تاريخ مدينة صنعاء

أحمد بن عبد الله بن محمّد الرازي

تاريخ مدينة صنعاء

المؤلف:

أحمد بن عبد الله بن محمّد الرازي


المحقق: الدكتور حسين بن عبد الله العمري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر ـ دمشق
الطبعة: ٣
الصفحات: ٧٢٤

فويل لمن قدرته على يديه من خلقي) (١).

وقرأت في الإنجيل فوجدت فيه كذلك.

وحدثني عبد الله بن أحمد بن عبد الصمد قال : حدثني أبي ، قال حدثني أبي عبد الصمد أنه سمع وهبا يقول : «إن التوراة والإنجيل كما أنزلها الله تعالى لم يغير فيها حرف ، ولكنهم يضلون بالتحريف والتأويل ، وكتب كانوا يكتبونها من عند أنفسهم ويقولون : هو من عند الله ، فأما كتب الله تعالى فهي محفوظة لا تحول».

قال عبد الصمد : إن وهبا ولي القضاء لعمر بن عبد العزيز بصنعاء.

قال أبو محمد : حدثنا بسطام عن رجل من أهل صنعاء ، قال : ذكر أصحاب عبد الله أن وهبا قد شهد الموسم وذكروا ذلك عند عبد الله بن عباس فأرسل إليه أن يحضر إليه ، فحضر ، فقالوا : تكلم يا أبا عبد الله ، قال : فحمد الله تعالى وأثنى عليه ، ثم أخذ في فن واحد من تحميد الله سبحانه وتعيظمه ، فلما فرغ من ذلك نادى المنادي بالصبح على جبل (٢) أبي قبيس. قال : فقال ابن عباس : مجاهد أعلم أهل الحجاز ، ومكحول عالم أهل الشام ، وسعيد بن جبير عالم أهل العراق ، وطاوس عالم أهل اليمن ، ووهب عالم الناس ، وكان هؤلاء عنده جميعا.

حدثني عبد السلام بن محمد قال : حدثني أبي محمد بن عبد الله النّقوي ، قال : علي بن الحسن ، قال : عبد الله بن محمد ، حدثه أبوه ، قال : حدثني أبي ، قال : محمد بن عمر البصري ، قال : أبو صالح عن أبي يوسف يزيد بن الحكم ، عن وهب بن منبه قال : «صحبت ابن عباس ثلاث عشرة سنة قبل أن يصاب بصره ، وبعدما أصيب فقال / لي يوما يا ابن منبه قدني إلى المسجد الحرام ، قال :

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط في مب.

(٢) ليست في : حد ، صف.

٤٢١

فقدته حتى دخل المسجد ثم قال : يا ابن منبه قدني إلى مجلس (١) المراء ، قال : وكان قوم يجلسون ما بين باب بني جمح إلى الباب الذي يليه يتكلمون بالجبر والقدر فوقف عليهم وسلم فردوا عليه‌السلام وقالوا : ألا تجلس رحمك الله ، قال : «لا والله ما أنا بجالس معكم (٢) ، أما تعلمون أن لله عبادا أسكتتهم خشية الله من غير عيّ ، وإنهم لهم الفصحاء ، والطلقاء ، النجباء ، الألباء ؛ إذا ذكروا عظمة الله تعالى طاشت أحلامهم ، استبقوا يبادرون إلى الله تعالى بالأعمال الزكية». قال وهب : «فقلت إني قرأت اثنين وتسعين كتابا أنزلت من السماء ، وشاركت الناس في علمهم ، وعلمت كثيرا مما لم يعلم الناس فوجدت أعلم الناس بهذا الأمر أسكتهم عنه ، ووجدت أجهلهم به أنطقهم به ، فوجدت الناظر فيه كالناظر في شعاع الشمس كلّما ازداد فيها (٣) نظرا ازداد فيها (٤) تحيّرا».

علي بن معمر ، محمد (٥) بن عبد الرحيم قال : كان جبريل ، رجل نصراني ، وكان وهب يتعلم منه الإنجيل ، وكان يعالج السراجة فكان وهب (يغب حتى تعلمها ، وكان وهب) (٦) يقول له أسلم (٧) فكان يقول : هذا الصبي يأمرني وهو يتعلم مني ، فلمّا كان ذات يوم قرأ وهب هذه الآية : (وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ)(٨) ، فقال : أعد يا غلام. فأعاد عليه ، فقال : وأنا أشهد أنه كما يقول. فأصلح من شأنه وغسل ثيابه وغدا يوم الجمعة فأسلم ، فأخبرنا غير واحد أن الناس كبّروا في

__________________

(١) من : حد ، صف. وفي بقية النسخ : «مسجد».

(٢) حد ، صف ، مب : «إليكم».

(٣) ليست في حد.

(٣) ليست في حد.

(٤) ليست في : حد ، مب.

(٥) ما بين القوسين ساقط في صف.

(٦) «وكان وهب يقول له أسلم» ساقطة في مب.

(٧) سورة المؤمنون : ٢٣ / ٩١ : بدايتها (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ ...).

٤٢٢

المسجد تكبيرة سمعت من طرف القرية فرحا بإسلامه لأنه كان رجلا محتجا ، كانوا يخافونه أن يفسد المسلمين. وهو جدّ بني أشعث الذين يسكنون بيت حنبص.

وقال : حدثني الكشوري ، قال محمد بن عمر السّمسار ، يحيى بن سليمان الطائفي قال : حدثني هلال بن أبي هلال عن المغيرة بن حكيم عن وهب بن منبه أنه قال : «إني لأجد فيما أنزل الله تعالى من كتبه أنه يقول : «أنا الله (١) لا إله إلا أنا ، ليس مني من سحر ولا من سحر له ، أنا الله لا إله إلا أنا ليس مني من تطيّر ولا من تطير له ، أنا الله لا إله إلا أنا ليس مني من تكهّن ولا من تكهّن له ، إنما أنا هو وخلقي فكل خلقي (٢) لي ، أنا الله لا إله إلا أنا خلقت الخير فقدرته ، فطوبى لمن خلقته للخير وقدرته له ، أنا الله لا إله إلا أنا خلقت الشر وقدرته / فويل لمن [خلقته للشر](٣) وقدرت الشر على يديه» فحدثت بهذا الحديث يحيى بن عمارة ، فقال : سمعت جعفر بن محمد يحدث عن أبيه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثل هذا الحديث (٤) وزاد فيه : قال الله تعالى : «وويل لمن يقول كيف ذا وكيف ذا وكيف يقدر به عليه ويعذبه» قال الله تعالى : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ)(٥).

عبد السلام بن محمد النّقوي ، أحمد أني (٦) ، قال : علي بن الحسن ، قال : أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم السّحامي ، قال عبد الله بن أبي غسان ، قال

__________________

(١) «أنا الله» ليست في حد.

(٢) «فكل خلقي» ساقطة في مب.

(٣) من : صف ، مب.

(٤) ورد في الإتحافات السنية في الأحاديث القدسية ٦٤ : «أنا الله لا إله إلا أنا خلقت الشر وقدرته فويل لمن خلقت له الشر وأجريت الشر على يديه».

(٥) الأنبياء : ٢١ / ٢٣

(٦) مب : «أحمد أني عبد الله». وفي س : «النقوي قال علي بن الحسن».

٤٢٣

عبد المجيد بن أبي روّاد ، عن موسى بن أبي درم (١) وشيخ من أهل اليمن عن وهب بن منبه ، عن ابن عباس أنه بلغه أن مجلسا كان في ناحية المسجد ناحية باب بني سهم يجلس فيه شباب قريش وغيرهم فيختصمون فترتفع أصواتهم ، قال ابن عباس لوهب : انطلق بنا إليهم ، فانطلقنا حتى وقفنا عليهم ، فقال ابن عباس لوهب : أخبرهم عن كلام الفتى الذي كلم به أيوب وهو في بلائه ، قال وهب : «قال الفتى : يا أيوب قد كان في عظمة الله وذكر الموت ما يكل لسانك ويقطع قلبك ويكسر حجّتك ، ألم تعلم يا أيوب أن لله عبادا أسكتتهم خشية الله من غير عيّ ولا بكم ، وإنهم لهم الفصحاء ، النبلاء ، الطلقاء (٢) ، الألبّاء العقلاء (٣) ، العالمون بالله وآياته ، ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله تعالى تقطّعت قلوبهم ، وكّلت ألسنتهم ، وطاشت عقولهم وأحلامهم فرقا من الله وهيبة له ، وإذا أشفقوا من ذلك ابتدروا إلى الله تعالى بالأعمال الزكية ، ولا يستكثرون له الكثير ، ولا يرضون له بالقليل ، يعدون أنفسهم من الظالمين ، وإنهم لأمراء أبرياء ، ويعدون أنفسهم من الخاطئين (٤) المفرّطين المقصّرين ، وإنهم لأكياس أقوياء ، ناحلون دائبون بدأبهم (٥) ، يراهم الجاهل فيقول مرضى وليسوا بمرضى ، قد خولطوا وخالط القوم أمر عظيم».

قال ، وقال ابن عباس على إثر وهب : كفى بك ظالما أن لا تزال مخاصما ، وكفى بك إثما أن لا تزال مماريا ، وكفى بك كاذبا أن لا تزال محدثا في غير ذكر الله تعالى.

قال عبد الصمد بن معقل : سمعت وهبا يقول : «من استغنى بأموال الفقراء

__________________

(١) حد : «در».

(٢) ليست في مب.

(٣) ليست في : حد ، صف ، مب.

(٤) صف : «الظالمين».

(٥) ليست في : حد ، صف ، مب.

٤٢٤

جعلت عاقبته الفقر ، وأيما دار بنيت بقوت الضعفاء جعلت عاقبتها الخراب».

قال : وسمعت وهبا يقول في الألواح التي قال الله : (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)(١) ، يا موسى اعبدني ولا تشرك معي شيئا من أهل / السماء ولا من أهل الأرض فإنهم خلقي كلهم فإذا أشرك بي غضبت وإذا غضبت لعنت ، وإن اللعنة مني تدرك الرابع من الولد. وإذا أطعت رضيت ، وإذا رضيت باركت ؛ والبركة مني تدرك الأمّة بعد الأمّة. يا موسى لا تحلف بي كاذبا! (فإني لا أزكي من حلف بي كاذبا) (٢). يا موسى ، وقّر والديك ، يا موسى : لا تزن ، ولا تسرق ، ولا تولّ وجهك عن عدوي ، يا موسى لا تغلب جارك على ماله (٣) ، ولا تخالفه على امرأته».

وقال : سمعت وهبا يقول : «طوبى لرجل لا يسلك سبيل الخاطئين ، ولا يجالس البطّالين ، ويستقيم على عبادة ربه فمثله كمثل شجرة نابتة على ساقية لا يزال فيها الماء ، يفضل ثمرها الثمار ، ولا تزال خضراء في كل أوان».

قال وهب : «الصدقة تدفع ميتة السوء ، وتزيد في العمر ، وتزيد في المال». قال : سمعت وهبا يقول : «قرأت في كتاب الله عزوجل يقول : إذا كان العبد في طاعتي أعطيته قبل أن يسألني ، واستجبت له قبل أن يدعوني ، أنا أعلم بحاجته التي ترفق به من نفسه».

قال : «وقرأت في كتاب آخر ، يقول الله عزوجل : بعزتي إنه من اعتصم

__________________

(١) الأعراف : ٧ / ١٤٥ ؛ تمامها (... مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ) ، وانظر تفسير الطبري ٩ / ٥٧ ـ ٥٨ ، وتفسير الخازن ٢ / ٢٨٨

(٢) ما بين القوسين ساقط في مب.

(٣) ليست في حد ؛ ومكانها بياض.

٤٢٥

بي وإن كادت السموات والأرض (١) تمور بمن فيها فأنا أجعل له من بين ذلك مخرجا ، ومن لم يعتصم بي فأنا أخسف به من بين يديه وأكله إلى نفسه».

وقال وهب : «وأوحى الله تعالى إلى شعيب أن مر قومك فليسألوا كهانهم وأهل النجوم منهم أني أريد أن أحدث أمرا فليخبروني ما هو؟ قال وهب : «إن كانت ضلالة أهل النجوم لقديمة أريد أحول الملك في الأذلال ، والحكمة في أهل الجفاء ، وأحوّل (٢) الأحلام في الغلاة ، وأبعث أعمى في عميان ، وأميّا في أميّين ، أنزل (٣) عليه السكينة ، وأؤيده بالحكمة لو يمر إلى حيث السراج لم يطفئه ، ولو يمر على القصب الرعراع لم يستمع صوته».

وقال : سمعت وهبا يقول : «قال عيسى عليه‌السلام : يكون في آخر الزمان قوم يشهرون الثياب ويطيلون الصلاة في المساجد لكي يبدأوا بالسلام ، ويفسح لهم في المجالس ، يقفون يوم القيامة (٤) بين يدي الملك الجبار فيقول (٥) لهم : يا عبيد الدنيا والشهوات خذوا أجركم ممن عملتم له».

قال : وسمعت وهبا يقول : «إن المسيح عليه‌السلام قال : أكثروا ذكر الله تعالى وحمده وتقديسه ، وأطيعوه ، فإنما يكفي أحدكم من الدعاء إذا كان الله راضيا عنه أن يقول : «اللهم / اغفر لي خطيئتي وأصلح لي معيشتي ، وعافني من المكاره يا إلهي».

وقال عبد الصمد : سئل وهب ما يقول بعد الطعام؟ قال : يقول : «الحمد

__________________

(١) ليست في حد.

(٢) با ، س : «وأحوال» ، والتصحيح من بقية النسخ.

(٣) با ، س زيادة : «الله».

(٤) «يوم القيامة» ليست في مب.

(٥) حد ، صف : «فيقال».

٤٢٦

لله الذي أكرمنا وحملنا (١) في البر والبحر ، ورزقنا من الطيبات وفضّلنا على كثير ممن خلق تفضيلا».

وقال وهب : «إن الله يحفظ بالعبد الصالح القبيل من الناس».

وقال وهب : قرأت في التوراة (٢) ، من لم يدار عيشه مات قبل أجله.

وقال : «في التوراة : الفقير ميت ، والأعمى ميت».

المثنى بن الصباح قال : سمعت وهبا يقول لطاوس : «إن للعلم طغيانا كطغيان المال ، فإن استطعت أن تموت قبل أن توطأ عنقك فافعل».

وكان طاوس اليماني ووهب بن منبه اليماني في وقت واحد (٣).

وقال ابن برّة : بلغني أن وهبا كان يقول : «ما من فرحة إلّا تتبعها ترحة ، وما من دار ملئت حبرة إلّا ملئت عبرة ، وما من قوم كانت لهم غضارة من دنياهم ونعمة إلّا مال عليهم الدهر بيوم سوء ، وما من قوم كانت لهم سعة في سلطان إلّا سال إليهم (٤) البلاء سيلا».

سليمان بن أبي داود عن وهب : «أن النوم من طيبات ما أخرج الله تعالى لأهل الأرض».

ابن عبد الوارث ، أبو عبّاد اليمان بن عبّاد ، أحمد بن يحيى بن حميد الطويل خادم أنس ، حماد بن سلمة عن الكلبي عن وهب بن منبه قال : «مثّلت الدنيا على مثال الطائر فالبصرة ومصر الجناحان ، والشام الرأس ، والجزيرة الجؤجؤ ،

__________________

(١) ليست في مب.

(٢) حد ، صف زيادة : «مكتوب في التوراة».

(٣) توفي طاوس سنة ١٠٦ ه‍ ، ووهب سنة ١١٤ ه‍ على أصح الأقوال.

(٤) س ، مب : «عليهم».

٤٢٧

واليمن الذنب» (١).

الكشوري ، قال أبو قدامة ، همّام بن مسلمة بن عقبة بن همام بن منبه ، قال عبد الرزاق : قال أخبرني عبد الصمد. وذكر الحديث.

__________________

(١) وانظره فيما سبق ص ١٠٢

٤٢٨

ذكر مشاورة كيسان سفه لوهب بن منبه

لما خطبت إليه ابنته

وجدت بخط علي بن عبد الوارث ، حدثني الكشوري قال : حدثني محمد بن إبراهيم بن أربويه ، قال : سمعت إبراهيم بن عثمان يقول : سمعت جدي إبراهيم بن سليمان (١) بن مسلم يقول : كنت عند وهب بن منبه فجاءه كيسان سفه فقال [له](٢) : يا أبا عبد الله ، جئت أشاورك في رجلين طلبا بنتا لي ، وهي أحب ولدي إليّ ، طلبها شدّاد بن حابان أو حابان بن شدّاد ، وهو من الموالي وهو موسر ، وخطبها سالم ذي لعوة ، وهو من بيت همدان ، فقال له وهب : زوّج سالم ذي لعوة فإن الأموال / عواري تذهب وتجيء ، وإن الأعراض لا تدرس ولا تذهب ، فزوّج سالم ذي لعوة.

__________________

(١) ليست في : حد ، صف ، مب.

(٢) من : حد ، صف ، س.

٤٢٩

ذكر أول (١) من قدم صنعاء بقول الروافض (٢)

والوقت الذي وصل فيه ابن كيسان

قال علي بن عبد الوارث : سألت أبا محمد الكشوري : من أول من جاء بالرفض إلى صنعاء؟ قال : فقال محمد بن عبد الرحيم : أول من جاء به رجل من أهل الكوفة ، كان إبراهيم بن عمر بن كيسان يختلف إليه.

وقال الكشوري : قال سفيان بن عيينة : أهل اليمن لا بأس بهم إن سلموا من هذا الرجل ، يعني إبراهيم بن عمر بن كيسان.

قال أبو عمران : سمعت العقيلي يقول بمكة : إن الذي خرج بالرفض إلى اليمن لخارج (٣) قوم كذابين ملعونين.

قال الكشوري : أول من أدخل صنعاء كلام الجهمية (٤) ضرار في زمن

__________________

(١) ليست في مب.

(٢) الرافضة أو الروافض : فرقة من الشيعة سميت بهذا الاسم ؛ وذلك أنهم بعد ما بايعوا زيدا بالخلافة امتحنوه وسألوه بقولهم : رحمك الله ما قولك في أبي بكر وعمر؟ فقال زيد : رحمهما‌الله وغفر لهما ما سمعت أحدا من أهل بيتي يتبرأ منهما ولا يقول فيهما إلا خيرا ، فلما سمعوا منه ذلك رفضوه فسموا بالرافضة من يومئذ. انظر تاريخ الطبري ٨ / ٢٧٢ ، والمحبر لابن حبيب ٤٨٣

(٣) كذا الأصل ، وفي مب : «كانوا». حد ، صف ، س : «كادح» ولا معنى لها.

(٤) الجهمية : فرقة دينية نهض بها جهم بن صفوان السمرقندي الذي أمر بقتله نصر بن سيار سنة ١٢٨ ه‍ وتابعه جماعة وهم يقولون : إن العبد مجبر على أفعاله ، وأنكروا رؤية الله في الآخرة وأعلنوا اعتقادهم بفناء الجنة والنار لأن البقاء في رأيهم صفة خالصة لله تعالى وحده. انظر الكامل لابن الأثير حوادث سنة ١٢٨ ه‍ ، لسان الميزان ٢ / ١٤٢ ، ميزان الاعتدال للذهبي ١ / ١٩٧ ، الكلام والفلسفة ٢١ ، المعتزلة لزهدي جار الله ٨

٤٣٠

يزيد بن منصور (١) ، ثم أفشاه ابن مكشوح (٢).

قال ابن عبد الوارث : هو محمد بن مكشوح صنعاني عاش مئة سنة وعشر سنين (٣).

رباح بن زيد الصنعاني ، حدثني أبو عبد الرحمن عن عبد الوهاب بن الورد قال : بلغه عن وهب بن منبه أن رجلا أتاه فقال : إن الناس قد وقعوا فيما قد وقعوا فيه وقد حدثت نفسي أن لا أخالطهم. فقال : لا تفعل فإنه لا بد للناس منك ، ولا بد لك منهم ، لهم إليك حوائج ، ولك إليهم حوائج ، ولكن كن فيهم أصمّ سميعا ، أعمى بصيرا ، سكوتا نطوقا (٤).

رباح عن أبي عبد الرحمن الخراساني عن سفيان الثوري عن وهب بن منبه : «يقدم الشيء قبل الشيء وهو بحق واحد».

قال وهب : «إن في حكمة آل داود : على العاقل أن لا يشغل ولا يغفل عن أربع ساعات : ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، [وساعة يقضي فيها إلى إخوانه الذين يصدقونه وينصحونه في نفسه](٥) ، وساعة يخلو بين نفسه وبين لذتها فيما يحل [ويجمل](٦) فإن هذه الساعة عون لهذه الساعات ، واستجمام للقلوب وفضل وبلغة. وعلى العاقل أن لا يكون ظاعنا إلّا في ثلاث : تزود لمعاد ، أو مرمّة لمعاش ، أو لذة في غير محرم ، وعلى العاقل أن يكون عارفا لزمانه ، حافظا للسانه ، مقبلا على شأنه».

__________________

(١) كان واليا على اليمن بين ١٥٣ ه‍ ـ ١٥٩ ه‍. انظر : زمباور ٧٦ ، الأعلام ٩ / ٢٤٦

(٢) با ، س ، مب : «أفشاه يزيد بن مكشوح» ولعله سبق قلم لما سيأتي أنه محمد بن مكشوح ، وفي حد ، صف : «أفشاه ابن مسحوح».

(٣) حد : «عشرين سنة».

(٤) ما أثبتناه من : حد ، صف ، مب. وفي با ، س : «ناطقا».

(٥) من : حد ، صف ، مب.

٤٣١

وحدثني عبد الله بن سعيد بن أبي عاصم عن وهب : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في صلة الرّحم : «إن الله تعالى خلق الرحم حين خلقها فوثبت حتى تعلقت / بالرحمن فقال : إني بك لا أقطع ، من قطعك فليس مني ، ومن وصلك فهو مني ، فالرحم لبنة في عضد الرحمن كالغصن في الشجرة ، وللرحم لغة ولسان تتكلم به يوم القيامة وتقول : فلان وصلني فصله ، وفلان قطعني فاقطعه» (١).

رباح ، حدثني عمر بن عبد الرحمن ، قال : سمعت وهب بن منبه يقول : «كان ملك من ملوك ذلك الزمان ، وكان له ثمانون أخا ، فقيل له : إن لم يقتلك فلان من إخوتك قتلك فلان ، وإن لم يقتلك فلان قتلك فلان حتى خوف بجميعهم ، فأمر طبّاخه أن يصنع طعاما وأرسل إلى إخوته يدعوهم فقال : إني أريد أن أخصكم بمجلس ، وأمر الشرط إذا دخلوا أن يقبلوا عليهم فيقتلوهم. قال : فجاء إخوته فلمّا دخلوا وجلسوا أثار إليهم الشرط فجعلوا يقتلونهم ، فقتلوا (٢) جميعا إلا واحدا فلت ، فلمّا خرج من القرية صعد جبلا فأحرز نفسه فيه (٣) فأرسل له صاحب الشرطة ، فجاءه فإذا هو في مكانه ، فرجع صاحب الشرطة وأرسل رسولا أن من شأنه كذا وكذا ، فإن أحببت أن نرميه فعلنا ، قال : فركب إليه هو ومن معه ، فلمّا انتهى إليه قال له هذا الفار : إن مثلنا ومثلك مثل العضاه ، قالوا : نؤمّر علينا أميرا ، فذهبوا إلى النخلة فقالوا : نريد أن نؤمرك علينا. قالت : وأي حاجة لي في ذلك؟ فو الله إني لطويلة في السماء خضرة السّعف ، حلوة الثمر ، باردة الظل ، فأي حاجة لي في أن أكون أميرة عليكم ، فذهبوا إلى الحبلة (٤) ، فقالوا : نريد أن نؤمّرك علينا ، قالت : وأي

__________________

(١) انظر صحيح البخاري ٦ / ٧ ، ومصنف عبد الرزاق ١١ / ١٧٠ ـ ١٧٤ ، وسنن الترمذي ٤ / ٣١٥ بإسناد ولفظ مختلف.

(٢) ليست في مب.

(٣) ليست في : حد ، مب.

(٤) الحبلة : شجر الكرم (المحيط).

٤٣٢

حاجة لي في ذلك ، فو الله إني لخضرة الورق طويلة الشرع ، حلوة الثمر ، باردة الظل ، (فأي حاجة لي في أن أكون أميرة عليكم) (١) ، فذهبوا إلى الزيتونة فقالوا : إنا نريد أن نؤمرك علينا ، قالت : وأي حاجة لي في ذلك ، فو الله إني لودكة الثمر ، كثيرة الورق ، باردة الظل. قالت العوسجة : إليّ إليّ فو الله إن ورقي (٢) لقليل ، وإن شوكي لحديد ، وإني لشديدة الحر أحرقكم بناري ، وأحرق بناركم ، وإنك قد أحرقتنا بنارك وايم الله لنحرقنّك بنارنا ، قال : فعطف برأس دابته ورجع. فلمّا كان بباب القرية ، وعجوز على سور باب القرية معها رحا فألقته عليه فقتلته».

عبد الرزاق ، عمران قال : سمعت وهبا يقول : «ليأتينّ (٣) على الناس زمان يكون العالم الصالح أهون على الناس من السنبلة وراء الحاصد ومن العنقود وراء القاطف».

ابن عبد الوارث قال : حدثني ميمون ، عبد الله / عن عمه وهب بن منبه قال : حبس وهب بن منبه (٤) ، فقال له رجل من الأبناء ألا أنشدك بيتا من الشعر يا أبا عبد الله؟ فقال : لا! نحن في طرف من عذاب الله ، والله تعالى يقول : (وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ)(٥) قال : وصام وهب ثلاثة أيام واصلا (٦) ، فقيل له : ما هذا يا أبا عبد الله (٧)؟ قال : «أحدث لنا ، فأحدثنا» ؛ يعني أنه حبس فأحدث زيادة في العبادة.

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط في : حد ، صف ، مب.

(٢) بدلها في حد ، صف ، مب : «نفعي». وساقطة في س.

(٣) با : «يقول لناس يأتي على الناس» وهو تصحيف.

(٤) كان ذلك سنة ١١٠ ه‍ قبل وفاته بقليل وذلك في أيام الوالي يوسف بن عمر الثقفي (١٠٦ ـ ١٢٠ ه‍) وقد ضرب وهبا حتى أشرف على الموت وقد قيل إن سبب ذلك لأنه كان يتكلم في القدر أو لأسباب أخرى غير معروفة. انظر المغازي الأولى ومؤلفوها ٢٩ ـ ٣٠

(٥) المؤمنون : ٢٣ / ٧٦

(٦) بدلها في با ، س : «وصلى» وهو تصحيف واضح.

(٧) «يا أبا عبد الله» ليست في حد.

٤٣٣

حدثني النحوي ، أبو جعفر عبد الله بن عبد الصمد ، أبو أيوب بن زيد الصنعاني ، إسماعيل بن عبد الكريم ، حدثني عبد الصمد بن معقل بن منبه أنه سمع وهبا يقول : «من أصيب بشيء من البلاء فقد سلك طريق الأنبياء».

عطاء الخراساني قال : لقيت وهب بن منبه وهو يطوف بالبيت ، فقلت : حدثني حديثا أحفظه منك في مقامي هذا. فقال : «طلبت صحف إبراهيم صلى الله عليه عشرين سنة فوجدتها بأرض الروم ، فإذا فيها أن الله عزوجل يقول : إنما أقبل الصلاة لمن تواضع لعظمتي ، وقطع نهاره في ذكري ، ولم يبت مصرّا على معصيتي ، ولم يتعاظم على خلقي ، يطعم الجائع ، ويكسو العريان ويؤوي الغريب ، ويرحم المصاب ؛ فذلك الذي يشرق نوره مثل الشمس ، يدعوني فألبي ، ويسألني فأعطي ، ويعزم علي فأبري ، أجعل له في الجهالة حلما ، وفي الظلمة نورا ، أكلؤه بقوتي ، وأستحفظه ملائكتي ، مثله في الناس مثل الفردوس لا تشتو ثمارها ، ولا تتغير عن حالها».

عمران أبي الهذيل عن وهب قال : «إذا كان يوم القيامة لم يبق حجر ولا مدر إلّا صاح صياح النساء (قطرت العصاة دما)».

حبيب ، أبو محمد عن بعض آل وهب) (١) عن وهب قال : «أوحى الله تعالى إلى عيسى أني وهبت لك حبّ المساكين ورحمتهم ، تحبهم ويحبونك يرضون بك إماما وقائدا ، وترضى بهم صحابة وتبعا وهما خلقان. يا عيسى! اعلم أنه من لقيني أعمى ، لقيني بأحب الأعمال وأزكاها عندي». جعفر ، المنذر المعلم قال : قال وهب : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن الله تعالى (٢) إذا أحب قوما ابتلاهم (٣)».

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط في مب.

(٢) «إن الله تعالى» ليست في حد.

(٣) تتمة الحديث «فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع» الفتح الكبير للسيوطي ١ / ٣٢٠

٤٣٤

قال ، وقال وهب : «قرأت في كتاب رجل فإذا فيه : إذا سلك بك سبيل البلاء فقرّ عينا ، فقد سلك بك سبيل الأنبياء والصالحين ، وإذا سلك بك سبيل الرخاء فقد خولف بك عن (١) سبيلهم».

عطاء بن السائب قال : حدثنا وهب ، قال : «أعطى الله موسى نارا ، فقال : يا رب وشيء [يكون](٢) في الأرض بغير نار ؛ وقال موسى لهارون : إن الله عزوجل / وهب لي نورا وإني أهبها لك ، فقال هارون لابنيه : «إن الله تعالى وهب لعمكما نورا ، وإنه وهبه لي ، وإني أهبه لكما». قال : فكان الغلامان يقرّبان القربان لبني إسرائيل ويسرجان في بيت المقدس ، فاتصلت (٣) نار السماء واستضيء (٤) بنار الأرض فجاءت النار من السماء فأحرقت الغلامين وأوحى الله تعالى إلى موسى وهارون ، أني هكذا أفعل بمن عصاني من أهل طاعتي ، فكيف أفعل بمن عصاني من أهل معصيتي».

قال مالك بن دينار : لما احترق الغلامان شعث (٥) موسى وهارون رؤوسهما وقاما بين يدي الله حزينين ، وبكيا على الغلامين صبابة.

أبو سنان القسملي قال : سمعت وهبا يقول : «قال الله عزوجل : ثمانية عشر ألف عالم فالدنيا منها عالم واحد ، وما العمارة والخراب إلّا كفسطاط في صحراء وما الخلق في قدرة الله عزوجل إلّا كخردلة في إبهام أحدكم».

عمر بن عبد الرحمن قال : حدثنا وهب بن منبه قال : «أصاب رجل ذنبا

__________________

(١) ليست في : حد ، صف ، مب.

(٢) من : حد ، صف ، مب.

(٣) كذا الأصول ، ولعلها مصحفة صوابها «فأبطلت».

(٤) ليست في حد.

(٥) صف ، مب : «كشف».

٤٣٥

فقال : لله عليّ أن لا يظلني سقف بيت (١) حتى تأتيني براءة من النار ، قال : فكان في العراء فأتى عليه عيسى بن مريم (٢) عليه‌السلام فقال : ما بلغ بك ما أرى؟ قال : خوف جهنم فكيف بي إن أنا وقعت فيها».

أخبرنا (٣) عبّاس بن محمد الحذاقي قال أخبرني أبي : قال علي ، قال محمد بن عبد الرحيم ، رباح قال : حدّثت عن وهب بن منبه ، قال سمعته يحدث فيما عاتب الله بني إسرائيل : إن أطعتموني سقيتكم لحيان (٤) ينفعكم فيه المطر ، تزرعون قليلا وتحصدون كثيرا ، وإن عصيتموني سقيتكم لحيان لا ينفعكم فيه المطر ، تزرعون فيه كثيرا وتحصدون قليلا ، وآمر السماء فتكون كالصحيفة من النحاس التي لا ينفذ (٥) منها شيء ، وآمر الأرض فتكون كالصحيفة من الحديد التي لا ينبت فيها شيء ، وما سقيتكم في خلال ذلك فهو رحمة بالبهائم ، فإذا كان ذلك سلطت عليه الغربان والصّراصر والجنادب ، فامتشحوه في خلال ذلك ، أميت حكماءكم وقرّاءكم (٦) وأولي النهى منكم ، وأمّرت عليكم شراركم».

__________________

(١) ليست في : حد ، مب.

(٢) «بن مريم» ليست في : حد ، صف.

(٣) بقية النسخ : «أخبرني».

(٤) اللحيان : الماء القليل والكثير ، ضد (المحيط).

(٥) س : «يقطر».

(٦) ليست في مب.

٤٣٦

ذكر قتل الجعد بن درهم الذي كان يناظر وهبا

في صفات الله سبحانه وتعالى ، فيقول : لا تموت إلا مقتولا!

حدثني الحسين بن محمد ، قال : أخبرنا / أبو الخير محمد بن أحمد بن عبد الله ، قال أخبرني أبو القاسم بن محمد المعمري ، عبد الرحمن بن حبيب بن أبي حبيب عن أبيه عن جده ، قال : شهدت خالد بن عبد الله القسري خطب الناس بواسط يوم النّحر وقال : من كان يريد أن يضحي فلينطلق فليضحّ ، بارك الله له في أضحيته فإني مضحّ بالجعد بن درهم! زعم أن الله تعالى لم يكلم موسى وأن الله تعالى لم يتخذ إبراهيم خليلا ، سبحان الله وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، قال : ثم نزل إليه فذبحه (١).

وجدت بخط علي بن عبد الوارث ، قال : حدثني عبيد الله بن محمد الكشوري ، قال : حدثني محمد بن يعلى الأوساني ـ من أهل ضهر ـ من رجال عبد الرزاق ؛ إلا أنه سمع هذا من صباح ، قال صباح بن سليمان عن عبد الرزاق بن همّام ، عن داود بن قيس قال : سمعت وهبا يقول : «إن الله لّما أهبط آدم أعطاه بذر كل شيء ، ثم أتبعه جبريل بعد شهرين بشعير الجعرة (٢) ، وبارك فيها فزرعها آدم وحصدها في سبعين ليلة». قال لي الكشوري : والسقلة (٣) أطيب وأكثر دقيقا من الجعرة ، والجعرة خفيفة.

__________________

(١) وكان ذلك نحو سنة ١١٨ ه‍ ؛ انظر اللباب ١ / ٢٨٣ ، ميزان الاعتدال ١ / ١٨٥ ، الكامل لابن الأثير ٥ / ١٦٠ ، المعتزلة لزهدي جار الله ٣٣

(٢) الجعرة : الشعير العظيم (المحيط).

(٣) ضرب من الشعير ، شائع عند أهل اليمن.

٤٣٧

أخبرني الحسين بن محمد ، قال أخبرني محمد بن أحمد ، قال : قرأت في كتب أبي ، قال : حدثنا إبراهيم بن الجنيد ، يحيى بن عبد الحميد الحماني ، قال جعفر بن سليمان الضبعي ، قال عبد الصمد بن معقل قال : سمعت عمي وهب بن منبه يقول : وجدت في زبور داود : هل تدري يا داود أي المؤمنين أحبّ إليّ أن أطيل حياته؟ الذي إذا قال لا إله إلا الله اقشعر جلده ، فإني أكره لذلك الموت كما يكره الوالد لولده ، ولا بدّ له منه ، إني أريد أن أستره في دار سوى هذه الدار ، فإن نعيمها فيها شدة ورخاءها فيها بلاء ، فيها عدو لا يدركه (١) يألوهم فيها حتى ليجري منهم مجرى الدم ، من أجل ذلك عجلت أوليائي إلى الجنة ، ولو لا ذلك ما مات آدم وولده ، حتى ينفخ في الصور».

عبد الله بن عبد الوهاب عن إبراهيم بن محمد بن فراس عن وهب قال : إنّ الله تعالى أهلك ولد آدم بدعوة نوح ، فحمل نوحا في السفينة بعد أن أغرقهم. وبنوه ثلاثة : حام ، وسام ، ويافث ، ونساؤهم ، وكانوا سبعة ، نوح سابعهم ، فألقتهم السفينة في الجودي فكانوا يخرجون ويتضحون في الشمس من السفينة فإذا رأوا راعدة أو صاعقة أو بارقة فروا إلى السفينة فرقا من الغرق ، فأوحى الله تعالى إلى نوح : يا نوح إني خلقت هذا الخلق لعبادي الذين أهلكت ، فعصوني ، واستثاروا غضبي فأهلكت بذنوب العاصين / من لم يعصني ، وحقا أهلكت بذنوب بني آدم جميع خلقي ، بعد أن خرج عليهم إحساني وتواترت عليهم نعمتي ، وإني حلفت بعزّتي لا أعذب بهذا العذاب أحدا من خلقي. أجعل الدنيا دولا بينهم ، ثم أجزيهم بأعمالهم إذا بعثتهم لوعدي فأؤخر العذاب والعقاب إلى الآخرة. وحمل معه من الخلق ذكرا وأنثى من كل شيء زوجين».

عبد الله بن إبراهيم عن أبيه عن وهب قال : «كل شيء في القرآن قليل أو

__________________

(١) ليست في بقية النسخ.

٤٣٨

لا قليل (١) ، يعني دون العشرة».

قال عبد الصمد : سمعت وهبا يقول (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ) أي (٢) ردّيه.

الحسن بن يحيى ، عبد الرزاق ، عمران أبو الهذيل الصنعاني قال : سمعت وهبا يقول) (٣) : «أصاب أيوب البلاء سبع سنين [وترك يوسف في السجن سبع سنين» (٤).

حدثني عباس بن محمد](٥) قال : أخبرني أبي عن (٦) ميمون ، الحكم ، السرادي ، قال عبد الله بن إبراهيم بن عمر بن كيسان ، قال : أخبرني عبد الله بن صفوان ، قال : سمعت وهبا يقول : «عابد عبد الله تعالى (٧) خمسين عاما فأوحى الله إليه : إني قد غفرت لك ، قال : فقال : يا رب وما غفرت (٨) لي ولم أذنب؟ فأذن الله تعالى لعرق في عنقه فضرب عليه فلم ينم ، فجاءه ملك عند الصبح فحركه ، فشكا إليه ، فقال ما لقيت من ضربات هذا العرق؟ قال : إن ربك تعالى يقول : عبادتك خمسين عاما تعدل شكوى هذا العرق».

__________________

(١) كذا الأصول.

(٢) الأصول : «أو» ، واستظهرنا التصحيح من السياق. هود : ١١ / ٤٤ ، تمامها : (... وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

(٣) ما بين القوسين ساقط في صف.

(٤) الخبر في العلل والرجال لأحمد بن حنبل ١ / ٣١٨ برقم ٢٠٧١ : أصاب أيوب البلاء سبع سنين ولبث يوسف في السجن سبع سنين وعذب بخت نصر حول السباع سبع سنين».

(٥) من : حد ، صف.

(٦) حد ، صف ، مب : «أخبرني أبي ، علي بن ميمون».

(٧) س ، مب : «عبد الله عابد عبد الله تعالى خمسين ...».

(٨) حد ، صف ، مب : «تغفر».

٤٣٩

عبد الله عن إبراهيم بن مسلم ، قال : قال وهب : «ملكوت السموات الجنة».

عبد الله عن أبيه قال : سمعت ابن وهب قال : «قلت لأبي يا أبي! إن ناسا يقولون من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة قال : أو ليس ذلك في القرآن ، قال : قلت : أين؟ قال : قوله تعالى (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى ، الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى)(١).

عبد الله عن أبيه قال ، قال عبد الله بن وهب عن أبيه وهب : «سمعت أبا خليفة ، وكان قرأ على علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه القرآن قال : لا تغبطنّ فاجرا بنعمة ، رحب الذراعين بالذم ، فإن له عند الله قائلا لا يموت ، قال وهب لابنه : فهلا سألته : ما قائلا لا يموت؟ فرجع إلى أبي خليفة فقال له : ما القائل الذي لا يموت؟ قال : الذي أرسلك أفقه منك! قال : وهي جهنم لا يموت فيها ولا يحيى».

((٢) عبد الله عن أبيه (٣) أن وهبا قضى لعروة بن محمد في ولاية عمر بن عبد العزيز فقال : قال أبي ، قال وهب : «كنت أرى شيئا من الفضل فلمّا استقضيت ذهب ذلك عني» (٤).

وعن أبيه قال : «كان وهب يرتدي الرداء بعشرة دنانير».

عن أبيه قال : «كان وهب إذا أهديت / إليه هدية كافأ بضعفيها ، فترك الناس هديته».

__________________

(١) الليل : ٩٢ / ١٥ ـ ١٦

(٢) من هنا بداية خرم في مب مقداره لواذ ورقتين وينتهي في ص ٤٤٩ ، انظر الحاشية رقم (٢).

(٣) أي عبد الله بن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيم ، الذي مر ذكره قبل قليل ، وكذلك كل ما سيأتي بهذه الصيغة.

(٤) سبق هذا الخبر في ص ٤١٤ ـ ٤١٥

٤٤٠