بقيع الغرقد

الشيخ محمّد أمين الأميني

بقيع الغرقد

المؤلف:

الشيخ محمّد أمين الأميني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٠

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عن جبرئيل عليه‌السلام ، عن الله عزوجل ، وكلّ ما أحدّثك بهذا الإسناد» (١) ، وروى نحوه الراوندي بتفاوت يسير (٢).

وعن مسند أبى حنيفة ، قال الراوي : ما سألت جابر الجعفي قطّ مسألة إلا أتى فيها بحديث ، وكان جابر الجعفي إذا روى عنه قال : حدثني وصيّ الأوصياء ووارث علم الأنبياء (٣).

وعن أبي نعيم في الحلية (انه عليه‌السلام) الحاضر الذاكر الخاشع الصابر (٤).

وقالوا : لم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين عليهما‌السلام من العلوم ما ظهر منه من التفسير والكلام والفتيا والأحكام والحلال والحرام ، قال محمد بن مسلم : سألته عن ثلاثين ألف حديث ، وقد روى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين ، فمن الصحابة نحو جابر بن عبدالله الأنصاري ، ومن التابعين نحو جابر بن يزيد الجعفي وكيسان السختاني صاحب الصوفية ، ومن الفقهاء نحو ابن المبارك والزهري والأوزاعي وأبو حنيفة ومالك والشافعي وزياد ابن المنذر النهدي (٥).

وعن حلية الأولياء : قال عبد الله بن عطاء المكي : ما رأينا العلماء عند أحد أصغر منهم عند أبي جعفر عليه‌السلام يعني الباقر ، ولقد رأيت الحكم بن عينية مع جلالته وسنّه عنده كأنّه صبّي بين يدي معلم يتعلّم منه (٦).

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنك ستدرك رجلاً منّي

__________________

(١) أمالي المفيد ٤٢ / ح ١٠.

(٢) الخرائج الجرائح ٢ / ٨٩٣.

(٣) المناقب ٤ / ١٨٠.

(٤) المصدر نفسه.

(٥) المصدر ٤ / ١٩٥ ؛ بحار الانوار ٤٦ / ٢٩٤.

(٦) المصدر ٤ / ٢٠٤.

١٦١

اسمه اسمي وشمائله شمائلي ، يبقر العلم بقراً ..» (١).

وقال ابن عنبة في شأنه : وافر الحلم ، وجلالة قدره أشهر من أن ينبه عليها (٢).

روى الشيخ الكليني باسناده عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «إنّ رجلاً كان على أميال من المدينة ، فرأى في منامه فقيل له : انطلق! فصلّ على أبي جعفر عليه‌السلام ، فإنّ الملائكة تغسّله في البقيع ، فجاء الرجل فوجد أباجعفر قد توفّي عليه‌السلام» (٣).

قبض عليه‌السلام في سنة أربع عشرة ومائة .. وقبره بالبقيع من مدينة الرسول عليه وآله السلام (٤).

ومات الامام عليه‌السلام مسموماً شهيداً كأبيه (٥) ، قال أبو جعفر ابن بابويه : سمّه إبراهيم بن الوليد بن يزيد (٦).

وفي الكافي : انه دفن عليه‌السلام في القبر الذي دفن فيه أبوه علي بن الحسين عليه‌السلام (٧).

٤ ـ الامام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام (٨)

هو الإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، الصادق ،

__________________

(١) الخرائج والجرائح ١ / ٢٧٩ ، ح ١٢.

(٢) عمدة الطالب ١٩٥.

(٣) الكافي ٨ / ١٨٣ ، ح ٢٠٧ ؛ مدينة المعاجز ٥ / ٦١ ؛ بحار الانوار ٤٦ / ٢١٨ وج ٥٨ / ١٨٣.

(٤) الارشاد ٢ / ١٥٨ ؛ كشف الغمة ٢ / ٣٢٢ ؛ بحار الانوار ٤٦ / ٢١٥ ، ٢١٦ ، ٢١٨.

(٥) انظر : دلائل الامامة ٢١٦ ؛ مناقب أهل البيت ٢٦٢ ؛ ينابيع المودة ٣ / ١١١.

(٦) المناقب ٤ / ٢١٠ ؛ دلائل الامامة ٢١٦ ؛ بحار الانوار ٤٦ / ٢١٦.

(٧) الكافي ١ / ٤٦٩.

(٨) لقد بسطنا الكلام في بعض جوانب حياته عليه‌السلام في كتاب «الإمام جعفر الصادق رمز الحضارة الإسلامية» ، طبع بقم المقدسة وبيروت ، فراجع.

١٦٢

الإمام ، العادل ، الصابر والفاضل والطاهر (١) ، كنيته أبو عبد الله ، ولد بالمدينة يوم الإثنين سابع عشر من الربيع الأول (٢) سنة ثلاث وثمانين من الهجرة ، وقبض بالمدينة في شوال سنة ثمان وأربعين ومائة ، وله يومئذ خمس وستون سنة ، وأمه أم فروة فاطمة (٣) بنت القاسم بن محمد النجيب بن أبي بكر ، وقبره بالبقيع (٤) أيضاً مع أبيه وجده وعمه الحسن عليهم‌السلام أجمعين (٥) ، وقد جاء في الأخبار : أنهم انزلوا على جدتهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف رضوان الله عليها (٦).

وجاء في الخبر : «يكون بعده (٧) الإمام جعفر ، وهو الصادق بالحكمة ناطق ، مظهر كلّ معجزة ، وسراج الأمة ، يموت موتاً بأرض طيبة ، موضع قبره بالبقيع» (٨).

نعم ، إنه حجّة الله في أرضه ، ومهما قيل في شأنه يبقى اللسان قاصراً عن الإحاطة بكلّ أبعاد شخصيّته ، ولنعم ما قال ابن داود الحلّي : «جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن أبي طالب عليه‌السلام ... الإمام أبو عبد الله الصادق عليه‌السلام ، لا تتّسع

__________________

(١) كشف الغمة ٢ / ٣٨٠ ؛ تاريخ مواليد الأئمة عليهم‌السلام ووفياتهم / ٣١.

(٢) وصول الأخيار إلى أصول الأخبار ٤٢ ؛ الجامع العباسي ١٨٩.

(٣) مناقب آل أبي طالب ٣ / ٣٩٩ ؛ وصول الأخيار ٤٢ ؛ الجامع العباسي ١٨٩.

(٤) انظر : منتخب الأنوار / ٧٢ ؛ دلائل الإمامة / ٢٤٦ ؛ كشف الغمة ٢ / ٣٧٤ و ٤٠٣ ؛ اعلام الورى ١ / ٥١٤ ؛ تاريخ الأئمة / ٣١ ؛ تاريخ مواليد الأئمة عليهم‌السلام ووفياتهم / ٣١ ؛ عيون المعجزات / ٨٤ ؛ تاج المواليد / ٤٤ ؛ وصول الأخيار / ٤٢ ؛ الجامع العباسي / ١٨٩ ؛ الأنساب ٥ / ٤٥٠ ؛ مناقب أهل البيت / ٢٦٧.

(٥) انظر : الكافي ١ / ٤٧٢ ؛ تهذيب الأحكام ٦ / ٧٨ ؛ الارشاد ٢ / ١٧٩ ؛ تحرير الأحكام ٢ / ١٢٣ ؛ منتهى المطلب ٢ / ٨٩٣ ؛ بحار الانوار ٤٧ / ١ و ٣ و ٥ و ٦.

(٦) المقنعة / ٤٧٣ ؛ وانظر : كشف الغمة ٢ / ٣٨٠ ؛ بحار الأنوار ٩٧ / ٢١٩.

(٧) أي بعد الإمام محمد بن علي الباقر عليه‌السلام.

(٨) مقتضب الأثر / ١٣ ؛ بحار الانوار ٣٦ / ٢١٩.

١٦٣

الصحف ذكر مناقبه ، وعلوّ مناقبه ، فالأدب يقتضي الوقوف دونها» (١).

إلّا أنّه لا بأس بذكر أقوال بعض العلماء ، خاصّة مع اختلاف نهج بعضهم ، وإقرارهم بالواقع :

قال زيد بن عليّ بن الحسين (استشهد سنة ١٢٠) : «في كلّ زمان رجل منّا أهل البيت ، يحتجّ الله به على خلقه ، وحجّة زماننا ابن أخي جعفر بن محمّد ، لا يضلّ من تبعه ، ولا يهتدي من خالفه» (٢).

وقال ابن أبي ليلى (م ١٤٨) ـ حينما قال له نوح بن درّاج : أكنتَ تاركاً قولاً قلتَه ، أو قضاءاً قضيتَه لقول أحد؟! قال ـ : «لا ، إلّارجل واحد ، قلت : من هو؟

قال : جعفر بن محمد» (٣).

وقال أبو حنيفة (م ١٥٠) : «ما رأيتُ أحداً أفقه من جعفر بن محمّد عليه‌السلام» (٤)

روى الذهبي عن حسن بن زياد قال : سمعت أبا حنيفة وسئل من أفقه من رأيت؟ قال : ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمد ، لما أقدمه المنصور الحيرة بعث إليّ ، فقال : يا أبا حنيفة ، إنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد ، فهيىّء له من مسائلك

__________________

(١) رجال ابن داود / ٦٥.

(٢). أمالي الصدوق / ٦٣٧ ؛ المناقب ٤ / ٢٧٧ ؛ روضة الواعظين ١ / ٢٠٨ ؛ تفصيل وسائل الشيعة ١٩ / ٣٩٦ ؛ بحار الأنوار ٤٦ / ١٧٣ ، و ٤٧ / ١٩ ؛ معجم رجال الحديث ، ١٤ / ١٠٣.

(٣). تهذيب الأحكام ٦ / ٢٩٢ ح ٨٠٧ ؛ المناقب ٤ / ٢٤٩ ؛ بحار الأنوار ٤٧ / ٢٩.

(٤). تذكرة الحفّاظ ، الذهبي ١ / ١٦٦ ؛ تاريخ الإسلام ، الذهبي (حوادث سنة ١٤١ ـ ١٦٠) / ٨٩ ؛ تهذيب الكمال ٥ / ٧٩ ؛ وانظر : مناقب أبي حنيفة ١ / ١٧٣ ؛ جامع أسانيد أبي حنيفة ١ / ٢٢٢ ؛ الكامل لابن عدي ٢ / ١٣٢ ؛ تاريخ بغداد ١٣ / ٣٤٧ ؛ سير أعلام النبلاء ٦ / ٢٥٧ ؛ الوافي بالوفيات ١١ / ١٢٦ ؛ النجوم الزاهرة ٢ / ٩ ؛ الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ، أسد حيدر ١ / ٥٣ ؛ موسوعة الإمام الصادق عليه‌السلام ، السيد محمد كاظم القزويني ١ / ٣٤٤ ؛ الفائق في رواة وأصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام ، عبد الحسين الشبستري ١ / ١٨.

١٦٤

الصعاب ، فهيّأت له أربعين مسألة ، ثم أتيت أبا جعفر وجعفر جالس عن يمينه ، فلمّا بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لا يدخلني (١) لأبي جعفر ، فسلّمت وأذن لي فجلست ، ثم التفت إلى جعفر فقال : يا أبا عبدالله ، تعرف هذا؟ قال : نعم ، هذا أبو حنيفة ، ثم اتبعها : قد أتانا ، ثمّ قال : يا أبا حنيفة ، هات من مسائلك نسأل أبا عبدالله ، فابتدأت أسأله ، فكان يقول في المسألة : أنتم تقولون فيها كذا وكذا ، وأهل المدينة يقولون كذا وكذا ، ونحن نقول كذا وكذا ، فربما تابعنا ، وربما تابع أهل المدينة ، وربما خالفنا جميعاً ، حتى أتيت على أربعين مسألة ما أخرم منها مسألة ، ثم قال أبو حنيفة : أليس قد روينا أنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس (٢).

وروي عنه أنّه قال : «لولا السَنَتانِ لهلك النعمان» (٣).

وقال سفيان الثوري (م ١٦١) في حقّه : «الله أعلم حيث يجعل رسالته» (٤).

وقال مالك بن أنس (م ١٧٩) : «ما رأت عين ، ولا سمعت أذن ، ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمّد الصادق علماً وعبادةً وورعاً» (٥).

وقال : «اختلفتُ إليه زماناً فما كنتُ أراه إلّاعلى ثلاث خصال : إمّا مصلٍّ ، وإمّا صائم ، وإمّا يقرأ القرآن ، وما رأيته يحدّث إلّاعلى طهارة» (٦).

__________________

(١) ما لم يدخلني. كذا في الكامل لابن عدي ٢ / ١٣٢ ، ونحوه في تهذيب الكمال ٥ / ٧٩ بتفاوت يسير.

(٢) سير اعلام النبلاء ٦ / ٢٥٧.

(٣). مختصر التحفة الإثني عشرية ، الآلوسي / ٨ ؛ الإمام جعفر الصادق ، عبد الحليم الجندي / ٢٥٢ ؛ نظرات في الكتب الخالدة ، حامد حفني داود / ١٨٢ ؛ المراجعات / ١٥٠ ؛ الموسوعة الفقهية الميسّرة ، محمد علي الأنصاري ١ / ٣٣ ؛ العارف بالله سيّدي الإمام جعفر الصادق / ١٩. وقال الجاحظ : ويقال : إنّ أبا حنيفة من تلامذته .. انظر : رسائل الجاحظ ، السندوبي / ١٠٦.

(٤) غاية الاختصار / ١٠٢.

(٥). تهذيب التهذيب ٢ / ٨٩ رقم ١٥٦ ؛ المناقب (ط النجف) ٣ : ٣٧٣.

(٦). تهذيب التهذيب ٢ / ٨٩ رقم ١٥٦.

١٦٥

وعن جابر بن حيّان (١) (م ٢٠٠ (٢)) : «وحقّ سيّدي لولا أنّ هذه الكتب باسم سيّدي صلوات الله عليه لما وصلت إلى حرف من ذلك إلى الأبد» (٣).

وقال عمرو بن أبي المقدام : «كنتُ إذا نظرتُ إلى جعفر بن محمّد علمتُ أنّه من سلالة النبيّين» (٤).

وأمّا محمّد بن إدريس الشافعي (٥) (م ٢٠٤) فقد قال إسحاق بن راهويه : قلت للشافعي : كيف جعفر بن محمّد عندك؟ فقال : ثقة. في مناظرة جرت بينهما (٦).

وأمّا أبو حاتم الرازي (م ٢٧٧) فقد روى ابن أبي حاتم عن أبيه : «جعفر بن محمّد ثقة لا يسأل عن مثله» (٧).

__________________

(١) قال السيّد بن طاوس : من العلماء بالنجوم جابر حيّان صاحب الصادق عليه‌السلام ، وذكره ابن النديم في رجال الشيعة. سفينة البحار ١ / ١٤٠.

(٢) انظر : الذّريعة إلى تصانيف الشيعة ٢ / ٤١٩ رقم ١٩٢٩ ، وهناك قول بأنّه مات سنة ١٦١ ، والظاهر عدم تماميّته.

(٣) الإمام جعفر الصادق ، عبد الحليم الجندي : ٢٢٤.

(٤) حلية الأولياء ٢ / ١٩٣ ؛ تهذيب التهذيب ٢ / ٨٨ ؛ تهذيب الكمال ٥ / ٧٩.

(٥) له أشعار في حبّ آل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، منها ما رواه الذهبي في سير أعلام النبلاء ٨ : ٤٠١ عن الربيع بن سليمان قال : حججنا مع الشافعي ، فما ارتقى شرفاً ولا هبط وادياً إلّاوهو يبكي وينشد :

يا راكباً قف بالمحصَّب من منى

واهتف بقاعد خيفنا والناهض

سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى

فيضاً كملتطم الفرات الفائض

إنْ كان رفضاً حبّ آل محمّد

فليشهد الثقلان أنّي رافضي

(٦) الجرح والتعديل ٢ / ٤٨٧ رقم ١٩٨٧ ؛ تهذيب التهذيب ٢ / ٨٨.

(٧) الجرح والتعديل ٢ / ٤٨٧ ؛ تذكرة الحفّاظ ١ / ١٦٦ ؛ تاريخ الإسلام (حوادث سنة ١٤١ ـ ١٦٠) : ٨٩ ؛ تهذيب التهذيب ٢ / ٨٨ ؛ الوافي بالوفيات ١١ / ١٧٧.

١٦٦

وقال الجاحظ (م ٢٥٠ أو ٢٥٥) : «جعفر بن محمد الذي ملأ الدنياعلمه وفقهه» (١).

وأمّا أبو زرعة (م ٢٦٤ أو ٢٨١ (٢)) فقد قال عبد الرحمن : «سمعت أبا زرعة وسئل عن جعفر عن أبيه ، وسهيل بن أبي صالح عن أبيه ، والعلاء عن أبيه ، أيّما أصحّ؟ قال : لا يقرن جعفر إلى هؤلاء ، يريد جعفر أرفع من هؤلاء في كلّ معنى» (٣).

وقال ابن الواضح الكاتب العبّاسي المعروف باليعقوبي (المتوفّى بعد سنة ٢٩٢) : «.. أبو عبد الله جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن أبي طالب .. وكان أفضل الناس وأعلمهم بدين الله ، وكان من أهل العلم الّذين سمعوا منه ، إذا رووا عنه قالوا : أخبرنا العالم» (٤).

وقال أبو حاتم محمد بن حبان (م ٣٥٤) : «جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين ابن عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليهم ، كنيته أبو عبد الله ، يروي عن أبيه ، وكان من سادات أهل البيت فقهاً وعلماً وفضلاً ..» (٥).

وقال ابن عدي (م ٣٦٥) : «ولجعفر أحاديث ونسخ ، وهو من ثقات الناس ، كما قال يحيى بن معين» (٦).

وعن الحاكم النيسابوري (م ٤٠٥) : «وأصحّ طريق يروى في الدنيا أسانيد

__________________

(١) رسائل الجاحظ / ١٠٦.

(٢) إن كان المقصود من أبي زرعة هنا هو عبيد الله بن عبد الكريم أبو زرعة الرازي ، فانّه توفي سنة ٢٦٤ (تهذيب الكمال ١٩ / ١٠٢) ، وإن كان أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي فإنّه مات عام ٢٨١ (تهذيب الكمال ١٧ : ٣٠٤) وعبد الرحمن بن أبي حاتم يروي عن كليهما.

(٣) الجرح والتعديل ٢ / ٤٨٧ رقم ١٩٨٧.

(٤) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٣٨١.

(٥) كتاب الثقات ٦ / ١٣١.

(٦) تهذيب التهذيب ٢ / ٨٨.

١٦٧

أهل البيت عليهم‌السلام جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ ، إذا كان الراوي عن جعفر ثقة» (١).

وعن عبدالله بن أسعد بن عليّ اليافعي اليماني نزيل الحرمين الشريفين في تاريخه : «كان جعفرالصادق رضى الله عنه واسع العلم ، وافر الحلم ، وله من الفضائل والمآثر مالا يُحصى» (٢).

وقال أبو عبد الرحمن السلمي النيسابوري (م ٤١٢) : «جعفر الصادق فاق جميع أقرانه من أهل البيت ، وهو ذو علم غزير ، وزهد بالغ في الدنيا ، وورع تام عن الشهوات ، وأدب كامل في الحكمة» (٣).

وقال الشيخ المفيد (م ٤١٣) : وكان له عليه‌السلام من الدلائل الواضحة في إمامته ما بهرت القلوب ، وأخرست المخالف عن الطعن فيها بالشبهات (٤).

وقال أبو نعيم الإصفهاني (م ٤٣٠) : «.. الإمام الناطق ، ذو الزمام السابق ، أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق ، أقبل على العبادة والخضوع ، وآثر العزلة والخشوع ، ونهى عن الرئاسة والجموع!» (٥).

وعن حلية أبي نعيم : ان جعفر الصادق حدّث عنه من الأئمة والأعلام : مالك ابن انس وشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري وابن جريح وعبدالله بن عمرو وروح ابن القاسم وسفيان بن عيينة وسليمان بن بلال واسماعيل بن جعفر وحاتم بن

__________________

(١) تدريب الراوي / ٣٦ ؛ على ما في إحقاق الحق ، القاضي نور الله التستري ١٢ / ٢٣٨ ؛ موسوعة الإمام الصادق ٢ / ٢٧.

(٢) ينابيع المودّة ٣ / ١٦٣.

(٣) ينابيع المودّة ٣ / ١٦٠ عن كتاب طبقات مشايخ الصوفيّة. ونحوه فيه ١ / ٢٢٢ وفيه : «إنّ جعفر الصادق فاق جميع أقرانه في جميع أهل بيته».

(٤) الارشاد ٢ / ١٧٩.

(٥) حلية الأولياء ١ / ١٩٢ ؛ المناقب (ط النجف) ٣ / ٣٩٤ ؛ بحار الأنوار ٤٧ / ٢٣.

١٦٨

اسماعيل وعبد العزيز بن المختار ووهب بن خالد وإبراهيم بن طهمان في آخرين ، قال : واخرج عنه مسلم في صحيحه محتجاً بحديثه ، وقال غيره : وروى عنه : مالك والشافعي والحسن بن صالح ، وأبو أيوب السجستاني وعمرو بن دينار واحمد بن حنبل (١).

وقال المقدسي المعروف بابن القيسراني الشيباني (م ٥٠٧) : «جعفر بن محمّد الصادق .. كان من سادات أهل البيت» (٢).

وقال الشهرستاني (م ٥٤٨) : «.. جعفر بن محمّد الصادق. هو ذو علم غزير في الدين ، وأدب كامل في الحكمة ، وزهد بالغ في الدنيا ، وورع تامّ عن الشهوات» (٣)

وقال السمعاني (م ٥٦٢) : «الصادق .. هذه اللفظة لقب لجعفر الصادق ، لصدقه في مقاله» (٤).

وقال ابن شهرآشوب (م ٥٨٨) : «ينقل عنه من العلوم ما لا ينقل عن أحد ، وقد جمع اصحاب الحديث أسماء الرواة من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات ، وكانوا أربعة آلاف رجل ، (بيان ذلك) : أن ابن عقدة مصنف كتاب الرجال لأبي عبدالله عليه‌السلام عددهم فيه» (٥).

وقال ابن الجوزي (م ٥٩٧) : «جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن أبي طالب ، أبو عبد الله ، جعفر الصادق .. كان عالماً زاهداً عابداً» (٦).

__________________

(١) المناقب ٤ / ٢٤٨.

(٢) الجمع بين رجال الصّحيحين ١ / ٧٠ رقم ٢٧١.

(٣) الملل والنّحل ١ / ١٤٧.

(٤) الأنساب ٣ / ٥٠٧.

(٥) المناقب ٤ / ٢٤٧ ؛ بحار الانوار ٤٧ / ٢٧.

(٦) المنتظم ٨ / ١١٠ رقم ٧٨٧.

١٦٩

وقال كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي (م ٦٥٢) : «هو من عظماء أهل البيت وساداتهم عليهم‌السلام ، ذو علوم جمّة ، وعبادة موفورة ، وأوراد متواصلة ، وزهادة بيّنة ، وتلاوة كثيرة ، يتتبّع معاني القرآن الكريم ، ويستخرج من بحره جواهره ، ويستنتج عجائبه ، ويقسّم أوقاته على أنواع الطاعات ، بحيث يحاسب عليها نفسه ، رؤيته تذكّر بالآخرة ، واستماع كلامه يزهّد في الدنيا ، والاقتداء بهداه يورث الجنّة ، نور قسماته شاهد أنّه من سلالة النبوّة ، وطهارة أفعاله تصدع أنّه من ذرّية الرسالة ، نقل عنه الحديث ، واستفاد منه العلم جماعة من أعيان الأئمّة وأعلامهم ، مثل يحيى بن سعيد الأنصاري ، وابن جريح ، ومالك بن أنس ، والثوري ، وابن عيينة ، وأبي حنيفة ، وشعبة ، وأيّوب السجستاني ، وغيرهم رضي‌الله‌عنهم ، وعدّوا أخذهم عنه منقبةً شُرِّفوا بها ، وفضيلةً اكتسبوها. وأمّا مناقبه وصفاته فتكاد تفوت عدد الحاصر ، ويحار في أنواعها فهمُ اليقظ الباصر ، حتّى أنّ من كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى صارت الأحكام التي لا تدرك عللها والعلوم التي تقصر الأفهام عن الإحاطة بحكمها تُضاف إليه ، وتروى عنه ، وقد قيل : إنّ كتاب الجفر الذي بالمغرب ويتوارثه بنو عبد المؤمن هو من كلامه عليه‌السلام ، وإنّ في هذه لمنقبة سنيّة ، ودرجة في مقام الفضائل عليه ، وهذه نبذة يسيرة ممّا نقل عنه» (١).

وقال ابن خلّكان (م ٦٨١) : «أبو عبد الله جعفر الصادق ، ابن محمّد الباقر بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين ، أحد الأئمّة الاثني عشر على مذهب الإماميّة ، كان من سادات أهل البيت ، ولقّب بالصادق لصدقه في مقالته ، وفضله أشهر من أن يذكر ، وله كلام في صناعة الكلام والزجر والفأل ،

__________________

(١) مطالب السؤول ٢ / ١١٠ ؛ كشف الغمّة ٢ / ٣٦٧.

١٧٠

وكان تلميذه أبو موسى جابر بن حيّان الصوفي قد ألّف كتابا يشتمل على ألف ورقة يشير فيه إلى رسائل أبي جعفر الصادق ، وهي خمسمائة رسالة» (١).

وقال الذهبي (م ٧٤٨) : «جعفر بن محمّد ، ابن عليّ ، بن الشهيد أبي عبد الله ريحانة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وسبطه ومحبوبه الحسين بن أمير المؤمنين ، أبي الحسن عليّ بن أبي طالب .. الإمام الصادق ، شيخ بني هاشم ، أبو عبد الله ، القرشي ، الهاشميّ ، العلويّ ، النبويّ ، أحد الأعلام (٢) ، شيخ المدينة (٣) ، كان كبير الشأن» (٤).

وقال : «جعفر الصادق .. كبير الشأن ، من أئمّة العلم ، كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور (٥)(٦).

وقال : «جعفر الصادق .. الإمام العلم ، أبو عبد الله الهاشمي العلوي الحسيني المدني .. ومناقب جعفركثيرة ، وكان يصلح للخلافة ، لسؤدده وفضله وعلمه وشرفه ..» (٧).

وقال : «جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين الهاشمي أبو عبد الله ، أحد الأئمّة الأعلام ، برٌّ ، صادق ، كبير الشأن» (٨).

وقال : «جعفر بن محمّد بن علي ، ابن الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب ،

__________________

(١) وفيات الأعيان ١ / ١٢٨.

(٢) سير أعلام النبلاء ٦ / ٢٥٥.

(٣) نفس المصدر ٦ / ٢٤٥.

(٤) نفس المصدر ١٤ / ١٠٦.

(٥) أين الثّرى والثّريّا؟!

(٦) نفس المصدر ١٣ / ١٢٠.

(٧) تاريخ الاسلام (حوادث ١٤١ ـ ١٦٠) : ٨٨ ـ ٩٣.

(٨) ميزان الاعتدال ١ / ٤١٤ رقم ١٥١٩.

١٧١

الهاشمي ، الإمام ، أبو عبد الله العلوي ، المدني ، الصادق. أحد السادة الأعلام» (١).

وقال السيّد تاج الدين ابن محمّد بن حمزة بن زهرة الحسيني نقيب حلب (كان حيّاً سنة ٧٥٣) : .. «وأمّا جدّهم الصادق عليه‌السلام فهو أبو عبد الله ، الإمام المعظّم جعفر ، صاحب الخارقات الظاهرة ، والآيات الباهرة ، المخبر بالمغيّبات الكائنة ..» (٢).

وقال صلاح الدين خليل بن ايبك الصفدي (م ٧٦٤) : «جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن أبي طالب رضي‌الله‌عنهم ، هو المعروف بالصادق ، الإمام العَلَم المدنيّ ... وله مناقب كثيرة ، وكان أهلاً للخلافة ، لسؤدده وعلمه وشرفه .. لقّب بالصادق لصدقه في مقاله» (٣).

وقال اليافعي (م ٧٦٨) : «الإمام الجليل ، سلالة النبوّة ، ومعدن الفتوّة ، أبو عبد الله جعفر بن محمّد بن أبي جعفر محمّد الباقر بن زين العابدين عليّ بن الحسين الهاشميّ العلويّ .. وأكرم بذلك وما جمع من الأشراف الكرام أولي المناقب ، وإنّما لُقّب بالصادق لصدقه في مقالته ، وله كلام نفيس في علوم التوحيد وغيرها ، وقد ألّف تلميذه جابر بن حيّان الصوفي كتاباً يشتمل على ألف ورقة ، يتضمّن رسائله ، وهي خمسمائة رسالة» (٤)

وقال محمّد خواجة پارسا البخاري (م ٨٢٢) : «اتّفقوا على جلالة الصادق عليه‌السلام وسيادته».

وقال ابن عنبة (م ٨٢٨) : «جعفر الصادق عليه‌السلام له عمود الشرف ، ومناقبه متواترة بين الأنام ، مشهورة بين الخاصّ والعامّ ، وقصده المنصور الدوانيقي

__________________

(١) تذكرة الحفّاظ ١ / ١٦٦.

(٢) غاية الإختصار في البيوتات العلويّة المحفوظة من الغبار ١٠٠.

(٣) الوافي بالوفيات ١١ / ١٢٧.

(٤) مرآة الجنان ١ / ٣٠٤ ؛ على ما في موسوعة الإمام الصادق عليه‌السلام ١ / ٤٧٤.

١٧٢

بالقتل مراراً ..» (١).

وقال ابن صبّاغ المالكي (م ٨٥٥) : «.. وهو الإمام السادس .. كان جعفر الصادق عليه‌السلام من بين أخوته خليفة أبيه ووصيّه ، والقائم بالإمامة من بعده ، برز على جماعة بالفضل ، وكان أنبههم ذكراً ، وأجلّهم قدراً ، نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الرُّكبان ، وانتشر صيته وذكره في سائر البلدان ، ولم ينقل العلماء عن أحد من العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه في الحديث .. أمّا مناقبه فتكاد تفوت من عدّ الحاسب ، ويحير في أنواعها فهم اليقظ الكاتب» (٢).

وقال البسطامي (م ٨٥٨) : «جعفر بن محمّد ، ازدحم على بابه العلماء ، واقتبس من مشكاة أنواره الأصفياء ، وكان يتكلّم بغوامض الأسرار وعلوم الحقيقة وهو ابن سبع سنين» (٣).

وقال ابن التغري (م ٨٧٤) : وفيها (سنة ١٤٨) توفّي جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنهم ، الإمام السيّد أبو عبد الله ، الهاشميّ ، العلويّ ، الحسينيّ ، المدنيّ ، يقال : مولده سنة ثمانين من الهجرة ، وهو من الطبقة الخامسة من تابعي أهل المدينة ، وكان يلقّب بالصابر ، والفاضل ، والطاهر. وأشهر ألقابه الصادق ..» (٤).

وقال محمّد سراج الدين الرفاعي المخزومي الواسطي (م ٨٨٥) : «.. وكانت مدّة إمامته أربعاً وثلاثين سنة ، وقد نقل الناس عنه على اختلاف مذاهبهم

__________________

(١) عمدة الطالب / ١٧٦.

(٢) الفصول المهمّة / ٢٢٢.

(٣) مناهج التوسّل / ١٠٦ ؛ على ما في الإمام الصادق عليه‌السلام والمذاهب الأربعة ١ / ٥٥ ؛ موسوعة الإمام الصادق عليه‌السلام ٢ / ١٩.

(٤) النجوم الزاهرة ٢ / ٨.

١٧٣

ودياناتهم من العلوم ما سارت به الركبان ، وانتشر ذكره في البلدان ، وقد جمع أسماء الرواة عنه فكانوا أربعة آلاف رجل .. استشهد وليّ الله الصادق ومضى إلى رضوان الله تعالى وكرامته ، توفّى يوم الاثنين النصف من رجب ، ويقال : توفي في شوال سنة ثمان وأربعين ومائة من الهجرة ، ودفن بالبقيع مع أبيه وجدّه .. وقيل : قتله المنصور الدوانيقي بالسمّ» (١).

وقال السخاوي (م ٩٠٢) : «جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن زين العابدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، الإمام العَلَم أبو عبد الله ، الهاشمي ، العلوي ، الحسيني ، المدني ، سبط القاسم بن محمد بن أبي بكر .. وكان من سادات أهل البيت فقهاً وعلماً وفضلاً وجوداً ، يصلح للخلافة لسؤدده وفضله وعلمه وشرفه ، ومناقبه كثيرة تحتمل كراريس ..» (٢).

وقال الجزري (م ٩٢٣) : «جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب الهاشمي ، أبو عبد الله الصادق المدنيّ ، أحد الأعلام ، حدّث عن أبيه وجدّه وأبي أمّه القاسم بن محمّد وعروة ، وعنه خلق لا يُحصون ، فمنهم إبنا موسى وشعبة والسفيانان ..» (٣).

وقال ابن الحجر الهيثمي (م ٩٧٤) : «جعفر الصادق .. نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان ، وانتشر صيته في جميع البلدان ، وروي عنه الأئمّة الأكابر» (٤).

__________________

(١) صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطميّة الأخيار / ٤٤.

(٢) التحفة اللطيفة ١ / ٢٤١.

(٣) الخلاصة / ٧٦ ؛ على ما في الإمام الصادق عليه‌السلام والمذاهب الأربعة ١ / ٦١ ؛ موسوعة الإمام الصادق ٢ / ٣١.

(٤) الصّواعق المحرقة / ٢٠١.

١٧٤

وقال علي القاري (م ١٠١٤) : «جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن أبي طالب ، الهاشمي ، المدني ، المعروف بالصادق ، أمّه أم فروة بنت القاسم بن محمد ابن أبي بكر .. متّفق على إمامته وجلالته» (١).

وقال أحمد بن يوسف القرماني (م ١٠١٩) : «كان ـ أي الإمام الصادق عليه‌السلام ـ بين إخوته خليفة أبيه ووصيّه ، نقل عنه من العلوم ما لم ينقل عن غيره ، كان رأساً في الحديث» (٢).

وقال المناوي (م ١٠٣١) : «وكانت له كرامات كثيرة ، ومكاشفات شهيرة ..» (٣).

وقال شهاب الدين الخفاجي (م ١٠٦٩) : «.. اتّفقوا على إمامته ، وجلالته ، وسيادته ..» (٤).

وقال ابن عماد الحنبلي (م ١٠٨٩) : «.. الإمام ، سلالة النبوّة ، أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين ، الهاشمي العلوي .. وكان سيّد بني هاشم في زمنه ، عاش ثمانياً وستّين سنة وأشهراً .. وقد ألّف تلميذه جابر بن حيّان الصوفي كتاباً في ألف ورقة يتضمّن رسائله ، وهي خمسمائة رسالة» (٥).

وقال الشبراوي (م ١١٧٢) : «السادس من الأئمّة جعفر الصادق ، ذوالمناقب الكثيرة ، والفضائل الشهيرة ، روى عنه الحديث أئمّة كثيرون .. وغرر فضائله

__________________

(١) شرح الشفاء ٢ / ٣٥ ؛ على ما في الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ١ / ٥٧ ؛ موسوعة الإمام الصادق ٢ / ٥٤.

(٢) تاريخ القرماني ١ / ٣٣٤.

(٣) الكوكب الدريّة ١ / ٩٤ ؛ على ما في موسوعة الإمام الصادق ٢ / ٥٧.

(٤) موسوعة الإمام الصادق ٢ / ٥٧.

(٥) شذرات الذهب ٢ / ٢١٦.

١٧٥

وشرفه على جبهات الأيّام كامله ، وأندية المجد والعزّ بمفاخره ومآثره آهله ..» (١).

وقال السيّد عبّاس المكّي (م ١١٨٠) : «الإمام جعفر الصادق بن محمّد الباقر ابن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أحد الأئمّة الاثني عشر ، كان من سادات أهل البيت ، لقّب بالصادق لصدقه في مقالته ، وفضله أشهر من نار على علم ، كيف لا وهو ابن سيّد الأمم» (٢).

وقال الصبان (م ١٢٠٦) : «وأمّا جعفر الصادق فكان إماماً نبيلاً .. وكان مجاب الدعوة ، إذا سأل الله شيئاً لا يتمّ قوله إلّاوهو بين يديه» (٣).

وقال محمّد أمين السويدي (م ١٢٤٦) : «جعفر الصادق كان من بين أخوته خليفة أبيه ، ووصيّه ، نقل عنه من العلوم ما لم ينقل عن غيره ، وكان إماماً في الحديث .. ومناقبه كثيرة» (٤).

وقال الشيخ مصطفى رشدي بن الشيخ إسماعيل الدمشقي المتوفّى بعد ١٣٠٩ : «الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام كان فارس ميدان العلوم ، غوّاص بَحْرَي المنطوق والمفهوم ، نقل عنه أكثر الناس على اختلاف مذاهبهم من العلوم ما سارت به الركبان ، وانتشر ذكره في سائر الأقطار والبلدان ، وقد جمع أسماء من يروي عنه فكانوا أربعة آلاف رجل» (٥).

وقال الشيخ الأزهري محمّد أبو زهرة : «ما أجمع علماء الإسلام على اختلاف طوائفهم في أمر كما أجمعوا على فضل الإمام الصادق وعلمه» (٦).

__________________

(١) الإتحاف بحبّ الأشراف ، الشبراوي / ١٤٦.

(٢) نزهة الجليس ٢ / ٣٥.

(٣) إسعاف الراغبين ؛ على ما في موسوعة الإمام الصادق عليه‌السلام ٢ / ٦٢.

(٤) سبائك الذهب ، السويدي / ٧٤.

(٥) الروضة النديّة / ١٢ ؛ على ما في إحقاق الحق ٢ / ٢١٨ ؛ موسوعة الإمام الصادق عليه‌السلام ٢ / ١٣٣.

(٦) مؤتمر الإمام جعفر الصادق والمذاهب الإسلاميّة ١٥٣.

١٧٦

وجاء في الموسوعة العربيّة المعاصرة ـ لمجموعة من العلماء والباحثين العرب ـ : «جعفر الصادق (٦٩٩ ـ ٧٦٥) سادس أئمّة الشيعة الإماميّة ، ولد بالمدينة ، وعاش زمناً طويلاً في العراق ، عاصر الدولة الأمويّة والعبّاسيّة ، ولكنّه سلم من اضطهادهما! (١) .. كان عالماً حكيماً زاهداً متبحّراً في علوم الدين .. وكان أستاذاً لجابر ابن حيّان» (٢).

وقال سعد القاضي : «الإمام جعفر الصادق رضى الله عنه ، إنّه واحد من عظماء الرجال ، وعظماء الرجال كالشموع تحترق لتضيء الطريق للبشريّة في صراعاتها مع الحياة ، لتحدّد معالم الطريق للمسترشدين ، إنّه واحد من الذين قدّموا لأمّته عصارة أفكاره وخلاصة علمه ، فكان كالنحلة التي تمتصّ الأزهار المختلفة لتقدّم للناس العسل الذي فيه شفاء ، إنّه الإمام الذي أقبل على العبادة والخضوع ، وآثر العزلة والخشوع ، إنّه الإمام الذي إذا نظرت إليه علمت أنّه من سلالة الأنبياء ، إنّه الإمام المجاب الدعوة ، فإذا سأل الله شيئاً لا يتمّ قوله إلّاوهو بين يديه ، إنّه الإمام الذي يطالب الناس أن يفكّروا ليعرفوا الله ، أن يعرفوا الله بعقولهم ليستقرّ إيمانهم على أساس وطيد .. وأنشأ في الحياة الفكرية تيّاراً جديداً خصباً أعلى فيه العقل والنظر والتّأمّل والعلم .. لقد رحل إمام الشيعة وشيخ أهل السنّة بعد أن ترك ثروةً من الفقه والعلم والتأمّلات ، وجمع المعارف كلّها ، وعلوم الدنيا والدين ، إنّه معلّم الفقهاء : الإمام جعفر الصادق» (٣).

وقال : «وقالوا عن الإمام جعفر الصادق وعن مجلسه العلمي : حياة الرجال

__________________

(١) كيف سلم عليه‌السلام من اضطهادهما ولقد واجه المصاعب والعراقيل ، وتحمّل الأذى الكثير ، وسُمّ بأمر المنصور الدوانيقي عليه اللعنة.

(٢) الموسوعة العربيّة المعاصرة ١ / ٦٣٤ ؛ على ما في موسوعة الإمام الصادق ٢ / ١٣٤.

(٣) العارف بالله سيدي الإمام جعفر الصادق ٣ ـ ٥ (طبع القاهرة).

١٧٧

لا تقاس بالسنين ، ولكن تقاس بما قدّموه للبشريّة من خير ونفع .. ومن هذه الدروس الأوليّة في مجلس الإمام جعفر الصادق تعلّم الناس أن يسعوا لعمارة الدنيا بالعمل للرزق ومجانبة التواكل والبطانة» (١).

وكتب الباحث الأستاذ برهان البخاري الدمشقي : «إنّ أهمّ ما تميّز به القرن الثاني للهجرة هو نشوء المذاهب الفقهيّة ، حيث ظهرت مجموعة من الفقهاء أبرزهم حسب تسلسل تاريخ الوفاة : جعفر الصادق (٨٠ ـ ١٤٨) ، أبو حنيفة (٨٠ ـ ١٥٠) ، الأوزاعي (٨٨ ـ ١٥٧) ، الليث بن سعد (٩٤ ـ ١٧٩) ، مالك (٩٣ ـ ١٧٩) ، الشافعي (١٥٠ ـ ٢٠٤) ، أحمد بن حنبل (١٦٤ ـ ٢٤١) ، لقد أسّس كلّ واحد من هؤلاء الفقهاء السبعة مذهباً خاصّاً به ، واستمرّت هذه المذاهب حتّى يومنا هذا ، عدا مذهبَي الأوزاعي والليث بن سعد ، ومن بين هؤلاء الفقهاء السبعة برز الإمام الصادق عليه‌السلام علامة فارقة من حيث الترتيب الزمني ، وتأثيره على الذين جاؤوا بعده ، والأهمّ من ذلك تفرّده كسليل لآل بيت النبوّة وفقيههم المتميّز ، وليس لهذا الحين أن يفي ولو بجزء بسيط من مناقب الصادق ، فلقد وضعت فيه مؤلّفات عديدة ، وشهد له العدوّ قبل الصديق ، يكفي أنّ أبا جعفر المنصور الذي بطش بالطالبيّين بطشة لم يجاره بها أحد كان يجلّه ويهابه ، ويحسب له ألف حساب (٢). إنّ أهمّ ما تميّز به الصادق في نظري هو عمق النظرة وشموليّتها .. كانت غيرته على الدين واضحة ، ووقوفه ضدّ الوضّاعين والغلاة معروفة ، ومجابهته للتطرّف أثبتها أكثر من موقف .. ولا أدلّ على مكانة الصادق عند بقيّة المذاهب وعند السنّة بخاصّة من عدد المصادر التي ترجمت له أو أوردت طرفاً من أخباره والتي بلغت (٦٤) أربعة وستّين مصدراً سنّياً حسب إحصاءاتنا ، ولقد تلمذ على يديه عدد من

__________________

(١) نفس المصدر : ٦ ـ ٧.

(٢) ومع ذلك سمّه المنصور ، ومات الإمام الصادق عليه‌السلام شهيداً كآبائه.

١٧٨

كبار العلماء ، على رأسهم الإمامان أبو حنيفة ومالك ، وتورد المصادر مدى إعجاب أبي حنيفة بالصادق ..» (١).

وقال : «إنّ الصادق يمكن أن يشكّل أحد أهمّ نقاط الارتكاز بالنسبة لأيّ تقارب إسلامي ـ إسلامي ، فمن الثّابت أنّه يشكّل نقطة التقاء لا خلاف عليها بالنسبة لجميع المذاهب والفِرَق التي نشأت بعد وفاته ، أمّا فيما يخصّ مكانته الفقهيّة فيكفي القول أنّ الأحاديث المسندة إليه وحده حسب إحصاءاتنا تشكّل ٦٤% من التراث الإمامي الاثني عشري .. وإذا كنّا أوجدنا أسسا للحوار مع بقيّة الديانات أفلا نستطيع أن نوجد أسساً لحوار جادّ وفعّال بين المذاهب داخل الدين الواحد؟ أم أنّ هذا الأمر ما زال ضمن حدود منطقة التابو؟!» (٢)(٣).

والامام الصادق عليه‌السلام أيضاً مات مسموماً (٤) شهيداً ، كسائر الأئمة عليهم‌السلام ، ذكر ابن شهراشوب عن أبي جعفر القمي انه سمّه المنصور ، ودفن ـ عليه‌السلام ـ بالبقيع. (٥)

ورثاه أبو هريرة العجلي الذي عدّ في شعراء أهل البيت ، فانه رثى مولانا الإمام الصادق عليه‌السلام لما حمل عليه‌السلام على سريره وأخرج إلى البقيع ليدفن بقوله :

أقول وقد راحوا به يحملونه

على كاهل من حامليه وعاتق

أتدرون ماذا تحملون إلى الثرى

ثبيراً ثوى من رأس علياء شاهق

غداة حثى الحاثون فوق ضريحه

تراباً واولى كان فوق المفارق

__________________

(١) الإمام الصادق ، برهان البخاري / ١٧ ، ١٨ ، ٢٠.

(٢) نفس المصدر / ٢٩.

(٣) انظر : الإمام جعفر الصادق رمز الحضارة الاسلامية ، للمؤلف ١٤ ـ ٣١.

(٤) انظر : مناقب أهل البيت ٢٦٩.

(٥) المناقب ٤ / ٢٨٠ ؛ انظر : الفصول المهمة / ٢٠٨ ؛ كشف الغمة ٢ / ٣٦٩ ؛ اعلام الورى / ٢٦٦ ؛ بحار الانوار ٤٧ / ٦٠٥.

١٧٩

أيا صادق ابن الصادقين الية (١)

بآبائك الأطهار حلفة صادق

لحقا بكم ذوالعرش قسم في الورى

فقال تعالى الله ربّ المشارق

نجوم هي اثنا عشرة كن سبقاًإلى الله في علم من الله سابق (٢)

قال السمعاني : والأمة كلها تزور قبره بالبقيع من المدينة (٣).

ملاحظات :

ملاحظات نذكرها تتميماً للفائدة :

الأولى : هل دفنت فاطمة الزهراء عليها‌السلام في البقيع أم لا؟ ما هي الأقوال؟

اختلفت الأقوال والآراء حول موضع قبر سيدة نساء العالمين ، الصديقة الشهيدة ، فاطمة الزهراء ، بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي ناشئة عن وصيتها بالدّفن ليلاً ، وذلك لأسباب معروفة ؛ اذ هي المجهولة قبراً ، والمدفونة سراً ، والمغصوبة جهراً.

قال ابن أبي الحديد : إن دفنها ليلاً في الصحة أظهر من الشمس ، وأن منكر ذلك كالدافع للمشاهدات ، ولم يجعل دفنها ليلاً بمجرده هو الحجة ليقال : لقد دفن فلان وفلان ليلاً ، بل يقع الإحتجاج بذلك على ما وردت به الروايات المستفيضة الظاهرة التي هي كالتواتر (٤).

وقال صاحب المدارك : إنّ سبب خفاء قبرها عليها‌السلام ما رواه المخالف والمؤالف من

__________________

(١) أي قسماً ويميناً.

(٢) مقتضب الأثر ٥٢ ؛ بحار الأنوار ٤٧ / ٣٣٢ ؛ الكنى والألقاب ١ / ١٨١ ؛ الأنوار البهية ١٧٤ ؛ مستدرك سفينة البحار ٦ / ٢٢٧.

(٣) الأنساب ٥ / ٤٥٠.

(٤) شرح نهج البلاغة ١٦ / ٢٨٢.

١٨٠