بقيع الغرقد

الشيخ محمّد أمين الأميني

بقيع الغرقد

المؤلف:

الشيخ محمّد أمين الأميني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٠

قال الشوكاني : قوله : بالبقيع ، قال الحافظ : بالباء الموحدة ، كما وقعت عند البيهقي في بقيع الغرقد ، قال النووي : ولم يكن إذ ذاك قد كثرت فيه القبور (١).

وعن ابن عمر أيضاً : كنا نبيع الأبعرة بالبقيع بالدنانير ، ونأخذ عوضها الدراهم ، وبالدراهم ، ونأخذ عوضها الدنانير ، فسألنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : «لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شيء» (٢).

وفي مسند أحمد : أنّ امرأة قالت : يا رسول الله ، ان كان في نفسي ان اجمعك ومن معك على طعام ، فأرسلت إلى البقيع فلم أجد شاة تباع ، وكان عامر بن أبي وقاص ابتاع شاة امس من البقيع ، فأرسلت إليه ان ابتغي لي شاة في البقيع فلم توجد .. (٣).

وروى الدارقطني عن رجل من الأنصار قال : خرجت مع أبي وأنا غلام مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، .. قالت : فبعثت إلى أخي عامر بن أبي وقاص وقد اشترى شاة من البقيع .. (٤).

وروى الحاكم النيسابوري عن عمر بن سعيد عن عمر قال : خرج

__________________

٢٥٤ ؛ السنن الكبرى ٤ / ٣٤ ، ٥ / ٢٠١ ، ٢٨٤ ، ٣١٥ ؛ المجموع ٩ / ٢٧٢ و ١٠ / ١٠٩ ؛ المنتقى من السنن المسندة / ١٦٥ ؛ المبسوط (للسرخسي) ١٤ / ٢ و ١٦ و ٣٠ / ٢٣٩ ؛ موارد الظمآن / ٢٧٥ ؛ سبل الهدى والرشاد ٩ / ٢٨٢ ؛ فتح العزيز ٨ / ٤٣٤ ؛ فوائد العراقيين / ٩٦ ؛ نصب الراية ٤ / ٥٠١ ؛ نيل الأوطار ، الشوكاني ٥ / ٢٥٤ ؛ الخلاف ، الطوسي ٣ / ٩٩ ؛ جامع الخلاف والوفاق ، علي بن محمد القمي السبزواري / ٢٤٥ ؛ تذكرة الفقهاء ١٠ / ١٢٣.

(١) نيل الأوطار ٥ / ٢٥٤.

(٢) الشرح الكبير ٤ / ٣٤٢.

(٣) مسند احمد ٥ / ٢٩٤ ؛ الإصابة ٣ / ٤٨٥ ؛ انظر : سنن أبي داود ٢ / ١٠٩ ؛ سنن الدارقطني ٤ / ١٩٠ ؛ شرح معاني الآثار ٤ / ٢٠٨ ؛ البداية والنهاية ٦ / ٢١١ ؛ نصب الراية ٥ / ٤٠٤ ؛ نيل الأوطار ٦ / ٦٩.

(٤) سنن الدارقطني ٤ / ١٩٠.

٢١

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى البقيع ، فرأى طعاما يباع في غرائر (١) ، فادخل يده فأخرج شيئاً كرهه ، فقال : «من غشّنا فليس منا» (٢).

وروى نحوه أحمد في مسنده عن أبي بردة بن دينار (٣) ، والهيثمي عن أبي موسى (٤) ، بتفاوت يسير.

وروى الدارمي : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى البقيع فقال : «يا معشر التجار ، حتى إذا اشرأبوا ، قال : التجار يحشرون يوم القيامة فجاراً إلا من اتقى الله وبرّ وصد» (٥).

وروى الطبري عن أبي قلابة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أهل البقيع! فسمعوا صوته ، ثمّ قال : يا أهل البقيع! فاشرأبوا ينظرون حتى عرفوا أنه صوته ، ثمّ قال : يا أهل البقيع ، لا يفترقنّ بيّعان إلا عن رضا» (٦).

وعن أبي هريرة : أنّ رجلاً يقال له أبو حميد أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بإناء فيه لبن من البقيع نهاراً ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ألا خمرته ولو أن تعرض عليه بعود» (٧).

وفي الخبر عن بلال أنه قال : .. حتى إذا صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرجت إلى البقيع ، فجعلت إصبعي في أذني ، فناديت وقلت : من كان يطلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ديناً

__________________

(١) غرارة / كذا في مجمع الزوائد.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٢ / ٩ ؛ سبل الهدى والرشاد ٩ / ١٢ ؛ ونحوه في : المعجم الأوسط ٤ / ٢٩٣ (عن أبي موسى) ؛ أسد الغابة ٥ / ٣٤٥ ؛ مجمع الزوائد ٤ / ٧٩ ؛ ارواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل ، محمد ناصر الدين الالباني ٥ / ١٦٣ ؛ المجموع ١٢ / ١١٤.

(٣) مسند احمد ٣ / ٤٦٦ ؛ عنه مجمع الزوائد ٤ / ٧٨ وقال : رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسطوالبزار باختصار.

(٤) مجمع الزوائد ٤ / ٧٩ قال : رواه الطبراني في الكبير والأوسط.

(٥) سنن الدارمي ٢ / ٢٤٧ ؛ المعجم الكبير ٥ / ٤٤ ؛ صحيح ابن حبان ١١ / ٢٧٧ ؛ موارد الظمآن / ٢٦٩.

(٦) جامع البيان عن تأويل آي القرآن ، الطبري ٥ / ٤٨ ؛ انظر : مصنف عبد الرزاق ٨ / ٥١ ؛ السنن الكبرى ٥ / ٢٧١ ؛ الدر المنثور ٢ / ١٤٤ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي ٤ / ٩٠.

(٧) مجمع الزوائد ٨ / ١١١.

٢٢

فليحضر ، فما زلت أبيع واقضي واعرض واقضي ، حتى لم يبق على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دين في الأرض .. (١).

وروى عبد الرزاق عن ابن سيرين ، قال : نهى عمر بن الخطاب عن الوَرِق بالوَرِق إلا مثلاً بمثل ، فقال له عبد الرحمن بن عوف أو الزبير : إنها تزيف علينا الأوراق ، فنعطي الخبيث ونأخذ الطيب ، فقال : لا تفعلوا ، ولكن انطلق إلى البقيع ، فبع ثوبك بورِق أو عَرَض ، فإذا قبضته وكان لك بيعه فاهضم ما شئت ، وخذ ورقاً إن شئت. (٢)

وفي الخبر : الحق المرأة ، فإنها على دكان العلاف بالبقيع تنتظرك ، فأخذت الدراهم ، وكنت إذا قال لي شيئاً لا أراجعه ، فأتيت البقيع ، فإذا المرأة على دكان .. (٣).

وفي رواية : ان عمر سمع رجلاً يقرأ «الأنصار» بالواو في آية (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ) الآية (٤) ، فقال : من أقرأك؟ قال : أُبيّ (٥) ، فدعاه فقال : اقرأنيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وانك تبيع القرظ بالبقيع .. (٦) ، وكان هو دهراً يبيع الخيط والقرظة بالبقيع (٧).

__________________

(١) السنن الكبرى ٦ / ٨١ ؛ المعجم الأوسط ١ / ١٤٨ ؛ المعجم الكبير ١ / ٣٦٤ ؛ الأحاديث الطوال ، الطبراني / ١٢٨ ؛ مسند الشاميين ، الطبراني ٤ / ١١١ ؛ تاريخ مدينة دمشق ٤ / ٣١٧ ؛ البداية والنهاية ٦ / ٦٣ ؛ تركة النبي / ٧٤ ؛ موارد الظمآن / ٦٣٠ ؛ سبل الهدى والرشاد ٧ / ٩٠ ؛ كنز العمال ٧ / ١٩١.

(٢) المصنف ٨ / ١٢٣ ، ونحوه فيه ٨ / ٢٢٥ ؛ كنز العمال ٤ / ١٨٩.

(٣) الخرائج والجرائح ، قطب الدين الراوندي ١ / ٣١٩.

(٤) التوبة : ١٠٠.

(٥) أي : أبي بن كعب.

(٦) الغدير ٦ / ٣٠٣.

(٧) الغدير ٨ / ٦١.

٢٣

وعن أبي يعلى وابن مردويه أنه قرأ : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً)(١) من تاب فإنّ الله كان غفورا رحيما ، فذكر لعمر ، فأتاه فسأله عنها ، فقال : أخذتها من في رسول الله ، وليس لك عمل إلا الصفق بالبقيع (٢).

ثمّ هل المراد من البقيع في هذه الأخبار هو بقيع الخيل ، أو بقيع الغرقد؟ هناك احتمالان :

أما الأول ، فلمناسبة الحكم والموضوع ، ومال إليه فهيم محمود شلتوت (٣) ، فيظهر ما وقع من الخبط في حاشية النسائي في ذيل الخبر.

وأما الثاني ، فلأجل أنّ المستفاد من بعض الأخبار حصول البيع والشراء ببقيع الغرقد أيضاً ، وذلك ليس بمرفوض ، إذ لا مانع من ذلك ، خصوصاً قبل أن يصبح مقبرة عامة للناس ، وحتى بعد ذلك ، ومما يدل على ذلك : ما رواه الفضل بن شاذان في الخبر : .. قلت : أين أنت عن الزبير؟ ، فقال : اللعقة والله إذا لظل يضارب على الصاع والمدّ ببقيع الغرقد .. (٤).

وروى ابن أبي الحديد قول عمر في شأن الزبير : إنه شكس لقس ، ويلاطم في البقيع في صاع من برّ (٥).

وفي رواية قال أبي بن كعب لعمر بن الخطاب : وإنك يومئذ تبيع القرص ببقيع

__________________

(١) سورة النساء : ٢٢.

(٢) فتح القدير ٣ / ٢٢٥ ؛ كنز العمال ٢ / ٥٦٨ ، وانظر ١٣ / ٢٦١.

(٣) تاريخ المدينة المنورة ، الهامش ، ١ / ٣٠٦.

(٤) الإيضاح ، فضل بن شاذان / ١٦٥ ؛ مواقف الشيعة ٣ / ١٣٩ ؛ ونحوه في تاريخ مدينة دمشق ٤٤ / ٤٣٩ ، وفيه : «قال : وعقة لقس يقاتل على الصاع بالبقيع».

(٥) شرح نهج البلاغة ٦ / ٣٢٦ ؛ كنز العمال ٥ / ٧٣٧ ، و ٥ / ٧٤٠ (وفيه : وعقة لقس يقاتل على الصاع بالبقيع) ؛ ونحوه في الإحتجاج ، الطبرسي ١ / ٢٨٦ ؛ مواقف الشيعة ١ / ١٤٩.

٢٤

الفرقد ، فقال : صدقت ، حفظتم ونسينا ، وتفرغتم وشغلنا ، وشهدتم وغبنا (١).

وفي الآحاد والمثاني : .. قال : فأنشدك بالله تعالى هل تعلم أن الميرة انقطعت عن أهل المدينة حتى جاع الناس ، فخرجت إلى بقيع الغرقد ، فوجدت خمس عشرة راحلة عليها طعام ، فاشتريتها .. (٢).

وقال المباركفوري : قوله (بالبقيع) بالموحدة ، والمراد به بقيع الغرقد ، فإنهم كانوا يقيمون السوق فيه قبل أن يتخذ مقبرة (٣).

ثمّ لا يخفى أنه كان بالمدينة في الجاهلية وبعدها عدة أسواق ، منها سوق بزبالة بالناحية التي تدعى يثرب ، وسوق بالجسر في بني قينقاع ، وسوق بالصفاصف والعصبة غربي مسجد قباء ، وسوق في زقاق ابن حبين يقال له : المزاحم ، وسوق يقال لها : البطحاء (٤).

وروى الهيثمي رواية وفيه بقيع الجبل (٥) ، والظاهر أنه تصحيف ، والصحيح بقيع الخيل.

ب) بقيع الزبير

قال الحموي : هو بالمدينة ، فيه دور ومنازل (٦).

__________________

(١) عين العبرة ، السيد أحمد آل طاووس / ١٧.

(٢) الآحاد والمثاني ، ابن أبي عاصم ١ / ٤٧٦ ؛ تاريخ المدينة المنورة ، ابن شبة ٤ / ١٢٩٧ ؛ كتاب السنة ٥٧٨ ؛ كنز العمال ١٣ / ١٠٠.

(٣) تحفة الأحوذي ، المباركفوري ٤ / ٣٧٠ و ٩ / ١٤٦.

(٤) موسوعة التاريخ الإسلامي ، محمد هادي اليوسفي الغروي ٢ / ٣٥.

(٥) مجمع الزوائد ٩ / ٢٦٨.

(٦) معجم البلدان ١ / ٤٧٤ ؛ انظر القاموس المحيط ٣ / ٦ ، تاج العروس ٢٠ / ٣٤٩ ؛ معجم معالم الحجاز ١ / ٢٤٣.

٢٥

وعن أبي سعيد الخدري : انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلى الأضحى ببقيع الزبير .. (١).

قال ابن شبة : استقطع الزبير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله البقيع فقطعه ، فهو بقيع الزبير ، ففيه من الدور دار عروة بن الزبير .. (٢).

وروى الكليني : ثمّ تسأل عن بني عمرو بن مبذول ، وهو ببقيع الزبير (٣).

وعن أبي مالك قال : كان قوم يجلسون في بقيع الزبير ، فيشترون ويبيعون إذا نودي للصلاة يوم الجمعة ، ولا يقومون ، فنزلت : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) (٤)(٥).

وعن السمهودي : أقطع له أرضاً يجاور منازل بني غنم ، وشرقي منازل بني رزيق ، يقال لها : بقيع الزبير ، قال ابن شبة : ففيه من الدور للزبير : دار عروة بن الزبير ، وهي التي فيها المجزرة ، ثمّ خلفها في شرقيها دار المنذر بن الزبير ، إلى زقاق عروة .. وفيه دار مصعب بن الزبير .. وفيه دار آل عكاشة بن مصعب بن الزبير ، وفيه دار آل عبد الله بن الزبير ، فالبقيع كان واسعاً جداً ، حتى بنيت فيه هذه المنازل كلها (٦).

وقال ابن سعد : أقطع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعبيدة بن الحارث والطفيل وأخويه موضع خطبتهم اليوم بالمدينة ، في ما بين بقيع الزبير وبين بني مازن (٧).

__________________

(١) ناسخ الحديث ومنسوخه / ١٩٥.

(٢) تاريخ المدينة المنورة ١ / ٢٢٩.

(٣) الكافي ، الكليني ١ / ٤٧٨ ؛ شرح أصول الكافي ، المولى محمد صالح المازندراني ٧ / ٢٥٦ ؛ مدينة المعاجز ، البحراني ٦ / ٢٩٩ ؛ بحار الأنوار ٤٨ / ٨٦.

(٤) سورة الجمعة : ٩.

(٥) جامع البيان ٢٨ / ١٣٠.

(٦) مكاتيب الرسول ١ / ٣٥٢.

(٧) الطبقات الكبرى ٣ / ٥١ ؛ مكاتيب الرسول ١ / ٣٥٤.

٢٦

وعن عبدالله بن عمر قال : كان عمر يأتى مجزرة الزبير بن العوام بالبقيع ، ولم يكن بالمدينة مجزرة غيرها ، فيأتي معه الدرة ، فاذا رأى رجلاً اشترى لحماً يومين متتابعين ضربه بالدرة وقال : ألا طويت بطنك يومين (١).

والظاهر كونه بقيع الزبير الذي استقطعه من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كما مر ، ويحتمل كونه في بقيع الخيل ، لتناسب الحكم والموضوع!.

وقال الخطيب : ودار طلحة بن عبد الرحمن بالمدينة ، إلى جنب بقيع الزبير (٢).

وذكر ابن عساكر جلوس محمد بن المنذر ببقيع الزبير (٣).

وأورد المزي كون دار عمر بن مصعب بن الزبير فيه (٤).

ج) بقيع الخبخبة

ذكره أبو داود في سننه ، والخبخبة شجر عرف به هذا الموضع (٥) ، وقال البكري : ويقع الخبخبة .. بالمدينة أيضاً بناحية بئر أبي أيوب ، والخبخبة شجرة كانت تنبت هناك (٦).

وفي القاموس : جبجب بالضم : ماء قرب المدينة ، .. وجبجب : المستوي من

__________________

(١) الغدير ٦ / ٢٦٧.

(٢) تاريخ بغداد ٩ / ٣٥٢ ؛ معجم البلدان ١ / ٤٧٠.

(٣) تاريخ مدينة دمشق ٥٦ / ٢٨.

(٤) تهذيب الكمال في أسماء الرجال ، المزي ٨ / ٢٢٥.

(٥) معجم البلدان ١ / ٤٧٤ و ٢ / ٣٤٣.

(٦) تاج العروس ٢٠ / ٣٤٩ ؛ معجم ما استعجم ، البكري الأندلسي ١ / ٢٦٦ ؛ معجم معالم الحجاز ١ / ٢٤٣.

٢٧

الأرض ، وبقيع الجبجب : بالمدينة ، أو هو بالخاء أوله (١) .. الخبخبة : شجر ، عن السهيلي ، ومنه : بقيع الخبخبة بالمدينة ، لأنه كان منبتها ، أو هو بجيمين (٢).

ورووا قضية للمقداد بن الأسود في بقيع الخبخبة ، ورجوعه في ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣).

نعم يظهر من الطبقات (٤) والمستدرك (٥) ان بقيع الخبخبة هو نفس بقيع الغرقد ، إذ رويا عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يرتاد لأصحابه مقبرة يدفنون فيها ، فكان قد جاء نواحي المدينة وأطرافها ، قال : ثم قال : «أمرت بهذا الموضع» ، وكان يقال بقيع الخبخبة ، وكان أكثر نباته الغرقد .. (٦).

وروى الصالحي أنه بنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مسجده سبعين في ستين ذراعاً أو ما يزيد ، ولبن لبنة من بقيع الخبخبة ، وجعله جداراً ، وجعل سواريه خشباً شقة شقة ، وجعل وسطه رحبة .. (٧).

د) بقيع الغراب

ذكره الفيومي في المصباح (٨).

__________________

(١) القاموس المحيط ١ / ٤٤ ؛ انظر : تاج العروس ١ / ١٧٤ ، ٢٢٨.

(٢) القاموس المحيط ١ / ٥٩.

(٣) انظر : سنن أبي داود ٢ / ٥٣ ؛ سنن ابن ماجة ٢ / ٨٣٨ ؛ المعجم الكبير ٢٠ / ٢٦٠ ؛ تاريخ مدينة دمشق ٦٠ / ١٧٤ و ١٧٥ ؛ السنن الكبرى ٤ / ١٥٥ ؛ المحلى ٧ / ٣٢٦ ؛ عون المعبود ٨ / ٢٣٩ ؛ معجم ما استعجم ١ / ٢٦٦.

(٤) الطبقات الكبرى ٣ / ٣٩٧.

(٥) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٨٩.

(٦) الطبقات الكبرى ٣ / ٣٩٧ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٩٠.

(٧) سبل الهدى والرشاد ، الصالحي الشامي ٣ / ٣٣٨.

(٨) المصباح المنير ١ / ٧٣.

٢٨

ه) بقيع المصلى

قال الحموي : ومصلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي كان يصلي فيه الأعياد ، في غربي المدينة ، داخل الباب ، وبقيع الغرقد خارج المدينة من شرقيها (١).

في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : سألته عن صلاة العيدين ، إلى أن قال : «وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يخرج إلى البقيع ، فيصلي بالناس (٢).

وروى ابن عساكر عن عتبة بن عبد الله بن عمرو ، عن أبيه ، عن جده : كنت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم عيد ، فقال : «ادعوا لي سيد الأنصار ، فدعوا أبي بن كعب ، فقال : يا أبي بن كعب ، إئت بقيع المصلى فأمر بكنسه ، ثمّ أمر الناس فليخرجوا .. (٣)

وروى البيهقي عن البراء بن عازب ، قال : خرج إلينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم أضحى إلى البقيع ، فقام فصلى ركعتين ، ثم أقبل علينا بوجهه فقال : «إنّ أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ثمّ نرجع فننحر ..» (٤).

وروى عبد الرزاق عنه : لما كان يوم الأضحى أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله البقيع ، فنُوِّل قوساً فخطب عليها (٥).

__________________

(١) معجم البلدان ٥ / ٨٢.

(٢) الكافي ٣ / ٤٦٠ ؛ تهذيب الأحكام ، الشيخ الطوسي ٣ / ١٣٠ ؛ الخلاف ١ / ٦٥٥ ؛ الذكرى ، الشهيد الأول / ٢٣٩ ؛ مدارك الأحكام ٤ / ١١١ ؛ تفصيل وسائل الشيعة ، الحر العاملي ٧ / ٤٥١ ؛ انظر : المعتبر ٢ / ٣١٦ ؛ مختلف الشيعة ٢ / ٢٧٢ ؛ تذكرة الفقهاء ٤ / ١٤٢ ؛ مجمع الفائدة ، المولى أحمد الأردبيلي ٢ / ٣٩٩.

(٣) تاريخ مدينة دمشق ٧ / ٣٣٥ ؛ انظر : تهذيب الكمال ٢ / ٢٦٩ ؛ سير أعلام النبلاء ١ / ٣٩٦.

(٤) السنن الكبرى ٣ / ٣١١ ؛ انظر : مسند ابن الجعد / ٣٩٨ ؛ شرح معاني الآثار ٤ / ١٧٢ ؛ أحكام القرآن ، الجصاص ٣ / ٦٤٤ ؛ نصب الراية ٢ / ٢٦٥.

(٥) مصنف عبد الرزاق ٣ / ٢٨٧.

٢٩

وروى عبد الرزاق أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى على أم كلثوم أخت سودة بنت زمعة ، وتوفيت بمكة ، فصلى عليها بالبقيع بقيع المصلى .. (١).

وروى الكليني بإسناده عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : أتى العباس أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : يا علي ، إنّ الناس قد اجتمعوا أن يدفنوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بقيع المصلّى ، وأن يؤمّهم رجل منهم ، فخرج أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى الناس فقال : «يا ايها الناس ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إمام حيّاً وميتاً ، وقال : إنّي أدفن في البقعة التى أُقبض فيها ..» (٢).

و) بقيع بُطحان

قال الحطاب الرعيني : بقيع بُطحان : هو بضمّ الموحدة ، وسكون الطاء المهملة ، بعدها حاء مهملة ، قال في المشارق : هكذا يرويه المحققون ، وكذا سمعناه من المشايخ ، وهو الذي يحكي أهل اللغة فيه فتح الموحدة وكسر الطاء ، وكذا قيده اللقاني في البارع وأبو حاتم والبكري في المعجم ، وقال البكري : لا يجوز غيره ، وهو واد في المدينة (٣).

وروى البخاري عن أبي موسى قال : كنت أنا وأصحابي الذين قدموا معي في السفينة نزولاً في بقيع بطحان ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمدينة (٤).

وروى ابن سعد : .. إذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمدينة ، وهم نازلون في بقيع بطحان .. (٥)

__________________

(١) مصنف عبد الرزاق ٣ / ٤٨٣.

(٢) الكافي ١ / ٤٥١ ، كتاب الحجة ، أبواب التاريخ ، ح ٣٧.

(٣) مواهب الجليل ٧ / ٦٠٨.

(٤) صحيح البخاري ١ / ١٤٢ ؛ صحيح مسلم ٢ / ١١٧ ؛ مسند أبي يعلى ١٣ / ٢٨٥ ؛ معجم ما استعجم ١ / ٢٥٨.

(٥) الطبقات الكبرى ٤ / ١٠٦.

٣٠

وقال ابن حجر في رواية مالك بلفظ : فخرج بهم إلى المصلى ، والمراد بالبقيع بقيع بطحان ، أو يكون المراد بالمصلى موضعاً معدّداً للجنائز ببقيع الغرقد ، غير مصلى العيدين ، والأول أظهر ، وقد تقدّم في العيدين أنّ المصلى كان ببطحان (١).

ز) بقيع الخضمات

قالوا : كان أبو أمامة أسعد بن زرارة ، أول من جمع بالناس الجمعة بالمدينة ، (قبل مقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢)) ، في هزم من حرة بني بياضة ، في بقيع الخضمات ، وهم أربعون رجلاً (٣).

قال ابن حريم : قلت لوطاً : أكان ذلك بأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال : نعم (٤).

قال العلامة الحلي : في (حرة) بني بياضة في بقيع يقال له : بقيع الخصمات .. ثمّ قال : قال الخطائي : (حرة) بني بياضة قرية على ميل من المدينة (٥).

وروي عن الجمهور أنّ مصعب بن عمير جمع في بقيع الخصمات ، والبقيع بطن من الأرض يستنقع فيه الماء مدة ، فإذا انصب الماء (نبت) الكلاء (٦).

أقول : ما ذكره من المعنى ، يناسب أن يكون النقيع لا البقيع ، ولذلك ذكر عدة

__________________

(١) فتح الباري ٣ / ١٥٠.

(٢) مصنف ابن أبي شيبة ٨ / ٣٢٧ ؛ تهذيب الكمال ٢٤ / ٥٠٢.

(٣) انظر : مصنف ابن أبي شيبة ٨ / ٣٢٧ ؛ تهذيب الكمال ٢٤ / ٥٠٢ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٨٧ ؛ تاريخ مدينة دمشق ٥٠ / ١٨٦ ؛ منتهى المطلب ، العلامة الحلي ١ / ٣١٩ ؛ المنتقى من السنن المسندة / ٨٢ ؛ معجم البلدان ٥ / ٣٠٢ ؛ البداية والنهاية ٣ / ١٨٥ ؛ عيون الأثر ١ / ٢٠٩ ؛ السيرة النبوية ٢ / ١٨١ ؛ سبل الهدى والرشاد ١٢ / ٥٢.

(٤) منتهى المطلب ١ / ٣١٩.

(٥) منتهى المطلب ١ / ٣١٩.

(٦) منتهى المطلب ١ / ٣٢٠ ؛ انظر : الشرح الكبير ٢ / ١٧٤.

٣١

من أرباب السير أنه نقيع الخضمات (١) ، لا بقيع الخضمات.

قال العظيم آبادي : وروي عن ابن الأثير في النهاية أنّ النقيع موضع قريب من المدينة ، كان يستنقع فيه الماء ، أي يجتمع ، وقال الخطابي في المعالم : النقيع بطن الوادي من الأرض ، يستنقع فيه الماء مدة ، وإذا نضب الماء ، أي غار في الأرض أنبت الكلأ ، ومنه حديث عمر : أنه حمى النقيع لخيل المسلمين ، وقد يصحف أصحاب الحديث ، فيروونه البقيع بالباء ، موضع القبور بالمدينة .. انتهى ، يقال للنقيع : نقيع الخضمات ، موضع بنواحي المدينة ، كذا في النهاية .. وهي كانت في حرة بني بياضة ، في المكان الذي يجتمع فيه الماء ، واسم ذلك المكان نقيع الخضمات ، وتلك القرية هي على ميل من المدينة ، كذا في غاية المقصود (٢).

وقالوا : النقيع موضع يباع فيه الغنم .. بشرق المدينة ، وقال في التهذيب : هو في صدر وادي العقيق على نحو عشرين ميلاً من المدينة ، قال الخطابي : أخطأ من قال بالموحدة (٣).

وجاء في اصلاح غلط المحدثين : حديث عمر أنه حمى غرز النقيع بالنون ، وليس البقيع الذي هو مدفن الموتى بالمدينة (٤).

ح) بقيع الغرقد

وهو موضوع بحثنا في هذا الكتاب.

__________________

(١) انظر : السيرة النبوية ، ابن هشام ؛ معجم البلدان ٥ / ٤٠٥ ؛ كتاب الآثار لأحمد بن الحسين البيهقي على ما ذكره الحموي ؛ عون المعبود ٣ / ٢٨١ ؛ وقيده البكري بالنون على ما ذكره في عيون الأثر ١ / ٢٠٩ ؛ اصلاح غلط المحدثين ، الخطابي البستي / ١٥٥.

(٢) عون المعبود ٣ / ٢٨١.

(٣) عون المعبود ٩ / ١٢٩.

(٤) اصلاح غلط المحدثين / ١٥٥.

٣٢

فالحاصل من هذه الروايات والآثار : أنّ اطلاق كلمة البقيع لاينحصر في بقيع الغرقد ، والإستعمالات المختلفة ناظرة إلى معناه اللغوي ، وكانت شائعة ، نعم بعد صيروة البقيع مقبرة المدينة ، وبعد دفن الصحابة والتابعين والشهداء والصالحين وعلى رأسهم الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام ، أصبح عَلَماً ، بحيث ينصرف إليه الذهن ، دون الإحتياج إلى نصب قرينة ، وهي ناشئة عن كثرة الإستعمال.

٣٣

جنة البقيع أو بقيع الغرقد

الموقع والمساحة

كتب الأستاذ عبد القدوس الأنصاري : البقيع هو مقبرة المدينة الوحيدة منذ عصر الرسالة إلى اليوم ، دفن فيه ما يقرب من عشرة آلاف صحابي وصحابية .. والبقيع عبارة عن بقعه مستطيلة بشرقي المدينة خارج سورها قريبة من باب الجمعة ، وطولها ١٥٠ متراً في عرض ١٠٠ متراً (١) ، وهو مسور من جميع النواحي .. ، وأخيراً فقد زادت مساحة البقيع كثيراً عما كانت عليه في العهود السابقة (٢).

وجاء في التاريخ الأمين : تقع روضة مقبرة البقيع في قلب ووسط المدينة المنورة ، وهي مجاورة لحرم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتقع في الجهة الشرقية لمسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث إن الخارج من باب جبرائيل من حرم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من أبوابه الشرقية ، تكون

__________________

(١) كذا التحديد في مرآة الحرمين ١ / ٤٢٥ ايضاً.

(٢) آثار المدينة المنورة ، عبد القدوس الأنصاري / ١٧١ ـ ١٧٢.

٣٤

مقبرة البقيع مقابلاً له. ولقد جعل للبقيع ثلاثة أبواب : فالباب الأول يقع في شرقه ، والثاني في الجهة الشمالية ، والثالث في غربه ، وهي البوابة الرئيسية فيه ، وهي التي تكون دائماً مفتوحة ، ويتمّ من خلالها إدخال جنائز الموتى ودخول الوافدين لزيارة قبور أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه المنتجبين (١).

وجاء في بقيع الغرقد : كان بقيع الغرقد خارج المدينة المنورة ومساكنها ، في الجهة الشرقية للمسجد النبوي الشريف ، تحيط به مزارع من الشمال والجنوب والشرق ، أما من الغرب فكان يفصلها عن المسجد النبوي الشريف مساكن ودور ومدارس حارة الأغوات ، وحالياً بعد تنفيذ المشروع لتوسعة وعمارة المسجد النبوي الشريف ، أصبح البقيع من الجهة الغربية ملاصقاً لساحات المسجد لا يفصلها أيّ مبانٍ أو منشآت .. إنّ بقيع الغرقد كان عبارة عن فضاء لا يتجاوز ثمانين متراً طولاً وثمانين متراً عرضاً ، وفي شماله الغربي يقع بقيع العمات .. وكانت مساحته حوالي ٣٥٠٠ متر مربع ، وقد ضمّ هذا البقيع إلى البقيع الكبير عام ١٣٧٣ ه‍ ، وكذلك ضمّ الزقاق الفاصل بينهما ، والذي كان يسمى زقاق العمات ، ومساحته حوالي ٨٢٤ متراً مربعاً (٢) ، ويقع شرق بقيع الغرقد حشّ كوكب ، وهو بستان بظاهر المدينة خارج البقيع (٣) ، وقد كان البقيع الكبير وبقيع العمات وحش كوكب وما بينهم من طرق وأزقة لا تتجاوز مساحتها مجتمعة مائة وخمسين طولاً ومائة متر عرضاً ، أي ما يعادل ١٥٠٠٠ م ٢ (٤).

__________________

(١) التاريخ الأمين / ٣٥٦.

(٢) بقيع الغرقد ، المهندس حاتم عمر طه والدكتور محمد أنور البكري / ٢١ عن فصول من تاريخ المدينةالمنورة / ١٧٣.

(٣) النهاية في غريب الأثر ١ / ٣٧٦.

(٤) بقيع الغرقد / ٢١ ـ ٢٢.

٣٥

أقول : الظاهر أنّ بقيع العمات كان ضمن البقيع من الأساس ، ولكن الموانع والزقاق أوجدت بعد ذلك ، وهو أمر طبيعي ، فما حصل في عام ١٣٧٣ هو ازالة الموانع ، لا ضم مكان إلى مكان آخر ، وهذا بخلاف حشّ كوكب الذي صرّح ابن الأثير (١) وغيره بكونه خارج البقيع.

وكتب العلامة السيد جعفر بحرالعلوم عن علماء السير والتواريخ : أن أكثر أصحاب النبي دفنوا في البقيع ، وذكر القاضي عياض في المدارك : أن المدفونين من أصحاب النبي هناك عشرة آلاف ، ولكن الغالب منهم مخفي الآثار عيناً وجهة (٢).

وكتب الأستاذ فهيم محمود شلتوت : قال المطري : إن أكثر الصحابة (رض) ممن توفّى في حياة النبي وبعد وفاته مدفونون بالبقيع ، وكذلك سادات أهل بيت النبي وسادات التابعين .. وقال المجد : لاشك أن مقبرة البقيع محشوة بالجماء الغفير من سادات الأمة (٣). ونقل ما روي عن عياض في المدارك عن مالك.

بداية حياة البقيع

روى ابن سعد والحاكم النيسابوري باسناده عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يرتاد لأصحابه مقبرة يدفنون فيها (٤) ، فكان قد جاء نواحي المدينة وأطرافها ، قال : ثم قال : «أمرت بهذا الموضع» ، وكان يقال : بقيع الخبخبة ، وكان أكثر نباته الغرقد ، .. فكان أول من قبر هناك عثمان بن مظعون ،

__________________

(١) النهاية ١ / ٣٨٩.

(٢) تحفة العالم في شرح خطبة المعالم ، السيد جعفر آل بحر العلوم ـ المطبوع مقتبسها في آخر بحار الأنوار ٤٨ / ٢٩٧ ؛ وانظر : فصول من تاريخ المدينة / ١٦٧ ؛ بقيع الغرقد / ٥١.

(٣) هامش تاريخ المدينة المنورة ١ / ٨٦.

(٤) انظر : الشرح الكبير ٢ / ٣٨٩ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٨٩.

٣٦

فوضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حجراً عند رأسه وقال : «هذا قبر فرطنا» ، وكان إذا مات المهاجر بعده قيل : يا رسول الله ، أين ندفنه؟ فيقول : «عند فرطنا عثمان بن مظعون» (١).

وروى ابن شبة باسناده عن قدامة بن موسى قال : كان البقيع غرقداً ، فلما هلك عثمان بن مظعون دفن بالبقيع ، وقطع الغرقد عنه ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للموضع الذي دفن فيه عثمان : «هذه الرّوحاء» ، ـ وذلك كلّ ما حاذت الطريق من دار محمد بن زيد إلى زاوية دار عقيل اليمانية الشرقية ـ ثم قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هذه الرّوحاء للناحية الأخرى» ، فذلك كلّ ما حازت الطريق من دار محمد بن زيد إلى اقصى البقيع (٢).

أول من دفن بالبقيع

وقع الخلاف في تعيين أول من دفن بالبقيع ، والمستفاد من بعض الأخبار : أنه عثمان بن مظعون (٣) ، كما مرّ آنفاً.

وروي عن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام : «أول من دفن بالبقيع عثمان بن مظعون ، ثمّ اتبعه إبراهيم ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٤).

وعن عبد الله بن عامر : أول من دفن بالبقيع من المسلمين عثمان بن مظعون ، فأمر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فدفن عند موضع الكبا اليوم عند دار محمد ابن الحنفية ، قال :

__________________

(١) الطبقات الكبرى ٣ / ٣٩٧ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٩٠ ؛ سير أعلام النبلاء ١ / ١٥٥ ؛ انظر : الطبقات الكبرى ٣ / ٣٩٩ ؛ تاريخ الأمم والملوك ، الطبري ٢ / ١٧٧ ؛ ارواء الغليل ٣ / ٢١٣.

(٢) تاريخ المدينة المنورة ١ / ١٠٠.

(٣) مصنف بن أبي شيبة ٨ / ٣٤٦ ؛ فتح الباري ٩ / ٩٦ ؛ معجم البلدان ٤ / ٤٧١ ؛ كنز العمال ١٤ / ١٤٠.

(٤) مصنف ابن أبي شيبة ٨ / ٣٥٧ ؛ الطبقات الكبرى ١ / ١٤١ ؛ تاريخ مدينة دمشق ٥٤ / ٤١٧ ؛ كنزالعمال ١٤ / ١٤٠.

٣٧

قال محمد بن عمر : والكبا الكناسة (١).

وقال ابن قتيبة : أول من مات من المسلمين بالمدينة عثمان بن مظعون ، بعد بدر ، وقبل أُحُد ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «هذا سلفكم ، فادفنوا إليه موتاكم» ، فدفن في البقيع (٢).

وروى ابن أبي شيبة عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال : لما مات عثمان بن مظعون دفنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالبقيع أول من دفن فيه ، ثمّ قال لرجل عنده : «إذهب إلى تلك الصخرة فائتني بها ، حتى أضعها عند قبره حتى أعرفه بها ، فمن مات من أهلنا دفنّاه عنده» (٣).

أقول : المستفاد منه هو لزوم حفظ الآثار ، والاهتمام بزيارة قبور الصلحاء ، ولا داعي للجمود بوضع حجرة فحسب ، اذ الحجرة للعلامة فقط ، والمهم هو المعرفة بأي نحو كانت ، وعلى هذا كانت سيرة المتشرعة ولا زالت ، ومما يؤيد ذلك : ما رواه ابن سعد في الطبقات عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حازم قال : رأيت قبر عثمان بن مظعون وعنده شيء مرتفع ، يعني كأنّه علم (٤).

قال البخاري في تاريخه : أول من دفن بالبقيع عثمان بن مظعون رحمة الله عليه ، وأول من أتبعه إبراهيم ابن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥).

وقال ابن الأثير في شأنه : وهو أول رجل مات بالمدينة من المهاجرين ، مات سنة اثنتين من الهجرة ، قيل : توفي بعد اثنين وعشرين شهراً بعد شهوده بدراً ، وهو

__________________

(١) الطبقات الكبرى ٣ / ٣٩٧.

(٢) المعارف / ٤٢٢.

(٣) المصنف ٨ / ٣٤٦.

(٤) الطبقات الكبرى ٣ / ٣٩٧.

(٥) التاريخ الكبير ١ / ١٧٧.

٣٨

أول من دفن بالبقيع (١).

وعن تحفة العالم : وجهة قبر إبراهيم ابن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في بقعة قريبة من البقيع ، وفيها قبر عثمان بن مظعون من أكابر الصحابة ، وهو أول من دفن في البقيع (٢).

هذا ، ولكن المستفاد من بعض النصوص أن أول من دفن فيه هو أسعد بن زرارة.

روى ابن حبان : مات أسعد بن زرارة والمسجد يبنى ، أخذته الشهقة ، ودفن بالبقيع ، وهو أول من دفن بالبقيع من المسلمين ، فكان رسول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نازلاً على أبي أيوب حتى فرغ من المسجد ، وبني له مسكن ، فانتقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣).

وروى ابن سعد عن عبد الجبار بن عمارة ، قال : أول من دفن بالبقيع أسعد بن زرارة ، قال محمد بن عمر : هذا قول الأنصار ، والمهاجرون يقولون : أول من دفن بالبقيع عثمان بن مظعون (٤).

وروى الحاكم باسناده عن عبدالله بن أبي بكر قال : أول من دفن بالبقيع أسعد ابن زرارة (٥).

وروي عن البغوي في شأن أسعد بن زرارة : بلغني أنه أول من مات من الصحابة بعد الهجرة ، وأنه أول ميت صلى عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٦).

وقال ابن إدريس : أسعد بن زرارة الأنصاري الخزرجي العقبي ، رأس

__________________

(١) أسد الغابة ٣ / ٣٨٦.

(٢) تحفة العالم ، مقتبسها في بحار الأنوار ٤٨ / ٢٩٧.

(٣) كتاب الثقات ١ / ١٣٥.

(٤) الطبقات الكبرى ٣ / ٦١٢ ؛ وانظر : المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٨٦ ؛ الإصابة ١ / ٢٠٩.

(٥) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٨٦.

(٦) الاصابة ١ / ٢٠٩.

٣٩

النقباء ، أول مدفون بالبقيع ، مات في حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

وروى ابن شبة عن الواقدي باسناده عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة قال : أول ميت بالمدينة من الأنصار أسعد بن زرارة أبوأمامة ، ودفنه بالبقيع .. (٢).

ويمكن دفع التعارض بأن يقال : أول من دفن بالبقيع من المهاجرين عثمان بن مظعون ، ومن الأنصار أسعد بن زرارة ، ويدل على ذلك مضافاً إلى خبر محمد بن عبد الرحمن ـ الذي يكون شاهداً للجمع ـ ما روي من أن أسعد بن زرارة مات قبل ان يفرغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من بناء المسجد ، ودفن بالبقيع (٣) ، بينما المروي في زمان موت عثمان بن مظعون كونه في ذى الحجة من السنة الثانية من الهجرة (٤).

أو أن يقال : إن أسعد بن زرارة دفن في البقيع قبل أن يجعل مقبرة عامة للصحابة ، وأما عثمان بن مظعون فقد دفن فيه حينما جعل مقبرة لهم ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يرتاد لأصحابه مقبرة يدفنون فيها (٥) ، كما مرّ ، وبدفن عثمان بن مظعون بدأت حياة البقيع رسمياً ، ويؤيده ما روي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «هذا سلفكم ، فادفنوا إليه موتاكم» (٦).

وكيف ما كان ، فقبرهما في الرّوحاء التي في وسط البقيع ، فقد روى ابن شبة عن أبي عنسان : لم ازل اسمع انّ قبر عثمان بن مظعون وأسعد بن زرارة بالروحاء من

__________________

(١) السرائر ١ / ٤٧٢.

(٢) تاريخ المدينة المنورة ١ / ٩٦.

(٣) انظر : سير أعلام النبلاء ٣ / ١٨٨ ؛ بحار الأنوار ١٩ / ١٣٢ عن المنتفى في مولود المصطفى.

(٤) المصدر ٢٠ / ٨ عن الكامل لابن أثير ٢ / ٩٧.

(٥) الطبقات الكبرى ٣ / ٣٩٧ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٩٠.

(٦) المعارف / ٤٢٢.

٤٠