الدّروع الواقية

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الدّروع الواقية

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-32-9
الصفحات: ٣١٤
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

الهلال في الليلة الاولى وتقول مثل ما تقدم ذكره ، والثانية والثالثة ، فان نجع والا بمثل ذلك في الشهر الثالث ، ولن تحتاج اليه باذن الله » (١).

* * *

__________________

(١) رواه الطبرسي في مكارم الأخلاق : ٣٤٧ ، والكفعمي في مصباحه : ٢٠٦.

٤١

الفصل الثاني :

فيما يؤكل أول الشهر لئلا ترد له حاجة

روينا ذلك باسنادنا الى هارون بن موسى التلعكبري رضوان الله عليه قال : حدثنا محمد بن همام بن سهيل قال : حدثنا أبو الخير محمد بن يحيى الفارسي قال : حدثنا أبو حنيفة محمد بن يحيى الطبري ، عن الوليد بن أبان الرّازي ، عن محمد بن سماعة ، عن أبيه قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « نعم اللقمة الجبن ، تعذب الفم وتطيب النكهة وتهضم ما قبله وتشهي الطعام ، ومن يعتمد أكله رأس الشهر أوشك أن لا ترد ( له ) (١) حاجة » (٢).

أقول : فاياك أن تستبعد مثل هذه الاثار ، وقد رواها هارون بن موسى وهو من الاخيار ، وكم لله جل جلاله في بلاده وعباده من الاسرار ، ما لم يُطلع عليه الا من شاء من رسله وخواصه الاطهار. فيجب التسليم والرضا والقبول ، ممن شهدت بوجوب تصديقه العقول.

* * *

__________________

(١) اثبتناها من نسخة « ن ».

(٢) روى الراوندي في دعواته : ١٥٢ / ٤١٠ ، والطبرسي في مكارم الأخلاق : ١٨٩ نحوه ، ونقله المجلسي في البحار٦٦ : ١٠٥ / ١١ و ٩٧ : ١٣٣ / ١.

٤٢

الفصل الثالث :

فيما نذكره مما يعمل ـ أول كل شهر من

صلاة ودعاء وصدقة صادرة عن من تدبيره من جملة تدبير

الله جل جلاله وفضله ، ليسلم العبد بذلك من خطر الشهر كله

روينا باسنادنا الى محمد بن الحسن بن الوليد القمي رضي‌الله‌عنه قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفّار قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى الاشعري قال : حدثنا محمد بن حسان ، عن الوشا ـ يعني الحسن بن علي بن الياس الخزاز ـ قال : كان أبو جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام اذا دخل شهر جديد يصلي أول يوم منه ركعتين ، يقرأ في أول ركعة ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ثلاثين مرة بعدد أيام الشهر ، وفي الركعة الثانية ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) مثل ذلك ، ويتصدَّق بما يتسهل ، فيشتري به سلامة ذلك الشهر كله (١).

ووجدت هذا الحديث مروياً ايضاً عن مولانا جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام.

أقول : ورأيت في غير هذه الرواية زيادة : فقال : « ويستحب أذا فرغت من هذه الصلاة أن تقول : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ ( وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ

__________________

(١) رواه الطوسي في مصباحه : ٤٧٠ ، والراوندي في دعواته : ١٠٦ / ٢٣٤ ، وابن طاووس في إقبال الأعمال : ٨٧ ، والكفعمي في مصباحه : ٤٠٧ ، ونقله المجلسي في البحار ٩٧ / ١١٣ قطعة من الحديث ١.

٤٣

مُّبِينٍ ) (١) ( وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٢).

بسمِ الله الرحمنِ الرحيمِ ( سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ) (٣) ( مَا شَاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ ) (٤) ( حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) (٥) ( وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ) (٦) ( لا إِلَٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) (٧) ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) (٨) ( رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ) (٩) » (١٠).

يقول السيد الامام ، العالم العامل ، الفقيه الكامل ، العلامة الفاضل ، الزاهد العابد ، البارع الورع ، رضي الدين ، ركن الاسلام ، جمال العارفين ، أفضل السادة ، أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاووس كبت الله أعداءه : قد عرفت أن العترة من ذرية النبي صلوات الله عليه وآله الذين كانوا قائمين مقامه في فعاله ومقاله ، قالوا : « ان ما نرويه فانه عنه ، ومأخوذ منه » فهم قدوة لمن اقتدى بفعلهم وقولهم ، وهداة لمن عرف شرف محلهم ، فاقتد في

__________________

(١) هود ١١ : ٦.

(٢) الأنعام ٦ : ١٧.

(٣) الطلاق ٦٥ : ٧.

(٤) الكهف ١٨ : ٣٩.

(٥) آل عمران ٣ : ١٧٣.

(٦) غافر ٤٠ : ٤٤.

(٧) الأنبياء ٢١ : ٨٧.

(٨) القصص ٢٨ : ٢٤.

(٩) الأنبياء ٢١ : ٨٩.

(١٠) نقله المجلسي في البحار ٩٧ : ١٣٣ / ١.

٤٤

السلامة من خطر كل شهر كما (١) أشار اليه مولانا محمد بن علي الجواد صلوات الله عليه.

أقول : ( وينبغي أن تذكر ) (٢) عند صدقتك أن هذه الصدقة التي في يديك لله جل جلاله ، ومن احسانه اليك ، والذي تشتريه من السلامة هو أيضاً من ذخائره التي يملكها هو جل جلاله ، وتريد أنت منه جل جلاله أن ينعم بها عليك ، وأنت ملكه على اليقين لا تشك في ذلك ان كنت من العارفين ، فاحضر بقلبك عند صلاتك وصدقتك هذه أنك تشتري ما يملكه الله جل جلاله لمن يملكه الله جل جلاله ، فالمشتري ـ وهو أنت ، كما قلناه ـ ملكه ، والذي تشتري به السلامة ـ وهو الصدقة ـ ملكه ، وأن السلامة التي تشتريها ملكه ، فاحذر أن تغفل عما أشرنا اليه ، فقد كررناه ليكون على خاطرك الاعتماد عليه.

أقول : فاذا أديت الامانة في صلاتك وصدقتك ، وخلصت نيتك في معاملتك لله جل جلاله ومراقبتك ، فكن واثقا بالسلامة من أخطار شهرك ، ومصدقاً في ذلك ولاة أمرك ، وحسن الظن بالله جل جلاله في صيانتك ونصرك.

أقول : ومما ينبغي أن تعرفه من سبيل أهل التوفيق وتعلمه فهو أبلغ في الظفر بالسلامة على التحقيق ، وذلك أن تبدأ في قلبك عند صلاة الركعتين وعند الصدقة والدعاء بتقديم ذكر سلامة من يجب الاهتمام بسلامته قبل سلامتك ، وهوالذي تعتقد أنه إمامك وسبب سعادتك في دنياك وآخرتك.

واعلم أنه صلوات الله عليه غير محتاج الى توصلك بصلاتك وصدقتك ودعائك في سلامته من شهره ، لكن اذا نصرته جازاك الله جل جلاله بنصره ،

__________________

(١) لعل الأنسب : بما.

(٢) في نسخة «ك » : وكن ، واثبتناه ما في نسخة « ن ».

٤٥

وجعلك في حصن حريز ، قال الله جل جلاله ( وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) (١).

ولأن من كمال الوفاء لنائب خاتم الانبياء ، أن تقدمه قبل نفسك في كل خير تقدر عليه ، ودفع كل محذور أن يصل إليه ، وكذا عادة كل انسان مع من هو أعز من نفسه عليه.

ولانك اذا استفتحت أبواب القبول ، بطاعة الله جل جلاله والرسول ، يرجى أن تفتح الابواب لاجلهم ، فتدخل أنت نفسك في ضيافة الدخول تحت ظلهم ، وعلى موائد فضلهم.

يقول السيد الامام ، العالم العامل ، الفقيه الكامل ، العلامة الفاضل ، الزاهد العابد الورع ، رضي الدين ، ركن الاسلام ، جمال العارفين ، أفضل السادة ، أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاووس كبت الله أعداءه : وقد روينا أن صلاة أول كل شهر ركعتان ، يقرأ في الاولى ( الحَمدُ )( قُل هُو الله أحدٌ ) مرة ، وفي الثانية ( الحمدُ ) و ( انّا أنزَلناهُ ) مرة. ولعل هذه الرواية الخفيفة مختصة بمن يكون وقته ضيقاً عن قراءة ثلاثين مرة في كل ركعة ، أما على طريق سفر أو لاجل مرض أو غير ذلك من الاعذار.

أقول : ووجدت جماعة من العجم يعملون على أن الاختيار في أيام الشهور على شهور الفرس دون الشهور العربية ، وما كان الامر كما عملوا به ، لامور :

منها : أننا ومن رأيناه منهم يصلي صلاة أول كل شهر للحفظ من أكداره يصلي على شهور العرب.

__________________

(١) الحج ٢٢ : ٤٠.

٤٦

ومنها : أن الصدقة في أول كل شهر للسلامة من أخطاره على شهور العرب.

ومنها : أن من وجدته يصلي صلاة أول ليلة من كل شهر للسلامة من مضاره رأيته يصليها في أول ليلة من شهور العرب.

ومنها : أن أول السنة باجماع المسلمين اما الشهر المحرم أو شهر رمضان ، وكلاهما من شهور العرب.

ومنها : أن خطاب الشريعة المحمدية يحمل على لسانه العربي الذي جاء به شريف القران الإلهي.

ومنها : أنني اعتبرت الوعود والوعيد المتضمن لايام الشهور فوجد كثيراً منها موجوداً في شهور العرب.

ومنها : ما يحصن من محذورات الايام التي تكره فيها الحركات غير ما قدمناه من الصلوات والصدقات.

حدّث أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى الفحام السرمرائي قال : حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن عبيد الله الهاشمي المنصوري قال : حدثنا أبو السري سهل بن يعقوب بن اسحاق الملقب بأبي نواس مؤذن المسجد المعلق بصف شنيف. قال أبو الحسن : وكان يلقب بأبي نواس ، لانه كان يطيب ويكثر المزاح ويظهر التشيع على طريق الطيبة والتخالع ويسلم عند مخالفيه ، وكان مولانا الامام علي بن محمد صلوات الله عليه يقول له : « أنت أبو نواس الحق وذاك أبو نواس الغي والباطل » (١) وكان يخدم سيد الانام عليه‌السلام.

__________________

(١) رواه الطوسي في اماليه ١ : ٢٨٣.

٤٧

قال: فقلت له ذات يوم : يا سيدي عندي اختيارات الايام عن مولانا الصادق عليه‌السلام ، حدثني به الحسن بن عبد الله بن مطهر ، عن محمد بن سليمان الديلمي ، عن أبيه ، عن سيدنا الصادق عليه‌السلام. وعرضته عليه وصححته بتصحيحه له فقلت : يا سيدي في هذه الايام أيام منحوسة تقطع عن الحوائج ، فاذا دعتني ضرورة الى السعي فيها لحاجة لا يمكنني تركها ، فعلمني ما احترز به منها لاسعى في جميعها في حوائجي.

فقال : « يا سهل ، ان لشيعتنا بولايتنا عصمة ، لو سلكوا بها لجج البحار الغامرة وسباسب (١) البيداء الغابرة ، بين سباعٍ وذئابٍ وأعادي الجن والانس ، أمنوا من مخاوفهم بنا وبولايتنا ، فثق بالله تعالى ، واخلص الولاء لائمتك الطيبين ، الطاهرين ، وتوجه حيث شئت. يا سهل اذا أصبحتَ وقلتَ ثلاثاً : أصبَحتُ اللّهُمَّ مُعتَصِماً بِذِمامِكَ وجوارِكَ المنِيعِ الذي لا يُطاوَلُ ولا يُحاوَلُ ، مِن شَرِّ كُلِّ طارِقٍ وغاشِمٍ مِن سائِرِ مَن خلَقَت وما خَلَقتَ مِن خَلقِكَ الصّامِتِ والنّاطِقِ ، في جُنَّةٍ من كُلِّ مخوفٍ ، بلِباسٍ سائِغَةٍ حصِينَةٍ ، وهيَ وَلاء أهلِ نَبيِّكَ ، مُحتَجِزاً من كلِّ قاصِدٍ لي إلى أذِيةٍ بجدارٍ حَصِين : الاخلاصُ في الاعتِرافِ بحَقِّهِم ، والتَمَسُّك بِحَبلِهِم جميعاً ، مُوقِناً أنَّ الحقَّ لَهُم وَمَعهُم وَمِنهُم وَفِيهم وَبهِم ، اُوالي مَن والَوا ، واُعادِي مَنْ عادَوا ، واُجانِبُ مَن جانبُوا ، فأعِذني اللّهُمَ بهم مِن شَرِّ كلِّ ما أتقيه ، إنّا ( وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ

__________________

(١) السبسب : المفازة : يقال بلد سبسب وبلد سباسب، والمفازة هي الأرض المقفرة الموحشة التي لا ماء فيها. انظر الصحاح ـ سبب ـ ١ : ١٤٥ ، ولسان العرب ـ فوز ـ ٥ : ٣٩٢.

٤٨

وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ ) (١) وقلتها عند المساء ثلاثاً امنت مخاوفك.

واذا أردت التوجه في يوم نحس وخفت ما فيه ، تقدم قراءة ( الحَمدُ ) و ( المعوّذتين ) و ( آية الكرسي ) وسورة ( القدر ) وآخر ( آل عمران ) وقل : اللّهُمَّ بِكَ يَصُولُ الصائِلُ ، وبكَ يَطُولُ الطائِلُ ، ولا حَولَ لِكُلِ ذي حَولٍ الاّ بِكَ ، ولا قُوّةَ يمتارها ذو قُوةٍ الاّ مِنكَ ، اسألُكَ بِصَفوَتِكَ مِن خَلقِكَ ، وخِيرتِكَ من بَريتِكَ ، محمدٍ نَبيِّكَ وعترَتِهِ وسُلالَتِهِ عليهِ وعليهِمُ السلامُ ، صَلِّ عليهِم ، واكفِني شَرَّ هذا اليوم وضرهُ ، وارزُقني خَيرَهُ ويمنَهُ ، واقضِ لي في مُنصرفاتي بِحُسنِ العاقِبَةِ ، وبُلوغِ المحبَّةِ ، وَالظَفرِ بالامنيَةِ ، وكِفايةِ الطاغِيَةِ الغَويّة ، وكُلّ ذي قُدرةٍ لي على أذِيَةٍ ، حتى أكونَ في جُنَّةٍ وَعصمَةٍ ، من كُلّ بلاءٍ ونَقَمَةٍ ، وأبدِلني من المَخاوفِ فيهِ أمناً ، وَمِنَ العَوائِقِ فيهِ يُسراً ، حتى لا يَصُدَّني صادٌ عنِ المُرادِ ، وَلا يحِلُ بي طارقٌ مِن أذى العِبادِ ، انَّكَ على كُلِّ شيءٍ قَديرٌ ، والامورَ اليك تَصِيرُ ، يا مَن ليسَ كمثلِهِ شيءٌ وهوَ السمِيع البَصيرُ » (٢).

أقول : وقد كنّا ذكرنا هذا الحديث في تعقيب صلاة الصبح في الجزء الثاني من كتاب المهمات ، وانما ذكرناه ههنا لتباعد ما بينهما ، ولان هذا المكان لعله أحق بذكره فيه.

__________________

(١) يس : ٣٦ : ٩.

(٢) رواه الشيخ الطوسي في أماليه ١ : ٢٨٤ باختلاف يسير.

٤٩

أقول : وسوف نذكر بعد تعريف ما في الشهر من متكرّر الصيام ، ما نرويه عن مولانا الصادق عليه أفضل السلام ، من دعاء لكل يوم من الشهر على التفصيل ، وتعمل عليه ، فانها احراز واقية ، من خطر يسير أو جليل.

* * *

٥٠

الفصل الرابع :

فيما نذكره من صوم داود عليه‌السلام

رويناه باسنادنا الى محمد بن أبي عمير رضوان الله عليه ، عن أبي عبد الله أيوب الخزاز ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أول ما بعث يصوم حتى يقال : لا يفطر ، ويفطر حتى يقال : لا يصوم ، ثم ترك ذلك وصام يوما وأفطر يوما ، وهو صوم داود عليه‌السلام » (١).

ومن ذلك ما رويناه من كتاب الصيام ، عن ابن فضال ـ باسناده ـ قال : حدثني محمد بن أحمد بن يحيى ، عن عاصم بن حميد ، عن ابراهيم بن أبي يحيى ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه : أن رجلاً سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الصوم فقال : « أين أنت عن البيض : ثلاث عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس عشرة ؟ ».

قال : ان بي قوة.

فقال : « أين أنت عن صيام يومين في الجمعة ؟ ».

فقال : ان بي قوة.

__________________

(١) روى الحميري في قرب الاسناد : ٨٩ / ٢٩٩ نحوه ، والكليني في الكافي ٤ : ٩٠ / ٢ بزيادة فيه ، وباختلاف يسير رواه الصدوق في الخصال : ٣٩٠ / ٨٠ ، وفي ثواب الاعمال : ١٠٥ / ٦ ، وكذا الشيخ المفيد في المقنعة : ٣٧٠ ، ونقله الحر العاملي في الوسائل ١٠ : ٤٣٨ / ١.

٥١

فقال : « أين أنت عن صوم داود عليه‌السلام ، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً » (١).

* * *

__________________

(١) نقل المجلسي في البحار ٩٧ : ١٠٤ / ٤٠ قطعة منه ، ونقله الحر العاملي في الوسائل ١٠ : ٤٣٨ / ٢.

٥٢

الفصل الخامس :

فيما نذكره من صوم جماعة من الانبياء وأبناء الانبياء

صلوات الله جل جلاله عليهم

رويناه باسنادنا الى ابن فضال من كتاب الصيام قال : حدثنا محمد بن أبي عبيد ، قال : حدثنا جبارة قال : حدثنا فرج بن فضالة قال : حدثنا أبو وهيب ، عن أبي صدقة الدمشقي ، عن ابن عباس قال : أتاه رجل يسأله عن الصيام ، فقال : عن أي الصيام تسألني ؟ ان كنت تريد صوم داود عليه‌السلام ـ أبي سليمان ـ فانه كان من أعبد الناس وأشجع الناس ، وكان لا يفرّ اذا لاقى ، وكان يقرأ الزبور بسبعين صوتاً يلوّن ، وكان اذا أراد أن يبكي على نفسه لم تبق دابة في بر ولابحر الا استمعن لصوته ، ويبكي على نفسه ، ًوكانت له سجدة من آخر النهار يدعو فيها ويتضرع ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ان أفضل الصيام صيام أخي داود عليه‌السلام وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ».

وان كنت تريد صيام ابنه سليمان ، فانه كان يصوم من أول الشهر ثلاثة ، ومن وسطه ثلاثة ، ومن اخره ثلاثة.

وان كنت تريد صوم ابن العذراء البتول عيسى بن مريم ، فانه كان يصوم الدهر كله لا يفطر منه شيئاً ، وكان يلبس الشعر ، ويأكل الشعير ، ولم يكن له بيت يخرب ، ولا ولد يموت ، وكان رامياً لا يخطئ صيداً يريده ، وحيثما غابت الشمس

٥٣

صف قدميه ، فلم يزل يصلي حتى يراها. وكان يمر بمجالس بني اسرائيل ، فمن كانت له حاجة قضاها ، وكان لايقوم مقاماً الا وصلى فيه ركعتين ، وكان ذلك من شأنه حتى رفعه الله عز وجل.

وان كنت تريد صوم اُمَّه عليها‌السلام فانها كانت تصوم يومين وتفطر يوماً.

وان كنت تريد صيام خير البشر ، العربي القرشي ، أبي القاسم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فانه كان يصوم ثلاثة أيام ( من ) (١) كل شهر ، ويقول : « هي صيام الدهر » (٢).

* * *

__________________

(١) اثبتناها من نسخة « ن ».

(٢) نقله الحر العاملي في الوسائل ١٠ : ٤٣٩ / ٣.

٥٤

الفصل السادس :

فيما نذكره من صيام أول خميس في العشر الاول من كل شهر ،

وأول أربعاء في العشر الثاني منه ، وآخر خميس من العشر الاخير منه

رويناه باسنادنا الى محمد بن يعقوب الكليني ، وابن بابويه ، والى ابن فضال ، وغيرهم ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله قال : سمعته يقول : « صام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى قيل : ما يفطر ، ثم أفطر حتى قيل : ما يصوم ، ثم صام صوم داود عليه‌السلام يوماً فيوماً لا ، ثم قبض على صوم ثلاثة أيام في الشهر ، وقال : يعدلن الدهر ، ويذهبن بوحر الصدر ».

قال : وزعم حماد أن الوحر : الوسوسة.

قال حماد : وأي الايام هي ؟

قال : فقال : « أول خميس في الشهر ، وأول أربعاء بعد العشر منه ، وآخرخميس فيه ».

قال : فقلت له : كيف صارت هذه الايام هي التي تصام ؟

فقال : « ان من قبلنا من الامم كان اذا نزل على أحد منهم العذاب نزل في هذه الايام ، فصام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الايام المخوفة » (١).

ومن ذلك ما رويناه باسنادنا الى محمد بن يعقوب ـ وغيره ـ باسناده الى

__________________

(١) رواه الكليني في الكافي ٤ : ٨٩ / ١ ، والصدوق في الفقيه ٢ : ٤٩ / ٢١٠ ، وثواب الأعمال : ١٠٥ / ٦ ، والشيخ الطوسي في التهذيب ٤ : ٣٠٢ / ٩١٣ ، والاستبصار ٢ : ١٣٦ / ٤٤٤.

٥٥

أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصيام في الشهر كيف هو ؟

فقال : « ثلاث في الشهر ، في كل عشرة يوم ، ان الله عزوجل يقول ( مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) (١) ثلاثة أيام في الشهر صوم الدهر » (٢).

* * *

__________________

(١) الأنعام ٦ : ١٦٠.

(٢) رواه الكليني في الكافي ٤ : ٩٣ / ٧ ، والصدوق في ثواب الأعمال : ١٠٥ / ٣ ، والشيخ الطوسي في التهذيب ٤ : ٣٠٢ / ٩١٤.

٥٦

الفصل السابع :

فيما نذكره من الرواية في أدب الصائم هذه الثلاثة الأيام

روينا ذلك باسنادنا الى محمد بن يعقوب الكليني ، وأبي جعفر بن بابويه من كتاب من لا يحضره الفقيه ، عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « اذا صام أحدكم الثلاثة أيام من الشهر فلا يجادلن أحداً ، ولا يجهل ، ولا يسرع الى الحلف والايمان بالله عزوجل ، وان جهل عليه أحد فليحتمل » (١).

* * *

__________________

(١) رواه الكليني في الكافي ٤ : ٨٨ / ٤ ، والصدوق في الفقيه ٢ : ٤٩ / ٢١١ ، وعلل الشرائع : ٣٨١ / ٢ ، والشيخ الطوسي في التهذيب ٤ : ١٩٥ / ٥٥٧ ، والطبرسي في مكارم الأخلاق : ١٣٨.

٥٧

الفصل الثامن :

فيما نذكره من الرواية في سبب صوم هذه الأيام أيضاً

روينا ذلك باسنادنا الى جدي أبي جعفر الطوسي ، فيما رواه عن اسحاق ابن عمار ، عن أبي عبد الله ، قال : قلت : لم تصومون يوم الاربعاء من وسط الشهر ؟

قال : « لانه لم يعذب قوم قط الاّ في اربعاء في وسط الشهر ، فنردّ عنّا نحسه »(١).

ومن ذلك من كتاب العلل للقزويني ، عن الرضا عليه‌السلام قال : « الاربعاء يوم نحس مستمر ، لانه أول الايام وآخر الايام التي قال الله عزوجل :( سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا ) (٢) » (٣).

ومن ذلك : ما رويناه باسنادنا الى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سئل عن صوم خميسين بينهما أربعاء ، فقال : أما الخميس فيوم تعرض فيه الاعمال ، وأما الاربعاء فيوم خلقت فيه النار ، وأما الصوم فجنة » (٤).

أقول : وقد تقدم قبل ذلك أن هذه الايام كان ينزل فيها العذاب على الامم ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بصومها.

__________________

(١) روى نحوه الكليني في الكافي ٤ : ٩٤ / ١٢ ، والصدوق في الفقيه ٢ : ٥٠ / ١٥ ، وعلل الشرائع : ٣٨١ / ٤.

(٢) الحاقة ٦٩ : ٧.

(٣) رواه الصدوق في علل الشرائع : ٣٨١ / ٢.

(٤) رواه الكليني في الكافي ٤ : ٩٤ / ١١ ، والصدوق في الفقيه ٢ : ٥٠ / ٢١٤ ، والخصال : ٣٩٠ / ٨١ ، وعلل الشرائع ٣٨١ / ١ ، وثواب الأعمال : ١٠٥ / ٤.

٥٨

الفصل التاسع :

فيما نذكره من الرواية في هل هذه الثلاثة الأيام

من الشهر أربعاء بين خميسين ، أو خميس بين أربعاءين ؟

اعلم : أن الظاهر من عمل أصحابنا رضوان الله جل جلاله عليهم في وقت تعيين صوم هذه الايام من كل شهر يمكن صومها فيه ، كما قدمناه في الفصل الذي قبل.

هذا ، وقد رويت من كتاب تهذيب الاحكام باسنادي الى جدي أبي جعفر الطوسي قدس الله جل جلاله روحه ونور ضريحه ، فقال ما هذا لفظه : والذي رواه محمد بن أحمد بن يحيى ، عن الحسين بن محمد بن عمران الاشعري ، عن زرعة ، عن سماعة ، عن أبي بصير قال : سألته عن صوم ثلاثة أيام في الشهر فقال :« في كل عشرة أيام يوماً ، خميس وأربعاء وخميس ، والشهر الذي يأتي أربعاء وخميس وأربعاء ».

فليس بمناف لما قدمناه من الاخبار لان الانسان مخير بين أن يصوم أربعاء بين خميسين ، أو خميساً بين أربعاءين ، وعلى أيهما عمل فليس عليه شيء (١).

والذي يدل على ما ذكرناه ما رواه محمد بن أحمد بن يحيى ، عن موسى ابن جعفر المدائني ، عن ابراهيم بن اسماعيل بن داود قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن الصيام.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣٠٣ / ٩١٧.

٥٩

فقال : « ثلاثة أيام في الشهر: الاربعاء ، والخميس ، والجمعة ».

فقلت : ان أصحابنا يصومون أربعاء بين خميسين فقال : « لا بأس بذلك ، ولا بأس بخميس بين أربعاءين ».

هذا آخر لفظ جدي أبي جعفر الطوسي في تهذيب الاحكام (١).

أقول : فلما رأيته ما طعن على الرواية الاولى ، وذكر صريحاً حديثاً عن الرضا عليه‌السلام بالتخيير بين الأربعاء بين خميسين وخميس بين أربعاءين ، ذكرت ذلك استظهاراً في العبادة ، وتحصيل السعادة.

* * *

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣٠٤ / ٩١٨.

٦٠