بقيع الغرقد

الشيخ محمّد أمين الأميني

بقيع الغرقد

المؤلف:

الشيخ محمّد أمين الأميني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٠

٦. استحباب زيارة القبور ، والدعاء عندها قائماً ، كما كان فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الخروج إلى البقيع (١).

٧. حكم حرث البقيع ، وأخذ ترابه للبناء.

جاء في مواهب الجليل : ولابن عات : سأل بعضهم : أيجوز حرث البقيع بعد أربعين سنة دون دفن فيه ، وأخذ ترابه للبناء؟ قال : الحبس لا يجوز أن يتملك (٢).

٨. النهي عن بيع شجر البقيع (٣).

٩. استحباب رشّ الماء على القبر.

جاء في الخبر أنّ الإمام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام أمر أن يرش قبر يونس بن يعقوب المؤمنين أربعين شهراً أو يوماً (٤). والترديد من الراوي (٥).

قال المجلسي : ما تضمنه من استمرار الرش على إحدى المدتين خلاف المشهور ، ولم أر قائلاً به ، ولا بأس بالعمل به في أقل المدتين (٦).

١٠. صلاة الغائب ، أو الصلاة على الميت من بُعد (٧) ، في قضية الصلاة على النجاشي بالبقيع.

أقول : الظاهر ان ما روي من صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على النجاشي كان بمعنى الدعاء له ، لا الصلاة المعهودة التي تقام على الميت ، وهناك احتمالات أخرى نذكرها في فصل «النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والبقيع» ، مبحث : «الصلاة على النجاشي» ، فراجع.

__________________

(١) انظر : حاشية رد المحتار ، ابن عابدين ٢ / ٢٦٣ ؛ البحر الرائق ، ابن نجيم ٢ / ٣٤٣.

(٢) مواهب الجليل ٧ / ٦٢٨.

(٣) الحواشي على تحفة المحتاج ٤ / ٢٤٢.

(٤) بحار الأنوار ٧٩ / ٢٦.

(٥) مستدرك سفينة البحار ، النمازي ٨ / ٣٦٨.

(٦) بحار الأنوار ٧٩ / ٢٧.

(٧) انظر : احكام الجنائز وبدعها ، الألباني / ٨٩.

٦١

١١. الصدقة واللقطة (١).

١٢. الإحتجام في حالة الصيام (٢).

١٣. النهي عن التكني بأبي القاسم لمن كان اسمه محمداً (٣).

١٤. حكم أكل الإرنب (٤).

__________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ / ٨٣٨.

(٢) سنن أبي داود ١ / ٥٣١ ؛ المجموع ٦ / ٣٤٩ ؛ سبل السلام ، الكحلاني ٢ / ١٥٨.

(٣) المصنف ٦ / ١٦٢ ؛ الطبقات الكبرى ١ / ١٠٦ ؛ تاريخ مدينة دمشق ٣ / ٣٦.

(٤) المستدرك على الصحيحين ٤ / ١١٢.

٦٢

النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والبقيع

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يستغفر لأهل البقيع ويدعو لهم

كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يأتي قبور البقيع والشهداء للدعاء والإستغفار لهم (١) ، روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله رفع اليدين في دعائه لأهل البقيع (٢).

روى الحاكم عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : طرقني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات ليلة ، فقال : «يا أبا مويهبة ، انطلق استغفر ، فإني قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع ، فانطلقت معه ، فلما بلغ البقيع قال : السلام عليكم يا أهل البقيع ، ليهن لكم ما أصبحتم فيه ، لو تعلمون ما أنجاكم الله منه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، يتبع أولها آخرها ، ثمّ قال : يا أبا مويهبة ، إنّ الله خيّرني أن يؤتيني خزائن الأرض والخلد فيها ثمّ الجنة ، وبين لقاء ربي عزوجل ، فقلت : بأبي أنت وأمي ، فخذ مفاتيح خزائن هذه الأرض والخلد فيها ثمّ الجنة ، قال : كلا يا أبا مويهبة ، لقد اخترت لقاء ربي عزوجل». ثمّ استغفر لأهل البقيع ، ثمّ انصرف ، فلما أصبح بداه شكواه الذي

__________________

(١) فيض القدير ٥ / ٧١.

(٢) انظر : نظم المتناثر من الحديث المتواتر / ١٧٧ ؛ التاريخ الكبير ، البخاري ١ / ٢١١.

٦٣

قبض فيه صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم (٢).

وجاء في تاريخ دمشق عن أبي مويهبة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إني أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع (٣)» ، فخرجت معه حتى أتينا البقيع ، فرفع يديه ، فاستغفر لهم طويلا (٤).

وروى الهيثمي نحوه ، وفيه أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «السلام عليكم يا أهل المقابر ، ليهن لكم ما أصبحتم فيه بما أصبح الناس فيه ، لو تدرون ما نجاكم الله منه ، أقبلت الفتن» (٥)

وروى ابن كثير عن أحمد عن أبي مويهبة في ذهابه مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الليل إلى البقيع ، قال : فوقف عليه‌السلام فدعا لهم واستغفر لهم ، ثمّ قال : «ليهنكم ما أنتم فيه مما فيه بعض الناس ، أتت الفتن كقطع الليل ، يركب بعضها بعضا ، الآخرة أشدّ من الأولى ، فيهنكم ما أنتم فيه» (٦).

وروى ابن أبي شيبة عن أبي مويهبة قال : أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يخرج إلى

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ / ٥٥ ؛ وانظر : المعجم الكبير ٢٢ / ٣٤٧ ؛ الطبقات الكبرى ٢ / ٢٠٤ ؛ التاريخ الكبير ٩ / ٧٣ ؛ كنى البخاري / ٧٣ ؛ الآحاد والمثاني ١ / ٣٤٣ ؛ سنن الدارمي ١ / ٣٦ ؛ علل الدارقطني ٧ / ٣١ ؛ تاريخ الأمم والملوك (الطبري) ٢ / ٤٣٢ ؛ مسند أحمد ٣ / ٤٨٨ ، ٤٨٩ ؛ تاريخ بغداد ٨ / ٢١٧ ؛ تاريخ مدينة دمشق ٤ / ٢٩٩ ، ٣٠٠ ؛ السيرة النبوية (لابن هشام) ٤ / ١٠٥٧ ؛ الفائق في غريب الحديث ١ / ١١٠ ؛ الجرح والتعديل ، الرازي ٩ / ٤٤٤ ؛ السيرة النبوية ٤ / ٤٤٣ و ٦٤٠ ؛ البداية والنهاية ٥ / ٢٤٣ ؛ مجمع الزوائد ٩ / ٢٤ ؛ الاصابة ٧ / ٣٢٤ ؛ شرح نهج البلاغة ١٣ / ٢٧ ؛ الشفا بتعريف حقوق المصطفى ٢ / ٥٦ ؛ تركة النبي / ٥١ ؛ كنز العمال ١٢ / ٢٦٢.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ / ٥٥.

(٣) انظر : المعارف لابن قتيبة / ١٤٨.

(٤) تاريخ مدينة دمشق ٣١ / ٢٠٧ ؛ انظر : أسد الغابة ٥ / ٣١٠.

(٥) مجمع الزوائد ٣ / ٥٩.

(٦) البداية والنهاية ٥ / ٣٤٦ ؛ انظر : مسند أحمد ٣ / ٤٨٨.

٦٤

البقيع ، فيصلي عليهم ، أو يسلّم عليهم (١).

وفي رواية : أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يصلي على أهل البقيع ، فصلى عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث مرات ، فلما كانت الثالثة قال : «يا أبا مويهبة ..» (٢).

وعن عائشة : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج في الليل إلى البقيع للدعاء لأهل البقيع والإستغفار لهم ، قالت : أتى البقيع فقام فأطال القيام ، ثمّ رفع يديه ثلاث مرات ، ثمّ انحرف ، قال : «إنّ جبرئيل عليه‌السلام أتاني فقال : إنّ ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع وتستغفر لهم» (٣).

وفي مسند اسحاق ابن راهويه عنها انه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «أمرت أن آتي أهل البقيع ، فأسلّم عليهم (٤) ، وأدعو لهم» (٥).

وفي خبر : «إني بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم» (٦).

وروى أحمد عنها أنها قالت : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات ليلة ، فأرسلت بريرة في أثره ، لتنظر أين ذهب ، قالت : فسلك نحو بقيع الغرقد ، فوقف في أدنى البقيع ، ثمّ رفع يديه ، ثمّ انصرف ، فرجعت إليّ بريرة فأخبرتني ، فلما أصبحت سألته ، فقلت : يا رسول الله ، أين خرجت الليلة؟ قال : «بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم» (٧).

__________________

(١) مصنف ابن أبي شيبة ٣ / ٢٢١ ؛ انظر : مسند أحمد ٣ / ٤٨٨.

(٢) المعجم الكبير ٢٢ / ٣٤٧ ؛ مجمع الزوائد ٩ / ٢٤.

(٣) المجموع ٣ / ٥٠٨ (عن مسلم) ؛ انظر : مصنف عبد الرزاق ٣ / ٥٧٠ ؛ صحيح مسلم ٣ / ٦٤ ؛ سنن النسائي ٧ / ٧٤ ؛ كنز العمال ١٢ / ٢٦٣ ، ح ٣٤٩٦٦.

(٤) مسند اسحاق ابن راهويه ، اسحاق بن إبراهيم المروزي ٢ / ٤٥٦.

(٥) مسند اسحاق ابن راهويه ٢ / ٥٣٣ ؛ وانظر : مسند أحمد ٦ / ٢٥٢.

(٦) سنن النسائي ٤ / ٩٣ ؛ المستدرك على الصحيحين ١ / ٤٨٨ ؛ صحيح ابن حبان ٩ / ٦٣ ؛ كنز العمال ١٢ / ٢٦٢ ، ح ٣٤٩٦٥ ، و ٢٦٣.

(٧) مسند أحمد ٦ / ٩٢ ؛ انظر : الطبقات الكبرى ٢ / ٢٠٣.

٦٥

وفي نقل السيوطي عنها : فاخذتني غيرة شديدة ، ظننت أنه يأتي بعض صويحباتي ، فخرجت أتبعه ، فأدركته بالبقيع بقيع الغرقد يستغفر للمؤمنين والمؤمنات والشهداء .. (١)

وجاء في خبر النسائي أنها قالت : قلت : كيف أقول يا رسول الله؟ قال : «قولي : السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، يرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون» (٢).

وروى الطبراني باسناده عن بشير بن الخصاصية قال : أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلحقته بالبقيع ، فسمعته يقول : «السلام على أهل الديار من المؤمنين ، فانقطع بهضب (٣) ، فقال لي : يقصف قدمك (٤) ، قلت : يا رسول الله ، طالت عزوبتي ، ونأيت عن دار قومي ، فقال : يا بشير ، ألا تحمد الله الذي أخذ بناصيتك للإسلام من بين ربيعة ، قوم يرون أن لولاهم لائتفكت (٥) الأرض بمن عليها (٦)».

وروي عنه قال : أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فدعاني إلى الإسلام ، ثمّ قال : ما اسمك؟ قلت : نذير ، قال : بل أنت بشير ، فأنزلني في الصفة ، فكان إذا أتته هدية أشركنا فيها ، وإذا أتته صدقة صرفها إلينا ، قال : فخرج ذات ليلة فتبعته إلى البقيع ، فقال : «السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا بكم لاحقون ، وإنّا لله وَإنّا إلَيْهِ راجِعُونْ ، لقد

__________________

(١) الدر المنثور ٦ / ٢٧.

(٢) سنن النسائي ٤ / ٩١ ؛ وانظر : مصنف عبد الرزاق ٣ / ٥٧٠ ؛ صحيح ابن حبان ١٦ / ٣٨٢ ؛ كتاب الدعاء ، الطبراني / ٣٧٤ ؛ مسند أحمد ٦ / ٢٢١ ؛ السنن الكبرى ٤ / ٧٩ ؛ مجمع الزوائد ٣ / ٦٠ ؛ تهذيب الكمال ١٥ / ٤٦٧.

(٣) وانقطع شسعي ، كذا في مجمع الزوائد وكنزالعمال.

(٤) أنعش قدمك ، كذا في مجمع الزوائد.

(٥) أي انقلبت.

(٦) المعجم الأوسط ٣ / ١٧٧ ؛ وانظر : فيه ٦ / ١٤٢ ؛ المعجم الكبير ٢ / ٤٥ ؛ مجمع الزوائد ٣ / ٦٠.

٦٦

أصبتم خيراً بجيلاً (١) ، وسبقتم شراً طويلاً» ، ثمّ التفت إليّ فقال : من هذا؟ فقلت : بشير ، فقال : أما ترضى أن أخذالله سمعك وقلبك وبصرك إلى الإسلام ، من بين ربيعة الفرس الذين يقولون لولاهم لائتفكت الأرض بأهلها؟ قلت : بلى يا رسول الله ، قال : ما جاء بك؟ قلت : خفت أن تنكب أو تصيبك هامة من هوام الأرض (٢).

وروى الطبراني عن أبي هريرة قال : مرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمقبرة قيل بالبقيع ، فقال : «السلام على أهل الديار من بها من المسلمين ، دار قوم ميتين ، وإنا في آثارهم ـ أو قال في آثاركم ـ للاحقون (٣)».

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يزور البقيع كلّ عشية خميس

روى صفوان الجمال عن الصادق عليه‌السلام : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يخرج في ملاء من الناس من أصحابه كلّ عشية خميس إلى بقيع المدنيين» (٤).

قال صاحب الجواهر : ويتأكد استحباب الزيارة (٥) تأسياً بفعل فاطمة عليها‌السلام أيضاً ، وفي خصوص العشية منه تأسياً بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنه كان يخرج في ملاء من أصحابه كلّ عشية خميس إلى بقيع المؤمنين ، فيقول : «السلام عليكم يا أهل الديار ثلاثاً» (٦).

__________________

(١) أي واسعاً كثيراً ، من التبجيل : التعظيم ، أو من البجال : الضخم ، كذا في النهاية ، مادة (بجل).

(٢) كنز العمال ١٣ / ٢٩٩ ؛ وانظر : فيه ٣٠١ ، و ١٥ / ٦٥٥ ؛ تاريخ مدينة دمشق ١٠ / ٣٠٥ ، ٣١٠.

(٣) كتاب الدعاء / ٣٧٣ ؛ انظر : مصنف عبد الرزاق ٣ / ٥٧٥.

(٤) كامل الزيارات / ٥٢٩ ؛ بحار الأنوار ٩٩ / ٢٩٦ ؛ الحدائق الناضرة ، البحراني ٤ / ١٧١ ؛ مستند الشيعة ٣ / ٣٢٠ ؛ تفصيل وسائل الشيعة ٣ / ٢٢٤ ؛ جواهر الكلام ٤ / ٣٢١ ؛ مستدرك سفينة البحار ٨ / ٣٧٠.

(٥) أي زيارة القبور.

(٦) جواهر الكلام ٤ / ٣٢١ ؛ انظر : فتح الباري ١١ / ٤.

٦٧

دار قوم مؤمنين

روى ابن ماجة عن عائشة قالت : فقدته (تعني النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله) فإذا هو بالبقيع ، فقال : «السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، أنتم لنا فرط وإنا بكم لاحقون ، اللهمّ لا تحرمنا أجرهم ، ولا تفتنا بعدهم» (١).

وروى أحمد عنهاقالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يخرج إذاكانت ليلة عائشة ، إذا ذهب ثلث الليل إلى البقيع ، فيقول : «السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين ، فإنا وإياكم وما توعدون غداًمؤجلون ـ قال أبوعامر : تؤجلون ـ وإنا إن شاءالله بكم لاحقون» (٢)

حضوره ليلاً في البقيع

روى البيهقي عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّما كانت ليلتها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يخرج من آخر الليل إلى البقيع ، فيقول : «السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وأتاكم ما توعدون غداً مؤجلون ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، اللهمّ اغفر لأهل بقيع الغرقد» (٣).

موقف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالبقيع

عن خالد بن عوسجة : كنت أدعوه ليلة إلى زاوية دار عقيل بن أبي طالب ،

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ / ٤٩٣ ؛ وانظر : الطبقات الكبرى ٢ / ٢٠٣ ؛ مسند أبي داود الطيالسي / ٢٠٢ ؛ مسند أبي يعلى ٨ / ٦٩ و ٨٦ و ١٩١ ؛ مسند أحمد ٦ / ٧١.

(٢) مسند أحمد ٦ / ١٨٠.

(٣) السنن الكبرى ٤ / ٧٩ وانظر : ٤ / ٢٤٩ ؛ صحيح مسلم ٣ / ٦٣ ؛ سنن النسائي ٤ / ٩٣ ؛ مسند أبي يعلى ٨ / ١٩٩ و ٢٤٩ ؛ صحيح ابن حبان ٧ / ٤٤٤ و ١٠ / ٣٨٢ ؛ مسند اسحاق ابن راهويه ٣ / ١٠١٣ ؛ شرح مسلم ٧ / ٤١ ؛ المجموع ٥ / ٣٠٩ ؛ رياض الصالحين / ٣٠٨ ؛ فيض القدير ٣ / ٢٠٩ ؛ سبل الهدى والرشاد ٨ / ٣٨٦ ، ١٢ / ٢٣٦ ؛ الغدير ٥ / ١٧٠.

٦٨

فمرّ جعفر بن محمد عليه‌السلام يريد العريض ، فقال : «أعن أثر وقفت ههنا؟ هذا موقف نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالليل إذ جاء يستغفر لأهل البقيع» (١).

أقول : يستفاد من الخبر أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقف في الموضع الذي صار مقبرة آل بيته عليهم‌السلام بالبقيع ، إذ أنهم دفنوا في دار عقيل ، كما يأتي.

النبي يحضر البقيع ليلة النصف من شعبان

روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : «كنت نائما ليلة النصف من شعبان ، فأتاني جبرئيل عليه‌السلام ، قال : يا محمد ، أتنام في هذه الليلة؟ فقلت : يا جبرئيل ، وما هذه الليلة؟ قال : هي ليلة النصف من شعبان ، قم يا محمد ، فأقامني ، ثمّ ذهب بي إلى البقيع ، ثمّ قال لي : ارفع رأسك ، فإنّ هذه الليلة تفتح أبواب السماء ، فيفتح فيها أبواب الرحمة ، وباب الرضوان ، وباب المغفرة ، وباب الفضل ، وباب التوبة ، وباب النعمة ، وباب الجود ، وباب الإحسان ، يعتق الله فيها بعدد شعور النعم» (٢).

وروى ابن ماجة عن عائشة : فقدت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات ليلة ، فخرجت أطلبه ، فإذا هو بالبقيع رافع رأسه إلى السماء ، فقال : «يا عائشة ، أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قالت : قد قلت : وما بي ذلك ، ولكني ظننت أنك أتيت بعض نسائك ، فقال : انّ الله تعالى ينزل النصف من شعبان إلى السماء الدنيا ، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب» (٣).

أقول : المراد من النزول هو نزول رحمته الخاصة في تلك الليلة المباركة ، ورفع

__________________

(١) انظر : وفاء الوفا ٣ / ٨٩٠ ؛ دائرة المعارف الاسلامية الشيعية ، السيد حسن الأمين ٨ / ٢٦٤.

(٢) بحار الأنوار ٩٥ / ٤١٣.

(٣) سنن ابن ماجة ١ / ٤٤٤ ؛ انظر : سنن الترمذي ٢ / ١٢١ ؛ مصنف ابن أبي شيبة ٧ / ١٣٩ ؛ مسند أحمد ٦ / ٢٣٨ ؛ مسند اسحاق ابن راهويه ٢ / ٣٢٦ ؛ منتخب مسند عبد بن حميد / ٤٣٧ ؛ الدر المنثور ٦ / ٢٦ ؛ فضائل الأوقات / ١٣١ ؛ معجم أحاديث الإمام المهدي ، عدة من المحققين ومنهم المؤلف ٢ / ٢٦٩.

٦٩

رأس النبي إلى السماء يدل على أنه كان في حالة الدعاء والمناجاة مع ربه.

وفي خبر آخر عنها أيضاً عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «.. بل أتاني جبرئيل عليه‌السلام ، فقال : هذه الليلة ليلة النصف من شعبان ، ولله فيها عتقاء من النار بعدد شعور غنم كلب ، لاينظر الله فيها إلى مشرك ، ولا إلى مشاحن ، ولا إلى قاطع رحم ، ولا إلى مسبل ، ولا إلى عاق لوالديه ، ولا إلى مدمن خمر ..» (١).

وذكر الزمخشري في كتاب الفائق : أنّ أم سلمة تبعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فوجدته قد قصد البقيع ، ثمّ رجعت ، وعاد فوجدها فيها أثر السرعة في عودها (٢).

سجدة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالبقيع

روى الذهبي عن عائشة ، قالت : أتاني حبيبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة النصف من شعبان ، فأوى إلى فراشه ، ثمّ قام فأفاض عليه الماء ، ثمّ خرج مسرعاً ، فخرجت في أثره ، فإذا هو ساجد بالبقيع ، وهو يقول : «سجد لك خيالي وسوادي» (٣).

وروى ابن عساكر أنه خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بقيع الغرقد ، فبينا هو ساجد قال وهو يقول في سجوده : «أعوذ بعفوك من عقابك ، وأعوذ برضاك من سخطك ، وأعوذ بك منك ، جلّ ثناؤك ، لا أبلغ الثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك» ، فنزل عليه جبريل عليه‌السلام في ربع الليل ، فقال : يا محمد ، ارفع رأسك إلى السماء ، فرفع رأسه ، فإذا أبواب الرحمة مفتوحة ، على كلّ باب ملك ينادي : طوبى لمن تعبّد في هذه الليلة ، وعلى الباب الآخر ملك ينادي : طوبى لمن

__________________

(١) الدر المنثور ٦ / ٢٧.

(٢) الفائق في غريب الحديث ١ / ٢٤٩ ؛ بحار الأنوار ٩٥ / ٤١٦.

(٣) ميزان الإعتدال ٤ / ٦٥ ؛ لسان الميزان ٥ / ٤٢٦.

٧٠

سجد في هذه الليلة ، وعلى الباب الثالث ملك ينادي : طوبى لمن ركع في هذه الليلة .. (١).

صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالبقيع

روى ابن حجر عن محمد بن هيصم عن أبيه عن جده : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أشرف على وسط البقيع ، فصلى فيه (٢).

وروى ابن ماجة عن يزيد بن ثابت قال : خرجنا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما ورد البقيع فإذا هو بقبر جديد ، فسأل عنه ، فقالوا : فلانة ، قال : فعرفها ، وقال : «ألا آذنتموني بها؟ قالوا : كنت قائلاً صائماً ، فكرهنا أن نؤذيك ، قال : فلا تفعلوا ، لا أعرفنّ ما مات منكم ميت ، ما كنت بين أظهركم ، إلا آذنتموني به ، فإنّ صلاتي عليه له رحمة» ، ثمّ أتى القبر ، فصففنا خلفه ، فكبّر عليه أربعا (٣).

وروى أبو أمامة بن سهل بن حنيف أنه قال : اشتكت امرأة بالعوالي مسكينة ، فكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يسألهم عنها ، وقال : «إن ماتت فلا تدفنوها حتى أصلي عليها» ، فتوفيت ، فجاؤا بها إلى المدينة بعد العتمة ، فوجدوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد نام ، فكرهوا أن يوقظوه ، فصلوا عليها ودفنوها ببقيع الغرقد ، فلما أصبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جاؤا فسألهم عنها ، فقالوا : قد دفنت يا رسول الله ، وقد جئناك فوجدناك نائماً ،

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق ٥١ / ٧٢.

(٢) الإصابة ٧ / ٣٦٧.

(٣) سنن ابن ماجة ١ / ٤٨٩ ؛ انظر : مصنف ابن أبي شيبة ٣ / ١٦١ و ٣ / ٢٣٩ ؛ مسند أبي يعلى ٢ / ٢٣٦ ؛ المعجم الكبير ٢٢ / ٢٣٩ ؛ صحيح ابن حبان ٧ / ٣٥٦ و ٣٦٠ ؛ مسند أحمد ٤ / ٣٨٨ ؛ تاريخ مدينة دمشق ١٥ / ٣٩٠ ؛ الآحاد والمثاني ٤ / ٢٧ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ / ٥٩١ ؛ السنن الكبرى ٤ / ٤٨ ؛ أسد الغابة ٥ / ١٠٥ ؛ نصب الراية ٢ / ٣١٥ ؛ الدر المنثور ٣ / ٢٧٥ ؛ موارد الظمآن / ١٩٣ ؛ سبل الهدى والرشاد ٨ / ٣٧٢.

٧١

فكرهنا أن نوقظك ، قال : فانطلقوا ، فانطلق يمشي ومشوا معه حتى أروه قبرها ، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وصفوا وراءه ، فصلى عليها .. (١).

وروى عبد الرزاق عن القاسم بن محمد قال : مرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالبقيع ، فإذا هو بقبر رطب ، فسأل عنه ، فقالوا : يا رسول الله ، هذه السويداء التي كانت في بني غنم ، ماتت فدفنت ليلاً ، قال : فصلى عليها (٢).

وروى عبد الرزاق أيضاً عن محمد بن زهير : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى بالبقيع عبداً أسود يحمل ميّتاً ، فقال لمن يحمله : «ما هذا؟ قالوا : عبد لفلان ، قال : فما هو؟ قالوا : أخبث الناس وأسرقه وآبقه وأحزبه (٣) ، في أشياء من الشرّ يذكرونها منه ، فقال : عليّ بسيده ، فسأله عنه ، فذكر نحواً مما ذكر ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : هل كان يصلي؟ قالوا : نعم ، قال : ويشهد أن لا إله الا الله وأنّي رسول الله؟ قالوا : نعم ، قال : والذي نفسي بيده إن كادت الملائكة تحول بيني وبينه آنفا» ، فدعا حدّاداً ، فنزع حديده ، ثمّ أمر به فغسّل ، ثمّ كفّنه من عنده ، ثمّ صلّى عليه (٤).

صلاة الإستسقاء بالبقيع

روى المتقي الهندي عن ابن عباس قال : قحط الناس على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخرج من المدينة إلى بقيع الغرقد ، معتماً بعمامة سوداء ، قد أرخى طرفها بين يديه ، والأخرى بين منكبيه ، متكئاً قوساً عربية ، فاستقبل القبلة ، فكبروه (٥) وصلّى

__________________

(١) سنن النسائي ٤ / ٦٩ ؛ انظر : السنن الكبرى ١ / ٦٣٩ ؛ موارد الظمآن / ١٩٣ ؛ سبل الهدى والرشاد ٧ / ١٥٤ و ٨ / ٣٧١.

(٢) مصنف عبد الرزاق ٣ / ٥٠٢.

(٣) جاء في نسخة : وأخبر به.

(٤) مصنف عبد الرزاق ٣ / ٥٣٩.

(٥) كذا في المصدر ، ومن المحتمل : فكبر وصلى.

٧٢

بأصحابه ركعتين ، جهر فيهما بالقراءة ، قرأ في الأولى «إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ» ، والثانية «وَالضُّحى» ، ثمّ قلب رداءه لتنقلب السَّنة ، ثمّ حمد الله عزوجل وأثنى عليه ، ثمّ رفع يديه ، فقال :

«اللهمّ ضاحت بلادنا ، واغبرّت أرضنا ، وهامت دوابنا ، اللهمّ منزل البركات من أماكنها ، وناشر الرحمة من معادنها بالغيث المغيث ، أنت المستغفر للآثام ، فنستغفرك للجامات من ذنوبنا ، ونتوب إليك من عظيم خطايانا ، اللهمّ أرسل السماء علينا مدراراً واكفاً مغزوراً ، من تحت عرشك ، من حيث ينفعنا ، غيثاً مغيثاً دارعاً رايعاً ممرعاً طبقاً غدقاً وخصباً ، تسرع لنا به النبات ، وتكثر به البركات ، وتقبل به الخيرات ، اللهمّ إنك قلت في كتابك : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)(١) ، اللهمّ فلا حياة لشيء خلق من الماء إلا بالماء ، اللهمّ وقد قنط الناس ، أو من قنط منهم ، وساء ظنهم ، وهامت بهائمهم ، وعجت عجيج الثكلى على أولادها ، إذ حبست عنا قطر السماء ، فدقت لذلك عظمها ، وذهب لحمها ، وذاب شحمها ، اللهمّ ارحم البهائم الحائمة ، والأنعام السائمة ، والأطفال الصائمة ، اللهمّ ارحم المشايخ الركّع ، والأطفال الرضّع ، اللهمّ زدنا قوة إلى قوتنا ، ولا تردّنا محرومين ، انك سميع الدعاء ، برحمتك يا أرحم الراحمين».

فما فرغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى جادت السماء ، حتى أهم كلّ رجل منهم كيف ينصرف إلى منزله ، فعاشت البهائم ، وأخصبت الأرض ، وعاش الناس ، كلّ ذلك ببركة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

وروى الزمخشري ان الناس قحطوا على عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخرج إلى بقيع الغرقد ،

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٣٠.

(٢) كنز العمال ٨ / ٤٣٦.

٧٣

فصلى بأصحابه ركعتين ، جهر فيهما بالقراءة ، ثمّ قلّب رداءه ، ثمّ رفع يديه ، فقال : «اللهمّ ضاحت بلادنا ، واغبرّت أرضنا ، وهامت دوابنا ، اللهمّ ارحم بهائمنا الحائمة ، والأنعام السائمة ، والأطفال المحثلة» .. (١).

الدعاء في البقيع

روى البخاري عن عبيد الله بن أبي رافع عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه خرج من جوف الليل يدعو بالبقيع ، ومعه أبو رافع (٢).

وقال الصالحي في ذكر الأماكن التي يستجاب بها الدعاء ، في الأماكن التي دعا بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ويقال : إنه يستجاب بها عند الإسطوانة المخلّقة ، وعند المنبر ، وفي زاوية دار عقيل بالبقيع ، وبمسجد الفتح (٣).

فيظهر من ذلك أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يدعو قرب مقبرة آل البيت عليهم‌السلام ، إذ أنهم ـ صلوات الله عليهم ـ دفنوا في دار عقيل ، كما يأتي.

قم بإذن الله

روى القمي عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا أراد الله أن يبعث الخلق ، أمطر السماء على الأرض أربعين صباحاً ، فاجتمعت الأوصال ، ونبتت اللحوم ، وقال : أتى جبرئيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخذه فأخرجه إلى البقيع : فانتهى به إلى قبر ، فصوّت بصاحبه ، فقال : قم بإذن الله ، فخرج منه رجل أبيض الرأس واللحية يمسح التراب عن وجهه وهو يقول : الحمد لله والله أكبر ، فقال

__________________

(١) الفائق في غريب الحديث ٢ / ٢٧٧.

(٢) التاريخ الكبير ٣ / ٣١٥ و ٥ / ١٣٩.

(٣) سبل الهدى والرشاد ٣ / ٣٢٢.

٧٤

جبرئيل : عد بإذن الله ، ثمّ انتهى به إلى قبر آخر فقال : قم بإذن الله ، فخرج منه رجل مسودّ الوجه وهو يقول : يا حسرتاه ، يا ثبوراه! ثمّ قال له جبرئيل : عد إلى ما كنت بإذن الله ، فقال : يا محمد! هكذا يحشرون يوم القيامة ، والمؤمنون يقولون هذا القول ، وهؤلاء يقولون ماترى» (١).

تشييع المجاهدين إلى البقيع ومنه المنطلق

روى أحمد وأبو يعلى عن ابن عباس : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مشى مع الذين وجههم لقتل كعب بن الأشرف إلى بقيع الغرقد ، ثمّ وجههم وقال : «انطلقوا على اسم الله ، اللهمّ أعنهم» (٢).

قال الشوكاني : وفي هذا الحديث الترغيب في تشييع الغازي وإعانته على بعض ما يحتاج إلى القيام بمؤنته (٣) ، لأنّ الجهاد من أفضل العبادات ، والمشاركة في مقدماته من أفضل المشاركات (٤).

وروى المجلسي : فأتى أصحابه وأخبرهم ، فأخذوا السلاح وساروا إليه ،

__________________

(١) تفسير القمي ٢ / ٢٥٣ ؛ تفسير الصافي ، الفيض الكاشاني ٤ / ٣٣٠ ؛ تفسير نور الثقلين ، الحويزي ٤ / ٨ و ٥٠٣ ؛ ميزان الحكمة ٣ / ٢١٦١.

(٢) انظر : المعجم الكبير ١١ / ١٧٧ ؛ مسند أحمد ١ / ٢٦٦ ؛ كتاب الدعاء / ٣٣٠ ؛ تاريخ الأمم والملوك (الطبري) ٢ / ١٨٠ ؛ المستدرك على الصحيحين ٢ / ٩٨ ؛ عيون الأثر ١ / ٣٩٤ ؛ تاريخ مدينة دمشق ٥٥ / ٢٧٢ ؛ السيرة النبوية (لابن هشام) ٢ / ٥٧٨ ؛ مجمع الزوائد ٦ / ١٩٦ ؛ البداية والنهاية ٤ / ٩ ؛ السيرة النبوية (لابن كثير) ٣ / ١٣ ؛ تاريخ ابن خلدون ق ٢ ، ٢ / ٢٢ ؛ فتح الباري ٧ / ٢٦٠ ؛ سبل الهدى والرشاد ٦ / ٥ و ٢٧ ؛ نيل الأوطار ٨ / ٦١ ؛ ارواء الغليل ٥ / ١٤ ؛ الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ٦ / ٣٩.

(٣) لقد بسطنا الكلام حول فضل الجهاد والمجاهدين والشهادة والشهداء في كتاب «الجهاد والشهادةعلى ضوء القرآن والعترة» ، فراجع.

(٤) نيل الأوطار ٨ / ٦٢.

٧٥

وتبعهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بقيع الغرقد ، ودعا لهم .. (١).

وروى الشيباني : .. ثمّ أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عشاء فأخبروه ، فمشى معهم حتى أتى البقيع ، ثمّ وجههم وقال : «امضوا على ذكر الله وعونه» ، ثمّ دعا لهم ، وذلك في ليلة مقمرة مثل النهار ، فمضوا .. (٢).

ختم النبوة

روى الطبراني وأبو نعيم الإصفهاني في قضية فحص سلمان الفارسي عن علامات خاتم الأنبياء والمرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلى أن قال : ثمّ جئت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ببقيع الغرقد ، قد اتبع جنازة رجل من الأنصار وهو جالس ، فسلمت عليه ، ثمّ استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي ، فلما رآني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله استدرت عرف أني أستثبت من شيء وصف لي ، فألقى ردائه عن ظهره ، فنظرت إلى الخاتم فعرفته ، فأكببت عليه أقبّله (٣).

ظهور المعجزة بالبقيع

روي عن أنس بن مالك أنه قال : خرجت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نتماشى حتى

__________________

(١) بحار الأنوار ٢٠ / ١١.

(٢) شرح كتاب السير الكبير ١ / ٢٧٣ ؛ انظر : الطبقات الكبرى ٢ / ٣٧.

(٣) المعجم الكبير ٦ / ٢٢٥ ؛ انظر : الطبقات الكبرى ٤ / ٧٩ ؛ السيرة النبوية (لابن هشام) ١ / ١٤٤ ؛ دلائل النبوة / ٤٢ ؛ مسند أحمد ٥ / ٤٤٣ ؛ كتاب الثقات ١ / ٢٥٥ ؛ عيون الأثر ١ / ٩٠ ؛ مجمع الزوائد ٩ / ٣٣٥ ؛ البداية والنهاية ٢ / ٣٨٣ ؛ السيرة النبوية (لابن كثير) ١ / ٣٠١ ؛ الدرجات الرفيعة ، السيد علي خان المدني / ٢٠٠ ؛ سبل الهدى والرشاد ١٠ / ٢٤٩ ؛ الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ٤ / ١٦٢.

٧٦

انتهينا إلى بقيع الغرقد ، فإذا نحن بسدرة عارية لا نبات عليها ، فجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تحتها ، فأورقت الشجرة وأثمرت واستظلت على رسول الله ، فتبسم وقال لي : يا أنس ، أدع لي علياً ، فعدوت حتى انتهيت إلى منزل فاطمة عليها‌السلام ، فإذا بعليّ يتناول شيئاً من الطعام ، فقلت له : أجب رسول الله ، فقال : لخير أدعى؟ فقلت : الله ورسوله أعلم ، قال : فجعل عليّ يمشي ويهرول على أطراف أنامله ، حتى تمثل بين يديّ رسول الله ، فجذبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأجلسه إلى جنبه ، فرأيتهما يتحدثان ويضحكان ، ورأيت وجه علي قد استنار ، فإذا أنا بجام من ذهب مرصع باليواقيت والجواهر واللجام أربعة أركان : على الركن الأول مكتوب : لا إله إلاالله ، محمد رسول الله ، وعلى الركن الثاني : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي بن أبي طالب ولي الله ، وسيفه على الناكثين والقاسطين والمارقين ، وعلى الركن الثالث : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، أيّدته بعلي بن أبي طالب ، وعلى الركن الرابع : نجا المعتقدون لدين الله الموالون لأهل بيت رسول الله ، وإذا في الجام رطب وعنب ، ولم يكن أوان الرطب ولا أوان العنب ، فجعل رسول الله يأكل ويطعم علياً حتى إذا شبعا ارتفع الجام (١).

وفي الخبر : .. يا أبا الحسن ، إنّ قوماً من منافقي أمتي ما قنعوا بآية النجم حتى قالوا : لو شاء محمد لأمر الشمس أن تنادي باسم علي وتقول : هذا ربكم فاعبدوه ، فانك يا علي في غد بعد صلاة الفجر تخرج معي إلى بقيع الغرقد عند طلوع الشمس .. (٢).

__________________

(١) بشارة المصطفى لشيعة المرتضى ، الطبري الإمامي / ١٣٨ ؛ الجواهر السنية ، الحرّ العاملي / ٢٧٤ ؛ مدينة المعاجز ١ / ٣٩٣ ؛ بحار الأنوار ٣٩ / ١٢٨.

(٢) بحار الأنوار ٣٥ / ٢٧٧ ؛ مدينة المعاجز ٣ / ١٦٤.

٧٧

حضور رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند دفن سعد بن معاذ بالبقيع

روى ابن سعد عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه قال : لما انتهوا إلى قبر سعد ، نزل فيه أربعة نفر : الحارث بن أوس بن معاذ ، وأسيد بن الحضير ، وأبو نائلة سلكان بن سلامة ، وسلمة بن سلامة بن وقش ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واقف على قدميه ، فلما وضع في قبره تغيّر وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسبّح ثلاثاً فسبّح المسلمون ثلاثاً ، حتّى ارتجّ البقيع ، ثمّ كبّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثاً وكبّر أصحابه ثلاثاً ، حتّى حتى ارتج البقيع بتكبيره ، فسئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك ، فقيل : يا رسول الله ، رأينا بوجهك تغيراً ، وسبحت ثلاثاً؟ قال : تضايق على صاحبكم قبره ، وضمّ ضمة لو نجا منها أحد لنجا سعد منها ، ثمّ فرّج الله عنه (١).

روي : أنّ سبب ذلك كان سوء خلقه مع أهله في بيته ، جاء في الخبر : «ان سعداً أصابته ضمة (في قبره) ، لأنه كان في خلقه مع أهله سوء» (٢) ، رحمنا الله من ضغطة القبر.

البقيع والمسجد النبوي

روى الصالحي أنه بنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مسجده سبعين في ستين ذراعاً أو ما يزيد ، ولبن لبنة من بقيع الخبخبة ، وجعله جداراً ، وجعل سواريه خشباً شقة شقة ، وجعل وسطه رحبة .. (٣).

__________________

(١) الطبقات الكبرى ٣ / ٤٣٢ ؛ سير أعلام النبلاء ١ / ٢٩٠.

(٢) علل الشرائع ١ / ٣١٠ ؛ أمالي الصدوق ٤٦٩ ؛ أمالي الطوسي ٤٢٨ ؛ بحار الأنوار ٦ / ٢٢٠ ؛ مستدرك الوسائل ١٢ / ٧٤.

(٣) سبل الهدى والرشاد ٣ / ٣٣٨.

٧٨

إن قلنا : انّ بقيع الخبخبة هو بقيع الغرقد ـ كما يظهر ذلك من الطبقات (١) والمستدرك (٢) ، وذكرناه في أول الكتاب ـ ، فيدخل في البحث.

مع جبرئيل في البقيع

روي عن عائشة أنها قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لجبريل : «إني أحبّ أن أراك في صورتك ، فقال : أو تحبّ ذاك؟ فقلت : نعم ، فواعده جبريل في بقيع الغرقد لمكان كذا وكذا من الليل .. (٣).

أمرهم أن يتقدموا

روى المتقي الهندي عن الديلمي عن أبي أمامة : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج إلى البقيع ، فتبعه أصحابه ، فوقف وأمرهم أن يتقدموا ، ثمّ مشى خلفهم ، فسئل عن ذلك ، فقال : «إني سمعت خفق نعالكم ، فأشفقت أن يقع في نفسي شيء من الكبر» ، قال : سنده ضعيف (٤).

أقول : النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أعلى وأعظم من أن يقع في نفسة ذرة من الكبر ، فما روي ضعيف السند والمضمون ، وعلى فرض الصحة يحمل على التعليم.

__________________

(١) الطبقات الكبرى ٣ / ٣٩٧.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٨٩.

(٣) مسند اسحاق ابن راهويه ٢ / ٤٩١ ؛ منتخب مسند عبد بن حميد / ٤٣٩ ؛ الدر المنثور ١ / ٩٢.

(٤) كنز العمال ٣ / ٨٣٠ و ١٥ / ٧٤١ ؛ انظر : المعجم الكبير ٨ / ٢١٦ ؛ مسندأحمد ٥ / ٢٦٦ ؛ سنن ابن ماجة ١ / ٩٠ ؛ مجمع الزوائد ١ / ٢٠٨.

٧٩

الصلاة على النجاشي (١)

روى ابن ماجة عن أبي هريرة : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «إنّ النجاشي قد مات» ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه إلى البقيع ، فصفنا خلفه ، وتقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، النجاشي قد مات ، ٢ فكبّر أربع تكبيرات (٢).

وفي رواية أبي داود الطيالسي عنه : كنا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : «إنّ أخاكم النجاشي قد مات ، فقوموا فصلوا عليه» ، فنهض ونهضنا ، حتى انتهى إلى البقيع ، فتقدم وصففنا خلفه .. (٣).

وفي الحديث : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نعى للناس (وهو بالمدينة) النجاشي (صاحب الحبشة) في اليوم الذي مات فيه ، (قال : «انّ أخاً قد مات») وفي رواية : «مات اليوم عبد لله صالح بغير أرضكم ، فقوموا فصلوا عليه ، قال : من هو؟ قال : النجاشي ، وقال : استغفروا لأخيكم» ، قال : فخرج بهم إلى المصلّى ، وفي رواية : البقيع .. (٤).

وعن مجمع البيان في تفسير قوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ)(٥) اختلفوا في نزولها ، فقيل : نزلت في النجاشي ملك الحبشة ، واسمه أصحمة ، وهو بالعربية عطية ، وذلك أنه لما مات نعاه جبرائيل لرسول الله في اليوم الذي مات فيه ، فقال رسول الله : «اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم ، قالوا : ومن؟ قال : النجاشي. فخرج رسول الله إلى البقيع ، وكشف له من المدينة إلى أرض الحبشة ،

__________________

(١) اسمه أصحمة ، ملك الحبشة ، أسلم في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأحسن إلى المسلمين الذين هاجروا إلى أرضه ، وأخباره معهم ومع كفار قريش مشهورة ، توفي ببلاده قبل فتح مكة ، والنجاشي لقب له ولملوك الحبشة ، مثل كسرى للفرس ، وقيصر للروم. انظر : أسد الغابة ١ / ١١٩ ، رقم ١٨٧.

(٢) سنن ابن ماجة ١ / ٤٩٠ ؛ انظر : مصنف ابن أبي شيبة ٣ / ١٨٤.

(٣) مسند أبي داود الطيالسي / ٣٠٣ ؛ انظر : مصنف ابن أبي شيبة ٣ / ٢٤١.

(٤) أحكام الجنائز / ٨٩.

(٥) آل عمران / ١٩٩.

٨٠