كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ١

تقي الدين احمد بن علي المقريزي

كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ١

المؤلف:

تقي الدين احمد بن علي المقريزي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٩

الأبيض ، فقال : قد أقلتك على أن تجعله مني صدقة ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هو منك صدقة ، وهو مثل الماء العذب من ورده أخذه». وقال كثير بن عبد الله بن عوف المزنيّ عن أبيه عن جدّه: أقطع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلال بن الحارث المعادن القبلية جليتها وغورتها ، وقال مالك عن ربيعة عنقوم من علمائهم : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقطع بلال بن الحرث المزني معادن بناحية الفرع.

وعن ربيعة عن الحرث بن بلال عن أبيه بلال بن الحرث ، أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقطعه العقيق أجمع، وعن حماد بن سلمة عن أبي مكين عن أبي عكرمة مولى بلال بن الحرث قال : أقطع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلالا أرضا فيها جبل معدن ، فباع بنو بلال : عمر بن عبد العزيز أرضا منها ، فظهر فيها معدن ، أو قال : معدنان ، فقالوا : إنما بعناك أرض حرث ولم نبعك المعادن ، وجاءوا بكتاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لهم في جريدة ، فقبلها عمر وفتح ومسح بها عينيه ، وقال لقيمه : انظر ما خرج منها ، وما أنفقت ، فقاصهم بالنفقة ، وردّ عليهم الفضل ، واصطفى عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه من أرض السواد أموال كسرى ، وأهل بيته ، وما هرب عنه أربابه أو هلكوا ، فكان مبلغ غلته تسعة آلاف ألف درهم كان يصرفها في مصالح المسلمين ، ولم يقطع شيئا منها ، ثم إن عثمان رضي‌الله‌عنه أقطعها لأنه رأى إقطاعها أوفر لغلتها من تعطيلها ، وشرط على من أقطعها أن يأخذ منه حق الفيء ، فكان مبلغ غلته خمسين ألف ألف درهم كان منها صلاته وعطاياه ، ثم تناقلها الخلفاء بعده ، فلما كان عام الجماجم سنة اثنتين وثمانين في فتنة عبد الرحمن بن الأشعث ، أحرق الديوان ، وأخذ كل قوم ما يليهم ، وأقطع عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه ، ابن سندر منية الأصبغ ، فحاز منها لنفسه ألف فدّان ، وقال وكيع عن سفيان عن جابر الجعفي عن عامر : لم يقطع أبو بكر ولا عمر ولا عليّ رضي‌الله‌عنهم ، وأوّل من أقطع القطائع ، عثمان رضي‌الله‌عنه ، وبيعت الأرضون في خلافة عثمان. قال الليث بن سعد : ولم يبلغنا أن عمر بن الخطاب أقطع أحدا من الناس شيئا من أرض مصر إلا ابن سندر ، فإنه أقطعه أرض منية الأصبغ ، فلم تزل له حتى مات ، فاشتراها الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان من ورثته ، فليس بمصر قطيعة أقدم منها ، ولا أفضل. وقال الأعمش عن إبراهيم بن المهاجر عن موسى بن طلحة قال : أقطع عثمان رضي‌الله‌عنه عبد الله ابن مسعود النهرين ، وعمار بن ياسر إسنسا ، وأقطع خبابا وصهيبا ، وأقطع سعد بن أبي وقاص قرية هرمز وكان عبد الله بن مسعود وسعد يعطيان أرضهما بالثلث والربع.

وقال سيف بن عمر ، عن عمرو بن محمد عن عمر قال : أقطع الزبير وخباب وعبد الله ابن مسعود وعمار بن ياسر ، وابن هبار أزمان عثمان ، فإن يكن عثمان أخطأ ، فالذين قبلوا منه الخطأ أخطأوا ، وهم الذين أخذنا عنهم ديننا ، وأقطع عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه ، طلحة وجرير بن عبد الله والربيل بن عمرو ، وأقطع أبا مفرز دار النيل في عدّة ممن أخذنا عنه ، وإنما القطائع على وجه النفل من خمس ما أفاء الله.

١٨١

وكتب عمر رضي‌الله‌عنه إلى عثمان بن حنيف مع جرير بن عبد الله البجلي : أما بعد ، فأقطع جرير بن عبد الله قدر ما يقوّته ولا وكس ولا شطط ، فكتب عثمان إلى عمر : إن جريرا قدم عليّ بكتاب منك نقطعه ما يقوّته ، فكرهت أن أمضي ذلك حتى أراجعك فيه ، فكتب إليه صدق جرير ، فأنفذ ذلك ، وقد أحسنت في مؤامرتي ، وأقطع أبو موسى الأشعريّ ، وأقطع عليّ بن أبي طالب رحبة كردوس بن هاني ، وأقطع سويد بن غفلة الجعفي.

قال سيف عن ثابت بن هزيمة عن سويد بن غفلة قال : استقطت عليا ، فقال : اكتب هذا ما أقطع عليّ سويدا أرضا لدوابه ما بين كذا إلى كذا ما شاء الله ، وذكر أبو القسم ، عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم ما أقطعه معاوية بن أبي سفيان ومن بعده من الخلفاء من دور مصر ، فأورد شيئا كثيرا.

وقد كان خلفاء بني أمية وخلفاء بني العباس يقطعون الأراضي من أرض مصر ، النفر من خواصهم لا كما هو الحال اليوم ، بل يكون مال خراج أرض مصر يصرف منه أعطية الجند ، وسائر الكلف ، ويحمل ما يفضل إلى بيت المال ، وما أقطع من الأراضي فإنه بيد من أقطعه. وأما منذ كانت أيام السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى يومنا هذا. فإن أراضي مصر كلها صارت تقطع للسلطان وأمرائه وأجناده.

وأرض مصر اليوم على سبعة أقسام : قسم يجري في ديوان السلطان ، وهذا القسم ثلاثة أقسام ، منه ما يجري في الديوان الخاص ، ومنه ما يجري في الديوان المفرد ، وقسم من أراضي مصر قد أقطع الأمراء والأجناد ، وقد ذكر تفصيل ذلك عند ذكر الروك الناصري ، وقسم ثالث جعل وقفا محبسا على الجوامع والمدارس والخوانك (١) ، وعلى جهات البرّ ، وعلى ذراري واقفي تلك الأراضي وعتقائهم ، وقسم رابع يقال له : الأحباس يجري فيه أراض بأيدي قوم يأكلونها. إما عن قيامهم بمصالح مسجد أو جامع ، وإما يكون لهم لا في مقابلة عمل ، وقسم خامس قد صار ملكا يباع ويشتري ويورث ويوهب لكونه اشترى من بيت المال ، وقسم سادس لا يزرع للعجز عن زراعته فترعاه المواشي أو ينبت الحطب ونحوه ، وقسم سابع لا يشمله ماء النيل ، فهو قفر وهذا القسم منه ما لم يزل كذلك منذ عرفت أحوال الخليقة ، ومنه ما كان عامرا في الدهر الأوّل ثم خرب ، وسائر هذه الأقسام مذكورة أخبارها في هذا الكتاب تجدها إن أنت تأمّلته إن شاء الله تعالى.

وقال أبو عبد الله (٢) القاسم بن سلام في كتاب الأموال في الكلام على حديث معمر

__________________

(١) الخوانك : ج. خانقاه أو خانكاه وهي كلمة فارسية معناها البيت. صبح الأعشى ٥ / ٩١.

(٢) من كبار العلماء بالأدب والحديث والفقه. له مؤلفات عديدة ولد سنة ١٥٧ ه‍ وتوفي سنة ٢٢٤ ه‍.

الأعلام ج ٥ / ١٧٦.

١٨٢

عن عبد الله بن طاوس عن أبيه طاوس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عادي الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم». قلت : ما معنى ذلك؟ قال : تكون إقطاعا ، هذا الخبر أصل في الإقطاع والعادي كل أرض كان لها سكان فانقرضوا ، أي صارت خرابا فإن حكمها إلى الإمام قال : وأما الأرض التي جعلها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لبعض الناس وهي عامرة لها أهل فإعطاء الإمام يكون على وجه النفل ، ومن ذلك ما أعطاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تميما الداري ، فإنه أعطاه أرضا بالشام من قبل أن يفتح الشام ، وقبل أن يملكها المسلمون ، فجعلها له نفلا من أموال أهل الحرب إذا ظهر عليهم ، كما فعل نائبه ، نفيلة ، لما وهبها الشيباني قبل افتتاح الحيرة ، فأمضاها له خالد بن الوليد رضي‌الله‌عنه ، وكذلك أمضى عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه لتميم الداري لما فتحت فلسطين ، ما كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم نفله ، انتهى.

فقد خرّج أبو عبد الله ، هذه العطية المعلقة مخرج النفل الذي ينفله الإمام بعض المقاتلة.

وقال أبو الحسن عليّ بن محمد بن حبيب الماوردي (١) في الأحكام السلطانية : والإقطاع ضربان : إقطاع استغلال ، وإقطاع تمليك. والثاني ينقسم إلى موات وعامر ، والثاني ضربان : أحدهما : ما يتعين مالكه ولا نظر للسلطان فيه إلا بتلك الأرض في حق لبيت المال إذا كانت في دار الإسلام فإن كانت في دار الحرب حيث لم يثبت للمسلمين عليها يد ، فأراد الإمام أن يقطعها ليملكها المقطع عند الظفر بها ، فإنه يجوز فقد سأل تميم الداري ، رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يعطيه عيون البلد الذي كان منه قبل أن يفتح الشام ففعل ، وسأله أبو ثعلبة الخشني أن يقطعه أرضا كانت بيد الروم فأعجبه ذلك وقال : ألا تسمعون ما يقول هذا؟ فقال : والذي بعثك بالحق ليفتحنّ عليك ، فكتب له بذلك كتابا.

قال الماورديّ : وهكذا لو استوهب أحد من الإمام مالا في دار الحرب وهو على ملك أهلها أو استوهبه شيئا من سبيها أو ذراريها ليكون أحق به إذا فتحت جاز وصحت العطية منه مع الجهالة بها لتعلقها بالأمور العامة.

وقد روي الشعبيّ : أن خزيمة بن أوس الطائيّ ، قال للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن افتح الله عليك الحيرة فأعطني بنت نفيلة ، فلما أراد خالد صلح أهل الحيرة قال له خزيمة : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعطاني بنت نفيلة ، فلا تدخلها في صلحك ، فشهد له بشر بن سعد ، ومحمد بن مسلمة ، فاستثناها من الصلح ودفعها إلى خزيمة ، فاشتريت بألف درهم ، وكانت عجزت وحالت عما عهد منها ، فقيل له : قد أرخصتها وكان أهلها يدفعون لك أضعاف ما سألت ، فقال : ما كنت أظنّ أن عددا يكون أكثر من ألف.

__________________

(١) من العلماء الباحثين أصحاب التصانيف الكثيرة النافعة أقضى قضاة عصره. ولد سنة ٣٦٤ ه‍ وتوفي سنة ٤٥٠ ه‍. الأعلام ج ٤ / ٣٢٧.

١٨٣

قال الماورديّ : وإذا صح الإقطاع والتمليك على هذا الوجه نظر حال الفتح فإن كان صلحا خلصت الأرض لمقطعها ، وكانت خارجة عن حكم الصلح بالإقطاع السابق ، وإن كان الفتح عنوة كان المقطع والمستوهب أحق بما استقطعه ، واستوهبه من الغانمين ونظر في الغانمين فإن كانوا علموا بالإقطاع أو الهبة قبل الفتح ، فليس لهم المطالبة بعوض ، وإن لم يعلموا حتى فتحوا عاوضهم الإمام بما يستطيب نفوسهم من غير ذلك من الغنائم.

وقال أبو حنيفة رحمه‌الله تعالى : لا يلزم الإمام استطابة نفوسهم منه ولا من غيره من الغنائم إذا رأى المصلحة في ذلك.

ذكر ديوان الخراج والأموال

يقال لكتابة الخراج : قلم التصريف ، وأوّل ما دوّن هذا الديوان في الإسلام بدمشق والعراق على ما كان عليه قبل الإسلام ، وكان ديوان الشام بالرومية ، وديوان العراق بالفارسية ، وديوان مصر بالقبطية ، فنقلت دواوين هذه الأمصار إلى العربية ، والذي نقل ديوان مصر من القبطية إلى العربية : عبد الله بن عبد الملك بن مروان أمير مصر ، في خلافة الوليد بن عبد الملك سنة سبع وثمانين ، ونسخها بالعربية وصرف أنتناش عن الديوان وجعل عليه ابن يربوع الفزاريّ من أهل حمص ، وأوّل من نقل الدواوين من الفارسية إلى العربية : الوليد بن هشام بن مخزوم بن سليمان بن ذكوان ، وتوفي سنة اثنتين وعشرين ومائتين ، والأكثرون على أن الذي نقل ديوان العراق إلى العربية صالح بن عبد الرحمن كاتب الحجاج ، وكان مولى لبني سعد ، وهو يومئذ صاحب دواوين العراق ، وذلك بعد سنة ثمانين ، وسبب ذلك أن صالح بن عبد الرحمن هذا ، كان أبوه من سبي سجستان ، ومهر صالح في الكتابة ، وكتب لزادان فروح كاتب الحجاج بن يوسف الثقفيّ ، وخط بين يديه بالفارسية والعربية ، فخف على قلب الحجاج فخاف من زادان ، وقال له : أنت الذي رقيتني حتى وصلت إلى الأمير ، وأراه قد استخفني ، ولا آمن أن يقدّمني عليك ، فتسقط منزلتك ، فقال زادان : لا تظنّ ذلك هو أحوج إليّ مني إليه لأنه لا يجد من يكفيه حسابه غيري ، فقال صالح : والله لو شئت أن أحوّل الحساب إلى العربية لحوّلته ، قال : فحوّل منه أسطرا حتى أرى! ففعل ، فقال له : تمارض ، فتمارض ، فبعث إليه الحجاج بطبيبه ، فشق ذلك على زادان ، وأمره أن لا يظهر للحجاج ، فاتفق عقيب ذلك أن زادان قتل في فتنة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، وهو خارج من موضع كان فيه إلى منزله ، فاستكتب الحجاج بعده صالحا ، فأعلم الحجاج بما جرى له مع زادان في نقل الديوان ، فأعجبه ذلك وعزم عليه في إمضائه ، فنقله من الفارسية إلى العربية ، وشق ذلك على الفرس ، وبذلوا له مائة ألف درهم على أن لا يظهر النقل ، فأبى عليهم ، فقال له مروان شاه بن زادان فروح : قطع الله أصلك من الدنيا كما قطعت أصل الفارسية ، وكان

١٨٤

عبد الحميد بن يحيى يقول : لله در صالح ما أعظم منته على الكتاب.

وأما ديوان الشام ، فإن الذي نقله من الرومية إلى العربية أبو ثابت سليمان بن سعد (١) كاتب الرسائل ، واختلف في وقت نقله فقيل : نقل في خلافة عبد الملك بن مروان ، وقيل : في خلافة هشام بن عبد الملك ، وكان الذي يكتب على ديوان الشام ، سرجون بن منصور النصراني في أيام معاوية بن أبي سفيان ، ثم كتب بعده ابنه منصور بن سرجون.

ذكر خراج مصر في الإسلام

أوّل من جبى خراج مصر في الإسلام ، عمرو بن العاص رضي‌الله‌عنه ، فكانت جبايته اثني عشر ألف ألف دينار ، بفريضة دينارين دينارين من كل رجل ، ثم جبى ، عبد الله بن سعد ابن أبي سرح مصر أربعة عشر ألف ألف دينار ، فقال عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه لعمرو بن العاص : يا أبا عبد الله درت اللقحة بأكثر من درها الأوّل ، فقال : أضررتم بولدها ، وهذا الذي جباه عمرو ، ثم عبد الله إنما هو من الجماجم خاصة دون الخراج ، وانحط خراج مصر بعدهما لنموّ الفساد مع الزمان ، وسريان الخراب في أكثر الأرض ، ووقوع الحروب ، فلم يجبها بنو أمية ، وخلفاء بني العباس إلا دون الثلاثة آلاف ألف ، ما خلا أيام هشام بن عبد الملك ، فإنه وصى عبيد الله بن الحبحاب عامل مصر بالعمارة فيقال : إنه لم يظهر من خراج مصر بعد تناقصه كثرة إلا في وقتين ، أحدهما في خلافة هشام بن عبد الملك عند ما ولي الخراج عبيد الله بن الحبحاب ، فخرج بنفسه ومسح العامر من أراضي مصر ، والغامر مما يركبه ماء النيل ، فوجد قانون ذلك ثلاثين ألف ألف فدّان سوى ارتفاع الجرف ووسخ الأرض فراكها كلها ، وعدّ لها غاية التعديل ، فعقدت معه أربعة آلاف ألف دينار هذا والسعر راخ ، والبلد بغير مكس ، ولا ضريبة.

وفي سنة سبع ومائة لأوّل أيام هشام بن عبد الملك ، وظف ابن الحبحاب بمصر ، طبقات معلومة منسوبة في الدواوين ، ولم تزل إلى ما بعد ذهاب بني أمية ، ومبلغها ألف ألف دينار وسبعمائة ألف دينار وثمانمائة وسبعة وثلاثون دينارا منها على كور الصعيد : ألف ألف وأربعمائة دينار وعشرون دينارا. ونصف والباقي على كور أسفل الأرض.

ويقال : إن أسامة بن زيد جباها في خلافة سليمان بن عبد الملك ، مبلغ اثني عشر ألف ألف دينار.

والوقت الثاني في إمارة أحمد بن طولون لما تسلم أرض مصر من أحمد بن محمد بن مدبر ، وقد خربت أرض مصر حتى بقي خراجها ثمانمائة ألف ألف دينار ، فاستقصى

__________________

(١) هو أول من نقل الدواوين من الرومية إلى العربية وهو أول مسلم ولي الدواوين كلها في العصر الأموي توفي حوالي ١٠٥ ه‍. الأعلام ج ٣ / ١٢٦.

١٨٥

أحمد بن طولون في العمارة ، وبالغ فيها ، فعقدت معه أربعة آلاف ألف دينار وثلثمائة ألف دينار، وجباها ابنه الأمير أبو الجيش ، خمارويه بن أحمد أربعة آلاف ألف دينار مع رخاء الأسعار أيامئذ ، فإنه ربما بيع في الأيام الطولونية القمح كل عشرة أرادب بدينار.

وذكر ابن خرداذبه أن خراج مصر في أيام فرعون ، كان ستة وتسعين ألف ألف دينار ، وأن ابن الحبحاب ، وجباها ألفي ألف وسبعمائة ألف وثلاثة وعشرين ألفا وثمانمائة وتسعة وثلاثين دينارا ، وهذا وهم منه ، فإن هذا القدر هو ما حمله إلى بيت المال بدمشق بعد أعطية أهل مصر ، وكلفها قال : وحمل منها موسى بن عيسى الهاشميّ ألفي ألف ومائة ألف وثمانين ألف دينار ، يعني بعد العطاء والمؤن وسائر الكلف ، قال : وكان خراج مصر إذا بلغ النيل سبع عشرة ذراعا وعشر أصابع أربعة آلاف ألف دينار ومائتي ألف وسبعة وخمسين ألف دينار ، والمقبوض عن الفدّان دينارين في خلافة المأمون وغيره.

وبلغ خراج مصر في أيام الأمير أبي بكر محمد بن طغج الإخشيد ألفي ألف دينار سوى ضياعه التي كانت ملكا له والإخشيد أوّل من عمر الرواتب بمصر ، وكان كاتبه ، ابن كلا ، قد عمل تقديرا عجز فيه المرتب عن الارتفاع مائتي ألف دينار ، فقال له الإخشيد : كيف نعمل؟ قال : حط من الجرايات والأرزاق فليس هؤلاء أولى من الواجب ، فقال : غدا تجيئني ، وتدبر هذا ، فلما أتاه من الغد قال له الإخشيد : قد فكرت فيما قلت فإذا أصحاب الرواتب الضعفاء ، وفيهم المستورون وأبناء النعم ، ولستت آخذ هذا النقص إلا منك ، فقال ابن كلا : سبحان الله! فقال : تسبيحا ، وما زال به الإخشيد حتى أخذ خطه بالقيام بذلك ، فعوتب على ما صنعه ، فقال : يا قوم اسمعوا إيش كان يعمل؟ جاءه أحمد بن محمد بن المارداني فقال له : ما بيني وبين السلطان معاملة ، ولا للإخشيد عليّ طريق ، وهذه هدية عشرة آلاف دينار للإخشيد وألف دينار لك ، فجاءني ، وقال لك قبل ابن المارداني مطالبة ، فقلت : لا ، فقال : هذه ألف دينار قد جاءتك على وجه الماء ، فأعطاني ألفا وأخذ عشرة آلاف دينار ، وأهدى إليّ محمد بن عليّ المارداني في وقت عشرين ألف دينار على يده فاستقللتها ، فلما اجتمعنا عاتبته فقال لي : أرسلت إليك مائة ألف دينار ولابن كلا كاتبك عشرين ألف دينار ، فأخذ المائة وأعطاني العشرين ألفا ، فذكرت قول محمد بن عليّ له ، فقال : ما أبرد هذا! حفظت لك المائة ألف لوقت حاجتك تريدها خذها ، وأنا أعلم أنك تتلفها.

وبلغت الرواتب في أيام كافور الإخشيدي ، خمسمائة ألف دينار في السنة لأرباب النعم والمستورين وأجناس الناس ليس فيهم أحد من الجيش ، ولا من الحاشية ، ولا من المتصرّفين في الأعمال ، فحسن له عليّ بن صالح الروذبادي الكاتب ، أن يوفر من مال الرواتب شيئا ينتقصه من أرزاق الناس ، فساعة جلس يعمل حكه جبينه ، فحكه بقلمه

١٨٦

والحكاك يزيد به إلى أن قطع العمل ، وقام لما به ، فعولج حينئذ بالحديد حتى مات في رمضان سنة سبع وأربعين وثلثمائة ، وهذه موعظة من الله لمن توسط للناس بالسوء ، قال تعالى : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [فاطر / ٤٣].

ولما مات كافور نزلت محن شديدة كثيرة بمصر من الغلاء والفناء والفتن ، فاتضع خراجها إلى أن قدم جوهر القائد من بلاد المغرب بعساكر مولاه ، المعز لدين الله أبي تميم معدّ ، فجبى الخراج لسنة ثمان وخمسين وثلثمائة ثلاثة آلاف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار ونيفا ، وأمر الوزير الناصر للدين أبو الحسين عبد الرحمن اليازوري وزير مصر ، في خلافة المستنصر بالله بن الظاهر أن يعمل قدر ارتفاع الدولة ، وما عليها من النفقات ، فعمل أرباب كل ديوان ارتفاعه ، وما عليه وسلّم الجميع لمتولي ديوان المجلس ، وهو زمام الدواوين ، فنظم عليه عملا جامعا وأتاه به ، فوجد ارتفاع الدولة ألفي ألف دينار منها ، الشام ألف ألف دينار ، ونفقاته بإزاء ارتفاعه ، والريف وباقي الدولة ألف ألف دينار. قال القاضي أبو الحسن في كتاب المنهاج في علم الخراج : وقفت على مقايسة عملت لأمير الجيوش ، بدر الجمالي (١) حين قدم مصر في أيام الخليفة المستنصر وغلب على أمرها ، وقهر من كان بها من المفسدين شرح فيها أن الذي اشتمل عليه الارتفاع في الهلاليّ لسنة ثلاث وثمانين وأربعمائة ، وفي الخراجيّ على ما يقتضيه الديوان فيه ، مما كان جاريا في الأعمال المصرية من الخراج ، وما يجري معه ، والمضمون والمقطع والمورد بغيره والمحلول بالقاهرة ومصر وضواحيهما وناحيتي الشرقية والغربية من أسفل الأرض ، وأعمالها وتنيس ودمياط وأعمالها والإسكندرية والبحيرة والأعمال الصعيدية العالية ، والدانية وواحات ، وعيذاب لسنة ثمانين وأربعمائة الخراجية على الرسوم المصرية ، وما كان من الأعمال الشامية التي أوّلها من حدّ الشجرتين ، وهو أوّل الأعمال الفلسطينية والأعمال الطبرابلسية ولسنة ثمان وسبعين وأربعمائة الخراجية على ما استقرّت عليه الجملة عينا ثلاثة آلاف ألف ومائة ألف دينار ، وإن الذي استقرّ عليه جملة ما كان يتأدّى في سنة ست وستين وأربعمائة الهلالية قبل نظر أمير الجيوش الموافقة لسنة ثلاث وستين وأربعمائة الخراجية ، فكان مبلغها ألفي ألف وثمانمائة ألف دينار ، وكان الزائد للسنة الجيوشية عما قبلها ثلثمائة ألف دينار ، مما أعرب عنه حسن العمارة ، وشمول العدل ، وكان نظم هذه المقايسة سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة.

وذكر ابن ميسر : أن الأفضل بن أمير الجيوش أمر بعمل تقدير ارتفاع ديار مصر ، فجاء خمسة آلاف ألف دينار.

__________________

(١) بدر الجمالي : ولد سنة ٤٠٥ ه‍ أصله من أرمينية اشتراه ابن عمار وتقدم في الخدمة حتى ولي إمارة دمشق للمستنصر الفاطمي سنة ٤٥٥ ه‍ ثم استدعاه إلى مصر وقلده وزارة السيف والقلم وأصبح أمير الجيوش ، توفي بالقاهرة سنة ٤٨٧ ه‍. الأعلام ج ٢ / ٤٥.

١٨٧

وذكر القاضي الفاضل في مياوماته : أنه عبر البلاد من إسكندرية إلى عيذاب لسنة خمس وثمانين وخمسمائة خارجا عن الثغور ، وأرباب الأموال الديوانية ، وعدّة نواح أربعة آلاف ألف وستمائة ألف وثلاثة وخمسين ألفا وتسعة وعشرين دينارا ، ثم تقاصرت إلى أن جباها القاضي الموفق أبو الكرم بن معصوم العاصميّ التنيسيّ ، عينا خالصا إلى بيت المال بعد المؤن ، والكلف ألف ألف دينار ، ومائتي ألف دينار إلى آخر سنة أربعين وخمسمائة ، ثم بعده لم يجبها هذه الجباية أحد حتى انقرضت الدولة الفاطمية.

وسبب اتضاع خراج مصر ، بعد ما بلغ مع الروم في آخر سنة ملكوا قبل فتح مصر عشرين ألف ألف دينار ، أن الملوك لم تسمح نفوسهم بما كان ينفق في كلف عمارة الأرض ، فإنها تحتاج أن ينفق عليها ما بين ربع متحصلها إلى ثلثه ، وآخر ما اعتبر حال أرض مصر ، فوجد مدّة حرثها ستين يوما ، ومساحة أرضها مائة ألف ألف وثمانين ألف ألف فدّان ، يزرع منها في مباشرة ابن مدبر أربعة وعشرون ألف ألف فدّان ، وإنه لا يتم خراجها ، حتى يكون فيها أربعمائة ألف وثمانون ألف حرّاث يلزمون العمل فيها دائما ، فإذا أقيم بها هذا القدر من العمال في الأرض تمت عمارتها ، وكمل خراجها ، وآخر ما كان بها مائة ألف وعشرون ألف مزارع في الصعيد ، سبعون ألفا ، وفي أسفل الأرض خمسون ألفا ، وقد تغير الآن جميع ما كان بها من الأوضاع القديمة ، واختلت اختلالا فاضحا.

ذكر أصناف أراضي مصر وأقسام زراعتها

اعلم أن أراضي مصر عدّة أصناف : أعلاها قيمة وأوفاها سعرا وأعلاها قطيعة الباق (١) ، وهو : أثر القرط ، والمقاثي (٢) فإنه يصلح لزراعة القمح ، وبعد الباق ري الشراقي ، وهو الأرض التي ظمئت في الخالية ، فلما رويت في الآتية ، وصارت مستريحة من الزرع ، وزرعت أنجب زرعها ، والبرايب ، وهو أثر القمح والشعير وسعرها دون الباق لضعف الأرض بزراعة هذين الصنفين ، فمتى زرعت على أثر أحدهما لم ينجب كنجابة الباق ، والبرايب صالح لزراعة القرط والقطاني والمقاثي ، فإن الأرض تستريح بزراعة هذه الأصناف وتصير في القابل أرض باق ، والسقماهية أثر الكتان فإن زرعت قمحا خسر ، والشتونية أثر ما روي ، وبار في السنة الماضية ، وهو دون الشراقي ، والسلايح ما روي وبار فحرث وتعطل ، وهو مثل ريّ الشراقي فإن زرعه يكون ناجبا والنقا : كل أرض خلت من أثر ما زرع فيها ، ولم يبق بها شاغل عن قبول ما يزرع فيها من أصناف الزراعات ، والوسخ : كل أرض استحكم وسخها ، ولم يقدر الزارعون على إزاحته كله منها بل حرثوا ، وزرعوا فيها فجاء

__________________

(١) الباق : أثر القرط والقطاني والمقاثي. صبح الأعشى ٣ / ٥١٧.

(٢) المقاثي : من القثاء ، وهو عبارة عن الخيار والعجور والفقوس. صبح الأعشى ٢ / ٤١٢.

١٨٨

زرعها مختلطا بالحلفاء ونحوها ، والغالب كل أرض حصل فيها نبات شغلها عن قبول الزراعة ، ومنع كثرته من زراعتها ، وصارت مراعي ، والخرس : كل أرض فسدت بما استحكم فيها من موانع قبول الزرع وكانت بها مراع وهو أشدّ من الوسخ الغالب ، وإذا أدمن على إزالة ما فيها من الموانع تهيأ صلاحها ، والشراقي : كل أرض لم يصل إليها الماء إما لقصور ماء النيل أو علوّ الأرض ، أو سدّ طريق الماء عنها ، أو غير ذلك ، والمستبحر : كل أرض وطيئة حصل بها الماء ، ولم يجد مصرفا حتى فات أوان الزرع ، وهو باق في الأرض ، والسباخ : كل أرض غلب عليها الملح حتى ملحت ، ولم ينتفع بها في زراعة الحبوب ، وربما زرعت ما لم يستحكم السباخ فيها غير الحبوب كالهليون والباذنجان ، ويزرع فيها القصب الفارسي.

ومما لا غنى لأراضي مصر عنه الجسور وهي على قسمين : سلطانية وبلدية.

فالجسور السلطانية : هي العامة النفع في حفظ النيل على البلاد كافة إلى حين يستغني عنه ولها رسوم موظفة على الأعمال الشرقية ، والأعمال الغربية ، وكانت في القديم تعمل من أموال النواحي ويتولى عملها مستقبلو الأراضي ، ويعتدّ لهم بما صرف عليها مما عليهم من قبالات الأراضي ، ثم صار بعد ذلك يستخرج برسم عملها من هذين العملين ، مال بأيدي المستخدمين من الديوان ، ويصرف عليها ويفضل من المال بقية تحمل إلى بيت المال ، ثم صار يتولى ذلك أعيان أمراء الدولة إلى أن حدثت الحوادث في أيام الناصر فرج ، فصار يجبي من البلاد مال عظيم ، ولا يصرف منه شيء البتة ، بل يرفع إلى السلطان ، ويتفرّق كثير منه بأيدي الأعوان ، ويسخر أهل البلاد في عمل الجسور ، فيجيء الخلل كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى عند ذكر أسباب الخراب.

وأما الجسور البلدية : فإنها عبارة عما يخص نفعها ناحية دون ناحية ، ويتولى إقامتها المقطعون والفلاحون من أصل مال الناحية. ومحل الجسور السلطانية من القرى محل سور المدينة الذي يتعين على السلطان الاهتمام بعمارته ، وكفاية الرعية أمره. ومحل الجسور البلدية ، محل الدوز التي من داخل السور ، فيلزم صاحب كل دار أن يصلحها ، ويزيل ضررها ومن العادة أن المقطع إذا انفصل وكان قد أنفق شيئا من مال إقطاعه في إقامة جسر لأجل عمارة السنة التي انتقل الإقطاع عنه فيها ، فإن له أن يستعيد من المقطع الثاني نظير ما أنفقه من مال سنته في عمارة سنة غيره.

وأصلح ما زرع القمح في أثر الباق والشراقي ، وكان يزرع بالصعيد القمح على أثر القمح لكثرة الطرح ، وربما زرع هناك على أثر الكتان والشعير ، ويزرع القمح من نصف شهر بابه إلى آخر هتور ، وهذا في العوالي من الأرض التي تخرج بدريا.

وأما البحائر المتأخرة : فيمتدّ وقت الزرع فيها إلى آخر كيهك ، ومقدار ما يحتاج إليه

١٨٩

الفدّان الواحد من بذر القمح يختلف بحسب قوّة الأرض وضعفها ورقتها وتوسطها وما يزرع في اللوق وما يزرع في الحرث ، وأكثر البذر من أردب إلى خمس ويبات وأربع ويبات أيضا.

ويوجد في الصعيد أراض تحتمل دون هذا وفي حوف رمسيس أراض يكفي الفدّان منها نحو الويبتين ، ويدرك الزرع بمصر في بشنس وهو نيسان ، ويختلف ما يخرج من فدّان القمح بحسب الأراضي فيرمي من أردبين إلى عشرين أردبا.

وقال أبو بكر بن وحشية في كتاب الفلاحة : وذكر أن في مصر إذا زرعوا يخرج من المدّ ثلثمائة مدّ ، والعلة في ذلك حرارة هواء بلادهم مع سمن أرضهم ، وكثرة كدورة ماء النيل.

ولما كان في سنة ست وثمانمائة انحسر الماء عن قطعة أرض من بركة الفيوم التي يقال لها اليوم : بحر يوسف ، فزرعت وجاء زرعها عجيبا رمى الفدّان منها ، أحدا وسبعين أردبا من شعير بكيل الفيوم ، وأردبها تسع ويبات ، وكانت قطيعة فدّان القمح ببلاد الصعيد في أيام الفاطمية : ثلاثة أرادب ، فلما مسحت البلاد في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة تقرّر على كل فدّان أردبان ونصف ، ثم صار يؤخذ أردبان عن الفدّان.

وأما أراضي أسفل الأرض فيأخذ عنها لا غلة ، ويزرع الشعير في أثر القمح وغيره في الأرض التي غرقت وهي رطبة ، ويتقدّم زراعته على زراعة القمح بأيام ، وكذلك حصاده ، فإنه يحصد قبل القمح ، ويحتاج الفدّان منه أن يبذر فيه بحسب الأرض ويخرج أكثر من القمح ويكون إدراكه في برموده وهو أذار.

ويزرع الفول في الحرث إثر البرايب ، من أوّل شهر بابه ويؤكل وهو أخضر في شهر كيهك ، ويحتاج الفدّان من البذر منه إلى ثلاث ويبات ونحوها ، ويدرك في برموده ، ويتحصل من فدّانه ، ما بين عشرين أردبا إلى ما دون ذلك.

ويزرع العدس والحمص من هتور إلى كيهك ، والجلبان لا يزرع إلا في أرق الأراضي حرثا من الأرض العالية ، ويزرع تلويقا في الأراضي الخرس ، ويبذر في كل فدّان من الحمص من أردب إلى ثمان ويبات ، ومن الجلبان : من أردب إلى أربع ويبات ، ومن العدس ، من ويبتين إلى ما دونهما ، وتدرك هذه الأصناف في برموده ، ويتحصل من فدّان الحمص من أربعة أرادب إلى عشرة ، ومن الجلبان ، من عشرة أرادب إلى ما دونها ، والعدس من عشرين أردبا فما دونها.

وأنجب ما يكون الكتان ذا زرع في البرش (١) ، ويحتاج أن يسبخ بتراب سباخ ، وهو إذا

__________________

(١) البرش : حرث الأرض بعد أن كانت مزروعة ويعبر به عن أثر المقات. الأعشى ٣ / ٥١٧.

١٩٠

طال رقد ، ويقلع قضبانا ويسمى حينئذ : أسلافا وينشر في موضعه حتى يجف ، فإذا جف حمل وهدر وعزل جوزه ، فيخرج منه بزر الكتان ، ويستخرج منه الزيت الحار ، ويزرع الكتان في شهر هتور ، ويحتاج الفدّان أن يبذر فيه من البزر ما بين أردب وثلث إلى ما دون ذلك ، ويدرك في شهر برموده ، ويخرج من الفدّان ما بين ثلاثين شدّة إلى ما دون ذلك ، ومن البزر من ستة أرادب إلى ما دونها ، وكانت قطيعة الفدّان منه في القديم بأرض الصعيد ، من خمسة دنانير إلى ثلاثة ، وفي دلاص ثلاثة عشر دينارا ، وفيما عدا ذلك ثلاثة دنانير.

ويزرع القرط (١) عند أخذ ماء النيل في النقصان ، ولا ينبغي تأخير زرعه إلى أوان هبوب الريح الجنوبية التي يقال لها : المريسية وأوّل ما يبذر في شهر بابه ، وربما زرع بعد النوروز ، والحراثيّ منه ، يزرع في كيهك وطوبة ، ويزرع أحيانا في هتور ويبذر في كل فدّان من ويبتين ونصف إلى ما حولها ، ويدرك الأخضر منه في آخر شهر كيهك ، ويدرك الحراثي في طوبة وأمشير ، ويتحصل من الفدّان الحراثيّ ما بين أردبين إلى أربع ويبات.

ويزرع البصل والثوم من شهر هتور إلى نصف كيهك ، ويبذر في فدّان البصل ، من نصف وربع ويبة إلى ويبة ، والثوم من مائة حزمة إلى مائة وخمسين حزمة ، ويدرك ذلك في برموده ، والبصل الذي يخرج ليزرع زريعة فإنه يزرع من أوّل كيهك إلى العاشر من طوبة ، ويخرج من زريعته ، عشرة أرادب من الفدّان ويدرك في بشنس.

ويزرع الترمس في طوبة وزريعته لكل فدّان أردب ، ويدرك في برموده ، ويتحصل من الفدّان ما بين عشرين أردبا إلى ما دونها ، وهذه هي الأصناف الشتوية.

وأما الأصناف الصيفية : فإنّ البطيخ واللوبيا يزرعان من نصف برمهات إلى نصف برموده ، ويزرع في الفدّان قدحان ويدرك في بشنس ، ويزرع السمسم في برموده وزريعته ربع ويبة للفدّان ، ويدرك في أبيب ومسري ، ويتحصل من الفدّان ما بين أردب إلى ستة أرادب.

ويزرع القطن في برموده وزريعته أربع ويبات حب للفدّان ، ويدرك في توت فيخرج من الفدّان ، من ثمانية قناطير بالجرويّ إلى ما دونها.

ويزرع قصب السكر من نصف برمهات في أثر الباق والبرش وتبرش أرضه سبع سكك ، وأنجبه ما تكامل له ثلاث غرقات قبل انقضاء شهر بشنس ، ومقدار زريعته ثمن فدّان وما حوله لكل فدّان ، ويحتاج القصب إلى أرض جيدة دمثة قد شملها الريّ ، وعلاها ماء النيل ، وقلع ما بها من الحلفاء ونظفت ، ثم برشت بالمقلقلات وهي محاريث كبار ستة

__________________

(١) القرط : نبات عشبي حولي يشبه البرسيم. الأعشى ٢ / ٤١٢.

١٩١

وجوه ، وتجرّف حتى تتمهد ، ثم تبرش ستة وجوه أخرى وتجرّف ، ومعنى البرش : الحرث. فإذا صلحت الأرض وطابت ونعمت وصارت ترابا ناعما ، وتساوت بالتحريف شقت حينئذ بالمقلقلات ويرمي فيها القصب قطعتين ، قطعة مثناة ، وقطعة مفردة بعد أن تجعل الأرض أحواضا وتفرز لها جداول يصل الماء إلى الأحواض ، ويكون طول كل قطعة من القصب ثلاثة أنابيب كوامل ، وبعض أنبوبة من أعلى القطعة وبعض أخرى من أسفلها ، ويختار ما قصرت أنابيبه وكثرت كعوبه من القصب ويقال لهذا الفعل : النصب ، فإذا كمل نصب القصب أعيد التراب عليه ، ولا بدّ في النصب أن تكون القطعة ملقاة لا قائمة ، ثم يسقي من حين نصبه في أوّل فصل الربيع لكل سبعة أيام مرّة فإذا أنبت القصب ، وصار أوراقا ظاهرة نبتت معه الحلفاء والبقلة الحمقاء التي يسميها أهل مصر ، الرجلة ، فعند ذلك تعزق أرضه ، ومعنى العزاق : أن تنكش أرض القصب ، وينظف ما نبت مع القصب ولا يزال يتعاهد ذلك حتى يغزر القصب ويقوى ويتكاثف ، فيقال عند ذلك : طرد القصب عزاقه فإنه لا يمكن عزاق الأرض ، ولا يكون هذا حتى يبرز الأنبوب منه ، ومجموع ما يسقي بالقادوس ثمانية وعشرون ماء ، والعادة أن الذي ينصب من الأقصاب على كل مجال بحرانيّ أي مجاور للبحر إذا كانت مزاحة الغلة بالأبقار الجياد مع قرب رشا الآبار ثمانية أفدنة ، ويحتاج إلى ثمانية أرؤس بقر ، فإن كانت الآبار بعيدة عن مجرى النيل لا يمكن حينئذ أن يقوم المجال بأكثر من ستة أفدنة إلى أربعة ، فإذا طلع النيل وارتفع سقى القصب عند ذلك ماء الراحة.

وصفة ذلك أن يقطع عليه من جانب جسر يكون قد أدير عليه ليقيه من الغرق عند ارتفاع النيل بالزيادة فيدخل الماء من ثلمه في ذلك الجسر حتى يعلو على أرض القصب نحو شبر ثم يسدّ عنه الماء حتى لا يصل إليه ، ويترك الماء فوق الأرض قدر ساعتين أو ثلاث إلى أن يسجن ، ثم يصرف من جانب آخر حتى ينضب كله ويجدّد عليه ماء آخر كذلك فيتعاهد ما ذكرنا مرارا في أيام متفرّقة بقدر معلوم ، ثم يفطم بعد ذلك فإذا عمل ما قلناه وفي القصب حقه ، فإن نقص عن ذلك حصل فيه الخلل ، ولا بدّ للقصب من القطران قبل أن يحلو حتى لا يسوّس ، ويكسر القصب في كيهك ولا بدّ من حرق آثار القصب بالنار ثم سقيه وعزقه كما تقدّم ، فينبت قصبا يقال له : الخلفة ، ويسمى الأوّل : الرأس ، وقنود الخلفة أجود غالبا من قنود الرأس ، ووقت إدراك الرأس في طوبة ، والخلفة في نصف هتور ، وغاية إدارة معاصر القصب إلى النوروز ، ويحصل من الفدّان ، ما بين أربعين أبلوجة قند إلى ثمانين أبلوجة ، والأبلوجة تسع قنطارا فما حوله.

ويزرع القلقاس مع القصب ، ولكل فدّان عشرة قناطير قلقاس جروية ويدرك في هتور.

ويزرع الباذنجان في برمهات وبرموده وبشنس وبؤونة ويدرك من بؤونة إلى مسرى.

وتزرع النيلة من بشنس ، والزريعة للفدّان ويبة ويدرك من أبيب.

١٩٢

ويزرع الفجل طول السنة وزريعة الفدّان من قدح واحد إلى قدحين.

ويزرع اللفت في أبيب وزريعة الفدّان قدح واحد ، ويدرك بعد أربعين يوما.

ويزرع الخس في طوبة شتلا ، ويؤكل بعد شهرين.

ويزرع الكرنب في توت شتلا ويدرك في هتور.

ويغرس الكرم في أمشير نقلا وتحويلا.

ويغرس التين والتفاح في أمشير.

ويقلم التوت في برمهات.

ويغرس ويبلّ اللوز والخوخ والمشمش في ماء طوبة ثلاثة أيام ، وهي قضبان ، ثم يغرس ويحوّل شجرها في طوبة.

ويزرع نوى التمر ثم يتحوّل وديا فينقل.

ويدفن بصل النرجس في مسرى.

ويزرع الياسمين في أيام النسيء وفي أمشير.

ويزرع المرسين (١) في طوبة وأمشير غرسا.

ويزرع الريحان في برموده.

ويزرع حب المنثور في أيام النيل.

ويزرع الموز الشتويّ في طوبة والصيفيّ في أمشير.

ويحوّل الخيار شنبر في برمهات.

وتقلم الكروم على ريح الشمال إلى ليال من برمهات حتى تخرج العين منها.

وتقلم الأشجار في طوبة وأمشير إلا السدر ، وهو شجر النبق فإنه يقلم في برمودة.

وتسقي الأشجار في طوبة ماء واحدا ويسمونه ماء الحياة ، وتسقي في أمشير ثانيا عند خروج الزهر ، وتسقي في برمهات ماءين آخرين إلى أن ينعقد التمر ، وتسقي في بشنس ثلاث مياه وتسقي في بؤونة وأبيب ومسرى ماء في كل سبعة أيام ، وتسقي في توت وبابة مرّة واحدة تغريقا من ماء النيل ، وتسقي في هتور من ماء النيل بتغريق المساطب ، ويسقي البعل

__________________

(١) المرسين : نبات عطري من الرياحين.

١٩٣

من الكروم في هتور من ماء النيل مرّة واحدة تغريقا.

وجميع أراضي مصر تقاس بالفدّان ، وهو عبارة عن أربعمائة قصبة حاكمية طولا في عرض قصبة واحدة ، والقصبة ستة أذرع وثلثا ذراع بذراع القماش ، وخمسة أذرع بذراع النجار تقريبا.

وقال القاضي أبو الحسن في كتاب المنهاج : خراج مصر قد ضرب على قصبة في المساحة اصطلح عليها زرع المزارع على حكمها ، وتكسير الفدّان أربعمائة قصبة لأنه عشرون قصبة طولا في عشرين قصبة عرضا وقصبة المساحة تعرف بالحاكمية ، وهي تقارب خمسة أذرع بالنجاري.

ذكر أقسام مال مصر

اعلم أن مال مصر في زمننا ينقسم قسمين : أحدهما يقال له : خراجيّ ، والآخر يقال له : هلاليّ. فالمال الخراجيّ : ما يؤخذ مسانهة من الأراضي التي تزرع حبوبا ونخلا وعنبا وفاكهة ، وما يؤخذ من الفلاحين هدية مثل الغنم والدجاج والكشك وغيره من طرف الريف.

والمال الهلاليّ عدّة أبواب ، كلها أحدثوها ولاة السوء شيئا بعد شيء ، وأصل ذلك في الإسلام أن أمير المؤمنين ، عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه ، بلغه أن تجارا من المسلمين يأتون أرض الجند ، فيأخذون منهم العشر ، فكتب إلى أبي موسى الأشعريّ ، وهو على البصرة أن خذ من كل تاجر يمرّ بك من المسلمين من كل مائتي درهم خمسة دراهم ، وخذ من كل تاجر من تجار العهد ، يعني أهل الذمة من كل عشرين درهما درهما ، ومن تجار الحرب ، من كل عشرة دراهم درهما ، وقيل لابن عمر : كان عمر يأخذ من المسلمين العشر ، قال : لا ، ونهى عمر بن عبد العزيز عن ذلك ، وكتب : ضعوا عن الناس هذه المكوس فليس بالمكس ، ولكنه النجس.

وروي أن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه أتاه ناس من أهل الشام فقالوا : أصبنا دواب وأموالا فخذ منها صدقة تطهر نابها ، فقال : كيف أفعل ما لم يفعل من كان قبلي؟ وشاور ، فقال عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه : لا بأس به إن لم يأخذه من بعدك ، فأخذ عن العبد عشرة دراهم ، وكذلك عن الفرس وعن الهجين ثمانية ، وعن البرذون والبغل خمسة.

وأوّل من وضع على الحوانيت الخراج في الإسلام أمير المؤمنين أبو عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور في سنة سبع وستين ومائة وولي ذلك سعيد الجرسي.

وأوّل من أحدث مالا سوى مال الخراج بمصر أحمد بن محمد بن مدبر لما ولي خراج مصر بعد سنة خمسين ومائتين ، فإنه كان من دهاة الناس ، وشياطين الكتاب ، فابتدع في مصر بدعا صارت مستمرّة من بعده لا تنقض ، فأحاط بالنطرون وحجر عليه بعد ما كان مباحا

١٩٤

لجميع الناس ، وقرّر على الكلأ الذي ترعاه البهائم مالا سماه المراعي ، وقرّر على ما يطعم الله من البحر مالا وسماه المصايد إلى غير ذلك ، فانقسم حينئذ مال مصر إلى خراجيّ وهلاليّ ، وكان الهلاليّ يعرف في زمنه وما بعده : بالمرافق والمعاون ، فلما ولي الأمير أبو العباس أحمد بن طولون إمارة مصر ، وأضاف إليه أمير المؤمنين المعتمد على الله الخراج والثغور الشامية ، رغب وتنزه عن أدناس المعاون والمرافق ، وكتب بإسقاطها في جميع أعماله ، وكانت تبلغ بمصر خاصة ، مائة ألف دينار في كل سنة ، وله في ذلك خبر فيه أكبر معتبر قد ذكرته عند ذكر أخبار الجامع الطولوني من هذا الكتاب ، ثم أعيدت الأموال الهلالية في أثناء الدولة الفاطمية عند ما ضعفت ، وصارت تعرف : بالمكوس.

فلما استبدّ السلطان الناصر صلاح الدين أبو المظفر يوسف بن أيوب بملك مصر ، أمر بإسقاط مكوس مصر والقاهرة. فكتب عنه القاضي الفاضل مرسوما بذلك ، وكان جملة ذلك في كل سنة : مائة ألف دينار.

تفصيلها : مكس البهار وعمالته : ثلاثة وثلاثون ألفا وثلثمائة وأربعة وستون دينارا ؛ مكس البضائع والقوافل وعمالتها : تسعة آلاف وثلثمائة وخمسون دينارا ؛ منفلت الصناعة عن مكس البز الوارد إليها والنحاس والقزدير والمرجان والفاضلات : خمسة آلاف ومائة وثلاثة وتسعون دينارا ؛ الصادر عن الصناعة بمصر : ستة آلاف وستمائة وستة وستون دينارا ؛ سمسرة التمر : ثلثمائة دينار ؛ الفندق بالمنية عن مكس البضائع : ثمانمائة دينار وستة وخمسون دينارا ؛ رسوم دار القند : ثلاثة آلاف ومائة وثمانية دنانير ؛ رسوم الخشب الطويل والملح : ستمائة وستة وسبعون دينارا ؛ رسوم العلب المنسوبة إلى بلبيس والبوري : مائة دينار ؛ رسوم التفتيش بالصناعة عن البهار وغيره : مائتان وسبعة عشر دينارا ؛ خيمة أرمنت عن الوارد إليها : سبعة وستون دينارا ؛ فندق القطن : ألفا دينار ؛ سوق الغنم بالقاهرة ومصر والسمسرة وعبور الأغنام بالجيزة : ثلاثة آلاف وثلثمائة وأحد عشر دينارا ؛ عبور الأغنام والكتّان والأبقار بباب القنطرة : ألف ومائتا دينارا ؛ واجب ما ورد من الكتان الحطب إلى الصناعة : مائتا دينار ؛ رسوم واجب الغلات كالحبوب الواردة إلى الصناعة ، والمقس والمنية والجسر والتباين ، ومفالت جزيرة الذهب ، وطموه ومنبر الدرج : ستة آلاف دينار.

مكس ما يرد إلى الصناعة من الأغنام : ستة وثلاثون دينارا ؛ الأغنام البيتوتية ؛ اثنا عشر دينارا ؛ العرصة والسرسناوي بالجيزة ، ومكس الأغنام : مائة وتسعون دينارا ؛ منفلت الفيوم عما يرد من الكتان من القبلة ، ومن البضائع الواردة من الفيوم وغيره : أربعة آلاف ومائة وستون دينارا ؛ مكس الورق المجلوب إلى الصناعة ، ورسم التفتيش : مائتا دينارا ؛ الحصة بساحل الغلة والأقوات والرسائل : سبعمائة وثمانية وستون دينارا ؛ دار التفاح والرطب بمصر والعرصة بالقاهرة : ألف وسبعمائة دينار ؛ رسم ابن المليحي : مائتا دينار ؛ دار الجبن : ألف

١٩٥

دينار ؛ مشارفة الخزائن : مائتان وأربعون دينارا ؛ واجب الحلي الوارد من الوجه البحري ، والقطن : ألف وعشرون دينارا ؛ رسم سمسرة الصفا : ألف ومائتا دينار ؛ منفلت بالصعيد : مائة وأحد وستون دينارا ؛ خاتم الشرب والديبقي : ألف وخمسمائة دينار ؛ مكس الصوف : مائتا دينار ؛ نصف الموردة بساحل المقس : أربعة عشر دينارا ؛ دكة السمسار : ثلثمائة وخمسون دينارا ؛ منفلت العريف بالصناعة وحملة البهار والبضائع : مائتان وستة عشر دينارا ؛ الحلفاء الواردة من القبلة : مائة وخمسة وثلاثون دينارا ؛ الوقد والسرقين والطعم بدار التفاح ومنفلت القبلة بالتبانين والجسر : خمسة وثلاثون دينارا ؛ رسوم الصفا والحمراء ورسوم دار الكتان : ستون دينارا ؛ حماية الغلات بالمقس ودار الجبن : مائة وأربعون دينار ؛ الحلفاء الواردة على الجسر ومعدّية المقياس : مائة دينار ؛ خمس البرنية بالجيزة : عشرون دينارا ؛ تلّ التعريف بالصناعة : ثمانية وعشرون دينارا ؛ منفلت الغلات بمعدّية جزيرة الذهب : عشرة دنانير ؛ رسوم الحمام بساحل الغلة : خمسمائة وأربعة وثلاثون دينارا ؛ واجب الحناء الواردة في البرّ : ثمانمائة دينار ؛ واجب الحلفاء والقصاب : ثلاثة وستون دينارا ؛ مكس ما يرد من البضائع إلى المنية : مائة وأربعة وثمانون دينارا ؛ مسلخة شطنوف والبرانية : مائتا دينار ؛ سوق السكر : بين خمسون دينارا ؛ رسوم خيمة الجملي بالشارع وسوق وردان : تسعة عشر دينارا ؛ واجب الفحم الوارد إلى القاهرة : عشرة دنانير ؛ معدّية الجسر بالجيزة: مائة وعشرون دينارا ؛ خيمة البقري : أربعون دينارا ؛ الخيمة بدار الدباغة : تسعة عشر دينارا.

سمسمرة الحبس الجيوشي : ثلثمائة واثنا عشر دينارا ؛ دكان الدهن ومعصرة الشيرج والخل بالقاهرة : خمسمائة دينار ؛ الخل الحامض وما معه : أربعمائة دينار ؛ بيوت الغزل والمصطبة : ثلثمائة وخمسون دينارا ؛ ذبائح الأبقار : ألف دينار ؛ سوق السمك بالقاهرة ومصر : ألف ومائتا دينار ؛ رسوم الدلالة : ثلثمائة دينار ؛ سمسرة الكتان : ثلثمائة دينار ؛ رسوم حماية الصناعتين : أربعمائة دينار ؛ مربعة العسل : مائتان واثنان وثلاثون دينارا ؛ معادي جزيرة الذهب وغيرها : ثلثمائة دينار ؛ خاتم الشمع بالقاهرة : ثلاثة وستون دينارا ؛ زريبة الذبيحة : سبعمائة دينار ؛ معدّية المقياس وأنبابة : مائتا دينار ؛ حمولة السلجم : ثلثمائة وثلاثون دينارا ؛ دكة الدباغ : ثمانمائة دينار ؛ سوق الرقيق : خمسمائة دينار ؛ معمل الطبري : مائتان وأربعون دينارا ؛ سوق منبوية : مائة وأربعة وستون دينارا ؛ ذبائح الضأن بالجيزة ، ورسوم ساحل السنط : عشرة دنانير ؛ نخ السمك : خمسة دنانير ؛ تنور الشوي : مائة دينار ؛ نصف الرطل من مطابخ السكر : مائة وخمسة وثلاثون دينارا ؛ سوق الدواب بالقاهرة ومصر : أربعمائة دينار ؛ سوق الجمال : مائتان وخمسون دينارا ؛ قبان الحناء : ثلاثون دينارا ؛ واجب طاقات الأدم : ستة وثلاثون دينارا ؛ امنفلت الخام بالشاشيين : ثلاثة وثلاثون دينارا ؛ أنولة القصار : أربعون دينارا ؛ بيوت الفرّوج : ثلاثون دينارا ؛ الشعر والطارات : أربعة دنانير ؛ رسوم الصبغ والحرير : ثلثمائة وأربعة وثلاثون دينارا ؛ وزن الطفل : مائة وأربعون دينارا ؛

١٩٦

معمل المزر : أربعة وثمانون دينارا ؛ الفاخور بمصر والقاهرة : مائتان وستة وثلاثون دينارا.

وذكر ابن أبي طيّ : أن الذي أسقطه السلطان صلاح الدين والذي سامح به لعدّة سنين ، آخرها سنة أربع وستين وخمسمائة مبلغه عن نيف ألف ألف دينار وألفي ألف أردب ، سامح بذلك وأبطله من الدواوين ، وأسقطه عن المعاملين.

فلما ولي السلطان الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف ، أعاد المكوس وزاد في شناعتها.

قال القاضي الفاضل في متجدّدات سنة تسعين وخمسمائة ، وكان قد تتابع في شعبان أهل مصر والقاهرة في إظهار المنكرات ، وترك الإنكار لها ، وإباحة أهل الأمر والنهي لها ، وتفاحش الأمر فيها إلى أن غلا سعر العنب لكثرة من يعصره ، وأقيمت طاحون بحارة المحمودية لطحن حشيش المزر (١) ، وأفردت برسمه وحميت بيوت المزر ، وأقيمت عليها الضرائب الثقيلة ، فمنها ما انتهى أمره في كل يوم إلى ستة عشر دينارا ، ومنع المزر البيوتي ليتوفر الشراء من البيوت المحمية ، وحملت أواني الخمر على رؤوس الأشهاد ، وفي الأسواق من غير منكر ، وظهر من عاجل عقوبة الله عزوجل ، وقوف زيادة النيل عن معتادها ، وزيادة سعر الغلة في وقت ميسورها.

وقال في متجدّدات سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة ، وآل الأمر إلى وقوف وظيفة الدار العزيزية من خبز ولحم إلى أن يتحمل في بعض الأوقات لا كلها لبعض ما يتبلغ به من خبز ، وكثر ضجيجهم ، وشكواهم فلم يسمع. ووقف الحال فيما ينفق في دار السلطان ، وفيما يصرف إلى عياله ، وفيما يقتات به أولاده ، وما يغصب من أربابه ، وأفضى هذا إلى غلاء الأسعار ، فإنّ المتعيشين من أرباب الدكاكين يزيدون في أسعار المأكولات العامة بمقدار ما يؤخذ منهم للدار السلطانية ، فأفضى ذلك إلى النظر في المكاسب الخبيثة ، وضمن المزر والخمر باثني عشر ألف دينار.

وفسح في إظهار منكره والإعلان به والبيع له في القاعات والحوانيت ، مع قرب استهلال رجب ، وما استطاع أحد من العامة الإنكار لا باليد ولا باللسان ، وصار هذا السحت مما ينفرد السلطان به لنفقته وطعامه ، وانتقل مال الثغور ، ومال الجواليّ الحل الطيب إلى أن يصير حوالات لمن لا يبالي من أين أخذ المال ، ولا يفرّق بين الحرام والحلال ، وفي شهر رمضان : غلا سعر الأعناب لكثرة العصير منها ، وتظاهر به أربابه لتحكير تضمينه السلطانيّ ، واستيفاء رسمه بأيدي مستخدميه ، وبلغ ضمانه سبعة عشر ألف دينار ، وحصل منه شيء حمل إليه ، فبلغني أنه صنع به آلات للشراب ذهبيات وفضيات ، وكثر اجتماع

__________________

(١) المزر : نبيذ الشعير والحنطة والحبوب. الأعشى ٥ / ٢٦٥.

١٩٧

النساء والرجال في شهر رمضان لا سيما على الخليج لما فتح ، وعلى مصر لما زاد الماء وتلقى فيه النيل بمعاص نسأل الله أن لا يؤاخذنا بها ، وأن لا يعاقبنا عليها بجرأة أهلها.

وقال جامع السيرة التركية : ولما استقل الملك المعز عز الدين أيبك التركمانيّ الصالحيّ بمملكة مصر في سنة خمسين وستمائة ، بعد انقراض دولة بني أيوب استوزر شخصا من نظار الدواوين يعرف بشرف الدين هبة الله بن صاعد الفائزي ، أحد كتاب الأقباط ، وكان قد أظهر الإسلام من أيام الملك الكامل ، وترقى في خدمة الكتابة ، فقرّر في وزارته أموالا على التجار ، وذوي اليسار ، وأرباب العقار ، ورتب مكوسا وضمانات سموها : حقوقا ومعاملات.

ولما ولي الملك المظفر (١) سيف الدين قطز : مملكة مصر ، بعد خلعه الملك المنصور ، علّي بن المعز أيبك أحدث عند سفره الذي قتل فيه مظالم كثيرة لأجل جمع المال ، وصرفه في الحركة لقتال جموع التتر ، منها : تصقيع الأملاك ، وتقويمها وزكاتها ، وأحدث على كل إنسان دينارا يؤخذ منه ، وأخذ ثلث التركات الأهلية ، فبلغ ذلك ستمائة ألف دينار في كل سنة.

فلما قتل قطز وجلس الملك الظاهر ركن الدين بيبرس بعده على سرير الملك بقلعة الجبل ، أبطل ذلك جميعه ، وكتب به مساميح قرئت على المنابر ، ثم أبطل ضمان المزر وجهاته في سنة اثنتين وستين وستمائة.

وكتب وهو بالشام إلى الأمير عز الدين الحليّ نائب السلطنة بمصر : أن يبطل بيوت المزر ، ويعفي آثاره ، ويخرب بيوته ، ويكسر مواعينه ، ويسقط ارتفاعه من الديوان. فإنّ بعض الصالحين تحدّث معي في ذلك ، وقال : القمح الذي جعله الله تعالى يداس بالأرجل ، وقد تقرّبت إلى الله تعالى بإبطاله ، ومن ترك شيئا لله عوّضه خيرا منه ، ومن كان له على هذه الجهة شيء يعوّضه الله من المال الحلال ، فأبطل الحليّ ذلك ، وعوّض المقطعين عليه بدله.

وفي سنة ثلاث وستين أبطل حراسة النهار بالقاهرة ومصر ، وكانت جملة مستكثرة ، وكتب بذلك توقيعا ، وأبطل من أعمال الدقهلية والمرتاحية عن رسوم الولاية ، أربعة وعشرين ألف دينار ، وفي خامس عشري شهر رمضان سنة اثنتين وستين وستمائة ، قرىء بجامع مصر مكتوب بإبطال ما قرّر على رسوم ولاية مصر من الرسوم ، وهي مائة ألف درهم مصرية ، فبطل ذلك ، وأبطل ضمان الحشيش من ديار مصر كلها في سنة خمس وستين وستمائة.

__________________

(١) قطز : سيف الدين قطز بن عبد الله المعزي كان مملوكا للمعز أيبك وهو ثالث ملوك الترك المماليك بمصر والشام قتل سنة ٦٥٨ ه‍. الأعلام ج ٥ / ٢٠١.

١٩٨

وأمر بإراقة الخمور ، وإبطال المنكرات ، وتعفية بيوت المسكرات ، ومنع الخانات والخواطىء بجميع أقطار مملكة مصر والشام ، فطهرت من ذلك البقاع ، ولما وردت المراسيم بذلك على القاضي ناصر الدين أحمد بن المنير قال :

ليس لإبليس عندنا أرب

غير بلاد الأمير مأواه

حرفته الخمر والحشيش معا

حرّمتا ماؤه ومرعاه

وقال الأديب الفاضل أبو الحسين الجزار :

قد عطل الكوب من حبابه

وأخلى الثغر من رضابه

وأصبح الشيخ وهو يبكي

على الذي فات من شبابه

وفي تاسع جمادى الآخرة سنة ست وستين وستمائة ، أمر الملك الظاهر بيبرس بإراقة الخمور وإبطال الفساد ، ومنع النساء الخواطىء من التعرّض للبغاء من جميع القاهرة ومصر ، وسائر الأعمال المصرية ، فتطهرت أرض مصر من هذا المنكر ، ونهبت الخانات التي كانت معدّة لذلك ، وسلب أهلها جميع ما كان لها ، ونفى بعضهم ، وحبست النساء حتى يتزوّجن.

وكتب إلى جميع البلاد بمثل ذلك ، وحط المال المقرّر على البغايا من الديوان ، وعوّض الحاشية من جهات حلّ بنظيره ، وفي سابع عشر ذي الحجة سنة تسع وستين وستمائة ، أريقت الخمور ، وأبطل ضمانها ، وكان كل يوم ألف دينار ، وكتب توقيع بذلك قرىء على المنابر ، وافتتح سنة سبعين بإراقة الخمور ، والتشدّد في إزالة المنكرات ، وكان يوما مشهودا بالقاهرة ، وبلغه في سنة أربع وسبعين عن الطواشي شجاع الدين عنبر المعروف : بصدر الباز ، وكان قد تمكن منه تمكنا كثيرا أنه يشرب الخمر ، فشنقه تحت قلعة الجبل.

ولما ولي الملك المنصور سيف الدين قلاون الإلفي ، مملكة مصر أبطل زكاة الدولة ، وهو ما كان يؤخذ من الرجل عن زكاة ماله أبدا ، ولو عدم منه ، وإذا مات يؤخذ من ورثته ، وأبطل ما كان يجبى من أهل إقليم مصر كله إذا حضر مبشر بفتح حصن ، أو نحوه ، فيؤخذ من الناس بالقاهرة ومصر على قدر طبقاتهم ، ويجتمع من ذلك مال كثير ، وأبطل ما كان يجبى من أهل الذمة ، وهو دينار سوى الجالية برسم نفقة الأجناد في كل سنة ، وأبطل مقرّر جباية الدينار من التجار عند سفر العسكر والغزاة ، وكان يؤخذ من جميع تجار القاهرة ومصر من كل تاجر دينار ، وأبطل ما كان يجبى عند وفاء النيل مما يعمل به شوى وحلوى وفاكهة في المقياس ، وجعل مصر ذلك من بيت المال ، وأبطل أشياء كثيرة من هذا النمط.

وأبطل الملك الناصر ، محمد بن قلاون عدّة جهات قد ذكرت في الروك الناصريّ ،

١٩٩

وآخر ما أدركنا إبطاله ضمان الأغاني ، وضمان القراريط في سنة ثمان وسبعين وسبعمائة ، على يد الملك الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاون.

فأما ضمان الأغاني فكان بلاء عظيما ، وهو عبارة عن أخذ مال من النساء البغايا ، فلو خرجت أجلّ امرأة في مصر تريد البغاء حتى نزلت اسمها عند الضامنة ، وقامت بما يلزمها لما قدر أكبر أهل مصر على منعها من عمل الفاحشة ، وكان على النساء ، إذا تنفسن أو عرّسن امرأة أو خضبت امرأة يدها بحناء ، أو أراد أحد أن يعمل فرحا لا بدّ من مال بتقرير تأخذه الضامنة ، ومن فعل فرحا بأغان أو نفس امرأته من غير إذن الضامنة حلّ به بلاء لا يوصف.

وأما ضمان القراريط ، فإنه كان يؤخذ من كل من باع ملكا عن كل ألف درهم ، عشرون درهما ، وكان متحصل هاتين الجهتين مالا كثيرا جدّا.

وأبطل الملك الظاهر برقوق ، ما كان يؤخذ من أهل البرلس وشورى وبلطيم شبه الجالية في كل سنة ستين ألف درهم ، وأبطل ما كان على القمح من مكس ، يؤخذ من الفقراء بثغر دمياط ممن يبتاع من أردبين ، فما دونهما ، وأبطل ما كان يؤخذ مكسا من معمل الفرّوج بالنحريرية ، والأعمال الغربية ، وأبطل ما كان يؤخذ تقدمة لمن يسرح إلى العباسة من الخيل والجمال والغنم وغير ذلك ، وأبطل ما كان يؤخذ على الدريس والحلفاء بباب النصر خارج القاهرة ، وأبطل ضمان الأغاني بمنية ابن خصيب بأعمال الأشمونين ، وبزفتا بالأعمال الغربية ، وأبطل الأبقار التي كانت ترمي بالوجه البحري عند فراغ الجسور ، وأبطل الأمير بلبغا السالمي ، لما ولي استادار السلطان الملك الناصر فرج بن برقوق في سنة إحدى وثمانمائة تعريف الغلال بمنية ابن خصيب ، وضمان العرصة بها وأخصاص الغسالين ، وكانت من المظالم القبيحة ، وأبطل من القاهرة ضمان بحيرة البقر ، ثم أعاده القبط من بعده.

وقد بقيت إلى الآن من المكوس بقايا ، أخبرني الأمير الوزير المشير الإستادار بلبغا السالمي في أيام وزارته ، أن جهات المكوس بديار مصر تبلغ في كل يوم ، بضعا وسبعين ألف درهم ، وأنه اعتبرها فلم يجدها تصرف في شيء من مصالح الدولة ، بل إنما هي منافع للقبط وحواشيهم ، وكان قد عزم على إبطال المكوس فلم يمهل.

والمال الهلالي : عبارة عما يستأدي مشاهرة كأجر الأملاك المسقفة من الآدر والحوانيت والحمامات والأفران والطواحين ، وعداد الغنم والجهة الهوائية المضمونة والمحلولة ، وعدّ بعض الكتاب ، أحكار البيوت وريع البساتين التي تستخرج أجرها مشاهرة ومصايد السمك ومعاصر الشيرج والزيت في المال الهلالي.

٢٠٠