كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ١

تقي الدين احمد بن علي المقريزي

كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ١

المؤلف:

تقي الدين احمد بن علي المقريزي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٩

يشهد بصحة الملك رأسا ، ولا يستند في ذلك حجة ادّخرها احترازا عن مجاهدة سبيله ، واحتراسا. ولكن نحكم بما نراه من المصلحة للرعية والعدل الذي أقمنا مناره ، وأحيينا معالمه وآثاره مع الرغبة في عمارة البلاد ومصالح أحوالها ، واستنباط الأرضين الداثرة ، وإنشاء الغروس ، وإقامة السواقي بها أمرنا بكتب هذا المنشور ، وتلاوته بأعمال الصعيد الأعلى بإقرار جميع الأملاك والأرضين والسواقي بأيدي أربابها الآن من غير انتزاع شيء منها ، ولا ارتجاعه ، وأن يقرّر عليها من الخراج ما يجب تقريره ، ويشهد الديوان على أمثالهم بمثله إحسانا إليهم. لم نزل نتابع مثله ونواليه وإنعاما ما برحنا نعيده عليهم ونبديه ، وقد أنعمنا وتجاوزنا عما سلف ، ونهينا من يستأنف ، وسامحنا من خرج عن التعدّي إلى المألوف وجرينا على سننا في العفو والمعروف ، وجعلناها توبة مقبولة من الجماعة الجانين ، ومن عاد من الكافة أجمعين فلينتقم الله منه ، وطولب بمستأنفه وأمسه وبرئت الذمة من ماله ونفسه وتضاعفت عليه الغرامة والعقوبة ، وسدّت في وجهه أبواب الشفاعة والسلامة ، وقد فسحنا مع ذلك لكل من يرغب في عمارة أرض حلفاء داثرة ، وإدارة بئر مهجورة معطلة في أن يسلم إليه ذلك ، ويقاس عليه ، ولا يؤخذ منه خراج إلا في السنة الرابعة من تسليمه إياه ، وأن يكون المقرّر على كل فدّان ما توجبه زراعته لمثله خراجا مؤبدا وأمرا مؤكدا ، فليعتمد ذلك النوّاب ، وحكام البلاد ومن جرت العادة بحضوره عقد مجلس ، وإحضار جميع أرباب الأملاك والسواقي ، وإشعارهم ما شملهم من هذا الإحسان الذي تجاوز آمالهم في إجابتهم إلى ما كانوا يسألون فيه ، وتقرير ما يجب على الأملاك المذكورة من الخراج على الوضع الذي مثلناه ، ويجيز الديوان تقريره ويرضاه مع تضمين الأراضي الدائرة ، والآبار المعطلة لمن يرغب في ضمانها ونظم المشاريج بذلك وإصدارها إلى الديوان ليخلد فيه على حكم أمثالها بعد ثبوت هذا المنشور بحيث يثبت مثله قال : ولما سرت هذه المصالح إلى جميع أهل هذه الأعمال حصل الاجتهاد في تحصيل مال الديوان وعمارة البلاد.

واعلم أنه لم يكن في الدولة الفاطمية بديار مصر ولا فيما مضى قبلها من دول أمراء مصر لعساكر البلاد إقطاعات بمعنى ما عليه الحال اليوم في أجناد الدولة التركية ، وإنما كانت البلاد تضمن بقبالات معروفة لمن شاء من الأمراء ، والأجناد والوجوه وأهل النواحي من العرب والقبط ، وغيرهم لا يعرف هذه إلّا بذة التي يقال لها اليوم الفلاحة ، ويسمى المزارع المقيم بالبلد : فلاحا قرارا ، فيصير عبدا قنا لمن أقطع تلك الناحية إلا أنه لا يرجو قط أن يباع ولا أن يعتق بل هو قنّ ما بقي ، ومن ولد له كذلك.

بل كان من اختار زراعة أرض يقبلها كما تقدّم ، وحمل ما عليه لبيت المال ، فإذا صار مال الخراج بالديوان أنفق في طوائف العسكر من الخزائن ، وكان مع ذلك إذا انحط ماء النيل عن الأراضي ، وتعلقت نواحي مصر بأصناف الزراعات ندب من الحضرة من فيه نباهة ،

١٦١

وخرج معه عدول يوثق بهم ، وكانت لهم معرفة بعلم الخراج وكثيرا ما كان هذا الكاتب من النصارى الأقباط ويخرج إلى كل ناحية من ذكرنا ، فيحرّرون مساحة ما شمله الريّ من الأراضي مما لعله بار أو شرق.

ويكتب بذلك مكلفات واضحة بالفدن ، والقطائع على جميع الأصناف المزروعة ، ويحضر إلى دواوين الباب. فإذا مضى من السنة القبطية أربعة أشهر ندب من الأجناد من عرف بالحماسة وقوّة البطش ، وعين معه من الكتاب العدول من قد اشتهر بالأمانة ، وكاتب من نصارى القبط غير من خرج عند المساحة ، وساروا إلى كل ناحية. كذلك فاستخرج مباشر وأكل بلد ثلث ما وجب من مال الخراج على ما شهدت به المكلفات ، فإذا أحضر هذا الثلث صرف في واجبات العساكر ، وهكذا العمل في استخراج كل قسط طول الزمان من كل سنة ، وكانت تبقى في جهات الضمان والمتقبلين جملة بواق.

وكانت بلاد مصر إذ ذاك تقبل بعين وغلة وأصناف ، وقد عرف ذلك من نسخة المسموح الذي تضمن ترك البواقي في أيام الخليفة الآمر بأحكام الله ، ووزارة المأمون البطائحي ، ورأيت بخط الأسعد بن مهذب بن زكريا بن مماتي الكاتب المصري سألت القاضي الفاضل عبد الرحيم : كم كانت عدّة العساكر في عرض ديوان الجيش لما كان سيدنا يتولى ذلك في أيام رزيك بن الصالح؟ فقال : أربعين ألف فارس ونيفا وثلاثين ألف راجل من السودان.

وقال أبو عمرو عثمان النابلسي في كتاب حسن السريرة في اتخاذ الحصن بالجزيرة : أنّ ضرغاما لما ثار على شاور وفرّ شاور إلى السلطان نور الدين محمود بن زنكي بدمشق يستنجد به على ضرغام ، ويعده بأنه يكون نائبا عنه بمصر ، ويحمل إليه الخراج أنشأ لنور الدين عزما لم يكن ، فجهز ألف فارس ، وقدّم عليه أسد الدين شيركوه ، وأمره بالتوجه فأبى وقال : لا أمضي أبدا. فإنّ هلاكي ومن معي وسوء ما سمعه السلطان معلوم من هنا ، وكيف أمضي بألف فارس إلى إقليم فيه عشرة آلاف فارس ومائة سبهبد فيها عشرة آلاف مقاتل وأربعون ألف عبد ، وقوم مستوطنون في أوطانهم فرأيت حرابتهم ، ونحن نأتيهم من تعب السفر بهذه العدّة القليلة. قال : ثم أجابه بعد ذلك هذا أعزك الله بعد ما كانت عساكر أحمد بن طولون ما سنراه في ذكر القطائع إن شاء الله تعالى.

ثم ما كان من عساكر الأمير أبي بكر محمد بن طغج الإخشيد وهي على ما حكاه غير واحد ، منهم ابن خلكان : أنها كانت أربعمائة ألف ، ولما انقضت دولة الفاطميين بدخول الغز من بلاد الشام ، واستولى صلاح الدين يوسف بن أيوب على مملكة مصر ، تغير الحال بعض التغير لا كله.

قال القاضي الفاضل في متجدّدات سنة سبع وستين وخمسمائة في ثامن المحرّم :

١٦٢

خرجت الأوامر الصلاحية بركوب العساكر قديمها وجديدها بعد أن أنذر حاضرها وغائبها وتوافى وصولها ، وتكامل سلاحها وخيولها ، فحضر في هذا اليوم جموع شهد كل من علا سنه وقرطس (١) ظنه أن ملكا من ملوك الإسلام لم يحز مثلها ، وشاهدت رسل الروم والفرنج ما أرغم أنوف الكفرة ، ولم يتكامل اجتياز العساكر موكبا بعد موكب ، وطلبا بعد طلب.

والطلب بلغة الغز هو : الأمير المقدّم الذي له علم معقود ، وبوق مضروب ، وعدّة من مائتي فارس إلى مائة فارس إلى سبعين فارسا إلى أن انقضى النهار ، ودخل الليل ، وعاد ولم يكمل عرضهم ، وكانت العدّة الحاضرة مائة وسبعة وأربعين طلبا والغائب منها عشرون طلبا ، وتقدير العدّة يناهز أربعة عشر ألف فارس أكثرها طواشية ، والطواشي : من رزقه من سبعمائة إلى ألف إلى مائة وعشرين ، وما بين ذلك وله برك من عشرة رؤوس إلى ما دونها ما بين فرس ، وبرذون وبغل وجمل وله ، غلام يحمل سلاحه وقرا غلامية تتمة الجملة.

قال : وفي هذه السفرة عرض العربان الخدّامين ، فكانت عدّتهم سبعة آلاف فارس واستقرّت عدّتهم على ألف وثلثمائة فارس لا غير. وأخذ بهذا الحكم عشر الواجب ، وكان أصله ألف ألف دينار على حكم الاعتداد الذي يتأصل ولا يتحصل وكلف التغالبة ذلك ، فامتعضوا ولوّحوا بالتحيز إلى الفرنج.

وقال في متجدّدات شهر رجب سنة سبع وسبعين وخمسمائة ، استمر انتصاب السلطان صلاح الدين في هذه السنة للنظر في أمور الإقطاعات ، ومعرفة عبرها والنقص منها ، والزيادة فيها وإثبات المحروم وزيادة المشكور إلى أن استقرّت العدّة على ثمانية آلاف وستمائة وأربعين فارسا أمراء مائة وأحد عشر أميرا طواشية (٢) ستة آلاف وتسعمائة وستة وسبعون قراغلامية ألف وخمسمائة وثلاثون وخمسون ، والمستقرّ لهم من المال ثلاثة آلاف ألف وستمائة ألف وسبعون ألفا وخمسمائة دينار ، وذاك خارج عن المحلولين من الأجناد الموسومين بالجوالة على العشر ، وعن عدّة العربان المقطعين بالشرقية والبحيرة ، وعن الكاتبين والمصريين والفقهاء والقضاة والصوفية ، وعما يجري بالديوان ولا يقصر عن ألف ألف دينار.

وقال في متجدّدات سنة خمس وثمانين وخمسمائة أوراق بما استقر عليه عبر البلاد من إسكندرية إلى عيذاب إلى آخر الرابع والعشرين من شعبان سنة خمس وثمانين وخمسمائة خارجا عن الثغور وأبواب الأموال الديوانية والأحكار والحبس ومنفلوط ومنقباط ، وعدّة نواح أوردت أسماءها ولم يعين لها في الديوان عبرة من جملة أربعة آلاف ألف وستمائة ألف

__________________

(١) قرطس : أصاب.

(٢) الطواشية : جمع طواشي ، وهم المعروفون بالخدام وكان لهم في دولتهم المكانة الجليلة ومنهم أرباب الوظائف الخاصة بالخليفة وأجلّهم المحنكون. صبح الأعشى ٣ / ٥٥١.

١٦٣

وثلاثة وخمسين ألفا وتسعة عشر دينارا. بعدما يجري في الديوان العادلي السعيد وغيره عن الشرقية والمرتاحية والدقهلية وبوش وغير ذلك ، وهو ألف ألف ومائة ألف وتسعون ألفا وتسعمائة وثلاثة وعشرون دينارا.

تفصيل ذلك : الديوان العادلي : سبعمائة ألف وثمانية وعشرون ألفا ومائتان وثمانية وأربعون دينارا. الأمراء والأجناد المرسوم بإبقاء إقطاعاتهم بالأعمال المذكورة مائة ألف وثمانية وخمسون ألفا ومائتان وثلاثة دنانير. ديوان السور المبارك والأشراف : ثلاثة عشر ألفا وثمانمائة وأربعة دنانير ، العربان : مائتا ألف وأربعة وثلاثون ألفا ومائتان وستة وتسعون دينارا. الكنانية : خمسة وعشرون ألفا وأربعمائة واثنا عشر دينارا ، القضاة والشيوخ : سبعة آلاف وأربعمائة وثلاثة دنانير ، القيمارية والصالحية والأجناد المصريون : اثنا عشر ألفا وخمسمائة وأربعة دنانير ، الغزاة والعساقلة المركزة بدمياط وتنيس وغيرهم : عشرة آلاف وسبعمائة وخمسة وعشرون دينارا ، البارز : ثلاثة آلاف ألف وأربعمائة ألف واثنان وستون ألفا وخمسة وتسعون دينارا.

الوجه البحري : ألف ألف ومائة ألف واحد وخمسون ألفا وثلاثة وخمسون دينار (تفصيله) ضواحي ثغر الاسكندرية وثمانية وثلاثون دينارا ، ثغر رشيد : ألفا دينار ، البحيرة : مائة ألف وخمسة عشر ألفا وخمسمائة وستة وسبعون دينارا ، حوف رمسيس : اثنان وتسعون ألفا وأربعمائة وثلاثة دنانير ، فوّه والمزاحميتين : عشرة آلاف ومائة وخمسة وعشرون دينارا ، النبراوية : خمسة عشر ألفا وثلثمائة وخمسة دنانير ، جزيرة بني نصر : مائة ألف واثنا عشر ألفا وستمائة وستة وأربعون دينارا ، جزيرة قوسنينا : مائة ألف وثلاثون ألفا وخمسمائة واثنان وتسعون دينارا ، الغربية : ستمائة ألف وأربعة وسبعون ألفا وستمائة وخمسة دنانير ، السمنودية : مائتا ألف وخمسة وأربعون ألفا وأربعمائة وتسعة وسبعون دينارا ، الدنجاوية : ستة وأربعون ألفا ومائتا وأربعة وسبعون دينارا ، المنوفية : مائة ألف وثمانية وأربعون ألفا وثلثمائة وسبعة وأربعون دينارا.

الوجه القبلي : ألف ألف وستمائة وعشرة آلاف وأربعمائة وأحد وأربعون دينارا.

تفصيل ذلك : الجيزة : مائة ألف وثلاثة وخمسون ألفا ومائتان وأربعة دنانير ، الأفطيحية : تسعة وخمسون ألفا وسبعمائة وثمانية وعشرون دينارا ، البوصيرية : ستون ألفا وأربعمائة وستة وستون دينارا ، الفيومية : مائة ألف واثنان وخمسون ألفا وستمائة وأربعة وثلاثون دينارا ، البهنسية : ثلثمائة ألف واثنان وخمسون ألفا وستمائة وأربعة وثلاثون دينارا ، الواحات الداخلة ، والخارجتين ، وواح البهنسا : خمسة وعشرون ألف دينار ، الأشمونين : مائة ألف وسبعون ألفا وخمسمائة وأربعة دنانير ، الأخميمية : مائة ألف وثمانية آلاف وثمانمائة واثنا عشر دينارا ، الأعمال القوصية : ثلثمائة ألف واثنان وستون ألفا وخمسمائة

١٦٤

دينار ، ثغر أسوان : خمسة وعشرون ألف دينار ، ثغر عيذاب : يجري في غير هذا الديوان.

وقال في متجدّدات سنة ثمان وثمانين وخمسمائة : والذي انعقد عليه ارتفاع الديوان السلطانيّ ثلثمائة ألف وأربعة وخمسون ألفا وأربعة وأربعون دينارا ، والذي يميز زائد الارتفاع لسنة سبع وثمانين وخمسمائة على ارتفاع سنة ست وثمانين اثنان وعشرون ألفا وأربعمائة وخمسة وأربعون دينارا ، والذي انساق من البواقي للسنة المذكورة أحد وثلاثون ألفا وستمائة واثنان وعشرون دينارا والذي اشتمل عليه متحصل ديوان الخاص الملكي الناصري بالديار المصرية لسنة سبع وثمانين اثنان وعشرون ألفا وأربعمائة وخمسة وأربعون دينارا ؛ والذي انساق من البواقي للسنة المذكورة أحد وثلاثون ألفا وستمائة واثنان وعشرون دينارا والذي اشتمل عليه متحصل ديوان الخاص الملكي الناصري بالديار المصرية لسنة سبع وثمانين وخمسمائة ثلثمائة ألف وأربعة وخمسون ألفا وأربعمائة وأربعة وخمسون دينارا ونصف وثلث وثمن.

ذكر الروك الأخير الناصري (١)

وكان الجندي ، إقطاعه بمفرده ، وله تبع واحد من عشرين ألف درهم إلى ثلاثين ، وفيهم من إقطاعه خمسة عشر ألفا وأقلهم عشرة آلاف ، وذلك سوى الضيافة ، وبلغ خمسة آلاف درهم في الإقطاع الثقيل ، وكان الجنديّ يخرج إلى السكان بطوالة خيل ، ويخرج مقدّم الحلقة كأمير عشرة ، وتكون مضافته إذا نزل حوله ، وأكثرهم يأكل على سماطه ولا يمكن الأمير أن يأكل إلا وجميع أجناده معه ، ويأخذ غلمان أجناده كل يوم الطعام من مطبخه ، وإذا رأى نارا توقد سأل عنها فيقال : إن فلانا اشتهى كذا ، فيغضب ممن لا يأكل عنده ، ومع ذلك كانت أشكالهم بشعة وملابسهم غير خائلة.

فلما أفضت السلطنة إلى المنصور لاجين (٢) : راك (٣) البلاد وذلك أن أرض مصر كانت أربعة وعشرين قيراطا ، فيختص السلطان منها بأربعة قراريط ، ويختص الأجناد بعشرة قراريط ، ويختص الأمراء بعشرة قراريط ، وكان الأمراء يأخذون كثيرا من إقطاعات الأجناد فلا يصل إلى الأجناد منها شيء ، ويصير ذلك الإقطاع في دواوين الأمراء ، ويحتمي بها قطاع الطريق وتثور بها الفتن ، ويقوم بها الهوشات ويمنع منها الحقوق والمقرّرات الديوانية ،

__________________

(١) الروك الناصري : الروك معناه : مسح الأرض الزراعية لتقدير الخراج المستحق عليها لبيت المال. والروك الناصري منسوب إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون لأنه عمله سنة ٧١٦ ه‍. صبح الأعشى ٣ / ٥٠١.

(٢) المنصور لاجين : حسام الدين بن عبد الله المنصوري من ملوك دولة البحرية بمصر والشام وهو الحادي عشر من ملوك الترك ولد سنة ٦٣٥ ه‍ وتوفي سنة ٦٩٨ ه‍. الأعلام ج ٥ / ٢٣٨.

(٣) راك : قاس الأراضي ومسحها.

١٦٥

وتصير مأكلة لأعوان الأمراء ومستخدميهم ، ومضرّة على أهل البلاد التي تجاورها ، فأبطل السلطان ذلك ، وردّ تلك الإقطاعات على أربابها وأخرجها بأسرها من دواوين الأمراء.

وأوّل ما بدأ به ديوان الأمير سيف الدين منكوتمر نائب السلطنة ، فأخرج منه ما كان فيه من هذه الإقطاعات ، وكان يتحصل له منها مائة ألف أردب غلة في كل سنة ، واقتدى به جميع الأمراء ، وأخرجوا ما في إقطاعاتهم من ذلك فبطلت الحمايات ، وجعل السلطان في هذا الروك للأمراء والأجناد أحد عشر قيراطا ، وأفرد تسعة قراريط ليخدم بها عسكر أو يقطعهم إياها ثم رتب أوراقا بتكفية الأمراء والأجناد بعشرة قراريط ، ووفر قيراطا لزيادة من عساه يطلب زيادة لقلة متحصل إقطاعه ، وأفرد لخاص السلطان عدّة أعمال جليلة ، وأفرد للنائب منكوتمر لتفرقة المثالات في تابعيه ، فتنكرت قلوب الأمراء حتى كان من المنصور لاجين ، ونائبه منكوتمر ما كان.

فلما كانت الأيام الناصرية راك الناصر محمد البلاد ، قال جامع السيرة الناصرية : وفي سنة خمس عشرة وسبعمائة اختار السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون أن يروك الديار المصرية ، وأن يبطل منها مكوسا كثيرة ، ويفضل لخاص مملكته شيئا كثيرا من أراضي مصر ، وكان سبب ذلك أنه اعتبر كثيرا من أخباز المماليك والحاشية الذين كانوا للملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير ، والأمير سلار وسائر المماليك البرحية ، فإذا هي ما بين ألف دينار إلى ثمانمائة دينار ، وخشي من قطع أخباز المذكورين ، فولد له الرأي مع القاضي فخر الدين محمد بن فضل الله ناظر الجيش أن يروك ديار مصر ، ويقرّر إقطاعات مما يختار ، ويكتب بها مثالات سلطانية ، فتقدّم الفخر ، ناظر الجيش ، فعمل أوراقا بما عليه عبر النواحي ومساحتها.

وعين السلطان لكل إقليم من أقاليم ديار مصر أناسا ، وكتب مرسوما للأمير بدر الدين جيكل بن البابا أن يخرج لناحية الغربية ومعه أعزل الحاجب ومن الكتاب المكين بن فرويته ، وأن يخرج الأمير عز الدين إيدمر الخطيريّ إلى ناحية الشرقية ، ومعه الأمير ايتمش المجدي ، ومن الكتاب أمين الدولة ابن قرموط ، وأن يخرج الأمير بلبان الصرخدي والقليجي وابن طرنطاي ، وبيبرس الجمدار إلى ناحية المنوفية والبحيرة ، وأن يخرج البليلي والمرتيني إلى الوجه القبلي ، وندب معهم كتابا ومستوفين وقياسين ، فساروا إلى حيث ذكر ، فكان كل منهم إذا نزل بأوّل عمله طلب مشايخ كل بلد ودللائها وعدولها وقضاتها وسجلاتها التي بأيدي مقطعيها ، وفحص عن متحصلها من عين وغلة وأصناف ، ومقدار ما تحتوي عليه من الفدن ومزروعها وبورها ، وما فيها من ترايب وبواق وغرس ومستبحر ، وعبرة الناحية وما عليها لمقطعيها من غلة ودجاج وخراف وبرسيم وكشك وكعك ، وغير ذلك من الضيافة فإذا حرّر ذلك كله ابتدأ بقياس تلك الناحية وضبط بالعدول والقياسين وقاضي العمل ما يظهر بالقياس الصحيح ، وطلب مكلفات تلك القرية وغنداقها وفضل ما فيها من الخاص السلطاني وبلاد

١٦٦

الأمراء وإقطاعات الأجناد والرزق حتى ينتهي إلى آخر عمله.

ثم حضروا بعد خمسة وسبعين يوما وقد تحرّر في الأوراق المحضرة حال جميع ضياع أرض مصر ، ومساحتها وعبرة أراضيها وما يتحصل عن كل قرية من عين وغلة وصنف ، فطلب السلطان الفخر ناظر الجيش والتقيّ الأسعد بن أمين الملك المعروف بكاتب سرلغي وسائر مستوفي الدولة وألزمهم بعمل أوراق تشتمل على بلاد الخاص السلطاني التي عينها لهم ، وعلى إقطاعات الأمراء ، وأضاف على عبرة كل بلد ما كان على فلاحيها من ضيافة لمقطعيها وأضاف إلى العبرة ما في الإقطاع من الجوالي ، وكتب مثالات للأجناد بإقطاعات على هذا الحكم فاعتدّ منها بما كان يصرف في كلف حمل الغلال من النواحي إلى ساحل القاهرة ، وما كان عليها من المكس ، وأبطل السلطان عدّة مكوس : منها مكس ساحل الغلة ، وكان جلّ متحصل الديوان وعليه إقطاعات الأمراء والأجناد ويتحصل منه في السنة أربعة آلاف ألف وستمائة ألف درهم وعليه أربعمائة مقطع لكل منهم من عشرة آلاف إلى ثلاثة آلاف ولكل من الأمراء من أربعين ألف إلى عشرة آلاف ، وكانت جهة عظيمة لها متحصل كثير جدّا ، وينال القبط منها منافع كثيرة لا تحصى ، ويحلّ بالناس من ذلك بلاء شديد وتعب عظيم من المغارم والظلم. فإن مظالمها كانت تتعدّد ما بين نواتية (١) تسرق وكيالين تبخس وشادّين (٢) وكتاب يريد كل منهم شيئا ، وكان مقرّر الأردب : درهمين للسلطان ، ويلحقه نصف درهم غير ما ينهب ويسرق ، وكان لهذه الجهة مكان يعرف بخص الكيالة في ساحل بولاق يجلس فيه شاد وستون متعمما ما بين كتاب ومستوفين وناظر ، وثلاثون جنديا مباشرون ، ولا يمكن أحدا من الناس أن يبيع قدحا من غلة في سائر النواحي بل تحمل الغلات حتى تباع في خص الكيالة ببولاق.

ومما أبطل أيضا نصف السمسرة ، وهو عبارة عن أن من باع شيئا من الأشياء فإنه يعطي أجرة الدلال على ما تقرّر من قديم عن كل مائة درهم درهمين ، فلما ولي ناصر الدين الشيخي الوزارة قرّر على كل دلال من دلالته درهما من كل درهمين. فصار الدلال يعمل معدّله ويجتهد حتى ينال عادته وتصير الغرامة على البائع ، فتضرّر الناس من ذلك وأوذوا فلم يغاثوا حتى أبطل ذلك السلطان ، ومما أبطل رسوم الولاية وكانت جهة تتعلق بالولاة المقدّمين ، فيجبيها المذكورون من عرفاء الأسواق وبيوت الفواحش ، ولهذه الجهة ضامن وتحت يده عدّة صبيان وعليها جند مستقطعون وأمراء وغيرهم ، وكانت تشتمل على ظلم شنيع وفساد ، قبيح وهتك قوم مستوزين وهجم لبيوت أكثر الناس ، ومما أبطل مقرّر الحوائص والبغال من المدينة وسائر أعمال مصر كلها من الوجه القبلي والبحري ، فكان على

__________________

(١) النوتي : البحار.

(٢) الشاد : المراقب.

١٦٧

كل من الولاة والمقدّمين مقرر يحمل في كل قسط من أقساط السنة إلى بيت المال عن ثمن حياصة ثلثمائة درهم ، وعن ثمن بغل خمسمائة درهم وعلى هذه الجهة عدّة مقطعين ويفضل منها ما يحمل ، وكان يصيب الناس من هذه الجهة ما لا يوصف ويحلّ بهم من عسف الرقاصين ما يهون معه الموت ، ومن ذلك مقرّر السجون ، وهو عبارة عما يؤخذ من كل من يسجن فللسجان على حكم المقرّر ستة دراهم سوى كلف أخرى ، وعلى هذه الجهة عدّة مقطعين ويرغب فيها الضمان ويتزايدون في مبلغ ضمانها لكثرة ما يتحصل منها فإنه كان لو تخاصم رجل مع امرأته أو ابنه رفعه الوالي إلى السجن فبمجرّد ما يدخل السجن ، ولو لم يقم به إلا لحظة واحدة أخذ منه المقرّر ، وكذلك كان على سجن القضاة أيضا.

ومن ذلك مقرّر طرح الفراريج : ولها ضمان عدّة في سائر نواحي أرض مصر يطرحون على الناس الفراريج فيمرّ بضعفاء الناس من ذلك بلاء عظيم ، وتقاسي الأرامل من العسف والظلم شيئا كثيرا ، وكان على هذه الجهة عدّة مقطعين ، ولا يمكن أحدا من الناس في جميع الأقاليم أن يشتري فروجا فما فوقه إلا من الضامن ومن عثر عليه أنه اشترى أو باع فروجا من سوى الضامن جاءه الموت من كل مكان ، وما هو بميت.

ومن ذلك مقرّر الفرسان : وهو عبارة عما يجيبه ولاة النواحي من سائر البلاد فلا يؤخذ درهم مقرّر حتى يغرم عليه صاحبه درهمين ويقاسي الناس فيه أهوالا صعبة.

ومن ذلك مقرّر الأقصاب والمعاصر : وهو ما يجبى من مزارعي قصب السكر ، ومن المعاصر ورجال المعاصر.

ومن ذلك مقرّر رسوم الأفراح : ويجبي من سائر النواحي ولهذه الجهة عدّة ضمان ولا يعرف لهذه الجهة أصل البتة ، وإنما يجبي بضرائب ينال الناس فيها مع المقرّر غرامات وروعات.

ومن ذلك حماية المراكب : وهي عبارة عما يؤخذ من كل مركب بتقرير معين يعرف بمقرّر الحماية وكانت هذه الجهة أشدّ ما ظلم به الناس فيؤخذ من كل من ركب البحر للسفر حتى من السؤال والمكدين.

ومن ذلك حقوق القينات : وهو عبارة عما يجمع من الفواحش والمنكرات فيجبيه مهتار الطشتخاناه السلطانية من أوباش الناس.

ومن ذلك شدّ الزعماء : وهي جهة مفردة وحقوق السودان وكشف المراكب ومقرّر ما على كل جارية ، أو عبد حين نزولهم بالخانات لعمل الفاحشة فيؤخذ من كل ذكر وأنثى مقرّر معين ، ومتوفر الجراريف ، وهو ما يجبي من سائر النواحي فيحمل ذلك مهندسوا البلاد إلى بيت المال بإعانة الولاة لهم في تحصيل ذلك وعلى هذه الجهة عدّة مقطعين من الجند.

١٦٨

ومقرّر المشاعلية وهو عبارة عما يؤخذ عن كسح الأفنية وحمل ما يخرج منها من الوسخ إلى الكيمان ، فكان إذا امتلأ سراب جامع أو مدرسة أو مسمط أو تربة أو منزل من منازل سائر الناس لا يمكنه ولو بلغ من العظمة ما عسى أن يبلغ التعرّض لذلك حتى يأتيه ضامن الجهة ، ويقاوله على كسح ذلك بما يريد وكان من عادة الضامن الإشطاط في السوم ، وطلب أضعاف القيمة فإن لم يرض رب المنزل بما طلب الضامن وإلا تركه وانصرف فلا يقدر على مقاساة ترك الوسخ ويضطرّ إلى سؤاله ثانيا ، فيعظم تحكمه ويشتدّ بأسه إلى أن يرضيه بما يختار حتى يتمكن من كسح فنائه ورفع ما هنالك من الأقذار.

ومن ذلك إبطال المباشرين من النواحي : وكانت بلاد مصر كلها من الوجهين القبليّ والبحري ما من بلد صغير وكبير إلا وفيه عدّة من كتاب وشادّ ونحو ذلك ، فأبطل السلطان المباشرين وتقدّم منعهم من مباشرة النواحي إلا من بلد فيها مال السلطان فقط ، فأراح الله سبحانه الخلق بإبطال هذه الجهات من بلاء لا يقدر قدره ولا يمكن وصفه.

ولما أبطل السلطان ، هذه الجهات ، وفرغ من تعيين الإقطاعات للأمراء والأجناد أفرز لخاص السلطان من بلاد أرض مصر عدّة نواح ، مما كان في إقطاعات البرجية وهي الجيزة وأعمالها وهو والكوم الأحمر ، ومنفلوط والمرج والخصوص ، وغير ذلك مما بلغ عشرة قراريط من الإقليم ، وصار لإقطاعات الأمراء والأجناد ، وغيرهم أربعة عشر قيراطا ، ومكر الأقباط فيما أمكنهم المكر فيه ، فبدأوا بأن أضعفوا عسكر مصر ، ففرّقوا الإقطاع الواحد في عدّة جهات ، فصار بعض الجبي في الصعيد وبعضه في الشرقية ، وبعضه في الغربية إتعابا للجنديّ ، وتكثيرا للكلفة ، وأفردوا جوالي (١) الذمّة من الخاص ، وفرّقوها في البلاد التي أقطعت للأمراء والأجناد.

فإن النصارى كانوا مجتمعين في ديوان واحد كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى ، فصار نصارى كل بلد يدفعون جاليتهم إلى مقطع تلك الضيعة ، فاتسع مجال النصارى ، وصاروا يتنقلون في القرى ، ولا يدفعون من جزيتهم إلا ما يريدون ، فقلّ متحصل هذه الجهة بعد كثرته ، وأفردوا ما بقي من جهات المكوس (٢) برسم الحوائج خاناه التي تصرف للسماط ليتناولوا ذلك ويوردوا منه ما شاءوا ، ثم يتولوا صرف ما يحصل منه في جهات تستهلك بالأكل ، وصارت جهات المكوس مما يتحدّث فيه الوزير ، وشاد الدواوين.

ثم نظر السلطان فيما كان بيد الأميرين بيبرس الجاشنكير ، وسلار نائب السلطنة من البلاد ، فأخذ ما كان باسم كل منهما وباسم حواشيه ، ولم يدع من ذلك شيئا مما كانوا قد

__________________

(١) الجوالي : ج. جالية وهو ما يؤخذ من أهل الذمة عن الجزية المقررة على رقابهم كل سنة. صبح الأعشى ٣ / ٥٣٠.

(٢) المكوس : الضرائب.

١٦٩

وقفوه حتى حله ، وجعل الجميع إقطاعات ، واعتدّ في سائر الإقطاعات بما كان يستهديه المقطع من فلاحه ، فحسب ذلك وأقامه من جملة عبر الإقطاع وأبطل الهدية ، فلم يتهيأ له الفراغ من ذلك إلى آخر السنة ، فلما أهلّ المحرّم من سنة ست عشرة وسبعمائة ، وقد نظمت الحسبانات على ثلث مغلّ سنة خمس عشرة. جلس السلطان في الإيوان الذي استجدّه بقطعة الجبل ، وقد تقدّم لسائر نقباء الأجناد على لسان نقيب الجيش بالحضور بأجنادهم ، وجعل للعرض في كل يوم أميرين من الأمراء المقدّمين بمضافيهما ، فكان الأمير مقدّم الألف يقف ، ومعه مضافوه ، وناظر الجيش يستدعيهم من تقدمة ذلك الأمير بأسمائهم على قدر منازلهم ، فيقدّم نقيب الجيش ، الواحد بعد الواحد من يد نقيبه إلى ما بين يدي السلطان ، فإذا مثل بحضرته سأله السلطان بنفسه من غير واسطة عن اسمه ، وأصله وجنسه ، ووقت حضوره إلى ديار مصر ، ومع من قدم ، وإلى من صار من الأمراء وغيرهم ، وعن مشاهده التي حضرها في الغزو ، وعما يعرفه من صناعة الحرب وغير ذلك من الاستقصاء ، فإذا انتهى استفهامه إياه ناوله بيده مثالا من غير تأمّل بحسب ما قسم الله له ، فلم يمرّ به في مدّة العرض أحد إلا وقد عرفه وأشار إلى الأمراء بذكر شيء من خبره.

هذا وقد تقدّم إلى سائر الأمراء بأسرهم بأن يحضروا إلى الإيوان عند العرض ، ولا يعارض أحد منهم السلطان في شيء يفعله ، فكانوا يحضرون وهم سكوت لا يتكلم أحد منهم خوفا من مخالفة السلطان لما يقوله ، وأخذ السلطان في مواربة الأمراء فما أثنوا على أحد في مجلس العرض إلا وأعطاه السلطان مثالا بإقطاع رديء ، فلما عملوا ذلك أمسكوا عن الكلام معه جملة ، وانفرد بالاستبداد بأموره دونهم ، فما عرف منه أنه قدّم إليه أحد إلا وسأله : إن كان مملوكا عمن أقدمه من التجار ، وسائر ما تقدّم ، وإن كان شيخا فعن أصله وسنه وكم مصاف حضرها؟ حتى أتى على الجميع وأفرد المشايخ العاجزين فلم يعطهم إقطاعات ، وجعل لكل منهم مرتبا يقوم به ، فانتهى العرض في طول المحرّم ، وتوفر كثير من مثالات الأجناد فبلغ عدّة مائتي مثال ، ثم أخذ في عرض أطباق المماليك السلطانية ، ووفر من جوامكهم كثيرا ، وقطع عدّة رواتب من رواتبهم ، وعوّضهم عن ذلك إقطاعات ، وجعل جهة مكس قطيا لضعفاء الأجناد ممن قطع خبزه فجعل لك منهم في السنة ثلاثة آلاف درهم.

وكان لبيبرس ، وسلار الجوكندار ، تعلقات كثيرة في بيت المال وفي الأعمال كالجيزة والإسكندرية من متجر ، وحمايات فارتجع ذلك وأبطله وما شابهه ، وأضاف ما لم يقطعه إلى ديوان الخاص ، ومما أمر به في مدّة العرض أن لا يردّ أحد مثالا أخذه من السلطان ولو استقله ، ولا يشفع أمير في جنديّ ، وإنّ من خالف ذلك ضرب وحبس ونفي وقطع خبزه ، فعظمت مهابة السلطان وقويت حرمته ، ولم يجسر أحد أن يردّ عليه مثالا أخذ من السلطان ، ولا استطاع أمير أن يتكلم لأحد ، وصار كثير ممن كان إقطاعه مثلا ألف دينار إلى إقطاع مائتي دينار ، ونحوها وكثير ممن كان إقطاعه قليلا إلى إقطاع معتبر ، فإنه كان يعطي المثال

١٧٠

من غير تأمّل كيفما وقعت يده عليه.

وقدّر الله سبحانه وتعالى أنّ السلطان كان من جملة صبيان مطبخه ، رجل مضحك يهزل بحضرته ، فيضحك منه ، ويعجب به ولا يعترض فيما يقول من السخف ، فجلس السلطان في بعض أيام العرض في البستان بقلعة الجبل ، وعنده الخاصة من الأمراء فدخل هذا المضحك ، وأخذ في السخرية على عادته ليضحك السلطان ، إلى أن قال : وجدت بعض أجناد الروك الناصريّ ، وهو راكب الإكديش ، وخرجه خلفه ورمحه فوق كتفه يقصد بهذا السخرية ، والطعن ، فغضب السلطان غضبا شديدا وصاح : خذوه وعرّوه ثيابه ، فتبادره الأعوان ، وجرّوه برجله ، ونزعوا ثيابه وربطوه في الساقية مع القواديس ، وأكثروا من ضرب الأبقار حتى أسرعت بدوران الساقية ، فصار المسكين ينقلب مع القواديس ويغطس في المادة تارة ويرقى أخرى ثم ينتكس ، والماء يمرّ عليه مقدار ساعة إلى أن انقطع حسه ، وأشرف على الهلاك ، واشتدّ رعب الأمراء لما رأوا من قوّة غضب السلطان.

ثم تقدّم الأمير طغاي الدوادار في طائفة من الأمراء الخاصكية ، واعتذروا عن هذا المسكين بأنه لم يرد إلا أن يضحك السلطان من كلامه ، ولم يقصد عيب الأجناد ، ولا انتقاصهم ونحو هذا من القول إلى أن أمر بحله ، فإذا ليس فيه حركة ، فسحب ورسم السلطان بأنه إن كان حيا لا يبيت بديار مصر ، فأخرج من وقته منفيا وحمد الله كل من الأمراء على ما وفقه من السكوت عن الكلام في حال العرض.

وما زال الأمر بمصر على ما رسمه الملك الناصر في هذا الروك إلى أن زالت دولة بني قلاوون بالملك الظاهر برقوق في شهر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة ، فأبقي الأمر على ذلك إلا أنّ أشياء منه أخذت تتلاشى قليلا قليلا إلى أن كانت الحوادث والمحن في سنة ست وثمانمائة حيث حدث من أنواع التغيرات ، وتنوّع الظلم ما لم يخطر ببال أحد ، وسيمرّ بك حمل من ذلك عند ذكر أسباب خراب إقليم مصر إن شاء الله تعالى ، وكانت لأراضي مصر تقاو مخلدة في نواحيها وهي على قسمين : تقاو سلطانية ، وتقاو بلدية ، فالتقاوي السلطانية ، وضعها الملوك في النواحي ، وكان الأمير أو الجنديّ عند ما يستقرّ على الإقطاع يقبض ماله من التقاوي السلطانية ، فإذا خرج عنه طولب بها ، فلما كان الروك الناصري خلدت تقاوي كل ناحية بها ، وضبطت في الديوان السلطاني فبلغت جملتها مائة ألف وستين ألف أردب سوى التقاوي البلدية.

١٧١

ذكر الديوان

قال أقضى القضاة أبو الحسن الماورديّ : الديوان محفوظ بحفظ ما تعلق بحقوق السلطنة من الأعمال والأموال ، ومن يقوم بها من الجيوش والعمال ، وفي تسميته ديوانا وجهان : أحدهما : أن كسرى اطلع ذات يوم على كتاب ديوانه فرآهم يحسبون مع أنفسهم ، فقال : ديوانه ، أي : مجانين ، فسمي موضعهم بهذا الاسم ، ثم حذفت الهاء عند كثرة الاستعمال تخفيفا للاسم ، فقيل : ديوان. والثاني : أن الديوان اسم بالفارسية للشياطين ، فسمي الكتاب باسمهم لحذقهم بالأمور ، ووقوفهم على الجليّ والخفيّ ، وجمعهم لما شذ وتفرّق ، واطلاعهم على ما قرب وبعد ، ثم سمي مكان جلوسهم باسمهم ، فقيل : ديوان. انتهى.

واعلم أن كتابة الديوان على ثلاثة أقسام : كتابة الجيوش ، وكتابة الخراج ، وكتابة الإنشاء والمكاتبات ، ولا بدّ لكل دولة من استعمال هذه الأقسام الثلاثة ، وقد أفرد العلماء في كتابة الخراج ، وفي كتابة الإنشاءات عدّة مصنفات ، ولم أر أحدا جمع شيئا في كتابة الجيوش ، والعساكر ، وكانت كتابة الدواوين في صدر الإسلام أن يجعل ما يكتب فيه صحفا مدرجة ، فلما انقضت أيام بني أمية ، وقام عبد الله بن محمد : أبو العباس السفاح ، استوزر خالد بن برمك بعد أبي سلمة حفص بن سليمان الخلال ، فجعل الدفاتر في الدواوين من الجلود ، وكتب فيها وترك الدروج إلى أن تصرّف جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك في الأمور أيام الرشيد ، فاتخذ الكاغد ، وتداوله الناس من بعده إلى اليوم.

وذكر أبو النمر الوراق قال : حدّثني أبو حازم القاضي قال : قال لي أبو الحسن بن المدبر : لو عمرت مصر كلها لوفت بأعمال الدنيا ، وقال : إنّ أرض مصر مساحتها للزراعة ثمانية وعشرون ألف ألف فدّان ، وإنما المعمر منها ألف ألف فدّان. قال : وقال لي ابن المدبر : إنه كان يتقلد ديوان المشرق وديوان المغرب. قال : ولم أبت قط ليلة من الليالي حتى أنهيه ، ولا بقيته ، وتقلدت مصر فكنت ربما نمت وقد بقي عليّ شيء من العمل فأستتمه إذا أصبحت.

١٧٢

ذكر ديوان العساكر والجيوش

يقال : إنّ أول من وضع ديوان الجند بخيلهم ، كيهراسف ، أحد ملوك الطبقة الثانية من الفرس ، وإنّ كيقباذ قبله كان قد أخذ العشر من الغلات ، وصرفه في أرزاق جنده ، وأما في الإسلام ، فما خرجه البخاري ومسلم من حديث حذيفة رضي‌الله‌عنه قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس» ، فكتبنا له ألفا وخمسمائة رجل ، الحديث. ذكره البخاريّ في باب كتابة الإمام الناس ، وللبخاري من حديث عبد الله بن عباس رضي‌الله‌عنهما قال : جاء رجل إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا ، وامرأتي حاجة؟ قال : «ارجع فاحجج مع امرأتك». وقال عمرو بن منبه عن معمر عن قتادة قال : آخر ما أتي به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثمانمائة ألف درهم من البحرين ، فما قام من مجلسه حتى أمضاه ، ولم يكن للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيت مال ، ولا لأبي بكر.

وأوّل من اتخذ بيت مال عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه. وقال ابن شهاب : عمر أوّل من دوّن الدواوين. وروى ابن سعد عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : قسم أبي الفيء عام أوّل ، فأعطى الحرّ عشرة ، والملوك عشرة ، والمرأة عشرة ، وأمتها عشرة ، ثم قسم العام الثاني ، فأعطاهم عشرين عشرين. فقيل : إن سببه أن أبا هريرة رضي‌الله‌عنه قدم على عمر رضي‌الله‌عنه بمال من البحرين ، فقال له عمر : ما ذا جئت به؟ فقال : خمسمائة ألف درهم ، فاستكثره عمر! وقال : أتدري ما تقول؟ قال : نعم ، مائة ألف خمس مرّات ، فقال عمر : أطيب هو؟ قال : لا أدري ، فصعد عمر المنبر ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، قد جاءنا مال كثير ، فإن شئتم كلنا لكم كيلا ، وإن شئتم عددنا لكم عدّا ، فقام إليه رجل ، فقال : يا أمير المؤمنين قد رأيت الأعاجم يدوّنون ديوانا لهم ، فدوّن أنت ديوانا ، فدوّن عمر.

وقيل : بل سببه أن عمر بعث بعثا وعنده الهرمزان ، فقال لعمر : هذا بعث قد أعطيت أهله الأموال ، فإن تخلف منهم رجل من أين يعلم صاحبك به ، فأثبت لهم ديوانا ، فسأله عن الديوان حتى فسره له ، فاستشار المسلمين في تدوين الدواوين فقال له عليّ بن أبي طالب : تقسم كل سنة ما اجتمع عندك من المال ، ولا تمسك منه شيئا ، وقال عثمان رضي‌الله‌عنه : أرى مالا كثيرا يسع الناس ، فإن لم يحصوا حتى يعرف من أخذ ممن لم يأخذ خشيت أن ينتشر الأمر ، وقال خالد بن الوليد رضي‌الله‌عنه : قد كنت بالشام ، فرأيت ملوكها دوّنوا ديوانا وجندوا جنودا ، فدوّن ديوانا ، وجند جنودا ، فأخذ بقوله ، ودعا عقيل بن أبي طالب ، ومخرمة بن نوفل ، وجبير بن مطعم ، وكانوا كتاب قريش ، فقال : اكتبوا الناس على منازلهم ، فبدأوا ببني هاشم ، وكتبوهم ، ثم أتبعوهم أولاد أبي بكر ، وقومه ، ثم عمر وقومه ، وكتبوا القبائل ، ووضعوها على الخلافة ، ثم رفعوا ذلك إلى عمر رضي‌الله‌عنه ، فلما نظر فيه قال : لا ، ولكن ابدأوا بقرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأقرب ، فالأقرب حتى تضعوا عمر حيث وضعه الله

١٧٣

فشكره العباس رضي‌الله‌عنه على ذلك ، وقال : وصلت رحمك ، وقد اختلف في السنة التي فرض فيها عمر رضي‌الله‌عنه الأعطية ودوّن الدواوين فقال الكلبيّ في سنة خمس عشرة ، وحكى ابن سعد عن عمر الواقدي : أنه جعل ذلك في سنة عشرين. قال الزهريّ : وكان ذلك في المحرّم سنة عشرين من الهجرة ، وقيل : لما فتح الله على المسلمين القادسية ، وقدمت على عمر رضي‌الله‌عنه الفتوح من الشام جمع المسلمين ، وقال : ما يحلّ للوالي من هذا المال ، فقالوا : جميعا. أما الخاصة ، فقوته وقوت عياله لا وكس وشطط ، وكسوته وكسوتهم للشتاء والصيف ، ودابتان إلى جهاده وحوائجه وحملانه إلى حجته وعمرته ، والقسم بالسوية ، وأن يعطي أهل البلاد على قدر بلادهم ويرم أمور الناس بعد ، ويتعاهدهم في الشدائد والنوازل حتى تنكشف ، ويبدأ بأهل القيء ثم يجوزهم إلى كل مغلوب ما بلغ الفيء.

وقال الضحاك عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما : لما افتتحت القادسية ، وصالح من صالح من أهل السواد ، وافتتحت دمشق وصالح أهل الشام. قال عمر رضي‌الله‌عنه للناس : اجتمعوا فأحضروني علمكم فيما أفاء الله على أهل القادسية وأهل الشام ، فاجتمع رأي عليّ وعمر رضي‌الله‌عنهما أن يأخذوه من قبل القرآن فقالوا : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) [الحشر / ٧] يعني : من الخمس (فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) يعني : من الله الأمر وعلى الرسول القسم (وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ) ثم فسروا ذلك بالآية الأخرى التي تليها : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ) [الحشر / ٨] الآية ، فأخذوا أربعة الأخماس على ما قسم عليه الخمس فيمن بدىء به ، وثنى وثلث وأربعة أخماس لمن أفاء الله عليه المغنم ، ثم استشهدوا على ذلك بقوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) [الأنفال / ٤١] الآية من تلك الطبقات الثلاث وأربعة أخماس لمن أفاء الله عليه ، فقسم الأخماس على ذلك ، فاجتمع على ذلك عمر وعليّ ، وعمل به المسلمون بعد ذلك ، فبدأ بالمهاجرين ثم الأنصار ثم التابعين الذين شهدوا معهم ، وأعانوهم ثم فرض الأعطية من الجزاء على من صالح ، أو دعا إلى الصلح من حرابة فردّه عليهم بالمعروف ، وليس في الجزء أخماس الجزء لمن منع الذمّة ، ووفى لهم ممن ولي ذلك منهم ، ولمن لحق بهم ، فأعانهم بأسوة إلا أن يواسوا بفضله عن طيب أنفس منهم ، من لم ينل مثل الذي نالوا.

وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال عمر رضي‌الله‌عنه : إني مجيد المسلمين على الأعطية ومدوّنهم ومتحرّي الحق ، فقال عبد الرحمن بن عوف وعثمان وعليّ رضي‌الله‌عنهم : ابدأ بنفسك ، قال : لا أبدأ إلا بعم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم الأقرب فالأقرب منهم من رسول الله ، ففرض للعباس ، وبدأ به ، ثم فرض لأهل بدر خمسة آلاف خمسة آلاف ، ثم فرض لمن بعد بدر إلى الحديبية أربعة آلاف أربعة آلاف ، ثم فرض لمن بعد الحديبية إلى أن أقلع أبو بكر رضي‌الله‌عنه عن أهل الردّة ثلاثة آلاف ثلاثة آلاف ، ودخل في ذلك من شهد الفتح ، وقاتل عن أبي بكر ومن ولي الأيام قبل القادسية ، كل هؤلاء على ثلاثة آلاف ثلاثة

١٧٤

آلاف ، ثم فرض لأهل القادسية ، وأهل الشام أصحاب اليرموك ألفين ألفين ، وفرض لأهل البلاد النازح منهم ألفين وخمسمائة ألفين وخمسمائة ، فقيل له : لو ألحقت أهل القادسية بأهل الأيام ، فقال : لم أكن لألحقهم بدرجة من لم يدركوا لاها الله إذن ، وقيل له : قد سوّيتهم على بعد دارهم بمن قد قربت داره ، وقاتل عن فنائه ، فقال : هم كانوا أحق بالزيادة لأنهم كانوا ردء الحقوق ، وشجى للعدوّ. وأيم الله ما سوّيتهم حتى استطبتهم ، فهلا قال المهاجرون مثل قولهم حين سوّينا بين السابقين من المهاجرين ، وبين الأنصار ، وقد كانت نصرة الأنصار بفنائهم ، وهاجر إليهم المهاجرون من بعد ، وفرض للروادف الذين ردفوا بعد افتتاح القادسية واليرموك بعد الفتح ثلثمائة ثلثمائة سوّى كل طبقة في العطاء ليس بينهم تفاضل ، قويهم وضعيفهم عربيهم وأعجميهم في طبقاتهم سواء حتى إذا حوى أهل الأمصار من حووا من سباياهم ، وردفت المربع من الروادف فرض لهم على خمسين ومائتين ، وفرض لمن ردف من الروادف الخمس على مائتين ، فكان آخر من فرض له عمر رضي‌الله‌عنه أهل هجر على مائتين ، ومات عمر على ذلك.

وأدخل في أهل بدر أربعة من غير أهل بدر : الحسن والحسين وأبا ذر وسلمان ، وقال أبو سلمة : فرض عمر للعباس على خمسة وعشرين ألفا. وقال الزهريّ : على اثني عشر ألفا ، وجعل نساء أهل بدر إلى الحديبية على أربعمائة أربعمائة ، ونساء من بعد ذلك إلى الأيام قبل القادسية على ثلثمائة ثلثمائة ، ثم نساء أهل القادسية على مائتين مائتين ، ثم سوّى بين النساء بعد ذلك ، وجعل للصبيان من أهل بدر وغيرهم مائة مائة ، ثم دعا ستين مسكينا ، فأطعمهم خبزا بملح فأحصوا ما أكلوه فوجدوه يخرج من جزيتين ، ففرض لكل إنسان يقوم بالأمر له ولعياله جزيتين جزيتين في كل شهر : مسلمهم وكافرهم ، وفرض لأزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشرة آلاف عشرة آلاف ، إلا من جرى عليه البيع ، فقالت أمّهات المؤمنين : ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يفضلنا عليهنّ في القسمة ولكن كان يسوّي بيننا فسوّ بيننا ، فجعلهن على عشرة آلاف عشرة آلاف ، وفضل عائشة رضي‌الله‌عنها بألفين ، فأبت. فقال لفضل : منزلتك عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإذا أخذتها فشأنك.

وكان الناس أعشارا ، فكانت العرفاء ثلاثة آلاف عريف كل عريف على عشرة ، ورزق الخيل على أعرافها ، فما زالوا كذلك حتى اختطت الكوفة والبصرة ، فغيرت العرفاء والأعشار ، وجعلت أسباعا ، وجعل مائة عريف على كل مائة ألف درهم عريف ، وكانت كل عرافة من القادسية خاصة ثلاثة وأربعين رجلا وثلاثا وأربعين امرأة ، وخمسين من العيال لهم مائة ألف درهم ، وكل عرافة من أهل الأيام عشرين رجلا على ثلاثة آلاف وعشرين امرأة ، ولكل عيل مائة على مائة ألف درهم ، وكل عرافة من الرادفة الأولى ستين رجلا وستين امرأة ، وأربعين من العيال ممن كان رجالهم ألحقوا على ألف وخمسمائة على مائة ألف درهم ، وكان العطاء يدفع إلى أمراء الأسباع وأصحاب الرايات ، والرايات على أيادي العرب

١٧٥

فيدفعونه إلى العرفاء والنقباء والأمناء ، فيدفعونه إلى أهله في دورهم. فمات عمر رضي‌الله‌عنه والأمر على ذلك ، وقد عزم قبل موته أن يجعل العطاء أربعة آلاف أربعة آلاف ، وقال : لقد هممت أن أجعل العطاء أربعة آلاف أربعة آلاف ، ألف يخلفها الرجل في أهله ، وألف يتزوّدها معه في سفره ، وألف يتجهز بها ، وألف يترفق بها ، فمات وهو في ارتياد ذلك قبل أن يفعل ، وكان يقري البعوث على قدر المسافة إن كان بعيدا فسنة ، وإن كان دون ذلك فستة أشهر ، فإذا أخل الرجل بثغره نزعت عمامته ، وأقيم في مسجد حيه ، فقيل هذا فلان قد أخل. وقال سيف بن عمر : أول عطاء أخذ سنة خمس عشرة ، وكان عمرو بن العاص رضي‌الله‌عنه يبعث من مصر إلى عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه بالجزية بعد حبس ما كان يحتاج إليه ، فلما استخلف عثمان رضي‌الله‌عنه لثلاث مضين من المحرّم سنة أربع وعشرين زاد الناس مائة ، وكان أوّل من زاد ، ورفد أهل الأمصار ، وهو أوّل من رفدهم ، وصنع فيهم الصنائع ، فاستن به الخلفاء في الزيادة.

وكان عمر ، قد فرض لكل نفس منفوسة من أهل الفيء في رمضان درهما في كل يوم ، وفرض لأمهات المؤمنين درهمين. فقيل له : لو صنعت لهم به طعاما ، فجمعتهم عليه فقال : اشبعوا الناس في بيوتهم ، فأقرّ عثمان رضي‌الله‌عنه ذلك ، وزاد فوضع لهم طعام رمضان. وقال : هو للمتعبد الذي يتخلف في المسجد ، ولابن السبيل ، وللمعترين بالناس في رمضان فاقتدى به الخلفاء من بعده.

وكان بمصر ، في خلافة معاوية بن أبي سفيان أربعون ألفا ، وكان منهم أربعة آلاف في مائتين مائتين ، وكان إنما يحمل إلى معاوية ستمائة ألف دينار عن فضل أعطيات الجند ، وما يصرف إلى الناس ، وكان معاوية قد جعل على كل قبيلة من قبائل العرب بمصر ، رجلا يصبح كل يوم فيدور على المجالس فيقول : هل ولد الليلة فيكم مولود؟ وهل نزل بكم نازل؟ فيقال : ولد لفلان غلام ، ولفلان جارية ، فيكتب أسماءهم ، ويقال : نزل بهم رجل من أهل كذا بعياله ، فيسميه وعياله فإذا فرغ من القيل أتى الديوان حتى يثبت ذلك ، وأعطى مسلمة بن مخلد الأنصاري أمير مصر ، أهل الديوان أعطياتهم وأعطيات عيالهم ، وأرزاقهم ونوائبهم ونوائب البلاد من الجسور ، وأرزاق الكتبة وحملان القمح إلى الحجاز ، وبعث إلى معاوية ستمائة ألف دينار فضلا.

وأوّل تدوين كان بمصر على يد عمرو بن العاص رضي‌الله‌عنه ، ثم دوّن عبد العزيز بن مروان تدوينا ثانيا ، ودوّن قرّة بن شريك التدوين الثالث ، ثم دوّن بشر بن صفوان تدوينا رابعا ، ثم لم يكن بعد تدوين بشر شيء له ذكر إلا ما كان من إلحاق قيس بالديوان في خلافة هشام بن عبد الملك بن مروان.

فلما انقرضت دولة بني أمية وغلبت المسودّة بنو العباس أحدثوا أشياء حتى إذا مات

١٧٦

عبد الله المأمون بن هارون الرشيد لسبع خلون من رجب سنة ثماني عشرة ومائتين ، وبويع أخوه المعتصم ، أبو إسحاق محمد بن هارون كتب إلى كندر بن نصر الصفدي أمير مصر ، يأمره بإسقاط من في ديوان مصر من العرب ، وقطع العطاء عنهم ففعل ذلك ، وكان مروان بن محمد الجعدي آخر خلائف بني أمية قطع عن أهل مصر العطاء سنة ، ثم كتب إليهم كتابا يعتذر فيه : إني إنما حبست عنكم العطاء في السنة الماضية لعدوّ حضرني ، فاحتجت إلى المال ، وقد وجهت إليكم بعطاء السنة الماضية ، وعطاء هذه السنة فكلوه هنيئا مريئا ، وأعوذ بالله أن أكون أنا الذي يجري الله قطع العطاء على يديه ، ولما قطع كندر عطاء أهل مصر خرج يحيى بن الوزير الجرويّ في جمع من لخم وجذام وقال له : هذا أمر لا يقوم فينا أفضل منه لأنا منعنا حقنا وفيئنا ، فاجتمع إليه نحو خمسمائة رجل.

ومات كندر في ربيع الآخر سنة تسع عشرة ومائتين ، وولي ابنه المظفر مصر من بعده ، فسار إلى يحيى ، وقاتله في بحيرة تنيس ، وأخذه أسيرا فانقرضت دولة العرب من مصر ، وصار جندها العجم والموالي من عهد المعتصم إلى أن ولي الأمير أبو العباس أحمد بن طولون مصر ، فاستكثر من العبيد ، وبلغت عدّتهم زيادة على أربعة وعشرين ألف غلام تركيّ ، وأربعين ألف أسود ، وسبعة آلاف حرّ مرتزق ، ثم استجدّ ابنه الأمير أبو الجيش خمارويه بعده عدّة من شناترة حوف مصر ، فلما كانت إمارة الأمير أبي بكر محمد بن طغج الإخشيد على مصر ، بلغت عدّة عساكره بمصر والشام أربعمائة ألف تشتمل على عدّة طوائف.

ثم إن الأستاذ أبا المسك كافورا الإخشيدي استجدّ عدّة من السودان في أيام تحكمه بمصر ، فلما تغلب الإمام المعز لدين الله أبو تميم معدّ الفاطمي على مصر صارت عساكرها ما بين كتامة وزويلة ونحوها من طوائف البربر ، وفيهم الروم والصقالبة ، وهم في العدد كما قيل. ومنهم معدّ. ولم تكن جيوشه تعدّ ، ولا لما أوتيه كان حدّ ، من كل ما يسعد فيه جدّ ، وحتى قيل : إنه لم يطأ الأرض بعد جيش الإسكندر بن فليبس المقدوني أكثر عددا من جيوش المعز ، فلما قام في الخلافة بمصر من بعده ابنه العزيز بالله أبو منصور نزار استخدم الديلم والأتراك واختص بهم.

وذكر الأمير المختار عبد الملك المسبحي في تاريخه : أن خزانة الخاص حملها لما خرج العزيز إلى الشام عشرون ألف جمل خارجا عن خزائن القوّاد وأكابر الدولة.

وذكر ابن ميسر في تاريخه : أن عبيد السيدة أم المستنصر بالله أبي تميم ، معدّ بن الظاهر لإعزاز دين الله أبي الحسن عليّ بن الحاكم بأمر الله أبي عليّ منصور بن العزيز بالله خاصة كانت عدّتهم خمسين ألف عبد سوى طوائف العسكر ، ورأيت بخط الأسعد بن مماتي أن عدّة الجيوش بمصر في أيام رزيك بن الصالح طلائع بن رزيك كانت أربعين ألف فارس ،

١٧٧

وستة وثلاثين ألف راجل ، وزاد غيره ، وعشرة شواني (١) بحرية فيها عشرة آلاف مقاتل ، وهذا عند انقراض الدولة الفاطمية ، فلما زالت دولتهم على يد السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ، أزال جند مصر من العبيد السود والأمراء المصريين والعربان والأرمن ، وغيرهم واستجدّ عسكرا من الأكراد والأتراك خاصة ، وبلغت عدّة عساكره بمصر اثني عشر ألف فارس لا غير ، فلما مات ، افترقت من بعده ، ولم يبق بمصر مع ابنه الملك العزيز عثمان سوى ثمانية آلاف فارس ، وخمسمائة فارس إلا أن فيهم من له عشرة أتباع ، وفيهم من له عشرون ، وفيهم من له أكثر من ذلك إلى مائة تبع لرجل واحد من الجند ، فكانوا إذا ركبوا ظاهر القاهرة يزيدون على مائتي ألف ، ثم لم يزالوا في افتراق ، واختلاف حتى زالت دولتهم بقيام عبيدهم المماليك الأتراك ، فحذوا حذو مواليهم بني أيوب ، واقتصروا على الأتراك وشيء من الأكراد ، واستجدّوا من المماليك التي تجلب من بلاد الترك شيئا كثيرا حتى يقال : إنّ عدّة مماليك الملك المنصور قلاون كانت سبعة آلاف مملوك ، ويقال : اثني عشر ألفا ، وكانت عدّة مماليك ولده الأشرف خليل بن قلاون اثني عشر ألف مملوك ، لم تبلغ بعد ذلك قريبا من هذا إلى أن زالت دولة بني قلاون في شهر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة بالملك الظاهر برقوق ، فأخذ في محو المماليك الأشرفية ، وأنشأ لنفسه دولة من المماليك الجركسية بلغت عدّتهم ما بين مشترى ومستخدم أربعة آلاف أو تزيد قليلا ، فلما قدم من بعده ابنه الناصر فرج ، افترقوا واختلفوا ، فلم يقتل حتى هلك كثير منهم بالقتل وغيره.

وعساكر مصر في الدولة التركية على قسمين : أجناد الحلقة ، والمماليك السلطانية ، وأكثر ما كانت أجناد الحلقة في أيام الناصر محمد بن قلاون ، فإنها بلغت على ما رأيته في جرائد ديوان الجيش بأوراق الروك الناصري أربعة وعشرين ألف فارس ، ثم ما زالت تنقص حتى صارت اليوم مع قلّة عدّتها سواء منها الألف والواحد فإنها لا تنفع ولا تدفع ، وأما المماليك ، فإنها اليوم قليل عددها بحيث لو جمعت أجناد الحلقة مع المماليك السلطانية لا تكاد أن تبلغ خمسة آلاف فارس يصلح منها لأن يباشر القتال ألف أو دونها ، وهي اليوم قسمان : أجناد الحلقة ، والمماليك السلطانية.

والمماليك السلطانية ثلاثة أقسام : ظاهرية وناصرية ومؤيدية ، والمؤيدية ما بين حكمية ونوروزية ، ومن استجدّه المؤيد وإن خوفي ليكثر أن يكون الحال بعد الملك المؤيّد ، أبي النصر شيخ ـ خلد الله ملكه ـ يتلاشى إلى أن يؤيد الله الملك بابنه الأمير ، صارم الدين إبراهيم ـ شدّ الله به أزره ـ فإنه فتح من البلاد الرومية ما لا ملكه أحد من

__________________

(١) الشواني : جمع شيني أو شينية وهي السفن الحربية الكبيرة وكانت مستعملة على نطاق واسع في مصر.

مصطلحات (محمد رمزي).

١٧٨

ملوك مصر في الدولة الإسلامية قبله.

والشبل في المخبر مثل الأسد ، وابن السريّ إذا سري أسراهما. ولا غرو أن يحذو الفتى حذو والده ،

بأبه اقتدى عدي في الكرم

ومن يشابه أبه فما ظلم

إن الأصول عليها ينبت الشجر.

ثم لما ملك الأشرف برسباي (١) صارت المماليك سبع طوائف : ظاهرية وناصرية ومؤيدية ونوروزية وحكمية وططرية وأشرفية ، كل طائفة منها مباينة لجميعها ، فلذلك اضمحلت شوكتهم ، وانكسرت حدّتهم ، وأمنت على السلطان غائلتهم ، ولم يخف ثورتهم لتفرّقهم ، وإن كانوا مجتمعين وتباينهم وإن كانوا في الظاهر متفقين.

واعلم أنه كانت عادة الخلفاء من بني أمية وبني العباس والفاطميين من لدن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضي‌الله‌عنه أن تجبى أموال الخراج ، ثم تفرّق من الديوان في الأمراء أو العمال والأجناد على قدر رتبهم ، وبحسب مقاديرهم ، وكان يقال لذلك في صدر الإسلام العطاء ، وما زال الأمر على ذلك إلى أن كانت دولة العجم ، فغير هذا الرسم ، وفرّقت الأراضي إقطاعات على الجند ، وأوّل من عرف أنه فرّق الإقطاعات على الجند نظام الملك أبو عليّ الحسن بن عليّ بن إسحاق بن العباس الطوسي وزير البرشلان بن داود بن ميكال بن سلجوق ، ثم وزر ابنه ملكشاه بن البرشلان ، وذلك أن مملكته اتسعت ، فرأى أن يسلم إلى كل مقطع قرية أو أكثر أو أقلّ على قدر إقطاعه لأنه رأى أن في تسليم الأراضي إلى المقطعين عمارتها لاعتناء مقطعيها بأمرها بخلاف ما إذا شمل جميع أعمال المملكة ديوان واحد ، فإن الخرق يتسع ويدخل الخلل في البلاد ففعل نظام الملك ذلك ، وعمرت به البلاد ، وكثرت الغلات ، واقتدى بفعله من جاء بعده من الملوك من أعوام بضع وثمانين وأربعمائة إلى يومنا هذا ، وكانت الخلفاء ترزق من بيت المال. فذكر عطاء بن السائب ، في حديث : أن أبا بكر رضي‌الله‌عنه ، لما استخلف فرض له كل يوم شطر شاة وما يكسى به الرأس والبطن ، وذكر عن حميد بن هلال : أنه فرض له بردان إذا أخلقهما وضعهما ، وأخذ مثلهما ، وطهره إذا سافر ونفقته على أهله ، كما كان ينفق قبل أن يستخلف.

وذكر ابن الأثير في تاريخه : أن الذي فرضوا له ستة آلاف درهم في السنة ، وفرض لعمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه لما استخلف ما يصلحه ويصلح عياله بالمعروف ، وقال له عليّ رضي‌الله‌عنه : ليس لك غيره ، فقال القوم : القول ما قال عليّ يأخذ قوته ، وفرض

__________________

(١) هو أبو النصر برسباي الدقماقي الظاهري الملك الأشرف جركسي الأصل من مماليك الأمير دقماق وأهداه إلى الظاهر برقوق فاستخدمه بالجيش واعتقل عدة مرات ثم استطاع أن يخلع الصالح بن ططر ونادى بنفسه سلطانا سنة ٨٢٤ ه‍. توفي سنة ٨٤١ ه‍. الأعلام ج ٢ / ٤٨.

١٧٩

عمر لمعاوية بن أبي سفيان على عمله في الشام عشرة آلاف دينار في السنة ، وقيل : بل رزقه ألف دينار وهو أشبه.

ذكر القطائع والإقطاعات

يقال : اقتطع طائفة من الشيء : أخذها ، والقطيعة ما اقتطعه منه وأقطعني إياها أذن لي في اقتطاعها واستقطعه إياهما : سأله أن يقطعه إياها ، وأقطعه نهرا وأرضا أباح له ذلك ، وقد أقطع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتألف على الإسلام قوما ، وأقطع الخلفاء من بعده من رأوا في إقطاعه صلاحا.

روى ابن أبي نجيح عن عمرو بن شعيب عن أبيه : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقطع أناسا من مزينة أو جهينة أرضا ، فلم يعمروها ، فجاء قوم فعمروها ، فخاصمهم الجهينيون أو المزينيون إلى عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه ، فقال عمر : لو كانت مني أو من أبي بكر لرددتها ، ولكنها قطيعة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم قال : من كانت له أرض ثم تركها ثلاث سنين لا يعمرها ، فعمرها قوم آخرون فهم أحق بها.

وقال هشام بن عروة ، عن أبيه : أقطع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الزبير أرضا فيها نخل من أموال بني النضير ، وذكر أنها أرض يقال لها الجرف.

وذكر أن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه : أقطع العقيق : أجمع الناس حتى جازت قطيعة عروة ، فقال ابن الزبير : المستقطعون فند اليوم ، فإن يك فيه خير فتحت قدمي. قال خوّات بن جبير : أقطعنيه فأقطعه إياه ، وقال سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال : لما قدم النبيّ أقطع أبا بكر وأقطع عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنهما ، وقال أشعث بن سوار ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن صلت المكيّ ، عن أبي رافع قال : أعطى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قوما أرضا فعجزوا عن عمارتها ، فباعوها في زمن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه بثمانية آلاف دينارا وبثمانمائة ألف درهم ، فوضعوا أموالهم عند عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، فلما أخذوها ، وجدوها ناقصة ، فقالوا : هذا ناقص ، قال : احسبوا زكاته ، قال : فحسبوا زكاته فوجدوه وافيا ، فقال : أحسبتم أن أمسك مالا ولا أزكيه ، وقد سأل تميم الداري ، رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقطعه عيون البلد الذي كان منه بالشام قبل فتحه ، ففعل.

وسأله أبو ثعلبة الخشني أن يقطعه أرضا كانت بيد الروم ، فأعجبه ذلك وقال : ألا تسمعون ما يقول؟ فقال : والذي بعثك بالحق ليفتحن عليك ، فكتب له بذلك كتابا ، وقال ثابت بن سعد عن أبيه عن جده : إن الأبيض بن جمال ، استقطع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ملح مأرب فأقطعه ، فقال الأقرع بن حابس التميمي : يا رسول الله إني وردت هذا الملح في الجاهلية وهو بأرض ليس فيها ملح ، من ورده أخذه ، وهو مثل الماء العذب بالأرض ، فاستقال

١٨٠