ذيل تأريخ مدينة السلام - ج ١

أبي عبد الله محمّد بن سعيد بن الدبيثي

ذيل تأريخ مدينة السلام - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله محمّد بن سعيد بن الدبيثي


المحقق: الدكتور بشار عوّاد معروف
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٢

حرف الظّاء في آباء من اسمه محمد

٢١٠ ـ محمد (١) بن ظفر بن أحمد بن ثابت بن محمد الطّرقيّ ، أبو عبد الله بن أبي الغنائم بن أبي العباس.

من أهل يزد. وطرق المنسوب إليها من نواحي يزد.

من بيت الحديث والرواية هو ، وأبوه ، وجده.

سمع محمد بيزد أبا الوقت السّجزي لما وردها ، وغيره من شيوخ بلده.

قدم بغداد حاجا مع أبيه في سنة تسع وسبعين وخمس مئة فحجّ وعاد ، وأجاز لنا بها في سنة ثمانين وخمس مئة. وما أظنه حدّث بها في هذه المرة ، بل أبوه روى بها عن أبيه ، وسيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله.

ومحمد حدّث بيزد ، وروى بها.

* * *

__________________

(١) ذكره ياقوت في «طرق» من معجم البلدان ٤ / ٣١ وذكر أنها من أعمال أصبهان ثم قال : «وقال أبو عبد الله الدبيثي في ترجمة محمد بن ظفر بن أحمد بن ثابت بن محمد الطّرقي الأزدي أن طرقا المنسوب إليها من نواحي يزد ، ولعلها غير التي بأصبهان ويجوز أن تكون بينهما فتنسب إلى هذه وهذه ، والله أعلم». وقيده الذهبي في المشتبه ص ٤١٩ وذكر جده وأباه وإخوته فقال : «الطرقي : أحمد بن ثابت الحافظ ... وابنه أبو القاسم ظفر ، سمع أباه. وأولاده : محمد وأحمد ومحمود بنو ظفر ، حدثوا بيزد ، عن أبي الوقت ، أخذ عنهم أحمد بن علي النفزي». قلت : وسيأتي ذكر غير واحد منهم في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

٣٦١

حرف العين في آباء من اسمه محمد

ذكر من اسمه محمد واسم أبيه عبد الله

٢١١ ـ محمد (١) بن عبد الله بن غنيمة الآمديّ (٢) ، أبو محمد.

سمع منه أبو بكر المبارك بن كامل بن أبي غالب الخفّاف ، وأخرج عنه حديثا في «معجم شيوخه».

٢١٢ ـ محمد بن عبد الله بن محمد القيّار (٣) ، أبو بكر بن أبي نصر.

سمع أبا الحسن عليّ (٤) بن الحسين بن أيوب البزّاز ، وروى عنه. سمع منه أبو بكر بن كامل ، وأخرج عنه أيضا في «معجمه» حديثا ، رحمه‌الله وإيانا.

٢١٣ ـ محمد (٥) بن عبد الله بن محمد بن عبد المجيد بن إسماعيل ، أبو عبد الله المصريّ المتطبّب.

قدم بغداد واستوطنها إلى حين وفاته. وصاهر أبا القاسم عبد الرحمن بن الحسن الفارسي الصّوفي على ابنته ، وسكن عنده برباط الزّوزنيّ ، وابنه أبو القاسم عبد الله الذي صار شيخ رباط الزّوزني ورباط المأمونية منها (٦). وأبو

__________________

(١) لم يذكره الذهبي في «غنيمة» من المشتبه ص ٤٤٨ ولا استدركه عليه ابن ناصر الدين في توضيحه مع أنه من شرطهما. وقيّد ابن ناصر الدين «غنيمة» بالحروف فقال : بالغين المعجمة المفتوحة والنون مكسورة» ٦ / ١٩٤.

(٢) الآمدي : بكسر الميم ، هذه النسبة إلى «آمد» المدينة المشهورة بديار بكر كما في أنساب السمعاني ولباب ابن الأثير ومعجم البلدان لياقوت.

(٣) نسبة إلى القير وعمله.

(٤) أبو الحسن علي بن الحسن بن علي بن أيوب البزاز المتوفى سنة ٤٩٢ ه‍ (ابن الجوزي : المنتظم ٩ / ١١١ ؛ الذهبي : العبر ٣ / ٣٣٤).

(٥) ذكره الزكي المنذري في ترجمة ولده عبد الله المتوفى في السابع من شوال سنة ٥٩١ (١ / الترجمة ٢٩٠) وسيأتي ذكر حفيده محمد بن عبد الله في هذا المجلد (الترجمة ٢٤٢).

(٦) يعني من ابنة أبي القاسم الفارسي الصوفي.

٣٦٢

عبد الله كان أحد [رجال](١) الطب بالمارستان العضدي. وقد سمع كثيرا من القاضي أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري وغيره. وكتب بخطّه. وما أظنّه روى شيئا لأنّ الرّواية لم تظهر عنه.

ذكر لي أبو العلاء محمد بن عليّ ابن الرأس أنّ أبا عبد الله المصريّ هذا توفّي ببغداد في سنة ثلاث وأربعين وخمس مئة ، ودفن بمقبرة الرّباط محاذي جامع المنصور.

٢١٤ ـ محمد بن عبد الله بن الحسن (٢) بن أحمد بن قشامي (٣) ، أبو الحسين بن أبي القاسم.

من أهل الحريم الطّاهري ، من أبناء الشيوخ والمحدّثين.

سمع أبا القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين ، وأبا الحسن سعد الخير بن محمد الأنصاري ، وأبا بكر أحمد بن عليّ بن الأشقر. وروى القليل لاشتغاله بالتجارة.

ذكر أبو بكر عبيد الله بن عليّ المارستاني أنه سمع منه وأنّه توفّي بساحل

__________________

(١) كتب في النسختين فوق كلمة «الطب» (هكذا) للدلالة على عدم وجود السياق في النص. وما بين العضادتين إضافة من عندي اقتضاها السياق. وقال الذهبي في ترجمة ولده عبد الله من تاريخ الإسلام : «وكان أبوه قدم بغداد وصار من أطباء المارستان العضدي» ١٢ / ٩٦٠.

(٢) في ش : «الحسين» خطأ ، وانظر الهامش الذي بعده.

(٣) قيد الذهبي «قشامي» في المشتبه ص ٥٢٩ وضبطها بالقلم في ترجمة والده أبي القاسم عبد الله بن الحسن بن أحمد بن قشامي فقال : «وبالفتح أبو القاسم عبد الله بن الحسن بن قشامي ، عن أبي نصر الزينبي ، مات سنة ٥٤٣». وقيده ابن ناصر الدين بالحروف في توضيحه لمشتبه الذهبي ، فقال : «هو بزيادة الياء آخر الحروف ساكنة مع كسر الميم قبلها» (توضيح المشتبه ٧ / ٢١٧). وهذا التقييد كلّه مأخوذ في أصله من إكمال الإكمال لابن نقطة ٤ / ٦٣١ ، وقد نص على ذلك الذهبي في ترجمته في وفيات سنة ٥٤٣ من تاريخ الإسلام ١١ / ٨٢٨. ومع ذلك تصحف في العديد من المصادر ، فهو في المنتظم ١٠ / ١٣٥ : «قسامي» وفي الذيل لابن رجب ١ / ٢١٥ : «قثامي».

٣٦٣

الشام في شوال سنة (١).

٢١٥ ـ محمد بن عبد الله ابن القزّاز ، أبو بكر الواعظ يعرف بابن الشّاة البغداديّ.

روى عنه أبو العباس أحمد بن المفرّج التّكريتيّ الزاهد أبياتا سمعها منه بتكريت ، وقال : كان شيخا صالحا.

ذكر القاضي أبو زكريا يحيى بن القاسم بن المفرّج ، قال : أنشدني عمّي أحمد بن المفرّج ، قال : أنشدنا الشيخ الصّالح أبو بكر محمد بن عبد الله ابن القزّاز الواعظ البغداديّ المعروف بابن الشّاة ، قدم علينا تكريت :

ولقد أقول إذا تعرّض لي

طاو أزلّ ومهمه قفر

صبرا بنا يا ناق وارتقبي

فلكلّ آخر ليلة فجر

والدّهر يسهل بعد شدّته

والأمر يحدث بعده الأمر

لعسى يجيرك من نوائبه

من لا يحلّ بجاهه الفقر

٢١٦ ـ محمد (٢) بن عبد الله بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن يوسف ، أبو بكر بن أبي القاسم بن أبي الحسين.

من أهل الحربية ، من بيت مشهور بالرّواية والنّقل والثّقة. حدّث هو ، وأبوه ، وجده ، وجماعة من أهله ، يأتي ذكرهم إن شاء الله.

وأبو بكر هذا سمع أبا محمد عبد الله بن محمد بن جحشوية المقرىء ، وغيره. وحدّث باليسير ؛ سمع منه القاضي أبو المحاسن القرشي وغيره.

توفي في شهر ربيع الآخر من سنة أربع وستين وخمس مئة ، ودفن بباب حرب.

__________________

(١) كذا في الأصل وقد كتب في نسخة الأصل «مبيض» دلالة على أن هذا الفراغ كان في الأصل المنتسخ عنه ، وهو كذلك أيضا في النسخة الباريسية.

(٢) من البيت اليوسفي البغدادي المشهور.

٣٦٤

٢١٧ ـ محمد (١) بن عبد الله بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث ، أبو منصور بن أبي محمد بن أبي بكر المعروف بابن السّمرقندي.

أصله من دمشق ، وأبوه أبو محمد (٢) قدم بغداد واستوطنها إلى حين وفاته. وأبو منصور هذا ولد ببغداد ، وكان من أولاد المحدّثين المشهورين. وكذلك عمّه أبو القاسم إسماعيل (٣) حافظ معروف مشتهر بين أهل الرّواية.

سمع أبو منصور هذا من أبيه ، ومن أبي القاسم عليّ بن أحمد بن بيان ، ومن قاضي القضاة أبي الحسن عليّ بن محمد ابن الدّامغاني وغيرهم ، وحدّث عنهم ؛ سمع منه جماعة من شيوخنا. وروى لنا عنه أبو محمد عبد العزيز بن أبي نصر البزّاز.

قرأت على أبي محمد عبد العزيز بن الأخضر : أخبركم أبو منصور محمد ابن عبد الله بن أحمد ابن السّمرقندي ، قراءة عليه ، فأقرّ به ، قال : أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بن بيان الرّزّاز ، قال : أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد بن مخلد البزّاز ، قال : أخبرنا أبو عليّ إسماعيل بن محمد الصفّار ، قال : أخبرنا الحسن بن عرفة ، قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن الحجّاج بن أرطاة ، عن محمد بن عبد العزيز الرّاسبيّ ، عن مولى لأبي بكرة ، عن أبي بكرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ذنبان يعجّلان لا يغفران : البغي وقطيعة الرّحم» (٤).

__________________

(١) اختاره الذهبي في مختصره المحتاج ١ / ٥٤ ، وترجمه في تاريخ الإسلام ١٢ / ٣٤٣.

(٢) ولد بدمشق وسمع بها ، وببغداد. ورحل إلى نيسابور وأصبهان ، وعني بالحديث وخرّج لنفسه معجما لشيوخه في مجلد ، وتوفي سنة ٥١٦ ه‍ (ابن الجوزي : المنتظم ٩ / ٢٣٨ ـ ٢٣٩ ، وابن الأثير : الكامل ١٠ / ٢٣١ ، والذهبي : العبر ٤ / ٣٧ ، والعيني : عقد الجمان ١٥ / الورقة ٨١٨ ، وابن كثير : البداية ١٢ / ١٩١ ، وابن العماد : شذرات ٤ / ٤٩ وغيرها).

(٣) توفي سنة ٥٣٦ ه‍ وكان مولده بدمشق سنة ٤٥٤ ه‍ وترجمته مشهورة.

(٤) حديث صحيح ، وهذا إسناد ضعيف لجهالة مولى أبي بكرة الذي تفرد محمد بن عبد العزيز

٣٦٥

توفي أبو منصور ابن السّمرقندي يوم الخميس الثاني والعشرين من شوّال سنة خمس وستين وخمس مئة ، ودفن بمقبرة الشّونيزي ، رحمه‌الله وإيانا.

٢١٨ ـ محمد بن عبد الله بن محمد بن المعمّر بن جعفر ، أبو المظفّر ابن أبي القاسم ، أخو أبي الفضائل يحيى الملقّب زعيم الدين الذي كان يتولّى المخزن المعمور ، وسيأتي ذكره.

وأبو المظفر هذا تولّى ديوان الزّمام المعمور في أيام الإمام المقتفي لأمر الله ـ قدّس الله روحه ـ في سنة أربع وأربعين وخمس مئة. فلما توفي وبويع لولده الإمام المستنجد ـ رضي‌الله‌عنه ـ أقرّه على ولايته إلى أن عزله في شهر ربيع الأول سنة ثمان وخمسين وخمس مئة (١).

وتوفّي أبو المظفّر في ليلة الأربعاء غرّة ذي الحجة من سنة إحدى وستين وخمس مئة ، ودفن في سحرتها بتربة لهم بالحربية.

٢١٩ ـ محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر ، أبو عبد الرحمن المعروف بجبّوية (٢).

__________________

الراسبي بالرواية عنه ، وسمي في بعض الروايات سعدا ، وفي أخرى أبا سعد ، وفي ثالثة : أبا سعيد ، وقد ذكره البخاري باسم سعد في تاريخه الكبير ٤ / الترجمة ١٩٣٦ وكذا ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ٤ / الترجمة ٤٤٥ وابن حبان في الثقات ٦ / ٣٧٧.

وأخرجه من حديث الحجاج بن أرطاة ، به : الخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق ١ / ٣٦ ، والبيهقي في الشعب (٧٩٦١) ، والذهبي في السير ٩ / ٣٢ ـ ٣٣.

وأخرجه أحمد ٥ / ٣٦ عن وكيع عن محمد بن عبد العزيز الراسبي ، به.

وفي الحديث اختلاف على الراسبي بينه صديقنا العلامة الشيخ شعيب الأرناؤوط بتفصيل عند كلامه على هذا الحديث من طبعته لمسند الإمام أحمد ٣٤ / ١٦ ـ ١٧.

(١) قال أبو الفرج ابن الجوزي في حوادث سنة ٥٥٨ ه‍ من المنتظم : «وفي ربيع الأول قبض على صاحب الديوان ابن جعفر ، وحمل إلى دار أستاذ الدار ووكّل به ، وجعل ابن حمدون صاحب الديوان» ١٠ / ٢٠٥. ويقال عن ديوان الزمام : الديوان ، من باب الإطلاق.

(٢) ترجمه ابن نقطة في إكمال ٢ لإكمال ٢ / ١٥ ، وقيده الذهبي في «جبّوية» من المشتبه وضبطه

٣٦٦

من أهل أصبهان سمع ببلده من أبي زكريا يحيى (١) بن عبد الوهّاب بن مندة وغيره. قدم بغداد حاجا في سنة أربع وستين وخمس مئة فحجّ وعاد ، فحدّث بها في سنة خمس وستين وخمس مئة. سمع منه الشرف أبو الحسن عليّ بن أحمد الزّيدي ، وأبو حفص عمر بن أحمد بن بكرون ، وأبو المعالي أحمد بن يحيى بن هبة ، وأبو عبد الله الحسين بن يوحن اليمني.

أخبرنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عليّ المعدّل وأبو المعالي أحمد بن يحيى بن أحمد البيّع وأبو عبد الله الحسين بن يوحن بن أبوية الباوري (٢) فيما أجازه كلّ واحد منهم لي ، قالوا : أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الله بن أبي بكر الأصبهاني قراءة عليه ببغداد في سنة خمس وستين وخمس مئة ونحن نسمع ، قال : أخبرنا أبو زكريا يحيى بن عبد الوهّاب بن محمد بن مندة ، قال : أخبرنا أبي أبو عمرو عبد الوهّاب بن محمد ، قال : أخبرنا أبي محمد بن إسحاق قال : أخبرنا أبي إسحاق ، قال : أخبرنا أبي ، قال : حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا

__________________

بالقلم بفتح الجيم وضم الباء الموحدة وتشديدها لاشتباهه ب «حبّوية» بالحاء المهملة و «حنوية» بالحاء المهملة والنون و «حيوية» بالحاء المهملة والياء آخر الحروف و «حبّونة» بالحاء المهملة والباء الموحدة والواو والنون فقال : «جبّوية : محمد بن محمود بن أبي بكر ابن جبّوية ، عن الأصبهاني ؛ وأخوه عثمان رويا عن أبي الوقت وغيره ... ومحمد بن أبي بكر بن جبّوية الأصبهاني ، عم الأخوين ؛ سمع يحيى بن مندة ، مات سنة ٥٦٥ (المشتبه ١٣٩) ، واختاره في المختصر المحتاج ١ / ٥٤. وذكره ابن ناصر الدين في توضيح المشتبه ٢ / ٢١٧ وذكر أنّ ممن سمع منه أبو الفضل أحمد بن صالح بن شافع الجيلي الحافظ.

(١) هو صاحب «تاريخ أصبهان» المشهور عند المؤرخين الناقلين عنه ، توفي سنة ٥١١ ه‍ وقد ذكره ابن الجوزي في المنتظم ٩ / ٢٠٤ في وفيات ٥١٢ وهي رواية ضعيفة تابعة فيها العيني في عقد الجمان ١٥ / الورقة ٧٤٠ لأنه ينقل عنه ، وله ترجمة عند الذهبي في العبر ٤ / ٢٥ ـ ٢٦ وابن تغري بردي في النجوم ٥ / ٢١٤ وابن العماد في الشذرات ٤ / ٣٢ وغيرهم.

(٢) الباوري : نسبة إلى باور ، من مخاليف اليمن ، وتوفي أبو عبد الله الباوري سنة ٥٨٧ ه‍ وسيأتي ذكره في هذا الكتاب.

٣٦٧

وكيع ، عن سعيد بن بشير الشّيباني (١) ، قال : سمعت طاوسا ، قال : قال ابن عباس أو ابن عمر : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أوحي إليّ أن أسجد على سبعة أعظم ولا أكفّ شعرا ولا ثوبا» (٢).

قال القاضي عمر القرشي : كتبنا عن هذا الشّيخ في سنة خمس وستين وخمس مئة ، وله أكثر من سبعين سنة.

٢٢٠ ـ محمد بن عبد الله بن محمد بن كفيل الأندلسيّ ، أبو عبد الله.

من أهل المغرب.

ذكر أبو بكر عبيد الله بن عليّ المارستانيّ أنّه قدم بغداد مجتازا بها إلى خراسان ، وأنّه حدّث بها عن أبي عبد الله محمد بن عبد الحكم بن عتيق الميورقي صاحب أبي محمد بن حزم ، قال : وكان فيه فضل وله معرفة بالأدب ، أعني ابن كفيل ، وذكر أنّه سمع منه وأنّه سأله عن مولده ، فقال : في شهر ربيع الأول سنة تسع وثمانين وأربع مئة.

٢٢١ ـ محمد (٣) بن عبد الله بن القاسم بن المظفّر بن عليّ ابن

__________________

(١) هكذا في النسخ ، وأظنه سعيد بن بشير الأزدي ويقال : النصري ، مولاهم ، أبو سلمة الشامي أصله من البصرة ، ويقال : من واسط ، وقيل : إنه من أهل دمشق ، وهو ضعيف يعتبر به كما بيناه في تحرير التقريب ٢ / ٢٣ ، ولعل الوهم منه في قوله : ابن عباس أو ابن عمر ، فهذا الحديث محفوظ من رواية طاووس عن ابن عمر.

(٢) حديث صحيح من حديث طاوس عن ابن عباس ، أخرجه الشيخان في صحيحيهما : البخاري ١ / ٢٠٦ و ٢٠٧ ، ومسلم ٢ / ٥٢ وينظر تمام تخريجه الموسع في تعليقنا على الترمذي (٢٧٣).

(٣) ترجمه العماد في القسم الشامي من الخريدة ٢ / ٣٢٣ ، وابن الجوزي في المنتظم ١٠ / ٢٦٨ ، وابن الأثير في الكامل ١١ / ١٨٠ ، وسبط ابن الجوزي في المرآة ٨ / ٣٤٠ ، وابن خلكان في الوفيات ٤ / ٢٤١ ، والذهبي في تاريخ الإسلام ١٢ / ٥١٣ ، وسير أعلام النبلاء ٢١ / ٥٧ ـ ٦٠ ، والعبر ٤ / ٢١٥ ، والمختصر المحتاج ١ / ٥٥ ، وابن الوردي في تتمة المختصر ٢ / ٨٧ ، والصفدي في الوافي ٣ / ٣٣١ ، والسبكي في الطبقات الكبرى

٣٦٨

الشّهرزوريّ ، أبو الفضل بن أبي محمد بن أبي أحمد الملقّب كمال الدين.

من أهل الموصل ؛ من بيت مشهور بالفضل والعلم والرّياسة والتّقدّم.

وأبو الفضل هذا كان من أعيان أهل زمانه والمقدّم على أهله وأقرانه. قدم بغداد في حداثته وتفقّه بها على أبي المظفّر أسعد بن محمد الميهني المدرس ، كان في ذلك الوقت بالمدرسة النّظامية. وسمع بها الحديث من الشريف نور الهدى أبي طالب الحسين (١) بن محمد الزّينبيّ ، وغيره. وعاد إلى بلده وتولّى القضاء به مدة. ثم خرج إلى الشام وولّاه نور الدين محمود بن زنكي أمير الشام قاضي القضاة بالشّام فكان خصيصا به متوليا لأموره.

قدم بغداد رسولا منه (٢) إلى الدّيوان العزيز ـ مجّده الله ـ في سنة ثمان وستين وخمس مئة فقضى أشغاله ، وخلع عليه ، وعاد إلى دمشق فأقام بها إلى حين وفاته.

وكان قد سمع بالموصل من جدّه لأمّه أبي الحسن عليّ بن أحمد بن عبد الباقي بن طوق ، ومن أبي البركات محمد بن محمد بن خميس. وروى بالشام ، وببغداد لمّا قدمها رسولا ؛ سمع منه بها أبو منصور محمد بن أحمد ابن الطّيّان ، وأبو الخطاب عمر بن محمد العليميّ ، وأبو الثّناء حمّاد بن هبة الله الحرّاني ، وأبو محمد عبد العزيز بن محمود بن الأخضر ، وأبو العباس أحمد بن

__________________

٦ / ١١٧ ، وابن كثير في البداية ١٢ / ٢٩٦ ، والعيني في عقد الجمان ١٦ / الورقة ٦٠٢ ، وابن تغري بردي في النجوم ٦ / ٨٠ ، وابن العماد في الشذرات ٤ / ٢٤٣ وغيرهم.

(١) هو قاضي القضاة ببغداد ومن أعيان الحنفية العباسيين ، ومن مشاهير زمانه ، توفي سنة ٥١٢ ه‍ وترجمته مشهورة (انظر مثلا : ابن الجوزي : المنتظم ٩ / ٢١٠ وابن الأثير : الكامل ١٠ / ٢٠٦ والذهبي : العبر ٤ / ٢٧ وابن كثير : البداية ١١ / ١٨٣ وابن تغري بردي : النجوم ٥ / ٢١٧ والعيني : عقد الجمان ١٥ / الورقة ٧٣٩ وغيرها) وهو أخو طراد بن محمد الزينبي المحدث المشهور.

(٢) يعني من نور الدين محمود بن زنكي.

٣٦٩

أحمد البندنيجي وغيرهم.

أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن محمود بن أبي القاسم البزّاز إذنا ، قال : قرىء على أبي الفضل محمد بن عبد الله بن القاسم الشّهرزوري وأنا أسمع ببغداد لما قدمها رسولا في حادي عشر شهر رمضان سنة ثمان وستين وخمس مئة ، قيل له : أخبركم جدّك لأمّك أبو الحسن عليّ بن أحمد بن عبد الباقي بن طوق وأبو البركات محمد بن محمد بن خميس ، قراءة عليهما وأنت تسمع ، فأقرّ به ، قالا : أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبد الباقي بن طوق ، قال : أخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد بن الخليل المرجي (١) ، قال : حدثنا أبو يعلى أحمد بن عليّ بن المثنى ، قال : حدثنا هارون بن معروف وأحمد بن إبراهيم الدّورقي ، قالا : حدثنا أبو عبد الرحمن المقرىء ، قال : حدثنا سعيد بن أبي أيوب ، قال : حدثني عبد الرحيم بن ميمون ، عن سهل بن معاذ بن أنس ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من ترك اللّباس وهو يقدر عليه تواضعا لله دعاه الله تبارك وتعالى يوم القيامة على رؤوس الخلائق يخيّره من حلل الإيمان يلبس أيّها شاء» (٢).

وتوفي بدمشق يوم الخميس سادس المحرم سنة اثنتين وسبعين وخمس مئة ودفن من الغد. وكان سنّه حين توفّي ثمانين سنة وأشهر فيما ذكر الحسن بن

__________________

(١) المرج : بالفتح ثم السكون والجيم ، وهي الأرض الواسعة ذات النبت الكثير تمرج فيها الدواب. وهناك مروج عدة ذكرها ياقوت ، لكن أبا القاسم نصر بن أحمد المرجي هذا منسوب إلى «مرج الموصل» ويعرف بمرج أبي عبيدة عن جانبها الشرقي موضع بين الجبال في منخفض من الأرض شبيه بالغور. وذكر ياقوت أن أحمد بن عبد الباقي بن طوق هو آخر من روى عنه. (معجم البلدان ٤ / ٤٨٩ ط. أوربا).

(٢) إسناده حسن من أجل عبد الرحيم بن ميمون المعافري وسهل بن معاذ ، وباقي رجاله ثقات.

أخرجه أحمد ٣ / ٤٣٩ ، والترمذي (٢٤٨١) ، وأبو يعلى (١٤٨٤) و (١٤٩٩) ، والحاكم ٤ / ١٨٣ ـ ١٨٤ ، وأبو نعيم في الحلية ٨ / ٤٧ ـ ٤٨ ، والبيهقي في الشعب (٦١٤٨) كلهم من طريق أبي عبد الرحمن المقرىء واسمه عبد الله بن يزيد ، به ، وقال الترمذي : حسن.

٣٧٠

هبة الله بن صصرى الدّمشقي ، قال : ودفن بجبل قاسيون ، وحسن حاله في آخر عمره بالصّدقة وافتقاد المستحقّين وإيقاف شيء من أملاكه على أصحاب الحديث.

٢٢٢ ـ محمد (١) بن عبد الله بن هبة الله بن المظفر بن علي بن الحسن ابن أحمد بن محمد بن عمر بن الحسن بن عبيد بن عمرو بن خالد بن الرّفيل ، واسمه مهاذر جسنس ، وقيل : مهاذر بن جشنس ، بن أبروز بن جسنس بن خسروان.

هكذا ساق هذا النسب القاضي أبو المحاسن عمر بن علي القرشي ، ومن خطّه نقلت ، قال : والرّفيل أول من أسلم وكان إسلامه في زمن عمر بن الخطاب ـ رضي‌الله‌عنه ـ أبو الفرج بن أبي الفتوح بن أبي الفرج بن أبي الفتح بن أبي القاسم ، وهو الملقب رئيس الرؤساء وزير الأمام القائم بأمر الله ـ رضي‌الله‌عنه ـ ابن أبي محمد بن أبي الفرج بن أبي جعفر ابن أبي الفرج بن أبي القاسم. يعرف بيتهم قديما بابن المسلمة.

والمسلمة جدّتهم من قبيل الأم ، واسمها حميدة بنت عمرو ، أسلمت في سنة ثلاث وستين ومئتين وتزوّجت يزيد بن منصور الكاتب فأولدها ابنه أبا جعفر محمد بن يزيد ، وأولد أبو جعفر هذا أمّ كلثوم واسمها قرّة العين وهي ابنة المسلمة ، فتزوجها أبو القاسم الحسن بن عبيد بن عمرو بن خالد بن الرّفيل وبنوه منها يعرفون ببني المسلمة. وهم أهل بيت ذوو تقدّم ومكانة على قدم الزّمان وحديثه ، لم يزالوا أهل عدالة وولاية وحال جميلة.

__________________

(١) أخباره مستوفاة في كتب التاريخ العامة ، وقد ترجمه ابن الجوزي في المنتظم ١٠ / ٢٨٠ ، وابن الأثير في الكامل ١١ / ١٨٢ ـ ١٨٣ ، وأبو شامة في الروضتين ١ / ٢٧٨ ، وابن الفوطي : في الملقبين بعضد الدين من تلخيصه الترجمة ٦٤٤ ، وسبط ابن الجوزي في المرآة ٨ / ٢٢٠ والذهبي في تاريخ الإسلام ١٢ / ٥٢٩ ، وسير أعلام النبلاء ٢١ / ٧٥ ، والعبر ٤ / ٢١٧ ، والمختصر المحتاج إليه ١ / ٥٥ ، والصفدي في الوافي ٣ / ٣٣٥ ، وابن العماد في الشذرات ٤ / ٢٤٥ ، وغيرهم.

٣٧١

وأبو الفرج هذا تولى أستاذية الدار (١) العزيزة ـ شيّد الله قواعدها بالعزّ ـ بعد وفاة أبيه إذ كان يتولّى ذلك في أيام المقتفي لأمر الله ـ قدّس الله روحه ـ وذلك في سنة تسع وأربعين وخمس مئة (٢). فلما توفّي الإمام المقتفي ـ رضي‌الله‌عنه ـ وبويع ولده المستنجد بالله ـ رضي‌الله‌عنه ـ أقرّه على ذلك ، ورفع منه ، وأدناه حتى كان يقضي أكثر أشغال الدّيوان العزيز ويراجع في الأمور من غير اسم الوزارة عليه (٣). فلمّا توفي الإمام المستنجد بالله يوم السّبت تاسع ربيع الآخر من سنة ستّ وستين وخمس مئة بويع ولده الإمام المستضيء بأمر الله أبو محمد الحسن يوم الأحد عاشر الشّهر المذكور. كان أبو الفرج هذا المتولّي لأمر البيعة له والقائم بخدمته ، ففوّض إليه وزارته في ذلك اليوم ، فخوطب بالوزارة وروجع في الأمور وولّى وعزل من غير أن يخلع (٤) عليه لأجل أيام العزاء بالإمام المستنجد ، ثم خلع عليه بعد ذلك الخلع الجميلة اللائقة بهذا المنصب ولقّب عضد الدين (٥) ، وركب إلى الدّيوان العزيز ـ مجّده الله ـ وأمر ونهى ونفّذ المراسم الشّريفة ، وأجرى الأمور على العادة في ذلك ، مع بشاشة كانت فيه

__________________

(١) هو القيم على جميع الدّيار العباسية والمحافظ عليها (ابن جبير : الرحلة ٢٠٥) ويشبه رئيس الديون الملكي في عصرنا ، وقد ذكر بعض الباحثين الفضلاء أن هذا المنصب نشأ في عهد الخليفة المستنصر بالله العباسي ، وهو تعيين ليس بدقيق (انظر الدكتور ناجي معروف : تاريخ علماء المستنصرية ٢ / ٢٥١).

(٢) قال ابن الجوزي في حوادث هذه السنة من المنتظم : «وفيها توفي أبو الفتوح أستاذ الدار فولي ابنه محمد مكانه» ١٠ / ١٥٩. وقد ترجم ابن الجوزي لأبي الفتوح هذا في وفيات السنة.

(٣) قال ابن الجوزي عند ذكره لخلافة الإمام المستنجد سنة ٥٥٥ : «وقد تقدم أستاذ الدار فخلع عليه فجعل أمير حاجب وتقدّم للوزير بالقيام له» المنتظم ١٠ / ١٩٤.

(٤) في س : خلع.

(٥) ابن الفوطي : تلخيص ٤ / الترجمة ٦٤٤ في الملقبين بعضد الدين.

٣٧٢

وحسن تدبير وسماحة وملاحظة لأهل الخير والصّلاح (١) حتى سمعت أبا العلاء محمد بن عليّ الصّوفي ، وكان يحضر عند هذا الوزير قبل ولايته وبعدها مع أبي بكر أحمد ابن عبد الرحمن الفارسي شيخ رباط الزّوزنيّ ، وكان قريبا من الوزير ومخالطا له ، يحكي أنّ الوزير أبا الفرج لما خلع عليه خلع الوزارة وجلس بالدّيوان العزيز ـ مجّده الله ـ أوّل توقيع علّم فيه وكتب بأمره توقيع بصلة تضمن إطلاق أكرار (٢) من الغلّة تحمل إلى قوم من الفقراء : إمّا برباط الزّوزني أو غيره ، الشك مني ، وقال الوزير : إني نذرت إن صرت إلى هذا المنصب : أنّ أوّل توقيع أوقّع به يكون بصدقة وبرّ.

فلم يزل على أمره ، وله أعداء يسعون في فساد حاله والإمام المستضيىء بأمر الله ـ رضي‌الله‌عنه ـ يدفع عنه حتى تمّ لهم ما راموه فعزل في اليوم العاشر من شوّال سنة سبع وستين وخمس مئة ولزم بيته (٣). ثم لم يزالوا متتبّعين له عاملين في أذاه حتى أدّت الحال إلى خروجه من داره ومنزله بأهله إلى الحريم الطّاهري بالجانب الغربي ، فخرج من دار الخلافة المعظّمة في ليلة الاثنين ثاني عشر جمادى الأولى سنة سبعين وخمس مئة (٤) ، وأقام برباط شيخ الشيوخ أبي

__________________

(١) قارن ابن الجوزي : المنتظم ١٠ / ٢٣٣.

(٢) جمع «كر» والكر مكيال للحبوب مشهور ويساوي (٦٧٥) كغم كما ذكر الأستاذ هنز في كتابه عن المكاييل.

(٣) قال ابن الجوزي : «وفي يوم الأحد عاشر شوال دخل نجاح الخادم على الوزير ابن رئيس الرؤساء ومعه خط من الخليفة يذكر أنه قد استغنى عنه فأمر بطبق دواته وحل إزاره وقيامه من مسنده ، ففعل ذلك ، وقبض على ولده أستاذ الدار ... وفي صبيحة الثلاثاء نهبت دار الوزير ودار ولده فأخذ منها الكثير» المنتظم ١٠ / ٢٣٧ ـ ٢٣٨ وتجد بعض تفاصيل في المرآة لسبطه في حوادث السنة نفسها.

(٤) ذكر ابن الأثير هذه الحادثة في حوادث سنة ٥٦٩ ه‍ ورجّحها شيخنا العلامة الدكتور مصطفى جواد ، وهو ترجيح ليس بالقوي إذ فصّل ذلك ابن الجوزي تفصيلا كبيرا في حوادث سنة ٥٧٠ ه‍ (المنتظم ١٠ / ٢٥٠ ـ ٢٥١).

٣٧٣

القاسم عبد الرحيم بن إسماعيل أياما ، ثم عبر إلى الحريم إلى دار النّقيب أبي عبد الله بن المعمّر العلوي بأولاده وأهله ، فأقام هناك محروسا إلى يوم الخميس ثالث عشر ذي القعدة من السنة المذكورة ، فإنه استدعي بالأجلّ صندل المقتفوي ، وهو يومئذ أستاذ الدار العزيزة ، بتقدم الإمام المستضيىء بأمر الله وأمطي مركوبا من مراكبه الشّريفة ، فركب من الحريم وعاد إلى دار الخلافة المعظّمة وحضر بباب الحجرة الشّريفة وأنهيت خدمته وحضوره فخوطب بما طاب به قلبه ، وقوّي جأشه. وتقدّم إليه بحضوره الدّيوان العزيز وخلع عليه خلعا جميلة غير خلعة الوزارة ، فدعا وامتثل ما رسم له من حضور الدّيوان العزيز ومعه سائر أرباب المناصب والولايات ، وجلس بالدّيوان العزيز في دست الوزارة وكتب إنهاء (١) بحضوره وعرضه ، وولّى وأمر ونهى وأقام بالدّيوان إلى عصر اليوم المذكور ثم ركب إلى داره بالقصر من دار الخلافة المعظّمة والناس معه.

وفي يوم الجمعة رابع عشر الشهر المذكور برز إليه توقيع من الإمام المستضيىء بأمر الله يتضمّن عهده وتقريضه فقرىء بالدّيوان العزيز.

وفي يوم السبت سابع عشري (٢) ذي الحجة خلع عليه بباب الحجرة الشريفة الخلع الجميلة اللائقة بالوزارة على العادة في ذلك بمحضر من أرباب الدّولة القاهرة ، فلم يزل على وزارته في علوّ من شأنه وقبول عند سلطانه بعد أن أراه الله تعالى إيثاره في أعدائه وبوارهم وهم : قايماز الملقّب بقطب الدين (٣) ومن كان

__________________

(١) الإنهاء : كتاب شكر يقدمه كبار موظفي الدولة للخليفة بعد تعيينهم في مناصبهم (الدكتور ناجي معروف : تاريخ علماء المستنصرية ٢ / ٢٥٢).

(٢) في الأصل (سابع عشر) ولا يستقيم الحساب معه. وما أثبتناه يتفق وما ذكر قبلا من أن يوم الخميس هو الثالث عشر من ذي القعدة والجمعة الرابع عشر منه.

(٣) ذكر ابن الجوزي جلوس ابن رئيس الرؤساء في الديوان وخلع الخلع عليه ثم قال : «وأحضرنا للاستفتاء في حق قيماز وما يجب عليه من مخالفته أمير المؤمنين فكتب الفقهاء كلهم أنه مارق ، ثم جاء الخبر يوم الجمعة سابع عشري ذي الحجة بأن قيماز توفي ودفن وأن أكثر أصحابه مرض» (المنتظم ١٠ / ٢٥٤) وقد ترجمه ابن الجوزي في وفيات سنة ٥٧٠ من

٣٧٤

يتابعه كتتامش بن قماج وغيره وإبعادهم عن الحضرة الشّريفة المستضيئية ونهب دورهم ، حتى عزم على الحج في سنة ثلاث وسبعين وخمس مئة وقضى أشغاله بعد إذن الإمام المستضيىء بأمر الله له في ذلك ، فلما توجه قتله قوم من الباطنية على ما سيأتي شرحه.

قال القاضي عمر القرشي : أوّل سماع الوزير في ذي الحجة سنة سبع عشرة وخمس مئة من أبي القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين ، ثم بعده من أبي الحسن عبيد الله بن محمد البيهقيّ ، وأبي منصور محمد بن عبد الملك بن خيرون وغيرهم. وقد سمع أيضا من أبي القاسم زاهر بن طاهر الشّحّامي النّيسابوري ، ومن أبي الحسن محمد بن أحمد بن توبة ، وأبي الوقت السّجزي ، وروى عنهم ؛ سمع منه الحافظ أبو بكر محمد بن أبي غالب الباقداري (١) ، والقاضي عمر القرشي ، وابناه : أبو الفضل عبيد الله وأبو نصر عليّ ابنا الوزير ، وأبو أحمد داود بن علي منهما ، وغيرهم.

أخبرنا أبو أحمد بن أبي نصر بن المظفّر بقراءتي عليه ، قلت له : أخبركم الوزير أبو الفرج محمد بن عبد الله بن هبة الله ، بقراءة والدك عليه وأنت تسمع ، فأقرّ به ، قال : أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد الأسدي ، قراءة عليه.

__________________

المنتظم ١٠ / ٢٥٥ ـ ٢٥٦ وعن علاقته بتتامش انظر ترجمته في تلخيص ابن الفوطي ج ٤ الترجمة ٢٨٦٤.

(١) ستأتي ترجمته في هذا الكتاب ، وقال شيخنا العلامة الدكتور مصطفى جواد ـ رحمه‌الله ـ معلقا على المختصر المحتاج : «وبخط الذهبي «الباقداري» غلطا منه» ١ / ٥٧ وأثبتها بلفظ «الباقدرائي». قال بشار : هو منسوب إلى «باقدارى» ذكرها ياقوت وقيدها بالحروف وذكر أنها من قرى بغداد قرب أوانا بينها وبين بغداد أربعن ميلا ، وذكر أبا محمد بن أبي غالب الباقداري الضرير هذا من المنسوبين إليها (معجم البلدان ١ / ٤٧٥ ط. أوربا) وراجع أيضا : المنذري : التكملة ٢ / الترجمة ١٠١٩ ، والذهبي : تاريخ الإسلام ١٣ / ١٠٣ وهو بخطه ، فتخطئه شيخنا العلامة للذهبي في غير محلها.

٣٧٥

وأخبرناه أبو العباس أحمد بن عليّ بن سعيد الصّوفي بواسط وأبو حامد عبد الله ابن مسلم بن ثابت الوكيل ببغداد بقراءتي على كلّ واحد منهما ، قلت له : أخبركم أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن توبة ، قراءة عليه ، فأقرّ به ، قال : أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد البزّاز ، قال : أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن محمد بن حبابة ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد البغوي ، قال : حدثنا طالوت بن عبّاد ، قال : حدثنا فضّال بن جبير ، عن أبي أمامة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أوّل الآيات طلوع الشّمس من مغربها» (١).

أنبأنا القرشي ، قال : سمعت الوزير أبا الفرج ابن المسلمة يقول : مولدي في يوم الأربعاء رابع جمادى الآخرة من سنة أربع عشرة وخمس مئة.

وتوجه من داره عازما على الحج يوم الثلاثاء خامس ذي القعدة من سنة ثلاث وسبعين وخمس مئة وعبر دجلة ومعه سائر أرباب المناصب والولايات وخلق كثير فسار حتى بلغ باب قطفتا (٢) مما يلي الجنثة (٣) فعرض له ثلاثة نفر في زي المتصوفة فتقدّم أحدهم ومعه رقعة وسأله أخذها منه فتقدّم حاجب وقال له : هات الرّقعة حتى أعرضها عليه ، فأبى أن يسلّمها إلّا إلى الوزير ، فأذن الوزير في إيصاله إليه فقرب منه وتبعه الآخران فلما وصل إليه جرحه بسكين كانت معه معدّة ، وتبعه الآخران أيضا ، فسقط عن فرسه فرمى حاجب الباب أبو سعد ابن

__________________

(١) إسناده ضعيف جدا من هذا الوجه ، فإنّ فضال بن جبير وهو أبو المهند الغداني ، ذكره ابن عدي في الكامل ٦ / ٢٠٤٧ وساق له هذا الحديث من طريق طالوت بن عباد ، عنه ، وقال : «ولفضال بن جبير عن أبي أمامة قدر عشرة أحاديث كلها غير محفوظة».

على أن متن الحديث صحيح من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا ، فهو في صحيح مسلم (٢٩٤١).

(٢) قطفتا : محلة كانت بالجانب الغربي من بغداد مجاورة لمقبرة الدير التي فيها قبر الشيخ معروف الكرخي ، وهي مشرفة على نهر عيسى (معجم البلدان ٤ / ١٣٧).

(٣) لم أقف على اسم هذا الموضع.

٣٧٦

المعوّج نفسه عليه ليقيه فجرح أبو سعد أيضا ، وجعل النّفر يجولون في الناس وبأيديهم السكاكين فمن تقرّب إليهم جرحوه فلم يقدم عليهم أحد ، فجرّد أبو الفضل الملقب كمال الدين ابن الوزير سيفه وطلب النّفر فقتل منهم اثنين وهرب واحد وتعلّق بجدار بستان هناك فقتل ، وأحرقوا جميعا في الوقت. وحمل الوزير وفيه رمق إلى دار صاحب له قريبة من الموضع فمات بها عشية هذا اليوم ، وغسّل يوم الأربعاء سادسه ، وحمل إلى جامع المنصور فصلّى عليه هناك جمع كبير ودفن بتربة لهم محاذية الجامع المذكور قريبا من أبيه (١).

سمعت أبا القاسم تميم بن أحمد ابن البندنيجي يقول : بلغني أن الوزير ألهم يوم خروجه من داره متوجها إلى الحج قراءة هذه الآية : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) [النساء : ١٠٠].

ومن عجيب ما يذكر ها هنا من أمر هؤلاء الباطنية الذين قتلوا الوزير ما حدّثني به الشيخ أبو الفرج عبد الرحمن بن عليّ ابن الجوزي الواعظ قال (٢) : حدثني رجل من أهل قطفتا ـ لم يسمّه الشّيخ ـ قال : دخلت في اليوم الذي قتل فيه الوزير قبل قتله بساعة مسجدا بقطفتا فرأيت فيه ثلاثة نفر فنام أحدهم معترضا إلى القبلة وقام الآخران فصفّا عليه وصلّيا عليه صلاة الميّت ، فلما سلّما قام ونام أحد الآخرين الذين صلّيا عليه فصفّ الذي قام مع الآخر وصلّيا عليه صلاة الميّت ، ثم قام ونام الآخر الذي بقي فصفّ الآخران عليه وصلّيا عليه ، فتعجبت منهم ، وخرجوا وخرجت من غير أن أكلّمهم ولا كلّموني ، فلما قتل الوزير وقتل قتلته تأمّلتهم فإذا هم النّفر الذين رأيتهم في المسجد فعلوا ما فعلوا.

__________________

(١) ذكرت هذه الحادثة معظم الكتب التي ترجمت له ، وذكرها الذهبي مفصلة في حوادث سنة ٥٧٣ من تاريخه ١٢ / ٤٦٦.

(٢) لم يذكر أبو الفرج ابن الجوزي هذه الحادثة في المنتظم وذكرها سبطه في المرآة ٨ / ٢٢١.

٣٧٧

٢٢٣ ـ محمد (١) بن عبد الله بن الحسين بن السّكن ، أبو سعد بن أبي نصر المعروف بابن المعوّج.

من ساكني باب المراتب ؛ من بيت معروف بالحجابة والرّواية والتّحديث. كان أبو سعد هذا حاجبا من حجّاب الدّيوان العزيز ـ مجدّه الله ـ ثم صار حاجب الحجّاب ، وتولّى حجابة باب النّوبي يوم الأحد تاسع عشري شهر رمضان سنة إحدى وسبعين وخمس مئة (٢).

وكان قد سمع من أبي القاسم سعيد بن أحمد ابن البنّاء وغيره ، وما أظنه روى شيئا. ولم يزل على ولايته المذكورة إلى أن خرج مع الوزير أبي الفرج ابن رئيس الرّؤساء مودّعا له يوم الثلاثاء خامس ذي القعدة سنة ثلاث وسبعين وخمس مئة ، فعرض للوزير النّفر الباطنية الذين قدّمنا ذكرهم وجرحوا الوزير فرمى أبو سعد هذا نفسه على الوزير ظنا منه أنه يقيه منهم فجرحوه أيضا ، وحمل إلى بيته فتوفي في النصف من ليلة الأربعاء سادس الشهر المذكور وصلّي عليه في داره بين الدّربين ، ودفن بها ثم نقل بعد ذلك.

٢٢٤ ـ محمد (٣) بن عبد الله بن عمر بن سنان ، أبو المجد الكاتب.

من أهل دار القز ، وسكن الحريم الطّاهري ، ثم انتقل إلى الجانب الشّرقي وسكن المأمونية. وكان يكتب في بعض الأشغال بالمخزن المعمور. وكان فيه فضل وله معرفة بالأدب. قرأ على القاضي أبي العباس ابن المندائي الواسطي «مقامات» أبي محمد الحريري بروايته لها عنه ، وعلى غيره.

توفي في يوم السّبت رابع شهر رمضان سنة ست وثمانين وخمس مئة.

__________________

(١) ذكرته المصادر التي ذكرت حادثة مقتل الوزير عضد الدين ابن رئيس الرؤساء فلا حاجة لإعادتها.

(٢) انظر ابن الجوزي : المنتظم ١٠ / ٢٥٩.

(٣) ترجمه المنذري في التكملة ١ / الترجمة ١٢١.

٣٧٨

٢٢٥ ـ محمد (١) بن عبد الله بن عبد الرحيم المراغيّ ، أبو بكر الملقّب صدر الدين ، قاضي بلده.

كان من أعيان أهل زمانه فضلا وبيتا وتقدّما. قدم بغداد في صباه في سنة ثمان وثلاثين وخمس مئة وسمع بها شيئا من الحديث من شيخ الشيوخ أبي البركات إسماعيل بن أبي سعد النّيسابوري وغيره. وعاد إلى بلده ، وتولّى القضاء ، وعلت حاله وكثر جاهه وماله. وقدم بغداد حاجا في شهر رمضان من سنة سبع وسبعين وخمس مئة ، وتلقّاه الموكب ، فيما ذكر الشّيخ أبو الفرج ابن الجوزي ، وعلماء بغداد ، قال : وكان شيخا كثير المال ، حسن الشّيبة ، يلبس الحرير ، ويجعل الذّهب على دابته ، فاعرضت عنه ، آخر كلامه (٢).

قلت : وحج وعاد إلى بلده وواصل جماعة من أهل بغداد بعطائه لما قدمها ، وله آثار حسنة ببلده.

توفي هناك في سنة تسعين وخمس مئة أو نحوها ، ونقل إلى مدينة الرّسول صلوات الله عليه فدفن برباط أنشأه بها مجاور لحرم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد زرته هناك (٣).

٢٢٦ ـ محمد (٤) بن أبي بكر ، واسمه عبد الله بن محمد ، أبو عبد الله

__________________

(١) ترجمه المنذري في التكملة ١ / الترجمة ٢٥٥ ، والذهبي في تاريخ الإسلام ١٢ / ٩١٧ ، والمختصر المحتاج إليه ١ / ٥٨ ، وابن الفرات في تاريخه ٨ / الورقة ٤٢ ـ ٤٣.

(٢) هذا الخبر خارج نطاق «المنتظم» الزمني حيث ختم هذا التاريخ بنهاية سنة ٥٧٤ ه‍.

(٣) وزار قبره أيضا الزكي المنذري عند ما حج سنة ٦٠٦ ه‍ كما ذكر في التكملة.

(٤) ترجمه ابن نقطة في إكمال الإكمال ٢ / ١٩١ ، والمنذري في التكملة ١ / الترجمة ٣٥٥ ، واختاره الذهبي في مختصره ١ / ٥٩ وترجمه في تاريخ الإسلام ١٢ / ٩٨٣ ، ٩٨٤ ، والمشتبه ١٩٦ ، وأهل المئة فصاعدا (ص ١٣٥ بتحقيقنا ، مجلة المورد ، المجلد الثاني ، العدد الرابع ١٩٧٣) ، والصفدي في الوافي ٢ / ٢٦٠ ، وابن ناصر الدين في التوضيح ٢ / ٥٦٤.

٣٧٩

يعرف بالجلاليّ.

منسوب إلى خدمة جلال الدين أبي عليّ بن صدقة الوزير.

شيخ مسن ، ذكر أنّه سمع الحديث وقد قارب الأربعين. روى عن أبي الحسن عليّ بن المبارك ابن الفاعوس ، وأبي القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين ، وأبي بكر محمد بن الحسين المزرفيّ. سمعنا منه.

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الجلالي ، قراءة عليه وأنا أسمع ، قيل له : أخبركم أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد الشّيباني ، قراءة عليه وأنت تسمع ، فأقرّ به ، قال : أخبرنا أبو عليّ الحسن بن علي بن المذهب ، قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ، قال : أخبرنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال (١) : حدثني أبي أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ، قال : حدثنا يونس بن محمد ، قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد ، قال : حدثنا الليث ، يعني ابن أبي سليم ، قال : حدثني طاووس ، عن أمّ مالك البهزيّة ، قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خير النّاس رجل معتزل في ماله يعبد ربّه تعالى ويؤدي حقّه ، ورجل آخذ برأس فرسه في سبيل الله يخيفهم ويخيفونه» (٢).

__________________

(١) مسند أحمد ٦ / ٤١٩.

(٢) إسناده ضعيف ، لضعف ليث بن أبي سليم ، وللاختلاف فيه على طاووس.

أخرجه الطبراني في الكبير ٢٥ / حديث (٣٦٠) و (٣٦١) و (٣٦٢) من حديث ليث ، عن طاووس ، به.

ورواه عبد الوارث بن سعيد فيما أخرجه الترمذي (٢١٧٧) عن محمد بن جحادة عن رجل عن طاووس ، به. وقال الترمذي : «هذا حديث غريب من هذا الوجه. وقد رواه الليث بن أبي سليم ، عن طاووس ، عن أم مالك البهزية ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم».

ورواه عبد الرزاق (٢٠٧٦٠) وعبد الله بن المبارك فيما أخرجه أبو عمرو الداني في «الفتن» (١٥٧) كلاهما عن معمر ، عن ابن طاووس عن أبيه عن النبي ، مرسلا.

وأخرجه الحاكم ٤ / ٤٤٦ و ٤٦٤ من حديث عبد الرزاق عن معمر ، عن عبد الله بن طاووس ، عن أبيه ، عن ابن عباس.

٣٨٠