ذيل تأريخ مدينة السلام - ج ١

أبي عبد الله محمّد بن سعيد بن الدبيثي

ذيل تأريخ مدينة السلام - ج ١

المؤلف:

أبي عبد الله محمّد بن سعيد بن الدبيثي


المحقق: الدكتور بشار عوّاد معروف
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الغرب الإسلامي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٢

ممدود ، والأول أشهر ـ أبو الفرج.

من أهل الحلّة السّيفية من سقي الفرات.

أديب فاضل له ترسّل حسن ، وشعر جيد. قدم بغداد ، وجالس النقيب أبا السعادات هبة الله ابن الشّجري النّحوي ، وأخذ عنه ، ثم بعده أبا محمد عبد الله ابن أحمد ابن الخشّاب ، وغيرهما. وسمع بها من قاضي القضاة أبي جعفر عبد الواحد بن أحمد ابن الثّقفي وغيره. لم يشتهر بالحديث لإقباله على الأدب واشتغاله به.

روى لنا عنه شيئا من رسائله وشعره أبو الحسن علي بن نصر بن هارون وأبو الثناء محمود بن عبد الله الحلّيّان.

أنشدني أبو الثناء محمود بن عبد الله بن المفرّج ببغداد ، قال : أنشدني شرف الكتّاب أبو الفرج ابن جيّا ببغداد بمنزلنا لنفسه (١) :

حتّام أجري في ميادين الهوى

لا سابق أبدا ولا مسبوق

ما هزّني طرب إلى رمل (٢) الحمى

إلا تعرّض أجرع وعقيق

شوق بأطراف البلاد مفرّق

بجوى (٣) شتيت الشمل منه فريق

ومدامع كلفت بعارض مزنة

لمعت لها بين الضّلوع بروق

فكأنّ (٤) جفني بالدموع موكّل

وكأنّ قلبي للجوى مخلوق

قدم الزمان وصار (٥) شوقي عادة

فليتركنّ دلاله المعشوق

__________________

وهو غريب.

(١) روى ياقوت والقفطي هذه القصيدة إنشادا عن ابن الدبيثي بالسند المذكور نفسه ورواها الصفدي ما عدا الأبيات ٧ ، ٨ ، ٩. ومكان القصيدة مبيض في «ب».

(٢) ياقوت : «أرض» ، وما هنا موافق لما في المحمدين من الشعراء للقفطي.

(٣) ياقوت والقفطي : «نحوي» والصفدي «يحوي».

(٤) الصفدي : «وكأن» ، وما هنا موافق لما عند ياقوت والقفطي.

(٥) ياقوت : «فصار» ، وما هنا موافق لما عند القفطي.

٢٠١

قد كان في الهجران ما يزع الهوى

لو يستفيق من الغرام مشوق

لكنّني آبى لعهدي أن يرى

بعد الصّفاء ، وورده مطروق

إن عادت الأيّام لي بطويلع

أو ضمّني والظّاعنين (١) طريق

لأنبّهنّ على الغرام بزفرتي

ولتطربنّ بما أبثّ النّوق

وأنشدني أبو الحسن عليّ بن نصر بن هارون ، قال : أنشدني الأجل أبو الفرج بن جيّا لنفسه من قصيدة (٢) :

أما والعيون النّجل تصمي نبالها

ولمع الثنايا كالبروق تخالها

ومنعطف الوادي تأرّج نشره

وقد زار في جنح الظّلام خيالها

لقد (٣) كان في الهجران ما يزع الهوى

ولكن بعيد (٤) في الطّباع انتقالها

٤٤ ـ محمد (٥) بن أحمد بن علي بن محمد ، أبو عبد الله الأديب الحمّاميّ.

من أهل أصبهان ، يعرف بالمصلح.

قدم بغداد حاجا ، وحدّث بها في صفر سنة تسع وستين وخمس مئة عن أبي

__________________

(١) ياقوت : «والنازحين» ، وما هنا موافق لما نقله القفطي.

(٢) أوردها القفطي نقلا من هذا الكتاب ، وأوردها الصفدي في الوافي وزاد عليها بيتين وفي رواية الصفدي بعض الاختلاف. وأوردها أيضا ياقوت في معجم الأدباء.

(٣) في ياقوت والصفدي : «وقد» ، وما هنا موافق لما في القفطي.

(٤) ياقوت والصفدي «شديد» ، وما هنا كما عند القفطي.

(٥) ترجمه ياقوت في معجم البلدان (٢ / ١٨٠ ط. صادر) ، وابن نقطة في إكمال الإكمال ٢ / ١٨٧ ، والمنذري في التكملة ١ / الترجمة ٢٣٠ ، والذهبي في تاريخ الإسلام ١٢ / ٩١٦ وقال فيه : أبو عبد الله الأصبهاني الجورتاني الحمامي الأديب المعروف بالمصلح ، واختاره في مختصر المحتاج ١ / ١٤. وترجمه الصفدي في الوافي ٢ / ١٠٨ نقلا من تاريخ ابن النجار ، وابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة ١ / ٣٨٠ ـ ٣٨١ ، وابن العماد في الشذرات ٤ / ٣٠٤ وغيرهم.

٢٠٢

عليّ الحسن بن أحمد الحدّاد المقرىء. سمع منه القاضي عمر بن عليّ الدّمشقي ، وأبو إسحاق مكي بن أبي القاسم الغرّاد ، وأبو عبد الله محمد بن عثمان العكبري ، ويوسف بن سعيد البنّاء. وعاد إلى بلده وعاش بعد ذاك سنين وكتب إلينا بالإجازة في سنة تسع وسبعين وخمس مئة.

أخبرنا أبو إسحاق مكي بن عبد الله بن معالي إجازة ، قال : قرأت على أبي عبد الله محمد بن أحمد ابن المصلح ببغداد ، قلت : وأجاز لنا أبو عبد الله محمد بن (أحمد) (١) بن عليّ هذا ، قال : أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحدّاد قراءة عليه وأنا أسمع بأصبهان. وقرىء على أبي طاهر الحسين ابن الوزير أبي القاسم علي بن صدقة بن عليّ وأنا أسمع ، قيل له : أخبركم أبو حفص عمر بن ظفر بن أحمد المغازلي قراءة عليه فأقرّ به ، قال : أخبرنا أبو المطهر سعد بن عبد الله الأصبهاني ، قدم علينا ، قالا جميعا : أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الحافظ ، قال : أخبرنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن فارس ، قال : حدثنا أبو مسعود أحمد بن الفرات ، قال : حدثنا أبو داوود الحفري وأبو نعيم ، قالا : حدثنا شريك ، عن الرّكين بن الرّبيع ، عن نعيم بن حنظلة ، عن عمّار بن ياسر ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ذو الوجهين في الدّنيا ذو لسانين في النّار» (٢).

كتب إليّ أبو غانم بن أبي ثابت الواعظ من أصبهان يذكر أنه سأل أبا عبد الله المصلح عن مولده فذكر أنّه ولد في رجب سنة خمس مئة. قال أبو غانم : وتوفي ليلة الثلاثاء حادي عشر شهر ربيع الآخر سنة تسعين وخمس

__________________

(١) ما بين الحاصرتين إضافة مني ، فهو منسوب إلى جده في النسختين.

(٢) إسناده ضعيف ، لضعف شريك ، وهو ابن عبد الله النخعي فهو سيء الحفظ لا يتحسن حديثه إلا بالمتابعة ، ولم يتابع في هذا الحديث.

أخرجه الطيالسي (٦٤٤) ، وابن أبي شيبة ٨ / ٥٥٨ ، والدارمي (٢٧٦٧) ، والبخاري في الأدب المفرد (١٣١٠) ، وأبو داود (٤٨٧٣).

٢٠٣

مئة (١) ، رحمه‌الله تعالى وإيانا.

٤٥ ـ محمد بن أحمد بن علي بن حمّاد ، أبو عبد الله الشاهد.

من أهل الأنبار ، يعرف بابن القرشي ، تولى الحسبة بها.

أحد الشهود المعدّلين بمدينة السّلام ، شهد عند قاضي القضاة أبي طالب روح (٢) بن أحمد الحديثي في يوم الأحد ثالث عشر جمادي الآخرة سنة ست وستين وخمس مئة ، وزكّاة أبو جعفر هارون (٣) بن محمد ابن المهتدي وأحمد (٤) ابن علي ابن المأمون ، وكان على ذلك إلى حين وفاته.

توفي بعد شهر رمضان سنة أربع وثمانين وخمس مئة فإنّه زكّى في هذا الشهر شاهدا عند قاضي القضاة محمد بن جعفر العبّاسي.

٤٦ ـ محمد (٥) بن أحمد بن محمد السّمسار ، أبو عبد الله الحظيريّ (٦) يعرف بالجنانيّ (٧).

__________________

(١) نقل ابن رجب من تاريخ ابن النجار أنه توفي يوم الأربعاء ثالث عشر ربيع الآخر (الذيل ١ / ٣٨٢).

(٢) توفي سنة ٥٧٠ ه‍ وسيأتي ذكره في موضعه من هذا الكتاب.

(٣) ذكره ابن الدبيثي في تاريخه كما دل عليه المختصر المحتاج إليه ٣ / ٢٢٩ ، وترجمه المنذري في التكملة ١ / الترجمة ٣٣ ، والذهبي في وفيات سنة ٥٨٤ من تاريخ الإسلام ١٢ / ٧٩٣.

(٤) توفي سنة ٥٨٦ ه‍ وسيأتي ذكره في موضعه من هذا الكتاب.

(٥) ترجمه المنذري في التكملة ١ / الترجمة ٢٨٧ واختاره الذهبي في مختصره ١ / ١٥. وترجمه في تاريخه ١٢ / ٩٦٥ وذكره الفيروز آبادي في (حظر) من القاموس ووهم فيه فقال : «ومحمد بن أحمد بن محمد الجبائي (كذا) وعبد القادر بن يوسف الحظيريان ، محدثان» واستدركه عليه شارحه الزبيدي في تاج العروس فقال : «وقوله : «الجبائي» هكذا هو في النسخ والصواب الجناني ـ بكسر الجيم وفتح النون». وقيده الذهبي في المشتبه ١٢٨ ، وابن ناصر الدين في التوضيح ٢ / ١٤٨.

(٦) منسوب إلى «الحظيرة» قرية كانت كبيرة من قرى دجيل على طريق الموصل ، وقيّدها المنذري بالحروف (التكملة ١ / الترجمة ٢٨٧).

(٧) في المطبوع من المختصر المحتاج إليه : «الحنّائي» وعلق عليه شيخنا العلامة رحمه‌الله في

٢٠٤

كان يسكن بالشّمعية ، أحد دروب المأمونية.

سمع أبا القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين ، وأبا غالب أحمد بن الحسن ابن البنّاء ، وأبا العز أحمد بن عبيد الله بن كادش ، وأبا البركات يحيى بن عبد الرحمن بن حبيش الفارقي ، وغيرهم. وحدّث عنهم.

قصدته للسّماع منه ومعنا شيء من سماعه من أبي العز بن كادش فلما صرنا إلى باب منزله دققنا عليه فخرج إلينا فأعلمناه إنّا جئنا للسماع ، فتأبّى واعتذر ، وذكر أنّ به مرضا يمنعه من القعود لنا ، وأصرّ على ذلك ، فتركناه ولم نعد إليه فمات بعد قليل. وكان فيه عسر في الرّواية مع ثقته وصحّة سماعه. أجاز لنا ، ولم يقض لنا منه السماع ، وقد لقيناه.

توفي أبو عبد الله الجناني يوم الاثنين خامس عشري شهر رمضان (١) سنة إحدى وتسعين وخمس مئة.

٤٧ ـ محمد (٢) بن أحمد بن يحيى بن زيد بن ناقة ، أبو منصور بن أبي

__________________

الهامش بقوله : «الحنائي كما في الأنساب للسمعاني نسبة إلى بيع الحناء وهو نبت يخضبون به الأطراف» وهو وهم في قراءة النسبة ، إذ قيده زكي الدين عبد العظيم المنذري في التكملة فقال : «والجناني : بكسر الجيم وفتح النون المخففة وبعد الألف نون أخرى مكسورة وياء النسبة». وقد نقلنا قبل قليل أيضا تصحيح السيد مرتضى الزّبيدي لما ورد في القاموس للفيروز آبادي. وقال الذهبي في المشتبه ١٢٨ : «وبنونين مخففا الجناني محمد بن أحمد السمسار عرف بالجناني ، سمع ابن الحصين ، مات سنة ٥٩١ ه‍».

(١) نقل الذهبي عن ابن النجار أن وفاته كانت في شوال من السنة.

(٢) انظر ترجمته في : ابن نقطة : إكمال الإكمال ١ / ٤٤٣ ، وسبط ابن الجوزي ٨ / ٤٥٠ ، والمنذري ١ / الترجمة ٣٨٨ ، وأبي شامة : ذيل الروضتين ٩ ، والذهبي : تاريخ الإسلام ١٢ / ١٠٠٤ ، واختاره في المختصر ١ / ١٥ ، والعيني ج ١٧ الورقة ٢٠٨ ـ ٢٠٩ وقد تصحف (ناقة) فيه وفي أبي شامة إلى «باقة» ـ بالباء الموحدة ـ وذكره سبط ابن الجوزي وأبو شامة والعيني في وفيات سنة ٥٩٢ ه‍. وذكر ابن نقطة والده ، كما ذكر السمعاني الوالد في الأنساب وابن الأثير في اللباب في مادة «المسلي» وذكروا أنه توفي في شوال سنة ٥٥٩ ه‍.

٢٠٥

العباس.

من أهل الكوفة ، أحد عدولها. قدم علينا بغداد في سنة ثلاث وتسعين وخمس مئة ، وروى لنا عن أبيه.

وكان ثقة صدوقا من بيت الرواية والحديث هو ، وأبوه.

قرأت على أبي منصور محمد بن أحمد بن ناقة ببغداد من أصل سماعة قلت له : أخبركم والدك أبو العباس أحمد بن يحيى بن زيد قراءة عليه وأنت تسمع بالكوفة ، فأقرّ به ، قال : أخبرنا محمد بن عبد الباقي بن جعفر بن مجالد البجلي ، قال : أخبرنا محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي إجازة ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله الشيباني ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد البغوي. وأخبرناه عاليا أبو القاسم يحيى بن أسعد بن يحيى التاجر قراءة عليه وأنا أسمع قيل له : أخبركم أبو طالب عبد القادر بن محمد بن يوسف قراءة عليه ، فأقرّ به ، قال : أخبرنا أبو محمد الحسن بن عليّ بن محمد الجوهري قال : أخبرنا أبو القاسم الطّيب بن يمن ابن عبيد مولى المعتضد ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا سريج بن يونس ، قال : حدثنا فرج بن فضالة ، عن يحيى بن سعيد ، وهو الأنصاري ، عن عمرة ، عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا أراد الله بامرىء خيرا جعل له وزيرا صالحا ، إن نسي ذكّره ، وإن ذكر أعانه ، وإذا أراد به شرّا جعل له وزير سوء إن نسي لم يذكّره وإن ذكر لم يعنه» (١). ولفظ الحديث

__________________

(١) إسناده ضعيف ، لضعف الفرج بن فضالة ، وقد أخرجه القضاعي في مسند الشهاب (٥٤٢) ، والخطيب في تاريخه ٨ / ٣٧١ من هذا الوجه.

على أن الحديث يتقوى بما أخرجه البزار (زوائد ١٥٩٢) ، والطبراني في الأوسط (٤٢٥٢) من طريق محمد بن مسلم بن أبي الوضاح القضاعي أبي سعيد المؤدب ، فهو ثقة ، كما بيناه في «تحرير التقريب» ٣ / ٣١٨ ، عن يحيى بن سعيد ، به ، ومن ثم يصحح تعليقي على تاريخ الخطيب.

وأخرجه أحمد ٦ / ٧٠ ، وإسحاق بن راهوية (٩٥٦) و (٩٧٢) ، وأبو داود (٢٩٣٢) ،

٢٠٦

لابن ناقة ؛ لأنّه أتم.

أنشدني أبو منصور محمد بن أحمد بن عليّ بن ناقة ببغداد من حفظه ، قال : أنشدني أبي أبو العباس قبل موته بساعة (١) ، رحمهما‌الله.

وكم شامت بي إن هلكت بزعمه

وجاذب سيف عند ذكر وفاتي

ولو علم المسكين ماذا يصيبه

من الذّلّ بعدي مات قبل مماتي (٢)

توفي أبو منصور بن ناقة ببغداد يوم الأربعاء لثلاث خلون من جمادي الآخرة سنة ثلاث وتسعين وخمس مئة ، وصلّي عليه بها وحمل إلى الكوفة فدفن بها. وكنت سألته عن مولده فقال : ولدت بالكوفة في سنة ثلاث وخمس مئة.

٤٨ ـ محمد (٣) بن أحمد بن عبد الباقي بن أحمد بن عليّ بن إبراهيم ابن النّرسي (٤) ، أبو منصور بن أبي المظفّر بن أبي البركات.

أحد الشّهود المعدّلين هو ، وأبوه ، وجده. وكلّهم تولى الحسبة ببغداد ، رحمهم‌الله تعالى.

أنبأنا أبو الحسن علي بن يحيى ابن الطّرّاح ، ومن خطّه نقلت ، قال : وفي يوم الخميس رابع صفر سنة ثمان وأربعين وخمس مئة شهد محمد بن أحمد بن

__________________

والنسائي في المجتبى ٧ / ١٥٩ ، وفي الكبرى (٨٧٥٢) ، وابن حبان (٤٤٩٤) وغيرهم من حديث القاسم بن محمد عن عائشة ، وجميع طرقه ضعيفة.

(١) روى سبط ابن الجوزي هذه الأبيات إنشادا عن خاله أبي القاسم علي ابن الجوزي [وفي المطبوعة : ابن جزي مصحف] (مرآة ٨ / ٤٥٠) ولكن أبا شامة رواها بغير إسناد ص ٩.

(٢) في سبط ابن الجوزي : «وفاتي».

(٣) ترجمه المنذري في التكملة ١ / الترجمة ٤٠٩ ، واختاره الذهبي في مختصره ١ / ١٥ ـ ١٦ وترجمه في تاريخ الإسلام ١٢ / ١٠٠٥ ، والصفدي في الوافي ٢ / ١٠٦ ونقل عن ابن النجار.

(٤) ذكر المنذري أنهم منسوبون إلى «النّرس» نهر من أنهار الكوفة عليه عدة قرى نسب إليه جماعة من أهل العلم ، وقيّده بفتح النون وسكون الراء المهملة وبعدها سين مهملة.

٢٠٧

عبد الباقي ابن النّرسي ، يعني عند قاضي القضاة أبي الحسن ابن الدّامغاني ، وزكّاه أبو طاهر محمد بن أحمد الكرخي وأبو عبد الله محمد بن عبد الله ابن الحرّاني. قال : وفي يوم الأحد سادس عشر جمادي الأولى من السنة المذكورة رتّب أبو منصور ابن القاضي أبي المظفر ابن النّرسي في الحسبة وحضر بباب بدر واحتسب. قلت : وعزل قبل موته بمدة من الحسبة والعدالة.

سمع أبو منصور هذا شيئا من الحديث من أبي القاسم هبة الله بن أحمد الحريري ، وأبي القاسم إسماعيل بن أحمد ابن السّمرقندي ، وجدّه أبي البركات عبد الباقي ، وحدّث عنهم.

سمع منه القاضي أبو المحاسن الدمشقي ، ومن بعده. وكتبنا عنه ، وقد كان يغمز بأشياء إلا أنّ سماعه صحيح.

قرأت على أبي منصور محمد بن أحمد ابن النّرسي بمنزله بباب الأزج ، قلت له : أخبركم أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر الحافظ قراءة عليه وأنت تسمع ، فأقرّ به ، قال : كتب إليّ أبو الحسن عبد الباقي بن فارس المقرىء من مصر يخبرني أنّ عبيد الله بن محمد البزّاز أخبرهم ، قال : حدثنا محمد بن محمد ابن الأشعث ، قال : حدثنا هارون بن سعيد الأيلي ، قال : حدثنا خالد بن نزار ، قال : حدثنا إبراهيم بن طهمان ، قال : حدثنا مالك ومنصور (١) والعرزمي (٢) ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من جاء منكم إلى الجمعة فليغتسل» (٣).

__________________

(١) هو منصور بن المعتمر ، من رجال التهذيب.

(٢) هو محمد بن عبيد الله بن أبي سليمان العرزمي الفزاري أبو عبد الرحمن الكوفي المتوفى سنة ١٥٥ ، وهو ضعيف ، من رجال التهذيب.

(٣) حديث صحيح ، أخرجه مالك في الموطأ (٢٧٠ برواية الليثي) ، ومن طريقه الدارمي (١٥٤٤) والبخاري ٢ / ٢ (٨٧٧) ، والنسائي ٣ / ٩٣ وفي الكبرى (١٦٧٨).

وللحديث طرق كثيرة عن نافع استقصيناها في المسند الجامع ١٠ / ١٣٩ حديث

٢٠٨

سألت أبا منصور ابن النّرسي عن مولده ، فقال : في جمادي الأولى سنة أربع وعشرين وخمس مئة. وتوفي ليلة الجمعة تاسع عشر ذي القعدة من سنة ثلاث وتسعين وخمس مئة ، رحمه‌الله تعالى.

٤٩ ـ محمد (١) بن أحمد بن محمد بن المبارك بن أحمد بن بكروس ، أبو بكر بن أبي العباس.

شاب من أولاد المحدّثين والشيوخ المذكورين. سمع من أبي محمد عبد الله بن أحمد ابن الخشّاب ، وطبقته. وسمع معنا من جماعة. وتوفي قبل أوان الرواية ، وما أظنه حدّث بشيء.

مات في سنة ثلاث وتسعين وخمس مئة ، ودفن بباب حرب.

٥٠ ـ محمد (٢) بن أحمد بن سعيد بن أحمد بن زيد التّكريتيّ الأصل ، أبو البركات يعرف بالمؤيّد.

كان له معرفة بالأدب ، وله شعر حسن. كتب عنه جماعة من أصحابنا ، وما لقيته.

ومن شعره ما أنشدني أبو يعلى حمزة بن سلامة التاجر في الوجيه أبي بكر النّحوي لما انتقل من مذهب أبي حنيفة إلى مذهب الشافعي وقد كان

__________________

(٧٣٣٧) فراجعها هناك ، وانظر بلا بد تعليقنا على تحفة الأشراف ٥ / ٣٩٧ حديث (٧٦٥٠).

(١) ترجمه المنذري في التكملة ١ / الترجمة ٤١٩ ، والذهبي في تاريخ الإسلام ١٢ / ١٠٠٤.

(٢) ترجمه ابن النجار كما دل على ذلك «المستفاد» للحسامي الدمياطي ٨١ ، والمنذري ١ / الترجمة ٧٢٣ ، وأبو شامة في ذيل الروضتين ٣٦ ، والقفطي في «المحمدون من الشعراء» ١ / ٤٣ ، وابن الساعي في الجامع المختصر ٩ / ١٠٧ ، واختاره الذهبي في مختصره ١ / ١٦ ، وترجمه في تاريخ الإسلام ١٢ / ١١٨١ ، والصفدي في الوافي ٢ / ١١٥ ، وابن كثير في البداية ١٣ / ٣٦ ، وابن العماد في الشذرات ٤ / ٣٤٧. وله ذكر في إنباه الرواة ٣ / ٢٥٥ ، ووفيات الأعيان ٤ / ١٥٣ في ترجمة الوجيه النحوي.

٢٠٩

قبل ذلك حنبليا :

ومن مبلغ عني الوجيه رسالة

وإن كان لا تجدي لديه الرّسائل

تمذهبت للنّعمان بعد ابن حنبل

وذلك لمّا اعوزتك المآكل

وما اخترت رأي الشّافعيّ تديّنا

ولكنّما تهوى الذي هو حاصل

وعمّا قليل أنت لا شكّ صائر

إلى مالك فافطن لما أنا قائل (١)

خرج المؤيد بن زيد إلى الشام في تجارة فتوفي في إصعاده إليها بالموصل في أحد الربيعين (٢) سنة تسع وتسعين وخمس مئة ، فدفن بها.

٥١ ـ محمد (٣) بن أحمد بن يحيى بن عبد الباقي بن عبد الواحد بن عبد الباقي بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزّهريّ صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أبو تمّام بن أبي المظفّر.

هكذا ذكر هذا النّسب القاضي عمر القرشي ، وقد خولف في بعضه ، فقيل : عبد الباقي بن عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن عبيد الله بن محمد بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سعد. وباقي النسب متفق.

وأبو تمّام هذا من بيت أهل فقه ، ووعظ ، وحديث ، وسيأتي ذكر أبيه أبي المظفّر وأعمامه : أبي الفضائل أحمد (٤) ، وأبي محمد عبد الرحمن (٥) ، وأبي تمام محمد في مواضعهم من هذا الكتاب إن شاء الله ، فإن كلّهم روى وحدّث.

__________________

(١) الأبيات مشهورة جدا ذكرها معظم الذين ترجموا له كما ذكرت في ترجمة الوجيه المبارك ابن الدهّان النحوي الواسطي المتوفى سنة ٦١٢.

(٢) ذكر ابن النجار أنّ وفاته كانت في ربيع الأول (الدمياطي : المستفاد ٨١).

(٣) ترجمه المنذري في التكملة ١ / الترجمة ٨٧٩ ، والذهبي في تاريخ الإسلام ١٣ / ٤٥ ، والمختصر المحتاج إليه ١ / ١٦ ـ ١٧.

(٤) توفي سنة ٥٦١ وسيأتي ذكره في موضعه من الكتاب.

(٥) توفي سنة ٥٦٢ وسيأتي ذكره في موضعه من الكتاب.

٢١٠

سمع أبو تمّام هذا من أبيه ، ومن أبي الوقت السّجزي ، وغيرهم. وروى شيئا يسيرا ؛ وسمع منه جماعة من أصحابنا ، ولم ألقه وقد أجاز لي.

أخبرنا أبو تمّام محمد بن أحمد الزّهري المعروف بابن شقران (١) البزّاز إجازة ، قال : أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب بن إبراهيم الصّوفي قراءة عليه وأنا أسمع. وقرأته على أبي الحسين محمد بن بقاء بن الحسن المقرىء : أخبركم أبو الوقت قراءة عليه ، فأقرّ به ، قال : أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر الدّاودي ، قال : أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمّوية ، قال : أخبرنا إبراهيم بن خزيم (٢) الشّاشي ، قال : حدثنا عبد بن حميد (٣) ، قال : حدثنا وهب بن جرير وأبو الوليد ، قالا : حدثنا شعبة ، عن القاسم بن أبي بزّة (٤) ، عن عطاء الكيخاراني (٥) عن أمّ الدرداء ، عن أبي الدّرداء رضي‌الله‌عنهما عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن» (٦).

__________________

(١) قيده المنذري بالحروف فقال : «بضم الشين المعجمة وسكون القاف وفتح الراء المهملة (التكملة ١ / الترجمة ٧٨٩).

(٢) قال الذهبي في المشتبه ص ٢٦٣ : «وبزاي ـ إبراهيم بن خزيم الشاشي صاحب عبد بن حميد».

(٣) المنتخب من مسند عبد بن حميد (٢٠٤).

(٤) الذهبي : المشتبه ص ٥٦.

(٥) منسوب إلى كيخاران ، قرية من قرى اليمن. وهو عطاء بن نافع من رجال التهذيب. وقال السمعاني : «وقد ذكر أبو العباس جعفر بن محمد المستغفري الحافظ في كتاب التاريخ الذي جمعه ... كيخاران قرية من رستاق مرو. قلت : وهذا وهم منه لأن أهل مرو لا يعرفون هذه القرية وليست عندهم».

(٦) حديث صحيح ، رجاله ثقات ، اختلف في إسناده على عطاء بن نافع الكيخاراني ، ولكن رواية شعبة عن القاسم بن أبي بزة عن عطاء هذه من أصح طرق هذا الحديث ، كما بينه الإمام الدار قطني في كتابه العلل ٦ / ٢٢٣.

٢١١

خرج أبو تمّام بن شقران عن بغداد في سنة إحدى وست مئة في تجارة قاصدا الشام فبلغ حلب فتوفي بها في شهر ربيع الأول من هذه السنة ، ودفن بها.

٥٢ ـ محمد (١) بن أحمد بن هبة الله بن تغلب (٢) الفزرانيّ (٣) ، منسوب إلى قرية تعرف بفزرينيا من قرى نهر ملك.

مقرىء ، عارف بالنّحو. قرأ على أبي محمد عبد الله ابن الخشّاب وغيره. وسمع من أبي الكرم المبارك بن الحسن ابن الشّهرزوري ، وأبي منصور مسعود ابن عبد الواحد بن الحصين ، وقرأ عليهما بشيء من القراءات ، ومن أبي عبد الله محمد بن عبيد الله بن مخلد المعروف بابن الرّطبي ، ومن القاضي أبي العباس أحمد بن بختيار ابن المندائي وغيرهم.

__________________

وحديث شعبة هذا أخرجه الطيالسي (٩٧٨) ، وابن أبي شيبة ٨ / ٥١٦ ، وأحمد ٦ / ٤٤٦ ، وعبد بن حميد (٢٠٤) ، والبخاري في الأدب المفرد (٢٧٠) ، وأبو داود (٤٧٩٩) ، وابن أبي عاصم في السنة (٧٨٣) ، والطحاوي في شرح المشكل (٤٤٢٨) ، وابن قانع في معجم الصحابة ٢ / ٢٥١ ، وابن حبان (٤٨١) ، والآجري في الشريعة ٣٨٢ ـ ٣٨٣ ، وأبو نعيم في الحلية ٧ / ٢٦٢ و ١٠ / ١١٠ ، والبيهقي في الشعب (٨٠٠٣) و (٨٠٠٤) ، والمزي في تهذيب الكمال ٢٠ / ١٢٢.

(١) ترجمه ياقوت في معجم البلدان ٤ / ٢٦٠ ، وابن نقطة في إكمال الإكمال ١ / ٤٥٩ ـ ٤٦٠ ، وابن القفطي في إنباه الرواة ٣ / ٥٣ ، وابن الشعار في عقود الجمان ٦ / الورقة ٢٥٥ ـ ٢٥٦ والمنذري ١ / الترجمة ٩٥٣ ، والذهبي في تاريخ الإسلام ١٣ / ٨٣ ، واختاره في المختصر المحتاج ١ / ١٧ ، والصفدي في الوافي ٢ / ٧٨ ونكت الهميان ٢٣٧ ـ ٢٣٨ ، وابن قاضي شهبة في طبقات النحاة ، الورقة ١٠ ، والسيوطي في البغية ١ / ٤٨.

(٢) قيده المنذري بالحروف فقال : بفتح التاء ثالث الحروف وسكون الغين المعجمة وكسر اللام (التكملة ١ / الترجمة ٩٥٣) وتصحف في معجم البلدان وإنباه القفطي إلى «ثعلب».

(٣) في تكملة المنذري : «الفزريني» وقيده بالحروف وقال : ويقال فيه فزراني أيضا. وقال ياقوت في «فزرانيا» من معجم البلدان : «وأكثر ما يتلفظ به أهلها بغير الألف فيقولون «فزرينيا» كأنهم يميلون الألف فترجع ياء». وتصحفت هذه النسبة في كثير من المصادر التي ترجمت له مثل نكت الهميان للصفدي والبغية للسيوطي وغيرهما.

٢١٢

سمعنا منه ، وكتبنا عنه ، ونعم الشيخ كان.

قرأت على أبي عبد الله محمد بن أحمد بن هبة الله الملقب بالبهجة قلت له : أخبركم أبو الكرم المبارك بن الحسن بن أحمد العطّار قراءة عليه وأنت تسمع ، فأقرّ به ، قال : أخبرنا أبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز التّميمي ، قال : أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن مهدي الدّيباجي ، قال : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن مخلد بن حفص العطار إملاء ، قال : أخبرنا حميد ابن الربيع ، قال : حدثنا أبو علقمة الفروي (١) ، قال : حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن بسرة ، قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من مسّ فرجه فليتوضأ» (٢).

__________________

(١) هو أبو علقمة عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي فروة الفروي المتوفى سنة ١٩٠ ه‍ من رجال التهذيب.

(٢) بسرة هي بنت صفوان بن نوفل ابنة أخي ورقة بن نوفل. وهذا الحديث وإن اختلف في إسناده اختلافا كثيرا لكنه حديث صحيح ؛ صححه الإمام أحمد ، وابن معين ، والترمذي والدار قطني وغيرهم.

وقد تكلّم بعض العلماء في سماع هشام بن عروة لهذا الحديث من أبيه فنفاه شعبة وابن معين والنسائي ، وأثبته الإمام أحمد كما في المسند ٦ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧ فصرح هشام بالسماع ، وكذلك هو في العلل له أيضا (٣٧٤٤). أما الاختلاف في إسناده على هشام بحيث روي مرة عن أبيه عن بسرة ، وروي مرة أخرى عن أبيه عن مروان عن بسرة فلا يضر ، ذلك أن عروة سمع هذا الحديث من مروان بن الحكم ، ثم أراد أن يزداد توثقا في الحديث ، فسأل عنه بسرة ، فصدّقت ما روى عنها مروان ، ومثل هذا لا يعد اضطرابا ، كما بيناه في تعليقنا على الترمذي.

وحديث هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة أخرجه ابن معين في تاريخه (رقم ٤٧١٨) ، وأحمد في المسند ٦ / ٤٠٧ وفي العلل ٢ / ٥٧٩ ، والترمذي (٨٢) ، والنسائي ١ / ٢١٦ ، والطبراني في الكبير ٢٤ / حديث رقم (٥١٨) ، وابن حبان (١١١٥) ، والدار قطني في العلل ٥ / الورقة ١٩٩ ـ ٢٠٠ ، والبيهقي ١ / ١٣٧ ـ ١٣٨ وغيرهم. وينظر تمام تخريجه في تعليقنا على الترمذي ، وفي التعليق المطول لصديقنا العلامة الشيخ شعيب الأرنؤوط على مسند أحمد ٤٥ / ٢٧١ ـ ٢٧٤ ففيه فوائد جمة.

٢١٣

أخبرنا أبو عبد الله الفزراني هذا بجميع كتاب «الحكّام وولاة الأحكام بمدينة السلام» تصنيف القاضي أبي العباس أحمد بن بختيار ابن المندائي بسماعه له منه ، وفيه إلى آخر ولاية قاضي القضاة أبي القاسم عليّ بن الحسين الزّينبي (١).

وسألت البهجة الفزراني عن مولده ، فقال : ولدت سنة ثلاثين وخمس مئة. وتوفي يوم الثلاثاء سابع عشري صفر سنة ثلاث وست مئة ، ودفن بباب حرب بمقابر الشهداء ، رحمهم‌الله تعالى.

٥٣ ـ محمد (٢) بن أحمد بن بختيار بن عليّ بن محمد بن إبراهيم بن جعفر ، أبو الفتح بن أبي العباس المعروف بابن المندائيّ.

من أهل واسط ، العدل القاضي ابن العدل القاضي ، الثّقة الفاضل الثبت الصّدوق.

ولد بواسط ، وحمل إلى الكوفة لما تولّى والده القضاء بها وهو طفل وسمع بها من الشريف أبي البركات عمر بن إبراهيم العلوي النّحوي شيئا من شرحه لكتاب «اللّمع» لأبي الفتح بن جنّي.

ثم دخل بغداد ، ونشأ بها ، وتلقّن القرآن الكريم ، وعلّق الفقه. وسمع الحديث الكثير من البارع أبي عبد الله الحسين بن محمد ابن الدّبّاس ، وروى عنه

__________________

(١) توفي القاضي ابن المندائي في سنة ٥٥٢ ، وهو مترجم في تاريخ الإسلام ١٢ / ٤٢ ، وكانت وفاة أبي القاسم الزينبي سنة ٥٤٣ وهو على القضاء (ابن الجوزي ١٠ / ١٣٥ ، ابن الأثير ١٢ / ٥٩ ، ابن كثير ١٢ / ٢٢٥ ، الذهبي : العبر ٤ / ١١٩ ، وتاريخ الإسلام ١١ / ٨٣٢ ، والعيني ١٦ / ورقة ١٨٦ ـ ١٨٧ ، وابن العماد ٣ / ١٣٥).

(٢) ترجمه ابن الأثير في الكامل ١٢ / ١١٨ ، والمنذري في التكملة ٢ / الترجمة ١٠٦٤. وابن الساعي في الجامع المختصر ٩ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨ ، واختاره الذهبي في مختصره ١ / ١٨ وترجمه في تاريخ الإسلام ١٣ / ١٢٠ ، والصفدي في الوافي ٢ / ١١٦ ، وابن كثير في البداية ١٣ / ٥٢ ، وتصحف فيه «المندائي» إلى «السنداي» ، والجزري في غاية النهاية ٢ / ٥٦ وتصحف فيه «المندائي» إلى «الميداني» ، والعيني في عقد الجمان ١٧ / الورقة ٣١٦ ، وابن تغري بردي في النجوم ٦ / ١٩٦ ، وابن العماد في الشذرات ٥ / ١٧.

٢١٤

شيئا من شعره ، ومن الرئيس أبي القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين ، ومن أبي السعود أحمد بن علي ابن المجلي ، ومن أبي بكر محمد بن الحسين المزرفي ، وأبي القاسم هبة الله بن أحمد بن الطّبر الحريري ، ومن القاضي أبي بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد البزّاز ، وأبي منصور عبد الرحمن بن محمد القزّاز ، وأبي القاسم إسماعيل بن أحمد ابن السّمرقندي ، وأبي منصور موهوب ابن الجواليقي. ومن الغرباء مثل : أبي عامر العبدري ، ومكي بن أبي طالب البروجردي ، وأبي الحسن البيهقي.

وعاد إلى واسط بعد سنة ثلاثين وخمس مئة ، وقرأ بها القرآن الكريم على أبي محمد أحمد بن عبيد الله الآمدي سبط ابن الأغلاقي ، وعلى الرئيس أبي يعلى محمد بن سعد بن تركان. وسمع من أبي الكرم نصر الله بن محمد بن مخلد الأزدي ، ومن أبي الجوائز سعد بن عبد الكريم الغندجاني ، وأبي السعادات المبارك بن الحسن بن نغوبا ، وأبي عبد الله محمد بن علي بن الجلّابي ، وغيرهم.

وكان فهما ، حسن المعرفة ، جيّد الأصول ، صحيح النّقل ، جيّد الخطّ والضّبط ، متيقّظا ، مراجعا للأصول فيما يشكل ويختلف فيه.

حدّث بالكثير ، وبارك الله له في العمر والرّواية حتى صار أسند أهل زمانه ، وقصده الطلبة من الآفاق ، وانفرد برواية أشياء لم يشركه فيها غيره (١).

قدم بغداد ونحن بها في سنة ثلاث وسبعين وخمس مئة ، وسمعنا منه شيئا. ثم قدمها في سنة أربع وتسعين فأقام بها إلى رجب سنة خمس وتسعين وسمع عليه بها الخلق الكثير ، وكتبنا عنه أيضا في هذه المدّة ونعم الشّيخ كان عقلا وخلقا ، ومودّة.

__________________

(١) قال الزكي المنذري : «وآخر من حدّث بمسند الإمام أحمد بن حنبل رضي‌الله‌عنه كاملا عن أبي القاسم بن الحصين».

٢١٥

قرأت على أبي الفتح محمد بن أحمد بن بختيار ابن المندائي ببغداد ، قلت له : أخبركم الرئيس أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن الحصين قراءة عليه وأنت تسمع ببغداد ، فأقرّ بذلك ، قال : أخبرنا القاضي أبو القاسم علي ابن المحسّن بن علي التّنوخي قراءة عليه ، قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم ابن الحسن بن شاذان ، قال : حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، قال : حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيبانيّ ، قال (١) : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزّهري ، عن أبي سلمة ، عن عائشة رضي‌الله‌عنها أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «كلّ شراب أسكر فهو حرام» (٢).

سمعت القاضي أبا الفتح محمد بن أحمد ابن المندائي يقول : كتب الشيخ أبو منصور موهوب بن أحمد ابن الجواليقي إلى والدي كتابا وهو بواسط فكان في أوله :

أراك إذا نأيت بعين قلبي

كأنّك نصب عيني عن قريب

لئن بعدت معاينة التّلاقي

لما بعدت معاينة القلوب

أنشدني القاضي أبو الفتح محمد بن أحمد ابن المندائي ببغداد من لفظه لأبي القاسم هبة الله بن الحسين الأصطرلابي :

كن في زمانك مودودا لو اعترضت

له الشّكاة بكاه من يعاديه

ولا تكن أمقتا لو جبّ غاربه

لكان أكبر مسرور مصافيه

وأنشدنا أيضا من حفظه ببغداد :

__________________

(١) مسند أحمد ٦ / ٣٦.

(٢) حديث سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة هذا في الصحيحين : البخاري ١ / ٧٠ (٢٤٢) و ٧ / ١٣٧ (٥٥٨٥) و (٥٥٨٦) ، ومسلم ٦ / ٩٩ (٢٠٠١) ، وانظر تمام تخريجه في تعليقنا على الترمذي (١٨٦٣) ، وموطأ مالك (٢٤٥١ برواية الليثي) ففيهما تفصيل.

٢١٦

ولو أنّ ليلى مطلع الشّمس دونها

وكنت وراء الشّمس حين تغيب

لحدّثت نفسي بانتظاري نوالها

وقال المنى : إنّي لها لقريب

سألت القاضي أبا الفتح ابن المندائي عن مولده ، فقال : ولدت يوم الثّلاثاء ثامن شهر ربيع الآخر سنة سبع عشرة وخمس مئة بواسط.

وتوفي بها يوم الأحد عند ارتفاع النّهار لثمان خلون من شعبان سنة خمس وست مئة ، وصلّى عليه ضحى يوم الاثنين تاسعه بجامعها الخلق الكثير ، ودفن بداره بدرب الدّيوان عن ثمان وثمانين سنة وأربعة شهور تامة ، رحمه‌الله! وكان من الأعيان الأثبات.

٥٤ ـ محمد (١) بن أحمد بن عليّ بن عبد العزيز الصّوفيّ ، أبو الحسن ابن أبي نصر المعروف بابن الدّوتائي (٢).

من أولاد المشايخ ، صحب الصّوفية من صباه وعاشرهم وتخلّق بآدابهم ، وكان يحب سماع الغناء ويكثر حضوره ويسكن الأربطة ، وفيه دماثة.

سمع شيئا من الحديث من أبي عليّ مسعود بن عبد الله بن أبي يعلى الشّيرازي الخيّاط ، والنّقيب أبي عبد الله أحمد بن علي بن المعمّر العلوي ، والكاتبة شهدة بنت أحمد بن الفرج الإبري ، وأبي العز محمد بن محمد ابن الخراساني ، وأبي الحسن بن نصر الله ابن الفقيه ، وغيرهم ، وحدّث عنهم ببغداد ، وفي أسفاره إلى الشام والحجاز.

كتبت عنه شيئا يسيرا.

قرأت على أبي الحسن محمد بن أحمد ابن الدّوتائي من أصل سماعه

__________________

(١) ترجمه المنذري في التكملة ٢ / الترجمة ١١٤٤ ، واختاره الذهبي في مختصره المحتاج ١ / ١٨ ـ ١٩.

(٢) قيده المنذري بالحروف فقال : «بضم الدال المهملة وسكون الواو وبعدها تاء ثالث الحروف وبعد الألف ياء وياء النسب».

٢١٧

ببغداد ، قلت له : أخبركم أبو علي مسعود بن عبد الله بن أحمد ، قراءة عليه وأنت تسمع ، فأقرّ به ، قال : أخبرنا أبو سعد محمد بن عبد الكريم بن خشيش الكاتب. وأخبرنيه عاليا أبو السعادات نصر الله بن عبد الرحمن بن محمد القزّاز بقراءتي عليه ، قلت له : أخبركم أبو سعد محمد بن عبد الكريم بن خشيش قراءة عليه ، فأقرّ به ، قال : أخبرنا أبو عليّ الحسن بن أحمد بن شاذان ، قال : حدثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبد الله ابن السّماك ، قال : حدثنا أحمد بن الوليد الفحّام ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن أبي ذر رضي‌الله‌عنه قال : قلت يا رسول الله علّمني عملا يقرّبني من الجنّة ويباعدني من النّار ، قال : «إذا عملت سيّئة فأتبعها حسنة» ، قال : من الحسنات لا إله إلا الله؟ قال : «هي أحسن الحسنات» (١).

سألت أبا الحسن ابن الدّوتائي عن مولده ، فقال : في جمادي الأولى سنة سبع وثلاثين وخمس مئة.

وتوفي يوم الثلاثاء سابع شهر ربيع الآخر سنة سبع وست مئة بالمارستان التّتشي ، ودفن بمقبرة الرّيّان ، رحمه‌الله.

٥٥ ـ محمد (٢) بن أحمد بن الحسن الدّوريّ ، أبو عبد الله المقرىء.

__________________

(١) إسناده حسن ، يونس بن بكير صدوق حسن الحديث كما بيناه في «تحرير التقريب» وباقي رجاله ثقات.

وأخرج أحمد ٥ / ١٥٣ و ١٥٨ و ١٧٧ ، والدارمي (٢٧٩١) ، والترمذي (١٩٨٧) ، والحاكم ١ / ٥٤ ، وأبو نعيم في الحلية ٤ / ٣٧٨ ، والبيهقي في الشعب (٨٠٢٦) ، وفي الزهد الكبير ، له (٨٦٩) من طرق عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ميمون بن أبي شبيب ، عن أبي ذر أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال له : «اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن» ، وقال الترمذي عقبه : هذا حديث حسن صحيح.

(٢) ترجمه المنذري في التكملة ٢ / الترجمة ١٣٤٠ ، والذهبي في تاريخ الإسلام ١٣ / ٣٢٣ نقلا من هذا الكتاب.

٢١٨

من أهل الدّور بدجيل ، دجيل بغداد ، ونزل درب القيّار ، وحفظ القرآن العزيز ، وقرأ بالقراءات الكثيرة على جماعة منهم : بدل بن أبي طاهر الجيلي ، ويعقوب بن يوسف الحربي ، وشيخنا أبو الفتح نصر الله بن علي ابن الكيّال الواسطي. وسمع شيئا من الحديث ، وخالط أهل العلم.

سمعت منه حكايتين إحداهما عن أبي الفتح ابن المنّي ، والأخرى عن محمد بن قائد الأواني يأتي ذكرهما في ترجمة هذين الرّجلين إن شاء الله.

توفي محمد بن أحمد الدّوري ، في منحدره من الموصل قبل وصوله بغداد بقريب ، في جمادي الأولى سنة إحدى عشرة وست مئة ، وحمل إلى مقبرة باب حرب فدفن بها ، رحمة الله عليه.

٥٦ ـ محمد (١) بن أحمد بن عليّ ، أبو البدر بن أبي العباس المعروف بابن أمسينا.

أصله من الجامدة (٢) إحدى قرى البطائح ، وأبو البدر هذا ولد بها (٣) ، ودخل واسطا صبيا ونشأ بها ، وخدم في الأشغال الدّيوانية ، وتولّى أشغال الأمراء ، وترقّت به الحال إلى أن ولّي ديوان الزّمام المعمور يوم الخميس سادس ذي القعدة من سنة أربع وتسعين وخمس مئة ، ولّاه ذلك شرف الدين أبو القاسم الحسن بن نصر بن الناقد صاحب المخزن المعمور المتولّي لأمور الديوان العزيز ، مجده الله ، في ذلك الوقت ، وخلع عليه بداره فكان على ذلك إلى أن عزل ناصر بن مهدي عن الوزارة في ليلة الأحد ثاني عشر من جمادي الآخرة من

__________________

(١) ترجمه ابن الفوطي في الملقبين بفخر الدين من التلخيص ٤ / الترجمة ٢٣٢٣ ونقل من كتاب «وزراء الزوراء» لجمال الدين أبي الفضل أحمد بن مهنا العبيدلي. وترجمه الصفدي في الوافي ٢ / ١٠٩. وله أخبار في الجامع المختصر لابن الساعي والكامل لابن الأثير في تواريخ وظائفه.

(٢) ياقوت : معجم البلدان ٢ / ٩٥.

(٣) كان مولده سنة ٥٤٩ ه‍ كما ذكر ابن الفوطي والصفدي.

٢١٩

سنة أربع وست مئة فرتب نائبا في الوزارة يوم الأحد المذكور وحضر عنده الحجّاب وأرباب الولايات ، وركب إلى الديوان العزيز ضحوة اليوم المذكور وأقام هناك إلى عشيّه ورجع إلى داره بعد صلاة المغرب. ثم حوّل ابن مهدي من دار الوزارة المقابلة لباب النّوبي المحروس في رجب من هذه السنة ونقل ابن أمسينا إليها فلم يزل بها متصرفا في خدمة الدّيوان العزيز إلى أن عزل في ليلة الأحد عاشر شهر ربيع الأول سنة ست وست مئة.

٥٧ ـ محمد (١) ابن سيّدنا ومولانا الإمام المفترض الطاعة على كافة الأنام القائم لله في خلقه أحسن القيام أبي العباس أحمد الناصر لدين الله أمير المؤمنين ابن الإمام الطاهر الزّكي أبي محمد الحسن المستضيء بأمر الله ابن الإمام النّقي الطاهر الزّكي أبي المظفر يوسف المستنجد بالله ابن الإمام السعيد الطاهر الشهيد أبي عبد الله محمد المقتفي لأمر الله ابن الإمام المستظهر بالله أبي العباس أحمد ابن الإمام المقتدي بأمر الله أبي القاسم عبد الله ، صلوات الله عليهم أجمعين ، أبو نصر.

خطب له والده بولاية العهد في يوم الجمعة الحادي عشر من صفر سنة خمس وثمانين وخمس مئة بجوامع مدينة السلام جميعها ، ونثر عند ذكر اسمه دنانير عليها اسمه بولاية العهد ، وكتب بذلك إلى الآفاق فكان الخطباء والدّعاة يقولون بعد استيفاء الدّعاء للخدمة الشريفة : «اللهم وبلّغه سؤله ومناه وأقصى أمله ومنتهاه في سلالته الطاهرة وعترته الزّاهرة عدّة الدّنيا والدين ، عمدة الإسلام والمسلمين ، المخصوص بولاية العهد في العالمين أبي نصر محمد ابن أمير المؤمنين. اللهم أشدد به عضده وكثّر به عدده برحمتك يا أرحم الراحمين».

__________________

(١) هو الخليفة الإمام الظاهر بأمر الله العباسي ، وسيرته مشهورة جدا وأخباره في كتب التاريخ المستوعبة لعصره (راجع تكملة المنذري ٣ / الترجمة ٢١١١. وقد فصلنا هناك القول في مصادر ترجمته). ولد الخليفة الظاهر سنة ٥٧٠ وتوفي في الثالث عشر من شهر رجب سنة ٦٢٣ ه‍ ، وكانت خلافته تسعة أشهر وثلاثة عشر يوما. وينظر تاريخ الإسلام ١٣ / ٧٤٧.

٢٢٠