يعرف من عملها ، ولا من وضعها ، وفي وسط القصر بركة من ماء جامد الظاهر ، وترى حركته من وراء ما جمد منه ، فأعجب بما رأى ، وعاد إلى أمسوس ، واستخلف ابنه عرياق ، وقلده الملك ، وأوصاه ، وعاد إلى ذلك القصر ، وأقام به حتى هلك.

وإلى عيقام هذا يعزى مصحف القبط الذي فيه تواريخهم ، وجميع ما يجري في آخر الزمان.

فقام من بعده ابنه عرياق ، ويقال : أرياق بن عيقام ، ويقال له : الأثيم ، فعمل أعمالا عجيبة منها شجرة صفراء لها أغصان من حديد بخطاطيف إذا قرب الظالم منها أخذته تلك الخطاطيف ، ولا تفارقه حتى يقرّ بظلمه ، ويخرج منه لخصمه ، ومنها : صنم من كدان أسود سمّاه : عبد زحل ، كانوا يتحاكمون إليه ، فمن زاغ عن الحق ثبت في مكانه ، ولم يقدر على الخروج منه حتى ينصف خصمه من نفسه ، ولو أقام سنة ومن كانت له حاجة قام ليلا ونظر إلى الكوكب ، وتضرّع وذكر اسم عرياق ، فإذا أصبح وجد حاجته على بابه.

وعمل شجرة من حديد ذات أغصان ، ولطخها بدواء مدبر ، فكانت تجلب كل صنف من الدواب والسباع والوحوش إليها ، حتى يتمكن من صيدها ، وكان إذا غضب على أهل إقليم سلط عليهم الوحوش والسباع ، وتارة يجعل ماءهم من الإيداق ، ويقال : إن هاروت وماروت كانا في زمانه! وإنه بنى جنة عظيمة ، واغتصب النساء الحسان وأسكنهنّ فيها ، فعملت عليه امرأة منهنّ وسمّته فهلك.

وملك بعده لوجيم بن نقاوش ، ويقال : بل هو من بني نقراوش الجبار ، ويعرف : بلوجيم الفتى ، وهو الذي أخذ الملك من عرياق بن عيقام الكاهن ، وردّه لبني نقراوش بعد ما خرج منهم بلا حرب ، ولا قتل وكان عالما بالكهانة ، والطلسمات فعمل أعمالا عجيبة منها : أنّ الغداف (١) والغراب كثر في أيامه ، وأتلف الزرع ، فعمل أربع منارات في جوانب مدينة أمسوس الأربعة ، وعلى كل منارة ، صورة غراب في فمه حية قد التوت عليه ، فنفرت عنهم الطيور المضرّة من حينئذ ، ولم تقر بهم حتى زالت المنارات بالطوفان ، وكان حسن السيرة منصفا للرعية عادلا مقرّبا للكهنة ، ولما مات دفن في ناوس ، ومعه كنوزه ، وعمل عليه طلسم يمنعه.

وملك بعده ابنه فحصليم ، وكان فاضلا عالما كاهنا ، فعمل أعمالا عجيبة ، وهو أوّل من عمل مقياسا لزيادة ماء النيل بأن جمع أرباب العلوم والهندسة ، فقدّروا بيتا من رخام على حافة النيل ، وفي وسطه بركة صغيرة من نحاس فيها ماء موزون ، وعليها من جانبيها

__________________

(١) الغداف : كغراب وهو غراب القيظ والنسر الكثير الريش.

٢٤٦

عقابان من نحاس أحدهما ذكر ، والآخر أنثى ، فإذا كان أوّل الشهر الذي يزيد فيه النيل فتح هذا البيت وجمع الكهان فيه بين يديه ، وزمزم الكهان بكلامهم حتى يصفر أحد العقابين ، فإن صفر الذكر ، كان الماء تاما ، وإن صفرت الأنثى ، كان الماء ناقصا ، فيستعدّون عند ذلك لغلاء الأسعار بما يصلحون به شأنهم ، وهو الذي بنى القنطرة ببلاد النوبة على النيل ، ولما مات جعل في ناوس ، ومعه كنوزه وعمل عليه طلسم.

وملك بعده ابنه ، هو صال ، ويقال : يوصال ، ومعناه : خادم الزهرة ، ويقال : سومال بن لوجيم الملك النقراوشي من بني نقراوش الجبار ، ويقال : إن نوحا عليه‌السلام ولد في أيامه ، وكان فاضلا كاهنا عالما بالسحر ، والطلسمات ، فعمل عجائب ، منها أنه بنى مدينة عمل في وسطها صنما للشمس يدور بدورانها ، ويبيت مغربا ويصبح مشرقا ، وعمل سربا تحت النيل ، فشق الأرض وخرج منه متنكرا ، حتى بلغ مدينة بابل ، وكشف أعمال الملوك ، وكان نوح عليه‌السلام في زمانه وولد له عشرون ولدا ، فجعل مع كل ولد منهم : قطرا ، وهو رأس الكهنة ، وأقام في الملك مائة وسبع عشرة سنة ، ثم لزم الهياكل وأقام أولاده على حالهم كل منهم في قسمه الذي أعطاه إياه أبوه مدّة سبع سنين.

ثم اجتمعوا على واحد منهم وملكوه عليهم وكان اسمه تدرشان ، وقيل : تدرسان ، فلما ملك نفى جميع إخوته إلى المدائن الداخلة في الغرب ، واقتصر على امرأة من بنات عمه ، وكانت ساحرة ، وعمل له قصرا من خشب منقوشا فيه صورة الكواكب ، وبسطه بأحسن الفرش وحمله على الماء ، وصار يجلس فيه ، فبينما هو فيه ذات يوم إذ هبت ريح شديدة اضطرب منها الماء ، فانقلب القصر وتكسر فغرق ، هو ومن كان معه في القصر.

وملك بعده أخوه ، نمرود الجبار ، ويقال : شمرود بن هوصال ، فأحسن السيرة وأنصف الرعية وبسط العدل ، وجمع إخوته وفرّق عليهم كنوز أخيهم ، فسرّ الناس به وطلب امرأة أخيه الساحرة ، ففرّت منه بابنها إلى مدينة ببلاد الصعيد ، وامتنعت عليه بسحرها ، وأقامت مدّة واجتمع السحرة إلى ابنها ، وكان اسمه توميدون ، وحملوه على طلب الملك ، فسار وخرج إليه شمرود وأخوته ، فاقتتلوا قتالا عظيما كان فيه الظفر لتوميدون فقتله. وملك من بعده ، فقام توميدون بن تدرسان بالملك في مدينة أمسوس ، وكان عالما فاضلا ، فتقوّى بسحر أمه ، وعملت له أعمالا عجيبة ، منها قبة من زجاج على هيئة الكرة تدور بدوران الفلك ، وصوّرت فيها صور الكواكب ، فكانوا يعرفون بها أسرار الطبائع وعلوم العالم ، فلما ماتت أمّه الساحرة بعد ستين سنة من ملكه طلى جسدها بما يدفع عنه النتن والحشرات ، ودفنت تحت صنم القمر ، ويقال : إنها كانت بعد موتها يسمع من عندها صوت بعض الأرواح ، وتخبرهم بعجائب ، وتجيب عما تسأل عنه ، ولما مات توميدون بعد مائة سنة من ملكه عمل له صورة من زجاج مقسومة نصفين ، وأدخل فيها بعد ما طلي بالأدوية المانعة من

٢٤٧

النتن ، وأطبقت الصورة عليه حتى التحمت وأقيم في هيكل الأصنام ، ودفنت كنوزه عنده ، وصار يعمل له في كل سنة عيد.

وملك بعده ابنه شرياق ، ويقال له : سرياق بن توميدون بن تدرسان بن هوصال ، وكان كأبيه في علم الكهانة والسحر والطلسمات ، فعمل أعمالا عجيبة منها : على باب مدينة أمسوس هيئة بطة من نحاس قائمة على أسطوانة إذا دخل غريب من ناحية من النواحي صفقت بجناحيها ، وصرخت فيؤخذ ذلك الغريب ، ويكشف أمره حتى يعرف فيما قدم ، وشق من النيل نهرا يمرّ إلى مدائن الغرب وبنى عليه أعلاما ومدنا ، ومنتزهات ، وسار ملك من بني فراشي بن آدم ويقال : من بني صوانيتي بن آدم خرج من ناحية العراق في أيامه ، وغلب على بلاد الشام ، وقصد مصر ليأخذ ملكها ، فقيل له : إنك لا تقدر عليها لسحر أهلها ، فتنكر ودخل في جماعة من خواصه ليكشف حال أهل مصر ، فلما وصل إلى أوّل حدّ مصر حبسه الموكلون بذلك الحدّ هو ومن معه ، حتى يأمر الملك فيهم بأمره وبعثوا إليه بصفتهم ، وكان قد رأى في منامه كأنه على منار عال وكأن طائرا عظيما انقض عليه ليخطفه ، فحاد عنه حتى كاد يسقط من المنار ، فجاوزه الطائر وسلم منه فانتبه مذعورا.

وقص رؤياه على كبير الكهنة ، فقال : يطلبك ملك ، ولا يقدر عليك ، ونظر في نجومه ، فرأى الملك الذي يطلب ملكه قد دخل إلى مصر ، وكان ذلك هو الوقت الذي قدم عليه فيه الرسل بصفات الذين وصلوا إلى حدّ مصر ، فأمر بإحضارهم إليه بعد ما يطاف بهم على عجائب مصر كلها ليروها ، فأوثقوهم وساروا بهم وأوقفوهم على عجائب أرض مصر ، وما فيها من الطلسمات حتى بلغوا إلى الإسكندرية ، ثم إلى أمسوس ، ثم إلى الجنة التي عملها مصرام ، كان الملك شرياق مقيما بها ، فعند ما وصلوا إليها أظهرت السحرة التماثيل العجيبة ، فدخلوا عليه وحوله الكهنة ، وبين يديه نار لا يصل إليه أحد حتى يخوضها ، فمن كان بريئا لم تضرّه ، ومن كان يريد بالملك سوءا أو أضمر له مكروها أخذته النار ، فشق القوم في وسط النار واحدا بعد واحد من غير أن تضرّهم حتى انتهى الأمر إلى ملك العراق ، فعندما دنا من النار أخذته بحرّها ، فولى هاربا فاتبعوه حتى أخذوه وأوقفوه بين يدي شرياق ، فلم يزل به حتى اعترف ، فأمر بصلب فصلب على الحصن الذي أخذ منه ، ونودي عليه هذا جزاء من طلب ما لا يصل إليه ، وعفا عن الباقين فساروا من مصر وتحدّثوا بما رأوه من العجائب ، فانقطع طمع ملوك الأرض عن طلب ملك مصر ، ومات شرياق بعد ما ملك مصر مائة وثلاثين سنة ، فجعل في ناوس ومعه أمواله وطلسم يحفظه ممن يقصده.

وملك بعده ابنه : شهلوق ، وكان عالما بالكهانة والطلسمات ، فقسم ماء النيل موزونا يصرف إلى كل ناحية قسطها ، ورتب الدولة وعمل بيت نار ، وهو أوّل من عبد النار ، وعمل بأمسوس عجائب منها : شجرة على أعلى الجبال تقسم بها الرياح التي تمنع من أراد مصر

٢٤٨

بأذى أو فساد من جنيّ أو إنسيّ أو سبع أو طائر ، وعمل بالمدينة قبة مركبة على سبعة أركان ولها سبعة أبواب على كل ركن باب ، وفي وسط القبة قبة من صفر ، وفي أعلاها صور الكواكب السبعة ، وتحت القبة قبة أخرى معلقة على سبع أساطين ، وعلى الباب الأوّل من القبة : أسد ولبوة من صفر ، وهما رابضان ، كان يذبح لهما جروا أسود ويبخرهما بشعره ، وعلى الباب الثاني : ثور وبقرة يذبح لهما عجلا ويبخرهما بشعره ، وعلى الباب الثالث : خنزير وخنزيرة يذبح لهما خنوصا ويبخرهما بشعره ، وعلى الباب الرابع : كبش وشاة يذبح لهما سخلة ويبخرهما بشعرها ، وعلى الباس الخامس : ثعلب وثعلبة يذبح لهما فرخ ثعلب ويبخرهما بشعره ، وعلى الباب السادس : عقاب وأنثاه يذبح لهما فرخ عقاب ويبخرهما بريشه ، وعلى الباب السابع : نسر وأنثاه يذبح لهما فرخ نسر ويبخرهما بريشه ، ويلطخ كلا منهما بدم ما ذبح له ، وتحرق سائر القرابين ، ويوضع رمادها تحت عتبات أبواب القبة ، وجعل لهذه القبة سدنة يشعلون المصابيح ليلا ونهارا ، وقسم الناس بمصر سبع مراتب ، لكل مرتبة منهم : باب من أبواب تلك القبة ، فكان الخصم إذا تقدّم إلى شيء من تلك الصور ، وكان ظالما فإنه يلتصق بها ولا يتخلص منها حتى يخرج من الحق الذي عليه ، الذكر للذكر ، والأنثى للأنثى ، فيعرفون بذلك الظالم من المظلوم.

ولم تزل هذه القبة بأمسوس حتى أزالها الطوفان ، ويقال : إنه رأى أباه في النوم وهو يأمره أن ينطلق إلى جبل وصفه له من جبال مصر ، فإنّ فيه كوّة صفتها كذا على بابها أفعى لها رأسان إذا أقبل إليها كشرت في وجهه فخذ معك طائرين صغيرين ذكرا وأنثى ، فاذبحهما لها وألقمها إياهما ، فإنها تأخذ برأسيهما ، وتتنحي بهما إلى سرب فإذا غابت ، أدخل الكوّة تجد فيها امرأة عظيمة من نور حار يابس ، فإنها تسطع لك وتحس بحرارتها فلا تدن منها تحترق ولكن اقعد حذاءها وسلم عليها ، فإنها تخاطبك فافهم ما تقول لك واعمل به ، فإنك تشرف بذلك ، وتدلك على كنوز جدّك مصرام ، فإنها حافظة لها ، فلما انتبه عمل ما أمره أبوه فلما قعد بجانب المرأة وسلم ، قالت له : أتعرفني؟ قال : لا ، قالت : أنا صورة النار المعبودة في الأمم الخالية ، وقد أردت أن تحيي ذكري وتجدّد لي بيتا تقد لي فيه نارا دائمة بقدر واحد وتتخذ لها عيدا في كل سنة تحضره أنت وقومك فإنك تتخذ بذلك عندي يدا أنيلك بها شرفا إلى شرفك ، وملكا إلى ملكك ، وأمنع عنك من يطلبك بسوء ، وأدلك على كنوز جدّك مصرام ، فضمن لها أن يفعل كلّ ما أمرته به فدلته على الكنوز التي تحت المدائن المعلقة ، وعلمته كيف يصير إليها وكيف يحترس من الأرواح الموكلة بها ، وما ينجيه منها ، ثم قال لها : كيف لي بأن أراك في وقت آخر؟ قالت : لا تعد ، فإنّ الأفعى لا تمكنك ، ولكن بخر في بيتك بكذا فإني آتيك ، فسرّ بذلك ، وغابت عنه وخرج ، ففعل ما أمرته به من عمل بيت النار ، وأخذ كنوز مصرام ، ولما مات جعل في ناوس ومعه سائر أمواله وكنوزه ، وجعل عليه طلسم يحفظه ممن يقصده. وملك بعده ابنه سوريد ، وكان حكيما فاضلا ، وهو أوّل من

٢٤٩

جبى الخراج بمصر ، وأوّل من أمر بالإنفاق على المرضى ، والزمنى من خزائنه ، وأوّل من سنّ رقعة الصباح ، وعمل أعمالا عجيبة ، منها مرآة من أخلاط كان ينظر فيها إلى الأقاليم فيعرف فيها ما حدث من الحوادث ، وما يخصب منها وما يجدب ، وأقام هذه المرأة في وسط مدينة أمسوس ، وكانت من نحاس.

وعمل في أمسوس صورة امرأة جالسة في حجرها صبيّ ترضعه ، وكانت المرأة من نساء مصر إذا أصابتها علة في موضع من جسمها أتت هذه الصورة ، ومسحت ذلك الموضع من جسدها بمثل ذلك الموضع من الصورة ، فتزول عنها العلة ، وإن قلّ لبنها مسحت ثديها بثدي الصورة فيغزر لبنها ، وإن قلّ حيضها مسحت فرجها بفرج الصورة فيكثر حيضها ، وإن كثر دمها مسحت أسفل ركبها بمثل ذلك من الصورة ، وإن عسرت ولادة امرأة مسحت رأس الصبيّ الذي في حجر الصورة ، فتضع حملها ، وإن أرادت التحبب إلى زوجها مسحت وجهها وتقول : افعلي كذا وكذا ، فإذا وضعت الزانية يدها عليها ارتعدت حتى تتوب ، ولم تزل هذه الصورة إلى أن أزالها الطوفان ، وفي كتب القبط : أنها وجدت بعد الطوفان ، وأن أكثر الناس عبدوها.

وعمل سوريد ، صنما من أخلاط كثيرة ، فكان من أصابته علة في موضع من جسده غسل ذلك الموضع من الصنم بماء وشرب الماء ، فإنه يبرأ وسوريد هذا هو الذي بنى الهرمين العظيمين بمصر المنسوبين إلى شدّاد بن عاد ، والقبط تنكر أن تكون العادية دخلت بلادهم لقوّة سحرهم ، ولما مات سوريد دفن في الهرم ومعه كنوزه ، ويقال : إنه كان قبل الطوفان بثلاثمائة سنة وأنه ملك مائة سنة وتسعين سنة.

فملك بعده ابنه هرجيب ، وكان كأبيه حكيما فاضلا في علم السحر والطلسمات ، فعمل أعمالا عجيبة ، واستخرج معادن كثيرة وأظهر علم الكيمياء ، وبنى أهرام دهشور وحمل إليها أموالا عظيمة وجواهر نفيسة ، وعقاقير وسمومات ، وجعل عليها روحانيات تحفظها وشج رجل رجلا ، فأمر بقطع أصابعه وسرق رجل مالا ، فملك المسروق له رق السارق ، ولما مات دفن في الهرم ، ومعه جميع أمواله وذخائره.

وملك بعده ابنه مناوس ، ويقال : منقاوس ، وكان كأبيه في الحكمة إلا أنه كان جبارا فاسقا سفاكا للدماء ، ينتزع النساء من أزواجهنّ ويبيح ذلك لخواصه ، وعمل أعمالا عجيبة واستخرج كنوزا وبنى قصورا من ذهب وفضة ، وأجرى فيها الأنهار وجعل حصباءها من أصناف الجواهر النفيسة ، وسلط رجلا جبارا اسمه : قرناس ، على الناس ووجّهه لمحاربة الأمم الغريبة ، فقتل منهم خلائق ، ولما مات دفن في بعض قصوره ومعه أمواله ، وعمل عليه طلسم يحفظه ويمنعه من كل طالب.

وملك بعده ابنه أفروس ، وكان كأبيه في العلم والحكمة ، ولما ملك أظهر العدل

٢٥٠

وأحسن السيرة وردّ النساء اللاتي غصبن في أيام أبيه على أزواجهنّ ، وعمل قبة طولها خمسون ذراعا في عرض مائة ذراع ، وركب في جوانبها طيورا من صفر تصفر بأصوات مختلفة مطربة لا تفتر ساعة ، وعمل في وسط مدينة أمسوس ، منارا عليه رأس إنسان من صفر كلما مضى من النهار أو الليل ساعة صاح صيحة يعلم من سمعها بمضيّ ساعة ، وعمل منارا عليه قبة من صفر مذهب ، ولطخها بلطوخات ، فإذا غربت الشمس في كل ليلة اشتعلت القبة نورا تضيء له مدينة أمسوس طول الليل ، حتى يصير مثل النهار لا تطفئها الرياح ولا الأمطار فإذا طلع النهار خمد ضوءها وأهدى لبعض ملوك بابل مدهنا من زبرجد قطره خمسة أشبار.

ويقال : إنه وجد بعد الطوفان ، وعمل في الجبل الشرقيّ صنما عظيما قائما على قاعدة وهو مصبوغ مصفر بالذهب ووجهه إلى الشمس يدور معها حتى تغرب ، ثم يدور ليلا حتى يحاذي المشرق مع الفجر ، فإذا أشرقت الشمس استقبلها بوجهه ، وبنى بصحراء الغرب مدنا كثيرة ، وأودعها كنوزا عظيمة ، ونكح ثلثمائة امرأة ولم يولد له ولد ، فإنّ الله تعالى ، كان قد أعقم الأرحام لما يريد من إهلاك العالم بالطوفان ، ووقع الموت في الناس والبهائم ، ولما مات وضع في ناوس بالجبل الشرقيّ ، ومعه أمواله وطلسم عليه.

وملك بعده أرمالينوس ، فعمل أعمالا عجيبة وبنى مدنا ومصانع جدّد الطلسمات ، وكان له ابن عم يسمى : فرعان ، وكان جبارا ، فأبعده وجعله على جيش ساربه عنه ، فقهر ملوكا وقتل أمما عظيمة ، وغنم أموالا كثيرة ، وعاد فشغفت به امرأة من نساء الملك ، وما زالت به حتى اجتمع بها تآلفا ، وأقاما على ذلك مدّة ، فخافا الملك أن يفطن بهما ، فعملت المرأة لأرمالينوس سمّا في شرابه هلك منه.

وملك بعده ابن عمه فرعان بن مشور ، فلم ينازعه أحد لشجاعته وسياسته ، ولم تطل أعوامه حتى رأى قليمون الكاهن ، كأنّ طيورا بيضاء قد نزلت من السماء ، وهي تقول : من أراد النجاة فليلحق بصاحب السفينة ، وكان عندهم علم بحدوث الطوفان من أيام سوريد وبنائه الأهرام ، لأجل ذلك ، واتخذ الناس سراديب تحت الأرض مصفحة بالزجاج قد حبست الرياح فيها بتدبير ، وعمل منها فرعان لنفسه ولأهله عدّة ، فما كذب أن جمع أهله وولده وتلميذه ولحق بنوح عليه‌السلام ، وآمن به وأقام معه حتى ركب في السفينة وجاء الطوفان في أيام فرعان ، فأغرق أرض مصر كلها ، وخرب عمائرها ، وأزال تلك المعالم كلها ، وأقام الماء عليها ستة أشهر ، ووصل إلى أنصاف الهرمين العظيمين ، وسيأتي خبر ذلك إن شاء الله تعالى عند ذكر محن مصر من هذا الكتاب.

ويقال : إنّ فرعان كان عاتيا متجبرا يغصب الأموال والنساء ، وأنه كتب إلى الدر مثيل ابن لحويل ببابل يشير عليه بقتل نوح عليه‌السلام ، وأنه استخف بالكهنة والهياكل ، ففسدت

٢٥١

في أيامه أرض مصر ، ونقص الزرع وأجدبت النواحي لانهماكه في ضلاله وظلمه وإقباله على لهوه ولعبه ، وإنّ الناس اقتدوا به ففشا ظلم بعضهم لبعض ، وإنه لما أقبل الطوفان ، وسحت الأمطار ، قام سكران يريد الهرب إلى الهرم ، فتخلخلت الأرض به ، وطلب الأبواب فخانته رجلاه وسقط يخور ، حتى هلك ، وهلك من دخل الأسراب بالغم ، والله تعالى أعلم.

ذكر مدينة منف وملوكها

هذه المدينة كانت في غربيّ النيل على مسافة اثني عشر ميلا من مدينة فسطاط مصر ، وهي أوّل مدينة عمرت بأرض مصر بعد الطوفان ، وصارت دار المملكة بعد مدينة أمسوس التي تقدّم ذكرها ، إلى أن أخربها بخت نصر ، وقد ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز بقوله : (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) [القصص / ١٥]. قال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبريّ في كتاب جامع البيان في تفسير القرآن ، عن السديّ : أنّه قال : كان موسى عليه‌السلام حين كبر يركب ، كمراكب فرعون ، ويلبس مثل ما يلبس ، وكان إنما يدعى : ابن فرعون ، ثم إنّ فرعون ركب مركبا ، وليس عنده موسى ، فلما جاء موسى عليه‌السلام قيل له : إنّ فرعون قد ركب ، فركب في إثره فأدركه المقيل في أرض يقال لها : منف ، فدخلها نصف النهار ، وقد تغلقت أسواقها وليس في طرقها أحد ، وهي التي يقول الله جلّ ذكره : (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) [القصص / ١٥].

قال ابن عبد الحكم ، عن عبد الله بن لهيعة : أوّل من سكن بمصر بعد أن أغرق الله قوم نوح عليه‌السلام ، بيصر بن حام بن نوح ، فسكن منف ، وهي أوّل مدينة عمرت بعد الطوفان هو وولده ، وهم ثلاثون نفسا منهم أربعة أولاد قد بلغوا وتزوّجوا ، وهم : مصر وفارق وماج وياج وبنو بيصر ، وكان مصر أكبرهم ، فبذلك سميت : مافه ، ومافه بلسان القبط ثلاثون ، وكانت إقامتهم قبل ذلك بسفح المقطم ، ونقروا هناك منازل كثيرة. وقال ابن خرداذبه في كتاب المسالك والممالك : ومدينة منف هي (مدينة فرعون) التي كان ينزلها ، واتخذ لها سبعين بابا من حديد ، وجعل حيطان المدينة من الحديد والصفر ، وفيها كانت الأنهار تجري من تحت سريره ، وهي أربعة ، ويروى أنّ مدينة منف كانت قناطر وجسورا بتدبير ، وتقدير حتى أنّ الماء ليجري تحت منازلها وأفنيتها ، فيحبسونه كيف شاءوا ، ويرسلونه كيف شاءوا ، فذلك قوله تعالى حكاية عن فرعون : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ) [الزخرف / ٥١] ، وكان بها كثير من الأصنام لم تزل قائمة إلى أن سقطت فيما سقط من الأصنام في الساعة التي أشار فيها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الأصنام ، يوم فتح مكة بقضيب في يده ، وهو يطوف حولها ، ويقول : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) [الإسراء / ٨١] فما أشار إلى صنم منها في وجهه إلا وقع لقفاه ، ولا أشار لقفاه إلا وقع لوجهه ، حتى ما بقي منها صنم إلا وقع ، وفي تلك الساعة سقطت أصنام الأرض من الشرق

٢٥٢

إلى الغرب ، وبقي أصحابها متعجبين لا يعلمون لها سببا أوجب سقوطها ، وبقيت أصنام مدينة منف ساقطة من ساعته ، وفيها الصنمان الكبيران المجاوران للبيت الأخضر الذي كان به صنم العزيز ، وكان من ذهب وعيناه ياقوتتان لا يقدر على مثلهما ، ثم قطعت الأصنام والبيت الأخضر من بعد سنة ستمائة.

ويقال : كانت منف ثلاثين ميلا طولا في عشرين ميلا عرضا ، وإنّ بعض بني يافث بن نوح عمل في أيام مصرايم آلة تحمل الماء حتى تلقيه على أعلى سور مدينة منف ، وذلك أنه جعلها درجا مجوّفة ، كلما وصل الماء إلى درجة امتلأت الأخرى ، حتى يصعد الماء إلى أعلى السور ، ثم ينحط فيدخل جميع بيوت المدينة ، ثم يخرج من موضع إلى خارج المدينة.

وكان بمنف بيت من الصوّان الأخضر الماتع (١) الذي لا يعمل فيه الحديد قطعة واحدة ، وفيه صور منقوشة وكتابة ، وعلى وجه بابه صور حيات ناشرة صدورها ، لو اجتمع ألوف من الناس على تحريكه ما قدروا لعظمه وثقله ، والصابئة تقول : إنه بيت القمر ، وكان هذا البيت من جملة سبعة بيوت كانت بمنف للكواكب السبعة ، وهذا البيت الأخضر هدمه ، الأمير سيف الدين شيخون العمريّ ، بعد سنة خمسين وسبعمائة ، ومنه شيء في خانقاهه ، وجامعه الذي بخط الصليبة خارج القاهرة.

وقال أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن القيسي في كتابه تحفة الألباب : ورأيت في قصر فرعون موسى بيتا كبيرا من صخرة واحدة أخضر كالآس فيه صورة الأفلاك والنجوم لم نر عجبا أحسن منه.

وقال أبو الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسيّ (٢) : وكانت دار الملك بمصر في قديم الدهر مدينة منف ، وهي في غربيّ النيل على مسافة اثني عشر ميلا من الفسطاط ، فلما بنى الإسكندر مدينة الإسكندرية رغب الناس في عمارتها ، فكانت دار العلم ، ومقرّ الحكمة ، إلى أن فتحها المسلمون في أيام عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه ، واختط عمرو بن العاص مدينته المعروفة ، بالفسطاط ، فانتشر أهل مصر ، وغيرهم من العرب والعجم إلى سكناها ، فصارت قاعدة ديار مصر ، ومركزها إلى وقتنا هذا.

وقال الأستاذ إبراهيم بن وصيف شاه الكاتب : وقد ذكر أخبار مدينة أمسوس ، وخراب عمائر أرض مصر بطوفان نوح عليه‌السلام ، ولما نزل الماء كان أوّل من ملك مصر بعد

__________________

(١) الماتع : هو الجيد من كل شيء. ومن الألوان الأحمر.

(٢) حكيم أديب رحالة له تصانيف عديدة منها : (الحديقة) على أسلوب يتيمة الدهر. توفي سنة ٥٢٩ ه‍.

الأعلام ج ٢ / ٢٣.

٢٥٣

الطوفان بيصر بن حام بن نوح ، وكان معه ثلاثون من الجبابرة من أهله وولده ، فاجتمعوا وبنوا مدينة منف ، ونزلوا بها ، وكان قليمون الكاهن الذي تقدّم ذكره في خبر مدينة أمسوس من جملتهم ، وكان قد زوج ابنته ببيصر المذكور ، وجاءت معه إلى مصر ، وولدت منه ولدا سماه : مصرايم ، فلما مات بيصر ، دفن في موضع دير أبي هرميس ، ويقال : دير أبي هرميس غربيّ الأهرام ، ويقال : إنها أوّل مقبرة دفن فيها بأرض مصر ، وكان موته بعد ألف وثمانمائة وست سنين مضت من وقت الطوفان ، وقال غيره : ثم بنى مصرايم مدينة سماها باسمه ، فجاءه رجل من بني يافث ، فعمل له سورا قائما ، وصنع له درجا وأجرى الماء إلى أن بقي يصعد إلى أعلى السور بحكمة أتقنها ، ثم ينزل ذلك الماء من أعلى السور إلى المدينة فينتفع به فيها بغير مشقة ولا كلفة ، ثم يخرج من ناحية أخرى ، وكتب على السور هذه صنعة من يموت لا صنعة من يدوم.

وملك بعد بيصر ، ابنه مصرايم. (ويقال له : مصر) بن بيصر ، فأظهره قليمون الكاهن على كنوز مصر وعلمه قراءة خطهم ، وأطلعه على حكمهم وبنى مصرايم ، المدن وشق الأنهار وغرس الأشجار ، وبنى مدينة عظيمة سماها درسان ، وهي العريش ، ونكح امرأة من أولاد الكهنة ، فولدت له ابنا سماه : قفطيم ، وبنى مدينة رقودة مكان الإسكندرية.

ولما مات مصرايم ، جعل له سرب طوله مائة وخمسون ذراعا ، وبسط بالمرمر الأبيض وعمل في وسطه مجلس مصفح بصفائح الذهب ، وله أربعة أبواب ، على كل باب : تمثال من ذهب على رأسه تاج من ذهب ، وهو جالس على كرسيّ من ذهب قوائمه من زبرجد ، ونقش في صدر كل تمثال آيات مانعة وحبسوا جسده في جسد من زبرجد أخضر شبه تابوت طوله أربعون ذراعا دفن فيه ، ومعه جميع ما كان في خزائنه من ذهب ، وفضة وجوهر منها ألف قطعة من زبرجد مخروط وألف تمثال من جوهر نفيس ، وألف برنية من ذهب مملوءة درا نفيسا ، وألف آنية من ذهب ، وعدّة سبائك من فضة ، وعمل عليه طلسم مانع من الوصول إليه وزبروا عليه : مات مصرايم بن بيصر بن حام بن نوح بعد ألفين وستمائة عام ، وقيل : بعد سبعمائة سنة مضت من الطوفان ، ولم يعبد الأصنام فصار إلى جنة لا هرم فيها ولا سقم ، ولا همّ ولا حزن ، وكتب اسم الله الأعظم عليه حتى لا يصل إليه أحد إلا ملك ، يأتي في آخر الزمان يدين بدين الملك الديان ، ويؤمن بالبعث والفرقان ، والنبيّ الداعي إلى الإيمان في آخر الزمان ، وسقفوا فوق السرب بالصخور العظام ، وهالوا عليه الرمال حتى سدّوا بين جبلين متقابلين.

ويقال : كان مصر بن بيصر ، مع جدّ أبيه نوح عليه‌السلام في السفينة ، فدعا له أن يسكنه الله الأرض الطيبة المباركة التي هي أم البلاد وغوث العباد ، ونهرها أفضل الأنهار ، ويجعل له فيها أفضل البركات ويسخر له الأرض ولولده ، ويذللها ويقوّيهم عليها ، فسأله

٢٥٤

عنها ، فوصفها له ، وأخبره بها ، وكان بيصر بن حام قد كبر وضعف فساقه ولده مصرايم ، وجميع إخوته إلى مصر ، فنزلوها وبذلك سميت : مصر.

وملك بعده : ابنه قبطيم (ويقال له : قفط) بن مصرايم ، وهو أوّل من عمل العجائب بعد الطوفان ، فاستخرج المعادن وشق الأنهار ، ونصب الأعلام والمنارات وعمل الطلسمات.

ويقال : إنّ مصرايم لما مات ، اختلف أولاده من بعده ، وكان قفط أصغرهم ، فاجتمعوا عند الأهرام ورضوا بأنّ من غلب منهم أخاه أخذ الملك ، فتحارب أشموم وأتريب ، فغلب أتريب ، ثم تحارب صا ، هو وأشموم ، فغلب أشموم ، ثم تحارب قفط وصا ، فغلب قفط فأخذ قفط الملك بعد أبيه ، وأطاعه أخوته وسكن مدينة منف دار مملكة أبيه ، وتزوّج امرأة ولدت له ، أربعة أولادهم : قفطريم ، وأشمون ، وأتريب ، وصا ، فتناسلوا وكثروا وعمروا البلاد ، ثم إنه قسم الأرض بين أولاده الأربعة عند وفاته ، فجعل لولده قفطريم من أسوان إلى قفط ، وجعل لولده أشمون من مدينة قفط إلى مدينة منف ، وجعل لولده أتريب الجرف كله ، وجعل لولده صا من ناحية البحيرة إلى الغرب ، وجعل أمرهم إلى قفطريم وأمر كل واحد منهم أن يبني لنفسه مدينة في حيزه ، وجعل لنفسه سربا تحت الجبل الكبير ، وصفحه بالمرمر ، وعمل فيه منافذ للريح فصارت تنخرق فيه بدويّ عظيم ، وأقام في السرب رؤوسا من نحاس مطلية تضيء كالسرج ليلا ونهارا. ولما مات وضع جسده بهذا السرب في جرن من ذهب بعد ما ألبس ثيابا منسوجة بالدر والمرجان ، وأقيم عند رأسه عمود من مرمر عليه جوهرة تضيء ، وعمل حول الجرن توابيت من حجارة ملوّنة حولها مصاحف الحكمة ، ووضعت عنده أمواله وكنوزه وذخائره وزبروا عليه كما زبروا على أبيه ، وانتقل كل من أولاده إلى حيزه ، فانتقل صا بأهله وأولاده وسكن مدينة صا الآتي ذكرها.

ويقال : كانت البلبلة في أيام قفط ، وأنه ألهمه الله تعالى اللغة القبطية ، وأنه أقام ملكا أربعمائة وثمانين سنة ، ومات ، فدفن بأرض الواحات وملك بعده أخو أشمن بن مصر ، وقيل : بل أسكن في حياته ابنه قفطريم في حيزه ، فشرع في العمارة وكان جبارا عظيم الخلقة ، فأثار من المعادن ما لم يثره أحد قبله وبنى مدينة دندرة ، وعمل في جبل قفط منارا عاليا يرى منه البحر الشرقيّ ، ووجد هناك معادن من الزئبق ، وعمل البركة التي سماها صيادة الطير ، وهلك عاد بالريح في آخر أيامه ، وفي أيامه أثارت الشياطين الأصنام التي أغرقها الطوفان ، فعبدت ، وأقام ملكا أربعمائة وثمانين سنة ومات.

وذكر ابن عبد الحكيم : بعد مصر بن بيصر قفط بن مصر ، وأنّ الذي ملك بعد قفط أخوه اشمن ، ثم أتريب بن مصر ، ثم صا بن مصر ، ثم ابنه تدارس بن صا ، ثم ابنه ماليق بن تدارس ، ثم ابنه حزابا بن ماليق ، ثم ابنه كلكلي بن حزابا ، ويقال : إنّ أشمن ، لما ملك بعد

٢٥٥

أخيه ، سار إليه شدّاد بن هدّاد بن شدّاد بن عاد ، وملك أرض مصر ، وهدم مبانيها ، وبنى أهراما ومضى إلى موضع الإسكندرية ، فبناها وأقام دهرا ، ثم خرجت العادية من أرض مصر ، فعاد أشمن إلى ملكه ، وأنه ملك بعده أخوه صا ، ثم ملك بعد صا ابنه تدارس ، وفي أيامه بعث الله صالحا إلى ثمود ومات.

فملك ابنه ماليق البودسير ، وكان من الجبابرة العظام عمل أعمالا عظيمة ، منها منار فوقه قبة لها أربعة أركان في كل ركن كوّة يخرج منها في يوم معلوم عندهم من كل سنة ، دخان ملتف في ألوان شتى يستدلون بكل لون على شيء ، فإن خرج الدخان أخضر ، دل على العمارة والخصب في تلك السنة ، وإن خرج أبيض ، دل على الجدب وقلة الخير ، وإن خرج أحمر ، دل على الحروب وقصد الأعداء ، وإن خرج أصفر ، دل على النيران وآفات تحدث من الملك ، وإن خرج أسود ، دل على الأمطار والسيول ، وفساد بعض الأرض ، وإن خرج مختلطا ، دل على كثرة الظلم وبغي الناس بعضهم على بعض.

وعمل شجرة من نحاس تجذب سائر الوحوش حتى تصل إليها ، فلا تستطيع الحركة إلى أن تؤخذ ، فشبع أهل مصر من لحوم الوحوش ، واتفق أنّ غرابا نقر عين صبي من أولاد الكهنة فقلعها ، فعمل شجرة من نحاس عليها غراب منشور الجناحين وفي منقاره حية ، وعلى ظهره أسطر ، فكانت الغربان تقع على هذه الشجرة ، ولا تبرح حتى تموت ، وكانت الرمال قد كثرت في أيامه على أرض مصر من ناحية الغرب ، فعمل صنما من صوّان أسود على قاعدة منه ، وفوق كتبه قفة فيها مسحاة ونقش على وجهه وصدره وذراعيه كتابة ، وجعل وجهه إلى الغرب ، فانكشفت الرمال ورجعت بها الرياح إلى ورائها ، وصارت تلالا عالية.

وبعث بهرمس الحكيم ، إلى جبل القمر الذي يخرج منه النيل ، فعمل تماثيل النحاس ، وعدّل جانبي النيل ، وكان قبله يفيض في مواضع وينقطع في مواضع وسار مغرّبا لينظر ما وراء ذلك ، فوقع على أرض واسعة ينخرق فيها الماء والأشجار فبنى فيها منتزهات ، وأقام بها وحوّل إليها عدّة من أهله فعمروا تلك النواحي حتى صارت أرض الغرب كلها معمورة ، ثم خالطتهم البربر ، وجرت بينهم حروب كثيرة أفنتهم ، فخربت تلك البلاد ، ولم يبق منها إلا الواحات ، ثم إنّ البودسير احتجب عن الناس ، وصار يبرز وجهه من مقعده في النادر ، وربما خاطبهم من حيث لا يرونه.

وذكر أبو الحسن المسعوديّ في كتاب أخبار الزمان : إنّ أوّل من تحقق بالكهانة وغير الدين وعبد الكواكب البودسير ، وتزعم القبط أنّ الكواكب كانت تخاطبه ، وأنّ له عجائب كثيرة منها : أنه استتر عن الناس عدّة سنين من ملكه ، وكان يظهر لهم وقتا بعد وقت مرّة في كل سنة ، وهو حلول الشمس في برج الحمل ، ويدخل الناس إليه ، فيخاطبهم ، وهم يرونه فيأمرهم وينهاهم ويحذرهم مخالفة أمره ، ثم بنيت له قبة من فضة مطلية بذهب ، فصار

٢٥٦

يجلس في أعلاها ، وله وجه عظيم فيخاطبهم.

(فلما مات ملك بعده ابنه أرقليمون) : وكان كاهنا ساحرا ، فعمل أعمالا عظيمة منها : أنه كان يجلس في السحاب ، فيرونه في صورة إنسان عظيم ، وأقام مدّة على ذلك ، ثم إنه غاب عن أهل مصر ، وصاروا بغير ملك ، ثم رأوا صورة بحذاء جرم الشمس عند حلولها أوّل برج الحمل ، فأمرهم أن يقلدوا الملك عديم بن قفطيم وأعلمهم أنه ما بقي يعود إليهم.

فولوا عليهم عديم بن قفطيم : وكان جبارا عظيما وهو أوّل من صلب بمصر ، وذلك أنّ امرأة ورجلا زنيا ، فصلبهما ، وجعل ظهر كل منهما لظهر الآخر ، وبنى أربع مدائن أودعها كنوزا عظيمة ، وجعل عليها طلسمات ، وعدّة عجائب وعمل منارا على البحر الشرقيّ ، وعليه صنم إلى الشرق حتى لا يغلب البحر على أرض مصر ، وعمل قنطرة على النيل في أرض النوبة ، وأقام ملكا مائة وأربعين سنة ، ومات وعمره سبعمائة وثلاثون سنة.

(وملك بعده ابنه شدّات بن عديم) : وهو الذي تسميه العامة : شدّاد بن عاد ، وكان عالما كاهنا ساحرا ويقال : إنه هو الذي بنى الأهرام الدهشورية ، وعمل أعمالا عظيمة وطلسمات عجيبة وبنى في الجانب الشرقيّ مدائن ، وفي أيامه بنيت قوص وغزا الحبشة ، وسباهم وأقام ملكا تسعين سنة ، وهو أوّل من اتخذ الجوارح وصاد بها وولّد الكلاب السلوقية ، وعمل في بركة سيوط تماسيح منصوبة تنصب إليها التماسيح من النيل انصبابا ، فيقتلها ويعلق جلودها في السفن ، واتفق أنه طرد صيدا فكبابه فرسه في وهدة ، فهلك.

وكان قد غضب على بعض خدمه فرماه من جبل عال ، فتقطع ، فرأى أنه يصيبه مثل ذلك ، ولما هلك وضع في ناوس ودفنت معه أمواله وعمل عليه طلسم يمنعه ممن يقصده ، وكتب عليه : لا ينبغي لذي القدرة أن يخرج عن الواجب ، ولا يفعل ما لا يجوز له فعله ، فيجازي بعمله.

هذا ناوس بن شدّات بن عديم ، فعل ما لا يحلّ له فعله ، فكوفىء عليه بمثله.

وملك بعده ابنه منقاوش : وكان حكيما فاضلا كاهنا ، عمل أعمالا عجيبة ، وبنى أشياء معجبة منها : أنه عمل هيكلا لصور الكواكب على ثمانية فراسخ من منف ، وكنز من الأموال ما لا يحصى ، وفتح عليه من المعادن ما لم يفتح به على غيره ، وسار في الجنوب يوما ثم سار مغرّبا يوما وبعض آخر ، فانتهى في اليوم الثالث إلى جبل أسود ، فعمل تحته أسرابا ومغاير ، ودفن فيها أمواله وزبر عليها حتى أنه من كثرتها يقال : إنه دفن حمل اثني عشر ألف عجلة ذهبا وجواهر ، وأقام أربع سنين يرسل في كل سنة عجلا كثيرة يدفنها ، وبقيت آثار العجل ترى فيما بين منف والمغرب زمانا طويلا ، وبنى هيكلا للقمر ، ويقال : إنه هو الذي بنى مدينة منف لبناته ، وكنّ ثلاثين بنتا ، وأنه ألزم الناس بعمل الكيمياء ، فكانوا لا

٢٥٧

يفترون عن عملها ليلا ولا نهارا ، حتى اجتمع عنده مال عظيم وجوهر كثير ، وهو الذي بنى مدينة عين شمس ، وقسم خراج مصر أرباعا ، جعل الربع للملك ، والربع للجند ، والربع ينفق في مصالح الأرض ، والربع الرابع يدفن لحادثة تحدث ، وهو الذي قسم أرض مصر على مائة وثلاثين كورة ، وأقام ملكا إحدى وتسعين سنة ومات.

فملك بعده ابنه عديم بن منقاوش : وكان جبارا لا يطاق ، وفي أيامه كان نزول الملكين اللذين يعلمان الناس السحر ، والقبط تزعم أنهما نزلا بأرض مصر ، ثم نقلا إلى بابل.

ثم ملك بعده أخوه مناوش بن منقاوش ، وكان عالما كاهنا فاضلا ، بنى مواضع كثيرة في الجبال والصحارى ، وكنز فيها كنوزا عظيمة ، وأقام عليها أعلاما ، وبنى في صحراء الغرب مدينة ، وأقام لها منارا وكنز حولها كنوزا عظيمة ، وجعل فيها شجرة تطلع كل لون من الفاكهة ، وهو أوّل من عبد البقر بمصر ، وكان يطلب الحكمة ، ويستخرج كتبها ، وكذا كان كل من ملك منهم يجتهد في أن يعمل له غريبة من الأعمال لم تعمل لمن كان قبله ، وتثبت في كتبهم وتزبر على الحجارة.

ولما مات ملك بعده ابنه هرميس : وكان قليل الحكمة ، فلم يعمل شيئا مما عمله آباؤه ، ومات وقد أقام إحدى عشرة سنة.

فملك بعده أشمون بن قبطيم بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح : وكان حيزه من أشمون إلى منف في الغرب ، وحيزه في الشرق إلى حدّ البحر الملح مما يحاذي برقة ، وهو آخر حدّ مصر ، ومن بلاد الصعيد إلى حدود أخميم ، وكانت منزله بمدينة الأشمونين وكان طولها اثني عشر ميلا في مثلها ، وبنى في شرقيّ النيل مدينة أنصنا ، وبنى بها قصرا عظيما ، واتخذ بها أبنية وملاعب وعجائب كثيرة ، وبنى مدينة طهراطيس ، وهو أوّل من لعب بالكرة والصولجان.

ويقال : إنه بنى مدنا كثيرة عمل فيها عجائب منها : مدينة في سفح الجبل لها أربعة أبواب من كل ناحية باب ، فعلى الباب الشرقيّ : صورة عقاب ، وعلى الباب الغربيّ : صورة ثور ، وعلى الباب الشماليّ : صورة أسد ، وعلى الباب الجنوبيّ : صورة كلب ؛ وفي هذه الصور روحانيات تنطق فإذا قدم غريب لا يقدر على الدخول إليها إلا بإذن الموكلين بها ، ودفن تحت كل شكل من هذه الأشكال الأربعة صنفا من الكنوز ، وغرس في هذه المدينة شجرة مولدة تثمر كل لون من الفاكهة ، ونصب منارا طوله ثمانون ذراعا فوقه قبة تتلوّن كل يوم لونا حتى تمضي سبعة أيام ثم تعود إلى اللون الأوّل ، فكانت تلك المدينة تكسى من تلك الألوان شعاعا مثل لونها ، وأجرى حول المنار ماء شقه من النيل ، وجعل فيه سمكا من كل لون وأقام حول المدينة طلسمات في هيئة أناس رؤوسها كالقردة ، وأسكن هذه المدينة السحرة ، فعرفت بمدينة السحرة ، وكانوا يعملون فيها أصناف السحر.

٢٥٨

وبنى بالقرب منها مدينة عرفت بذات العجائب ، وبنى مجالس مصفحة بزجاج ملوّن في وسط النيل ، وبنى سربا تحت الأرض من الأشمونين إلى أنصنا.

وقيل : إنه هو الذي بنى مدينة عين شمس ، وأنه ملك ثمانمائة سنة ، وأنّ قوم عاد انتزعوا منه الملك بعد ستمائة سنة ، وأقاموا بمصر تسعين سنة ، فأصابهم وباء خرجوا منه إلى المدينة بطريق الحجاز إلى وادي القرى ، فعاد أشمون بعد خروج العادية إلى ملك مصر ، وهو أوّل من عمل النوروز بمصر.

وفي زمانه : بنيت مدينة البهنسا ، ولما مات جعل له ناوس في آخر حدّ الأشمونين ، ودفن فيه ومعه كنوزه العظيمة وعجائبه الكثيرة منها : ألف برنية من العقاقير المدبرة لفنون الأعمال وززبروا على ناوسه اسمه ونسبه ، وجعل عليه طلسم يمنعه ممن يقصده.

وملك بعده ابنه صا : ثم بعد صا ابنه تدراس.

وقيل : ملك مناقيوش ، وكان شجاعا فاضلا فاستأنف العمارة وبنى القرى ونصب الأعلام وعمل العجائب الهائلة ، وبنى مدائن منها مدينة أخميم وحوّل الكهنة إليها ، وأقام ملكا نيفا وأربعين سنة ، ومات فدفن في الهرم الشرقيّ ومعه كنوزه.

وملك بعده ابنه ، وقد اختلف في اسمه وكان فاضلا حازما معظما عند أهل مصر ، وهو أوّل من عمل المارستان ، وأول من عمل الميدان للرياضة ، وفي أيامه بنيت مدينة سنترية في صحراء الواحات ، ثم إنّ نساء تغايرن عليه فقتلته إحداهنّ بسكين ، فدفن في ناوس ومعه أمواله ، وعمل عليه طلسم يحفظه.

وملك بعده ابنه مرقورة : وكان حكيما كاهنا ، وهو أوّل من ذلل السباع وركبها ، وبنى المدن ، وعمر الهياكل ، وأقام الأصنام ، ولما مات جعل له ناوس في صحراء الغرب ودفن معه ماله.

وملك بعده ابنه بلاطس : وكان صبيا ، فدبرت أمّه أمر الملك ، وكانت حازمة ، فأجرت الأمور على أحسن ما يكون ، وأظهرت العدل ، ووضعت عن الناس الخراج فأحبّوها ، ولما كبر ابنها أحب الصيد ، فعملت له أمّه أعمالا عجيبة ، وأقام ملكا ثلاث عشرة سنة وجدّر فمات ، وانتقل الملك إلى أعمامه.

فملك بعده أتريب بن قبطيم بن مصرايم ، وهو الثالث عشر من ملوك مصر بعد الطوفان ، وهو الذي بنى مدينة أتريب ، وعاش خمسمائة سنة منها مدّة ملكه ثلثمائة وستون سنة ، ويقال : إن النيل وقف في أيام أتريب مائة وأربعين سنة ، حتى أكلت البهائم بأرض مصر ، ولم يبق بها بهيمة ، ورؤي أتريب ماشيا وهو يبسط يديه ويقبضهما من الجوع ، ومات

٢٥٩

عامّة أهل مصر جوعا ، ثم أغيثوا بعد ذلك ، وكثر الرخاء ودام مدّة مائتي سنة وبيع كل أردب بدانق وأقل ، ولما مات اتهم أخوه صا بقتله وحاربه أهل مصر تسع سنين وقتلوه.

فملكت بعده ابنته تدرورة : وكانت كاهنة ساحرة فساست الملك أحسن سياسة ، ودبرت الملك أجود تدبير ، وعملت طلسمات عجيبة ، منها طلسم منع الوحش والطير أن يشرب من النيل ، حتى مات أكثرها عطشا ، ووقعت في زمانها صيحة ارتجت لها الأرض فهلكت.

وملك بعدها أخوها قليمون بن أتريب : وكان حكيما فاضلا فبنى البنيان وعمل الطلسمات ، وفي أيامه بنيت مدينة تنيس الأولى ، وبنيت مدينة دمياط ، وأقام ملكا تسعين سنة ، ومات فدفن في ناوس.

وملك بعده ابنه فرسون : وكان فاضلا كاهنا ، بنى المدائن وجدّد الهياكل ، وكان حدثا فقصده بعض ملوك حمير في جموع عظيمة ، فخرج إليهم ولقيه مدينة إيليا ، وقاتله قتالا شديدا حتى تفانى من الفريقين معظمهما ، وأظهر المصريون أشياء من سحرهم ، فانهزم الحميري في طائفة يسيرة ، وقتل فرسون عامّة أصحابه وأخذ ما كان معهم ، وعاد مظفرا إلى مدينة منف ، وعمل منارا على بحر القلزم في رأسه مرآة تجذب المراكب إلى الساحل حتى يؤخذ منها ما هو مقرّر عليها من المال ، وأقام ملكا مائتي سنة وستين سنة ، ومات فدفن في ناوس خلف الجبل الأسود الشرقيّ ، وعمل فيه قبة تحتوي على اثني عشر بيتا في كل بيت أعجوبة ودفن معه ماله وعمل عليه طلسم يحفظه.

وملك بعده نحوه أربعة وصار الملك إلى صا بن قبطيم : وكان اصغر ولد أبيه وأحبهم إليه.

ولما مات ملك بعده نونية الكاهنة : وكانت ساحرة فكانت تجلس على سرير من نار فإذا تحاكم إليها أحد ، وكان صادقا شق تلك النار من غير أن تضرّه ، وإن كان كاذبا أخذته تلك النار ، وكانت تتصوّر كل يوم في صور كثيرة الأشكال ، ثم بنت قصرا واحتجبت فيه ، وجعلت في سوره أنابيب من نحاس مجوّفة ، وكتبت على كل أنبوب فنا من الفنون التي يتحاكم الناس بها إليها ، فكان من أتاها في محاكمة وقف عند الأنبوب الذي فيه محاكمته ، وتكلم بما يريده ، وسأل عنه بصوت خفيّ ، فإذا فرغ جعل أذنه في الأنبوب فيأتيه منه جواب ما سأل ، ولم يزل هذا القصر والأنابيب حتى أتلفه بخت نصر.

وملك بعدها مرقونس : وكان فاضلا حكيما ، وكانت أمه بنت ملك النوبة ، فعملت عجائب وصنع في أيامه كل غريبة ، وملك ثلاثا وسبعين سنة ، ومات وعمره مائتان وأربعون سنة.

٢٦٠