بقيع الغرقد

الشيخ محمّد أمين الأميني

بقيع الغرقد

المؤلف:

الشيخ محمّد أمين الأميني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٠

أنها عليها‌السلام أوصت إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يدفنها ليلاً ، لئلا يصلي عليها من آذاها ومنعها ميراثها من أبيها صلوات الله عليه ، مع أنّ العامة رووا في صحاحهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «إنّما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ، ويغضبني ما أغضبها (١)» (٢).

إنّ المأساة أعظم من قضية مطالبتها بإرثها فحسب ، وإن كانت هي جزء من ظلامتها ، ولكن الأعظم هو موقفها الرسالي للدفاع عن أمر الولاية وإثبات ظلم ظالميها إلى أبد الدهر ، كما يظهر ذلك في احتجاجها على مخالفيها ، فتكون المسألة أكبر من مطالبتها بحقها الشخصي.

وكيف ماكان ، فالأقوال في موضع دفنها عليها‌السلام ثلاثة :

١ ـ البقيع

روى ابن شبة اخباراً دالة على الدفن بالبقيع ، منها ما رواه عن محمد بن علي ابن عمر : أنه كان يقول : قبر فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زاوية دار عقيل اليمانية الشارعة في البقيع (٣).

وروى الطبري : .. سألت ابن عباس متى دفنتم فاطمة؟ قال : دفناها ليلاً بعد هدأة ، قلت : فمن صلّى عليها؟ قال : علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، قال ابن عمر : وسألت

__________________

(١) انظر : صحيح البخاري ٤ / ٢١٠ و ٢١٩ ، باب مناقب المهاجرين وفضلهم ؛ صحيح مسلم ٧ / ١٤١ ، باب فضائل فاطمة بنت النبي ؛ سنن الترمذي ٥ / ٣٦٠ ؛ باب ما جاء في فضل فاطمة ؛ فضائل الصحابة ، النسائي / ٧٨ ؛ مصنف بن أبي شيبة ٧ / ٥٢٦ ؛ الآحاد والمثاني ٥ / ٣٦١ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٥٨ ، ١٥٩ ؛ السنن الكبرى ، النسائي ٥ / ٩٧ ؛ المعجم الكبير ٢٢ / ٤٠٤ ؛ السنن الكبرى ، البيهقي ١٠ / ٢٠١ ؛ الجامع الصغير ٢ / ٢٠٨ ؛ كنز العمال ١٢ / ١٠٦ ، ح ٣٤٢١٥ ؛ ارواء الغليل ٨ / ٢٩٤ و.. (بتفاوت يسير).

(٢) مدارك الأحكام ٨ / ٢٧٩.

(٣) تاريخ المدينة المنورة ١ / ١٠٥.

١٨١

عبد الرحمن بن أبي الموالي ، قلت : إنّ الناس يقولون : إنّ قبر فاطمة عند المسجد الذي يصلون إليه على جنائزهم بالبقيع ، فقال : والله ما ذلك إلى مسجد رقية ، يعني امرأة عمرته ، وما دفنت فاطمة عليها‌السلام إلا في زاوية دار عقيل ، مما يلي دار الجحشيين مستقبل خوخة بني نبيه من بني عبد الدار بالبقيع ، وبين قبرها وبين الطريق سبعة أذرع (١).

وعن عبد الله بن حسن قال : وجدت المغيرة بن عبد الرحمن واقفاً ينتظرني بالبقيع نصف النهار في حرّ شديد ، فقلت : ما يوقفك يا أبا هاشم هاهنا؟ قال : انتظرتك ، بلغني أن فاطمة دفنت في هذا البيت في (زاوية) دار عقيل مما يلي دار الجحشيين ، فأحب أن تبتاعه لي بما بلغ أدفن فيها ، فقال عبد الله : والله لأفعلنّه ، قال : فجهد بالعقيليين ، فأبوا. قال عبد الله بن جعفر : وما رأيت أحداً يشك أنّ قبرها في ذلك الموضع (٢).

وقال أبو علي محمد بن همام الكاتب الإسكافي : وتوفيت عليها‌السلام ولها ثماني عشرة سنة وخمسة وسبعون يوماً ، فدفنها بالبقيع ليلاً ، وعفي قبرها ، ولم يحضرها غير أمير المؤمنين والحسن والحسين والعباس بن عبد المطلب ، ويقال : (دفنت) إلى جانب صدر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخبر البقيع أصحّ وأثبت ، فلمّا أصبح الناس قال بعضهم لبعض : يا قوم ، تموت فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا نحضرها؟ فخرج الناس إلى البقيع يطلبون قبرها ، وأظهر الله في الموضع سبعين قبراً ، لم يدروا قبرها من القبور ، فرجعوا (٣).

قال الشيخ المفيد في المزار : تقف على قبرها بالبقيع ، وهو القبر الذي فيه

__________________

(١) المنتخب من ذيل المذيل / ٩١ ؛ الطبقات الكبرى ٨ / ٣٠ ؛ الاصابة ٨ / ٢٦٨.

(٢) الطبقات الكبرى ٨ / ٣٠ ؛ المنتخب من ذيل المذيل ٩١.

(٣) منتخب الانوار / ٤٩.

١٨٢

ولدها الحسن عليه‌السلام ، وتقول : السلام عليك يا ممتحنة .. (١).

وقال ابن ادريس : روي أنهامدفونة بالبقيع ، ويعرف ببقيع الفرقد (٢).

وقال المسعودي : وتولّى غسلها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، ودفنها ليلاً بالبقيع ، وقيل غيره ، ولم يؤذن بها أبوبكر ، وكانت مهاجرة له منذ طالبته بإرثها من أبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله من فدك وغيرها ، وما كان بينهما من النزاع في ذلك ، إلى أن ماتت. (٣)

وفي رواية : لما دفنها أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وعفى على موضع قبرها بيده ، ثمّ قام فحوّل وجهه إلى قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : «السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك من ابنتك وحبيبتك وقرة عينك وزائرتك ، والبائنة في الثرى ببقيعك (٤) ..» (٥).

وقال الشبراوي : وتولّى غسلها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضى الله عنه ودفنها ليلاً بالبقيع ، وقيل غيره (٦).

وعن المناقب : توفيت عليها‌السلام ليلة الأحد لثلاث عشرة خلت من شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة من الهجرة ، ومشهدها بالبقيع ، وقالوا : انها دفنت في بيتها ، وقالوا : قبرها بين قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومنبره (٧).

وفي كشف الغمة : فغسلوها وكفّنوها وحنّطوها وصلّوا عليها ليلاً ودفنوها بالبقيع ، وماتت بعد العصر .. (قال الأربلى) قلت : الظاهر المشهور مما نقله الناس

__________________

(١) المزار / ١٧٨.

(٢) السرائر ١ / ٦٥٢.

(٣) التنبيه والاشراف / ٢٤٩.

(٤) وجاء في بعض النسخ : ببقعتك.

(٥) شرح الأخبار ٣ / ٧٠ ؛ دلائل الإمامة ١٣٨ ؛ بحار الأنوار ٤٣ / ٢١١.

(٦) التنبيه والأشراف / ٢٥٠.

(٧) بحار الأنوار ٤٣ / ١٨٠ ، ح ١٦.

١٨٣

وارباب التواريخ والسير انها عليها‌السلام دفنت بالبقيع (١).

وقال ابن كثير : عاشت بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ستة أشهر ، ودفنت ليلاً ، ويقال : إنها لم تضحك في مدة بقائها بعده عليه‌السلام ، وأنها كانت تذوب من حزنها عليه وشوقها إليه .. ودفنت بالبقيع (٢).

وفي عيون المعجزات : وروي أن فاطمة عليها‌السلام توفيت ولها ثماني عشرة سنة وشهران ، وأقامت بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة وسبعين يوماً ، وروي أربعين يوماً ، وتولّى غسلها وتكفينها أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وأخرجها ومعه الحسن والحسين عليهما‌السلام في الليل ، وصلّوا عليها ، ولم يعلم بها أحد ، ودفنها في البقيع ، وجدّد أربعين قبراً ، فاشتكل على الناس قبرها ، فأصبح الناس ولام بعضهم بعضا وقالوا : إنّ نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله خلّف بنتاً ولم نحضر وفاتها والصلاة عليها ودفنها ، ولا نعرف قبرها فنزورها .. (٣).

وعن مصباح الأنوار عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : دفن أمير المؤمنين عليه‌السلام فاطمة بنت محمد صلوات الله عليه بالبقيع ، ورشّ ماء حول تلك القبور لئلا يعرف القبر .. (٤).

وعن المسعودي : .. وعلى قبورهم (٥) في هذا الموضع من البقيع رخامة مكتوب عليها : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله مبيد الأمم ، ومحيي الرمم ، هذا قبر فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سيدة نساء العالمين ، وقبر الحسن بن علي بن أبي طالب ، وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، رضي‌الله‌عنهم. (٦)

__________________

(١) كشف الغمة ٢ / ١٢٣ ؛ بحار الأنوار ٤٣ / ١٨٧.

(٢) البداية والنهاية ٦ / ٣٦٧.

(٣) عيون المعجزات ٤٧ ـ ٤٨ ؛ بحار الأنوار ٤٣ / ٢١٢.

(٤) بحار الأنوار ٨١ / ٢٥٥ ، ح ١٥.

(٥) أي أئمة البقيع.

(٦) الأنوار البهية في تواريخ الحجج الإلهية ، الشيخ عباس القمي / ١٧٤.

١٨٤

وفي اثبات الوصية : ودفن (اي الأمام الحسن المجتبى عليه‌السلام) بالبقيع ، مع سيدة النساء أمّه فاطمة في قبر واحد (١).

وعن بعض كتب المناقب القديمة : .. فلما أرادوا ان يدفنوها نودوا من بقعة من البقيع : إليّ اليّ ، فقد رفع تربتها منّي ، فنظروا فإذا هي بقبر محفور ، فحملوا السرير إليها فدفنوها .. (٢).

وروى ابن حمزة عن علي بن أسباط ، قال : ذهبت إلى الرضا عليه‌السلام في يوم عرفة ، فقال لي : اسرج لي حماري ، فاسرجت له حماره ، ثمّ خرج من المدينة إلى البقيع يزور فاطمة عليها‌السلام ، فزار وزرت معه .. (٣).

ويظهر من صاحب الحدائق اختيار ذلك ، حيث إنه بعد ذكر هذا الخبر : «فلما قضت نحبها وهم في جوف الليل أخذ علي عليه‌السلام في جهازها من ساعته ، واشعل النار في جريد النخل ، ومشى مع الجنازة بالنار حتى صلى عليها ودفنها ليلاً» ، قال : .. ويفهم من هذين الخبرين أنّ قبرها عليها‌السلام ليس في البيت كما هو أحد الأقوال ، بل ربما أشعرت بكونه في البقيع ، كما قيل أيضاً (٤).

ورجحه أيضاً البكري الدمياطي (٥) ، وأحمد بن عبد الله الطبري (٦) والسيد محمد بن علوي المالكي (٧).

قال المرندي : وفي مناقب ابن شهراشوب أن مضجع فاطمة في البقيع ، يعني

__________________

(١) اثبات الوصية ، المسعودي / ١٣٨.

(٢) بحار الأنوار ٤٣ / ٢١٥.

(٣) الثاقب في المناقب / ٤٧٣ ؛ مدينة المعاجز ٧ / ٢٣٠.

(٤) الحدائق الناضرة ٤ / ٨٤.

(٥) حاشية إعانة الطالبين ٢ / ٣٥٧.

(٦) ذخائر العقبى / ٥٤.

(٧) البشرى في مناقب خديجة الكبرى / ٣٥.

١٨٥

بيت الأحزان (١).

هذا ، ولكن لا يمكن الإعتماد على شيء منها ، ويأتي نفي هذا الإحتمال عن أهل البيت الذين هم أدرى بما في البيت ، وأما ما روي عن الباقر عليه‌السلام فمبتلى بالإرسال ، فلايتم الإحتجاج به.

قال الشيخ الطوسي : وأما من قال : إنها دفنت بالبقيع فبعيد من الصواب (٢).

٢ ـ الروضة

نجد بعض الأخبار تلمح أو تدل على دفنها عليها‌السلام بالروضة الشريفة ، وإليك بعضها

منها : ما روي في مرسلة ابن أبي عمير عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ، ومنبري على ترعة من ترع الجنة» ، لأنّ قبرها روضة من رياض الجنة ، وإليه ترعة من ترع الجنة» (٣).

ومنها : ما رواه الطبري عن محمد بن همام أنّ عليّاً عليه‌السلام اخرجها عليها‌السلام إلى البقيع ، وصلّى عليها ، ودفنها بالروضة ، وعمى موضع قبرها (٤).

ويظهر من الشيخ الطوسي في المبسوط أنه مال إلى ذلك ، حيث قال : ويستحب أن يصلى ما بين القبر والمنبر ركعتين ، فإنّ فيه روضة من رياض الجنة (٥) ، وقد روي : أنّ فاطمة عليها‌السلام مدفونة هناك ، وقد روي : أنها مدفونة في بيتها ،

__________________

(١) مجمع النورين / ١٥٨.

(٢) تهذيب الأحكام ٦ / ٩ ؛ بحار الأنوار ٩٧ / ١٩٢.

(٣) معانى الأخبار ، الصدوق / ٢٦٧ ، ح ١ ؛ عنه البحار ١٠٠ / ١٩٢ ح ٣.

(٤) دلائل الأمامة ٤٦ ؛ عنه البحار ٤٣ / ١٧١.

(٥) انظر : روضة الواعظين ١٥٢.

١٨٦

وقد روي : أنها مدفونة بالبقيع ، وهذا بعيد ، والروايتان الأوليان أشبه وأقرب إلى الصواب ، وينبغي أن يزور فاطمة عليها‌السلام من عند الروضة (١).

وقال أيضاً في المصباح : والذي عليه أكثر أصحابنا : أنّ زيارتها من عند الروضة ، ومن زارها في هذه الثلاث المواضع كان أفضل (٢).

وقال العلامة الحلي في الإرشاد : ويستحب زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مؤكداً ، وزيارة فاطمة عليها‌السلام من الروضة (٣). وبه قال السبزواري أيضاً (٤).

ويظهر من يحيى بن سعيد الحلي أيضاً : اختيار موضع دفنها بالروضة (٥).

هذا ، ولكن الشهيد الثاني لم يرتض ذلك ، وجعله أبعد الإحتمالات (٦).

وقيل : إنّ في الأخبار أيضاً ما يدل بظاهره على أنّ مابين الروضة إلى البقيع من رياض الجنة (٧) ،

أقول : لم نعثر عليه ، ومن المعلوم أنه متبرك بأقدام النبي وعترته عليهم‌السلام.

٣ ـ بيت فاطمة عليها‌السلام :

قال الصدوق رحمه‌الله : اختلفت الروايات في موضع قبر فاطمة سيدة نساء العالمين عليها‌السلام ، فمنهم من روى : أنها دفنت في البقيع ، ومنهم من روى أنها دفنت بين القبر والمنبر ، وأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما قال : «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض

__________________

(١) المبسوط ١ / ٣٨٦.

(٢) مصباح المتهجد ٧١١.

(٣) ارشاد الأذهان ١ / ٣٣٩.

(٤) ذخيرة المعاد ٣ / ٧٠٧.

(٥) الجامع للشرائع ٢٣١.

(٦) مسالك الافهام ٢ / ٣٨٣ ؛ كشف اللثام ٦ / ٢٧٥.

(٧) ذخيرة المعاد ١ ، ق ٢ / ٢٤٨.

١٨٧

الجنة» ، لأنّ قبرها بين القبر والمنبر ، ومنهم من روى أنها دفنت في بيتها ، فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد ، وهذا هو الصحيح عندي (١).

وقال الشيخ الطوسي رحمه‌الله : وقد اختلف اصحابنا في موضع قبرها ، فقال بعضهم : إنها دفنت بالبقيع ، وقال بعضهم : دفنت بالروضة ، وقال بعضهم : إنها دفنت في بيتها ، فلما زاد بنو امية لعنهم الله في المسجد صارت من جملة المسجد ، وهاتان الروايتان كالمتقاربتين ، والأفضل عندي أن يزور الإنسان من الموضعين جميعاً ، فإنّه لايضره ذلك ، ويحوز به أجراً عظيماً ، وأما من قال إنها دفنت بالبقيع فبعيد من الصواب (٢).

وقال ابن ادريس : .. وقد روي : أنها مدفونة في بيتها ، وهو الأظهر في الروايات (٣).

وقال صاحب المدارك : والأصح أنها دفنت في بيتها (٤).

وقال السيد ابن طاووس : وتزار .. عند حجرة النبي عليه‌السلام لمن حضر هناك .. وقد ذكر جامع كتاب المسائل واجوبتها من الأئمة عليهم‌السلام فيها ماسئل عنه مولانا علي ابن محمد الهادي عليه‌السلام ، فقال فيه ما هذا لفظه : أبوالحسن إبراهيم بن محمد الهمداني قال : كتبت إليه : إني رأيت أن تخبرني عن بيت أمّك فاطمة عليها‌السلام ، أهي في طيبة (اي المدينة) ، أو كما يقول الناس في البقيع؟ فكتب : «هي مع جدّي صلوات الله عليه وآله» (٥) ، قلت أنا : وهذا النصّ كاف في أنها عليها‌السلام مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٦).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٥٧٢ ؛ تفصيل وسائل الشيعة ١٤ / ٣٦٩.

(٢) تهذيب الأحكام ٦ / ٩.

(٣) السرائر ١ / ٦٥١.

(٤) مدارك الاحكام ٨ / ٢٧٩.

(٥) مستدرك الوسائل ١٠ / ٢١٠.

(٦) اقبال الأعمال ، السيد ابن طاووس ٣ / ١٦١ ؛ عنه البحار ٩٧ / ١٩٨ ، ح ١٨.

١٨٨

وقال : والظاهر أن ضريحها المقدس في بيتها المكمل بالآيات والمعجزات ، لأنها أوصت أن تدفن ليلاً ، ولا يصلي عليها من كانت مهاجرة لهم إلى حين الممات ، وقد ذكر حديث دفنها وستره عن الصحابة البخاري ومسلم في ما شهدا أنه من صحيح الروايات ، ولو كان قد أخرجت جنازتها الطاهرة إلى بقيع الغرقد أو بين الروضة والمنبر في المسجد ما كان يخفي آثار الحفر والعمارة عمن كان قد أراد كشف ذلك بأدنى اشارة ، فاستمرار ستر حال ضريحها الكريم يدل على أنها ما أخرجت من بيتها أو حجرة والدها الرؤوف الرحيم ، ويقتضي أن يكون دفنها في البيت الموصوف بالتعظيم .. وقد فضح الله جل جلاله بدفنها ليلاً على وجه المساترة عيوب من أحوجها إلى ذلك الغضب الموافق لغضب جبار الجبابرة ، وغضب أبيها صلوات الله عليه صاحب المقامات الباهرة ، إذ كان سخطها سخطه ورضاها رضاه ، وقد نقل العلماء : أنّ أباها عليه‌السلام قال : «فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها» .. ولقد انقطعت اعذار المتعذرين وحيلة المحتالين بدفنها ليلاً ، ودعواهم أنّ أهل بيت النبي صلوات الله عليه وعلى عترته الطاهرين كانوا موافقين لمن تقدم عليهم من المتقدمين .. (١).

وروى الحميرى عن البزنطي قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ايّ مكان دفنت؟ فقال : سأل رجل جعفراً عن هذه المسألة وعيسى ابن موسى حاضر ، فقال له عيسى : دفنت في البقيع! فقال الرجل : ما تقول؟ فقال : قد قال لك! فقلت له : أصلحك الله ، ما أنا وعيسى بن موسى؟ أخبرني عن آبائك ، فقال : «دفنت في بيتها» (٢).

__________________

(١) اقبال الأعمال ٣ / ١٦٣.

(٢) قرب الاسناد ٣٦٧ ، ح ١٣١٤ ؛ عنه بحار الأنوار ٢ / ١٠٠ ح ١٩٣ و ٩٧ / ١٩٢ ؛ مستدرك الوسائل ١٠ / ٢١١.

١٨٩

وروى مضمونه الصدوق في العيون بعدة طرق عن البزنطي عنه عليه‌السلام (١) ، وإليه مال في المعاني (٢).

أقول : الظاهر أن المراد من عيسى بن موسى هو عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ، الذي كان ولي العهد ، ثمّ تحيل عليه المنصور فأخّره (٣).

وعن السمهودي في وفاء الوفا عن جعفر الصادق عن ابيه عليهما‌السلام : «ان علياً دفن فاطمة عليها‌السلام ليلاً في منزلها الذي دخل في المسجد ، فقبرها عند باب المسجد ، المواجه دار أسماء بنت حسين بن عبد الله (في وقته) ، وهو الباب الذي كان في شامي باب النساء في المشرق (٤).

وروى ابن شبة عدة روايات تدل على كون موضع قبرها في بيتها (٥).

وقال السيد محسن الأمين : واختلف في موضع دفنها ، فقيل دفنت في بيتها ، وهو الأصح الذي يقتضيه الإعتبار (٦).

وذكر الشيخ الميرزا أبوالحسن الشعراني وجهاً عقلياً في توجيه ذلك ، حيث

__________________

(١) عيون الخبار الرضا عليه‌السلام ١ / ٣١١ ، باب ٢٦ ، ح ٧٦.

(٢) معاني الأخبار / ٢٦٨.

(٣) قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ٧ / ٣٢٩ ، رقم ١١٦٥ : عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ، ولي العهد ، أبو موسى الهاشمي ، عاش خمساً وستين سنة ، وكان فارس بني العباس وسيفهم المسلول ، جعله السفاح ولي عهد المؤمنين! بعد المنصور ، وهو الذي انتدب لحرب ابني عبد الله بن حسن ، فظفر بهما ، وقتلا ، وتوطدت الدولة العباسية به ، وقد تحيّل عليه المنصور بكلّ ممكن ، حتّى أخّره ، وقدم في العهد عليه المهدي ، فيقال : بذل له بعد الرغبة والرّهبة عشرة آلاف ألف درهم! ، توفي سنة ثمان وستين ومائة بالكوفة ، وله أولاد وأموال وحشمة وشأن.

(٤) في رحاب النبي وآله / ١٧٦.

(٥) اخبار المدينة المنورة ١ / ١٠٦ ، ١٠٧ ، ١٠٨.

(٦) أعيان الشيعة ١ / ٣٢٢.

١٩٠

قال : قوله «دفنت في بيتها» هو الأظهر في العقل أيضاً ، لأنّ الدفن في البيت كان معهوداً متداولاً ، .. وكان دفنها في بيتها صلوات الله عليها أوفق بهذا الغرض ، وأما الدفن في الروضة وهو من المسجد فغير معقول في ذلك العصر وبعده ، وأما البقيع فلم يكن حاجة إليه ، ولم يكن يوافق غرض الإخفاء ، ولم يرد إلا في بعض روايات ضعيفة لا اعتماد عليها (١).

خلاصة الكلام

الحاصل : أن بعض العلماء لم يرجح أحد الأقوال الثلاثة (٢) ، وقال باستحباب زيارتها في المواضع الثلاثة ، ومنهم ابن حمزة الطوسي (٣) ، والشهيد الأول (٤) ، وابن طي الفقعاني (٥) ، والمحقق الكركي (٦) ، والنراقي (٧) ، وصاحب الجواهر (٨) ، والطبسي (٩).

وبعضهم نفى القول بدفنها بالبقيع ، وقال باستحباب زيارتها في الموضعين ، أي الروضة والبيت ، كالشيخ الطوسي في التهذيب (١٠) ، واستبعد ذلك أيضاً الشيخ الطوسي

__________________

(١) هامش شرح أصول الكافي ٧ / ٢١٤.

(٢) تاريخ الأئمة / ٣١ ؛ مناقب آل أبي طالب ٣ / ١٣٢.

(٣) الوسيلة ، ابن حمزة الطوسي / ١٩٧.

(٤) الدروس الشرعية ٢ / ٦ ، ٢٠.

(٥) الوسيلة ، ابن حمزة الطوسي / ١٩٧.

(٦) الدروس الشرعية ٢ / ٦ ، ٢٠.

(٧) مستند الشيعة ١٣ / ٣٣٥ (حيث إنّه وان رأى صحة خبر البزنطي الدال على الدفن ببيتها ، إلا أنه يرى أن في اثبات أمثال تلك الأمور الواقعية بأخبار الآحاد نظر).

(٨) جواهر الكلام ٢٠ / ٨٦.

(٩) ذخيرة الصالحين ٤ / ٢٠٥ ، قال : والله إني متحير في تعيين قبرها ، ومحل زيارتها في أي مكان هو ، ومن أعظم المصائب خفاء قبرها.

(١٠) تهذيب الأحكام ٦ / ٩.

١٩١

في النهاية والمبسوط ، والعلامة الحلي في التحرير والمنتهى ، وابن ادريس وسعيد (١).

وقال الطبرسي : والأصح والأقرب أنها مدفونة في الروضة أو في بيتها ، فمن استعمل الاحتياط إذا أراد زيارتها وزارها في المواضع الثلاثة كان أولى وأصوب ، والله أعلم (٢) ، وقال نحوه في اعلام الورى أيضاً (٣).

ويظهر من بعضهم القول بدفنها بالبقيع ، كالإسكافي (٤) والمفيد (٥).

وبعضهم مال إلى دفنها بالروضة الشريفة ، كالشيخ الطوسي (٦) ، ونسبها إلى أكثر الأصحاب (٧) والمحقق (٨) الحلي (٩) ، والعلامة الحلي في الإرشاد (١٠) ، ويحيى ابن سعيد (١١) ، وابن فهد الحلي (١٢) ، والسبزواري (١٣) ، بينما استبعد الشهيد الثاني ذلك ،

__________________

(١) كشف اللثام ٦ / ٢٧٥.

(٢) تاج المواليد / ٢٣.

(٣) اعلام الورى ١ / ٣٠١.

(٤) منتخب الانوار / ٥٠.

(٥) المزار ١٧٨.

(٦) المبسوط ١ / ٣٨٦ ؛ مصباح المتهجد ٧١١.

(٧) مصباح المتهجد ٧١١.

(٨) مستند الشيعة ١٣ / ٣٣٥.

(٩) مسالك الأفهام ٢ / ٣٨٣ ؛ قال الشهيد الثاني في شرح عبارة المحقق في الشرائع : «يستحب أن تزار فاطمة عليها‌السلام من عند الروضة» : الروضة جزء من مسجده صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو ما بين قبره الشريف ومنبره إلى طرف الظلال ، وقد روي أن قبرها عليها‌السلام بالروضة ، فلذلك استحب المصنف زيارتها من عندها ، ويظهر من تخصيصها اختياره ذلك.

(١٠) ارشاد الأذهان ١ / ٣٣٩.

(١١) مصباح المتهجد ٧١١.

(١٢) مستند الشيعة ١٣ / ٣٣٥.

(١٣) مسالك الأفهام ٢ / ٣٨٣ ؛ قال الشهيد الثاني في شرح عبارة المحقق في الشرائع : «يستحب أن تزار فاطمة عليها‌السلام من عند الروضة» : الروضة جزء من مسجده صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو ما بين قبره الشريف ومنبره إلى طرف الظلال ، وقد روي أن قبرها عليها‌السلام بالروضة ، فلذلك استحب المصنف زيارتها من عندها ، ويظهر من تخصيصها اختياره ذلك.

١٩٢

وجعله أبعد الإحتمالات (١) ، ووافقه الطبسي (٢).

وبعضهم قال أو رجح القول بدفنها في بيتها ، كالكليني (٣) ، والشيخ الصدوق (٤) ، وابن ادريس (٥) ، والمحقق الأردبيلي (٦) ، وصاحب المدارك (٧) ، والمحدث البحراني (٨) ، وصاحب الرياض (٩) ، والسيد الأمين (١٠) ، والسيد الحكيم (١١) ، وهو المختار.

ومع ذلك ، فإستتار قبرها علامة مظلوميتها ، وأصبحت وسيلة لإثارة العقول ، ولعله يستمر ذلك إلى يوم القيامة.

ولنختم القول بما أنشده الشيخ كاظم الأزري :

ولأيّ الأمور تدفن سرّا

بضعة المصطفى ويعفى ثراها (١٢)

__________________

(١) مسالك الافهام ٢ / ٣٨٣.

(٢) ذخيرة الصالحين ٤ / ٢٠٥.

(٣) شرح أصول الكافي ٦ / ١٥٨.

(٤) من لايحضره الفقيه ٢ / ٥٧٢ ؛ مسالك الافهام ٢ / ٣٨٣ ؛ مدارك الأحكام ٨ / ٢٧٨.

(٥) السرائر ١ / ٦٥١.

(٦) مجمع الفائدة ٧ / ٤٢٩.

(٧) مدارك الأحكام ٨ / ٢٧٩.

(٨) الحدائق الناضرة ٤ / ٨٤.

(٩) رياض المسائل ٧ / ١٦٦ (وفيه : ولكن الأحوط زيارتها في المواضع الثلاثة).

(١٠) أعيان الشيعة ١ / ٣٢٢.

(١١) دليل الناسك / ٤٤٩.

(١٢) الأزرية ، الشيخ كاظم الازري / ١٤٤.

١٩٣

الثانية : هل دفن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام في البقيع؟

روى ابن عساكر عن شريك أنّ الحسن بن علي حمله بعد صلح معاوية والحسن ، فدفنه بالمدينة ، ويقال : حمله فدفنه بالثوبة ، ويقال : دفن بالبقيع مع فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

وروى الخطيب البغدادي مضمونه عن الفضل بن دكين (٢).

أقول : هذا قول شاذ لا يعتنى به ، والمشهور البالغ حد التواتر أن موضع قبره الشريف هو بالغري في النجف الأشرف ، كما زاره أحفاده مثل الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام في ذلك المكان ، وأهل البيت أدرى بما في البيت ، وقد أفرد السيد أبو المظفر غياث الدين عبد الكريم بن أبي الفضائل أحمد بن موسى بن طاووس الحلي المتوفى سنة ٦٩٢ رسالة مستقلة باسم «فرحة الغري بصرحة الغري» (٣) في ذلك ، وقد أصبح مزاره وضريحه الشريف رمزاً للتضحية والجهاد ، على مدى العصور والأزمان ، وذلك (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)(٤).

الثالثة : هل دفن رأس الحسين عليه‌السلام في البقيع؟

قال ابن سعد : قالوا : وكان عمروبن سعيد من رجال قريش ، وكان يزيدبن معاوية قد ولاه المدينة ، فقتل الحسين وهو على المدينة ، فبعث إليه برأس الحسين ، فكفنه

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٥٦٦.

(٢) البداية والنهاية ٧ / ٣٦٥ ، و ٨ / ١٤.

(٣) الذريعة إلى تصانيف الشيعة ١٦ / ١٥٩ رقم ٤٣٣.

(٤) سورة التوبة : ٣٢.

١٩٤

ودفنه بالبقيع إلى جنب قبر أمه فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

وحكي عن صاحب المناقب انه قال : وذكر الإمام أبو العلاء الحافظ بإسناده عن مشايخه أنّ يزيد بن معاوية حين قدم عليه رأس الحسين عليه‌السلام بعث (به) إلى المدينة ، فأقدم عليه عدة من موالي بني هاشم ، وضمّ إليهم عدة من موالي أبي سفيان ، ثم بعث بثقل الحسين ومن بقي من أهله معهم وجهّزهم بكلّ شىء ، ولم يدع لهم حاجة بالمدينة إلا أمر لهم بها ، وبعث برأس الحسين عليه‌السلام إلى عمرو بن سعيد بن العاص ، وهو إذ ذاك عامله على المدينة ، فقال عمرو : وددت أنه لم يبعث به الّي ، ثم أمر عمرو به فدفن بالبقيع عند قبر أمه فاطمة عليها‌السلام (٢).

هذا هو أحد الأقوال في المسألة ، وهناك أقوال أخر وهي : الدفن في الشام ، مصر ، أو النجف ، أو أنه أُلحق بجسده الشريف بكربلاء ، كما هو المشهور. (٣)

قال العلامة المجلسى رحمه‌الله : .. والمشهور بين علمائنا الإمامية أنه دفن رأسه مع جسده ، ردّه علي بن الحسين عليهما‌السلام ، وقد وردت أخبار كثيرة في انه مدفون عند قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام (٤).

أقول : المشهور والمعول عليه هو إلحاق الرأس الشريف بالجسد الطاهر بكربلاء المقدسة ، كما قاله السيد المرتضى وغيره (٥) ، وهو المختار ، ولقد قمنا بتحقيقه

__________________

(١) الطبقات الكبرى ٥ / ٢٣٧ ؛ انظر : رأس الحسين ، ابن تيمية ١٩٧ و ٢٠٨ ؛ فيض القدير في شرح الجامع الصغير ١ / ٢٦٥ ؛ البداية والنهاية ٨ / ٢٢٢ ؛ جواهر المطالب ٢ / ٢٩ ؛ سير أعلام النبلاء ٣ / ٣١٥ ؛ العوالم ١٧ / ٤٥٣.

(٢) بحار الأنوار ٤٥ / ١٤٥.

(٣) انظر : فيض القدير ١ / ٢٦٥ ؛ جواهر المطالب ٢ / ٢٩.

(٤) بحار الانوار ٤٥ / ١٤٥.

(٥) انظر : أمالي الصدوق / ١٣١ ؛ رسائل الشريف المرتضى ٣ / ١٣٠ ؛ الآثار الباقية ٣٢١ ؛ مقتل الحسين

١٩٥

في كتاب «الأيام الشامية» (١) ، فراجع.

فضل زيارة أئمة البقيع

قال الرضا عليه‌السلام : «إنّ لكلّ إمام عهداً في أعناق شيعته وأوليائه ، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم ، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه كانوا شفعاءه يوم القيامة» (٢).

وقيل للصادق عليه‌السلام : ما حكم من زار أحدكم؟ قال : «يكون كمن زار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٣).

وعن الصادق عليه‌السلام : «من زار إماماً مفترض الطاعة كان له ثواب حجة مبرورة» (٤).

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : «أتمّوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حجكم إذا خرجتم إلى بيت الله ، فإنّ تركه جفاء ، وبذلك أمرتم ، وأتموا بالقبور التي ألزمكم الله عزوجل زيارتها وحقها ، واطلبوا الرزق عندها» (٥).

وروي عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام أنه قال : «من زار جعفراً وأباه لم يشتك عينه ، ولم يصبه سقم ، ولم يمت مبتلى (٦)».

__________________

للخوارزمي ٢ / ٧٥ ؛ تذكرة الخواص / ٢٦٥ ؛ روضة الواعظين ١ / ١٩٢ ؛ الاتحاف بحب الأشراف / ٧٠ ؛ اللهوف / ٢٢٥ ؛ توضيح المقاصد ، الشيخ البهائي / ٦ ؛ نور الأبصار / ١٣٣ ؛ تسلية المجالس ، محمد بن أبي طالب ٢ / ٤٥٩.

(١) الأيام الشامية من عمر النهضة الحسينية ، للمؤلف / ٣٧٦ ـ ٣٩١.

(٢) المقنعة ٤٧٤ ؛ رسائل الكركي ٢ / ١٦٢ ؛ ونحوه في منتهى المطلب ٢ / ٨٩٣ (بتفاوت يسير).

(٣) المقنعة ٤٧٤.

(٤) رسائل الكركي ٢ / ١٦٢ ؛ انظر : جواهر الكلام ٢٠ / ٨٧.

(٥) بحار الأنوار ٩٧ / ١٣٩.

(٦) المقنعة / ٤٧٤ ؛ تحرير الأحكام ٢ / ١٢٣ (وفيه : لم يمت قتيلاً) ؛ منتهى المطلب ٢ / ٨٩٣.

١٩٦

وعن الصادق عليه‌السلام : «من زار إماماً من الأئمة وصلى عنده أربع ركعات كتبت له حجة وعمرة» (١).

وعن الباقر عليه‌السلام : «ابدؤا بمكة واختموا بنا» (٢).

وعن الباقر عليه‌السلام : «إنّما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها ، ثمّ يأتونا فيخبرونا بولايتهم ، ويعرضوا علينا نصرهم» (٣).

وعن الصادق عليه‌السلام : «إذا حج أحدكم فليختم حجّه بزيارتنا ، لأنّ ذلك من تمام الحج» (٤).

روى المفيد عن الصادق عليه‌السلام ، عن آبائه أنهم قالوا : بينا الحسن عليه‌السلام ذات يوم في حجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ رفع رأسه فقال : يا أبت ، ما لمن زارك بعد موتك؟ قال : «يا بني ، من أتاني زائراً بعد موتي فله الجنة ، ومن أتى أباك زائراً بعد موته فله الجنة ، ومن أتى أخاك زائراً بعد موته فله الجنة ، ومن أتاك زائراً بعد موتك فله الجنة» (٥).

وروي : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال للحسن عليه‌السلام : «من زارك بعد موتك ، أو زار أباك ، أو زار أخاك ، فله الجنة» (٦).

وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنه قال للحسن عليه‌السلام : «من زارني حيّاً أو ميّتاً ، أو زار أباك حياً أو ميتاً ، أو زار أخاك حياً أو ميتاً ، أو زارك حياً أو ميتاً ، كان حقّاً عليّ استنقذه يوم القيامة» (٧).

__________________

(١) المقنعة / ٤٧٤.

(٢) رسائل الكركي ٢ / ١٦٣.

(٣) رسائل الكركي ٢ / ١٦٢.

(٤) بحار الأنوار ٩٧ / ١٣٩.

(٥) المقنعة / ٤٦٤.

(٦) مستدرك الوسائل ١٠ / ٣٥٠ ، ح ١٢١٥٧.

(٧) منتهى المطلب ٢ / ٨٩١ ؛ تحرير الأحكام ٢ / ١٢١.

١٩٧

وعن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زار الحسن في بقيعه ثبت قدمه على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام» (١).

وروي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : «من زارني غُفِرَتْ له ذنوبه ، ولم يمت فقيراً» (٢).

وفي الخبر : «فمن بكاه لم تعم عيناه يوم تعمى الأعين ، ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب ، ومن زاره في البقيع ثبتت قدماه على الصراط يوم تزل فيه الأقدام ..» (٣).

وروى البختري عن الصادق عن أبيه عليهما‌السلام : «أن الحسين بن علي عليهما‌السلام كان يزور قبر الحسن بن علي عليهما‌السلام في كلّ عشية جمعة» (٤).

قال العلامة الحلي : وفي زيارتهم فضل كثير (٥).

آداب زيارتهم

١. الغسل (٦)

٢. الزيارة

__________________

(١) بحار الأنوار ٩٧ / ١٤١.

(٢) المقنعة / ٤٧٤ ؛ تذكرة الفقهاء ٨ / ٤٥٤ ؛ تحرير الأحكام ٢ / ١٢٣ ؛ منتهى المطلب ٢ / ٨٩٣.

(٣) الفضائل ، شاذان بن جبرئيل القمي ١٠ ؛ انظر : بشارة المصطفى ٣٠٨ ؛ بحار الأنوار ٤٤ / ١٤٩ ؛ مستدرك سفينة البحار ٢ / ٣٠٣.

(٤) جواهر الكلام ٢٠ / ٨٨.

(٥) تحرير الأحكام ٢ / ١٢٣ و ١٢١ ؛ منتهى المطلب ٢ / ٨٩١ و ٨٩٣.

(٦) تهذيب الأحكام ٦ / ٧٩ ؛ المقنعة / ٤٧٥ ؛ المختصر النافع / ٩٨ ؛ قواعد الأحكام ١ / ٤٤٩ ؛ منتهى المطلب ٢ / ٨٩٣ ؛ المهذب ١ / ٢٧٩ ؛ المهذب البارع ٢ / ٢٢١ ؛ كشف الرموز ١ / ٣٨٧ ؛ جامع المقاصد ٣ / ٢٧٤ ؛ الحدائق الناضرة ١٧ / ٤٣٠ ؛ رياض المسائل ٧ / ١١ ؛ بحار الأنوار ٩٧ / ٢٠٦ ، جامع المدارك ٢ / ٥٥١.

١٩٨

٣. أن يصلي ثمان ركعات ، لكلّ امام ركعتان (١).

كيفية زيارتهم

قال الشيخ الصدوق : فإذا أتيت قبور الأئمة عليهم‌السلام بالبقيع فاجعلها بين يديك ثمّ قل

«السلام عليكم يا أئمة الهدى ، السلام عليكم يا أهل التقوى ، السلام عليكم يا حجج الله على أهل الدنيا ، السلام عليكم أيها القوامون في البرية بالقسط ، السلام عليكم يا أهل الصفوة ، السلام عليكم يا أهل النجوى ، أشهد أنكم قد بلغتم ونصحتم وصبرتم في ذات الله عزوجل ، وكذبتم وأسيء لكم فغفرتم ، وأشهد أنكم الأئمة الراشدون ، وأنّ طاعتكم مفروضة ، وأنّ قولكم الصدق ، وأنكم دعوتم فلم تجابوا ، وأمرتم فلم تطاعوا ، وأنكم دعائم الدين ، وأركان الأرض ، لم تزالوا بعين الله ، ينسخكم في أصلاب المطهرين ، وينقلكم في أرحام المطهرات ، لم تدنّسكم الجاهلية الجهلاء ، ولم تشرك فيكم فتن الأهواء ، طبتم وطابت منبتكم ، أنتم الذين منّ بكم علينا ديّان الدين ، فجعلكم في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ، وجعل صلواتنا عليكم رحمة لنا ، وكفارة لذنوبنا ، إذا اختاركم لنا ، وطيّب خلقنا بما منّ علينا من ولايتكم ، وكنّا عنده بفضلكم معترفين ، وبتصديقنا إياكم مقرّين ، وهذا مقام من أسرف وأخطأ واستكان وأقرّ بما جنى ، ورجا بمقامه الخلاص ، وأن يستنقذه بكم مستنقذ الهلكى من النار ، فكونوا لي شفعاء ، فقد وفدت إليكم إذ رغب عنكم أهل الدنيا ، واتخذوا آيات الله هزوا ، واستكبروا عنها ، يا من هو قائم لا يلهو ، ومحيط بكلّ شيء ، لك المنّ بما وفقتني وعرّفتني بما ائتمنتني عليه ، إذ صدّ

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٥٧٧ (وفيه : ثمّ صل هناك ثمان ركعات ، في المسجد الذي هناك) ؛ منتهى المطلب ٢ / ٨٩٤ ؛ الرسائل العشر / ٢٧٢ ؛ الحدائق الناضرة ١٧ / ٤٣٢.

١٩٩

عنه عبادك ، وجهلوا معرفتهم ، واستحقوا بحقهم ، ومالوا إلى سواهم ، فكانت المنة منك علي مع أقوام خصصتهم بما خصصتني به ، فلك الحمد إذ كنت عندك في مقامي مكتوباً ، فلا تحرمني ما رجوت ، ولا تخيبني في ما دعوت» ، وادع لنفسك بما أحببت (١).

وذكر الشيخ المفيد زيارة مختصرة لهم ، وقال : تغتسل وتقف على قبورهم ، وتقول :

«السلام عليكم يا خزان علم الله ، وحفظة سره ، وتراجمة وحيه ، أتيتكم يا بني رسول الله (زائراً) عارفاً بحقكم ، مستبصراً بشأنكم ، معادياً لأعدائكم ، موالياً لأوليائكم ، بأبي أنتم وأمي ، صلى الله على أجسادكم وأرواحكم ورحمة الله وبركاته ، اللهم إنّي أتولّى آخرهم كما توليت أولهم ، وأبرأ إلى الله من كلّ وليجة دونهم ، آمنت بالله ، وكفرت بالجبت والطاغوت واللات والعزى وكلّ ندّ يدعى من دون الله ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، واجعل زيارتي لهم مقبولة ، ودعائي بهم مستجاباً ، يا أرحم الراحمين».

ثمّ انكبّ على القبور فقبّلها ، وضع خدّك عليها ، وتحوّل من مكانك ، فصلّ ست ركعات ، وإن جعلت زيارتك هذه للأئمة الأربعة فصلّ ثماني ركعات إن شاء الله (٢).

وذكر الشيخ المفيد زيارة مختصرة للإمام الحسن المجتبى عليه‌السلام ، قال : تغتسل

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٥٧٥ ؛ ونحوه (بتفاوت يسير) في كامل الزيارات ١١٨ ، الكافي ٤ / ٥٥٩ (وجاء فيه : إذا أتيت القبر الذي بالبقيع فاجعله بين يديك ثم تقول ..) ؛ تهذيب الأحكام ٦ / ٧٩ ؛ مصباح المتهجد / ٧١٣ ؛ المهذب ١ / ٢٧٩ ؛ منتهى المطلب ٢ / ٨٩٣ ؛ الحدائق الناضرة ١٧ / ٤٣٠ ، بحار الأنوار ٩٧ / ٢٠٣.

(٢) المقنعة ٤٧٥ ـ ٤٧٦ ؛ تهذيب الأحكام ٦ / ٨٠ ؛ منتهى المطلب ٢ / ٨٩٤ ؛ الحدائق الناضرة ١٧ / ٤٣٢ ؛ بحار الأنوار ٩٧ / ٢٠٦.

٢٠٠