بقيع الغرقد

الشيخ محمّد أمين الأميني

بقيع الغرقد

المؤلف:

الشيخ محمّد أمين الأميني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٠

عسقلان؟ قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عندي في ليلتي ، فلما كان بعض الليل قام فخرج إلى البقيع ، فأدركتني الغيرة ، فخرجت في أثره ، فقال : «يا عائشة ، أما إنه ليس بين المشرق والمغرب أكرم على الله من الذي رأيت إلا أن تكون مقبرة عسقلان ، قلت : وما مقبرة عسقلان ، قال : رباط للمسلمين قديم ، يبعث الله منها يوم القيامة سبعين ألف شهيد ، لكلّ شهيد شفاعة لأهل بيته» (١).

أقول : ذكره ابن حبان في المجروحين ، وابن الجوزي في الموضوعات ، وقال الأخير : هذا حديث لا يصحّ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

__________________

(١) كتاب المجروحين ٣ / ٥٨ ؛ الموضوعات ٢ / ٥٤.

(٢) الموضوعات ٢ / ٥٤.

١٠١

العترة (ع) والبقيع

الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام والبقيع

١. تفسير باء البسملة بالبقيع

روي عن ابن عباس أنه قال : أخذ بيدي الإمام علي ليلة مقمرة ، فخرج بي إلى البقيع بعد العشاء ، وقال : اقرأ يا عبد الله ، فقرأت : «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» ، فتكلم لي في أسرار الباء إلى بزوغ الفجر (١).

وقال : يشرح لنا علي عليه‌السلام نقطة الباء من «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» ليلة ، فانفلق عمود الصبح وهو بعد لم يفرغ (٢).

٢. أماترى ما يلقى عثمان؟

روى ابن شبة عن عبد الله بن الزبير قال : بينا أنا وأبي نهوي نحو البقيع ، إذا

__________________

(١) ينابيع المودة لذوي القربى ، القندوزي ١ / ٢١٤ و ٣ / ٢١١ ؛ مستدرك سفينة البحار ١ / ٢٦٩ ؛ تفسير القرآن الكريم ، السيد مصطفى الخميني ١ / ١٥٤.

(٢) مستدرك سفينة البحار ١ / ٢٦٩.

١٠٢

منادٍ ينادي أبي من ورائه : يا أبا عبد الله ، فنظرت فإذا عليّ ، فتشربت له ـ يعنى تحرفت له ـ فقال أبي : إنه أبو الحسن ، لا أمّ لك! فجاء عليّ فقال : «ألاترى ما يلقى عثمان؟» (١).

٣. خبر الشمس

روى شاذان بن جبرئيل القمي عن أبي ذر الغفاري ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : «إذا كان غد وقت طلوع الشمس سر إلى جبانة البقيع ، وقف على نشز من الأرض ، فإذا بزغت الشمس سلّم عليها ، فإنّ الله تعالى أمرها أن تجيبك بما فيك ، فلمّا كان من الغد خرج أمير المؤمنين عليه‌السلام ومعه أبو بكر وعمر وجماعة من المهاجرين والأنصار ، حتى أتى البقيع ، ووقف على نشز من الأرض ، فلما طلعت الشمس قال عليه‌السلام : السلام عليك يا خلق الله الجديد المطيع له ، فسمع دويّ من السماء وجواب قائل يقول : السلام عليك يا أول يا آخر يا ظاهر يا باطن ، يا من هو بكلّ شيء عليم ، فسمع الإثنان الأول والثاني والمهاجرين والأنصار كلام الشمس فصعقوا ، ثمّ أفاقوا بعد ساعة ، وقد انصرف أمير المؤمنين عليه‌السلام عن ذلك المكان ، فقاموا وأتوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مع الجماعة ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا نقول : إنّ علياً بشر مثلنا ، والشمس تخاطبه بما يخاطب به الباري نفسه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : فما سمعتموه؟ قالوا سمعنا الشمس تقول : السلام عليك يا أول. قال : قالت الصدق ، هو أول من آمن بي ، فقالوا : سمعناها تقول : يا آخر ، فقال : قالت الصدق ، هو آخر الناس عهداً بي ، يغسلني ويكفنني ويدخلني قبري ، فقالوا : سمعناها تقول : يا ظاهر ، فقال : قالت الصدق ، هو الذي أظهر علمي ، فقالوا : سمعناها تقول : يا باطن ، فقال : قالت الصدق ، هو الذي بطن سري كله ، فقالوا : سمعناها تقول : يا

__________________

(١) تاريخ المدينة المنورة ٣ / ١١٢٧.

١٠٣

من هو بكلّ شيء عليم ، فقال : قالت الصدق ، هو أعلم بالحلال والحرام والسنن والفرائض ، وما يشاكل على ذلك» ، فقاموا وقالوا : أوقعنا محمد في طخياء ، وخرجوا من باب المسجد. فقال في ذلك أبو محمد العوني (رض) :

إمامي كليم الشمس راجع نورها

فهل لكليم الشمس في القوم من مثل (١)

٤. غضب علي عليه‌السلام

عمل أمير المؤمنين بوصية فاطمة الزهراء (من دفنها سرّاً وليلاً من دون إعلامه أحداً) ، وروي أنه عليه‌السلام عمّى على قبرها ورشّ أربعين قبراً في البقيع .. (٢).

وفي الخبر : فعمل أمير المؤمنين بوصيتها ، ولم يعلم أحداً بها ، فأصنع في البقيع ليلة دفنت فاطمة عليها‌السلام أربعون قبراً جدداً (٣).

وفي خبر الطبري : وأصبح البقيع ليلة دفنت وفيه أربعون قبراً جدداً ، وإن المسلمين لما علموا وفاتها جاؤوا إلى البقيع ، فوجدوا فيه أربعين قبراً ، فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور ، فضج الناس ولام بعضهم بعضاً ، وقالوا : لم يخلف نبيكم فيكم إلا بنتاً واحدة تموت وتدفن ولم تحضروا وفاتها والصلاة عليها ، ولا تعرفوا قبرها. ثمّ قال ولاة الأمر منهم : هاتم من نساء المسلمين من تنبش هذه القبور حتى نجدها فنصلي عليها ، ونزور قبرها ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، فخرج مغضباً قد احمرّت عيناه ، ودرت أوداجه ، وعليه قباه الأصفر الذي كان يلبسه في كلّ كريهة ، وهو متوك على سيفه ذي الفقار ، حتى ورد

__________________

(١) الفضائل / ٦٩ ؛ انظر : عيون المعجزات ٥ / ؛ الهداية الكبرى / ١٨٨ ؛ مدينة المعاجز ١ / ٢١٩ ؛ بحار الأنوار ٣٥ / ٢٧٧ ، ٢٧٨ و ٤١ / ١٨٠.

(٢) بحار الأنوار ٢٩ / ٣٩٠.

(٣) بحار الأنوار ٣٠ / ٣٤٩ و ٣ / ٤١٧١ ؛ بيت الأحزان ، الشيخ عباس القمي / ١٨٥.

١٠٤

البقيع ، فسار إلى الناس النذير وقالوا : هذا علي بن أبي طالب قد أقبل كما ترونه ، يقسم بالله لئن حوّل من هذه القبور حجر ليضعنّ السيف على غابر الآخر .. (١).

٥. وجدتهم خير جيران

روي عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام أنه قيل له : ما لك تركت مجاورة قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجاورت المقابر ـ يعني البقيع ـ فقال : «وجدتهم جيران صدق ، يكفون السيئة ، ويذكرون الآخرة» (٢).

٦. اخرجوا الليلة البقيع

جاء في الخبر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في قضية مهمة : «اخرجوا الليلة البقيع ، فستجدون من علي عجباً» ، قال حذيفة بن اليمان : فاجتمع الناس من العصر في البقيع ، إلى أن هدأ الليل ، ثمّ خرج إليهم أمير المؤمنين عليه‌السلام ومعه ذوالفقار (٣) ، وقال لهم : اتبعوني ، فاتبعوه ، فإذا بنارين متفرقة قليلة وكثيرة ، فدخل في النار القليلة ، قال حذيفة : فسمعنا زمجرة كزمجرة الرعد ، فقلبها على النار الكثيرة ، ودخل فيها .. (٤).

٧. رجفة قبور البقيع

روى ابن ميثم البحراني عن الحسين بن عبد الرحمن التمار ، قال : انصرفت عن

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٣ / ١٧١ ؛ وانظر : البحار ٣٠ / ٣٥٠ ؛ و ٣١ / ٥٩٣ ؛ و ٤٣ / ٢١٢ ؛ بيت الأحزان / ١٨٥.

(٢) كنز العمال ١٥ / ٧٥٩.

(٣) الفضائل / ١٦١.

(٤) نوادر المعجزات ، الطبري الإمامي / ٤٣ ؛ انظر : الروضة في المعجزات والفضائل / ١٥٣ ؛ الفضائل ، شاذان بن جبرئيل القمي / ١٦١ ؛ بحار الأنوار ٣٩ / ١٨٨.

١٠٥

مجلس بعض الفقهاء ، فمررت بسليم الشاذكوني (١) ، فقال لي : من أين أقبلت؟ فقلت : من مجلس فلان العالم ، قال : فما قوله؟ قلت : شيء من كرامات عليّ ، قال : والله لأحدثنّك بعظيمة سمعتها من قرشي عن قرشي عن قرشي ، قال : رجفت قبور البقيع على عهد عمر بن الخطاب ، فضجّ أهل المدينة من ذلك ، فخرج عمر ومعه أهل المدينة إلى المصلى يدعون الله تعالى لتسكن تلك الرجفة ، فما زالت تزيد في كلّ يوم إلى أن تعدّى ذلك إلى حيطان المدينة ، فقال عمر : انطلقوا بنا إلى أبي الحسن علي بن أبي طالب ، فمضوا إليه ودخلوا عليه ، فأخبروه الخبر ، فقال : عليّ بمائة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاختار عليه‌السلام من المائة عشرة ، فجعلهم أمامه ، وخرج بهم ، ولم يبق بالمدينة بنت عاتق إلا خرجت إلى البقيع ، حتى إذا توسطه ضرب الأرض برجله ، وقال : ما لك؟ ما لك؟ ما لك؟ ثلاثاً ، فسكنت الرجفة ، فقال عليه‌السلام : صدق حبيبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولقد أنبأني بهذا الخبر ، وبهذا اليوم ، وباجتماع الناس له (٢).

وفي تأويل الآيات : رجفت قبور البقيع على عهد عمر بن الخطاب ، فضجّ أهل المدينة من ذلك ، فخرج عمر وأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يدعون لتسكن الرجفة ، فما زالت تزيد إلى أن تعدّى ذلك إلى حيطان المدينة ، وعزم أهلها على الخروج عنها ، فعند ذلك قال عمر : عليّ بأبي الحسن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فحضر فقال : يا أبا الحسن ، ألاترى إلى قبور البقيع ورجفها ، حتى تعدى ذلك إلى حيطان المدينة ، وقد همّ أهلها بالرحلة عنها ، فقال علي عليه‌السلام : عليّ بمائة رجل من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله البدريين ، فاختار من المائة عشرة ، فجعلهم خلفه ، وجعل التسعين

__________________

(١) الظاهر كونه سليمان الشاذكوني ، كما أورده ابن حمزة في الثاقب / ٢٧٤ حديث ٢٣٨ ، واما سليمان الشاذكوني فقد قال الذهبي في حقه : «قلت : مع ضعفه لم يكد يوجد له حديث ساقط» ، كذا في سير أعلام النبلاء ٩ / ٣٠٨ ، طبع دار الفكر ، لبنان.

(٢) شرح مئة كلمة / ٢٥٩ ؛ وانظر : الثاقب في المناقب ، ابن حمزة الطوسي / ٢٧٣.

١٠٦

من ورائهم ، ولم يبق بالمدينة سوى هؤلاء إلا حضر ، حتى لم يبق بالمدينة ثيب ولا عاتق إلا خرجت ، ثمّ دعا بأبي ذر وسلمان والمقداد وعمار ، فقال لهم : كونوا بين يدي حتى توسط البقيع ، والناس محدقون به ، فضرب الأرض برجله ، ثمّ قال : ما لك ـ ثلاثاً ـ فسكنت ، فقال : صدق الله وصدق رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد أنبأني بهذا الخبر وهذا اليوم وهذه الساعة ، وباجتماع الناس له ، إنّ الله عزوجل يقول في كتابه : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها* وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها* وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها)(١) ، أما لو كانت هي هي لقالت ما لها وأخرجت إليّ أثقالها. ثم انصرف وانصرف الناس معه ، وقد سكنت الرجفة. (٢)

٨. إحياء الميت بإذن الله

روى الشيخ الكليني باسناده عن عيسى شلقان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «إن أمير المؤمنين عليه‌السلام له خؤولة في بني مخزوم ، وإنّ شاباً منهم أتاه فقال : يا خالي ، إنّ أخي مات ، وقد حزنت عليه حزناً شديداً ، قال : فقال له : تشتهي أن تراه؟ قال : بلى ، قال : فأرني قبره ، قال : فخرج ومعه بردة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله متّزراً بها ، فلما انتهى إلى القبر تلملمت (٣) شفتاه ، ثمّ ركضه برجله ، فخرج من قبره وهو يقول (٤) بلسان الفرس ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ألم تمت وأنت رجل من العرب؟! فقال : بلى ، ولكنّا متنا على سنة فلان وفلان ، فانقلبت ألسنتنا» (٥).

__________________

(١) سورة الزلزلة : ١ ـ ٣.

(٢) تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة ، شرف الدين علي الحسيني ٢ / ٨٣٨ ؛ بحار الأنوار ٤٨ / ٢٩٨ ؛ و ٤١ / ٢٧٢ ؛ مستدرك سفينة البحار ١ / ٣٨٦.

(٣) وفي بعض النسخ : تململت.

(٤) جاء في الثاقب / ٢٢٨ : وهو يقول : «منكل» ، بلسان الفرس ، وفي المناقب ٢ / ١٦٤ : «وميكا»

(٥) الكافي ١ / ٣٨٠ ، كتاب الحجة ، باب مولد أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ح ٨.

١٠٧

وقال ابن جبر : وقال الحميري رحمه‌الله :

فقال له قوم إن عيسى بن مريم

بزعمك يحيي كلّ ميت ومقبر

فما ذا الذي أعطيت قال محمّد

لمثل الذي أعطيه إن شئت فانظر

إلى مثل ما أعطي فقالوا لكفرهم

ألا أرنا ما قلت غير معذر

فقال رسول الله قم لوصيه

فقام وقد ما كان غير مقصر

ورداه بالمستجاب والله خصّه

وقال اتبعوه بالدعاء المبرّر

فلمّا أتى ظهر البقيع دعا به

فرجت قبور بالورى لم تبعثر

فقالوا له يا وارث العلم اعفنا

ومن علينا بالرضى منك واغفر (١)

٩. خبر الصخرة

خبر الصخرة التي كانت في البقيع ؛ فأمر أمير المؤمنين الحسن عليهما‌السلام أن يأتي إليها ، ويضرب عليها قضيب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ليخرج مائة حمراء فيعطيها الأعرأبي ، لإنجاز عدة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففعل ما أمر به ، فطلع من الصخرة ناقة بزمامها ، فجذب مائة ناقة ، ثمّ انضمت الصخرة (٢).

فاطمة الزهراء عليها‌السلام والبقيع

موضع صلاتها في البقيع

قال الشيخ الصدوق بعد ذكر زيارة أئمة البقيع عليهم‌السلام : ثمّ صلّ ثمان ركعات (٣) في

__________________

(١) نهج الإيمان ، ابن جبر / ٦٤٧ ؛ انظر : المناقب ٢ / ١٦٥ ؛ أعيان الشيعة ، السيد محسن الأمين ٣ / ٤٢٢.

(٢) مستدرك سفينة البحار ٦ / ٢١١ ؛ انظر : بحار الأنوار ٤١ / ٢٠١.

(٣) أي يصلي الزائر في زيارة كلّ من الأئمة الأربعة ركعتين ، وهم : الامام الحسن المجتبى ، والإمام زين العابدين علي بن الحسين ، والإمام محمد بن علي الباقر ، والإمام جعفر بن محمد الصادق عليهم‌السلام.

١٠٨

المسجد الذي هناك ، وتقرأ فيها ما أحببت ، وتسلّم في كلّ ركعتين. ويقال : إنه مكان صلّت فيه فاطمة عليها‌السلام (١).

بكاء فاطمة عليها‌السلام عند قبر أم كلثوم بالبقيع

روى الكليني باسناده عن أحدهما عليهما‌السلام : «لما ماتت رقية ابنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألحقي بسلفنا الصالح ١ مان بن مظعون ، ٢ عثمان بن مظعون وأصحابه ، قال : وفاطمة عليها‌السلام على شفير القبر تنحدر دموعها في القبر ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتلقاه بثوبه قائماً يدعو ، قال : إني لأعرف ضعفها ، وسألت الله عزوجل أن يجيرها من ضمة القبر» (٢).

بيت الأحزان

بعد الأحداث المأساوية التي جرت في حق فاطمة الزهراء بنت رسول الله ، وشكواها إلى سيد المظلومين الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بقولها : «.. ما أقل مكثي بينهم ، وما أقرب مغيبي من بين أظهرهم ، فوالله لا أسكت ليلاً ولا نهاراً أو ألحق بأبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال لها علي عليه‌السلام : «افعلي يا بنت رسول الله ما بدا لك» ، ثمّ إنه بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى بيت الأحزان ، وكانت إذا أصبحت قدمت الحسن والحسين عليهما‌السلام أمامها ، وخرجت إلى البقيع باكية ، فلا تزال بين القبور باكية ، فإذا جاء الليل أقبل أمير المؤمنين عليه‌السلام إليها وساقها بين يديه إلى منزلها (٣).

__________________

(١) من لايحضره الفقيه ٢ / ٥٧٧.

(٢) الكافي ٣ / ٢٤١ ح ٤٧٣٠.

(٣) بحار الأنوار ٤٣ / ١٧٧ ؛ اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء ، محمد علي القراچه داغي التبريزي / ٨٥٨ ؛ مجمع النورين وملتقى البحرين ، المرندي / ١٤١ ؛ بيت الأحزان / ١٦٥.

١٠٩

يقول ابن جبير الرحالة في القرن السادس : ويلي هذه البقعة العباسية بيت ينسب لفاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويعرف ب «بيت الحزن» ، يقال : إنه البيت الذي آوت إليه ، والتزمت فيه الحزن على موت أبيها المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

والجدير أن نسمي هذا البيت ببيت أسرار فاطمة ، وكان هذا البيت معموراً إلى زمن استيلاء الوهابيين على الحجاز ، فقاموا بهدمه ، وهدم سائر الآثار ، لقصور فهمهم ، واعوجاج نهجهم.

يقول الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين رحمه‌الله : وهنا نلفت أولي الألباب إلى البحث عن السبب في تنحي الزهراء عن البلد في نياحتها على أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخروجها بولديها في لمة من نسائها إلى البقيع ، يندبن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ظل أراكة كانت هناك ، فلما قطعت بنى لها علي بيتاً في البقيع كانت تأوي إليه للنياحة ، يدعى بيت الأحزان ، وكان هذا البيت يزار في كلّ خلف من هذه الأمة ، كما تزار المشاهد المقدسة ، حتى هدم في هذه الأيام .. وهدم المقدسات في البقيع ، عملاً بما يقتضيه مذهبه الوهابي ، وذلك سنة ١٣٤٤ للهجرة ، وكنا سنة ١٣٣٩ تشرفنا بزيارة هذا البيت (بيت الأحزان) ، إذ منّ الله علينا في تلك السنة بحج بيته وزيارة نبيه ومشاهد أهل بيته الطيبين الطاهرين في البقيع .. إلى أن قال : هدموا بيت الأحزان الذي بناه الإمام علي لسيدة النساء فاطمة الزهراء لتبكي على أبيها (٢).

وقال صاحب الذريعة : ولكن انهدم بيت الأحزان في بقيع الغرقد ، لمجاورته مراقد أئمة الشيعة ، وذلك لأجل أنه قد يؤخذ الجار بجرم الجار! (٣).

__________________

(١) دائرة المعارف الاسلامية الشيعية ٨ / ٢٦٥ ، عن رحلة ابن جبير.

(٢) النص والاجتهاد / ٣٠١ ـ ٣٠٣.

(٣) الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، الشيخ آقا بزرك الطهراني ٧ / ٥٢.

١١٠

وجاء في البقيع الغرقد : وكانت خارج القبة (١) ـ بفاصلة قليلة ـ قبة مبنية على بيت الأحزان ، حيث كانت الزهراء عليها‌السلام تخرج إلى ذلك المكان وتبكي على أبيها (٢).

وقالوا في موضع دفن بعض : دفن في البقيع تحت الميزاب ، خلف الحائط الذي فيه أئمة البقيع عليهم‌السلام ، مقابل بيت الأحزان ، بيت الزهراء عليها‌السلام (٣).

الإمام الحسين عليه‌السلام والبقيع

زيارته مقابر الشهداء بالبقيع

ذكر ابن كثير عن اسحاق بن إبراهيم ، قال : بلغني أنّ الحسين زار مقابر الشهداء بالبقيع ، فقال :

ناديت سكان القبور فأسكتوا

وأجابني عن صمتهم ترب الحصا

قالت : أتدري ما فعلت بساكني؟

مزقت لحمهم وخرقت الكسا

وحشوت أعينهم تراباً بعد ما

كانت تأذى باليسير من القذا

أما العظام فإنّني مزّقتها

حتى تباينت المفاصل والشوا

قطعت ذا زاد من هذا كذا

فتركتها رمماً يطوف بها البلا (٤)

مع أبي سفيان

روى الطبرسي : أن أبا سفيان أخذ بيد الحسين حين بويع لعثمان ، وقال : يا ابن أخي ، أخرج معي إلى بقيع الغرقد ، فخرج حتى إذا توسط القبور اجتره ، فصاح

__________________

(١) أي قبة قبور آل البيت عليهم‌السلام بالبقيع.

(٢) البقيع الغرقد ، السيد محمد الشيرازي / ٤٤.

(٣) مرآة الكتب / ٢٦٥.

(٤) البداية والنهاية ٨ / ٢٢٨ ؛ تاريخ مدينة دمشق ١٤ / ١٨٦ ؛ جواهر المطالب ٢ / ٣١ ؛ أعيان الشيعة ١ / ٦٢١ ؛ حياة الإمام الحسين ١ / ١٨٧.

١١١

بأعلى صوته : يا أهل القبور! الذي كنتم تقاتلونا عليه صار بأيدينا وأنتم رميم. فقال الحسين بن علي عليه‌السلام : قبّح الله شيبتك ، وقبّح وجهك ، ثمّ نتر يده وتركه ، فلولا النعمان بن بشير أخذ بيده وردّه إلى المدينة لهلك (١).

الامام الباقر عليه‌السلام والبقيع

من شقاوة أهل الدنيا قلة معرفتهم بأولاد الأنبياء

روي عن القاسم بن محمد بن أبي بكر أنه قال : رأيت فتى أحسن من الشمس الطالعة ببقيع الفرقدين قبرين قبر الحسن وعلي بن الحسين ، والباقر يبكي بكاءً لم أسمع أشجى منه ، فقلت : يا صبي! ما الذي أفردك بالخلوة في المقابر؟ فقال :

إنّ الصبي صبيّ العقل لا صغر

أزرى بذي العقل فينا (٢) ولا كبر

فقلت : أراك الله حدثاً تأتي بمثل هذا الكلام ، فقال : «إنّ الله إذا أودع عبداً حكمة لم يزدره الحكماء (٣) لصغر سنّه ، وكان عليه من الله نوره والمهابة» ، فقلت : بأبي (ما (٤)) سمعت كلاماً أرصن من كلامك ، لا شك انك من أهل بيت حكمة ، فمن أنت؟ قال : من شقاوة أهل الدنيا قلة معرفتهم بأولاد الأنبياء ، أنا محمد بن علي بن الحسين ، وهذا قبر أبي.

فأيّ أنس آنس من قربه

وأيّ وحشة لاتكون مع فقده (٥)

__________________

(١) الإحتجاج ١ / ٤٠٩ ؛ بحار الأنوار ٤٤ / ٧٨.

(٢) وفي نسخة : فيها.

(٣) وفي نسخة : العلماء.

(٤) هذه الزيادة منا.

(٥) ألقاب الرسول وعترته / ٥٨ ، لبعض المحدثين والمؤرخين من قدمائنا (المطبوع مع المجموعة النفيسة / ٢١٤).

١١٢

ورواه ابن عساكر باسناده عن قيس بن نعمان عنه عليه‌السلام ، بتفاوت وزيادة (١).

اللهم ارحم غربته

روى الكليني باسناده عن عمرو بن أبي المقدام ، قال : مررت مع أبي جعفر عليه‌السلام بالبقيع ، فقال عليه‌السلام : «اللهم ارحم غربته ، وصل وحدته ، وآنس وحشته ، واسكن إليه من رحمتك ما يستغني بها عن رحمة من سواك ، وألحقه بمن كان يتولاه» (٢).

ورواه الشيخ الطوسي ، ثم قال : ثمّ قرأ : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) سبع مرات (٣).

مع الرجل الشامي

روى ابن حمزة الطوسي عن أبي عيينة ، قال : إنّ رجلاً جاء إلى أبي جعفر صلوات الله عليه ، وقال : أنا رجل من أهل الشام لم أزل ـ والله ـ أتولاكم أهل البيت ، وأبرأ من عدوكم ، وإنّ أبي ـ لا رحمه‌الله ـ كان يتولى بني أمية ويفضلهم عليكم ، وكنت أبغضه على ذلك ، وقد كان له مال كثير ، ولم يكن له ولد غيري ، وكان مسكنه بالرملة ، وكان له بيت يخلو فيه بنفسه ، فلما مات طلبت ماله في كلّ موضع ، فلم أظفر به ، ولست أشك أنه دفنه في موضع وأخفاه عني ، لا رضي‌الله‌عنه.

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق ٥٤ / ٢٨١.

(٢) الكافي ٣ / ٢٢٩ ؛ كامل الزيارات / ٥٣١ ؛ المزار ، المفيد / ٢١٨ ؛ الدعوات / ٢٧١ ؛ الحبل المتين / ٧٣ ؛ تفصيل وسائل الشيعة ٣ / ٢٠٠ ؛ بحار الأنوار ٧٩ / ٥٥ و ٩٩ / ٢٩٧ ؛ مستدرك الوسائل ٢ / ٣٤٠.

(٣) تهذيب الاحكام ٦ / ١٠٥ ؛ المعتبر ١ / ٣٣٩ ؛ تفصيل وسائل الشيعة ١٤ / ٥٩١ ؛ تفسير نور الثقلين ٥ / ٦١٤.

١١٣

فقال أبو جعفر صلوات الله عليه : أفتحب أن تراه وتسأله أين موضع ماله؟

فقال له : أجل ، فإني فقير محتاج.

فكتب له أبو جعفر صلوات الله عليه كتاباً بيده الكريمة في رق أبيض ، ثمّ ختمه بخاتمه ، وقال : إذهب بهذا الكتاب الليلة إلى البقيع ، حتى تتوسطه ، ثمّ تنادي : يا ذرجان ، فإنه سيأتيك رجل معتم ، فادفع إليه الكتاب ، وقل له : أنا رسول محمد بن علي بن الحسين بن زين العابدين ـ صلوات الله عليه ـ واسأله عما بدا لك.

قال : فأخذ الرجل الكتاب وانطلق ، فلما كان من الغد أتيت أبا جعفر صلوات الله عليه متعمداً لأنظر ما كان حال الرجل ، فإذا هو على باب أبي جعفر ينتظر حتى أذن له ، فدخلنا عليه ، فقال له الرجل : الله أعلم حيث يجعل رسالته ، وعند من يضع علمه ، قد انطلقت بكتابك الليلة ، حتى توسطت البقيع ، فناديت : يا ذرجان ، فأتاني رجل معتمّ ، فقال : أنا ذرجان ، فما حاجتك؟ فقلت : أنا رسول محمد بن علي بن الحسين صلوات الله عليهم إليك ، وهذا كتابه ، فقال : مرحباً برسول حجة الله على خلقه ، وأخذ الكتاب وقرأه ، وقال : أتحبّ أن ترى أباك؟ قلت : نعم ، قال : فلا تبرح من موضعك حتى آتيك به ، فإنه بضنجان ، فانطلق ، فلم يلبث إلا قليلاً حتى أتاني برجل أسود ، في عنقه حبل أسود ، فقال لي : هذا أبوك ، ولكنّ غيّره اللهب ، ودخل الجحيم ، وجرع الحميم والعذاب الأليم ، فقلت : أنت أبي؟ قال : نعم ، قلت : ما غيّرك صورتك؟ قال : انى كنت أتولّى بني أمية وأفضّلهم على أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعذّبني الله على ذلك ، وإنك تتولى أهل بيت النبي ، وكنت أبغضك على ذلك ، وحرمتك مالي وزويته عنك ، وأنا اليوم على ذلك من النادمين ، فانطلق إلى بيتي ، واحتفر تحت الزيتونة ، وخذ المال وهو مائة ألف وخمسون ألفاً ، فادفع إلى محمد بن علي صلوات الله عليه خمسين ألفاً ، ولك الباقي ، قال : فإني منطلق حتى آتي بالمال.

١١٤

قال أبو عيينة : فلما حال الحول قلت لأبي جعفر صلوات الله عليه : ما فعل الرجل؟ قال : قد جاءنا بالخمسين ألفاً ، فقضيت منها ديناً كان عليّ ، وابتعت منها أرضاً ، ووصلت منها أهل الحاجة من أهل بيتي ، أما إنّ ذلك سينفع الميت النادم على ما فرط من حبنا ، وضيّع من حقنا ، بما أدخل عليّ من الرفق والسرور (١).

الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام والبقيع

لعن الله المغيرة

روى الشيخ الطوسي عن الحسين بن أبي العلاء ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن المغيرة وهو بالبقيع ، ومعه رجل ممن يقول : إنّ الأرواح تتناسخ ، فكرهت أن أسأله ، وكرهت أن أمشي فيتعلق بي ، فرجعت إلى أبي ولم أمض ، فقال : يا بني! لقد أسرعت؟

فقلت : يا أبة ، إني رأيت المغيرة مع فلان.

فقال أبي : لعن الله المغيرة ، قد حلفت أن لا يدخل عليّ أبداً.

وذكرت أنّ رجلاً من أصحابه تكلم عندي ببعض الكلام ، فقال هو : أشهد الله أنّ الذي حدثك لمن الكاذبين ، وأشهد الله أنّ المغيرة عند الله لمن المدحضين. ثمّ ذكر صاحبهم الذي بالمدينة ، فقال : والله ما رآه أبي ، وقال : والله ما صاحبكم بمهدي ولا بمهتدي ، وذكرت لهم أنّ فيهم غلماناً أحداثاً ، لو سمعوا كلامك لرجوت أن يرجعوا ، قال : ثمّ قال : ألا يأتوني فأخبرهم؟ (٢).

__________________

(١) الثاقب في المناقب / ٣٧٠ ؛ مدينة المعاجز ٥ / ١٣٦ ؛ بحار الأنوار ٤٦ / ٢٤٥ و ٢٦٧ ؛ مستدرك سفينة البحار ٣ / ٢٦٧.

(٢) اختيار معرفة الرجال ٢ / ٤٩٣ ؛ معجم رجال الحديث ، السيد أبوالقاسم الخوئي ١٩ / ٣٠١.

١١٥

أقول : قال النمازي : المغيرة بن سعيد ، هو غير سعيد ، خبيث ملعون غير سديد ، كان يكذب على مولانا الباقر عليه‌السلام ، فلعنه مولانا الصادق عليه‌السلام ، وأذاقه الله حرّ الحديد ، وبذلك كله نطقت الروايات المستفيضة التي تزيد عن عشرة رواها الكشي وغيره. (١)

الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام والبقيع

قضية علي بن يقطين

روى محمد بن علي الصوفي : استأذن إبراهيم الجمّال رضي‌الله‌عنه على أبي الحسن علي بن يقطين الوزير فحجبه ، فحجّ علي بن يقطين في تلك السنة ، فاستأذن بالمدينة على مولانا موسى بن جعفر عليه‌السلام فحجبه ، فرآه ثاني يومه ، فقال علي بن يقطين : يا سيدي ، ما ذنبي؟

فقال : حجبتك لأنك حجبت أخاك إبراهيم الجمال ، وقد أبي الله أن يشكر سعيك ، أو يغفر لك إبراهيم الجمّال.

فقلت : سيدي ومولاي ، من لي بابراهيم الجمال في هذا الوقت ، وأنا بالمدينة وهو بالكوفة؟

فقال : إذا كان الليل فامض إلى البقيع وحدك من غير أن يعلم بك أحد من أصحابك وغلمانك ، واركب نجيباً هناك مسرجاً.

قال : فوافى البقيع ، وركب النجيب ، ولم يلبث أنْ أَناخهُ على باب إبراهيم الجمال بالكوفة ، فقرع الباب وقال : أنا علي بن يقطين.

فقال إبراهيم الجمال من داخل الدار : وما يعمل علي بن يقطين الوزير ببابي؟!

__________________

(١) مستدركات علم الرجال ، النمازي ٧ / ٤٧٠ ، رقم ١٥١٢٢. وانظر : قاموس الرجال ، التستري ١٠ / ١٨٨ رقم ٧٦٨٧.

١١٦

فقال علي بن يقطين : يا هذا ، إنّ أمري عظيم ، وآلى عليه أن يأذن له.

فلما دخل قال : يا إبراهيم ، إنّ المولى عليه‌السلام أبى أن يَقْبلني أو تغفر لي.

فقال : يغفر الله لك.

فآلى عليّ بن يقطين على إبراهيم الجمال أن يطأ خدّه ، فامتنع إبراهيم من ذلك ، فآلى عليه ثانياً ففعل ، فلم يزل إبراهيم يطأ خده وعلي بن يقطين يقول : اللهم اشهد ، فانصرف وركب النجيب ، وأناخه من ليلته بباب المولى موسى بن جعفر عليه‌السلام بالمدينة ، فأذن له ودخل عليه فقبله (١).

الإمام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام والبقيع

قضية دفن يونس بن يعقوب

روي عن العياشي : مات يونس بن يعقوب بالمدينة ، فبعث إليه أبو الحسن الرضا عليه‌السلام بحنوطه وكفنه وجميع ما يحتاج إليه ، وأمر مواليه وموالي أبيه وجدّه أن يحضروا جنازته ، وقال لهم : هذا مولى لأبي عبد الله عليه‌السلام وكان يسكن العراق ، وقال لهم : احفروا له في البقيع ، فإن قال لكم أهل المدينة : إنه عراقي ولا ندفنه في البقيع ، فقولوا لهم : هذا مولى لأبي عبد الله وكان يسكن العراق ، فإن منعتمونا أن ندفنه في البقيع منعناكم أن تدفنوا مواليكم في البقيع ، فدفن في البقيع ، ووجه أبو الحسن علي ابن موسى إلى زميله محمد بن الحباب وكان رجلاً من أهل الكوفة ، فقال : صلّ عليه أنت (٢).

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٨ / ٨٥.

(٢) انظر : اختيار معرفة الرجال ٢ / ٦٨٣ ؛ بحار الأنوار ٦٦ / ٢٩٨ و ٧٩ / ٢٦ ؛ الحدائق الناضرة ٤ / ١٥٠ ؛ خاتمة المستدرك ٥ / ٣٩٤ ؛ سماء المقال في علم الرجال ، الكلباسي ٢ / ٢٣٨ ؛ معجم رجال الحديث ٢١ / ٢٤٠.

١١٧

وعن محمد بن الوليد : رآني صاحب المقبرة وأنا عند القبر بعد ذلك ، فقال لي : من هذا الرجل ، صاحب هذا القبر؟ فإنّ أبا الحسن علي بن موسى عليهما‌السلام أوصاني به ، وأمرني أن أرشّ قبره أربعين شهراً أو أربعين يوماً (١).

__________________

(١) بحار الأنوار ٦٦ / ٢٩٨ و ٧٩ / ٢٦.

١١٨

الصحابة والبقيع

١. سلمان الفارسي والبقيع

تقبيل خاتم النبوة بالبقيع

روى الطبراني وأبو نعيم الإصفهاني في قضية فحص سلمان الفارسي عن علامات خاتم الأنبياء والمرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلى أن قال : ثمّ جئت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ببقيع الغرقد ، قد اتبع جنازة رجل من الأنصار وهو جالس ، فسلمت عليه ، ثمّ استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي ، فلما رآني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله استدرت عرف أني أستثبت من شيء وصف لي ، فألقى ردائه عن ظهره ، فنظرت إلى الخاتم فعرفته ، فأكببت عليه أقبّله (١).

٢. أبو بكر والبقيع

مبيت أبي بكر ليلة بالبقيع

روي أنه لما مرضت فاطمة عليها‌السلام مرضها الذي ماتت فيه ، أتاها أبو بكر وعمر

__________________

(١) المعجم الكبير ٦ / ٢٢٥ ؛ دلائل النبوة / ٤٢ ؛ مجمع الزوائد ٩ / ٣٣٥.

١١٩

عائدين ، واستأذنا عليها ، فأبت أن تأذن لهما ، فلما رأى ذلك أبو بكر أعطى الله عهداً ألا يظله سقف بيت حتى يدخل على فاطمة يترضاها ، فبات ليلة في البقيع ما أظله شيء ، ثمّ انّ عمر أتى عليا عليه‌السلام ، قال له : انّ أبا بكر شيخ رقيق القلب ، وقد كان مع رسول الله في الغار ، وله صحبة ، وقد أتيناها غير هذه المرة مراراً ، نريد الإذن .. (١).

أقول : بالصيف ضيعت اللبن ، كما في المثل (٢).

احراق أبي بكر فجاءة الأسلمي بالبقيع

قال ابن كثير : الفجاءة اسمه إياس بن عبد الله بن عبد ياليل بن عميرة بن خفاف من بني سليم ، قاله ابن اسحاق ، وقد كان الصدّيق حرق الفجاءة بالبقيع في المدينة ، وكان سببه : أنه قدم عليه فزعم أنه أسلم ، وسأل منه أن يجهز معه جيشاً يقاتل به أهل الردّة ، فجهز معه جيشاً ، فلما سار جعل لا يمرّ بمسلم ولا مرتد إلا قتله وأخذ ماله ، فلما سمع الصديق بعث وراءه جيشاً فردّه ، فلما أمكنه بعث به إلى البقيع ، فجمعت يداه إلى قفاه وألقي في النار ، فحرقه وهو مقموط (٣).

وفي تاريخ اليعقوبي : أنه قال لأبي بكر : يا خليفة رسول الله! اني قد أسلمت ، فأعطاه أبو بكر سلاحاً ، فخرج من عنده ، فبلغه أنه يقطع الطريق ، فكتب إلى طريفة بن حاجزة : انّ عدو الله ابن الفجاءة خرج من عندي ، فبلغني أنه قطع

__________________

(١) اللمعة البيضاء / ٨٧٣ ؛ مجمع النورين / ١٤٣.

(٢) يقال ذلك إذا فرط في أمره في وقته ، معناه : طلبت الشيء في غير وقته. انظر : لسان العرب ، مادة (صيف).

(٣) البداية والنهاية ٦ / ٣٥١ ؛ انظر : تاريخ الأمم والملوك (الطبري) ٢ / ٤٩٣ ؛ الغدير ٧ / ١٥٧ ؛ معالم المدرستين ٢ / ٧٨.

١٢٠