الدّروع الواقية

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الدّروع الواقية

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-32-9
الصفحات: ٣١٤
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

اليوم السابع من الشهر

مثلهُ (١).

اليوم الثامن من الشهر

يومٌ صالح مباركٌ مختار يصلح للحوائج إلا السّفر فلا تسافر فيه (٢).

اليوم التاسع من الشهر

يومٌ صالح ، وليس فيه شيء تكرهه ، فاطلب فيه ما أحبَبتَ فإنّه يوم خفيف ، من يولد فيه يكون مرزوقاً في معيشته ولا يصيبه ضيق أبداً ، ويمدّ له في عمره ، ويكون صالحاً (٣).

اليوم العاشر من الشهر

ولد فيه نوح بن لِمَكٍ صلّى الله عليه ، وهو يوم صالح للحرث والزرع والسّلف ولكلّ خيرٍ (٤).

__________________

(١) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٦١ / ٣٩ باختلاف فيه.

(٢) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٦٢ / ٤٤ باختلاف فيه.

(٣) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٦٣ / ٤٩ باختلاف فيه.

(٤) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٦٣ / ٥٤ باختلاف فيه.

٢٦١

اليوم الحادي عشر من الشهر

من هربَ فيه من السّلطان اُخذ ، ومن يولد فيه يكون مرزُوقاً في مَعيشَتِهِ ، ولا يموتُ حتّى يهرم ، ولا يفتقر ابداً (١).

اليوم الثاني عشر من الشهر

مثله (٢).

اليوم الثالث عشر من الشهر

يَومٌ نحسٌ ، وهو يوم سوء ، فاتَّقِ فيه السّلطان أو عمّاله وغير ذلك ، ولا تطلبنّ فيه حاجة أصلاً (٣).

اليوم الرابع عشر من الشهر

يوم صالحٌ سعيدٌ مباركٌ لكل حاجة وكلّ شيء تريده ، ومن يولد فيه يعمّر طويلاً ويكون مشغوفاً بطلب العلم ، ويكثر ماله في آخر عمره (٤).

__________________

(١) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٦٤ / ٥٩. باختلاف يسير.

(٢) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٦٥ / ذيل ٦٣. باختلاف فيه.

(٣) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٦٥ / ٦٧. باختلاف فيه.

(٤) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٦٦ / ٧٢. باختلاف فيه.

٢٦٢

اليوم الخامس عشر من الشهر

يوم صالح لكلّ حاجة تريدها ، ومن يولد فيه يكون أخرس أو ألثغ لا محالة (١).

اليوم السادس عشر من الشهر

يوم نحس ، من يولد فيه يكون مجنوناً لا بدّ منه ، ومن يسافر فيه يهلك في سفره ذلك (٢).

اليوم السابع عشر من الشهر

يومٌ صالح. قال ابن معمر في رواية اُخرى : يوم ثقيل لا يصلح لطلب الحوائج (٣).

اليوم الثامن عشر من الشهر

يومٌ صالح للسفر ولطلب الحَوائج ، مباركٌ لكلّ ما تريد عمله فيه (٤).

__________________

(١) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٦٨ / ٨١. باختلاف يسير.

(٢) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٧٠ / ٩٢. باختلاف يسير.

(٣) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٧١ / ذيل ح ١٠١ و ١٠٢. باختلاف يسير.

(٤) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٧٢ / ١٠٩. باختلاف يسير.

٢٦٣

اليوم التاسع عشر من الشهر

مثله (١).

اليوم العشرون من الشهر

يوم مبارك جيّد ، يَصلح للسَّفَر أو طلب الحوائج (٢).

اليوم الحادي والعشرون من الشهر

يوم نحس ، وهو يوم إراقة الدّم ، فلا تطلب فيه حاجة وتوقَّ ما استطعتَ (٣).

اليوم الثاني والعشرون من الشهر

خفيف ، صالح لكلّ شيء يلتمس فيه (٤).

اليوم الثالث والعشرون من الشهر

مثله (٥).

__________________

(١) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٧٤ / ذيل ح ١١٧.

(٢) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٧٥ / ١٣٠ باختلاف يسير.

(٣) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٧٧ / ١٣٩ باختلاف.

(٤) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٧٨ / ١٤٧ باختلاف يسير.

(٥) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٧٩ / ذيل ح٥٢.

٢٦٤

اليوم الرابع والعشرون من الشهر

اليوم يوم نحس مشؤوم وهو الذي أصاب فيه أهل مصر تسع ضُروب من الآفات ، وهو يومُ سوء ، ومن مرض فيه لم يفق من مرضه ، فاتقه (١).

اليوم الخامس والعشرون من الشهر

يوم جيّد مبارك ، فيه ضرب موسى البحر فانفلق ، وهو صالح غير أن مَن تزوّج فيه فرق بينهما كما فرق بين البحر (٢).

اليوم السادس والعشرون من الشهر

يوم سفر وصالح لكل شيء تُريدُ (٣).

اليوم السابع والعشرون من الشهر

يوم صالح لكل شيء تريده (٤) (٥).

اليوم الثامن والعشرون من الشهر

يوم سعد ولد فيه يعقوب النبي صلوات الله عيله ، ومن يولد فيه

__________________

(١) اورده المجلسي في البحار ٥٩ : ١٧٢ ـ في اليوم الخامس والعشرين.

(٢) اورده المجلسي في البحار ٥٦ : ٨٤ / ١٨١ في اليوم السادس والعشرون.

(٣) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٨٣ / ١٨٠ باختلاف فيه.

(٤) لم يرد اليوم السابع والعشرون في نسخة « ك » ، واثبتنا ما في نسخة « ن ».

(٥) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٨٥ / ١٨٩ باختلاف فيه.

٢٦٥

يكون مرزوقا ، مشغوفا ، محسناً إلى أهله وسائر النّاس ، ويعمر طويلاً ، وتصيبه الهموم ويبتلى في بصره (١).

اليوم التاسع والعشرون من الشهر

صالح مباركٌ ، مختار لكلّ حاجة تريدها ، وللقاء الإخوان والأصدقاء والسّلطان ، وفعل البرّ وطلب الحوائج والحركة (٢).

اليوم الثلاثون [ من الشهر ]

يوم سعد مبارك ، جيّد خفيف ، وهو يصلح لكلّ حاجة تلتمس فيه (٣) وباللهِ التوفيق.

يقول السيّد الإمام ، العالم العامل ، الفقيه الكامل ، العلامة الفاضل ، الزّاهد العابد ، الورع ، رضي الدين ، ركن الإسلام ، جمال العارفين ، أفضل السّادة ، أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن محمد الطّاووس : وقد قدمنا في الفصل السّادس والثّلاثين من الجزء الثّاني (٤) دعاء عن مولانا الهادي عليه‌السلام مختصراً في تعقيب الصّبح ، تزول به نحوس الأيّام المحذورة من الشّهر (٥).

__________________

(١) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٨٧ / ١٩٨ باختلاف يسير.

(٢) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٨٨ / ٢٠٦ باختلاف فيه.

(٣) نقله المجلسي في البحار ٥٩ : ٩٠ / ٢١٥ باختلاف يسير.

(٤) المراد به الجزء الثاني في كتاب فلاح السائل المفقود ، علماً بان المصنف رحمه‌الله اشار اليه في مقدمة الفلاح عند ذكره للفصول ، وهو في الفصل السادس والثلاثين.

(٥) ذكر الكفعمي في آخر نسخة « ن » الرواية هذه بدعاء الامام الهادي عليه‌السلام بما نصه :

٢٦٦

الفصل الثالث والعشرون

فيما نذكره من حديث اليوم الّذي ترفع فيه أعمال كل شهر

أخبرني الشيخ حسين بن أحمد السّوراوي ، والشّيخ علّي بن يحيى الخيّاط الحلي ، والشيخ أسعد بن شفروة الأصفهاني بإسنادي منهم رضي الله عنهم الذي قدمته إلى جدّي السّعيد أبي جعفر محمد بن الحسن الطّوسي.

أخبرنا الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطار ، عن محمّد بن أحمد بن قتادة ، عن موسى بن جعفر البغدادي ، عن علي بن أسباط ، عن عبد الصمّد بن بشير ، عن عنبسة بن نجاد ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « آخر خميس في الشّهر ترفعُ فيه أعمال الشّهر » (١).

__________________

هذه الرواية رواها ابو السري سهل بن اسحاق الملقب بابي نواس قال : كنت أخدم الامام الهادي عليه‌السلام بسر من رأى ، واسعى في حوائجه ، فقلت له ذات يوم : يا سيدي الأيام النحسات في الشهر الى التوجه في الحوائج فيها فدلني على ما احترز به من مخاوفها فقال له : يا سهل ان لشيعتنا وموالينا عصمة لو سلكوا بها في لجج البحار وسباسب البيد لأمنوا بها من كل مخوف ، يا سهل اذا اصبحت فقل ثلاثاً ـ وكذلك اذا امسيت ـ هذا الدعاء ، وهو دعاء امير المؤمنين عليه‌السلام ليلة المبيت على فراش النبي (ص) وهو :

امسيت اللهم معتصماً بذمامك المنيع ، الذي لا يطاول ولا يحاول ، من شر كل غاشم وطارق ، من سائر ما خلقت من خلقك الصامت والناطق ، في جنة من كل خوف ، بلباس سابغة ، باهل نبيك محمد عليهم‌السلام محتجباً من كل قاصد لي الى أذية بجدار حصين ، لا خلاف في الاعتراف بحقهم والتمسك بحبلهم موقناً ان الحق لهم ومعهم ومنهم وبهم اوالي من والوا واجانب من جانبوا فصل على محمد وآله واعذني اللهم بهم من شر كل ما اتقيه ، ياعظيم حجزت الأعادي عني ببديع السموات والأرض انا ( جعلنا من بين ايديهم سداً ومن خلفهم سداً فاغشيناهم فهم لا يبصرون ).

(١) رواه المصنف في محاسبة النفس : ٢٤ نقلاً عن كتاب العلل للقزويني.

٢٦٧

أقول : وقد رويت هذا الحديث باسنادي إلى أبي جعفر محمّد بن بابويه ، من كتاب العلل قال فيه : عن عنبسة العابد قال : سمعتُ أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « آخر خميس في الشّهر تُرفعُ فيه الأعمال » (١).

أقول : ورويت هذا الحديث ايضاً باسنادي إلى جدّي أبي جعفر الطوسي رحمه‌الله ، عن أحمد بن عبدون ، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن شيبان القزويني من كتابه كتاب علل الشّريعة فقال فيه : قال عبد الصّمد بن عبد الملك : سمعتُ أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « آخرُ خميس في الشّهر ترفع فيه الأعمال » (٢).

وأقول : لَعلَ قائلاً يقول ـ أو يخطر بباله ـ أن كلّ يوم اثنين وخميس من كلّ أسبوع ترفع فيه أعمال العباد ، فما وجه هذه الأحاديث في تخصيصها الخميس الآخر من الشّهر وهي صحيحة الاسناد ؟

فالجواب : أنّ العرض من الأعمال ما هو جنس واحدٌ على التّحقيق من كلّ طريق ، لأنّ الملكين الحافظين بالنهار يعرضان عمل العبد في نهاره كما يختصّان بِهِ ، ومَلكي الليل يعرضان ما يعمله العبد في ليلة كما ينفردان به ، وقد تقدّم حديث في الجزء الأول من هذا ـ كتاب المهمّات والتتمات (٣) ـ في الفصل الرّابع عشر منه يتضمّن كيفية عرض الملكين الحافظين أيّام الدّنيا ، ثمّ يوم القيامة تعرض تلك الأعمال عرضاً آخر بعد اجتماعها عَلَى تفصيلها وحقيقتها ، فكذا لَعلّ كلّ يوم

__________________

(١) رواه الصدوق في علل الشرائع ٣٨١ / ٣.

(٢) رواه المصنف في محاسبة النفس : ٢٤.

(٣) أي تتمات مصباح المتهجد « للشيخ الطوسي » والتي جعلها السيد ابن طاووس عشرة اجزاء سماها ب‍ « المهمات والتتمات » ، فالاقبال في اعمال السنه و « الدروع » في اعمال ايام الشهر ، و « جمال الاسبوع » في اعمال الأيام السبعة ، و « فلاح السائل » في اعمال اليوم والليلة ... انظر : الذريعة ٨ : ١٤٦.

٢٦٨

اثنين وكل يوم خميس من غير اخر الشّهر تعرض الأعمال فيها عرضا خاصّاً ، أو من غير كشفٍ للملائكة ولا لأرواح الأنبياء عليهم‌السلام في الملأ الأعلى ، بل بوجه مستور عنهم بجملتها ثم تعرض أعمال كُلّ شَهرٍ آخر خميس فيه عرضاً عامّاً بتفصيل أعمال الشّهرِ بجملتها أو على وجه مكشوف للرّوحانييّن ، وإظهار تلك الأعمال على صفتها.

أقول : أفَلا ترى لو ان ملكاً استعرض كلّ يوم عمل صانع أو صاحب أو عبدٍ يعملُ شيئاً من المصنوعات في كلّ شَهر لخاصّته ، ثم لما تكملت تِلكَ الاعمال أواخِر الشهر أراد عرضها دفعةً واحدة ، وقد كان عَرفها قَبلَ ذلِكَ مَعرِفَةً واكِدَةً ، وانَّما عَرضَها جُملَةً بَعدَ تَكميلَها في الشَّهرِ ، إمّا لنفع صانعِها ، أو اظهارِ كمال خدمتهِ واعمالِ سَعادَتِهِ إن كانَت الاعمال من المرضيات ، وان كانت من أعمالِ الجَناياتِ فَلَعَلَ الغَرَضَ في عَرضِها جُملةً عِندَ اجتماعِها بما فيها مِنَ السَّيئاتِ ، لِيكُونَ أعذَرَ لمولاهُ في مَؤاخذَتِهِ لِعَبدِهِ عِندَ جنايَتِهِ ، أو لِكَشفِ فَضلِ العَفوِ عَنهُ إن تَدارَكَهُ بِعفوه ورَحمَتِهِ.

أقولُ : وعلى كُلِّ حالٍ فَقد عَرَّفناكض أوَ ذكَّرناكَ بهذِهِ الرواياتِ وَبَعضَ طُرقِها علَى التَّفصيلِ دُونَ الإجمالِ ، وإذا لم تحصُل من ذلِكَ عَلى يَقينٍ ، ولا تجريها مجرى أمثالها مِن الرِّوايات في فُروعِ الفِقهِ والدّينِ ، فلا أقل أن يَكونَ الخطَرَ بها من جُملَةِ الضَّررِ المظنونِ ، فَتَراعي عِند كُلِّ خميسٍ في آخِرَ شَهركَ ما عَملتَهُ فيه من أعمالِ ظاهِرِكَ وسِترِكَ ، وتَذكُرُ اجتمَاعَهَا وكثرتها ، ورُبّما لا تَعرِفُ عُيُوبها وَمَضرّتها ، لأنَّ الإنسانَ في الغالِب لا يَعرِفُ عُيُوب نَفسِهِ عَلَى التَّحقيق ، وإن رأى لها عَيباً فَإنَّهُ يَراهُ دُونَ ما يَراهُ عِندَ عَدُوّهِ أو عِندَ الرَّفيقِ.

٢٦٩

وليكن عَلَيكَ من هذا الحديثِ آثارُ وُجوبِ التحرَّز عن الضَّرَرِ المظنونِ ، ودَلائِلِ التَصديقِ ، وما كُنتَ ما اهتَمَمتَ بحِفظِ أعمالِ الشَّهرِ المشارِ إليهِ ، ولا خائِفٌ من عَرضِ أعمالِهِ في آخِر خميسٍ كما دل النَّقلُ عَلَيهِ ، وما كانَ ذلِكَ لِتَركٍ لمعرفةِ أعمالِك لِعُذرٍ مِن نِسيانٍ ، أو سَبَبٍ يَقبَلهُ اللهُ جَلَّ جَلالُهُ من أعذارِ إهمالك ، ولا لِعقُوبَةٍ قَضَت طَردَ الله جلَّ جَلالُهُ لَكَ عن محاسَبةِ في نَفسكَ مُعاملَتِهِ ، فَقَد ذَكَرنا في عَمَلِ اليَومِ واللَّيلَةِ من هذا الكتابِ بَيان أنَّ اللهَ جلَّ جَلالُهُ قَد يخذُلُ بَعض العِبادِ العُصاة عن خِدمَتِهِ تارةً بالنّسيانِ ، وتارَةً بالنّوم ، وتارةً بِسَلبِ بَعضِ الألطافِ ، عُقُوبةً لهم على مَعصيتِهِ.

أقول : فَإن كنتَ واثقاً ـ وهيهات ـ أنَّكَ سَلِمتَ في شَهرِكَ من الجناياتِ في سائِرِ الحركاتِ والسّكناتِ ، فَأحمد اللهَ جلَّ جلالُهُ على توفيقِهِ وعنايَتِهِ ، واسألهُ زيادَةَ السَّعادَةِ بِطاعَتِهِ. وإن كُنتَ تَعلَم أنَّكَ ما سَلِمتَ من التّقصيرِ ، فَتُب من الآنِ تَوبَة نَصوحاً ، يوافقُ بها السّر الاعلان. وإن لم يحضَر قلبكَ ، ولا أطاعكَ هواكَ ، وغَلَبتكَ نفسكَ ودُنياكَ ، لِقِلَةِ معرفتكَ بِربّكَ ، وجَهلكَ بِعَظيمِ ذَنبِكَ ، من أن تَتُوبَ على التَّحقيقِ ، فاسأل الله جلَّ جَلالُهُ بلسانِ حالِ الذُل لتَوفيق زوالِ أمراضِ دينِكَ ، وأن يَزيدَ في يقينِكَ ، فَإنَّكَ تجدهُ جلَّ جَلالُهُ أرحمُ بِكَ من كُلِّ شفيقٍ ، واطلُب منهُ أن يَعفُو عَنك عَفوَ الرَّحمةِ المضاعَفَة بِغيرِ معاتَبَةٍ ولا مُواقفةً ، وأن تَعذّر منكَ طَلَبَ العَفو على صِفاتِ الذِّلَة والعُبُوديَّةِ ، فَقَد رَغَبتكَ ونَفسكَ إلى أخذِ القودِ مِنكَ بيدِ عَدلِ القُدرةِ الإلهيَّةِ.

وَقَد شَرَحنا لَكَ ذلِكَ عِند المحاسَبَةِ لِلحَفَظَةِ الكرامِ في الجزء الأوَّلِ من عَمَلِ اليومِ والليلةِ فاعمَل بما هناكَ من المهامِ ، فَقَد عَرَفتَ من نَفسِكَ الضَّعف

٢٧٠

عَن يَسيرٍ من الهوانِ ، وعن الكلمة اليَسيرةِ تَقعُ في حقِّكَ من إنسانٍ ، فكيفَ تكونُ إذا فضحتكَ ذُنوبكَ بَينِ أهلِ المغاربِ والمشارِق الّذينَ كنتُ تُوثِرهُم على الخالِقِ الرّازِقِ ، وتَستُر حالكَ عنهم ، وتَقدّم رضاهُم على رِضا مَولاكَ الذي هُوَ واللهِ أهَمُّ منكَ ومنهم. ثمَّ ترى نفسكَ وقد خرجَ من يديكَ رضا مولاكَ ، وما نَفَعَكَ أهلُ دُنياكَ ، وشمتَ بك حُسّادكَ ومن يُريدُ أذاك ، وصِرتَ في أسرِ الغضبِ وهول الهلاكَ. أما عَرفْتَ مقالَ مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وَهُوَ جَهينةِ الخبرِ بما تنتهي أحوالُ العبادِ إليه : « واعلَموا أنهُ ليس لهذا الجلدِ الرَّقيقِ صبر على النّارِ ، ( فارحموا نُفوسَكم فانكم قد جربتموها ) (١) في مصائِبِ الدّنيا فَرَأيتم جَزَعَ أحدكم من الشَّوكةِ تُصيبُه ، والعَثرة تدمِيه ، والرَمضاءُ تحرِقُهُ. فكيفَ إذا كان بين طابقين من نارٍ ، ضجيع حَجَرٍ وقرين شيطانٍ ؟ اما عَلِمتُم أنَّ مالِكاً إذا غَضِبَ عَلَى النّارِ حَطَمَ بَعضها بَعضاً لِغَضَبهِ ، وإذا زَجَرَها تَوَثبت بينَ أبوابها جزعاً من زَجرَتِهِ ؟ أيّها اليفنُ (٢) الكبير الّذي قَد لهزَهُ القَتيرُ (٣) ، كيف أنت إذا التَحمت أطواقُ النّيرانِ بعظامِ الأعناقِ ( ونَشبتِ ) (٤) الجوامِع حتّى أكَلت لحومَ السّواعِد »(٥).

أقول : فَهَل هذا مّما يقدر الإنسانُ على احتمالِهِ ، أو يُهَوِّن العاقل بأهوالِهِ ؟! وهَبكَ ما تصدِّقُ بِذلكَ ، أمّا تجوَّزُ تجويراً أن يكون اللهَ جَلَّ جَلالُهُ صادِقاً في وعيدِهِ ومَقالِهِ ؟! فَلأيّ حالٍ ما تَستَظهِرُ لنفسك حَتَّى تسلِمَ من عذابهِ ونكالهِ ؟!.

__________________

(١) في نسخة « ك » :وقد جربتم ، واثبتنا ما في نسخة المجلسي وهي الموافقة لما في نهج البلاغة.

(٢) اليفن : الشيخ الكبير. الصحاح ـ يفن ـ ٦ : ٢٢١٩.

(٣) لهزه القتير : أي خالطه الشيب لسان العرب ـ لهز ـ ٥ : ٤٠٧.

(٤) في نسخة « ك » : وتشبثت ، واثبتنا ما في نسخة المجلسي وهي الموافقة لنهج البلاغة.

(٥) خطبة امير المؤمنين في نهج البلاغة ٢ : ١٣٥ / خطبة ١٧٨ ، ونقله المجلسي في البحار ٨ : ٣٠٦ / ٦٨.

٢٧١

أقُولُ : ولَقَد ذَكره أبو محمّدٍ جَعفَر بن أحمدٍ القُمي في كتابِ زُهدِ النَّبي صلوات الله عليه وآله ( ان جبرئيل عليه‌السلام جاء إلى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ) (١) من اللهِ عزّ وجَل مافيه بَلاغٌ. وهذا جَعفر بن أحمدٍ عَظيم الشّانِ من الأعيانِ ، ذَكَرَ الكراجكيّ في كتابِ الفهرستِ أنَهُ صَنَّفَ مائتين وعشرينَ كتاباً بِقُم والرَّي ، فقال : حَدَّثنا الشريفُ أبو جعفرٍ محمّد بن أحمد العَلَوي رحمه‌الله ، قالَ : حَدَّثني عَلي بن الحسنِ شاذانِ ، حَدَّثنا محمّد بن علي بن الحسن ، حدّثنا أبي ، حدّثنا أبو حفصٍ ، حَدَّثنا عصمة بن الفَضل ، حَدَّثنا يحيى ، عَن يُوسِفُ بن زيادٍ ، عن عَبد الملكِ بن الاصبهاني ، عَن الحسنِ قال : جاءَ جِبرئيل إلى النَّبي صلوات الله عليه وآله في ساعَةٍ ما كانَ يأتيهِ فيها ، فَجاءهُ عِندَ الزّوالِ وهو مُتغَيّر اللونِ ، وكَانَ النَّبيّ صَلواتُ الله عليهِ وآلِهِ يَسمعُ حسَّهُ وَجَرَسَهُ ، فَلَم يَسمَعْهُ يَومَئِذٍ ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا جبرئيلَ مالي أراكَ جِئتني في ساعةٍ ما كنت تجيئني فيها ، وأرى لَونكَ متغيّراً ، وكُنتُ أسمع حِسَّكَ وجَرَسكَ ولم أسمعه اليومَ » ؟.

فقالَ : « إنّي جئتُ حين أمَرَ اللهُ بمنافِخِ النّار قوضعت على النَّارِ ، والّذي بَعَثَكَ بالحقَّ نبيّاً ما سمعتُ مُنذُ خُلِقتُ النَّار »

قال : « يا جبرئيلَ ( أخبرني ) (٢) عن النّار وخَوِّفني بها ».

فقال : « انَّ اللهَ خَلَقَ النّارَ حينَ خَلَقَها فأبراها فَأوقَدَ عَليها ألفَ عامٍ

__________________

(١) اثبتناه من نسخة « ن ».

(٢) أثبتناه من نسخة المجلسي حيث لم ترد في نسختي « ك » و« ن ».

٢٧٢

حَتَّى اسوَدَّت ، فَهي سوداءُ مظلمةُ لا يضيء (جمرها ولاينطفي لهبها)(١). والذّي بَعثَكَ بالحقِّ نَبيّاً ، لو أنّ مِثلَ خرقِ الإبرة خَرَجَ منها على أهل الأرض لاحترقوا من عن (٢) آخِرِهم ، ولو أن رَجلاً اُدخلَ جَهَنّم ثم اُخرج منها لمات أهل الأرض جميعاً حين يَنظُرون إليه لما يرونَ به ، ولو أنَّ ذراعاً من السّلسلةِ الّتي ذكر اللهُ في كتابهِ وضِعَت على جميع جبال الدُّنيا لذابت من عند آخِرِها حتّى تَبلُغَ الإرض ثمَّ ما استقلَّت أبداً ، ولو أنَّ بعض خُزّانِ جهنّمَ التّسعة عشر نظر إليه أهل الأرض لماتوا حين ينظرون إليهِ من تشوِّه خلقهِ ، ولو أنّ ثوباً من ثياب أهلِ جَهَنَّم عُلِّقَ بينَ السّماءِ والأرضِ لماتَ أهل الأرض من نَتنِ ريحِهِ ».

فقال رَسوُل الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « حَسبُكَ ياجبرئيلَ ، لا أتصدّع فأمُوتُ » وأكبَّ وأطرقَ يبكي.

فقال جبرئيل : « لماذا تَبكي وأنت من الله بالمكانِ الّذي أنت به ؟ ».

قال : « وما مَنعَني ألاّ أبكي وأنا أحَقُّ بالبكاء ، أخاف ألاّ أكون عَلَى الحال الّتي أصبَحتُ عليها ».

فلَم يَزالا يبكيان حَتّى ناداهما ملكٌ من السّماء : « يا جبرئيل ويا محمّد ، إنّ الله قد آمَنكما مِن أن تَعصيا فيعذبكما » (٣).

وقال ـ ايضاً ـ أبو محمد جعفر بن أحمد القمي في كتاب زهد النّبي صلوات الله عليه وآله ، فيما رواه عن عَمرو بن خالد ، عن زيد بن علي عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن علي عليه‌السلام قال : « ربّما خوّفنا رسول الله صلى الله عليه

__________________

(١) في نسخة « ك » : لهبها ولا لهبها ، واثبتنا ما في نسخة « ن ».

(٢) في نسخة « ك » : من عند ، وما اثبتناه من نسخة « ن » والبحار.

(٣) نقله المجلسي في البحار ٨ : ٣٠٥ / ٦٤.

٢٧٣

وآله فيقول : والّذي نفس محمّد بيده لو أن قطرةً من الزّقّوم قطرت على جبالِ الأرض لساخَت أسفَل سَبع أرضين ولمّا أطاقته ، فكيف بمن هو طعامه ؟! ولو أنّ قطرةً من الغسلين أو من الصّديد قطرت على جبال الأرض لساخَت أسفَل سبع أرضين ولما أطاقَته ، فكيفَ بمن هو شرابُه ؟! والّذي نَفسي بيدِهِ لو أن مقماعاً واحداً مما ذكره الله في كتابه وضع على جبال الأرض لساخَت إلى أسفَل سَبع أرَضينَ ولما أطاقته ، فكيف بمن يُقمَعُ به يوم القيامةِ في النّار ؟» (١).

وقال ـ ايضاً ـ مؤلف كتاب زُهد النّبيّ صلوات الله عليه وآله قال : لمّا نزلَت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ( وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ ) (٢) بكى رسول الله صلّى عليه وآله بكاءً شديداً وبكى أصحابه ، ولا يدرون ما نزل به جبرئيل عليه‌السلام ، ولم يستطع أحد من أصحابه أن يكلّمه ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا رأى فاطمة فرح بها ، فانطلق بعض أصحابه إلى باب فاطمة وبين يديها شيء من شعير وهي تطحن وتقول : « ما عند الله خيرٌ وأبقى ».

قال : فقال : السلام عليك يا بنت رسول الله.

فقالت : « وعليك السّلام ، ما جاء بكَ ؟ ».

قال : تركت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله باكياً حزيناً ، ولا أدري ما نزل به جبرئيل !!.

__________________

(١) نقله المجلسي في البحار ٨ : ٣٠٢ / ٦١.

(٢) الحجر ١٥ : ٤٣ ـ ٤٤.

٢٧٤

فقالت : « تنحّ [ من ] بين يديّ أضم إليّ ثيابي وأنطلق إلى رسول الله لعلّه يخبرني بما نزل به جبرئيل ».

قال : فلبست فاطمة شملةً من صوف خلقاناً ، قد خيطت باثني عشر مكاناً من سعف النّخل ، فلمّا خرجت فاطمة عليها‌السلام نظر إليها سلمان رضي‌الله‌عنه فوضع يده على رأسه وهو ينادي : ( واحزناه ) (١) إن قيصر وكسرى لفي السّندس والحرير ، وابنة محمّد عليها شملة من صوفٍ قد خيطت باثني عشر مكاناً بسعف النّخل.

فلّما دخلت فاطمة عليها‌السلام على رسول الله قالت : « يا رسول الله ، إنّ سلمان تعجَبَ من لِباسي ، فَوَالذّي بعثك بالحقّ نبيّا مالي ولعليّ منذ خمس سنين إلاّ ( مسك ) (٢) كبشٍ ، تَعلفُ عليه بالنّهار بعيرنا ، فإذا كان الليل افترشناهُ ، وإن مرفَقَتنا (٣) لمن أدم حَشوها ليف النَّخلِ ».

قال النّبيّ عليه‌السلام : « يا سلمان ، ويح ابنتي فاطمة ، لَعلّها تكون في الخَيل السّوابِق ».

قالت : « يا رسول الله ، فدتك نفسي يا أبَه ، ما الَّذي أبكاك ؟ ».

قال : « كيف لا أبكي وقد نزل جبرئيل بهذه الآية : ( وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ ) » (٤).

__________________

(١) في نسخة « ك » واحرباه لي من محمد ، واثبتنا ما في نسخة « ن ».

(٢) في نسخة « ك » : مثل ، وفي نسخة « ن » : مشك ، واثبتنا ما في نسخة المجلسي وهو الصواب ، والمسك ( بالفتح ) الجلد.

(٣) المرفقة : المتكأ والمخدة. لسان العرب ١٠ : ١١٩.

(٤) الحجر ١٥ : ٤٣ ـ ٤٤.

٢٧٥

قال فسقَطَت فَاطمَة على وَجهها وهي تقول : « الوَيلُ ثمّ الوَيل لمن دَخَل النّار ».

قال : فَسَمع ذلكَ سلمان فقال : يا ليتني كنتُ كبشاً لأهلي فأكلوا لحمي ومزقوا جلدي ولم أسمع بذكر النّار.

وقال عمّار : يا ليتني كنتُ طائراً في القفار ولم يكن عليّ حساب ولا عذابٌ.

ثم خرج عليٌّ عليه‌السلام وهو يقولُ : « ياليتني لم تلدني اُمّي ، ويا ليت السِّباع مزقت لحمي ولم اسمع بذكر النّار » ثمّ وضع يده على راسه ( وجعل يبكي و ) (١) يقول : « وا بُعد سفراه ، وا قلّة زاداه ، في سفر القيامة يذهبون ، وبين الجنّة والنّار يتردّدون ، وبكلاليب النّار ( يتخطفون ) (٢) ، مرضى لا يعاد سقيمُهم ، وجرحى لا يداوى جريحهم ، ولا يفكّ أسيرهم ، ولا يعاد مريضهم ، ولا يجار ( قتيلهُم ) (٣) من النّار ياكلون ، ومن النّار يشربون ، وبين أطباق النّيران يتقلّبون ».

فلقيه بلال فقال : يا أمير المؤمنين ما لي أراك باكياً ؟.

قال : « الويل لي ولك يا بلال إن كان مصيرنا إلى النّار ، ولباسُنا بعد القطن والكتان نلبس من مقطعات النّيران. الويل لي ولك يا بلال إن كان معانقُنا بعد الأزواج نقرن مع الشياطين في النّار » ثمّ تفرقا (٤).

أقول : ولقد رأيت في احاديث النَبيّ صَلَواتُ الله عليه وآله ما سيأتي الإشارة إليه ، وأنّ أهل النّار إذا دخلوها وعجزوا عن أنكالها وأهوالها ، ورأوها كما

__________________

(١) اثبتناه من نسخة « ن ».

(٢) في نسخة « ك » : يختطفون ، واثبتنا ما في نسخة « ن ».

(٣) كذا ، ولم ترد في نسخة « ن ».

(٤) نقله المجلسي في البحار ٨ : ٣٠٣ / ٦٢.

٢٧٦

قال زين العابدين صلوات الله عليه : « لا تبقي على من تضرّع إليها ، ولا ترحم من استعطفها واستبتل إليها ، ولا تقدر على التخفيف عمّن خشع لها واستسلم إليها ، تلقى سكانها باحَرَّ ما لَديها من أليمِ النّكال ، وشديد الوبال ».

وفي الحديث عن النبّيّ صلوات الله عليه وآله كما أشرنا إليه أنّهم يعرفون أنّ أهل الجنّة في نعيم عظيم فيؤمّلون أن يطعموهم أو يسقوهم ليخفَ عنهم بعض العذاب الأليم ، كما قال جلّ جلاله : ( وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ المَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ ) (١) قال : « فَيحبسُ عَنهُم الجوابُ أربَعينَ سَنَةً ، ثمَّ يجيبونهم بلسان الاحتقار والتّهوّن ( إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ ) (٢) فَيَرون أنَّ الخزنَة عِندهُم يشاهدونَ ما قد نزل بهم من المصائب فيؤملون أن يجدوا عندهم ( فرجاً ) (٣) بسبب من الأسباب ، فقال الله جلّ جَلالُه ( وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ ) (٤) ».

ففي الحديث : أنهُم يُعرِضُون عنهم في الجوابِ أربعين سنة ثمّ يجيبونهم بعد خيبة الآمال ( قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ ) (٥) فإذا ايسوا من خزنة جهنم رجعوا إلى مالك مقدّم الخزّان وقالوا لعلّه أرحم بهم من الخرنة ، ولعلّه يخلصهُم من ذلك الهوان ، وأمّلوا أن يشفع لهم ، وتعلّلوا بعسى وليت ولعلّ ذلك يكون ( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ) (٦) فروي في الحديث : أنّه

__________________

(١ و ٢) الأعراف ٧ : ٥٠.

(٣) اثبتناها من نسخة « ن ».

(٤) غافر ٤٠ : ٤٩.

(٥) غافر ٤٠ : ٥٠.

(٦) الزخرف ٤٣ : ٧٧.

٢٧٧

يعرض عنهم في الجواب أربعين سنةً ثمّ يجيبهم وقد هلكوا في العذاب الهون فيقول لهم ( إِنَّكُم مَّاكِثُونَ ) (١).

فإذا أيسوا من مالك رَجعوا إلى مولاهُم المالك ، الَّذي كان أهون شيء عندهم في دنياهم ، وكان قد آثر كُلّ واحد منهم عليه هواه مدّة الحياة ، وقد كان قرّر عِندهُم بالعقل والنّقل أنّه أوضح لهم على يد الهداة سبيل النجاة ، وعرّفهم بلسان الحال أنهم الملقون بأنفسهم إلى دار النّكال والأهوال ، وأن بابَ القبول يغلق عن الكفّار بالممات أبدَ الآبدين ، وكان يقول لهم أوقات كانوا في الحياة الدنيا من المكلّفين بلسان الحال الواضح المبين : هب أنّكُم ما صدقتموني في هذا المقال ، أما تجوزون أن اكون من الصادقين ؟ فكيف تُقدِمُونَ عَلَى أن تعرضوا عنّي إعراض من يشهدُ بتكذيبي وتكذيب من صدّقني من المرسلين والعارفين ؟ وهلاّ تحرزتم من هذا الضّر ( المحذَّر ) (٢) الهائل ؟ أما سمعتم بكثرة المرسلين وتكرار الرّسائل ؟.

ثمّ كرّر جل جلاله مواقفتهم وهم في النّار ببيان المقال فقال ( أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ ) (٣) فقالوا ( رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ) (٤) فَيُعرضُ الله جَلّ جَلالُهُ عنهُم في الجواب ، لأنَّ جوابَهُ جلّ جلالُهُ كان كما قلناهُ قد تَقَدّمَ في الدُّنيا أيّام كانَ يَدعُوهُم إليه ببيان المقالِ ولِسان الحالِ ، ويُبالغ في الخِطاب وهُم لايلتفتون إليه بسببٍ من الأسباب ، فيبقون أربعين سنةً في ذلّ الهوان ، وعذاب

__________________

(١) الزخرف ٤٣ : ٧٧.

(٢) في نسخة « ك » : المجوز ، واثبتنا ما في نسخة « ن ».

(٣) المؤمنون ٢٣ : ١٠٥.

(٤) المؤمنون ٢٣ : ١٠٦ ـ ١٠٧.

٢٧٨

النّيران ، لا يجابون ولا يكلّمون ، ثم يجيبهم بعد أربعين سنة فيقول جلّ جَلاله ( اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ ) (١).

قال : فعند ذلك ييأسون من كلّ فَرَج وراحةٍ ، وتُغلق أبوابُ جَهَنَّمَ عليهِم ، وتدومُ لَديهم مآتمُ الهلاكِ والشّهيق والزَّفير والصّراخ والنّياحة.

أقول : فهل هذا أو بَعضُهُ مماّ يجوز التّهوينُ به لذوي الألباب ، ولو كان الإنسان شاكاً في الحساب أما يجوز صدق الانبياء والمرسلينَ ؟ ما هذه المصيبة الهائلة الغفلة أيُّ مسكين ؟.

وكأني ببعض الغافلين يقول : هذا العذابُ لِلكافرين ، ويعتقد أنّه من المصدّقينَ الموقنين المؤمنين ، وهو يرى من نفسهِ أنّ وعُود اللهِ جلّ جلاله عنده أضعف الوُعُودِ ، وأنّه لا يسكن أليها إلاّ بشيء عنده موجودٌ. وأن وَعدَ بعض العباد أقوى في نفسه من وعد سلطان المعاد. ويرى أنّ وعيد الله جلّ جلاله أهون من كلّ وعيد ، وأنّه لو توعّده سلطان ببعض هذا التّهديد عجز عن الصّبر والسّكون ، وهجر رقاد العيون ، وتوصل في رضاه بأبلغ ما يكون.

وقد شرحنا لك فيما ذكرناه عند ركعة الوتر في الجزء الثّاني من كتاب فلاح السّائل ونجاح المسائل ، فانظُر ما هناك ، وما عمل الله جلّ جلاله معك من الإحسان ، وما عملت في الجواب من التهوين والاستخفاف بنفسك والعصيان. وهناك تعلم هل أنت من أهل الإيمان أو من أهلِ الكفران. وانظر فيما ذكرناه في ذلك المكان من الدّواء فداويه عقلك وقلبك بغاية الإمكان ، فلا بدّ لك من يوم

__________________

(١) المؤمنون ٢٣ : ١٠٨.

٢٧٩

تموت فيه وترمى في بئر النّسيان والهوان (١).

أقول : ولكن قل الآن إن كنت من أهل الإيمان ، ما روينا بعض معناه عن الإمام الطّاهر محمّد بن عليّ الباقر عليه وعلى وآبنائه الصّلاة والسّلام والتّحيّة والإكرام : « اللّهُمَّ إنّكَ وهبتنا أجل شيء عندك وهو الإيمان بك من غير سؤال ، فلا تحرمنا ما دون ذلك من الغفران مع المسألة والابتهال ، فأنت الذي يغني علمه عن المقال ، وكرمه عن السؤال ».

أقول : وما روي عن الصّادق صلوات الله عليه أنّه يمحو ذنوب قائله ويتمّ النعمة عليه : « يا من وعد فوفى ، وتوعد فعفى ، صلّ على محمّد وعلى أهل بيته الطّاهرين ، واغفر لمن ظلم وأساء واعتدى ، ولا اهلك وأنت الرّجاء » (٢).

أقول : ثمّ قل ما في معناه :

يا مَنْ إذا وقفَ الوفودُ ببابهِ

ألهى شريدَهُمُ عنِ الاوطانِ

أنا عبدُ نعمتِكَ التي ملأتْ يدي

وربيبُ مَغناكَ الذي أغناني

جِزتُ الملوكَ ومَنْ يؤمّلُ رفدهُ

ووقفتُ حيثُ ارى الندى ويَراني

* * *

__________________

(١) نقله المجلسي في البحار ٨ : ٣٠٤ / ٦٣.

(٢) روى الكفعمي صدر الحديث في مصباحه : ٧٩.

٢٨٠