بقيع الغرقد

الشيخ محمّد أمين الأميني

بقيع الغرقد

المؤلف:

الشيخ محمّد أمين الأميني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٠

أحداث البقيع

نزول آية بالبقيع

روى السيوطي عن أنس : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قاعداً ببقيع الغرقد ، فنزل إلى حائط ، فقال : «يا معشر من حضر ، والله لو كانت العسر جاءت تدخل الحجر ، لجائت اليسر حتى تخرجها ، فأنزل الله : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً)(١) (٢).

يوم البقيع

قال اليعقوبي : وكانت الأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة أهل عزّ ومنعة في بلادهم ، حتى كانت بينهم الحروب التي أفنتهم في أيام لهم مشهورة ، منها : .. يوم البقيع (٣).

__________________

(١) سورة الإنشراح : ٥ ـ ٦.

(٢) الدر المنثور ٦ / ٣٦٤.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٣٧.

٣٠١

نكبة اليهود

ذكر ابن سعد في قضية سرية قتل كعب بن الأشرف اليهودي (الذي كان يحرض المشركين على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه ، أي كان في شعره يهجو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه (١)) ، قال : ثمّ حزّوا رأسه ، وحملوه معهم ، فلما بلغوا بقيع الغرقد كبّروا ، وقد قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تلك الليلة يصلي ، فلما سمع تكبيرهم كبّر وعرف أن قد قتلوه .. (٢).

قتل رجال يهود بني قريظة بالبقيع

بعد ما غدرت يهود بني قريظة ونكثت العهد ورضيت بحكم سعد بن معاذ ، حكم سعد بقتل رجالهم وسبي نسائهم وذراريهم ، وتقسيم أموالهم وغنائمهم بين المهاجرين والأنصار ، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : «قد حكمت بحكم الله عزوجل فوق سبعة أرقعة».

ثمّ انفجر جرح سعد بن معاذ ، فما زال ينزف الدم حتى قضى ، وساقوا الأسارى إلى المدينة ، وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأخدود ، فحفرت بالبقيع ، فلما أمسى أمر بإخراج رجل رجل ، فكان يضرب عنقه ، فقال حيي بن أخطب لكعب بن أسيد : ماترى؟ ما يصنع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بهم؟ فقال له : ما يسوؤك ، أماترى الداعي لا يطلع ، والذي يذهب لا يرجع .. (٣).

__________________

(١) انظر : الطبقات الكبرى ٢ / ٣٢.

(٢) الطبقات الكبرى ٢ / ٣٣ ؛ انظر : شرح كتاب السير الكبير ١ / ٢٧٥ ؛ فتح الباري ٧ / ٢٦٢ ؛ سبل الهدى والرشاد ٦ / ٢٨.

(٣) تفسير القمي ٢ / ١٩١ ؛ تفسير الصافي ٤ / ١٨٤ ؛ ؛ بحار الأنوار ٢٠ / ٢٣٦ ؛ تفسير نور الثقلين ٤ / ٢٦٣ ؛ الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ١١ / ١٧٤.

٣٠٢

تركوا خطبة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وذهبوا إلى البقيع!

روى الطبرسي في ذيل آية : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً)(١) عن الحسن وأبي مالك : أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر ، فقدم دحية بن خليفة بتجارة زيت من الشام ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يخطب يوم الجمعة ، فلما رأوه قاموا إليه بالبقيع ، خشية أن يسبقوا إليه ، فقال : «والذي نفسي بيده ، لو تتابعتم حتى لا يبقى أحد منكم لسال بكم الوادي ناراً» (٢).

وكان دحية إذا قدم لم يبق بالمدينة عاتق إلا أتته ، وكان يقدم إذا قدم بكلّ ما يحتاج إليه من دقيق أو برّ أو غيره ، فينزل عند أحجار الزيت ، وهو مكان في سوق المدينة ، ثمّ يضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه .. فخرج الناس ، فلم يبق في المسجد الا اثنا عشر رجلاً وامرأة ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لو لا هؤلاء لسومت عليهم الحجارة من السماء» ، .. وقيل : لم يبق في المسجد إلا ثمانية رهط (٣) ، أو اثنى عشررجلاً (٤) ، وقيل : أربعين رجلاً (٥) ، وهو بعيد.

وأخرج السيوطي عن ابن جرير وابن المنذر عن جابر بن عبد الله : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يخطب الناس يوم الجمعة ، فإذا كان نكاح لعب أهله وعزفوا ، ومروا باللهو على المسجد ، وإذا نزل بالبطحاء جلب ، قال : وكانت البطحاء مجلساً بفناء المسجد الذي يلي بقيع الغرقد ، وكانت الأعراب إذا جلبوا الخيل والإبل والغنم وبضائع الأعراب نزلوا البطحاء ، فإذا سمع ذلك من يقعد للخطبة قاموا للهو

__________________

(١) سورة الجمعة : ١١.

(٢) مجمع البيان ١٠ / ١١ ؛ جامع البيان ٢٨ / ١٣٢ ؛ نور الثقلين ٥ / ٣٢٩ ؛ وانظر : الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ١١٠ ؛ بحار الأنوار ٨٦ / ١٣٢.

(٣) مجمع البيان ١٠ / ١١.

(٤) سنن الدارقطني ٢ / ٤ ؛ السنن الكبرى ٣ / ١٨٢ ؛ بحار الأنوار ٨٦ / ١٣٢.

(٥) الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ١١٠.

٣٠٣

والتجارة وتركوه قائماً ، فعاتب الله المؤمنين لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً) (١)(٢).

نفي المخنث إلى النقيع (٣) لا البقيع

روى أبو داود عن أبي هريرة : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أتي بمخنث قد خضب يده ورجليه بالحناء ، فقال النبي : ما بال هذا؟ فقيل : يا رسول الله ، يتشبة بالنساء ، فأمر به فنفي إلى النقيع ، فقالوا : يا رسول الله ، ألا نقتله؟ فقال : «إني نهيت عن قتل المصلّين» ، قال أبو أسامة : والنقيع (٤) ناحية عن المدينة (٥) ، وليس بالبقيع (٦).

__________________

(١) سورة الجمعة : ١١.

(٢) الدر المنثور ٦ / ٢٢١ ؛ بحار الأنوار ٧٦ / ٢٤٨.

(٣) قال الزمخشري في الفائق في غريب الحديث ٢ / ٤٣٣ : النقيع بالنون موضع ، وعن الأصمعي أن عيسى بن عمر أنشد يوماً :

ليت شعري وأين مني ليت

أعلى العهد يلبن فبرام

أم بعهدي البقيع أم غيرته

بعدي المعصرات والأيام

رواها بالباء ، فقال أبو مهدية : إنّما هو النقيع ، فقال عيسى : صدق والله! أما إني لم أرو بيتاً عن أهل الحضر إلا هذا ، ثمّ ذكر حديث عمر ورأى رجلاً يعلف بعيراً ، فقال : أما كان في النقيع ما يغنيك.

(٤) قال العظيم آبادي في عون المعبود ٣ / ٢٨١ : وروي عن ابن الأثير في النهاية (مادة : نقع) : أنّ النقيع موضع قريب من المدينة ، كان يستنقع فيه الماء ، أي يجتمع ، وقال الخطابي في المعالم : النقيع بطن الوادي من الأرض ، يستنقع فيه الماء مدة ، وإذا نضب الماء أي غار في الأرض أنبت الكلأ ، ومنه حديث عمر أنه حمى النقيع لخيل المسلمين ، وقد يصحف أصحاب الحديث ، فيروونه البقيع بالباء ، موضع القبور بالمدينة .. انتهى ، يقال للنقيع : نقيع الخضمات ، موضع بنواحي المدينة ، كذا في النهاية.

(٥) قيل : انه موضع ببلاد مزينة ، على ليلتين من المدينة ، وهو نقيع الخضمات الذي حماه عمر ، أو متغايران ، كذا في القاموس. انظر : عون المعبود ١٢ / ١٨٨.

(٦) سنن أبي داود ٢ / ٤٦٢ ؛ مسند أبي يعلى ١٠ / ٥٠٩ ؛ سنن الدارقطني ٢ / ٤٢ ؛ السنن الكبرى ٨ / ٢٢٤ ؛

٣٠٤

فظهر وقوع التصحيف في ما روي أنه نفي إلى البقيع (١).

بقيع الغرقد منزل الوافدين

روى مالك عن عطاء بن يسار ، عن رجل من بني أسد أنه قال : نزلت أنا وأهلى ببقيع الغرقد ، فقال لي أهلي : اذهب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاسأله لنا شيئاً نأكله ، وجعلوا يذكرون من حاجاتهم ، فذهبت إلى رسول الله ، فوجدت عنده رجلاً يسأله .. (٢).

وروى ابن سعد : قدم وفد غامد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في شهر رمضان ، وهم عشرة ، فنزلوا في بقيع الغرقد ، ثمّ لبسوا من صالح ثيابهم ، ثمّ انطلقوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فسلموا عليه ، وأقروا بالإسلام ، وكتب لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كتاباً فيه شرائع الإسلام .. (٣)

مقتل الحارث بن يزيد

قالوا : ان الحارث بن يزيد بن أبي أنيسة هو الذي قتله عياش بن أبي ربيعة بالبقيع ، بعد قدومه المدينة (٤).

__________________

عون المعبود ١٣ / ١٨٨ ؛ العهود المحمدية / ٧٦٩ ؛ تهذيب الكمال ٢٨ / ٤٢٧ ؛ سير أعلام النبلاء ٢ / ٩١ ؛ سبل الهدى والرشاد ٩ / ١٦٨.

(١) انظر : العهود المحمدية / ٧٦٩.

(٢) الموطأ ٢ / ٩٩٩ ؛ سنن أبي داود ١ / ٣٦٧ ؛ السنن الكبرى ٧ / ٢٤ ؛ أسد الغابة ٥ / ٣٤٧ ؛ المنتقى من السنن المسندة / ٩٩ ؛ شرح معاني الآثار ٢ / ٢١ ؛ تعجيل المنفعة / ٥٤٥ ؛ اسعاف المبطأ برجال الموطأ / ١٢٥ ؛ الجامع لأحكام القرآن ٣ / ٣٤٣.

(٣) الطبقات الكبرى ١ / ٣٤٥ ؛ انظر : عيون الأثر ٢ / ٣١٩ ؛ سبل الهدى والرشاد ٦ / ٣٩٠ ؛ مكاتيب الرسول ٣ / ٢٤٧.

(٤) الإصابة ١ / ٧٠١.

٣٠٥

قصد دفن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالبقيع

قال ابن أبي الحديد : ثمّ اختلفوا في موضع دفنه ، فرأى قوم أن يدفنوه بمكة ، لأنها مسقط رأسه ، وقال من قال : بل بالمدينة ، ندفنه بالبقيع عند شهداء أحد ، ثم اتفقوا على دفنه في البيت الذي قبض فيه ، وصلوا عليه ارسالاً لا يؤمهم أحد ، وقيل : ان علياً عليه‌السلام أشار بذلك فقبلوه (١).

وجاء في الكافي عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «أتى العباس أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : إنّ الناس قد اجتمعوا أن يدفنوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بقيع المصلى ، وأن يؤمهم رجل منهم ، فخرج أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى الناس ، فقال : يا أيها الناس ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إمام حيّاً وميّتاً ، وقال : إني أدفن في البقعة التي أقبض فيها ، ثمّ قام على الباب فصلى عليه ، ثمّ أمر الناس عشرة عشرة يصلون عليه ، ثمّ يخرجون» (٢).

أقول : المستفاد من الأخبار : أنّ المقصود من البقيع الذى أراد بعض المسلمين أن يدفنوا فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو إحدى الأمرين :

١. بقيع المصلى ، كما في الكافي.

٢. بقيع الغرقد ، كما هو المستفاد من بعض الأخبار.

والظاهر أن ماذكره ابن أبي الحديد من إرادة بعض الناس دفن النبي

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ١٠ / ١٨٤ ؛ وانظر : الإمامة والسياسة ١ / ٢ ؛ الطبقات الكبرى ٢ / ٢٩٢ ؛ مسند أبي يعلى ٨ / ٣٧١ ؛ مسند اسحاق ابن راهويه ٣ / ٧٣٨ ؛ تنوير الحوالك ، السيوطي / ٢٣٩ ؛ شرح نهج البلاغة ١٣ / ٣٨ ؛ مجمع الزوائد ٩ / ٣٣ ؛ السيرة النبوية ٤ / ٥٣٢ ؛ تحفة الأحوذي ٤ / ٨٤ ؛ الجامع لأحكام القرآن ٤ / ٢٢٤ ؛ بغية الباحث / ٢٨٨ ؛ كنز العمال ٧ / ٢٢٩ و ٢٣٧ ؛ سبل الهدى والرشاد ١٢ / ٣٣٣ ؛ فقه الرضا / ١٨٨ ؛ الحدائق الناضرة ١٠ / ٤٥١ ؛ جواهر الكلام ١٢ / ١٠٢ و ١٠٣ ؛ بحار الأنوار ٢٢ / ٥١٧ و ٥٤٠ و ٧٨ / ٣٠٢ ؛ الغدير ٧ / ١٨٧.

(٢) الكافي ١ / ٤٥١ ؛ انظر : فقه الرضا / ١٨٨ ؛ بحار الأنوار ٧٨ / ٣٧٤.

٣٠٦

الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله بالبقيع ، عند شهداء أحد ، هم الذين دفنوا ببقيع الغرقد ، لا المدفونين ببقيع الخيل الذي هو منطقة أحد ، وبه قبر حمزة سيد الشهداء وغيره.

خرج الناس إلى البقيع يطلبون قبرها

روى أبو علي محمد بن همام الكاتب الاسكافي ـ بعد قضية دفن فاطمة الزهراء عليها‌السلام ليلاً ـ : فلما أصبح الناس قال بعضهم لبعض : يا قوم ، تموت فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا نحضرها؟ فخرج الناس إلى البقيع يطلبون قبرها ، وأظهر الله في الموضع سبعين قبراً ، لم يدروا قبرها من القبور ، فرجعوا (١).

عام الرمادة

روى ابن سعد : لما كان عام الرمادة تجلبت العرب من كلّ ناحية ، فقدموا المدينة ، فكان عمر بن الخطاب قد أمر رجالاً يقومون عليهم ويقسمون عليهم أطعمتهم وإدامهم ، فكان يزيد ابن أخت النمر وكان المسور بن مخرمة وكان عبد الرحمن بن عبد القاريء وكان عبد الله بن عتبة بن مسعود ، فكانوا إذا أمسوا اجتمعوا عند عمر فيخبرونه بكلّ ما كانوا فيه ، وكان كلّ رجل منهم على ناحية من المدينة ، وكان الأعراب حلولاً في ما بين رأس الثنية إلى راتج إلى بني حارثة إلى بني عبد الأشهل إلى البقيع إلى بني قريظة ومنهم طائفة بناحية بني سلمة هم محدقون بالمدينة .. (٢).

__________________

(١) منتخب الأنوار / ٥٠.

(٢) الطبقات الكبرى ٣ / ٣١٦.

٣٠٧

مع معقل بن سنان الأشجعي

قال ابن قتيبة : سمع قائلاً يقول بالمدينة (من الطويل) :

أعوذ بربّ الناس من شرّ معقل

إذا معقل راح البقيع مرجلا

يعني : معقل بن سنان الأشجعي ، وكان قدم المدينة ، فقال له عمر بن الخطاب : ألحق بباديتك (١).

مع الحارث بن يزيد بن أنسة

قال ابن الأثير : الحارث بن يزيد بن أنسة وقيل : أنيسة ، وهو الذي لقيه عياش بن أبي ربيعة بالبقيع ، عند قدومه المدينة ، هكذا ذكره ابن أبي حاتم عن أبيه (٢).

وقوع القتال فيه

ذكر ابن عساكر عن عبد الحميد بن عبد الرحمن : أنّ حرباً وقعت في ما بين عدي بن كعب ، فخرج عبد الله بن مطيع يطلع ما سببه ، وبلغ ذلك عبد الله وسليمان ابني أبي جهم ، فخرجا يرصدانه لرجعته ، وأتى الخبر أخويهما ، فخرجوا إليهما وتداعى الفريقان ، وانصرف عبد الله بن مطيع ممسياً ، فالتقوا بالبقيع ، فاقتتلوا .. (٣).

أم البنين بالبقيع

قال أبو الفرج الإصفهاني : إنها كانت تخرج إلى البقيع فتندب بنيها أشجى

__________________

(١) غريب الحديث ، ابن قتيبة ٢ / ٢٢٣ ؛ وانظر : غريب الحديث ، الحربي / ٤١٧ ؛ تصحيفات المحدثين ، العسكري / ٨٩٤.

(٢) أسد الغابة ١ / ٣٥٣.

(٣) تاريخ مدينة دمشق ١٩ / ٤٨٧ ؛ المنمق في أخبار قريش / ٣٠٩.

٣٠٨

ندبة وأحرقها ، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها ، فكان مروان يجيء في من يجيء لذلك ، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي! (١).

وروى جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام : أنّ زيد بن رقاد وحكيم بن الطفيل الطائي قتلا العباس بن علي عليه‌السلام ، وكانت أم البنين أم هؤلاء الأربعة الأخوة القتلى تخرج إلى البقيع ، فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها .. (٢)

وروي : أنها كانت تخرج إلى البقيع كلّ يوم ترثيه ، وتحمل ولده (٣) عبيد الله ، فيجتمع لسماع رثائها أهل المدينة ، وفيهم مروان بن الحكم! ، فيبكون لشجيّ الندبة ، قولها رضي‌الله‌عنها :

يا من رأى العباس كرّ على جماهير النقد

ووراه من أبناء حيدر كلّ ليث ذي لبد

انبئت أنّ ابنى أصيب برأسه مقطوع يد

ويل على شبلي أمال برأسه ضرب العمد

لو كان سيفك في يديك لما دنا منه أحد (٤)

وقولها :

لا تدعوني ويك أم البنين

تذكريني بليوث العرين

كانت بنون لي أدعى بهم

واليوم أصبحت ولا من بنين

أربعة مثل نسور الربى

قد واصلوا الموت بقطع الوتين

__________________

(١) مقاتل الطالبيين / ٥٦ ؛ مقتل الحسين / ١٨١.

(٢) بحار الأنوار ٤٥ / ٤٠ ؛ العوالم ١٧ / ٢٨٣ ؛ أعيان الشيعة ٨ / ٣٨٩.

(٣) أي ولد ابنها عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

(٤) ابصار العين في أنصار الحسين ، الشيخ محمد السماوي / ٦٤ ؛ أعيان الشيعة ٨ / ٣٨٩ ؛ الأيام الشامية من عمر النهضة الحسينية / ٤٧١ ؛ الركب الحسيني في الشام / ٤١٠.

٣٠٩

تنازع الخرصان أشلائهم

فكلّهم أمسى صريعاً طعين

يا ليت شعري أكما أخبروا

بأنّ عباساً قطيع اليمين (١)

ما قالته زينب الصغرى بنت عقيل بالبقيع

روى الطبراني وابن عساكر عن الزبير عن عمه مصعب بن عبد الله ، قال : خرجت زينب الصغرى بنت عقيل بن أبي طالب على الناس بالبقيع تبكي قتلاها بالطّف ، وهي تقول :

ماذا تقولون إن قال النبي لكم

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بأهل بيتي وأنصاري وذريتي

منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم

ما كان ذاك جزائي إذ نصحت لكم

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحم

فقال أبو الأسود الدؤلي : نقول : (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٢)(٣).

البقيع وظلم يزيد

أورد ابن قتيبة الدينوري مأساة وقعة الحرة التي حصلت في زمن يزيد بن معاوية عليه اللعنة والعذاب ، وذكر كتاب مسلم بن عقبة إلى يزيد الذي جاء فيه : ففرقت أصحابي على أفواه الخنادق ، فوليت الحصين بن نمير ناحية ذناب وما والاها ، وعلى الموالي وجهت حبيش بن دلجة إلى ناحية بني سلمة ، ووجهت عبد الله بن مسعدة إلى ناحية بقيع الغرقد ، وكنت ومن معي من قواد أمير المؤمنين!

__________________

(١) ابصار العين / ٦٤ ؛ مقتل الحسين / ١٨١ ؛ أعيان الشيعة ٤ / ١٣٠ و ٨ / ٣٨٩.

(٢) سورة الأعراف : ٢٣.

(٣) المعجم الكبير ٣ / ١١٨ ؛ تاريخ مدينة دمشق ٦٩ / ١٧٨.

٣١٠

ورجاله في وجوه بني حارثة ، فأدخلنا الخيل عليهم حين ارتفع النهار ، من ناحية عبد الأشهل .. (١).

وقال المقريزي : هذا وبنو أمية قد هدموا الكعبة ، وجعلوا الرسول دون الخليفة ، وختموا في أعناق الصحابة ، وغيّروا أوقات الصلاة ، ونقشوا أكفّ المسلمين ، ومنهم من أكل وشرب على منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ونهبت الحرم ، ووطئت المسلمات في دار الإسلام بالبقيع في أيامه (٢).

الهاتف الغيبي

عن زرارة بن أعين قال : سمع سائل في جوف الليل وهو يقول : أين الزاهدون في الدنيا؟ أين الراغبون في الآخرة؟ فهتف به هاتف من ناحية البقيع يسمع صوته ولا يرى شخصه : ذاك عليّ بن الحسين عليهما‌السلام (٣).

خبر السرير

ذكر النمازي خبر السرير الذي كان عند صاحب مقبرة البقيع في المدينة المنورة في زمن الرضا عليه‌السلام ، وكان سرير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإذا مات رجل من بني هاشم صر السرير ، فيعلم منه أنه مات رجل من بني هاشم (٤).

__________________

(١) الإمامة والسياسة ١ / ٢.

(٢) النزاع والتخاصم / ٤٠.

(٣) الارشاد ٢ / ١٤٢ ؛ مناقب آل أبي طالب ٣ / ٢٨٩ ؛ العدد القوية / ٦٤ ؛ بحار الأنوار ٤٦ / ٧٦ ؛ الأنوار البهية / ١٠٩.

(٤) مستدرك سفينة البحار ٥ / ١٩.

٣١١

من عجائب البقيع

روى ابن أبي الدنيا قال : بينا عمر بن الخطاب يعرض للناس ، إذ مرّ به رجل معه ابن له على عاتقه ، فقال عمر : ما رأيت غراباً أشبه بغراب من هذا بهذا؟! فقال الرجل : أما والله يا أمير المؤمنين لقد ولدته أمه وهي ميتة ، قال : ويحك ، وكيف ذلك؟ قال : خرجت في بعث كذا وكذا ، وتركتها حاملاً به ، فقلت : أستودع الله ما في بطنك ، فلما قدمت من سفري أخبرت أنها قد ماتت ، فبينا أنا ذات ليلة قاعد في البقيع مع بني عمّ لي إذ نظرت فإذا ضوء شبه السراج (١) في المقابر ، فقلت لبني عمّي : ما هذا؟ فقالوا : ما ندري ، غير انا نرى هذا الضوء كلّ ليلة عند قبر فلانة ، فأخذت معي فأساً ، ثمّ انطلقت نحو القبر ، فإذا القبر مفتوح ، وإذا هو بحجر أمه ، فدنوت فناداني مناد : أيها المستودع ربّه ، خذ وديعتك ، أما لو استودعته أمه لوجدتها ، قال : فأخذت الصبي ، وانضمّ القبر (٢).

ذكر المناوي عن ابن جماعة : لما حج ابن المرحل المقدس سنة إحدى وسبعين وسبعمائة ورجع إلى المدينة ، سمع شيخاً من المحدثين يقول : كان في جسد بعض الناس بياض ، فكان يخرج إلى البقيع عرياناً ، وفي السحر يعود ، فبرأ بذلك الغبار ، فكان ابن المرحل حصل في نفسه شيء ، فنظر في يده ، فوجد فيها بياضاً قدر درهم ، فأقبل على الله بالدعاء والتضرع ، وخرج إلى البقيع ، وأخذ من رمل الروضة ، ودلك به ذلك البياض ، فذهب (٣).

__________________

(١) جاء في نقل الطبراني في كتاب الدعاء / ٢٦٠. : .. فارتفعت نار بين القبور ، فقلت لبني عمي : ما هذه النار ، فتفرقوا عني ، فأتيت أقربهم مني ، فسألته ، فقال : نرى على قبر فلانة كلّ ليلة نارا ، فقلت : إنّا لله وَإنّا إلَيهِ راجِعُون ، أما والله إن كانت لصوامة .. قوامة عفيفة مسلمة ، انطلق بنا ، فأخذت الفاس ..

(٢) كتاب الهواتف / ٤٩ ؛ وروى نحوه الطبراني في الدعاء / ٢٦٠ بتفاوت يسير ؛ كشف الخفاء ١ / ٣٢٢.

(٣) فيض القدير ٤ / ٥٢٦.

٣١٢

هروب عبد الله بن الربيع إلى البقيع

قال ابن كثير : وهرب الأمير عبد الله بن الربيع وترك صلاة الجمعة ، وكان رؤوس السودان : وثيق ويعقل ورمقة وحديا وعنقود ومسعر وأبو النار ، فلما رجع عبد الله بن الربيع ركب في جنوده ، والتقى مع السودان ، فهزموه أيضاً ، فلحقوه بالبقيع ، فألقى لهم رداءه يشغلهم فيه ، حتى نجا بنفسه ومن اتبعه ، فلحق ببطن نخل على ليلتين من المدينة ، ووقع السودان على طعام للمنصور كان مخزوناً في دار مروان قد قدم به في البحر ، فنهبوه ونهبوا ما للجند الذين بالمدينة من دقيق وسويق وغيره ، وباعوا ذلك بأرخص ثمن (١).

الحَجّاج وصبيان أهل البقيع

روى ابن سعد عن خالد بن سمير ، قال : خطب الحجاج الفاسق على المنبر فقال : إنّ ابن الزبير حرّف كتاب الله ، فقال له ابن عمر : كذبت كذبت كذبت! ما يستطيع ذلك ولا أنت معه ، فقال له الحجاج : اسكت ، فإنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك ، يوشك شيخ أن يؤخذ فتضرب عنقه ، فيجرّ قد انتفخت خصيتاه ، يطوف به صبيان أهل البقيع (٢).

صلاة هشام بالبقيع

روي عن أفلح وخالد بن القاسم قالا : صلى هشام بن عبد الملك على سالم بن عبد الله بالبقيع ، لكثرة الناس ، فلما رأى هشام كثرتهم بالبقيع قال لإبراهيم بن هشام المخزومي : اضرب على الناس بعث أربعة آلاف ، فسمي عام الأربعة آلاف ،

__________________

(١) البداية والنهاية ١٠ / ٩٧.

(٢) الطبقات الكبرى ٤ / ١٨٤.

٣١٣

قال : فكان الناس إذا دخلوا الصائفة خرج أربعة آلاف من المدينة إلى السواحل ، فكانوا هناك إلى انصراف الناس وخروجهم من الصائفة (١).

رسول الإمام الصادق عليه‌السلام إلى أبي حمزة الثمالي

قال أبو حمزة : والله إني لعلى ظهر بعيري بالبقيع إذ جاءني رسول ، فقال : أجب يا أبا حمزة ، فجئت وأبو عبد الله عليه‌السلام جالس ، فقال : «إني لأستريح إذا رأيتك ، ثمّ قال : إن أقواماً يزعمون أن عليا عليه‌السلام لم يكن إماماً حتى شهر سيفه ، خاب إذاً عمار وخزيمة بن ثابت وصاحبك أبو عمرة ..» (٢).

صفوان بن سليم ومحمد بن المنكدر والبقيع

روي عن محمد بن صالح التمار قال : كان صفوان بن سليم (٣) يأتي البقيع في الأيام ، فيمرّ بي ، فاتبعته ذات يوم وقلت : والله لأنظرنّ ما يصنع ، فقنع رأسه وجلس إلى قبر منها ، فلم يزل يبكي حتّى رحمته ، قال : ظننت أنه قبر بعض أهله ، قال : فمر بي مرّة أخرى فاتبعته ، فقعد إلى جنب غيره ، ففعل مثل ذلك ، فذكرت ذلك لمحمد بن المنكدر (٤) وقلت : إنّما ظننت أنه قبر بعض أهله ، فقال محمد : كلّهم

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق ٢٠ / ٦٩.

(٢) اختيار معرفة الرجال ١ / ١٤١ ؛ تفسير القرآن الكريم لأبي حمزة الثمالي ، عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين / ٦٧ ، ٧٠ ؛ جامع الرواة ١ / ٢٩٥ ؛ معجم رجال الحديث ٨ / ٥١ و ١٣ / ٢٨٦.

(٣) صفوان بن سليم الزهري المدني ، كان من أصحاب الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه‌السلام ؛ انظرترجمته في : العلل ، أحمد بن حنبل ٢ / ٤٩٥ رقم ٣٢٦٢ ؛ التاريخ الكبير ٤ / ٣٠٧ رقم ٢٩٣٠ ؛ معرفة الثقات ١ / ٤٦٨ ؛ الجرح والتعديل ٤ / ٤٢٣ ؛ مشاهير علماء الأمصار / ٢١٦ ؛ تهذيب الكمال ١٣ / ١٨٦ رقم ٢٨٨٢ ؛ سير أعلام النبلاء ٥ / ٣٦٤ ، رقم ١٦٥.

(٤) عدّه الكشي من رجال العامة الذين لهم ميل ومحبة شديدة إلى أهل البيت عليهم‌السلام ، انظر : اختيار معرفةالرجال / ٣٩٠ ، رقم ٧٣٣ ؛ معجم رجال الحديث ١٨ / ٢٩٣ ؛ وانظر ترجمته في : تهذيب الكمال ٢٦ / ٥٠٧ ، رقم ٥٦٣٢ ؛ سير أعلام النبلاء ٥ / ٣٥٣ ، رقم ١٦٣.

٣١٤

أهله وإخوته ، إنّما هو رجل يحرك قلبه بذكر الأموات كلّما عرضت له قسوة ، جعل محمد بن المنكدر بعد يمرّ بي فيأتي البقيع ، فسلمت عليه ذات يوم ، فقال : أما نفعتك موعظتك موعظة صفوان ، قال : فظننت أنه انتفع بما ألقيت إليه منها (١).

حديث مالك بن أنس بالبقيع

روى أبو يعلى عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه شهد باباً من بقيع الغرقد كان قاعداً خلق خلفه ، فيهم أنس بن مالك ، قال : فسمعته يذكر من صفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان في ما ذكر أن قال : تنبّأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ابن أربعين ، فمكث بمكة عشراً ، وبالمدينة عشراً ، وتوفي وهو ابن ستين ، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء (٢).

حديث يزيد بن هارون بالبقيع

جاء في عيون الأثر وتاريخ بغداد عن المفضل بن غسان : حضرت يزيد بن هارون في سنة ثلاث وتسعين ومائة بالمدينة ، وهو يحدّث بالبقيع ، وعنده ناس من أهل المدينة يسمعون منه ، حتى حدثهم عن محمد بن اسحاق ، فأمسكوا وقالوا : لا تحدثنا عنه! نحن أعلم به ، فذهب يزيد يحاولهم فلم يقبلوا! (٣).

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق ٢٤ / ١٣٢ ؛ سير أعلام النبلاء ٥ / ٣٦٦ ؛ تهذيب الكمال ١٣ / ١٨٩.

(٢) مسند أبي يعلى ٦ / ٣١٩.

(٣) عيون الأثر ١ / ٢٠ ؛ تاريخ بغداد ١ / ٢٤١.

٣١٥

قصة غريبة

ذكر الشيخ الكليني باسناده عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم أن رجلاً من أهل نجران اليمن من الرهبان ومعه راهبة جاء إلى الامام أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام ، فسألا الامام سؤالات عديدة ، إلى أن ذكر الراهب قصة ذهابه إلى الهند ، وارشاد العالم الهندي إياه أن يأتي المدينة المنورة ، لكي يدرك محضر الإمام موسى ابن جعفر الكاظم عليه‌السلام ، إلى أن قال :

فقال لي : ما أرى أمك حملت بك إلا وقد حضرها ملك كريم ، ولا أعلم أن أباك حين أراد الوقوع بأمك إلا وقد اغتسل وجاءها على طهر ، ولا أزعم إلا أنه كان درس السفر الرابع من سحره ذلك ، فختم له بخير ، ارجع من حيث جئت ، فانطلق حتى تنزل مدينة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله التي يقال لها : طيبة ، وقد كان اسمها في الجاهلية يثرب ، ثمّ اعمد إلى موضع منها يقال له البقيع ، ثمّ سل عن دار يقال لها دار مروان فأنزلها ، وأقم ثلاثاً ، ثمّ سل الشيخ الأسود الذي يكون على بابها يعمل البواري ، وهي في بلادهم اسمها الخصف ، فتلطف بالشيخ ، وقل له : بعثني إليك نزيلك الذي كان ينزل في الزاوية في البيت الذي فيه الخشيبات الأربع ، ثمّ سله عن فلان بن فلان الفلاني ، وسله أين ناديه ، وسله أي ساعة يمرّ فيها فليريك .. (١).

رؤيا بعض الصالحين

روى الشهيد الثاني عن كتاب «النوم والرؤيا» لأبي صقر الموصلي ، عن من يثق بدينه وفهمه ، قال : أتيت المدينة ليلاً ، فنمت في بقيع الغرقد بين أربعة قبور ، عندها قبر محفور ، فرأيت في منامي أربعة أطفال ، قد خرجوا من تلك القبور ، وهم يقولون :

__________________

(١) الكافي ١ / ٤٨٢ ؛ مدينة المعاجز ٦ / ٣٠٦ ؛ بحار الأنوار ٤٨ / ٩٤.

٣١٦

أنعم الله بالحبيبة عيناً

وبمسراك يا أميم إلينا

عجباً ما عجبت من ظغطة

القبر ومغداك يا أميم إلينا

فقلت : إنّ لهذه الأبيات لشأناً ، وأقمت حتى طلعت الشمس ، وإذا جنازة قد أقبلت ، فقلت : من هذه؟ فقالوا : امرأة من أهل المدينة ، فقلت : إسمها أميمة؟ قالوا : نعم ، قلت : قدمت فرطاً؟ قالوا : أربعة أولاد ، فأخبرتهم بالخبر ، فأخذوا يتعجبون من هذا (١).

الملحمة الآتية

روى ابن حماد عن الوليد بن مسلم أنه قال : إذا غلبت قضاعة وظهرت على المغرب ، فأتى صاحبهم بني العباس ، فيدخل ابن اختهم الكوفة مع من معه فيخربها ، ثم تصيبه بها قرحة ، ويخرج منها يريد الشام ، فيهلك بين العراق والشام ، ثمّ يولون عليهم رجلاً من أهل بيته ، فهو الذي يفعل بالناس الأفاعيل ، ويظهر أمره ، وهو السفياني ، ثمّ يجتمع العرب عليه بأرض الشام ، فيكون بينهم قتال ، حتى يتحوّل القتال إلى المدينة ، فتكون الملحمة ببقيع الغرقد (٢).

سائر الأحداث

هناك أحداث عديدة ذكرها المؤرخون ، مثل :

قصة جعدة السلمي الذي كان يخرج مع النساء إلى البقيع ويتحدث اليهنّ حتى كتب بعض الغزاة إلى عمر يشكو ذلك ، فأخرجه (٣).

__________________

(١) مسكن الفؤاد ، الشهيد الثاني / ٤٤ ؛ بحار الأنوار ٧٩ / ١٢٢.

(٢) كتاب الفتن / ١٧٦ ؛ معجم أحاديث الامام المهدي ١ / ٤١٥.

(٣) فتح الباري ١٢ / ١٤١.

٣١٧

وما جرى من الكلام في البقيع حين فتح نهاوند (١).

وبعض ما جرى في عهد عثمان (٢).

واختباء زوجة عبد الوهاب بن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عند أسماء بنت حسين بن عبد الله بن عبد الله بن عباس بالبقيع (٣).

ومحادثة عبد الله بن أبي بكر مع موسى بن عمران بن مناج بالبقيع حول سرية الفلس (٤).

ونزول الحسين بن عبد الله بن ضمرة بن أبي ضميرة سعيد الحميري مولى آل ذي يزن بالبقيع باستمرار (٥).

وغيرها (٦).

وغيرها نضرب عنها ، التماساً للإختصار ، أو لعدم الداعي إلى ذكر الكل.

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٢ / ٣٥٧.

(٢) تاريخ مدينة دمشق ٥٥ / ٢٧٦.

(٣) تاريخ الأمم والملوك (الطبري) ٦ / ١٩٠.

(٤) تاريخ مدينة دمشق ٦٩ / ١٩٤.

(٥) الإكمال في ذكر من له رواية في مسند الإمام أحمد من الرجال / ٩٨ ؛ تعجيل المنفعة / ٩٦.

(٦) انظر : تاريخ الأمم والملوك (الطبري) ٦ / ٢٣١ ؛ تاريخ مدينة دمشق ٤٠ / ٢٧٩ و ٥٠ / ٢٧٦ ؛ كتاب الثقات ٢ / ٢١٨.

٣١٨

البقيع في الشعر العربي

١ ـ أبيات الرثاء

وعج على أرض البقيع الذي

ترابه يجلو قذى الناظر

بلِّغَنْ عنّي سكانه

تحية كالمثل الساير

قوم هم الغاية في فضلهم

فالأول السابق كالآخر

هم الأولى شادوا بناء العلى

بالأسمر الذابل والباتر

وأشرقت في المجد أحسابهم

إشراق نور القمر الباهر (١)

إنّ علاقة آل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والبقيع شىء عجيب ، ولعلّها بدأت منذ بناء أمير المؤمنين عليه‌السلام بيت الأحزان فيه ، وكانت فاطمة الزهراء عليها‌السلام تذهب إليه وتبكي فيه ، وذلك بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. (٢)

وبعد وقوع وقعة الطف ، واستشهاد سبط الرسول وريحانته الحسين بن علي

__________________

(١) كشف الغمة ٢ / ٣٦٦.

(٢) انظر : بحار الأنوار ٤٣ / ١٧٧.

٣١٩

ابن أبي طالب عليه‌السلام والشهداء معه في كربلاء ، نرى دوراً بارزاً آخرَ لأم البنين فاطمة الكلابية ، زوجة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، في البقيع ، قال أبو الفرج الإصفهاني : إنها كانت تخرج إلى البقيع فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها ، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها ، فكان مروان يجيء لذلك ، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي! (١).

ومن أجل ذلك جاء دور الشعر والقريحة السليمة في إبراز ما في ضمير قائله ، ومن جملة من قالوا الشعر في ذلك :

ام كلثوم

قالت أم كلثوم بنت أمير المؤمنين علي عليه‌السلام حينما توجهت إلى المدينة ، جعلت تبكي وتقول :

مدينة جدّنا لا تقبلينا

فبالحسرات والأحزان جينا

ألا فاخبر رسول الله عنّا

بأنّا قد فُجعنا في أبينا

وان رجالنا بالطّف صرعى

بلا رؤس وقد ذبحوا البنينا

إلى ان قالت :

وعرّج بالبقيع وقف وناد

أيا ابن حبيب رب العالمينا

وقل يا عمّ يا حسن المزكّى

عيال أخيك أضحوا ضائعينا

أيا عمّاه أنّ أخاك أضحى

بعيداً عنك بالرمضا رهينا (٢)

حسان بن ثابت

وقال حسان بن ثابت يبكي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

__________________

(١) مقاتل الطالبيين / ٨٥ ؛ مقتل الحسين / ١٨١.

(٢) بحار الأنوار ٤٥ / ١٩٧ ؛ العوالم ١٧ / ٤٢٣ ؛ ينابيع المودة ٣ / ٩٤ ؛ الأيام الشامية / ٤٥٤.

٣٢٠