تاريخ اربل - ج ١

شرف الدين أبي البركات المبارك بن أحمد اللخمي الأربلي [ ابن المستوفي ]

تاريخ اربل - ج ١

المؤلف:

شرف الدين أبي البركات المبارك بن أحمد اللخمي الأربلي [ ابن المستوفي ]


المحقق: سامي بن السيد خماس الصقار
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الرشيد للنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٥٧
الجزء ١ الجزء ٢

واقتراحه (اي المؤلف) عليه استدعاء ابن طبرزذ وحنبل (مخ ورقة ٢٩ ب و ٧٠ أو ٢٢٦ ب).

٢ ـ اشار المؤلف بصورة صريحة الى انه كان يؤرخ الواردين الى اربل (مخ ورقة ١٩٩ ب) ، ثم ان القاسم المشترك بين اصحاب التراجم هو قوله «ورد اربل» او «انشدني باربل» وما الى ذلك مما يتكرر في كثير من تراجم الكتاب (مخ ورقة ٣٠ أو ٤٤ أو ٧٠ أو ٩٢ أو ١٠٦ أو ١٢٠ ب و ١٣٤ ب و ١٣٨ أو ١٣٩ أو ١٦٧ أو ١٧٣ ب و ٢٠٤ أو ٢١٧ أو ب و ٢٢٢ أو ٢٢٣ ب). وقال عن احدهم «انما ذكرته لان له ذكرا باربل» ، وقال عن آخر «ورد اربل وعلى يده شفاعة لكوكبوري» (مخ ورقة ١٣٨ أو ١٨٠ أ). وفي ظني ان ذلك دليل قوي على كون المخطوطة هي جزء من «تاريخ اربل» لابن المستوفي ، لانه في جوهره ـ كما تبين لنا ـ هو تاريخ الواردين الى اربل.

٣ ـ وعلاوة على ما تقدم فان الاخبار الواردة في المخطوطة تدور في كثير من الاحيان على ذكر ارابلة برزوا في العلم والتقى او احتلوا مراكز مهمة فاستحقوا بذلك ان يشار اليهم. ومجرد نظرة على الكتاب تكفي لادراك هذه الحقيقة. (مخ ورقة ١٣٣ ب و ١٧٢ ب و ١٧٣ ب مثلا). كما ان اخبار كوكبوري صاحب اربل مبثوثة في الكتاب بشكل بارز ، وتحتل مركز الصدارة فيه ، مما لا يدع مجالا للشك بان المخطوطة هي جزء من «تاريخ اربل».

٤ ـ ودليل رابع لا يقبل المناقشة قط ، هو ان ما نقله المؤرخون كابن الشعار وابن خلكان وغيرهما عن «تاريخ اربل» يتفق حرفيا وما ورد في هذه المخطوطة ، وهي من الكثرة بما لا يتسع المجال لذكره هنا ، ويكفي ان اشير الى مثل واحد من ابن الشعار (مخ استانبول ٧ ورقة ١٩٠) حيث نقل حرفيا

٢١

عن «تاريخ اربل» ترجمة محمد بن عبد الكافي الخازن (مخ ورقة ٢١٧ أ) ، وآخر من ابن خلكان (٣ / ٢٣٢ و ٤ / ٢٠ و ٥ / ١٧٩) اذ نقل عن «تاريخ اربل» بعض تراجم القاسم بن المظفر الشهرزوري والخضر بن تيمية وياقوت الحموي (مخ ورقة ٣٤ ب و ٩٣ أو ١٥٧ وما بعدها).

ت ـ المخطوطة منقولة عن مسودة غير نهائية

بعد دراسة الجزء الثاني من «تاريخ اربل» دراسة عميقة حصلت لدي القناعة بان المخطوطة التي بين ايدينا قد نقلت عن مسودة للكتاب لم تنسق بشكلها النهائي. ويبدو ان ابن المستوفي لم تسمح له ظروفه لكي يعيد النظر فيما كتبه (في هذا الجزء على الاقل) وينسقه ، وانما ترك مسودات الكتاب على حالها الذي كانت فيه يوم دونها في وقتها. وقد جاء بعده من استنسخها حرفيا كما تقتضي امانة النقل. ولعل هجمات التتر على اربل ، واضطرار المؤلف على الهجرة الى الموصل ، وتقدم السن به وما الى ذلك من العقبات هي التي حالت دون اخراج الكتاب بالشكل المطلوب. اما ادلتي على ذلك فسوف اسوقها فيما يأتي :

١ ـ عدم انسجام المعلومات مع بعضها البعض

ولشرح المقصود بهذا ، ارى من الافضل الاتيان بأمثلة حية من واقع الكتاب ، من ذلك مثلا انه قال عن عبد العزيز بن عثمان الاربلي «لم اتحققه فاذكر من حاله شيئا» (مخ ورقة ٤٨ ب) ، الا انه عاد فذكر عن حياته معلومات وافية (مخ ورقة ١٤٤ ب). اقول لو اتيحت الفرصة لابن المستوفي ان يعيد النظر فيما كتبه لحذف ما قاله اولا ، ثم لجمع ما لديه من معلومات عن عبد العزيز هذا في موضع واحد. وقال عن عبد القادر الرهاوي

٢٢

(مخ ورقة ٥٤ ب) «فهو الآن بحران» ، غير انه قال في الصفحة التالية «بلغتني وفاته بحران سنة ٦١٢» ، وقال مثل ذلك عن علي ابن الهروي (مخ ورقة ٦٥ أ) وانه رحل الى حلب عند سلطانها «فهو مقيم الى الآن عنده» ، ثم قال في الصفحة نفسها. بلغني انه توفي بحلب في سنة ٦١١. وقال عن ابراهيم ابن البرني (مخ ورقة ٧ أب) «فهو الآن مقيم بسنجار» ، غير أنه ذكر بعد ذلك (مخ ورقة ٦٨ ب) انه توفي بالموصل سنة ٦٢٢. وقال عن راجية بنت محمد «وهي باقية الى آخر شهر رمضان سنة ٦١٥» ثم ذكر بعد ذلك مباشرة وفاتها في سنة ٦٢٢ (مخ ورقة ١١٣ أ). وهذه الأمثلة تدل ـ بلا ريب ـ على ان المعلومات كانت ترد الى المؤلف تباعا فيضيفها الى ما سبق وكتبه على امل ان يراجعها في يوم الايام وينسقها ، ولكن الظروف لم تسمح له بتنسيقها وحذف ما لا ضرورة لا ثباته وتصحيح ما ينبغي تصحيحه.

ولعل من المفيد هنا ان اضيف مثالا آخر على عدم الانسجام ، ان المؤلف ذكر كتابا من تأليف عيسى بن لل وانه بخطه ثم عاد وذكر بان ذلك الكتاب هو من تصنيف ابن شبانة (مخ ورقة ١٣١ أو ١٣٣ أ) دون ان يفطن الى هذا التناقض.

٢ ـ عدم انسجام بعض المعلومات مع ظروف تأليف الكتاب

لقد بينت في دراستي لتاريخ اربل (انظر الاطروحة) بان آخر اشارة مؤرخة في الكتاب كانت في سنة ٦٣١ ه‍ ، وهذا يعني بان الكتاب وضع بشكله الحالي في تلك السنة او بعدها ، اي انه تم بعد وفاة كوكبوري بسنة على الاقل. ولكن المؤلف كان يدعو لكوكبوري بعبارات الدعاء للاحياء كقوله «ادام الله سلطانه» وما أشبه ، ولم يترحم عليه مطلقا. ويمكننا ان نقول مثل ذلك عن الخليفة الناصر المتوفى سنة ٦٢٢ ه‍ ، اذ دعا له في موضعين بعبارة

٢٣

«خلد الله سلطانه» وفي موضع ثالث بعبارة «رضي الله عنه» (مخ ورقة ٢٠ أو ١٣٨ ب). وعند ذكر اسم شيخه صاعد بن علي المتوفى سنة ٦٢٥ ه‍ ، دعا له بقوله «ابقاه الله» و «ايده الله» (مخ ورقة ١٣ أ). وهنا ايضا اقول لو لم يكن الكتاب مسودة ، لخلا من مظاهر عدم الانسجام هذه.

٣ ـ نقصان بعض العبارات

وخير مثال اضربه على ذلك ترجمة الحسين ابن خلكان (مخ ورقة ١٦٤ أ) اذ ختمها بكلمة «وبخطه» وبعدها بياض بمقدار اربعة اسطر. ويبدو ان المؤلف اراد ان يثبت ما كان قد وجده بخط الحسين المذكور ، ولم تسعفه الظروف لاثبات النص المطلوب في موضعه. اقول لو اتيحت له الفرصة لمراجعة ما كتب لكان اثبت النص او على الاقل لبادر الى حذف كلمة «وبخطه» ان تعذر عليه العثور على النص المذكور. هذا وقد قال عن احد المترجمين (مخ ورقة ١٨٧ أ) : «وبلغني انه ينظم شيئا من الشعر ، فان وقع لي اثبته» ، وفي عدد من المواضع لم يثبت التاريخ الذي اراد اثباته ، فيقول مثلا «توفي» وبعدها بياض ، او «ورد اربل في» ويليها بياض ايضا ، اولا يذكر اسم شخص اراد ذكره كقوله «ادرك طبقة عالية مثل ...» دون ان يذكر اسم احد ، او يقول «انشدني من شعره لنفسه» ولا يذكر الابيات التي انشدت له. وفي ترجمة «ابن زنزف البغدادي» ترك فراغا بين الكنية والنسبة على امل ادراج اسمه ونسبه ولقبه كالمعتاد ، ولكنه لم يفعل (مخ ورقة ٤٩ أو ٨٤ أو ٩٩ أو ١٠٤ ب و ١٠٨ ب و ١١١ أو ١١٥ أو ب و ١١٦ ب و ١٢٠ أو ١٢٨ ب و ١٥٦ أو ١٦٤ أو ١٧١ ب و ١٧٦ أو ١٧٨ أو ١٧٩ أو ١٨٧ أو ١٨٨ ب و ١٩٠ ب و ٢٠٠ أو ب و ٢٠١ أو ٢٢٦ ب). وهذه الحقائق تدل بصراحة على ان النص الذي بين ايدينا ليس بنص نهائي.

٢٤

٤ ـ عدم ترتيب التراجم وفق نسق معين وتكرر بعضها

ان ترتيب التراجم في الكتاب لا يتبع نسقا معينا سواء كان هجائيا او زمنيا او طبقيا ، مما يجعل الكتاب فاقد التنظيم فقدانا كليا ، الامر الذي لا يتصور معه ان يكون هذا هو الترتيب الذي اراده المؤلف. والذي اميل اليه في تفسير ذلك ، ان ابن المستوفي قد جمع المواد بالشكل الذي تيسر له. فتراكمت لديه المسودات غير منسقة ، وانه لم يتمكن لسبب او آخر من ترتيبها ، فظن الناسخ الذي كتب المخطوطة بان هذا هو الترتيب الذي هدف اليه المؤلف فأثبته على ما وجده وفقا لما تقتضيه الامانة العلمية. اما الترتيب نفسه فقد تناولته بالتفصيل في دراستي للكتاب (انظر اطروحتي).

ومما لا حظته في تراجم الكتاب ، انها ليست كلها على نسق واحد من حيث بداياتها ونهاياتها ، فالتراجم الواردة في الورقات ١٤٤ ـ ١٤٥ مثلا لم تكتب بالشكل المعتاد الذي اتبعه المؤلف في بقية الكتاب ، وانما هي صورة مذكرات كتبها له عبد الرحمن بن عمر الحراني عن بعض الاشخاص الذين يهم ابن المستوفي امرهم. الا ان المؤلف لم يتسع وقته ليضع المادة التي حوتها تلك المذكرات في مكانها الملائم. من ذلك مثلا ان المذكرة حوت معلومات تتعلق بعبد العزيز بن عثمان الاربلي (مخ ورقة ١٤٤ ب) الذي سبق وترجم له المؤلف في موضع آخر (مخ ورقة ٤٨ ب) ، وكان من واجب المؤلف ان يضم تلك المعلومات الى الترجمة الاصلية لو كان ما بين ايدينا نص نهائي للكتاب ، الا انه لم يفعل.

وعلاوة على ذلك فقد حوت المخطوطة تراجم مكررة لبعض الاشخاص ، اذ ترجم مرتين لكل من محمد بن سعيد الاربلي واحمد بن محمد الحديثي الاربلي واسحاق بن محمد المصري الهمذاني (مخ ٢٨ أو

٢٥

٩٦ أو ٩٨ أو ١١٨ أو ١٦٧ أو ١٧٣ ب). والذي لاحظته ان الترجمة الثانية لاحمد الحديثي المذكور لم تكن سوى مذكرة من مذكرات المؤلف سبق وادرجها كلها ضمن الترجمة الاولى الا انها بقيت ضمن مسودات الكتاب ، فظنها الناسخ ترجمة مستقلة فأثبتها (قال ابن المستوفي ـ ورقة ١٧٤ أ ـ ان ترجمة احمد بن محمد الحديثي المذكور ، قد «تقدمت». وهذا يؤيد الظن بانها مجرد ملاحظة اراد بها تذكير نفسه بوجود ترجمة للمذكور ، ليقوم بادراج المذكرة في مكانها الصحيح ، وقد فعل غير انه لم يتلف المذكرة سهوا). اما الترجمتان الاخريان فهما متكاملتان.

(٣) منهج التحقيق

ان مخطوطة «تاريخ اربل» نسخة فريدة لا اخت لها ، ولقد استقصيت ما تيسر لي من فهارس المخطوطات في مختلف انحاء العالم ، بل وزرت عددا من المكتبات في بريطانيا وارلندا وتركيا ولبنان واقطار المغرب العربي ، علّني اجد اثرا لنسخ اخرى فلم اوفق. ولذا فقد كان اعتمادي على نسخة دبلن وحدها ، وهذا بحد ذاته مشكلة عويصة بالنسبة للمحقق ، اذ يحرمه من امكانيات المعارضة والمقابلة والاستزادة من التحقيق والاستبانة. ومما زاد في تعقيد المشكلة ان الحبر الذي كتبت به المخطوطة اصبح باهتا بمرور الزمن ، فجاءت صور بعض الصفحات اشبه بالبيضاء ، الامر الذي حملني على التماس جلب المخطوطة من دبلن الى كمبرج ، وقد وافق السيد هايس امين مكتبة جيستر بيتي ، مشكورا على ارسالها بصورة استثنائية ، وهذا فضل منه لا انساه. وبذلك تمكنت من قراءتها واستنساخها بالشكل المطلوب. ومع ذلك فلا يزال عندي عدد من الكلمات بل وبعض العبارات التي تعذر عليّ قراءتها القراءة الصحيحة. وبعد ان قمت بتحقيق النص ـ وفقا لما سأبينه ـ سافرت بنفسي الى دبلن وراجعت النص المحقق مرة اخرى على اصل المخطوطة

٢٦

زيادة في التحري وحرصا على اخراجه باقصى ما يمكن من الضبط والدقة.

اما خطتي في التحقيق فتقوم على محاولة اثبات النص الصحيح واعادة كتابته وفقا لقواعد الاملاء المعروفة في الوقت الحاضر ، وتلافي ما فيه من نقص في التنقيط ، والاشارة الى الحروف والكلمات التي سقطت سهوا من الناسخ ، وتصحيح اسماء الأعلام الواردة فيه وفقا لما جاء في الكتب المعتمدة. وحيث ان المخطوطة وحيدة ـ كما اسلفنا ـ فان عملية تثبيت النص كانت صعبة جدا ، اذ اقتضت مني جهودا كبيرة لقراءتها حرفا حرفا للتحقق من انسجام السياق وللتأكد من صحة العبارات من الوجهة اللغوية. وحيث ان المخطوطة حافلة بالشعر ، ففيها حوالي ٢٥٠٠ بيت ، الامر الذي استوجب علاوة على ما تقدم ، التحقق من انضباط الوزن وفقا لبحور الشعر المعروفة.

اما بالنسبة لتدقيق المعلومات الواردة في الكتاب ، بل وتحقيق بعض النصوص ايضا ، فانني راجعت كل كتاب تيسر لي العثور عليه ، وظننت ان فيه بعض بغيتي ، حتى زادت مراجعي على الخمسمائة. ولقد راجعت كثيرا من الكتب التي لم ادرجها في ثبت المراجع بسبب عدم عثوري فيها على شيء يمكنني الاستفادة منه في التحقيق. والحقيقة ان الجهد الذي اضعته في هذا المجال كان اضعاف الجهد المبذول في الكتابة (اعني كتابة الاطروحة) ، اذ كثيرا ما اضطررت لمراجعة عشرات المراجع التي قد تبلغ الثلاثين عدا في كل مرة لتحقيق كلمة واحدة ، ثم عدت خائبا بخفي حنين. وهذا الجهد ـ بطبيعة الحال ـ لا يظهر له اثر في ثنايا البحث لان ثمراته كانت سلبية ، ولا يعرفه حق المعرفة الا من كابده.

ولقد آليت على نفسي ان لا اترك شيئا يمر دون تحقيق ، سواء كان ذلك

٢٧

اسم علم لشخص أو موضعا او قبيلة او طائفة من الناس ، او كان آية قرآنية كريمة او حديثا شريفا ، او اسم كتاب او بيتا من الشعر ، او كلمة غامضة المعنى او حدثا تاريخيا ، الا وراجعت مظانها للتحقق من صحتها او لاستكمال المعلومات المتعلقة بها ، أو لزيادة التعريف والايضاح ، او لشرح المعنى. ولهذا فقد تجمع لدي من حصيلة ذلك حوالي ستة آلاف بطاقة اكثرها اسماء اعلام ، لذلك كان جل اعتمادي على كتب التاريخ والتراجم والطبقات ، علاوة على كتب التفسير والحديث والمعاجم الجغرافية ودواوين الشعر وكتب الادب ومعاجم اللغة. والحقيقة ان مراجعي شملت تقريبا كل الفنون التي ألف بها العرب والمسلمون ، فضلا عن عدد من الكتب الحديثة التي كتب بعضها الاجانب. وان نظرة واحدة على ثبت المراجع تكفي لادراك ما اقول.

وحرصت على ان ادون نتائج التحقيق واشير الى مراجعها في الحواشي ، خلافا لما جرى عليه بعض المحققين الذين قصروا همهم على الاتيان «بالنص الصحيح» ، والاشارة فقط الى مختلف القراءات المتعلقة بالنص لا غير ، دون تكليف انفسهم عناء الشرح والتعليق ، او التعريف بالشخصيات والمواضع الوارد ذكرها في المتن ، او ايضاح الغامض من الاصطلاحات وما اليها. ولكنني وجدت انه ليس من الممكن الفصل بين عملية الاتيان بالنص الصحيح وبين تلك التعليقات للاسباب الآتية :

أ ـ قد يكون بالامكان اخراج نص صحيح دون الحاجة الى التعليق ومراجعة المؤلفات ، اذا تيسر للمحقق عدة نسخ من المخطوطة خالية من التصحيف والتحريف (ويفضل ان تكون بينها نسخة المؤلف). وهذا امر غير متوفر في اغلب الاحيان. اما بالنسبة لتاريخ اربل ، فان الموجود منه هو نسخة واحدة لا غير ، ولذا اصبح من المتعين الرجوع الى المؤلفات الاخرى لضبط النص. بل حتى لو توفرت النسخ الصحيحة فان من الضروري مراجعة

٢٨

الكتب الاخرى ذات العلاقة للتحقق من كيفية ضبط الاسماء والانساب وما الى ذلك.

ب ـ اعتاد النساخ المسلمون على عدم التنقيط في كثير من الاحيان ، او انهم يكتبون النقط في غير اماكنها مما يؤدي الى التباس غير قليل لا سيما في الحروف المتشابهة مثل «ج ، ح ، خ ، و ، ب ، ت ، ث ، ن ، ى» وما اليها. وهذا بطبيعة الحال يفضي الى الخلط في الاسماء ، اذ ليس لضبطها قاعدة يمكن الركون اليها ، وبالتالي فمن الواجب مراجعة المظان ذات العلاقة من اجل ضبطها.

ت ـ ان النص ليس دائما واضح المعنى ، كما ان الاسماء الاسلامية كثيرا ما تتشابه سواء في الاسم الاول او في اسماء الآباء والاجداد والانساب ، ولا بد لازالة الاشكال الناشىء عن ذلك ، من ايضاح المعنى المقصود ، او التعريف بالشخص المذكور في المتن تمييزا له عن غيره ممن يشاركه في الاسم والنسب.

ث ـ ثم ان للقارئ حقا على المحقق ، هو ان يقدم له المادة خالية من الشوائب ، ويدله ـ اذا ما عنت له رغبة في المراجعة والتدقيق او الاستزادة ـ على المراجع التي تعينه لتحقيق غرضه.

ج ـ ثم ان المحقق مضطر بطبيعة الحال الى مراجعة الكثير من المخطوطات والمطبوعات المنتشرة في مختلف انحاء العالم ، مما لا يتيسر للقراء ـ بل وحتى للمختصين منهم ـ الرجوع اليها ، فانه يكون من زيادة الخير والنفع ان يشرك المحقق قراءه بثمرات ما توصل اليه من خلال تلك المراجع. وان السبيل الى ذلك هو اغناء المتون بالحواشي الدسمة.

ولهذه الاسباب ، اخترت الاخذ بالمنهاج القائم على توضيح النص

٢٩

بالحواشي والتعليقات ما استطعت الى ذلك سبيلا ، لقناعتي بان التحقيق الصحيح ينبغي ان يكون على هذه الشاكلة. ولقد نقلت المتن بكل امانة ودقة ، وعند ما اضطررت الى تقويم الخطأ الاملائي او ازالة التصحيف ، اشرت الى ذلك في كل حالة من تلك الحالات. الا انني وجدت من المفيد ترقيم التراجم ليسهل الرجوع اليها واضفت الى كل واحدة منها تاريخي الولادة والوفاة لاصحابها. كما انني في بضع حالات وضعت عنوانا لتراجم وردت غير معنونة. وقد اشرت الى ذلك كله في موضعه.

ولقد خرجت التراجم الواردة في المخطوطة بمراجعة الكتب ذات العلاقة ، وحاولت استقصاء اخبار اصحابها في جميع المراجع التي تيسر لي الاطلاع عليها ، ولم اكتف بذلك بل عرّفت بجميع الرجال الوارد ذكرهم عرضا في ثنايا الكتاب ، وفعلت مثل ذلك بالنسبة للاماكن والقبائل والاقوام. كذلك اشرت الى مواضع الآيات القرآنية ، وخرجت الاحاديث على كتب الحديث المعتمدة ، وفعلت الشيء نفسه بالنسبة للشعر ـ كلما تيسر لي ذلك. ولم يكن ذلك سهلا في كثير من الحالات ، خصوصا وان غير قليل من المراجع خال من الفهارس ، ولا سيما المخطوطات الامر الذي اضطرني لفهرستها ليتسنى لي الاستفادة منها. فعملت فهارس لعدد من المخطوطات كتاريخ بغداد لابن الدبيثي والمختار من ذيل تاريخ بغداد لابن السمعاني (وقد عمله ابن المكرم) وتايخ بغداد لابن النجار وتكملة المنذري (وهذه كلها من مخطوطات كمبرج) ، وبعض اجزاء «عقود الجمان» لابن الشعار (مخ استانبول). كذلك اضطررت لعمل فهارس لبعض الكتب المطبوعة التي تعذر علي في حينه الحصول على فهارسها كمعجم الالقاب لابن الفوطي وذيل مرآة الزمان لليونيني ومستدرك الدكتور مصطفى جواد على «المختصر المحتاج اليه». واعددت ايضا فهارس لابواب بعض كتب الحديث. وقد زاد مجموع صفحات تلك

٣٠

الفهارس على ٤٠٠ صفحة ، استغرق اعدادها وقتا طويلا واستنفد مني جهدا كبيرا.

وعلاوة على ذلك فان اخبار اربل وحكامها والبارزين من ابنائها مبثوثة في كتب التاريخ والتراجم بين ثنايا السطور ، وكان عليّ ان اقرأ تلك الكتب حرفا حرفا لغرض تجميع المادة ثم تنيسيقها وفقا لمواضيع الاطروحة ، وفي ذلك ما فيه من المتاعب واستنزاف الوقت. ولكن كان لتلك القراءات الطويلة المرهقة فائدة اخرى لم اكن اتوقعها ، اذ كنت اكتشف بمحض الصدفة معلومات في غاية الاهمية بالنسبة لتحقيق النص الذي كنت بصدده ، بل وفي بعض الاحيان وفقت في العثور على حل لمشاكل اقلقتني زمنا طويلا ويئست بعد الجهد الجهيد من امكان حلها ، فاهتديت مثلا الى صحة قراءة بيت من الشعر ، او الى معرفة اسم قائله ، او تعرفت على ظروف حدث من الاحداث او مناسبة من المناسبات. فكان ذلك خير عوض واحسن جائزة.

وعلى كل حال ، فقد بذلت اقصى ما امكنني من الجهد محاولا اخراج هذا الكتاب بشكل يليق به وبمؤلفه. وارجو ان اكون قد وفقت في اداء حقه حسبة الى الله تعالى. اما اذا كنت قد اخفقت فارجو من القارئ الكريم ان يعذرني اذ انني بشر عرضة للخطأ والصواب ، والعصمة لله وحده والسلام.

كمبرج (بريطانيا) في ٢٠ شوال ١٣٩٤ ه‍.

الموافق ٥ تشرين الثاني ١٩٧٤.

سامي بن السيد خماس الصقار

٣١
٣٢

/ الجزء الثاني من تاريخ بني العباس (١)

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

الفصل الثاني في ذكر الاخيار والصلحاء والمنتسبين بهم (٢)

أنا ذاكر في هذا الباب المنقطعين الى الزّهادة والموسومين بالعدالة والمعروفين بالرواية ، ممن اشتهرت ديانته وعرفت صيانته وظهرت امانته ، موفّيا كلا منهم حقّه ومعطيه مستحقّه ، غير مائل اليه ولا متحامل عليه. بالله تعالى أسأل حسن العاقبة وجميل الذكر في العاجلة والآجلة بمنّه وكرمه.

١ ـ ابو الفتوح احمد الغزالي [... ـ ٥٢٠ ه‍]

هو أبو الفتوح احمد (١) بن محمد بن محمد بن أحمد ، أخو أبي حامد ، الفقيه الطّوسي الغزالي (٢) الإمام الزّاهد والعالم العامل ، ذو الكرامات الظاهرة والدلالات الباهرة ، تغني شهرة مكانته عن تعريفه وصفته ، كان عالما غير أنه مال الى الوعظ وشهرته ، فاخبرني الشيخ ابو اليمن صبيح (٣) بن عبد الله المتزهّد الحبشي عتيق اخواجه (أ) ـ عنبر (٤) ـ رحمه الله ـ : أنه حدّثه من حضر مجلس

__________________

(١) مكتوبة بخط غليظ يختلف عن خط المتن.

(٢) كتب بالحاشية الى يمين هذا السطر ما يأتي : «الجزء الثاني في تاريخ اربل ، سنة خمس مائة واثنين وسبعين ، تصنيف ابي البركات المبارك بن احمد بن المبارك بن موهوب المعروف بابن المستوفي في بني العباس.»

٣٣

الغزالي هذا وهو يعظ الناس بقلعة إربل. (٥)

وسمعت بعض اصحابنا يذكر بأنّ الغزالي انما هو بالتخفيف / في نسبه ونسب أبي حامد أخيه ، منسوبا الى قرية بطوس (٦) تسمّى غزالة (ب) أو كما قال ، والله اعلم بصحته. كان فيما حدّثت عنه يلبس الثياب الفاخرة ، غير متحر لبسه. ورد بغداد ونقلت من كتاب «تاريخ (٧) أبي الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي» في ترجمته مما أجازه (ت) لى : «أحمد بن محمد بن محمد ، أبو الفتوح الغزالي الطوسي ، أخو أبي حامد. كان متصوّفا زاهدا في أول أمره (ث) وكان مفوّها وقبله العوام. وجلس ببغداد (ج) في التاجية (٨) (ح) في رباط بهروز (٩) ، وجلس في دار السلطان محمود (١٠) فأعطاه ألف دينار ، فلما خرج رأى فرس الوزير (١١) في دهليز الدار بمركب ذهب وقلائد وطوق ، فركبه ومضى. فأخبر الوزير فقال لا يتبعه أحد ولا يعاد اليّ الفرس. وخرج يوما فسمع (خ) ناعورة فسمعها تئن فرمى طيلسانه عليها فتمزق قطعا (د). وكانت له نكت ، إلا أنّ الغالب على كلامه التخليط ورواية الاحاديث المصنوعة (ذ) والحكايات الفارغة والمعاني الفاسدة ، (١). وقد علّق عنه كثير من ذلك. قال المؤلف (ر) :

«وقد رأينا من كلامه الذي علّق عنه وعليه خطه إقرارا بأنه كلامه ، فمن ذلك أنه قال : (ز) لّما قال : موسى أرني ، قيل له : لن (س). فقال : هذا شأنك تصطفي آدم ثم تسوّد وجهه وتخرجه من الجنة ، وتدعوني الى الطور (١٢ ١٣) ثم تشمت بي الأعداء. هذا عملك بالأحباب (ش) فكيف تصنع بالأعداء؟». ثم ذكر أشياء نحو ذلك.

قال : «وأنبأنا (ص) محمد بن ناصر الحافظ (١٤) عن محمد بن طاهر المقدسي (١٥) قال : / كان أحمد الغزالي آية من آيات الله في الكذب ، يتوصل الى

__________________

(١) علق احد القراء في الحاشية بقوله «ليته لم ينقل ذلك».

٣٤

الدنيا بالوعظ. سمعته يوما بهمذان (١٦) يقول : رأيت إبليس في وسط هذا الرباط (١٧) يسجد لي ، فقلت له : ويحك إن الله أمره بالسجود لآدم فأبى (ض). فقال : والله لقد سجد لي أكثر من سبعين مرة. فعلمت أنه لا يرجع الى دين ومعتقد.

قال : إنه كان يزعم أنه رأى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عيانا في يقظته لا في نومه. قال : وسمعته يوما يحكي حكاية عن بعض المشايخ. فلما نزل سألته عنها ، فقال : أنا وضعتها في الوقت. قال : وله من هذه الجهالات والحماقات ما لا يحصى».

قال ابن الجوزي : «ثم شاع (ط) عن أحمد الغزالي أنه كان يقول بالشاهد (ظ) ، وينظر الى المردان ويجالسهم ، حتى حدثني ابو الحسين ابن يوسف (١٨) أنه كتب اليه شيئا (ع) في حق مملوك له تركي ، فقرأ الرقعة ثم صاح باسمه ، فقام () اليه وصعد المنبر فقبّل (غ) بين عينيه ، وقال : هذا جواب الرقعة. قال : وتوفي في سنة عشرين وخمسمائة».

أجاز لي أبو حامد محمد بن محمد بن حامد الكاتب (١٩) وذكره في ترجمته (ف) ذكر أنه قال يوما على الكرسي ، وأنشد هذه الأبيات ، هذا مما قلته في وساوسي :

[الرمل]

أنا صب مستهام

وهموم لي عظام

طال ليلي دون صحبي

سهرت عيني وناموا

أرقت عيني لبرق

فشربناها وصاموا

لي عليل وغليل

وغريم وغرام

/ ثم عرضي لعذولي

أمّة العشق كرام

٣٥

وحدثني الشيخ الإمام أبو المعالي صاعد بن علي (٢٠) ـ أبقاه الله ـ قال : لمّا دخل الغزالي هذا الى بغداد المحروسة ، استأذن عليه شيخ الشيوخ (ق) ـ بأظنة أبا البركات اسماعيل (٢١) بن أبي سعد جدّ ابن سكينة (ك) ـ فأذن له ، فدخل عليه وبين يديه ورد كثير ، وفي مقابلته صبيّ أمرد ، حلو الجمال ، وقد حال الورد بينهما ، فلمّا جلس شيخ الشيوخ ، علم أبو الفتوح الغزالي أنّ باطنه قد تغيّر ، فقال له : كأنك تنكر عليّ في باطنك قعودي على هذه الحال ، وبين يدي ما ترى. فقال : حاشى لله. فقال : بلى ، لو أني أفعل هذا على ما تظن واستأذنت عليّ ، أمرت هذا الصبي فقام وغاب عنك ، وتهيأت لك على ما يليق بي أن تراني عليه ، قم يا أحمق. فقام شيخ الشيوخ وخرج ، وكان آخر عهده به (ل) أو كما قال : هذا أكثر لفظه. أيده الله ـ ومعناه ... (م).

ذكر أبو سعد عبد الكريم ابن السمعاني (٢٢) أنه قدم بغداد ونزل برباط شيخ الشيوخ (٢٣) وجلس للوعظة وتوفي بقزوين (٢٤) [في] (ن) حدود سنة عشرين وخمسمائة». وأنشدني الشيخ أبو المعالي صاعد بن علي ، قال : أنشدني أستاذ والدي ، أبو يعلى ابن الفرّاء (٢٥) قال : سمعت الغزالي هذا ينشد على كرسيّه في مجلس وعظه : [الكامل] :

ما هذه الألف التي قد زدتم

فدعوتم الخوّان بالإخوان

/ ما صحّ من أحد فأدعوه أخا

في الله محضا لا ولا الشيطان

إمّا مولّ عن ودادي ما له

وجه ولنا من له وجهان (ه)

ووجدت هذه الأبيات في آخر ديوان من دواوين شعر أبي القاسم محمد بن هاني المغربي (٢٦). وذكرها أبو علي الحسن بن رشيق الأزدي (٢٧) في كتاب «أنموذج شعراء المغرب» لمحمد بن أبي سعيد بن أحمد ويعرف بابن شرف (٢٨).

اختصر أبو الفتوح أحمد كتاب أخيه أبي حامد محمد بن محمد المسمّى

٣٦

«إحياء علوم الدين» (٢٩) في مجلد واحد وسمّاه «لباب الإحياء» (٣٠) وقع إليّ به (و) نسخة كتبت في أيامه في مدة آخرها شعبان من سنة اثنتين وخمسمائة ، وعلى أولها إجازة رواية الكتاب بخطه لجماعة ، وهو خط حسن جيد قوى ... (م). ونقلت من كتاب له يسمّى «كتاب الذخيرة في علم البصيرة» (٣١) من مجلس يوم الأربعاء تاسع عشرين ...... (لا) سنة أربعة عشر وخمسمائة بجامع القصر (٣٢) : «حرام على قلب مشحون بحب الدنيا [أن] (ى) يجد حلاوة الذكر ، وحرام على قلب مشحون بالشهوات أن يكون له صلة بالقدم ، إنما أمرت بترك ما أنت فيه ، وأما جلالة القدم فلا تقصر عمّا هي فيه مرتبة العبودية ومنقبة المحبوبية ، وما لك منهما حديث ولا خبر ، أنت في واد وهم في واد». وهو كتاب في مجلد ، ولم أذكر ذلك إلّا تبركا بكلامه لأنه (أأ) من المختار في بابه.

وحدثني ابو المعالي صاعد بن علي قال : حدثني أبو يعلى ابن أبي حازم ابن الفرّاء ، قال : حضرت مجلس الغزالي بجامع / القصر () وكان له في كل يوم سبت يختص بالعجم (أب) فقام اليه رجل فطلبه ، فلمّا أقبل عليه أنشد (١) :

(الطويل)

أيا قادما من سفرة الهجر مرحبا

أنا ذاك لا أسلوك ما هبّت الصّبا

قدمت على قلبي كما قد تركته

حبيسا على ذكراك بالشّوق متعبا

فولّى الرجل يطلب باب جامع (أت) القصر ، فانشد : [الكامل]

وإذا وصلت وقصّرت بي ناقتي

ولثقل (أث) شوقي ما يقصّر حاملي

فاقر السّلامة من تباريح الجوى

بعث (أج) القتيل تحية للقاتل

قال : فلم يبق في المجلس احد إلّا صاح وألقى ثيابه ، فكان مبلغ ما

__________________

(١) ورد في الحاشية تعليق نصه «لمحرره محمد على بن محمد راضي النجفي» :

يا قادما من سفرة البعد

انا المحب المعنى بالشوق والوجد

وقدومك سرني واضاء قلبي

ورؤياك عندي أحلى من الشهد

٣٧

حصل في ذلك اليوم ألوفا (أح) فما أخذ منها الغزالي حبة واحدة ، ووفّرها على القراء. هذا كلامه وأكثر معناه.

ومن شعر ابي الفتوح الغزالي ما انشده ابن السمعاني (أخ) وقد تقدم :

[الرمل]

أنا صبّ مستهام

وهموم لي عظام

طال ليلي دون صحبي

سهرت عيني وناموا (أد)

بي عليل وغليل

وغريم وغرام

ففؤادي لحبيبي

ودمي ليس حرام (أز)

ثمّ عرضي لعدوى (أذ)

أمة العشق كرام

٢ ـ الإمام أبو العباس الزرزاري [... ـ ٥٩١ ه‍]

هو أبو العباس أحمد بن عثمان بن أبي علي بن مهدي الكردي (١) الزرزاري (%) ورد في الحاشية تعليق نصه «لمحرره محمد علي بن محمد راضي النجفي ـ / من رستاق من رساتيق إربل ـ رحمه الله ـ. كان إماما عالما ورعا زاهدا ، سلك في خشانة الدين مسلك التابعين ، ورحل الرحلة الواسعة في طلب الحديث وسمع الكثير وكتب الكثير. ادرك الشيخ أبا الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب الصوفي السجزي (٢) الماليني بهزاة (٣) ، وسمع عليه «صحيح البخاري» (٤) وعدة أجزاء. وسمع ببغداد أحمد بن طاهر الميهني (٥) ، والمبارك بن الحسن الشّهرزري (٦) وغيرهما. وسمع من أحاديث أصبهان (٧) على الحافظ أبي موسى محمد بن أبي بكر بن أحمد بن عمر بن ابي عيسى المديني الأصبهاني (٨) بأصبهان وعلى أبي الفضل محمد بن عبد الرحمن النّيلي الأصبهاني (٩) وعلى غيرهم. وسمع احاديث البغداديين ، وكان إماما في علم القرآن ، صنف في القراآت كتابين يدخل كل منهما في جلد ، سمّى احدهما «المؤنس» والآخر «المنتخب» (١٠).

٣٨

كان على غاية ما يكون عليه ، زاهد (ح ح) من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، يقف الملوك ببابه فلا يصلون اليه ، وإن أذن لهم جلسوا بين يديه ، لم يدع أحدا منهم إلّا باسمه ، ولم يعامله إلّا بما ينافي قاعدة رسمه. سمع عليه الحديث بالموصل واربل وغيرهما. إلّا أنه كان بإربل أقلّ إسماعا. حضرت في بعض قدماته وسألته السماع عليه ، فقال : أفعل ـ إن شاء الله ـ فإنّي قد وصلت وأنا في تعب الطريق. فسألته : الإجازة ، فتلفظ لي بها. ثم منعت عن لقائه موانع ، فسافر من إربل وغاب عنها غيبة طويلة ، ثم عاد فمنع أحد أن يدخل عليه البتّة ، فدخلت عليه مرة فرأيت رجلا / قد نهكته العبادة ، كان يأكل في كل شهر نصف مكوك (أ) حنطة يحمله فتوتا وينقعه في كل ليلة عند افطاره ويأكله في زبدية خضراء مخروشة فانكسرت منها قطعة كبيرة ، فقلت للقيّم بأمره : ولم لا يشتري الشيخ عوضها؟ فقال : قد استأذنته في ذلك ، فقال : هذه تكفيني الى أن أموت ، فمات ولم يأكل في غيرها. وكان مأكوله من غلّة ملك له ، وكان يأكل معه يسيرا من الزبيب الأسود.

وأقام بإربل إلى أن مات ـ رحمه الله ـ ولم ينم صيفا او شتاء إلّا داخل الدار التي كان فيها ، لم يخرج الى سطح ولا الى ساحة ، ولا أوقد عنده سراج قط. كان ـ فيما بلغني ـ يكتب الكتاب الكريم بيده من حفظه ، وكان تحته بارية صغيرة (ب) وعليها توفي. فحضرته وقد مرض في شهر رمضان في أول مرضه وسئل الدعاء لي ، فدعا لي ـ رحمه الله ـ وكان صائما فلم يفطر حتى غلب عليه المرض ، وكان يعطى الثلج وهو لا يعلم. وكان تحت رأسه لبنة فسئل تغيير هذه الحالة فأبى ، فلمّا لم يعلم بحاله جعل تحته كيس خام محشوة. فلم يزل على هذه الحال الى ان توفي ليلة الجمعة التي صبيحتها عاشر شهر رمضان من سنة احدى وتسعين وخمسمائة ، ودفن ضاحي نهاره بالمقبرة العامة (١١) ظاهر إربل من شرقيها ، وكان يوم دفنه مشهودا. نزل الى قبره وألحده الفقير الى الله ـ تعالى ـ

٣٩

أبو سعيد كوكبورى (ت) بن علي بن بكتكين (١٢) ـ اعاد الله عليه وعلينا بركته ـ وقدّم للصلاة عليه شيخنا أبو المظفر المبارك بن طاهر الخزاعي (١٣). وانا / ذاكر من احاديثه ما اقدمه امام هذا الفصل طلبا لليمن والبركة.

اخبرنا الشيخ الامام العالم أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري (١٤) بالموصل بقراءتي عليه ، وأنبأني الزرزاري (ث) قال : اخبر (ج ج) الشيخ الامام أبو العباس أحمد بن عثمان بن أبي علي بن مهدي الزرزاري بقراءتي عليه ، والشيخ الامام أبو عبد الله الحسين بن بوخن (ح ح ح) بن أبويه بن النعمان الباوري (١٥) قال : حدثنا الفضل بن محمد بن عبد الواحد بن عبد الرحمن النّيلي الأصبهاني (١٦) ، اخبرنا ابو القاسم احمد بن منصور الخليلي البلخي (١٧) ، اخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد ابن محمد الخزاعي (١٨) ، اخبرنا أبو سعيد الهيثم بن كليب بن شريح بن معقل الشّاشي (١٩) ، أخبرنا الامام الحافظ ، ابو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (٢٠) ـ رحمة الله ـ قال : حدثنا الحسن بن الصباح البزّاز (٢١) ، قال : حدثنا أبو النّضر (٢٢) حدثنا أبو عقيل الثقفي ، عبد الله بن عقيل (٢٣) عن مجالد (٢٤) عن الشّعبي (٢٥) عن مسروق (٢٦) عن عائشة ، قالت : حدّث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذات ليلة نساءه حديثا ، فقالت امرأة منهن : «كان الحديث حديث خرافة». فقال : «أتدرون ما خرافة؟ كان رجلا من عذره (٢٧) أسرته الجن في الجاهلية ، فمكث عندهم دهرا ، ثم ردوه الى الإنس ، فكان يحدّث الناس بما رأى فيهم من الأعاجيب فقال الناس : «حديث خرافة». (ج)

ونقلت من خطه ـ رحمه الله ـ قال : اخبرني الشيخ الامام الحافظ ابو موسى محمد بن ابي (ح) بكر بن أحمد المديني الاصبهاني من / لفظه بأصبهان ، في منزله سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة ، قال : اخبرنا أبو الطيّب طلحة بن أبي منصور الحسين بن أبي ذر الصالحاني (٢٨) في المحرم سنة عشرة وخمسمائة ، قال :

٤٠