كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ١

تقي الدين احمد بن علي المقريزي

كتاب المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزيّة - ج ١

المؤلف:

تقي الدين احمد بن علي المقريزي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٩

جزر البحر ، وهبوب الرياح ، وهو أوفق للزروع والمنابت من الحيوان.

وقال ابن رضوان : والنيل يمرّ بأمم كثيرة من السودان ، ثم يصير إلى أرض مصر ، وقد غسل ما في بلاد السودان من العفونات ، والأوساخ ويشق مارا بوسط أرض مصر من الجنوب إلى الشمال إلى أن يصب في بحر الروم. ومبدأ زيادته في فصل الصيف ، وتنتهي زيادته في فصل الخريف ، ويرتقي في الجوّ منه في أوقات مدّة رطوبات كثيرة بالتحلل الخفيّ ، فيرطب ذلك يبس الصيف ، والخريف ، وإذا مدّ النهر فاض على أرض مصر فغسل ما فيها من الأوساخ نحو جيف الحيوانات ، وأزبالها وفضول الآجام ، والنبات ومياه النقاع ، وأحدر جميع ذلك معه ، وخالطه من تراب هذه الأرض ، وطينها مقدار كثير من أجل سخافتها وباض فيه من السمك الذي تربى فيه وفي مياه النقائع ، ومن قبل ذلك تراه في أوّل مدّة يخضر لونه بكثرة ما يخالطه من مياه النقائع العفنة التي قد اجتمع فيها العرمض ، والطحلب واخضر لونها من عفنها ثم يتعكر حتى يصير آخر أمره مثل الحمأة ، وإذا صفا اجتمع منه في الإناء طين كثير ، ورطوبة لزجة لها سهوكة ، ورائحة منكرة. وهذا من أوكد الأشياء في ظهور رداءة هذا الماء ، وعفنه.

وقد بيّن بقراط وجالينوس : أنّ أسرع المياه إلى العفن ما لطفته الشمس بمياه الأمطار ومن شأن هذا الماء أن يصل إلى أرض مصر ، وهو في الغاية من اللطافة من شدّة حرارة بلاد السودان ، فإذا اختلط به عفونات أرض مصر زاد ذلك في استحالته ، ولذلك يتولد منه من أنواع السمك شيء كثير جدّا. فإنّ فضول الحيوانات والنبات وعفونة هذا الماء ، وبيض السمك يصير جميعها موادّا في تكوّن هذه الأسماك.

كما قال أرسطاطاليس في كتاب الحيوان : وذلك شيء ظاهر للحس فإن كل شيء يتعفن يتولد من عفونته الحيوان ، ولهذا صار ما يتولد من الدود ، والفأر والثعابين والعقارب والزنابير والذباب ، وغيرها بأرض مصر كثيرا ، فقد استبان أن المزاج الغالب على أرض مصر الحرارة والرطوبة الفضلية. وإنها ذات أجزاء كثيرة ، وإن هواءها وماءها رديان ، وربما انقطع النيل في آخر الربيع وأوّل الصيف من جهة الفسطاط. فيعفن بكثرة ما يلقي فيه إلى أن يبلغ عفنه إلى أن يصير له رائحة منكرة محسوسة. وظاهر أن هذا الماء إذا صار على هذه الحالة غيّر مزاج الناس تغيرا محسوسا ، وينبغي أن يستقي ماء النيل من الموضع الذي فيه جريه أشدّ ، والعفونة فيه أقل ، ويصفي كل إنسان هذا الماء بحسب ما يوافق مزاجه. أما المحرورون في أيام الصيف فبالطباشير ، والطين الأرمنيّ ، والمغرة والنبق المرضوض ، والزعرور المرضوض ، والخل. وأما المبرودون في أيام الشتاء فباللوز المرّ ، داخل نوى المشمش ، والصعتر والشب. وينبغي أن ينظف ما يروّق ويشرب وإن شئت أن تصفيه بأن تجعله في آنية الخزف ، والفخار والجلود ، وما يمصل من ذلك بالرشح ، وإن شئت طبخته

١٢١

بالنار ، وجعلته في هواء الليل حتى يروق ، ثم نظفت منه ما يروق واستعملته.

وإذا ظهرت فيه كيفيات رديئات فاطبخه بالنار ثم بردّه تحت السماء في برودة الليل ، وصفه بأخلاط الأدوية التي ذكرتها وأجود ما اتخذ هذا الماء أن يصفى مرارا ، وذلك بأن يسخنه أو يطبخه ، ثم يبرّده في هواء الليل ، ويقطف ما يروق منه فتصفيه أيضا ببعض الأدوية ثم تأخذ ما يروق فتجعله في آنية تمصل في برد الليل ، وتأخذ الرشح فتشربه ، واجعل آنية هذا الماء في الصيف الخزف ، والفخار المعمولين في طوبة والظروف الحجرية ، والقرب ونحوها مما يبرد. وفي الشتاء الآنية الزجاج والمدهون ، وما يعمل في الصيف من الفخار ، والخزف ويكون موضعه في الصيف تحت الأسراب وفي مخاريق ريح الشمال ، وفي الشتاء بالمواضع الحارة ، ويبرد في الصيف بأن يخلط معه ماء الورد ، ويؤخذ خرقة نظيفة ويشدّ فيها طباشير وبزر رجلة أو خشخاش أبيض أو طين أرمنيّ ، أو مغرة ويلقي فيه كيما يأخذ من بردها ، ولا يخالطه جسمها ، وتغسل ظروفه في الصيف بالخزف المدقوق وبدقيق الشعير ، والباقلاء والصندل.

وفي الشتاء بالأشنان والسعد ويبخر بالمصطكى ، والعود. وأردأ ما يكون ماء النيل بمصر عند فيضه ، وعند وقوف حركته ، فعند ذلك ينبغي أن يطبخ ويبالغ في تصفيته بقلوب نوى المشمش وسائر ما يقطع لزوجته. وأجود ما يكون في طوبة عند تكامل البرد ، ومن أجل هذا عرفت المصريون بالتجربة أن ماء طوبة أجود المياه حتى صار كثير منهم يخزنه في القوارير الزجاج والصينيّ ويشربه السنة كلها ، ويزعم أنه لا يتغير وصاروا أيضا لا يصفونه في هذا الزمان لظنهم أنه على غاية الخلاص ، وأما أنت فلا تسكن إلى ذلك وصفه على أي حالة كان فالماء المخزون لا بدّ أن يتغير فهذا ما عندي من ذمّ ماء النيل. وحاصله : أن الماء تتغير كيفيته بما يمرّ عليه ، لا أن ذاته ردية ، فلا يهولنك ما تسمع ، فما الأمر إلا ما قلت لك ، وإذا كان الضرر بحسب ما تغير من كيفيته لا من كميته ، فقد عرفت ما تعالجه به كي يزول ما يخالطه من الكيفيات الردية ، والله الموفق بمنه وكرمه.

ذكر عجائب النيل

ومن عجائب النيل فرس البحر. قال عبد الله بن أحمد بن سليم الأسواني في كتاب أخبار النوبة : ومسافة ما بين دنقلة إلى أوّل بلد علوة أكثر مما بين دنقلة وأسوان ، وفي ذلك من القرى والضياع والجزائر ، والمواشي والنخل والشجر والمقل والزرع والكرم. أضعاف ما في الجانب الذي يلي أرض الإسلام.

وفي هذه الأماكن جزائر عظام مسيرة أيام فيها الحيات والوحوش والسباع ، ومفاوز يخاف فيها العطش ، وماء النيل ينعطف من هذه النواحي إلى مطلع الشمس ، وإلى مغربها مسافة أيام حتى يصير الصعيد كالمنحدر ، وهي الناحية التي تبلغ العطوف من النيل إلى

١٢٢

المعدن المعروف بالشتكة وهي بلد معروف بشنقير ، ومنه يخرج القمريّ وفرس البحر يكثر في هذا الموضع.

وحدثني سيمون صاحب عهد علوة أنه أحصى في جزيرة سبعين دابة منها ، وهي من دواب الشطوط في خلق الفرس في غلظ الجاموس قصيرة القوائم لها خف ، وهي في ألوان الخيل بأعراف وآذان صغار كآذان الخيل ، وأعناقها كذلك ، وأذنابها مثل أذناب الجواميس ، ولها خرطوم عريض يظنّ الناظر إليها أنّ عليها مخلاة لها صهيل وأنياب لا يقوم حذاءها تمساح ، وتعترض المراكب عند الغضب فتغرّقها ورعيها في البرّ العشب ، وجلدها فيه متانة عظيمة يتخذ منه دبابيس ، انتهى.

وهو كفرس البرّ إلا أنه أكبر عرفا وذنبا وأحسن لونا وحافره مشقوق كحافر البقر ، وجثته أكبر من الحمار بقليل ، وهو يأكل التمساح أكلا ذريعا ، ويقوى عليه قوّة ظاهرة ، وربما خرج من الماء ونزا على فرس البرّ ، فيتولد بينهما فرس في غاية الحسن.

واتفق أن بعض الناس نزل على طرف النيل ومعه حجرة ، فخرج من الماء فرس أدهم عليه نقط بيض ، فنزا على الحجرة ، فحملت منه ، وولدت مهرا عجيب الصورة ، فطمع في مهر آخر. فجاء بالحجرة والمهر إلى ذلك الموضع ، فخرج الفرس من الماء ، وشمّ المهر ساعة ، ثم وثب إلى الماء ، ومعه المهر فصار الرجل يتعهد ذلك المكان كثيرا فلم يعد الفرس ولا المهر إليه.

قال المسعودي : وفي نيل مصر وأرضها عجائب كثيرة من الحيوانات ، فمن ذلك السمك المعروف بالرعاد والواحدة نحو الذراع إذا وقعت في شبكة الصياد ارتعدت يده ، وعضده ، فيعلم بوقوعها فيبادر إلى أخذها ، وإخراجها من شبكته ولو أمسكها بخشب أو قصب فعلت ذلك. وقد ذكرها جالينوس أنها إن جعلت على رأس من به صداع شديد أو شقيقة وهي في الحياة هدأ من ساعته.

قال ابن البيطار (١) عن جالينوس : هو الحيوان البحري الذي يحدث الخدر ، وزعم قوم أنه أدنى من رأس من يشتكي الصداع سكن صداعه ، وإن أدنى من مقعدة من انقلبت مقعدته أصلحها ، ولكن أنا جربت الأمرين جميعا فلم أجد يفعل ولا واحدا منهما ، ففكرت أني أدنيته من رأس المصدوع والحيوان ما هو حيّ لأنني ظننت أنه على هذه الحال يكون دواء يمكن أن يسكن الصداع بمنزلة الأدوية ، فوجدته ينفع ما دام حيا. قال ديسقوريدوس : هو سمكة بحرية مخدّرة إذا وضعت على الرأس الذي عرض له الصداع المزمن سكن شدّة

__________________

(١) هو : عبد الله بن أحمد المالقي إمام النباتيين وعلماء الأعشاب. له مؤلفات عديدة منها : (الأدوية المفردة). ولد في مالقة وتوفي سنة ٦٤٦ ه‍. الأعلام ج ٤ / ٦٧.

١٢٣

وجعه ، وإذا احتمله ذو المقعدة التي تبرز إلى خارج أصلحها.

وقال يونس : الزيت الذي يطبخ فيه يسكن أوجاع المفاصل الحريفة إذا دهنت به.

قال ابن البيطار : رأيت بساحل مدينة مالقة من بلاد الأندلس سمكة عريضة لون ظاهرها لون رعاد مصر سواء ، وباطنها أبيض ، وفعلها في تخدير ماسكها كفعل رعاد مصر ، أو أشدّ إلا أنها لا تؤكل البتة. وقال بعضهم : إذا علقت المرأة شيئا من الرعاد عليها لم يطق زوجها البعد عنها ، وكذلك إن علق منها الرجل عليه لم تكد المرأة أن تفارقه.

والسقنقور (١) : هو صنف يتوالد من السمك ، والتمساح فلا يشاكل السمك ، لأنّ له يدين ورجلين ، ولا يشاكل التمساح لأنّ ذنبه أجرد أملس عريض غير مضرّس ، وذنب التمساح سخيف مضرّس ، ويتعالج بشحم السقنقور للجماع ، ولا يكون بمكان إلا في النيل ، وفي نهر مهران من أرض الهند ، وقد بلغني أنّ أقواما شووها وأكلوا منها فماتوا كلهم في ساعة واحدة.

والسقنقور قال ابن سيناء : هو ورن يصاد من نيل مصر. يقولون : إنه من نسل التمساح ، وأجود ما يصطاد في الربيع. وقال آخر : إنه فرخ التمساح فإذا خرج من البيض فما قصد الماء صار تمساحا ، وما قصد الرمل صار سقنقورا.

وقال ابن البيطار : هو جنس من الجراد يحفف في الخريف إذا شرب منه وزن درهمين من الموضع الذي يلي كلاه بشراب أنهض الجماع ، وهو شديد الشبه بالورن. يوجد بالرمال التي تلي نيل مصر في نواحي صعيدها ، وهو مما يسعى في البر ، ويدخل في الماء يعني النيل ، ولهذا قيل له : الورن المائيّ لشبهه به ، ولدخوله في الماء وهو يتولد من ذكر وأنثى ، ويوجد للذكر خصيتان كخصيتي الديك في خلقهما وموضعهما ، وإنانة تبيض فوق العشرين بيضة وتدفنها في الرمل ، وللذكر من السقنقور إحليلان ، وللأنثى فرجان ، والسقنقور يعض الإنسان ، ويطلب الماء فإن وجده دخل فيه وإن لم يجده بال ، وتمرّغ في بوله ، وإذا فعل ذلك مات المعضوض لوقته وسلم السقنقور ، فإن اتفق أن سبق المعضوض إلى الماء فدخله قبل دخول السقنقور الماء وتمرّغه في بوله مات السقنقور لوقته وسلم المعضوض. والأفضل الذكر منه والأبلغ في نفع الباه بل هو المخصوص بذلك دون الأنثى. والمختار من أعضائه ما يلي أصل ذنبه ومحاذى سرته. والوقت الذي يصاد فيه : الربيع فإنه يكون فيه هائجا للسفاد ، فيكون في هذا الوقت أبلغ نفعا فإذا أخذ ذكى في يوم صيده فإنه إن ترك حيا زال شحمه ، وهزل لحمه ، وضعف فعله ، ثم يقطع رأسه وطرف ذنبه من غير استئصال ويشق

__________________

(١) السقنقور : نوع من السحالي ينتشر بشمال إفريقية برتقالي اللون مخطط بالبني الداكن يدفن نفسه بالرمال ويتغذى بالحشرات. النجوم الزاهرة ج ١ / ٥٤.

١٢٤

جوفه طولا ويلقي ما فيه إلا كلاه ، وكيسه فإذا نظف حشي ملحا وخيط الشق ، وعلق منكوسا في ظل معتدل الهواء حتى يجف ويؤمن فساده ، ثم يرفع في إناء متخرق للهواء كالسلال المضفورة من قضبان شجر الصفصاف ، والخوص ونحوه إلى وقت الحاجة. ولحمه طريا حار رطب والمجفف أشدّ حرارة ، وأقل رطوبة ولا يوافق استعماله من مزاجه حار يابس. وإنما يوافق ذوي الأمزجة الباردة الرطبة ، وخاصة لحمه وشحمه. إنهاض شهوة الجماع ، ويهيج الشبق ويقوّي الاتعاظ ، وينفع أمراض العصب الباردة وخاصة ما يلي سرته ، ويحاذي ذنبه وينفع مفردا ومركبا ، واستعماله مفردا أبلغ والمقدار منه بعد تجفيفه من مثقال إلى ثلاثة مثاقيل بحسب السنّ ، والمزاج والبلد والوقت الحاضر يسحق ويذاب بشراب أو ماء العسل ، أو نقيع الزبيب أو يذرّ على صفرة بيض الدجاج النيمرشت ويتحسى ، وكذلك يفعل بلحمه ، إذا أخذ منه من درهم إلى درهمين ، وذرّ على صفرة البيض بمفرده أو مع مثله بزر جرجير مسحوق ، ولا يوجد السقنقور إلا في بلاد الفيوم خاصة وأكثر صيده في الأربعينات إذا اشتدّ البرد ، وخرج من الماء إلى البرّ فحينئذ يصاد.

وقال المسعوديّ : والفرس الذي يكون في نيل مصر إذا خرج من الماء وانتهى وطؤه إلى بعض المواضع من الأرض ، علم أهل مصر أنّ النيل يزيد إلى ذلك الموضع بعينه غير زائد عليه ، ولا مقصر عنه لا يتخلف ذلك عندهم لطول العادات ، والتجارب. وفي ظهوره من الماء ضرر بأرباب الأرض والغلات لرعيه الزرع ، وذلك أنه يظهر من الماء في الليل ، فينتهي إلى موضع من الزرع ثم يولي عائدا إلى الماء ، فيرعى في حال رجوعه من الموضع الذي انتهى إليه مسيره ، ولا يرعى من ذلك الذي قد رعاه شيئا في ممرّه ، وإذا رعى ورد الماء وشرب ثم قذف ما في جوفه في مواضع شتى فينبت ذلك مرّة ثانية ، وإذا كثر ذلك من فعله واتصل ضرره بأرباب الضياع طرحوا له من الترمس في الموضع الذي يعرف خروجه منه مكاكي كثيرة مبدرا مبسوطا فيأكله ثم يعود إلى الماء ، فإذا شرب منه ربا الترمس (١) في جوفه وانتفخ ، فينشق جوفه منه ، ويموت ويطفو على الماء ، ويقذف به إلى الساحل والموضع الذي يرى فيه لا يرى به تمساح ، وهو على صورة الفرس إلا أنّ حوافره وذنبه بخلاف ذلك ، وجبهته واسعة.

وقال المسبحي : إنّ الصنف المعروف بالبلطي من أصناف السمك أوّل ما عرف بنيل مصر في أيام الخليفة ـ العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله ـ ولم يكن يعرف قبله في النيل ، وظهر في أيامه أيضا سمك يعرف باللبيس ، وإنما سمي باللبيس لأنه يشبه البوري الذي بالبحر الملح ، فالتبس به وغالب الظنّ أنها من أسماك البحر الملح دخلت في الحلو.

ومن حيوان البحر : التمساح. قال ابن البيطار : التمساح حيوان معروف يكون في

__________________

(١) الترمس : الباقلّاء بالمصري ، أو ثمر شجر له حب مضلع محزّز.

١٢٥

الأنهار الكبار. وفي النيل كثيرا ويوجد في نهر مهران ، وقد يوجد في بلاد السودان ، وهو الورن النيليّ.

وقال ابن زهران : كل حيوان يحرّك فكه الأسفل إذا أكل ما خلا التمساح فإنه يحرّك فكه الأعلى دون الأسفل وشحم التمساح إذا عجن بالسمن ، وجعل فيه فتيلة وأسرج في نهر أو أجمة لم ينعق ضفادعها ، ما دامت تقد ، وإن طيف بجلد تمساح حول قرية ، ثم علق على سطح دهليز لم يقع البرد في تلك القرية ، وإذا عض التمساح إنسانا فوضع على العضة شحم التمساح برأ من ساعته ، وإن لطخ بشحمه جبهة كبش نطاح نفر كل كبش يناطحه ، وهرب منه. ومرارته يكتحل بها للبياض في العين فيذهبه ، وكبده ينجر بها المجنون فيبرأ ، وزبل التمساح يزيل البياض من العين الحديث والقديم ، وإن قلعت عيناه وهو حيّ وعلقت على من به جذام أوقفه ، ولم يزد عليه شيء ، وإن علق شيء من التي بجانب الأيمن رجل زاد في جماعه ، وعينه اليمنى لمن يشتكي عينه اليمنى ، وعينه اليسرى لمن يشتكي عينه اليسرى ، وشحمه إذا أذيب بدهن ورد نفع من وجع الصلب والكليتين وزاد في الباه ، وإذا أخذ دم التمساح وخلط به هليلج وأملج وطلي به على الوضح أذهبه ، وغيّر لونه ، وإذا طلي به على الجبهة والصدغين نفع من وجع الشقيقة ، وإذا أكل لحمه اسفيد باجا سمن البدن النحيف ، وشحمه إذا قطر بعد أن يذاب في الأذن الوجعة نفعها ، وإن أدمن تقطيره في الأذن نفع من الصمم ، وإذا دهن به صاحب حمى الربع سكنت عنه ، ولحمه رديء الكيموس.

وقال المسعودي : وكذلك التمساح آفته من دويبة تكون في سواحل النيل وجزائره ، وهو أنّ التمساح لا دبر له وما يأكله يتكوّن في بطنه دودا ، فإذا أذاه ذلك خرج إلى البرّ فاستلقى على قفاه فاغرا فاه فينقض إليه طير الماء ، وقد اعتاد ذلك منه ، فيأكل ما يظهر من جوفه من ذلك الدود العظيم وتكون تلك الدويبة قد كمنت في الرمل فتثب إلى حلقه وتصير إلى جوفه وتخرج فيخبط بنفسه إلى الأرض ويطلب قعر النيل حتى تأتي الدويبة على حشو جوفه ، ثم تخرج جوفه وتخرج. وربما قتل نفسه قبل أن تخرج فتخرج بعد موته ، وهذه الدويبة تكون نحو الذراع على صورة ابن عرس ذات قوائم شتى ومخالب. ويقال : إن بجبال فسطاط مصر طلسم معمول بها ، وكان التمساح لا يستطيع القرب حوله بل كان إذا بلغ حددوده انقلب ، واستلقى على ظهره فيعبث به الصبيان إلى أن يجاوز نهاية المدينة ، ثم يعود مستويا ويعود إلى طباعه ، ثم إن هذا الطلسم كسر فبطل فعله ، ويقال : إن التمساح يبيض كبيض الأوز ، وربما تولد فيه جرادين صغار ثم تكبر حتى يبلغ طولها عشرة أذرع ، وتزداد طولا كلما عمرت ، والتمساح يرتعش ستين مرّة في حركة واحدة ومحل واحد ، وسنه اليسرى نافعة للنافض.

١٢٦

ذكر طرف من تقدمة المعرفة بحال النيل في كل سنة

قال ابن رضوان في شرح الأربع : وقد يحتاج أمر النيل إلى شروط. منها : أن تكون الأمطار متوالية في نواحي الجنوب قبل مدّه ، وفي وقت مدّه ، ولذلك وجب أن يكون النيل متى كانت الزهرة وعطارد مقترنين في مدخل الصيف ، كثير الزيادة لرطوبة الهواء ، ومتى كان المريخ ، أو بعض المنازل في ناحية الجنوب في مدخل الربيع أو الصيف كان قليلا لقلة الأمطار في تلك الناحية ، ومنها : أن تكون الرياح شمالية لتوقف جريه.

فأما الجنوبية : فإنها تسرع انحداره ولا تدعه يلبث فإذا علمت ما يكون في ناحية الجنوب من كثرة الأمطار أو قلتها وفي ناحية مصر من هبوب مصر في فصلي الربيع والصيف ، فقد علمت حال النيل كيف يكون ، وتعلم من حاله ما يعرض بمصر من الخصب والجدب.

وقال أبو سامر بن يونس المنجم عن بطليموس : إذا أردت أن تعلم مقدار النيل في الزيادة والنقصان ، فانظر حين تحل الشمس برج السرطان إلى الزهرة ، وعطارد ، والقمر ، فإن كانت أحوالها جيدة وهي برية من النحوس ، فالنيل يمتدّ وتبلغ الحاجة به وإن كانت أحوالها بخلاف ذلك وهي ضعيفة فانكس القول فإن ضعف بعضها وصلح البعض توسط الحال في النيل ، والضابط أن قوّة الثلاثة تدل على تمام النيل ، وضعفها على توسطه ، وانتحاسها أو احتراقها أو وقوعها في بعدها الأبعد من الأرض على النقص ، وإنه قليل جدّا إلا أن احتراق الزهرة في برج الأسد يستنزل الماء من الجنوب.

وقال أبو معشر (١) : ينظر عند انتقال الشمس إلى برج السرطان للزهرة وعطارد والقمر ، فإن كانت في سيرها الأكبر فإن زيادة النيل عظيمة ، وإن كانت في سيرها الأوسط فاعرف كم أكثر مسيرها ، وكم أقله وأنسبه بحسب ما تراه ، وإن كانت بطيئة السير فزيادة النيل قليلة ، وإن اختلف مسير هذه الثلاثة فكان بعضها في مسيره الأكبر ، وبعضها بطيء السير ، فغلب أقواها وأمزج الدلالة وقل بحسب ذلك.

وقالت القبط : ينظر أوّل يوم من شهر برمودة (٢) ما الذي يوافقه من أيام الشهر العربيّ ، فما كان من الأيام فزد عليه خمسة وثمانين ، فما بلغ خذ سدسه فإنه يكون عدد مبلغ النيل من الأذرع في تلك السنة.

__________________

(١) هو جعفر بن محمد بن عمر البلخي عالم فلكي مشهور ، عالم أهل الإسلام بأحكام النجوم وكان أعلم الناس بتاريخ الفرس وسائر الأمم ، عمّر أكثر من مئة سنة توفي سنة ٢٧٢ ه‍. الأعلام ج ٢ / ١٢٧.

(٢) برمودة : هو شهر نيسان.

١٢٧

قالوا : ومن المعتبر أيضا في أمر النيل أن تنظر اليوم الذي تفطر فيه النصارى اليعاقبة بمصر وما بقي من الشهر العربيّ فزد عليها أربعا وثلاثين ، فما بلغ أسقطه اثني عشر فإن بقي بعد ذلك الإسقاط من العدد زيادة على اثني عشر ، فهو زيادة النيل من الأذرع في تلك السنة ، مع الاثني عشر وإن بقي اثني عشر فهي سنة رديئة. قالوا : وإذا كان العاشر من الشهر العربيّ موافقا لشهر أبيب (١) ، والقمر في برج العقرب ، فإن كان مقارنا لقلب العقرب كان النيل مقصرا وإلا فهو جيد. قالوا : وينظر أوّل يوم من بؤنة (٢) فإن هبت الريح شمالا في بكرة النهار كان النيل عاليا ، وإن هبت وسط النهار فإنه متوسط ، وإن هبت آخر النهار كان نيلا قاصرا ، وإن لم تهب لم يطلع تلك السنة. وقيل : يعتبر هكذا أول خميس من بؤنة.

ومن المعتبر الذي جرّبته أنا سنين ، وأخبرني بعض شيوخنا : أنه جرّبه وأخبره به من جرّبه فصح أن ينظر أوّل يوم من مسرى كم مبلغ النيل ، فزد عليه ثمانية أذرع ، فما بلغ فهو زيادة النيل في تلك السنة ، ومما اشتهر عند أهل مصر وجربته أيضا ، فصح أن يؤخذ قبل عيد ميكائيل بيوم في وقت الظهر من الطين الذي مرّ عليه ماء النيل قطعة زنتها ستة عشر درهما سواء ، وترفع في إناء مغطى إلى بكرة يوم عيد ميكائيل وتوزن فما زاد على وزنها من الخراريب كان مبلغ النيل في تلك السنة بقدر عدد تلك الخراريب لكل خرّوبة ذراع ، ومن ذلك أخذ شيء من دقيق القمح ، وعجنه بماء النيل في إناء فخار ، وقد عمل من طين مرّ عليه النيل ، وتركه مغطى طول ليلة عيد ميكائيل ، فإذا وجد بكرة يوم العيد قد اختمر بنفسه ، كان النيل تامّا وافيا ، وإن وجده لم يختمر دل على قصور هذا النيل ، ثم ينظرون مع ذلك بكرة يوم عيد ميكائيل إلى الهواء ، فإن هبت طيابا فهو نيل كبير ، وإن هبت غير طياب فهو نيل مقصر ، لا سيما إن هبت مريسيا فإنه يكون نيلا غير كاف ، والشأن عندهم إنما هو في دلالة العلامات الثلاث على شيء واحد ، فأما إذا اختلف فالحكم لا يكاد يصح.

وقال أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني في كتاب الآثار الباقية عن القرون الخالية ، وذكر أصحاب التجارب : أنه إذا تقدّم فعمد إلى لوح وزرع عليه من كل زرع ونبات حتى إذا كانت الليلة الخامسة والعشرون من شهر تموز أحد شهور الروم وهي آخر أيام الباحور ، ثم وضع اللوح بارزا لطلوع الكواكب ، وغروبها لا يحول بينه وبين السماء شيء ، فإن كل ما لا يزكو في تلك السنة من الزروع يصبح أصفر ، وما يصلح ريعه منها يبقى أخضر ، وكذلك كانت القبط تفعل ذلك وقد جرّبت أنا على ما أفادنيه بعض الكتاب أنه إذا حصل مطر ولو قل في شهر بابة ينظر ما ذلك اليوم من الشهر القبطيّ فإنه يبلغ سعر الويبة القمح تلك السنة من الدراهم بعدد ما مضى من أيام شهر بابة. وأوّل ما جرّبت هذا أنه وقع مطر في بابة يوم الخميس الخامس عشر منها فبيعت الويبة (٣) تلك السنة بخمسة عشر درهما.

__________________

(١) أبيب : هو شهر تموز.

(٢) بؤنة : هو شهر حزيران.

(٣) الويبة : مكيال مقداره : اثنان وعشرون أو أربعة وعشرون مدّا.

١٢٨

ذكر عيد الشهيد

ومما كان يعمل بمصر عيد الشهيد ، وكان من أنزه فرج مصر ، وهو (اليوم الثامن من بشنس) (١). أحد شهور القبط ، ويزعمون أن النيل بمصر لا يزيد في كل سنة حتى يلقي النصارى فيه تابوتا من خشب فيه أصبع من أصابع أسلافهم الموتى. ويكون ذلك اليوم عيدا ترحل إليه النصارى من جميع القرى ، ويركبون فيه الخيل ، ويلعبون عليها ، ويخرج عامّة أهل القاهرة ، ومصر على اختلاف طبقاتهم ، وينصبون الخيم على شطوط النيل وفي الجزائر ، ولا يبقى مغنّ ولا مغنية ، ولا صاحب لهو ، ولا رب ملعوب ، ولا بغيّ ولا مخنث ولا ماجن ، ولا خليع ولا فاتك ولا فاسق إلا ويخرج لهذا العيد ، فيجتمع عالم عظيم لا يحصيهم إلا خالقهم.

وتصرف أموال لا تنحصر ويتجاهر هناك بما لا يحتمل من المعاصي والفسوق ، وتثور فتن وتقتل أناس ويباع من الخمر خاصة في ذلك اليوم بما ينيف على مائة ألف درهم فضة عنها خمسة آلاف دينار ذهبا وباع نصرانيّ في يوم واحد بإثني عشر ألف درهم فضة من الخمر ، وكان اجتماع الناس لعيد الشهيد دائما بناحية شبرى من ضواحي القاهرة ، وكان اعتماد فلاحي شبرى دائما في وفاء الخراج على ما يبيعونه من الخمر في عيد الشهيد.

ولم يزل الحال على ما ذكر من الاجتماع كذلك إلى أن كانت سنة اثنتين وسبعمائة ، والسلطان يومئذ بديار مصر : الملك الناصر محمد بن قلاوون ، والقائم بتدبير الدولة الأمير : ركن الدين بيبرس (٢) الجاشنكير ، وهو يومئذ أستادار السلطان ، والأمير سيف الدين سلار نائب السلطنة بديار مصر ، فقام الأمير بيبرس في إبطال ذلك قياما عظيما ، وكان إليه أمور ديار مصر هو والأمير سلار والناصر تحت حجرهما لا يقدر على شبع بطنه إلا من تحت أيديهما ، فتقدم أمر الأمير بيبرس أن لا يرمي أصبع في النيل ، ولا يعمل له عيد ، وندب الحجاب ووالى القاهرة لمنع الناس من الاجتماع بشبرى على عادتهم ، وخرج البريد إلى سائر أعمال مصر ، ومعهم الكتب إلى الولاة بإجهار النداء وإعلانه في الأقاليم بأن لا يخرج أحد من النصارى ، ولا يحضر لعمل عيد الشهيد ، فشق ذلك على أقباط مصر كلهم من أظهر الإسلام منهم ، وزعم أنه مسلم ، ومن هو باق على نصرانيته ، ومشى بعضهم إلى بعض وكان منهم رجل يعرف : بالتاج بن سعيد الدولة يعاني الكتابة ، وهو يومئذ في خدمة الأمير بيبرس ، وقد احتوى على عقله واستولى على جميع أموره كما هي عادة ملوك مصر ، وأمرائها

__________________

(١) بشنس : هو أيار.

(٢) من سلاطين المماليك بمصر والشام كان من مماليك المنصور قلاوون. تسلطن سنة ٧٠٨ وتلقب بالملك المظفر قتل سنة ٧٠٩ ه‍. الأعلام ج ٢ / ٧٩.

١٢٩

من الأتراك في الانقياد لكتابهم من القبط سواء منهم من أسرّ الكفر ومن جهر به.

وما زال الأقباط بالتاج إلى أن تحدّث مع مخدومه الأمير بيبرس في ذلك ، وخيل له من تلف مال الخراج إذا بطل هذا العيد. فإن أكثر خراج شبرى إنما يحصل من ذلك ، وقال له : متى لم يعمل العيد لم يطلع النيل أبدا. ويخرب إقليم مصر لعدم طلوع النيل ، ونحو ذلك من هتف القول ، وتنميق المكر فثبت الله الأمير بيبرس ، وقوّاه حتى أعرض عن جميع ما زخرفه من القول واستمرّ على منع عمل العيد. وقال للتاج : إن كان النيل لا يطلع إلا بهذا الأصبع فلا يطلع ، وإن كان الله سبحانه هو المتصرف فيه فنكذب النصارى ، فبطل العيد من تلك السنة ولم يزل منقطعا إلى سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة.

وعمّر الملك الناصر محمد بن قلاوون الجسر في بحر النيل ليرمي قوّة التيار عن برّ القاهرة إلى ناحية الجيزة كما ذكر في موضعه من هذا الكتاب ، فطاب الأمير يلبغا اليحياويّ ، والأمير الطنبغا (١) المارديني من السلطان أن يخرجا إلى الصيد ويغيبا مدّة ، فلم تطب نفسه بذلك لشدّة غرامه بهما ، وتهتكه في محبتهما ، وأراد صرفهما عن السفر ، فقال لهما : نحن نعيد عمل عيد الشهيد ، فيكون تفرّجكما عليه أنزه من خروجكما إلى الصيد ، وكان قد قرب أوان وقت عيد الشهيد فرضيا منه بذلك ، وأشيع في الإقليم إعادة عمل عيد الشهيد ، فلما كان اليوم الذي كانت العادة بعمله فيه ركب الأمراء النيل في الشخاتير بغير حراريق ، واجتمع الناس من كل جهة ، وبرز أرباب الغناء وأصحاب اللهو والخلاعة ، فركبوا النيل وتجاهروا بما كانت عادتهم المجاهرة به من أنواع المنكرات ، وتوسع الأمراء في تنوّع الأطعمة والحلاوات ، وغيرها توسعا خرجوا فيه عن الحدّ في الكثرة البالغة ، وعمّ الناس منهم ما لا يمكن وصفه لكثرته ، واستمرّوا على ذلك ثلاثة أيام ، وكانت مدّة انقطاع عمل عيد الشهيد منذ أبطله الأمير بيبرس إلى أن أعاده الملك الناصر ، ستا وثلاثين سنة ، واستمرّ عمله في كل سنة بعد ذلك إلى أن كانت سنة خمس وخمسين وسبعمائة ، تحرّك المسلمون على النصارى وعملت أوراق بما قد وقف من أراضي مصر على كنائس النصارى ، ودياراتهم. وألزم كتاب الأمراء بتحرير ذلك وحمل الأوراق إلى ديوان الأحباس ، فلما تحرّرت الأوراق اشتملت على خمسة وعشرين ألف فدّان كلها موقوفة على الديارات والكنائس ، فعرضت على أمراء الدولة القائمين بتدبير الدولة في أيام الملك الصالح : صالح (٢) بن محمد بن قلاوون وهم : الأمير شيخو العمري ، والأمير صرغتمش ، والأمير طاز ، فتقرّر الحال على أن ينعم بذلك على الأمراء زيادة على إقطاعاتهم ، وألزم النصارى بما يلزمهم من الصغار ، وهدمت لهم

__________________

(١) من مماليك الأمير علاء الدين الجاولي. شاعر مجيد ثم صار أحد أمراء الجند في الشام وتوفي فيها وذلك سنة ٧٤٤ ه‍. الأعلام ج ٢ / ٧.

(٢) من ملوك الدولة القلاوونية ، ولد سنة ٧٣٨ ه‍ وبويع له بالسلطنة بعد خلع أخيه حسن سنة ٧٥٢ ه‍ ثم خلع وحبس إلى أن مات سنة ٧٦١ ه‍. الأعلام ج ٣ / ١٩٥.

١٣٠

عدّة كنائس كما هو مذكور في موضعه من هذا الكتاب عند ذكر الكنائس ، فلما كان العشر الأخير من شهر رجب من السنة المذكورة خرج الحاجب والأمير علاء الدين عليّ بن الكورانيّ والي القاهرة إلى ناحية شبرى الخيام من ضواحي مصر ، فهدمت كنيسة النصارى ، وأخذ منها أصبع الشهيد في صندوق وأحضر إلى الملك الصالح ، وأحرق بين يديه في الميدان ، وذرى رماده في البحر حتى لا يأخذه النصارى ، فبطل عيد الشهيد من يومئذ إلى هذا العهد ، ولله الحمد والمنة.

١٣١

ذكر الخلجان التي شقت من النيل

اعلم أن النيل إذا انتهت زيادته فتحت منه خلجان وترع ، يتخرّق الماء فيها يمينا وشمالا إلى البلاد البعيدة عن مجرى النيل ، وأكثر الخلجان والترع والجسور ، والأخوار بالوجه البحريّ. وأما الوجه القبليّ : وهو بلاد الصعيد فإن ذلك قليل فيه ، وقد ذهبت معالمه ودرست رسومه من هنالك.

والمشهور من الخلجان : خليج منجا ، وخليج منف ، وخليج المنهى ، وخليج أشموم طناح ، وخليج سردوس ، وخليج الإسكندرية ، وخليج دمياط ، وخليج القاهرة ، وبحر أبي المنجا ، والخليج الناصري ظاهر القاهرة.

قال ابن عبد الحكم عن أبي رهم السماعيّ قال : كانت مصر ذات قناطر ، وجسور بتقدير وتدبير حتى إن الماء ليجري تحت منازلها وأفنيتها ، فيحسبونه كيف شاءوا ، ويرسلونه كيف شاءوا ، فذلك قوله تعالى ، عما حكى عن قول فرعون : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ) [الزخرف / ٥١] ، ولم يكن يومئذ في الأرض ملك أعظم من ملك مصر ، وكانت الجنات بحافتي النيل من أوّله إلى آخره في الجانبين معا جميعا مما بين أسوان إلى رشيد ، وسبع خلج : خليج الإسكندرية ، وخليج سخا ، وخليج دمياط ، وخليج منف ، وخليج الفيوم ، وخليج المنهي ، وخليج سردوس ، جنات متصلة لا ينقطع منها شيء عن شيء ، والزرع ما بين الجبلين من أوّل مصر إلى آخرها مما يبلغه الماء.

وكانت جميع أرض مصر كلها تروى من ستة عشر ذراعا لما قدّروا ودبروا من قناطرها وخلجها وجسورها ، فذلك قوله تعالى : (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ) [الدخان / ٢٦]. قال : والمقام الكريم : المنابر ، كان بها ألف منبر.

(خليج سخا) (١) وخليج سخا : حفره ندارس بن صا ابن قبطيم بن مصرايم بن بيصر بن حام بن نوح وهو : أحد ملوك القبط القدماء الذين ملكوا مصر في الدهر الأوّل.

قال ابن وصيف شاه : ندارس الملك أوّل من ملك الأحياز كلها بعد أبيه صا ، وصفا له ملك مصر ، وكان ندارس محتنكا مجرّبا ذا أيد وقوّة ، ومعرفة بالأمور ، فأظهر العدل ، وأقام

__________________

(١) خليج سخا : حفره برصا أحد ملوك مصر بعد الطوفان. صبح الأعشى ٣ / ٣٣٥.

١٣٢

الهياكل وأهلها قياما حسنا ، ودبر جميع الأحياز. ويقال : إنه الذي حفر خليج سخا وارتفع مال البلد على يده مائة ألف ألف دينار وخمسين ألف ألف دينار ، وقصده بعض عمالقة الشام فخرج إليه واستباحه ، ودخل فلسطين ، وقتل بها خلقا ، وسبى بعض حكمائها وأسكنهم مصر ، وهابته الملوك وعلى رأس ثلاثين من ملكه طمع السودان من الزنج والنوبة في أرضه ، وعاثوا وأفسدوا ، فجمع الجيوش من أعمال مصر وأعد المراكب ، ووجه قائدا يقال له : فلوطس في ثلثمائة ألف ، وقائدا آخر في مثلها ، ووجه في النيل ثلثمائة سفينة في كل سفينة كاهن يعمل أعجوبة من العجائب ، ثم خرج في جيوش كثيرة ، فلقي جمع السودان ، وكانوا في زهاء ألف ألف فهزمهم ، وقتل أكثرهم أبرح قتل ، وأسر منهم خلقا وتبعتهم جيوشه حتى وصلوا إلى أرض الفيلة من بلاد الزنج ، فأخذوا منها عدّة ومن النمور والوحوش وساقوها إلى مصر فذللها وعمل على حدود بلده منارا وزبر عليه مسيره ، وظفره الوقت الذي سار فيه ، ومات بمصر فدفن في ناووس نقل إليه شيئا كثيرا من أصنام الكواكب ، ومن الذهب والجوهر والصيغة والتماثيل ، وزبر عليه اسمه وتاريخ هلاكه ، وجعل له طلسمات تمنع منه وعهد إلى ابنه ماليق بن ندارس.

(خليج سردوس) (١) : حفره هامان. قال ابن وصيف شاه طلما بن قومس الملك : جلس على سرير الملك ، وحاز جميع ما كان في خزائنهم ، وهو الذي تذكر القبط أنه فرعون موسى.

فأما أهل الأثر فيزعمون أنه الوليد بن مصعب ، وأنه من العمالقة ، وذكروا أن الفراعنة سبعة ، وكان طلما فيما حكي عنه : قصيرا طويل اللحية أشهل العينين صغير العين اليسرى في جبينه شامة ، وكان أعرج. وزعم قوم : أنه من القبط ونسب أهل بيته مشهور عندهم.

وذكر آخرون : أنه دخل منف على أتان عليها نطرون جاء ليبيعه ، وكانوا قد اضطربوا في تولية الملك فرضوا أن يملكوا عليهم أوّل من يطرأ من الناس ، فلما رأوه ملكوه عليهم ، ولما جلس في الملك بذل الأموال ، وقرب من أطاعه ، وقتل من خالفه فاعتدل أمره ، واستخلف هامان ، وكان يقرب منه في نسبه ، وأثار بعض الكنوز وصرفها في بناء المدائن والعمارات وحفر خلجانا كثيرة.

ويقال : إنه الذي حفر خليج سردوس ، وكان كلما عرّجه إلى قرية من قرى الحوف حمل إليه أهلها مالا حتى اجتمع من ذلك مال كثير فأمر بردّه على أهله.

وقال ابن عبد الحكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي‌الله‌عنهما : أن فرعون استعمل هامان على حفر خليج سردوس فلما ابتدأ حفره أتاه أهل كل قرية يسألونه أن يجري

__________________

(١) خليج سردوس : وهو الذي حفره فرعون وهامان. صبح الأعشى ٣ / ٣٣٣.

١٣٣

الخليج تحت قريتهم ، ويعطونه مالا ؛ قال : وكان يذهب به إلى هذه القرية من نحو الشرق ، ثم يردّه إلى قرية من نحو دبر القبلة ، ثم يردّه إلى قرية في الغرب ثم يردّه إلى أهل قرية في القبلة ، ويأخذ من أهل كل قرية مالا حتى اجتمع له من ذلك مائة ألف دينار ، فأتى بذلك يحمله إلى فرعون فسأله عن ذلك ، فأخبره بما فعل في حفره فقال له فرعون : ويحك إنه ينبغي للسيد أن يعطف على عباده ، ويفيض عليهم ، ولا يرغب فيما بأيديهم ردّ على أهل كل قرية ما أخذت منهم فردّه كله على أهله. قال : فلا يعلم بمصر خليج أكثر انعطافا منه لما فعل هامان في حفره كان هامان نبطيا.

(خليج الإسكندرية) : قال ابن عبد الحكم : ويقال : إن الذي بنى منارة الإسكندرية (فليطرة الملكة) وهي التي ساقت خليجها حتى أدخلته الإسكندرية ، ولم يكن يدخلها الماء كان يعدل من قرية يقال لها : كسا قبالة الكريون ، فحفرته حتى أدخلته الإسكندرية وهي التي بلطت قاعته. وقال الكندي : إن الحارث بن مسكين قاضي مصر حفر خليج الإسكندرية.

وقال الأسعد بن مماتي في كتاب قوانين الدواوين : خليج الإسكندرية عليه عدّة ترع وطوله من فم الخليج ثلاثون ألف قصبة وستمائة قصبة ، وعرضه من قصبتين ونصف إلى ثلاث قصبات ونصف ، ومقام الماء فيه بالنسبة إلى النيل فإن كان مقصر أقصرت مدّة إقامته فيه ، وإن كان عاليا أقام فيه ما يزيده على شهرين.

ورأيت جماعة من أهل الخبرة ، وذوي المعرفة يقولون : إنه إذا عملت من قبالة منية نتيج إلى نتيج زلاقة استقرّ الماء فيه صيفا وشتاء ، ورأيت البحيرة جميعها وحوف ودمسيس والكفور الشاسعة ، وقد زرعت عليه القصب ، والقلقاس والنيلة وأنواع زراعة الصيفيّ وجرى مجرى بحر الشرق والمحلة ، وتضاعفت عليه البلاد ، وعظم ارتفاعها وإقامة هذه الزلاقة ممكنة لوجود الحجارة في ربوة والطوب في البحيرة ، وإنهم قدّروا ما يحتاج إليه فوجدوه يناهز عشرة آلاف دينار.

ويقال : إنه كان الماء فيه جاريا طول السنة ، وكان السمك فيه غاية من الكثرة بحيث تصيده الأطفال بالخرق فضمنه بعض الولاة بمال ، ومنع الناس من صيده ، فعدم منه السمك ، ولم ير بعد ذلك فيه سمكة فصار يخرج بالشباك.

(خليج الفيوم والمنهى) : مما حفره نبيّ الله يوسف الصديق عليه‌السلام عندما عمّر الفيوم كما هو مذكور في خبر الفيوم من هذا الكتاب ، وهو مشتق من النيل لا ينقطع جريه أبدا ، وإذا قابل النيل ناحية دورة سريام التي تعرف اليوم بدورة الشريف يعني ابن يغلن النائب في الأيام الظاهرية بيبرس تشعبت منه في غربيه شعبة تسمى المنهى تستقل نهرا يصل إلى الفيوم ، وهو الآن عرف : ببحر يوسف ، وهو نهر لا ينقطع جريانه في جميع السنة ، فيسقي الفيوم عامّة سقيا دائما ، ثم ينجرّ فضل مائه في بحيرة هناك ، ومن العجب أنه ينقطع ماؤه من

١٣٤

فوهته ، ثم يكون له بلل دون المكان المندي ثم يجري جريا ضعيفا دون مكان البلل ، ثم يستقل نهرا جاريا لا يقطع إلا بالسفن ، ويتشعب منه أنهار وينقسم قسما يعمّ الفيوم ويسقي قراه ومزارعه وبساتينه وعامّة أماكنه ، والله أعلم.

(خليج القاهرة) : هذا الخليج بظاهر القاهرة من جانبها الغربي فيما بينها وبين المقس عرف في أوّل الإسلام : بخليج أمير المؤمنين ، وتسميه العامّة اليوم : بخليج الحاكمي ، وبخليج اللؤلؤة ، وهو خليج قديم أوّل من حفره طوطيس بن ماليا أحد ملوك مصر الذين سكنوا مدينة منف ، وهو الذي قدم إبراهيم الخليل صلوات الله عليه في أيامه إلى مصر ، وأخذ منه امرأته سارة ، وأخدمها هاجر أم إسماعيل صلوات الله عليهما ؛ فلما أخرجها إبراهيم هي وابنها إسماعيل إلى مكة بعثت إلى طوطيس تعرّفه أنها بمكان جدب وتستغيثه ، فأمر بحفر هذا الخليج ، وبعث إليها فيه بالسفن تحمل الحنطة وغيرها إلى جدّة ، فأحيا بلد الحجاز ، ثم إن أندرومانوس الذي يعرف : بإيليا أحد ملوك الروم بعد الإسكندر بن فيلبس المقدوني ، جدّد حفر هذا الخليج ، وسارت فيه السفن ، وذلك قبل الهجرة النبوية بنيف وأربعمائة سنة. ثم إن عمرو بن العاص رضي‌الله‌عنه ، جدد حفره لما فتح مصر وأقام في حفره ستة أشهر ، وجرت فيه السفن بحمل الميرة إلى الحجاز فسمي : خليج أمير المؤمنين ، يعني عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه ، فإنه هو الذي أشار بحفره ، ولم تزل تجري فيه السفن من فسطاط مصر إلى مدينة القلزم التي كانت على حافة البحر الشرقي حيث الموضع الذي يعرف اليوم على البحر : بالسويس ، وكان يصب ماء النيل في البحر من عند مدينة القلزم إلى أن أمر الخليفة أبو جعفر المنصور بطمه في سنة خمسين ومائة ، فطم وبقي منه ما هو موجود الآن ، وسيأتي الكلام عليه مبسوطا إن شاء الله تعالى عند ذكر ظواهر القاهرة من هذا الكتاب.

(بحر أبي المنجا) (١) : هذا الخليج تسميه العامّة : بحر أبي المنجا الذي حفره : الأفضل بن أمير الجيوش في سنة ست وخمس مائة ، وكان على حفره أبو المنجا بن شعيا اليهودي. فعرف به ، وقد ذكر خبر هذا الخليج عند ذكر مناظر الخلفاء ، ومواضع نزههم من هذا الكتاب.

(الخليج الناصري) : هذا الخليج في ظاهر المقس ، حفره : الناصر محمد بن قلاوون في سنة خمس وعشرين وسبعمائة ، وقد ذكر في موضعه من هذا الكتاب.

ذكر ما كانت عليه أرض مصر في الزمن الأوّل

قال المسعوديّ : وقد كانت أرض مصر على ما زعم أهل الخبرة والعناية ، بأخبار شأن

__________________

(١) بحر أبي المنجا : حفره الملك الأفضل شاهنشاه وكان يشارف على العمل رجل يهودي اسمه أبو المنجا فعرف به. صبح الأعشى ٣ / ٣٣٤.

١٣٥

العالم يركب أرضها ماء النيل ، وينبسط على بلاد الصعيد إلى أسفل الأرض وموضع الفسطاط في وقتنا هذا ، وكان بدء ذلك من موضع يعرف : بالجنادل بين أسوان والنوبة إلى أن عرض لذلك موانع من انتقال الماء ، وجريانه وما يتصل من النوبة بتياره من موضع إلى موضع ، فنضب الماء عن بعض المواضع من بلاد مصر ، وسكن الناس بلاد مصر ، ولم يزل الماء ينضب عن أرضها قليلا قليلا حتى امتلأت أرض مصر من المدن والعمائر ، وطرّقوا للماء ، وحفروا له الخلجان ، وعقدوا في وجهه المسببات إلى أن خفي ذلك على ساكنيها لأنّ طول الزمان ذهب بمعرفة أوّل سكناهم كيف كان انتهى.

قلت : ومما ذكر أرسطاطاليس في كتاب الآثار العلوية : أن أرض مصر كان النيل ينبسط عليها ، فيطبقها كأنها بحر ، ولم يزل الماء ينضب عنها ، وييبس ما علا منها أوّلا فأوّلا ، ويسكن إلى أن امتلأت بالمدن والقرى والناس. ويقال : إن الناس كانوا قبل سكنى مدينة منف يسكنون بسفح الجبل المقطم في منازل كثيرة نقروها ، وهي المغاير التي في الجبل المقابل لمنف من قبليّ المقطم في الجبل المتصل بدير القصير الذي يعرف : بدير البغل المطل على ناحية طرى ، ومن وقف عند أهرام نهيار ، أي المغائر في الشرقي ، وبينهما النيل ، ومن صعد من طرا إلى الجبل وسار فيه دخلها وهي : مغاير متسعة ، وفيها مغائر تنفذ إلى القلزم تسع المغارة منها أهل مدينة ، وإذا دخلها أحد ، ولم يهتد على ما يدله على المخرج هلك في تحيره ، ويقال : كانت مصر جرداء لا نبات بها فأقطعها متوشلح بن أخنوخ بن يازد بن مهلاييل بن فتيان بن أنوس بن شيث بن آدم لطائفة من أولاده ، فلما نزلوها وجدوا نيلها قد سدّ ما بين الجبلين فنضب الماء عن أرض زروعها ، فأخرجت الأرض بركاتها ، ثم بعد زمان أخذها عنقام الأوّل بن عرياب بن آدم بالغلبة ، ونسل بها خلقا عظيما ، وجهز لقتال أولاد يزد سبعين ألف مقاتل ، وحفر من البحر إلى الجبل نهرا عرضه أربعون قصبة ليمنع من يأتيه ، فأتاه بنو يزد ، فلم يجدوا إليه سبيلا ففزعوا إلى الله تعالى فبعث على أرض مصر نارا.

ذكر أعمال الديار المصرية وكورها

اعلم أن أرض مصر كانت في الزمن الأوّل الغابر مائة وثلاثا وخمسين كورة (١) ، في كل كورة مدينة وثلثمائة وخمس وستون كورة ، فلما عمرت أرض مصر بعد بخت نصر ، صارت على خمس وثمانين كورة ، ثم تناقصت حتى جاء الإسلام ، وفيها أربعون عامرة بجميع قراها لا تنقص شيئا ، ثم استقرّت أرض مصرها كلها في الجملة على قسمين : الوجه القبلي : وهو ما كان في جهة الجنوب من مدينة مصر ؛ والوجه البحري : وهو ما كان في شمال مدينة مصر.

__________________

(١) الكورة ، بالضم : المدينة والصقع ج. كور.

١٣٦

وقد قسمت الأرض جميعها قبليها وبحريها على ستة وعشرين عملا وهي : الشرقية ، والمرتاحية ، والدقهلية ، والإيوانية ، وثغر دمياط.

الوجه البحري : جزيرة قويسنا ، والغربية ، والسمنودية ، والدنجاوية ، والمنوفية ، والستراوية ، وفوّه ، والمزاحمتين ، وجزيرة بني نصر ، والبحيرة ، وإسكندرية وضواحيها ، وحوف دمسيس.

والوجه القبلي : الجيزة ، والأطفيحية ، والبوصيرية ، والفيومية ، والبهنساوية ، والأشمونين ، والمنفلوطية ، والأسيوطية ، والإخميمية ، والقوصية. وهي أيضا ثلاثون كورة ، وهي : كورة الفيوم ، وفيها مائة وست وخمسون قرية ، ويقال : إنها كانت ثلثمائة وستين قرية ، وكورة منف ووسيم خمس وخمسون قرية ، وكورة الشرقية وتعرف بالأطفيحية سبع عشرة قرية ، وقرى أهناس ومنه : قمن ثماني قرى ، وكور تادلاص ، وبوصير ست قرى ، وكورة أهناس خمس وتسعون قرية ، سوى الكفور ، وكورة البهنسا مائة وعشرون قرية ، وكورة الفشن سبع وثلاثون قرية ، وكورة طحا سبع وثلاثون قرية ، وحوز سنودة ثمان قرى ، وكورة الأشمونين مائة وثلاث وثلاثون قرية ، وكورة أسفل انصنا إحدى عشرة قرية ، وكورة سيوط سبع وثلاثون قرية ، وكورة شطب ثمان قرى ، وكورة أعلا أنصنا ثنتا عشرة قرية ، وكورة قهقوه سبع وثلاثون قرية ، وكورة أخميم والدوير ثلاث وستون قرية ، وكورة السبابة والواحات ثلاث وستون قرية سوى الكفور ، وكورة هو عشرون قرية ، وكورة فاو ثمان قرى ، وكورة قنا سبع قرى ، وكورة دندرة عشر قرى ، وكورة قفط ثنتان وعشرون قرية ، وكورة الأقصر خمس قرى ، وكورة أسنا خمس قرى ، وكورة أرمنت سبع قرى ، وكورة أسوان سبع قرى ، فجميع قرى الصعيد ألف وثلاثون وأربعون قرية سوى المنى ، والكفور في ثلاثين كورة.

كورة أسفل الأرض : الحوف الشرقيّ خمس وستون قرية ، كورة أتريب مائة وثمان قرى سوى المنى والكفور ، كورة بنو سبع وثمانون قرية سوى المنى والكفور ، كورة نما مائة وخمسون قرية سوى المنى والكفور ، كورة بسطة تسع وثلاثون قرية ، كورة طرابية ثمان وعشرون قرية منها : السدير والهامة وفاقوس ، كورة هربيط ثمان عشرة قرية سوى المنى والكفور ، كورة صا وإبليل ست وأربعون قرية منها : سنهور والفرما والعريش.

فجميع قرى الحوف الشرقي خمسمائة وتسع وعشرون قرية سوى المنى في سبع كور. بطن الريف كورتادمسيس ، ومنوف مائة وأربع قرى سوى المنى والكفور. كورة تاطورة منوف اثنتان وسبعون قرية سوى المنى والكفور ، كورة سخا مائة وخمس عشرة قرية ، كورة بيدة والأفراحون ثلاث وعشرون قريّة سوى المنى والكفور ، كورة البشرود اربع وعشرون قرية ، كورة نفر اثنتا عشرة قرية سوى المنى ، كورة ببا وبوصير ثمان وثمانون قرية سوى المنى

١٣٧

والكفور ، كورة سمنود مائة وثمان وعشرون قرية سوى المنى والكفور ، كورة نوسا إحدى وعشرون قرية سوى المنى ، كورة الأوسية أربعون قرية سوى المنى ، كورة النجوم أربعون قرية سوى المنى ، تنيس ودمياط ثلاث عشرة قرية سوى المنى ، وهي شيء كثير.

الإسكندرية ، الحوف الغربي : كورة صا ثلاث وسبعون قرية سوى المنى والكفور ، كورة شباس اثنان وعشرون قرية سوى المنى والكفور ، كورة اليدقون ثلاث وأربعون قرية سوى المنى والكفور ، حيز اليدقون تسع وعشرون قرية سوى المنى والكفور ، الشراك تسع قرى ، كورة ترنوط ثمان قرى ، كورة خربتا اثنا وستون قرية سوى المنى والكفور ، كورة قرطسا اثنان وعشرون قرية سوى المنى والكفور ، كورتا مصيل والمليدس تسع وأربعون قرية سوى المنى ، كورتا احنور ورشيد سبع عشرة قرية ، البحيراء والحصص بالإسكندرية والكرومات والبعل ومريوط ومدينة الإسكندرية ولويبه ومراقبه مائة وأربع وعشرون قرية سوى المنى. فالحوف الغربيّ : أربعمائة وتسع وأربعون قرية سوى المنى في ثلاث عشرة كورة.

قال المسبّحي في تاريخه : تصير قرى مصر أسفل الأرض ألفا وأربعمائة وتسعا وثلاثين قرية ، ويكون جميع ذلك بالصعيد ، وأسفل الأرض ألفين وثلثمائة وخمسا وتسعين قرية.

وقال القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي : أرض مصر قسمين : فمن ذلك صعيدها وهو ما يلي : مهب الجنوب منها ، وأسفل أرضها وهو ما يلي : مهب الشمال منها ، فقسم الصعيد على ثمان وعشرين كورة ، فمن ذلك كورة الفيوم كلها ، وكورتا منف ووسيم ، وكورة الشرقية ، وكورتا دلاص وأبو صير ، وكورة أهناس ، وكورتا الفشن والبهنسا ، وكورة طحا وحيز سنودة ، وكورة بويط ، وكورتا الأشمونين وأسفل أنصنا وأعلاها وشطب قوص قام ، وكورة سيوط ، وكورة قهقوه ، وكورتا أخميم والدير وأبشاية ، وكورة هوّ وأقنا وفاو ودندرة ، وكورة قفط والأقصر ، وكورة اسنا وارمنت ، وكورة أسوان.

فهذه كور الصعيد ، ومن ذلك كور أسفل الأرض وهي خمس وعشرون كورة. وفي نسخة : ثلاث وثلاثون كورة ، وفي نسخة : ثمان وثلاثون كورة ، فمن ذلك : كورة الجوف الشرقيّ : كورتا اتريب وعين شمس ، وكورتا بني ونمى ، وكورتا بسطه وطرابية ، وكورة هربيط ، وكورة صا وإبليل ، وكورة الفرما والعريش والجفار ومن ذلك : كور بطن الريف من أسفل الأرض ، كورة ببا وبوصير ، وكورتا سمنود وبوسا ، وكورتا الأوسية والنجوم ، وكورة دقملة ، وكورتا تنيس ودمياط. ومنها : كورة الجزيرة من أسفل الأرض ، وكورة دمسيس ومنوف ، وكورة طوه ومنوف ، وكورة سخا وبيدة والأفراحون ، وكورة مقين وديصا ، وكورة البشرود.

١٣٨

ومن ذلك كور الحوف الغربيّ : كورة صا ، وكورة شباس ، وكورة اليدقون وحيزها ، وكورة الخيس والشراك ، وكورة خربتا ، وكورة قرطسا ومصيل والمليدس ، وكورتا اخنا والبحيرة ورشيد ، وكورة الإسكندرية ، وكورة مريوط ، وكورة لويبة ومراقية.

ومن كور القبلة : كرى الحجاز وهي : كورة الطور وفاران ، وكورة راية والقلزم ، وكورة ايلة وحيزها ومدين وحيزها والعونيد والحوراء وحيزها ، ثم كورة بدا أو شغب.

وذكر من له معرفة بالخراج ، وأمر الديوان أنه وقف على جريدة عتيقة بخط ابن عيسى بقطر بن شغا الكاتب القبطيّ المعروف : بالبولس متولي خراج مصر للدولة الإخشيدية. يشتمل على ذكر كور مصر وقراها إلى سنة خمس وأربعين وثلثمائة إن قرى مصر بالصعيدين ، وأسفل الأرض ألفان وثلثمائة وخمس وتسعون قرية منها بالصعيد : تسعمائة وست وخمسون قرية ، وبأسفل الأرض : ألف وأربعمائة وتسع وثلاثون قرية ، وهذا عددها في الوقت الذي جرّدت فيه الجرائد المذكورة ، وقد تغيرت بعد ذلك بخراب ما خرب منها.

وقال ابن عبد الحكم عن الليث بن سعد رضي‌الله‌عنه : لما ولي الوليد بن رفاعة مصر ، خرج ليحصي عدّة أهلها ، وينظر في تعديل الخراج عليهم ، فأقام في ذلك ستة أشهر بالصعيد حتى بلغ أسوان ، ومعه جماعة من الكتاب ، والأعوان يكفونه ذلك بجدّ وتشمير ، وثلاثة أشهر بأسفل الأرض ، وأحصوا من القرى أكثر من عشرة آلاف قرية ، فلم يحصر في أصغر قرية منها أقل من خمسمائة جمجمة من الرجال الذين تفرض عليهم الجزية يكون جملة ذلك خمسة آلاف ألف رجل.

والذي استقرّ عليه الحال في دولة الناصر (محمد بن قلاوون) أن الوجه القبلي ستة أعمال وهي من عمل قوص ، وهو أجلها ، ومنه أسوان وغرب قوله ، وعمل أخميم ، وعمل أسيوط ، وعمل منفلوط ، وعمل الأشمونين وبها الطحاوية ، وعمل البهنساوية الغربيّ ، وهو عبارة عن قرى على غربي المنهي المارّ إلى الفيوم ، وعمل الفيوم ، وعمل أطفيح ، وعمل الجيزة.

والوجه البحري ستة أعمال : عمل البحيراء ، وهو متصل البرّ بالإسكندرية وبرقة ، وعمل الغربية جزيرة واحدة يشتمل عليها ما بين البحرين ، وهما البحر المارّ مسكبه عند دمياط ويسمى الشرقيّ ، والبحر الثاني مسكبه عند رشيد ويسمى الغربي ، والمنوفية ومنها : ابيار ، وجزيرة بني نصر ، وعمل قليوب ، وعمل الشرقية ، وعمل أسموم طناح ومنها : الدقهلية والمرتاحية ، وهناك موقع ثغر البرلس ، وثغر رشيد والمنصورة ، وفي هذا الوجه الإسكندرية ودمياط ولا عمل لهما.

١٣٩

وأما الواحات : فمنقطعة وراء الوجه القبلي مغاربة لم تعدّ في الولايات ولا في الأعمال ، ولا يحكم عليها والي السلطان وإنما يحكم عليها من قبل مقطعها ، والله تعالى أعلم.

ذكر ما كان يعمل في أراضي مصر من حفر الترع

وعمارة الجسور ونحو ذلك من أجل ضبط

ماء النيل وتصريفه في أوقاته

قال ابن عبد الحكم عن يزيد بن أبي حبيب : وكانت فريضة مصر بحفر خليجها ، وإقامة جسورها ، وبناء قناطرها ، وقطع جزائرها مائة ألف وعشرين ألفا. معهم المساحي والطوريات والأداة يعتقبون ذلك لا يدعونه شتاء ولا صيفا.

وعن أبي قبيل قال : زعم بعض مشايخ أهل مصر : أن الذي كان يعمل به مصر على عهد ملوكها أنهم كانوا يقرّون القرى في أيدي أهلها كل قرية ، بكراء معلوم لا ينقص عنهم إلا في كل أربع سنين من أجل الظمأ ، وتنقل اليسار فإذا مضت أربع سنين نقض ذلك ، وعدّل تعديلا جديدا ، فيرفق بممن استحق الرفق ويزاد على من احتمل الزيادة ، ولا يحمل عليهم من ذلك ما يشق عليهم ، فإذا جبي الخراج وجمع كان للملك من ذلك الربع خالصا لنفسه يصنع به ما يريد ، والربع الثاني لجنده ومن يقوى به على حربه وجباية خراجه ودفع عدوه ، والربع الثالث في مصلحة الأرض وما تحتاج إليه من جسورها وحفر خلجها ، وبناء قناطرها والقوّة للزارعين على زرعهم وعمارة أرضهم ، والربع الرابع يخرج منه ربع ما يصيب كل قرية من خراجها ، فيدفن ذلك لنائبة تنزل أو جائحة بأهل القرية ، فكانوا على ذلك ، والذي يدفن في كل قرية من خراجها هي : كنوز فرعون التي يتحدّث الناس بها أنها ستظهر فيطلبها الذين يتتبعون الكنوز.

وذكر أن بعض فراعنة مصر جبى خراج مصر اثنين وسبعين ألف ألف دينار ، وأن من عمارته أنه أرسل ويبة قمح إلى أسفل الأرض وإلى الصعيد في وقت تنظيف الأرض والترع من العمارة ، فلم يوجد لها أرض فارغة تزرع فيها ، وذكر أنه كان عند تناهي العمارة يرسل بأربع ويبات برسيم إلى الصعيد ، وإلى أسفل الأرض وإلى أيّ كورة ، فإن وجد لها موضعا خاليا فزرعت فيه ، ضرب عنق صاحب الكورة ، وكانت مصر يومئذ عمارتها متصلة أربعين فرسخا في مثلها ، والفرسخ : ثلاثة أميال ، والبريد : أربعة فراسخ ، فتكون عشرة برد في مثلها ، ولم تزل الفراعنة تسلك هذا المسلك إلى أيام فرعون موسى فإنه عمرها عدلا وسماحة ، وتتابع الظمأ ثلاث سنين في أيامه ، فترك لأهل مصر خراج ثلاث سنين ، وأنفق على نفسه وعساكره من خزائنه ، ولما كان في السنة الرابعة أضعف الخراج واستمرّ فاعتاض ما أنفق

١٤٠