بقيع الغرقد

الشيخ محمّد أمين الأميني

بقيع الغرقد

المؤلف:

الشيخ محمّد أمين الأميني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٠

فأبصر سرير النجاشي وصلى عليه ، فقال المنافقون : انظروا إلى هذا يصلي على علج نصراني حبشي لم يره قطّ وليس على دينه ، فأنزل .. (١).

أقول : المقصود من الصلاة هنا إحدى هذه الاحتمالات :

الاول : المراد من الصلاة هو معناها اللغوي ، أي الدعاء ، قال الشيخ الطوسي في الخلاف : لا تجوز الصلاة على الغائب بالنية ، وبه قال أبو حنيفة ، وقال الشافعي : يجوز ذلك ، دليلنا : ان ثبوت ذلك يحتاج إلى دليل شرعي وليس في الشرع ما يدلّ عليه ، وأما صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على النجاشي فإنّما دعاء له ، والدعاء يسمى صلاة (٢).

الثاني : أن يقال : إن الأرض طويت له حتى صار كأنه بين يديه (٣).

الثالث : أن يقال : كشف له من المدينة ، كما مرّ عن الطبرسي ، وروى القطب الراوندي عن جابر وغيره : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أتاه جبرئيل وأخبره بوفاة النجاشي ، ثمّ خرج من المدينة إلى الصحراء (٤) ، ورفع الله الحجاب بينه وبين جنازته ، فصلى عليه ، ودعا له ، واستغفر له ، وقال للمؤمنين : «صلوا عليه» ، فقال منافقون : نصلي على علج بنجران؟ فنزلت الآية (٥) ، والصفات التي في الآية هي

__________________

(١) ميزان الحكمة ٤ / ٣٤٢٤ ؛ انظر : مجمع البيان ٢ / ٩١٦ ؛ تفسير جوامع الجامع ١ / ٣٦٥.

(٢) الخلاف ١ / ٧٣١ ، مسألة ٥٦٣ ؛ وانظر : السرائر ١ / ٣٦٠ ؛ المعتبر ٢ / ٣٥٢ ؛ جامع الخلاف والوفاق / ١١٤ ؛ تذكرة الفقهاء ٢ / ٢٨ ؛ تحرير الأحكام ، العلامة الحلي ١ / ١٢٤ ؛ و ٢ / ٢٥٢ ؛ البيان ، الشهيد الأول / ٢٨ ؛ الذكرى / ٥٤.

(٣) انظر : المعتبر ٢ / ٣٥٢ ؛ منتهى المطلب ١ / ٤٤٩ ؛ تذكرة الفقهاء ٢ / ٢٨ ؛ البيان / ٢٨ ؛ الذكرى / ٥٤.

(٤) البقيع ، كما في مناقب ابن شهراشوب ١ / ٩٣.

(٥) قوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) ، سورة آل عمران : ١٩٩.

٨١

صفات النجاشي (١).

وروى نحوه الواحدي (٢) وابن شهراشوب (٣).

ولكن ما ذكرناه أولاً هو الأولى ، وذلك لورود خبر محمد بن مسلم أوزرارة أنه قال : «الصلاة على الميت بعد ما يدفن إنّما هو الدعاء ، قال : قلت : فالنجاشي لم يصل عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فقال : لا ، إنّما دعا له» (٤) ، وهذا الحديث حسن (٥) أو صحيح (٦) عند معظم الفقهاء ، إلا أن السيد الخوئي يرى ضعفه (٧).

السلام على أصحاب الكهف

روى المجلسي عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «صلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات ليلة ، ثمّ توجه إلى البقيع ، فدعا أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً ، فقال : امضوا حتى تأتوا أصحاب الكهف ، وتقرؤهم منى السلام ، وتقدّم أنت يا أبا بكر ، فإنك أسنّ القوم ، ثمّ أنت يا عمر ، ثمّ أنت يا عثمان ، فإن أجابوا واحداً منكم وإلا تقدّم أنت يا علي ، كن آخرهم ، ثمّ أمر الريح فحملتهم حتى وضعتهم على باب الكهف ، فتقدم أبو بكر فسلّم ، فلم يردوا عليه فتنحّى ، فتقدم عمر فسلّم ، فلم يردوا عليه ، وتقدم عثمان وسلّم ، فلم يردوا عليه ، وتقدم عليّ وقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أهل

__________________

(١) مستدرك الوسائل ٢ / ٢٧٥ ، ح ١٩٥٤ ، عن فقه القرآن للراوندي.

(٢) اسباب النزول ، الواحدي النيسابوري / ٩٣.

(٣) المناقب ١ / ٩٣ ؛ بحار الانوار ١٨ / ١٣٠.

(٤) تفصيل وسائل الشيعة ٣ / ١٠٥ ، ح ٣١٤٥.

(٥) منتهى المطلب ١ / ٤٥ ؛ مجمع الفائدة والبرهان ٢ / ٤٥٢ ؛ غنائم الأيام ٣ / ٤٨٤.

(٦) مستند الشيعة ٦ / ٣٤٣ ؛ جواهر الكلام ١٢ / ١١٤ ؛ الحدائق الناضرة ١٠ / ٤٦٠ ؛ مصباح الفقيه ٢ / ق ٢ / ٥١٢ ؛ جامع المدارك ١ / ٥٧٢.

(٧) التنقيح في شرح العروة الوثقى ، ميرزا علي الغروي ٩ / ٢٦٥.

٨٢

الكهف الذين آمنوا بربهم وزادهم هدى ، وربط على قلوبهم ، أنا رسول رسول الله ورحمة الله إليكم ، فقالوا : مرحباً برسول الله وبرسوله ، وعليك السلام يا وصي رسول الله ورحمة الله وبركاته ، قال : فكيف علمتم أني وصي النبي؟ فقالوا : إنه ضرب على آذاننا ألا نكلّم إلا نبيّاً أو وصي نبي ، فكيف ترك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ وكيف حشمه؟ وكيف حاله؟ .. وبالغوا في السؤال ، وقالوا : خبّر أصحابك هؤلاء أنّا لا نكلّم إلا نبيّاً أو وصيّ نبي ، فقال لهم : أسمعتم ما يقولون؟ قالوا : نعم ، قال : فاشهدوا» (١).

من البقيع إلى مقابر مكة

روى في الدرجات الرفيعة عن أنس بن مالك ، قال : أتى أبو ذر يوماً إلى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : ما رأيت كما رأيت البارحة ، قالوا : وما رأيت البارحة؟ قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ببابه ، فخرج ليلاً وأخذبيدعلي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وخرجنا إلى البقيع ، فما زلت أقفو أثرهما إلى أن أتيا مقابر مكة ، فعدل إلى قبر أبيه ، فصلى عنده ركعتين ، فإذا بالقبر قد انشقّ ، وإذا بعبد الله جالس وهو يقول : أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً عبده ورسوله ، فقال له : من وليّك يا أبة؟ فقال : وما الولي يا بني؟ فقال : هو هذا علي ، فقال : إنّ علياً وليي ، قال : فارجع إلى روضتك ، ثمّ عدل إلى قبر أمه آمنة ، فصنع كما صنع عند قبر أبيه ، فإذا بالقبر قد انشقّ ، فإذا هي تقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، فقال لها : من وليك يا أماه؟ فقالت : وما الولاية يا بني؟ قال : هو هذا علي بن أبي طالب ، فقالت : إنّ علياً وليي ، فقال : ارجعي إلى حضرتك وروضتك. فكذبوه ولببوه ، وقالوا : يا

__________________

(١) بحار الأنوار ٣١ / ٦٢٤ ؛ انظر : قصص الأنبياء ، الراوندي / ٢٥٤.

٨٣

رسول الله ، كذب عليك اليوم! فقال : وما كان من ذلك؟ قالوا : إنّ جندب حكى عنك كيت وكيت ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر». قال عبد السلام بن محمد : فعرضت هذا الخبر على الجهني محمد بن عبد الأعلى ، فقال : علمت أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «أتاني جبرئيل ، فقال : إنّ الله عزوجل حرّم النار على ظهر أنزلك ، وبطن حملك ، وثدي أرضعك ، وحجر كفّلك» (١).

العناية بحفظ الصحة

روي عن أبي سعيد الخدري : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مرّ بالبقيع ، فأتى بإناء غير مخمر ، فقال : «ألا خمرته ولو بعود تقعده عليه» (٢).

وعن جابر بن عبد الله ، قال : جاء أبو حميد الأنصاري بإناء من لبن نهاراً إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو بالبقيع ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ألا خمرته ، ولو أن تعرض عليه عوداً» (٣).

اعلان تحريم الخمر

روى الطبراني باسناده عن ثابت بن زيد الخولاني : أنه قدم المدينة ، فلقي ابن عباس ، فسأله عن الخمر ، فقال : سأخبرك عن الخمر ، إني كنت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المسجد ، فبينما هو محتب حل حبوته ، ثمّ قال : «من كان عنده من الخمر شيء فليؤذني به» ، فجعل الناس يأتونه فيقول أحدهم : عندي راوية خمر ، ويقول الآخر : عندي راوية ، ويقول الآخر : عندي زقاق ، وما شاء الله أن يكون عنده ،

__________________

(١) الدرجات الرفيعة / ٢٣٦.

(٢) الكامل ٦ / ٣٢٠.

(٣) مصنف ابن أبي شيبة ٥ / ٥٢٧ ؛ مسند أحمد ٣ / ٢٩٤.

٨٤

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله «اجمعوه ببقيع كذا وكذا» ، ثمّ آذنوني ، ففعلوا ، ثمّ آذنوه .. (١)

رجم ماعز بن مالك

أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله برجم ماعز بن مالك الذي أتى بالفاحشة وأقرّ بذلك عنده مراراً.

روي عن أبي سعيد الخدري في قصة ماعز أنه قال : أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله برجمه ، فانطلقنا به إلى بقيع الغرقد ، فما أوثقناه ولا حفرنا له ، ورميناه بالعظام والمدر والخزف ، ثمّ اشتدّ واشتددنا له حتى أتى الحرة فانتصب لنا ، فرميناه بجلاميد الحرة ، حتى سكت (٢)

الإحتجام بالبقيع

روى أبو داود والنسائي وابن ماجة بأسانيدهم عن شداد بن أوس : أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على رجل بالبقيع وهو يحتجم ، وهو آخذ بيدي لثمان عشرة خلت من رمضان ، فقال : «أفطر الحاجم والمحجوم» (٣).

__________________

(١) المعجم الكبير ١٢ / ١٨٠ ؛ المستدرك على الصحيحين ٤ / ١٤٤ ؛ السنن الكبرى ٨ / ٢٨٧ ؛ تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير ٢ / ٩٨.

(٢) مسالك الافهام ، الشهيد الثاني ١٤ / ٣٨٤ ؛ كشف اللثام ، الفاضل الهندي ٢ / ٤٠٣ ؛ جواهر الكلام ٤١ / ٣٤٩ ؛ وانظر : صحيح مسلم ٥ / ١١٨ ؛ سنن أبي داود ٢ / ٣٤٦ ؛ صحيح ابن حبان ١٠ / ٢٨٦ ؛ سنن الدارمي ٢ / ١٧٨ ؛ مسند أحمد ٣ / ٦١ ؛ مسند أبي يعلى ٢ / ٤٢٠ ؛ المستدرك على الصحيحين ٤ / ٣٦٢ ؛ السنن الكبرى ٨ / ٢٢١ و ٢٢٧ ؛ البحر الرائق ٥ / ١٣ ؛ تاريخ بغداد ٣ / ١٣٩ ؛ تاريخ مدينة دمشق ٥٤ / ١٧٤ ؛ المغني ١٠ / ١٢٢ ؛ الشرح الكبير ١٠ / ١٣٧ ؛ شرح مسلم ١١ / ١٩٣ ؛ المحلى ١١ / ١٢٣ ؛ فتح الباري ١٢ / ١١٥ ؛ عون المعبود ١٢ / ٦٦ ـ ٧٤ ؛ كنز العمال ١٣ / ٥٩٣ ؛ شرح مسند أبي حنيفة ، ملا علي القاري / ٣٥١ ؛ نصب الراية ٤ / ١١٩ ؛ نيل الأوطار ٧ / ٢٦٩ و ٢٧٧ ؛ ارواء الغليل ٧ / ٣٥٦.

(٣) المجموع ٦ / ٣٤٩ ؛ انظر : سنن ابن ماجة ١ / ٥٣٧ ؛ سنن أبي داود ١ / ٥٣١ ؛ سنن الدارمي ٢ /

٨٥

مع الذئب في البقيع

روي عن حمزة بن أسيد قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في جنازة رجل من الأنصار بالبقيع ، فإذا الذئب مفترشاً ذراعيه على الطريق ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «هذا جاء يستفرض ، فافرضوا له ، قالوا : ترى رأيك يا رسول الله ، قال : من كلّ سائمة شاة في كلّ عام» ، قالوا : كثير ، قال : فأشار إلى الذئب أن خالسهم ، فانطلق الذئب ، رواه البيهقي (١).

بل أنا وا رأساه!

قالت عائشة : رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من البقيع ، فوجدني وأنا أجد صداعاً في رأسي وأنا أقول : وا رأساه! فقال : «بل أنا وا رأساه» ، قالت : ثمّ قال : «وما ضرّك لو متّ قبل فقمت عليك وكفّنتك وصليت عليك ودفنتك» .. (٢).

الزيارة الأخيرة

قال ابن أبى الحديد : وقد روي من قصة وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنه عرضت له الشكاة التي عرضت ، في أواخر صفر من سنة إحدى عشرة للهجرة ، فجهز جيش

__________________

١٥ ؛ مصنف ابن أبي شيبة ٢ / ٤٦٦ ؛ المعجم الكبير ٧ / ٢٧٧ ؛ المعجم الأوسط ٨ / ٢٠٠ ؛ مسند الشاميين ٢ / ٤٨ ، ١٥٠ ، ٣٧١ و ٤ / ٣٤٦ ؛ صحيح ابن خزيمة ٣ / ٢٢٦ ؛ صحيح ابن حبان ٨ / ٣٠٤ ؛ مسند أحمد ٤ / ١٢٢ ، ١٢٥ ، و ٥ / ٢٨٠ ، ٢٨٢ ، ٢٨٣ ؛ المستدرك على الصحيحين ١ / ٤٢٧ ، ٤٢٨ ؛ السنن الكبرى ٤ / ٢٦٥ و ٢٦٦ ؛ تاريخ مدينة دمشق ٥٤ / ٤١٢ ؛ أحكام القرآن ١ / ٢٣٦ ؛ ذيل تاريخ بغداد ، ابن النجار البغدادي ٢ / ١٥٥ ؛ المنتقى من السنن المسندة / ١٠٥ ؛ سبل السلام ٢ / ١٥٨ ؛ نصب الراية ٣ / ٤٣ ؛ موارد الظمآن / ٢٢٦ ؛ اللمع في أسباب ورود الحديث / ٥١ ؛ كنز العمال ٨ / ٦٠٢ و ٦٠٣.

(١) البداية والنهاية ٦ / ١٦١ ؛ انظر : الإصابة ٢ / ١٠٥.

(٢) البداية والنهاية ٥ / ٢٤٤ ؛ انظر : سنن الدارقطني ٢ / ٦١ ؛ السيرة النبوية ٤ / ٤٤٥.

٨٦

أسامة بن زيد ، فأمرهم بالمسير إلى البلقاء ، حيث أصيب زيد وجعفر عليهما‌السلام من الروم ، وخرج في تلك الليلة إلى البقيع ، وقال : «إني قد أمرت بالإستغفار عليهم ، فقال عليه‌السلام : السلام عليكم يا أهل القبور ، ليهنكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، يتبع أولها آخرها ، ثمّ استغفر لأهل البقيع طويلاً ، ثمّ قال لأصحابه : انّ جبريل كان يعارضني القرآن في كلّ عام مرّة ، وقد عارضني به العام مرّتين ، فلا أراه إلا لحضور أجلي (١).

وروى الطبرسي : أنه يوم الأحد لليال بقين من صفر أخذ بيد علي عليه‌السلام ، وتبعه جماعة من أصحابه ، وتوجه إلى البقيع ، ثمّ نقل نحو ما ذكره ابن أبي الحديد ، ثمّ قال : «يا علي ، إنّي خيّرت بين خزائن الدنيا والخلود فيها أو الجنة فاخترت لقاء ربي والجنة ، فإذا أنا متّ فغسّلني ، واستر عورتي ، فانه لا يراها أحد إلا أكمه ، ثمّ عاد إلى منزله ، فمكث ثلاثة أيام موعوكاً ..» (٢).

ما قاله الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله بالبقيع

١. إنّ فيكم رجلاً يقاتل الناس على تأويل القرآن

روى الفرات الكوفي عن أبي ذرالغفاري قال : كنت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو بالبقيع الغرقد ، فقال : «والذي نفسي بيده ، انّ فيكم رجلاً يقاتل الناس على تأويل القرآن ، كما قاتلت المشركين على تنزيله ، وهم في ذلك يشهدون أن لا إله إلا الله ، وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ، فيكبر قتلهم على الناس ، حتى يطعنوا على ولي الله ، ويسخطوا عمله كما سخط موسى من أمر السفينة وقتل الغلام وإقامة

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ١٠ / ١٨٣ ؛ وانظر : السيرة النبوية (لابن هشام) ٤ / ١٠٥٦ ؛ عيون الأثر ٢ / ٤٢٩ ؛ البداية والنهاية ٥ / ٢٤٣.

(٢) إعلام الورى بأعلام الهدى ، الطبرسي ١ / ٢٦٤.

٨٧

الجدار ، وكان خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لله رضا ، وسخط ذلك موسى» (١).

ورواه الخوارزمي (٢) والمتقي الهندي عن الديلمي (٣).

٢. المهدي من ذرية علي ومن ولد الحسين

روي عن أبان بن عثمان قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «بيننا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم بالبقيع ، فأتاه عليّ فسلّم عليه ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اجلس ، فأجلسه عن يمينه ، ثمّ جاء جعفر بن أبي طالب ، فسأل عن رسول الله ، فقيل : هو بالبقيع ، فأتاه فسلّم عليه ، فأجلسه عن يساره ، ثمّ جاء العباس ، فسأل عنه ، فقيل : هو بالبقيع ، فأتاه فسلّم عليه ، وأجلسه أمامه ، ثمّ التفت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي عليه‌السلام ، فقال : ألا أبشرك ، ألا أخبرك يا علي؟ قال : بلى يا رسول الله ، فقال : كان جبرئيل عندي آنفاً ، وخبّرني أنّ القائم الذي يخرج في آخر الزمان ، يملأ الأرض عدلاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً من ذريتك ، من ولد الحسين عليه‌السلام ، فقال علي عليه‌السلام : يا رسول الله ، ما أصابنا خير قطّ من الله إلا على يديك ..» (٤).

٣. مع علي وأخيه جعفر الطيار

روى الشيخ منتجب الدين بإسناده عن الحسن بن الحسن عن أبيه الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بقيع الغرقد ، إذ مرّ به ١ فر بن أبى طالب ، ٢ جعفر بن

__________________

(١) تفسير فرات الكوفي / ٢٠٠ ؛ ؛ انظر : كشف الغمة ، الاربلي ١ / ١١٢ ؛ بحار الأنوار ٣٢ / ٢٩٦.

(٢) المناقب / ٨٨.

(٣) كنز العمال ١٣ / ١٠٦ عن الديلمي.

(٤) بحار الأنوار ٥١ / ٧٦ ؛ معجم أحاديث الإمام المهدي ١ / ١٩٥.

٨٨

أبي طالب ذو الجناحين ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : صلّ جناح أخيك ، ثم تقدم النبيّ فصليا خلفه ، فلما انفتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من صلاته أقبل بوجهه عليهما ، ثمّ قال : يا جعفر ، هذا جبرئيل يخبرني عن الديان عزوجل أنه قد جعل لك جناحين منسوجين في الجنان ، ويسيرك ربك يوم خميس ، قال : فقال علي : فداك أبي وأمي يا رسول الله ، هذا لجعفر أخي ، فما لي عند ربي عزوجل؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : بخ بخ يا علي ، انّ الله خلق خلقاً يستغفرون لك إلى أن تقوم الساعة ، قال : فقال علي عليه‌السلام : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، وما ذلك الخلق؟ قال : المؤمنون الذين يقولون : (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ)(١) ، فهل سبقك أحد بالإيمان؟ يا علي ، إذا كان يوم القيامة ابتدرت إليك اثنا عشر ألف ملك من الملائكة ، فيختطفونك اختطافاً حتى تقوم بين يدي ربي عزوجل ، فيقول الربّ جل جلاله : سل يا علي ، (فقد) آليت على نفسي أن أقضي لك اليوم ألف حاجة ، قال : فأبدأ بذريتي وأهل بيتي يا رسول الله؟ قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنهم لا يحتاجون اليك يومئذ ، ولكن ابدأ بمحبيك ـ أو أحبائك ـ وأشياعك. وساق الكلام إلى أن قال : والله ، لو أنّ الرجل صام النهار وقام الليل وحمل على الجياد في سبيل الله ، ثمّ لقي الله مبغضاً لك ولأهل بيتك ، لكبّه الله على منخريه في النار» (٢).

وروى الحاكم الحسكاني عن سلمة بن الأكوع قال : بينما النبي ببقيع الغرقد وعلي معه ، فحضرت الصلاة ، فمرّ به جعفر ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا جعفر ، صلّ جناح أخيك ، فصلى النبيّ بعليّ وجعفر ، فلما انفتل من صلاته قال : يا جعفر ، هذا جبرئيل يخبرني عن رب العالمين أنه صيّر لك جناحين أخضرين مفصصين بالزبرجد والياقوت ، تغدو وتروح حيث تشاء ، قال علي : فقلت : يا رسول الله ، هذا لجعفر ،

__________________

(١) سورة الحشر : ١٠.

(٢) الأربعون حديثاً ، الشيخ منتجب الدين الرازي / ٣٠.

٨٩

فما لي؟ قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي ، أو ما علمت أنّ الله عزوجل خلق خلقاً من أمتي ، يستغفرون لك إلى يوم القيامة؟ قال علي : ومن هم يا رسول الله؟ قال : قول الله عزوجل في كتابه المنزل عليّ : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ)(١) ، فهل سبقك إلى الإيمان أحد يا علي؟ (٢).

٤. اللهم هب لي رقية من ضمة القبر

روى الكليني باسناده عن أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقف على قبر رقية ، فرفع رأسه إلى السماء ، فدمعت عيناه ، وقال للناس : «إني ذكرت هذه وما لقيت ، فرققت لها ، واستوهبها من ضمة القبر ، قال : فقال : اللهم هب لي رقية من ضمة القبر ، فوهبها الله له» (٣).

٥. يا أم سعد ، لا تحتمي على الله

روى الكليني باسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام أنه قال : «خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في جنازة سعد (٤) ، وقد شيّعه سبعون ألف ملك ، فرفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رأسه إلى السماء ، ثمّ قال : مثل سعد يضمّ؟ قال : قلت : جعلت فداك ، إنا نحدّث أنه كان يستخف بالبول ، فقال : معاذ الله ، إنّما كان من زعارة في خلقه على أهله ؛ قال : فقالت أمّ سعد : هنيئاً لك يا سعد ، قال : فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أم

__________________

(١) سورة الحشر : ١٠.

(٢) شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني ٢ / ٣٣٣.

(٣) الكافي ٣ / ١٣٦ ، ح ٦.

(٤) أي سعد بن معاذ ، كما يأتي ذكره في المدفونين في البقيع.

٩٠

سعد ، لا تحتمي على الله» (١).

٦. حول الفتنة

روى ابن عساكر : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذكر فتنة فقربها ، قال : فأتيته بالبقيع ، وعنده أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير ، فقلت يا رسول الله ، بلغني أنك ذكرت فتنة ، قال : «نعم ، كيف أنتم إذا اقتتلت فئتان ، دينهما واحد ، وصلاتهما واحدة ، وحجهما واحد! قال : قال أبو بكر : أدركها يا رسول الله؟ قال : لا ، قال : الله أكبر ، قال عمر : أدركها يا رسول الله؟ قال : لا ، قال : الحمد لله ، قال عثمان : أدركها يا رسول الله؟ قال : نعم ، وبك يبتلون! قال عليّ : أدركها يا رسول الله؟ قال : نعم ، تقود الخيل بأزمته» (٢).

٧. هؤلاء خير منكم

روى صفوان الجمال عن الصادق عليه‌السلام : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يخرج في ملاء من الناس من أصحابه كلّ عشية خميس إلى بقيع المدنيين ، فيقول ثلاثاً : السلام عليكم أهل الديار ، وثلاثاً : رحمكم الله ، ثمّ يلتفت إلى أصحابه ويقول : هؤلاء خير منكم ، فيقولون : يا رسول الله ، ولم؟ آمنوا وآمنّا ، وجاهدوا وجاهدنا! فيقول : إنّ هؤلاء آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ، ومضوا على ذلك ، وأنا لهم على ذلك شهيد ، وأنتم تبقون بعدي ، ولا أدري ما تحدثون بعدي» (٣).

__________________

(١) الكافي ٣ / ١٣٦.

(٢) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٥٠.

(٣) كامل الزيارات / ٥٢٩ ؛ انظر : بحار الأنوار ٩٩ / ٢٩٦ ؛ الحدائق الناضرة ٤ / ١٧١ ؛ مستند الشيعة ٣ / ٣٢٠ ؛ تفصيل وسائل الشيعة ٣ / ٢٢٤ ؛ جواهر الكلام ٤ / ٣٢١ ؛ مستدرك سفينة البحار ٨ / ٣٧٠.

٩١

وروى عبد الرزاق عن ابن جريح قال : حدثت أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان ينطلق بطوائف من أصحابه إلى دفنى بقيع الفرقد ، فيقول : «السلام عليكم يا أهل القبور ، لو تعلمون مما نجاكم الله مما هو كائن بعدكم ، ثمّ يلتفت إلى أصحابه ، وفيهم يومئذ الأفاضل ، فيقول : أنتم خير أم هؤلاء؟ فيقولون : نرجو أن لا يكونوا خيراً منّا ، هاجرنا كما هاجروا ، ولم يأكلوا من أجورهم شيئاً ، وإنكم تأكلون من أجوركم ، فإنّ هؤلاء قد مضوا ، وقد شهدت لهم ، وإني لا أدري ما تحدثون بعدي» (١).

٨. أترين هذه المقبرة؟

روى الحاكم عن أم قيس : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج بها في سكك المدينة حتى انتهى إلى البقيع الغرقد ، فقال : «يا أم قيس! قلت : لبيك وسعديك يا رسول الله ، قال : أترين هذه المقبرة؟ قلت : نعم يا رسول الله ، قال : يبعث منها سبعون ألفاً يوم القيامة بصورة القمر ليلة البدر ، يدخلون الجنة بغير حساب» (٢).

٩. حول الصدقة

روي أحمد عن أبي السليل قال : وقف علينا رجل في مجلسنا بالبقيع ، فقال : حدثني أبي أو عمي : أنه رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالبقيع وهو يقول : «من يتصدق بصدقة أشهد له بها يوم القيامة» ، قال : فحللت من عمامتي لوثاً أو لوثين وأنا أريد أن أتصدق بهما ، فأدركني ما يدرك ابن آدم ، فعقدت على عمامتي ، فجاء رجل لم أر بالبقيع رجلاً أشدّ منه سواداً ولا أصغر منه ولا أذمّ ببعير ساقه لم أر بالبقيع ناقة

__________________

(١) مصنف عبد الرزاق ٣ / ٥٧٥ ؛ وانظر : تفسير الثعالبي ٥ / ٢٢١.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٤ / ٦٨ ؛ انظر : المعجم الكبير ٨ / ٢١٦ ؛ مسند أبي داود الطيالسي / ٢٢٧ ؛ كتاب الثقات ٥ / ٤٧٠ ؛ الإصابة ٤ / ٤٤٠ ؛ فتح الباري ١١ / ٣٥٩ ؛ كنز العمال ١٢ / ٢٦٢ ؛ الفائق في غريب الحديث ١ / ٢٢٥ ؛ النهاية في غريب الحديث ١ / ٣٢٥ و ٢ / ٥٠ ؛ لسان العرب ٢ / ٢٢ و ١٢ / ١٨٦.

٩٢

أحسن منها ، فقال : يا رسول الله ، أصدقة؟ قال : نعم ، قال : دونك هذه الناقة ، قال : فلمزه رجل فقال : هذا يتصدق بهذه ، فوالله لهي خير منه ، قال : فسمعها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : كذبت ، بل هو خير منك (١).

١٠. بل اعملوا

روى الترمذي عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي عليه‌السلام قال : «كنا في جنازة في البقيع فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فجلس وجلسنا معه ، ومعه (عود) ينكت به في الأرض ، فرفع رأسه إلى السماء فقال : ما من نفس منفوسة إلا قد كتب مدخلها ، فقال القوم : يا رسول الله ، أفلا نتّكل على كتابنا ، فمن كان من أهل السعادة ، فهو يعمل للسعادة ، ومن كان من أهل الشقاء ، فإنه يعمل للشقاء؟ قال : بل اعملوا ، فكلّ ميسّر ، أما من كان من أهل السعادة فإنه ميسر لعمل السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاء فإنه ميسر لعمل الشقاء ، ثمّ قرأ : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى ، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى)» (٢) ، ثمّ قال : هذا حديث حسن صحيح (٣).

__________________

(١) تفسير القرآن العظيم ٢ / ٣٨٩ ؛ مسند أحمد ٥ / ٣٤ ؛ الدر المنثور ٣ / ٢٦٤ ؛ جامع البيان ١٠ / ٢٥٠ ؛ مجمع الزوائد ٣ / ١٢٠.

(٢) سورة الليل : ٥ ـ ١٠.

(٣) سنن الترمذي ٥ / ١١١ ؛ انظر : صحيح البخاري ٢ / ٩٩ و ٦ / ٨٤ و ٨٥ ؛ صحيح مسلم ٨ / ٤٦ ؛ سنن أبي داود ٢ / ٤١١ ؛ مصنف عبد الرزاق ١١ / ١١٥ ؛ مسند أبي يعلى ١ / ٤٣٧ ؛ مسندأحمد ١ / ١٢٩ و ١٣٢ ؛ تفسير الثعالبي ٥ / ٥٥٩ ؛ جامع البيان ٣٠ / ٢٨١ ؛ تفسير القرآن العظيم ٤ / ٥٥٤ ؛ الجامع لأحكام القرآن ٢٠ / ٨٣ ؛ علل الدارقطني ٤ / ١٦٠ ؛ غريب الحديث ١ / ٣٠٧ ؛ فتح الباري ٨ / ٥٤٤ ؛ كتاب السنة / ٧٥ ؛ حديث خيثمة / ١٨٧ ؛ حز الغلاصم في افحام المخاصم ، شيث بن إبراهيم / ١٠٥ ؛ الديباج على صحيح مسلم ، السيوطي ٦ / ٩ ؛ تحفة الأحوذي ٦ / ٢٨٤ ؛ رياض الصالحين / ٤٢٩ ؛ كنز العمال ١ / ٣٤٢.

٩٣

وروى الزمخشري : جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالبقيع ، ومعه مخصرة (١) له ، فجلس ونكت بها في الأرض ، ثمّ رفع رأسه وقال : «ما من منفوسة إلا وقد كتب مكانها في الجنة والنار» (٢).

١١. يا بلال ، هل تسمع ما أسمع؟

روى الحاكم عن أنس بن مالك ، قال : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبلال يمشيان بالبقيع ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا بلال ، هل تسمع ما أسمع؟ قال : لا والله يا رسول الله ، ما أسمعه ، قال : ألا تسمع أهل القبور يعذبون» (٣).

ثم قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ (٤).

وفي خبر أبي رافع قال : خرجت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وانتهيت إلى بقيع الغرقد ، فالتفت إليّ فقال : «هل تسمع الذي أسمع؟ فقلت : بأبي وأمي ، لا يا رسول الله ، قال : هذا فلان بن فلان يعذب في قبره ، في شملة اغتلها يوم خيبر» (٥).

١٢. عذاب القبر

روى الطبراني في ضمن خبر : فلما مرّ ـ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ببقيع الغرقد إذا بقبرين

__________________

(١) ما يختصره الإنسان بيده فيمسكه ، من عصا ، أو عكازة ، أو مقرعة ، أو قضيب ، وقد يتكأ عليه. كذافي النهاية ٢ / ٣٦ ؛ لسان العرب ٤ / ٢٤٢ ؛ تاج العروس ٣ / ١٧٨.

(٢) الفائق في غريب الحديث ١ / ٣٢٣ ؛ انظر : مسند أبي يعلى ١ / ٣٠٦ ؛ أمالي المحاملي / ١٦٩ ؛ فيض القدير ٢ / ١٧ ؛ سبل الهدى والرشاد ٧ / ٣٦٦.

(٣) المستدرك على الصحيحين ١ / ٤٠ ؛ مسند أحمد ٣ / ٢٥٩ ؛ اثبات عذاب القبر ، البيهقي / ٧٥ ؛ كنز العمال ١٥ / ٤٨٥ ، ٧٤١.

(٤) المستدرك على الصحيحين ١ / ٤٠.

(٥) مجمع الزوائد ٥ / ٣٣٨.

٩٤

قد دفنوا فيهما رجلين ، فوقف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : «من دفنتم ههنا اليوم؟ قالوا : يا نبي الله ، فلان. قال : إنهما ليعذبان الآن ، ويفتنان في قبريهما ، قالوا : يا رسول الله ، وما ذاك؟ قال : أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة ، وأما أحدهما فكان لا يتنزه من البول» (١)

وروى الطبري عن أبي أمامة ، قال : أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بقيع الغرقد ، فوقف على قبرين ثريين ، فقال : «أدفنتم هنا فلاناً وفلانة ، أو قال : فلاناً وفلاناً ، فقالوا : نعم يا رسول الله ، فقال : قد أقعد فلان الآن يضرب ، ثمّ قال : والذي نفسي بيده ، لقد ضرب ضربة ما بقي منه عضو إلا انقطع ، ولقد تطاير قبره ناراً ، ولقد صرخ صرخة سمعتها مع الخلائق إلا الثقلين من الجنّ والإنس ، ولولا تمريج قلوبكم وتزيدكم في الحديث لسمعتم ما أسمع ، ثمّ قال : الآن يضرب هذا ، الآن يضرب هذا ، ثمّ قال : والذي نفسي بيده ، لقد ضرب ضربة ما بقى منه عظم إلا انقطع ، ولقد تطايرها سعيد قبره ناراً ، ولقد صرخ صرخة سمعها الخلائق إلا الثقلين من الجن والإنس ، ولولا تمريج في قلوبكم وتزيدكم في الحديث لسمعتم ما أسمع ، قالوا : يا رسول الله ، ما ذنبهما؟ قال : أما فلان فإنه كان لايستبرىء من البول ، وأما فلان أو فلانة فإنه كان يأكل لحوم الناس» (٢).

وروى البيهقي عن عبد الله بن حنطب : أنه بلغه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مرّ يسير على بغلة له بيضاء في المقابر ببقيع الغرقد ، فحادت به بغلته حيدة ، فوثب إليها الرجال من المسلمين ليأخذوا بلجامها ، فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «دعوها ، فإنها سمعت عذاب سعد بن زرارة يعذب في قبره ، وكان رجلاً منافقاً» (٣).

__________________

(١) المعجم الكبير ٢٥ / ١٨١ ؛ مجمع الزوائد ٣ / ٥٦.

(٢) صريح السنة / ٢٩ ؛ انظر : سبل الهدى والرشاد ١٠ / ١٢.

(٣) اثبات عذاب القبر / ٥٧.

٩٥

١٣. تسموا باسمي ولاتكنوا بكنيتي

روى ابن أبي شيبة وغيره : أنه كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالبقيع ، فنادى رجل آخر :

يا أبا القاسم! فالتفت إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : إني لم أعنك يا رسول الله! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «تسموا باسمي ، ولا تكنوا بكنيتي» (١).

١٤. لا دريت ولا أفلحت

روي عن أبي رافع قال : دخلت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله البقيع ، فسمعته يقول : «لا دريت ولا أفلحت ، فقلت : بأبي وأمي ، ما لي لا أدري ولا أفلح؟! قال : ليس لك ، قلت : بأبي وأمي ، ليس معك غيري ، قال : سمعت صاحب هذا القبر يسأل (عني) ، فقال : لا أدري ، فقلت : لا دريت ولا أفلحت» (٢).

وعن الطبراني عن أبي رافع : انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج بالليل يدعو بالبقيع ، ومعه أبو رافع ، فدعا بما شاء الله أن يدعو ، ثمّ انصرف مقبلاً ، فمرّ على قبر ، فقال : «أف أف أف! فقال له أبو رافع : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، ما معك غيري ، فمنّي أففت؟! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا ، ولكنّي أففت من صاحب هذا القبر الذي سئل عنّي فشكّ فيّ» (٣).

__________________

(١) المصنف ٦ / ١٦٢ ؛ وانظر : صحيح البخاري ٣ / ٢٠ ؛ صحيح مسلم ٦ / ١٦٩ ؛ سنن ابن ماجة ٢ / ١٢٣٠ ؛ مسند أبي يعلى ٦ / ٤٢٠ و ٤٣٤ ؛ الطبقات الكبرى ١ / ١٠٦ ؛ صحيح ابن حبان ١٣ / ١٣١ ؛ مسند أحمد ٣ / ١١٤ ، ١٢١ ؛ السنن الكبرى ٩ / ٣٠٨ ؛ أسد الغابة ٥ / ٢٧٤ ؛ منتخب مسند عبد بن حميد / ٤١٣ ؛ الإصابة ٧ / ٢٧٠ ؛ ناسخ الحديث ومنسوخه / ٣٧٦ ؛ اللمع في أسباب ورود الحديث / ٨٣ ؛ شرح مسلم ١٤ / ١١٢ ؛ فيض القدير ٣ / ٣٢٣ ؛ سبل الهدى والرشاد ١ / ٥٣٦ و ١٠ / ٤٥٤.

(٢) دلائل النبوة ، اسماعيل بن محمد الاصفهاني / ٩٩ ؛ وانظر : المعجم الكبير ١ / ٣٢٥ ، ٣٢٧ (روى نحوه بتفاوت يسير ، وفيه : لا هديت) ؛ اثبات عذاب القبر / ٧٨ ؛ مجمع الزوائد ٣ / ٥٣ ؛ كنز العمال ١٥ / ٧٤٢.

(٣) مجمع الزوائد ٣ / ٥٣.

٩٦

١٥. اللهم اغفر للمتسرولات من أمتي

روى الهيثمي عن علي أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : كنت قاعداً عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند البقيع ، يعني بقيع الغرقد ، في يوم مطر ، فمرّت امرأة على حمار ومعها مكار ، فمرّت في وهدة من الأرض فسقطت ، فأعرض عنها بوجهه ، فقالوا : يا رسول الله! إنّها متسرولة ، فقال : «اللهمّ اغفر للمتسرولات من أمتي (١) ، يا أيها الناس! اتخذوا السراويلات ، فإنها من أستر ثيابكم ، وحصّنوا به نساءكم إذا خرجن» (٢).

١٦. إنّ المكثرين هم المقلون يوم القيامة إلا ..

روى البخاري عن أبي ذر ، قال : انطلق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نحو البقيع ، وانطلقت أتلوه ، فالتفت فرآني ، فقال : «يا أبا ذر ، فقلت : لبيك يا رسول الله وسعديك وأنا فداؤك ، فقال : إنّ المكثرين هم المقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا في حقّ ، قلت : الله ورسوله أعلم ، فقال هكذا ثلاثاً ، ثمّ عرض لنا أحد ، فقال : يا أبا ذر ، فقلت : لبيك رسول الله وسعديك ، وأنا فداؤك ، قال : ما يسرّني أنّ أحداً لآل محمد ذهباً فيمسي عندهم دينار أو قال مثقال ، ثمّ عرض لنا واد ، فاستنتل (٣) ، فظننت أنّ له حاجة ، فجلست على شفير ، وأبطأ عليّ ، قال : فخشيت عليه ، ثمّ سمعته كأنه يناجي رجلاً ، ثمّ خرج وحده ، فقلت يا رسول الله ، من الرجل الذي تناجي ، فقال : أو سمعته؟ قلت : نعم ، قال : فإنه جبريل ، أتاني فبشرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ..» (٤).

__________________

(١) مجمع الزوائده ٥ / ١٢٢ ؛ كنزالعمال ١٥ / ٤٦٣ ؛ فيض القدير ١ / ١٤٤ ؛ ميزان الحكمة ١ / ٥٣٠.

(٢) مجمع الزوائده ٥ / ١٢٢ ؛ كنزالعمال ١٥ / ٤٦٣ ؛ فيض القدير ١ / ١٤٤ ؛ ميزان الحكمة ١ / ٥٣٠.

(٣) قال الجواهرى فى الصحاح مادة (نتل) : استنتل من الصف ، إذا تقدم أصحابه. واستنتل للأمر : استعدله.

(٤) الأدب المفرد ، البخاري / ١٧٣ ؛ انظر : صحيح ابن حبان ١ / ٤٣٢.

٩٧

١٧. حول العطسة

روى المتقي الهندي عن أبي رافع قال : خرجت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من بيته ، وبيته يومئذ المسجد ، حتى أتينا البقيع ، فعطس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمكث طويلاً ، فقلت له : بأبي وأمي ، قلتَ شيئاً لم أفهمه ، فقال : «نعم ، أتاني من ربي أو أخبرني جبريل ، قال : إذا عطست فقل : الحمد لله ككرمه ، والحمد لله كعزّ جلاله ، قال : فإنّ الرب تبارك وتعالى يقول : صدق عبدي ، صدق عبدي ، مغفوراً له» (١).

١٨. اجلس فيها ولا تبرح حتى آتيك

روى الزيلعي قضية راجعة إلى ابن مسعود ، وجاء فيها : يا ابن مسعود ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يجدك عشاءاً ، فارجع إلى مضجعك ، فرجعت إلى المسجد ، فجمعت حصباء المسجد فتوسدته ، والتففت بثوبي ، فلم ألبث إلا قليلاً ، حتى جاءت الجارية فقالت : أجب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاتبعتها حتى بلغت مقامي ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفي يده عسيب نخل ، فعرض به على صدري ، فقال : «انطلق أنت معي حيث انطلقت» ، قال : فانطلقنا حتى أتينا بقيع الغرقد ، فخطّ بعصاه خطة ، ثمّ قال : «اجلس فيها ولا تبرح حتى آتيك» ، ثمّ انطلق يمشي وأنا أنظر إليه ، حتى إذا كان من حيث لا أراه ، ثارت مثل العجاجة السوداء ، ففزعت وقلت في نفسي : هذه هوازن مكروا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليقتلوه ، فهممت أن أسعى إلى البيوت فاستغيث الناس ، فذكرت أنّ رسول الله أوصاني أن لا أبرح ، وسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يفزعهم بعصاه ، ويقول : اجلسوا ، فجلسوا ، حتى كاد ينشق عمود الصبح ، ثمّ ثاروا وذهبوا .. (٢).

__________________

(١) كنز العمال ٩ / ٢٢٩.

(٢) نصب الراية ١ / ٢١٥ ؛ انظر : تفسير القرآن العظيم ٤ / ١٨٢ ؛ سبل الهدى والرشاد ٦ / ٤٣٣.

٩٨

١٩. يا أمة الله اتقي الله واصبري

روى أبو يعلى والهيثمي عن أبي هريرة ، قال : مرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالبقيع على امرأة جاثمة على قبر تبكي ، فقال لها : «يا أمة الله ، اتقي الله واصبري ، فقالت : يا عبد الله ، إني أنا الحرى الثكلى ، فقال : يا أمة الله اتقي الله واصبري ، فقالت : يا عبد الله ، لو كنت مصاباً عذرتني ، فقال : يا أمة الله ، اتقي الله واصبري ، فقالت : يا عبد الله ، قد أسمعت فانصرف عنّي ، قال : فمضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاتبعه رجل من أصحابه ، فوقف على المرأة ، فقال لها : ما قال لك الرجل الذاهب؟ قالت : قال لي كذا وكذا ، قال : فهل تعرفينه؟ قالت : لا ، قال : ذاك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : فوثبت مسرعة وهي تقول : أنا أصبر ، أنا أصبر يا رسول الله ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الصبر عند الصدمة الأولى ، الصبر عند الصدمة الأولى» (١).

٢٠. أف لك أف لك

روى الحاكم عن أبي رافع قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا صلى العصر ذهب إلى بني عبد الأشهل ، فيتحدث عندهم حتى ينحدر للمغرب ، قال أبو رافع : فبينما النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يسرع إلى المغرب مررنا بالبقيع ، فقال : «أف لك أف لك ، قال : فكبر ذلك في ذرعي ، فاستأجرت (٢) وظننت أنه يريدني ، فقال : مالك ، امش ، فقلت : أحدثت حدثا؟ قال : ما ذاك؟ قلت : أففت بي ، قال : لا ، ولكن هذا فلان بعثته ساعياً على بني فلان ، فغل نمرة ، فدُرِّع الآن مثلها من نار» (٣).

__________________

(١) مسند أبي يعلى ١٠ / ٤٥٣ ؛ مجمع الزوائد ٣ / ٢ ؛ وانظر : فيض القدير ٤ / ٣٠٨ ؛ الكامل ٣ / ٣٦٨.

(٢) فاستأخرت.

(٣) سنن النسائي ٢ / ١١٥ ؛ انظر : المعجم الكبير ١ / ٣٢٣ ؛ مسند أحمد ٦ / ٣٩٢ ؛ السنن الكبرى ١ / ٣٠٠ ؛ صحيح ابن خزيمة ٤ / ٥٢ ؛ تفسير القرآن العظيم ١ / ٤٣١ ؛ تهذيب الكمال ٢٣ / ٢٣٥.

٩٩

وفي خبر آخر : صاحب هذه الحفرة استعملته على بني فلان ، فخان بردة ، فأريتها عليه تلتهب (١).

٢١. الطاعم الشاكر

روى الحاكم باسناده عن حنظلة بن علي السدوسي يقول : سمعت أبا هريرة يقول بهذا البقيع : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «الطاعم الشاكر مثل الصائم الصابر» (٢).

٢٢. لا تغالوا في الحديد .. لا تغالوا فى اللبن

روي عن ابن عباس قال : مرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ببقيع الغرقد ورجل يسوم سيفاً ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا تغالوا في الحديد ، فإنها مأمورة» ، ومرّ برجل يسوم بشاة ، فقال : «لا تغالوا في اللبن ، فإنه رزق» (٣).

٢٣. اتخذ حماماً

جاء في طبقات المحدثين عن أبي هريرة : مرّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ببقعة من المناصع والبقيع ، فقال : «نعم ، هذا موضع الحمام ، فاتخذ حماماً» (٤).

٢٤. مقبرة عسقلان

روي عن عطا ، قال : سألتني عائشة عن عسقلان ، قلت : ما تسأليني عن

__________________

(١) المعجم الكبير ١ / ٣٣٠ ؛ كنز العمال ٤ / ٥٤٤.

(٢) المستدرك على الصحيحين ١ / ٤٢٢.

(٣) الكامل ٦ / ١١٧.

(٤) طبقات المحدثين بأصبهان ٢ / ٣١٩ ؛ انظر : ميزان الاعتدال ١ / ١٦٤ ؛ تهذيب التهذيب ١ / ٧٩.

١٠٠