بقيع الغرقد

الشيخ محمّد أمين الأميني

بقيع الغرقد

المؤلف:

الشيخ محمّد أمين الأميني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٠

المدخل إلا الساحة الرئيسية له ، نجد قبور بنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٣. قبور زوجات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

شمال قبور بنات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، على يسار الواقف أمام قبور البنات ، وعلى بعد حوالي ثمانية أمتار ، نجد قبور زوجات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٤. قبر عقيل بن أبي طالب ، وابن أخيه عبد الله بن جعفر الطيار

على بعد نحو خمسة أمتار شمال قبور زوجات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نجد قبري عقيل وابن أخيه عبد الله بن جعفر.

٥. قبر الإمام مالك ونافع

في الشرق من قبر عقيل بن أبي طالب وعلى نحو عشرة أمتار عند التقاء الممرات الإسمنتية الحديثة يوجد قبران :

الأول : للإمام مالك بن أنس ، امام المالكية من المذاهب الأربعة.

الثاني : لنافع ، وهو إما شيخ القراء المعروف ، أو غيره.

٦. قبر إبراهيم ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

على بعد ٢٠ متراً من قبر مالك ، باتجاه الشرق ، نجد قبره الشريف.

والظاهر : أنّ موضع قبر عثمان بن مظعون يكون قريباً منه ، وذلك لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في تعيين موضع دفن ابنه إبراهيم : «ألحقوه بالسلف الصالح».

٧. مدفن شهداء أحد ووقعة الحرة

على بعد نحو ٧٥ متراً من قبر إبراهيم بن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، نجد مدفن شهداء

١٤١

أحد ووقعة الحرة ، وهم الذين استشهدوا أيام سلطة يزيد بن معاوية عليه اللعنة ، وهو حالياً على شكل مستطيل من الحجر ، بارتفاع لا يتجاوز المتر الواحد عن سطح الأرض ، ومن المعلوم أنه يتضمن بعض أجساد الشهداء رضوان الله عليهم ، وأنهم دفنوا في المكان وحواليه ، وذلك لكثرتهم.

٨. قبر اسماعيل بن جعفر الصادق عليه‌السلام

اسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن أبي طالب ، توفي سنة ١٣٣ في حياة أبيه الصادق عليه‌السلام بعشرين سنة ، كذا في عمدة الطالب ، عن أبي القاسم بن جذاع نسابة المصريين (١).

قال السيد الأمين : قبره الآن خارج البقيع ، بينهما الطريق بجانب سور المدينة المنورة ، ولعلّه كان داخلاً فيه قبل جعل هذا الطريق ، وهو مشيد معظم عليه قبة عظيمة ، هدمها الوهابيون في هذا العصر ، بعد استيلائهم على الحجاز (٢).

وقال الشيخ المدني : وكان يقع (قبر اسماعيل بن جعفر) في الوسط بين الحرم النبوي والبقيع ، وأنا شاهدت هذا القبر قبل طمسه وهدمه (٣).

وقالوا : كان القبر خارج البقيع في الجهة الغربية الجنوبية ، ويفصله عن البقيع شارع بعرض ١٥ متراً ، وكان محاطاً بسور مرتفع بنحو ٣ أمتار ، وكان مبنى الشرشورة وهو مبنى مصلحة الموتى يقع شرقي هذا القبر ، وقد نقل الجسد في التوسعة التي تمت قبل التوسعة الأخيرة ، وأدخل داخل سور البقيع الحالي (٤).

__________________

(١) أعيان الشيعة ٣ / ٣١٦.

(٢) أعيان الشيعة ٣ / ٣١٦ وانظر : منتخب التواريخ ، محمد هاشم الخراساني / ١٠٢.

(٣) التاريخ الأمين / ٣٤٢.

(٤) انظر : بقيع الغرقد / ٨٤.

١٤٢

أقول : قد سمعنا من الأفواه أنه دفن شرق شهداء الحرة ، ولكن الوهابيين أزالوا العلامة والأثر ، كما هو دأبهم.

٩. قبر السيدة حليمة السعدية

قيل : ان قبرها شمال شرق قبر عثمان بن عفان ، أي شمال شرق حش كوكب ، والمعروف أنه شمال قبر عثمان.

١٠. قبور عمات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

على بعد أربعين متراً من مدخل البقيع الرئيسي إلى الشمال على يسار الداخل ، ملاصقاً لسور البقيع نجد القبور الآتية :

الف) قبر صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ب) قبر عاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ج) قبر أم البنين فاطمة الكلابية ، زوجة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

١١. قبر أبي سعيد الخدري

وقبره في الجهة الشرقية الشمالية ، كان على قارعة الطريق المؤدي إلى الحرة الشرقية.

١٢. قبر سعد بن معاذ

على بعد حوالي خمسين متراً شمال قبر عثمان بن عفان ، يوجد قبر الصحابي الجليل سعد بن معاذ.

١٤٣

١٣. قبر عثمان بن عفان

دفن بحش كوكب ، الذي كان خارجاً عن البقيع ، ولكن أدخله معاوية فيه ، وحالياً يقع قبره على بعد ١٣٥ متراً من قبور شهداء الحرة ، في الجهة الشرقية الشمالية (١)

قال ابن كثير : وقد اعتنى معاوية في أيام إمارته بقبر عثمان ، ورفع الجدار بينه وبين البقيع ، وأمر الناس أن يدفنوا موتاهم حوله ، حتى اتصلت بمقابر المسلمين (٢).

قال ابن أبي الحديد : فخرج به نفر يسير من أهله وهم يريدون به حائطاً بالمدينة يعرف بحش كوكب ، كانت اليهود تدفن فيه موتاهم ، فلما صار هناك رجم سريره ، وهموا بطرحه ، فأرسل علي عليه‌السلام يعزم عليهم ليكفوا عنه ، فكفوا ، فانطلقوا به حتى دفنوه في حش كوكب .. وزاد الطبري : ان معاوية لما ظهر على الناس أمر بذلك الحائط ، فهدم حتى أفضى به إلى البقيع ، وأمر الناس أن يدفنوا موتاهم حول قبره ، حتى اتصل ذلك بمقابر المسلمين (٣).

__________________

(١) استفدنا تحديد القبور بالأمتار من كتاب بقيع الغرقد / ٥٩ ـ ٨٦.

(٢) البداية والنهاية ٧ / ٢١٤.

(٣) شرح نهج البلاغة ١٠ / ٦ ـ ٧.

١٤٤

أئمة البقيع (عليهم‌السلام)

١ ـ الامام الحسن المجتبى عليه‌السلام

هو الحسن بن علي بن أبي طالب ، الإمام الزكي ، سيد شباب أهل الجنة ، أبو محمد (١) ، سبط الرسول ، وريحانة البتول ، وحجة الله على أرضه.

ولد عليه‌السلام بالمدينة في النصف (٢) من شهر رمضان سنة اثنتين (أو ثلاث (٣)) من الهجرة ، وقبض مسموماً بالمدينة في صفر سنة تسع وأربعين من الهجرة ، فكان سنه عليه‌السلام يومئذ سبعاً وأربعين سنة ، وأمه سيدة نساء العالمين ، فاطمة بنت محمد ، خاتم النبيين ، صلى‌الله‌عليه‌وآله الطاهرين ، وقبره بالبقيع من مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) ، عند جدته

__________________

(١) المقنعة ٤٦٤.

(٢) عمدة الطالب ٦٥ عن المفيد ؛ سبل السلام ١ / ١٨٦.

(٣) انظر : جواهر الكلام ٢٠ / ٨٧ ؛ عمدة الطالب ٦٥ ؛ المجموع ٣ / ٥٠٣ ؛ سبل السلام ١ / ١٨٦ ؛ المجدي في أنساب الطالبيين ١٣.

(٤) المقنعة / ٤٦٤ ؛ وانظر : الكافي ١ / ٣٠٣ ؛ تهذيب الأحكام ٦ / ٣٩ ؛ رجال الطوسي / ٣٥ ؛ منتخب الأنوار ، محمد بن همام / ٦٠ ؛ الغارات ، إبراهيم بن محمد الثقفي ٢ / ٨٤٣ ؛ تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٢٥ ؛

١٤٥

فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف (١) ، لقبه : الوزير ، والتقي ، والقائم ، والطيب ، والحجة ، والسيد ، والسبط ، والولي (٢).

قال الذهبي : الحسن بن علي بن أبي طالب .. الإمام ، السيد ، ريحانة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسبطه وسيد شباب أهل الجنة ، أبو محمد القرشي الهاشمي المدني الشهيد .. وكان يشبه جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قاله أبو جحيفة (٣).

قال ابن عنبة : وجاءت به فاطمة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم السابع من مولده في خرقة من حرير الجنة كان جبرئيل عليه‌السلام نزل بها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فسماه حسناً ، وعقّ عنه كبشاً (٤).

وروي عن الجعديات لفضيل بن مرزوق ، عن عدّي بن ثابت ، عن البراء ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للحسن : «اللهمّ إنّي أحبه فأحبّه ، وأحب من يحبّه» ، صححه الترمذي (٥)

__________________

تاريخ الأئمة ، ابن أبي الثلج / ٣١ ؛ تاريخ مواليد الأئمة عليهم‌السلام ووفياتهم ، ابن الخشاب البغدادي / ١٨ ؛ المجدي في أنساب الطالبيين / ١٣ ؛ الجوهرة في نسب الإمام علي وآله / ٣٢ ؛ المناقب ٣ / ١٩٢ ؛ منتهى المطلب ٢ / ٨٩١ ؛ تحرير الأحكام ٢ / ١٢١ ؛ روضة الواعظين / ١٦٨ ؛ شرح الأخبار ٣ / ١٢٧ ؛ عمدة الطالب / ٦٥ ؛ بحار الأنوار ٤٤ / ١٤٠ ؛ جواهر الكلام ٢٠ / ٨٧ ؛ كتاب الفتن / ٩١ ؛ الأخبار الطوال ٢٢١ ؛ الآحاد والمثاني ١ / ٢٩٧ ؛ كتاب الثقات ٣ / ٦٨ ؛ تاريخ بغداد ١ / ١٥٠ ؛ تاريخ مدينة دمشق ١٣ / ٢٩٣ ، ٣٠١ ، ٣٠٢ ؛ ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ، محب الدين الطبري / ١٤١ ؛ المجموع ٣ / ٥٠٣ ؛ مقاتل الطالبيين / ٤٨ ؛ الحواشي على تحفة المحتاج ٣ / ٢٠٦ ؛ سبل السلام ١ / ١٨٦.

(١) الارشاد ٢ / ١٩ ؛ تاج المواليد ٢٧ ؛ مناقب آل أبي طالب ٣ / ١٩٢ ؛ عمدة الطالب ٦٥ ؛ بحار الأنوار ٤٤ / ١٥٧ ـ ١٥٨ ؛ الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ٧ / ٦٧.

(٢) تاريخ مواليد الأئمة عليهم‌السلام ووفياتهم ، ابن خشاب البغدادي / ١٨.

(٣) سير اعلام النبلاء ٣ / ٢٤٥.

(٤) عمدة الطالب ٦٥.

(٥) سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٥٠.

١٤٦

وروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» ، صححّه الترمذي (١).

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حقه وحق أخيه : «من أحبهما فقد أحبني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني : الحسن والحسين» (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اللهم اني أحبهما فأحبهما» (٣).

وقال النووي : مناقبه كثيرة مشهورة في الصحيحين وغيرهما (٤).

وقال ابن حجر العسقلاني : فضائله لا تحصى ، وقد ذكرنا منها شطراً في الروضة الندية (٥).

روى الكليني باسناده عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «لما حضر الحسن بن علي عليهما‌السلام الوفاة قال للحسين عليه‌السلام : يا أخي ، إنّي أوصيك بوصية فاحفظها ، إذا أنا مّت فهيئني ، ثمّ وجّهني إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأُحدث به عهداً ، ثمّ اصرفني إلى امّي عليها‌السلام ، ثمّ ردّني فادفّني بالبقيع ..» (٦).

وقال المفيد : روى عبدالله بن إبراهيم ، عن زياد المخارقي قال : لما حضرت الحسن الوفاة استدعى الحسين بن علي عليهما‌السلام فقال : يا أخي ، إنّي مفارقك ولاحق بربّي جلّ وعز ، وقد سقيت السم ورميت بكبدي في الطست ، وانّي لعارف بمن سقاني السمّ ، ومن أين دُهيت ، وأنا اخاصمه إلى الله تعالى ، فبحقي عليك أن

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٥١.

(٢) فضائل الصحابة / ٢٠.

(٣) فضال الصحابة / ٢٤.

(٤) المجموع ٣ / ٥٠٣.

(٥) سبل السلام ١ / ١٨٦.

(٦) الكافي ١ / ٣٠٠ ، ح ١ ، ونحوه في ١ / ٣٠٢ ؛ الخرائج والجرائح ١ / ٢٤٢ ؛ اعلام الورى ١ / ٤٢١ ؛ عيون المعجزات / ٥٨ ؛ تفصيل وسائل الشيعة ٣ / ١٦٣ و ١٦٤ ؛ بحار الانوار ٩٩ / ٢٦٤ ؛ العوالم ١٧ / ٧٧.

١٤٧

تكلّمت بشىء ، وانتظر ما يحدث الله عز ذكره فيّ ، فاذا قبضت فغمّضني وغسّلني وكفّنّي واحملني على سريري الى قبرجدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأجدّد به عهداً ، ثمّ ردّني الى قبر جدّتي فاطمة بنت أسد رحمه‌الله فادفّني هناك ، وستعلم يا ابن أُم أنّ القوم يظنّون أنكم تريدون دفني عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيُجْلبون في منعكم عن ذلك ، وبالله أُقسم عليك أن تهريق في أمري محجمة دم ..» (١).

فظهر أن الإمام الحسن عليه‌السلام دفن بالبقيع تنفيذاً لوصيته (٢) ، لعلمه عليه‌السلام بالأحداث المؤلمة (٣) ، وما تظهره الأحقاد الدفينة (٤) والأنفس الشريرة ، وبه يظهر ضعف ما نقله ابن كثير (٥) وغيره (٦) من أنه عليه‌السلام عهد إلى أخيه الحسين عليه‌السلام أن يدفن مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ جرى ماجرى.

نعم ، جاء في منتخب الأنوار لمحمد بن همام الكاتب الإسكافي : ولما حضرته الوفاة دعا أخاه الحسين بن علي عليهما‌السلام ، وقال له : يا أخي ، إذا أنا متّ ، وأخذت في أمري ، وصيّرتني على السرير ، فأنشدك الله بحقّ جدي رسول الله (٧) وأمي فاطمة ، إذا صرت إلى قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإن تركوك فادفنّي معه ، وإن منعوك فبالله عليك

__________________

(١) الإرشاد ٢ / ١٧ ؛ اعلام الورى ١ / ٤٢٢ ؛ وانظر : دلائل الإمامة / ١٦٠ ـ ١٦٢ ؛ الهداية الكبرى / ١٨٦.

(٢) انظر : الخرائج والجرائح ١ / ٢٤٢ ـ ٢٤٣ ؛ ذخائر العقبى / ١٤١ ؛ الصراط المستقيم ٣ / ١١٥ ؛ مدينةالمعاجز ٣ / ٣٤٠ و ٣٧٣ ؛ بحار الأنوار ٤٤ / ١٥٤ و ١٧٤.

(٣) انظر : الجوهرة / ٣٢ ؛ كتاب الفتن / ٩١ ؛ الأخبار الطوال / ٢٢١ ؛ بحار الأنوار ٤٤ / ١٤٢ و ١٤٤.

(٤) انظر : تاريخ مدينة دمشق ١٣ / ٢٨٧.

(٥) البداية والنهاية ٨ / ٤٨.

(٦) انظر : كتاب الفتن (لنعيم بن حماد) / ٩١ ؛ الأخبار الطوال / ٢٢١ ؛ كتاب الثقات ٣ / ٦٧ ؛ مقاتل الطالبيين / ٤٨ ؛ جواهر المطالب ، الباعوني ٢ / ٢٠٩ ؛ ذخائر العقبى ١٤٢ ؛ الجوهرة / ٣٢ ؛ تاريخ مدينة دمشق ١٣ / ٢٩١ ؛ فتح الباري ١٣ / ٢٥٩ ؛ شرح نهج البلاغة ١٧ / ٢١٥ ؛ سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٧٥.

(٧) وفي بعض المصادر : وأبي أمير المؤمنين.

١٤٨

يا أخي ، وبحقّ جدي وأمي إن كلّمت أحداً ، وارددني فادفنّي بالبقيع (١).

ولكن ما ذكره الشيخ المفيد هو المعتمَد.

ثم قال المفيد : فلمّا مضى عليه‌السلام لسبيله غسّله الحسين عليه‌السلام وكفّنه وحمله على سريره ، ولم يشك مروان ومن معه من بني أمية أنهم سيدفنونه عند رسول الله صلّى الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتجمعوا له ولبسوا السلاح ، فلما توجّه به الحسين بن علي عليهما‌السلام إلى قبر جدّه رسول الله عليه وآله ليجدّد به عهداً أقبلوا إليهم في جمعهم .. ـ إلى ان قال : ـ وكادت الفتنة (٢)

__________________

(١) منتخب الأنوار / ٦١.

(٢) روى ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ١٣ / ٢٩٣ عن عباد بن عبد الله بن الزبير ، قال سمعت عائشةتقول يومئذ : «هذا الأمر لا يكون أبداً ، يدفن ببقيع الغرقد! ولا يكون لهم (تعني رسول الله وأبا بكر وعمر) رابعاً ، والله انه لبيتي أعطانيه رسول الله في حياته ، وما دفن فيه عمر وهو خليفة إلا بأمري ، وما آثر على عندنا بحسن ..».

وروى محمد بن همام الكاتب الاسكافي في منتخب الانوار / ٦١ : فلما توفّى حمله الحسين عليه‌السلام حتى صار إلى قبر جده ؛ وجاء مغيرة بن شعبة إلى عائشة وقال لها : لقد مات الحسن ، وقد حمله الحسين حتى صار إلى قبر جده ، وإن دفنه معه ذهب ذكر ابيك وذكر عمر إلى يوم القيامة ، فقالت : ما أصنع؟ قال : تركبين بغلتي ، وتربحين به (وفي بعض المصادر : تمنعين من أن يدفن معه) ، فركبت بغلة المغيرة ، وصارت إلى قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإذا بسرير الحسن عليه‌السلام موضوع من يحول ، فمنعت من دفنه بمقام ، رجال من بني هاشم ، وشهروا سيوفهم وقالوا : بلى ، يدفن مع جده ، وأراد أن تقع نائرة بينهم ، فقال الحسين عليه‌السلام : «نشدتكم بالله إلا سكتّم ، فإنّ أخي أوصاني بكذا وكذا» ، فسكتوا ، وردّه الحسين ودفنه بالبقيع.

واما مغيرة بن شعبة ، فهو الذي قال له الإمام الحسن المجتبى عليه‌السلام : «وأما أنت يا مغيرة بن شعبة ، فإنك لله عدوّ ، ولكتابه نابذ ، ولنبيّه مكذّب ، وأنت الزاني وقد وجب عليك الرجم ، وشهد عليك العدول البررة الأتقياء ، فأخّر رجمك ، ودفع الحقّ بالباطل ، والصدق بالأغاليط ، وذلك لما أعدّ الله لك من العذاب الأليم ، والخزي في الحياة الدنيا ، ولعذاب الآخرة أخزى ، وأنت الذي ضربت فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى أدميتها ، وألقت ما في بطنها ، استذلالاً منك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومخالفة منك لأمره ، وانتهاكاً لحرمته ،

١٤٩

تقع بين بني هاشم وبني أميّة (١)(٢) ، فبادر إبن عباس إلى مروان فقال له : ارجع يا مروان من حيث جئت ، فإنّا ما نريد أن ندفن صاحبنا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكنّا نريد أن نجدّد به عهداً بزيارته ، ثمّ نردّه إلى جدته فاطمة عليها‌السلام ، فندفنه عندها بوصيته بذلك ، ولو كان وصىّ بدفنه مع النبي صلّي الله عليه وآله لعلمت أنّك أقصر باعاً من ردّنا عن ذلك .. وقال الحسين عليه‌السلام : «والله لولا عهد الحسن إليّ بحقن الدّماء ، وأن لا أهريق في أمره محجمة دم ، لعلمتم كيف تأخذ سيوف الله منكم مأخذها ، وقد نقضتم العهد بيننا وبينكم ، وأبطلتم ما اشترطنا عليكم لأنفسنا».

ومضوا بالحسن عليه‌السلام فدفنوه بالبقيع عند جدته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبدمناف ، رضي‌الله‌عنها واسكنها جنات النعيم (٣).

وذكر ابن فتال النيسابوري (٤) والطبرسي نحوه بتفاوت يسير (٥).

وقال أبو هريرة يوم دفن الحسن بن علي عليه‌السلام : قاتل الله مروان ، قال : والله ما

__________________

وقد قال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا فاطمة ، أنت سيدة نساء أهل الجنة» ، والله مصيرك إلى النار» ، كذا في الاحتجاج ٢ / ٤٠ ؛ بحار الأنوار ٤٤ / ٨٣ ؛ مستدركات علم الرجال ٧ / ٤٧٠ رقم ١٥١٢٤.

(١) انظر : بشارة المصطفى / ٤١٨ ؛ أمالي الطوسي / ١٦٠ ؛ كتاب الفتن / ٩١ ؛ الجوهرة / ٣٢ ؛ كتاب الثقات ٣ / ٦٨ ؛ سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٧٩ ؛ تاريخ مدينة دمشق ١٣ / ٢٨٩ ، ٢٩٠ ، ٢٩٣ ؛ البداية والنهاية ٨ / ٤٨ ؛ اعلام الورى ١ / ٤١٥ ؛ كشف الغمة ٢ / ٢٠٩.

(٢) جاء في الجوهرة / ٣٢ : .. وتنازعوا حتى دخلت بنو هاشم مع الحسين في السلاح وبنو أمية مع مروان كذلك ، فأصلح الناس وأبو هريرة بينهم ، وقال أبو هريرة : والله إنّ هذا لظلم! يمنع الحسن أن يدفن مع جدّه؟! وفي كتاب الفتن لنعيم بن حماد المروزي / ٩١ : قال أبو حازم : قال أبو هريرة : أرأيت لو أنّ إبناً لموسى أوصى أن يدفن مع أبيه فمنع ألم يكن ظلموا؟! قلت : بلى ، قال : فهذا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يمنع أن يدفن مع أبيه! (ورواه الذهبي في سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٧٥).

(٣) الأرشاد ٢ / ١٨ ـ ١٩ ؛ انظر : بحار الأنوار ٤٤ / ١٥٤.

(٤) روضة الواعظين ١ / ١٦٧.

(٥) اعلام الورى / ٢١١.

١٥٠

كنت لأدع ابن أبي تراب يدفن مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد دفن عثمان بالبقيع! ، فقلت : يا مروان! اتق الله ، ولا تقل لعلي إلا خيراً ، فأشهد لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول يوم خيبر : «لأعطينّ الراية رجلاً يحبه الله ورسوله ، ليس بفرار (١)» ، وأشهد لسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في حسن : «اللهم اني أحبه فأحبه ، وأحب من يحبّه» (٢).

ولا يخفى أنّ مروان بن الحكم كان وقتئذٍ أمير المدينة (٣) ، أو أنه كان معزولاً ، وإنّما فعل ما فعل ابتغاء مرضاة معاوية (٤) ، وطلباً للرئاسة (٥).

ومات الامام الحسن المجتبى عليه‌السلام شهيداً ، إذ أنّه قد سمّ بدسيسة معاوية ، تمهيداً لسلطة ابنه يزيد.

قال أبو علي محمد بن همام الإسكافي : استشهد عليه‌السلام في سنة خمسين من الهجرة ، بعد مضيّ عشر سنين من ملك معاوية ، وكان سبب وفاته شربة وجهها معاوية على يد امرأته جعدة بنت الأشعث ـ لعنه الله ـ وأقطعها على ذلك ضيعة نقية وعشرة آلاف ، وروي : أنه سقي برادة الذهب ، حتى قاء كبده ، وقال : «سقيت السمّ مرتين ، وهذه الثالثة» ، ودفن بالمدينة في البقيع (٦).

__________________

(١) انظر : العمدة / ١٣ ؛ تاريخ مدينة دمشق ١٣ / ٢٨٨ و ٤٢ / ١٠٧ ، ١١١ ، ١١٣ ، ١٢٣ ؛ فتح الباري ٧ / ٦٠ ؛ بحار الأنوار ٣٧ / ٢٧.

(٢) تاريخ مدينة دمشق ١٣ / ٢٨٨ ؛ خلاصة عبقات الأنوار ، الميلاني ٣ / ٢٥٥ ؛ وانظر : الجوهرة في نسب الإمام علي وآله ٣٢ ؛ سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٧٥ ؛ الغدير ٨ / ٢٦٥ ؛ و ١١ / ١٤.

(٣) تاريخ المدينة ١ / ١١٠.

(٤) تاريخ مدينة دمشق ١٣ / ٢٨٧ (وفيه : فلم يزل مروان عدواً لبني هاشم حتى مات) ؛ الغدير ٨ / ٢٦٥.

(٥) روى ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ٢١ / ١٢٧ : انّ معاوية كتب إلى مروان يشكر له ما صنع واستعمله على المدينة ، ونزع سعيد بن العاص ، وكتب إلى مروان : إذا جاءك كتابي هذا فلا تدع لسعيد بن العاص قليلاً ولا كثيراً إلا قبضته.

(٦) منتخب الأنوار / ٦٠.

١٥١

وقال ابن حبان : الحسن بن علي بن أبي طالب .. ، ابن فاطمة الزهراء ، كان أشبه الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كنيته أبو محمد ، سمّ حتى نزل كبده (١).

وروى ابن عساكر عن أبي سليمان بن زبر ، قال : مات الحسن بن علي يعني سنة تسع وأربعين ، وكان قد سقي السم ، فوضع كبده .. (٢).

وقال ابن شهراشوب : وكان بذل معاوية لجعدة بنت محمد الأشعث الكندي ، وهي ابنة أم فروة ، أخت أبي بكر بن أبي قحافة ، عشرة آلاف دينار ، وإقطاع عشرة ضياع من سقى سوراء وسواد الكوفة ، على أن تسمّ الحسن (٣).

جاء في كشف الغمة : لما اراد معاوية أخذ البيعة ليزيد ، دسّ إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس ـ وكانت زوجة الحسن بن علي عليهما‌السلام ـ من حملها على سمّه ، وضمن لها أن يزوّجها بابنه يزيد ، فأرسل إليها مأة الف درهم ، فسقته جعدة السمّ (٤) ، وبقي عليه‌السلام أربعين يوماً مريضاً ، ومضى لسبيله في صفر سنة خمسين من الهجرة ، وله يومئذ ثمان وأربعون سنة ، وتولّى أخوه ووصيه الحسين عليهما‌السلام غسله وتكفينه ودفنه عند جدّته فاطمة بنت أسد .. بالبقيع (٥).

__________________

(١) كتاب الثقات ٣ / ٦٧ ؛ مشاهير علماء الأمصار ، محمد بن حبان / ٢٤.

(٢) تاريخ مدينة دمشق ١٣ / ٣٠٢ و ٣٠٠ ؛ وانظر : التعديل والتجريح ، سليمان بن خلف الباجي ١ / ٤٧٥ ؛ نظم درر السمطين / ٢٠٥.

(٣) مناقب آل أبي طالب ٣ / ١٩٢ ؛ بحار الأنوار ٤٤ / ١٣٥.

(٤) انظر : التنبيه والاشراف ، المسعودي / ٢٦٠ ؛ رجال الطوسي / ٣٥ ؛ سبل الهدى والرشاد ١١ / ٦٤ ؛ عمدة الطالب / ٦٧.

(٥) كشف الغمة ١ / ٥٨٤ ؛ انظر : الارشاد ٢ / ١٥ ؛ تهذيب الأحكام ٦ / ٣٩ ؛ مشاهير علماء الأمصار ٢٤ ؛ تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٢٥ ؛ تاريخ مدينة دمشق ١٣ / ٢٨٨ ؛ تهذيب الكمال ٦ / ٢٥٤ ؛ كشف الغمة ٢ / ٢٠٨ ؛ المناقب ٤ / ٢٨ ؛ اعلام الورى ١ / ٤٠٣ ؛ العدد القوية لدفع المخاوف اليومية ، علي بن يوسف المطهر الحلي / ٣٥١ ؛ الجامع العباسي ١٨٨.

١٥٢

وفي الخبر : ثم القائم من بعده ـ أي أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ـ ابنه الحسن سيد الشباب وزين الفتيان ، يقتل مسموماً ، يدفن بأرض طيبة ، في الموضع المعروف بالبقيع (١)

وذكر الحاكم النيسابوري بإسناده عن ثعلبة بن أبي مالك قال : شهدنا الحسن ابن علي يوم مات ودفنّاه بالبقيع ، ولو طرحت إبرة ما وقعت إلا على رأس انسان (٢).

قال نعيم بن حماد : فلم يشهده أحد من بني أمية إلا خالد بن الوليد بن عقبة ، فإنه ناشدهم الله وقرابته فخلّوا عنه (٣).

وروى الذهبي عن مساور السعدي قال : رأيت أبا هريرة قائماً على مسجد رسول الله صلّى عليه وسلّم يوم مات الحسن يبكي وينادي بأعلى صوته : يا أيها الناس! مات اليوم حبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فابكوا (٤).

وروي عن مساور مولى بني سعد بن بكر ، قال : وقد اجتمع الناس لجنازته ، حتّى ما كان البقيع يسع أحداً من الزّحام (٥).

وقد بكاه الرجال والنساء سبعاً ، واستمرّ نساء بني هاشم ينحن عليه شهراً ، وحدت نساء بني هاشم عليه سنة (٦).

__________________

(١) مقتضب الأثر ١٣ ؛ بحار الأنوار ٣٦ / ٢١٨.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٧٣ ؛ الإصابة ٢ / ٦٥ ؛ المنتخب من ذيل المذيل ١٩ ؛ تاريخ مدينة دمشق ١٣ / ٢٩٧ ؛ تهذيب الكمال ٦ / ٢٥٦.

(٣) كتاب الفتن ٩١.

(٤) سير اعلام النبلاء ٣ / ٢٧٧ ؛ جواهر المطالب ٢ / ٢١.

(٥) جواهر المطالب ٢ / ٢١.

(٦) البداية والنهاية ٨ / ٤٨.

١٥٣

وجاء في الخبر : «.. وأما الحسن ، فانه ابني وولدي ، ومنّي ، وقرة عيني ، وضياء قلبي ، وثمرة فؤادي ، وهو سيد شباب أهل الجنة ، وحجة الله تعالى على الأئمة ، أمره أمري ، وقوله قولي ، فمن تبعه فإنه مني ، ومن عصاه فليس مني ، وإني نظرت إليه فذكرت ما يجري عليه من الذّل بعدي ، فلا يزال الأمر به حتى يقتل بالسمّ ظلماً وعدواناً ، فعند ذلك تبكي الملائكة والسبع الشداد بموته ، ويبكيه كلّ شيء حتى الطير في جوّ السماء ، والحيتان في جوف الماء ، فمن بكاه لم تعم عيناه يوم تعمى الأعين ، ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب ، ومن زاره في البقيع ثبتت قدماه على الصراط يوم تزل فيه الأقدام ..» (١).

جاء في كامل الزيارة باسناده عن عمر بن يزيد بياع السابري ، رفعه ، قال : كان محمد بن علي ابن الحنفية يأتي قبر الحسن بن علي عليهما‌السلام فيقول : السلام عليك يا بقية المؤمنين ، وابن أول المسلمين ، وكيف لا تكون كذلك وأنت سليل الهدى ، وحليف التقوى ، وخامس أهل الكساء ، غذتك يد الرحمة ، وربيت في حجر الإسلام ، ورضعت من ثدي الإيمان ، فطبت حيّاً ، وطبت ميّتاً ، غير أن الأنفس غير طيبة بفراقك ، ولا شاكة في حياتك ، يرحمك الله. ثمّ التفت إلى الحسين عليه‌السلام فقال : يا أبا عبد الله الحسين ، فعلى أبي محمد السلام (٢).

ولنختم الكلام بماجاء في إحدى الزيارات الجامعة : «السلام على الإمام المعصوم ، والسبط المظلوم ، والمضطهد المسموم ، بدر النجوم ، والمودّع بالبقيع ، ذي الشرف الرفيع ، السيد الزكي والمهذّب التقي ، أبي محمد الحسن بن علي عليهما‌السلام» (٣).

__________________

(١) الفضائل ، شاذان بن جبرئيل القمي ١٠.

(٢) كامل الزيارات / ١١٧ ، ح ١٢٩ ؛ المزار (للمفيد) ١٨١ / ؛ بحار الأنوار ٩٧ / ٢٠٥ ؛ جامع أحاديث الشيعة ١٢ / ٢٦٦ ؛ ذخيرة الصالحين ٤ / ٢٠٩.

(٣) بحار الأنوار ١٠٢ / ١٩٢ عن مصباح الزائر ٢٥٤ ، وج ٩٩ / ١٩٢ ؛ المزار لمحمد بن المشهدي ١٠٤.

١٥٤

٢ ـ الامام علي بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام

هو الإمام علي بن الحسين ، لقبه الزكي وزين العابدين وذو الثفنات والأمين (١) ، رابع الأئمة عند الشيعة الإمامية ، وحجة الله على أرضه ، ولد في الخامس من شعبان (٢) سنة ثمان وثلاثين من الهجرة (٣) ، وأمه شاه زنان (٤) بنت شيرويه بن كسرى أبرويز (٥) ، وقيل : شاه زنان بنت يزدجرد بن كسرى (٦) ، ويقال : كان اسمها شهربانو بنت يزدجرد (٧) ، وقيل : أم ولد اسمها غزالةالة ، ٢ (٨) ، ويقال : بل كان اسمها برة بنت النوشجان (٩) ، وقبض بالمدينة يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة بقيت من المحرم (١٠) سنةخمس وتسعين (١١) ، وقيل : أربع وتسعين (١٢) ، وله يومئذسبع وخمسون سنة (١٣) ، وولد له ثمان بنين ولم يكن له انثى (١٤) ، وكان إمامته أربعاً وثلاثين سنة (١٥) ،

__________________

(١) كشف الغمة ٢ / ٣١٧.

(٢) الجامع العباسى ١٨٩.

(٣) المقنعة ٤٧٢ ؛ تهذيب الأحكام ٦ / ٧٧ ؛ تحرير الأحكام ٢ / ١٢٢.

(٤) المستجاد من الارشاد ١٦٢ ؛ كشف الغمة ٢ / ٣١٧.

(٥) الجامع العباسى ١٨٩.

(٦) المقنعة ٤٧٢ ؛ تهذيب الأحكام ٦ / ٧٧ ؛ تحرير الأحكام ٢ / ١٢٢.

(٧) كشف الغمة ٢ / ٣٠٣.

(٨) المقنعة ٤٧٢ ؛ تهذيب الأحكام ٦ / ٧٧ ؛ تحرير الأحكام ٢ / ١٢٢.

(٩) كشف الغمة ٢ / ٣٠٣.

(١٠) اعلام الورى ١ / ٤٨١.

(١١) كشف الغمة ٢ / ٣٠٣ ؛ تحرير الأحكام ٢ / ١٢٢.

(١٢) تاريخ مدينة دمشق ٤١ / ٣٦٢ ، ٤١٤.

(١٣) تهذيب الأحكام ٦ / ٧٧ ؛ تحرير الأحكام ٢ / ١٢٢.

(١٤) كشف الغمة ٢ / ٣١٧.

(١٥) بحار الانوار ٤٦ / ١٢.

١٥٥

وقبره ببقيع المدينة (١).

قال الذهبي : علي بن الحسين ابن الإمام علي بن أبى طالب .. السيد الإمام زين العابدين الهاشمي العلوي المدني .. (٢)

ونُقل عن ابن تيمية ـ مع تعصبه وعناده ـ أنه قال : علي بن الحسين زين العابدين ، وقرة عين الإسلام ، لكثرة ما اشتهر عنه من عبادة وزهد وورع وتسامح وعلوّ أخلاق (٣).

وقال الزهري : ما كان أكثر مجالستي مع علي بن الحسين ، وما رأيت أحداً أفقه منه (٤).

وقال : ما رأيت قريشاً أفضل من علي بن الحسين (٥).

وروى أن رجلاً قال لابن المسيب : ما رأيت أورع من فلان ، قال : هل رأيت علي بن الحسين؟ قال : لا ، قال : ما رأيت أورع منه (٦).

وروى إبن سعد عن عبد الله بن أبي سليمان قال : كان علي بن الحسين .. إذا قام

__________________

(١) المقنعة / ٤٧٢ ؛ منتخب الأنوار / ٦٧ ؛ الارشاد ٢ / ١٣٧ ؛ تهذيب الأحكام ٦ / ٧٧ ؛ دلائل الامامة / ١٩٢ ، شرح الأخبار ٣ / ٢٧٥ ؛ تاريخ الأئمة / ٣١ ؛ مناقب آل أبي طالب ٣ / ٣١١ ؛ تاريخ مواليد الأئمة عليهم‌السلام ووفياتهم / ٢٤ ؛ المنتخب من ذيل المذيل / ١٢٠ ؛ تاريخ مدينة دمشق ٤١ / ٣٦٢ و ٤١٦ ؛ الجوهرة في نسب الإمام علي وآله / ٥١ ؛ اعلام الورى ١ / ٤٨١ ؛ عيون المعجزات / ٦٥ ؛ تحرير الأحكام ٢ / ١٢٢ ؛ منتهى المطلب ٢ / ٨٩٣ ؛ كشف الغمة ٢ / ٢٩٤ و ٣٠٣ ؛ العدد القوية / ٣١٦ ؛ المعارف لابن قتيبة / ٢١٥ ؛ سير أعلام النبلاء ٤ / ٤٠٠ ؛ الجامع العباسي / ١٨٩ ؛ مناقب أهل البيت / ٢٥٥ ؛ بحار الانوار ٤٦ / ١٢ ـ ١٣ ، و ١٥١ و ١٥٤ ؛ ينابيع المودة ٣ / ١٠٩.

(٢) سير اعلام النبلاء ٤ / ٣٨٦.

(٣) علموا أولادكم محبة آل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، الدكتور محمد عبده يماني / ١٦١.

(٤) سير اعلام النبلاء ٤ / ٣٨٩.

(٥) الجوهرة في نسب الامام علي وآله ٥١ ؛ مناقب أهل البيت ، المولى حيدر الشيرواني ٢٥٥.

(٦) سير اعلام النبلاء ٤ / ٣٩١.

١٥٦

إلى الصلاة أخذته رعدة ، فقيل له ما لك؟ فقال : ماتدرون بين يدي من أقوم ومن أناجي؟! (١)

وروى المفيد عن زرارة بن أعين قال : سمع سائل في جوف الليل وهو يقول : أين الزاهدون في الدنيا والراغبون في الآخرة ، فهتف به هاتف من ناحية البقيع يسمع صوته ولا يرى شخصه : ذاك عليّ بن الحسين عليه‌السلام (٢).

وذكر الذهبي عن مالك : أحرم علي بن الحسين ، فلما أراد ان يلبّي قالها ، فأغمي عليه ، وسقط من ناقته فهشم .. وكان يسمى زين العابدين لعبادته (٣).

وعن سفيان بن عيينة : حجّ عليّ بن الحسين بن أبي طالب ، فلما أحرم واستوت به راحلته اصفرّ لونه وانتفض ووقعت عليه الرعدة ولم يستطع أن يلبّي ، فقيل : ما لك لا تلبّي؟ قال : «أخشى أن أقول لبيك ، فيقول لي : لا لبّيك ، ..» فلمّا لبّى غشى عليه وسقط من راحلته ، فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجّه (٤).

ثمّ أن الإمام عليه‌السلام مات شهيداً ، سمّه الوليد بن عبد الملك بن مروان (٥) ، وتوفي عليه‌السلام بالمدينة سنة خمس وتسعين للهجرة ، وله يومئذ سبع وخمسون سنة ، ودفن بالبقيع مع عمه الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٦).

__________________

(١) الطبقات الكبرى ٥ / ٢١٦ ؛ سير اعلام النبلاء ٤ / ٣٩٢.

(٢) الارشاد ٢ / ١٤٢ ؛ مناقب آل أبي طالب ٣ / ٢٨٩ ؛ كشف الغمة ٢ / ٢٩٨ ؛ العدد القوية / ٦٤ ؛ بحار الأنوار ٤٦ / ٧٦.

(٣) سير اعلام النبلاء ٤ / ٣٩٢.

(٤) تاريخ مدينة دمشق ٤١ / ٣٧٨ ؛ تهذيب الكمال ٢٠ / ٣٩٠ ؛ سير اعلام النبلاء ٤ / ٣٩٢ ؛ تهذيب التهذيب ٧ / ٢٦٩.

(٥) مناقب أهل البيت / ٢٥٧ ؛ بحار الأنوار ٤٦ / ١٥٤.

(٦) الارشاد ٢ / ١٣٨ ؛ عنه بحار الانوار ٤٦ / ١٢ ـ ٢٣ ؛ انظر : تهذيب الاحكام ٦ / ٧٧ ؛ سير اعلام النبلاء ٤ / ٤٠٠ ؛ المناقب ٣ / ٣١٠ ؛ كشف الغمة ٢ / ٢٧٥.

١٥٧

وقد أخبروا بموضع دفنه قبل ذلك بسنين ، حيث إنّه جاء في الخبر : «يدفن في أرض طيبة في الموضع المعروف بالبقيع» (١).

ذكر ابن سعد وسبط ابن الجوزى : انه توفي سنة أربع وتسعين ، وكان يقال لهذه السنة : سنة الفقهاء (٢) ، لكثرة من مات منهم فيها (٣) ، وكان عليّ سيد الفقهاء ، مات أولها (٤).

وروى عن حسين بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب ، قال : مات أبي ، علي بن حسين سنة أربع وتسعين ، وصلينا عليه بالبقيع (٥).

وجاء في الخبر أيضا : «ثمّ يكون القائم من بعده (٦) ابنه علي سيد العابدين ، وسراج المؤمنين ، يموت موتاً ، يدفن بالبقيع من أرض طيبة» (٧).

٣ ـ الامام محمد بن علي الباقر عليه‌السلام

هو الإمام محمد بن علي بن الحسين بن أبي طالب ، باقر علم الدين ، وعلم الأولين والآخرين (٨) ، وإمام المتقين ، كنيته أبوجعفر ، خامس الأئمة عند الشيعة الإمامية ، وحجة الله في أرضه ، ولد بالمدينة سنة سبع وخمسين من الهجرة ، وأمه أم

__________________

(١) مقتضب الأثر ١٣ ؛ بحار الانوار ٣٦ / ٢١٩.

(٢) المنتخب من ذيل المذيل / ١٢٠.

(٣) كشف الغمة ٢ / ٢٩٥.

(٤) الطبقات الكبرى ٥ / ٢٢١ ؛ تذكرة الخواص ، سبط ابن الجوزي / ٣٣٢.

(٥) الطبقات الكبرى ٥ / ٢٢١ ؛ تاريخ مدينة دمشق ٤١ / ٤١٤ ؛ تهذيب الكمال ٢٠ / ٤٠٤ ؛ كشف الغمة ٢ / ٢٩٥.

(٦) أي بعد الإمام الحسين بن علي عليه‌السلام.

(٧) مقتضب الأثر / ١٣.

(٨) تحرير الاحكام ٢ / ١٢٣ ؛ منتهى المطلب ٢ / ٨٩٣.

١٥٨

عبد الله (١) فاطمة (٢) بنت الحسن بن علي بن أبي طالب ، فهو أول هاشمي ولد من هاشميين علوي من علويين (٣) ، أي : أنه أول من جمع ولادة الحسن والحسين (٤) ، لقبه باقر العلم والشاكر والهادي (٥) ، وكان واسع العلم ، وافر الحلم (٦) ، وقبض بالمدينة في ذي الحجة ويقال : في شهر ربيع الأول ويقال : في شهر ربيع الآخر ـ والأول أشهر ـ (٧) ، سنة أربع عشرة ومائة ، وكان سنه يومئذ سبعاً وخمسين سنة ، وقبره بالبقيع من مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله (٨).

وفي الخبر : «ثمّ يكون الإمام القائم بعده (٩) المحمود فعاله محمد ، باقر العلم ومعدنه وناشره ومفسره ، يموت موتاً ، يدفن بالبقيع من أرض طيبة» (١٠).

__________________

(١) ام عبدة / كذا في تهذيب الأحكام ٦ / ٧٧ ؛ وفي منتهى المطلب ٢ / ٨٩٣ : أمه ام عبيدة بنت الحسن بن علي بن أبي طالب.

(٢) تاريخ مواليد الأئمة عليهم‌السلام ووفياتهم / ٢٨.

(٣) تاج العروس ٣ / ١١١ ؛ وقال العلامة الحلي في منتهى المطلب ٢ / ٨٩٣ : وهو هاشمي من هاشميين علوي من علويين.

(٤) المجدي في الأنساب ٩٤.

(٥) تاريخ مواليد الأئمة عليهم‌السلام ووفياتهم / ٢٨.

(٦) المجدي في الأنساب ٩٤.

(٧) تاج المواليد ٤١.

(٨) المقنعة ٤٧٢ ـ ٤٧٣ ؛ وانظر : الكافي ١ / ٤٦٩ ؛ تهذيب الأحكام ٦ / ٧٧ ؛ منتخب الأنوار / ٦٩ ؛ الارشاد ٢ / ١٥٨ ؛ اعلام الورى ١ / ٤٩٨ ؛ المناقب ٣ / ٣٤٠ ؛ كشف الغمة ٢ / ٣٣١ ؛ تاج المواليد / ٣٧ و ٤١ ؛ سبل السلام ٢ / ٨٠ ؛ تاريخ الأئمة / ٣١ ؛ تاريخ مواليد الأئمة عليهم‌السلام ووفياتهم / ٢٨ ؛ عمدة الطالب / ١٩٥ ؛ عيون المعجزات / ٧٥ ؛ المجدي في الأنساب / ٩٤ ؛ تحرير الأحكام ٢ / ١٢٣ ؛ منتهى المطلب ٢ / ٨٩٣ ؛ مناقب أهل البيت / ٢٦٠ و ٢٦٢ ؛ شرح مسند أبي حنيفة / ٢١١ ؛ تاج العروس ٣ / ٥٥ ؛ الجامع العباسي ١٨٩ ؛ بحار الانوار ٤٦ / ٢١٥ و ٢١٨ ؛ ينابيع المودة ٣ / ١١١.

(٩) أي بعد الإمام زين العابدين عليه‌السلام.

(١٠) أي بعد الإمام زين العابدين عليه‌السلام.

١٥٩

قال الذهبي : هو السيد الإمام أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي العلوي الفاطمي المدني .. وكان أحد من جمع بين العلم والعمل والسؤدد والشرف والثقة والرزانة ، وكان أهلاً للخلافة ، وهو أحد الأئمة الأثنى عشر الذين تبجّلهم الشيعة الأمامية وتقول بعصمتهم وبمعرفتهم بجميع الدين .. وشهر أبو جعفر بالباقر من بقر العلم أي شقّه ، فعرف أصله وخفيّه .. (١)

قال قطب الدين الراوندي : وأما محمد بن علي عليهما‌السلام ، فلم يظهر من أحد بعد آبائه عليهم‌السلام من علم الدين والآثار والسنة وعلم القرآن والسيرة وفنون العلم ما ظهر منه ، وروى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين ورؤساء الفقهاء ، وصار في الفضل علماً يضرب به الأمثال (٢).

قال الزبيدي : وإنّما لقب به لتبحره في العلم وتوسعه ، وفي اللسان : لأنه بقر العلم وعرف أصله واستنبط فرعه (٣).

ثمّ قال : قلت : وقد ورد في بعض الآثار عن جابر بن عبد الله الأنصاري : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال له : «يوشك أن تبقي حتى تلقى ولداً لي من الحسين ، يقال له محمد ، يبقر العلم بقراً ، فإذا لقيته فاقرئه مني السلام» ، خرجه أئمة النسب (٤).

قال ابن حجر : وسمي بالباقر لأنه تبقر في العلم ، أي توسع فيه (٥).

وروى الشيخ المفيد عن جابر قال : قلت لأبي جعفر بن علي الباقر عليهما‌السلام : حدّثتني بحديث فأسنده لي ، فقال : «حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن

__________________

(١) سير اعلام النبلاء ٤ / ٤٠٤.

(٢) الخرائج والجرائح ٢ / ٨٩٢.

(٣) تاج العروس ٣ / ٥٥.

(٤) تاج العروس ٣ / ٥٥.

(٥) سبل السلام ٢ / ٨٠ ؛ وانظر : شرح مسند أبي حنيفة ٢١١.

١٦٠