تنزيه الأبصار والأفكار في رحلة سلطان زنجار

زاهر بن سعيد

تنزيه الأبصار والأفكار في رحلة سلطان زنجار

المؤلف:

زاهر بن سعيد


المحقق: أحمد الشتيوي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: وزارة التراث والثقافة سلطنة عمان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٩٦

" أفريقية قارة واسعة رحبة قد اشتهرت بالحضارة والعمار منذ عهد الرومانيين (١). غير أنها زمانا مديدا مجهولة عند الأوروبيين ، وكانوا يزعمون أنها بلاد قفرة يسكنها قوم همج من الزنوج الخشني الطباع. فلما تيسر للبورتكيز (٢) أن يسيحوا حول" رأس الرجاء الصالح" (٣) اكتشفوا (٤) تلك البلاد ، ورأوا أهلها على جانب من الحضارة والتمدن خلافا للسكان على الشواطئ الغربيّة. فإن العرب الذين حافظوا على العلوم من عهد قديم وسلموها إلى الأوروبيين كانوا قد حلّوا في أفريقية الشرقية ، وشادوا فيها حصون العلوم ، ووسّعوا نطاق الحضارة في بلادهم.

ففي القرن السابع من التاريخ المسيحي أقلع خمسون أعرابيا برفقة بعض من الفرس يريدون الاكتشاف على سواحل أفريقية الشرقية فعثروا على ميلند ومومباسا ، وزنجبار. وأقاموا فيها ، وفتحوا (٥) تجارة واسعة مع الهند وبلاد فارس بالعاج والذهب. ثم استظهر البورتكيز على العرب وأخذوا منهم هذه البلاد الغنيّة. أما عرب عمان فكانوا أشد بأسا ممن يجاورهم وكانوا أوّل من فتح باب التجارة والحضارة في تلك الجهات. وكانت مدينة مسقط (٦) عاصمة ملكهم في

__________________

(١) تنسب الحضارة الرومانية إلى العاصمة روما عاصمة ايطاليا التي أسسها رومولوس Romulus سنة (٧٥٣ ق م) وقد عمل على نشأتها الإمبراطور أغسطس Augustus (ح ١٤ ق م ـ ١٤ م) الذي غزا حوض البحر الأبيض المتوسط ، انحلت في الغرب سنة ٤٧٣ وفي الشرق (الإمبراطورية البيزنطية) سنة ١٤٥٣. فصل :

١٥٥٠ / ٢ : Rome : P.R

(٢) ب : للبرتغاليين

(٣) هو بالإنجليزيةCape of good Hope ، وبالفرنسيةCap de bonne esperance ، ويسمى أيضاCape Province هو أقصى رأس في القارة الأفريقية (في جنوب افريقيا). وصل اليه البحّار البرتغالي برتولوميو دياز (B.Diaz) سنة ١٤٨٨ استقر فيها التجار الألمان سنة ١٦٥٢ ثم انتقلت ملكيته إلى بريطانيا سنة ١٨١٤ الخ .. فصل : Cape ٨٢٥ / ٢ : of good hope : N.E.B

(٤) أ : اكتشفوا على

(٥) ب : بدعوا

(٦) عاصمة عمان تقع في جميع عمان تحيط بها جبال بركانية ، احتلها البرتغاليون سنة ١٥٠٨ ، وبنوا فيها حصنين. فصل :

٤٣٨ / ٨ : Muscat : N.E.B

٦١

البلاد العربية. ثم استولى ألبوكرك (١) على مسقط سنة ١٥٠٨ ميلادية ولبثت في يد البورتكيز إلى سنة ١٦٤٨. ثم وقع النزاع على عمان بين البورتكيز وأهل هولندا والعجم فدامت الحرب بينهم سجالا ، ولم يتمّ لأحد منهم الاستيلاء على عمان زمانا طويلا"

قال المؤرخ بالكراف ما ترجمته : " ولما ثقل نير هؤلاء الأجانب على ساكني (٢) عمان استحمست أهاليها ، وخلعت نير جورهم ، ونهضت من كبوتها ، وشبّت كنار الغضب من تحت رمادها ، ونهضت لمحاربة هؤلاء الأجانب ، واستظهرت عليهم ، وجعلت نفس خسائرها رأس مال لإنشاء تجارة واسعة صارت سبب غناها المؤبد (٣).

ومن المحقق أن شعب عمان تمكّن من طرد الأجانب من بلاده ، وحمل على الأجانب حملة الإبطال ، وغزا منهم ما كانوا قد غزوه من زمان مديد.

ففي سنة ١٧٤١ قام أحمد بن سعيد حاكم صحار وحارب العجم الذين أرادوا غزو بلاده ، وكسرهم ، وشتّت شملهم. وسرّت الأمة العمانية بشهامته وجراءته وانتخبه القوم إماما عليهم وواليا على عمان.

ثم قام بعده ابن ابنه سعيد بن سلطان ، واستوى على عرش الملك سنة ١٨٠٣ وله من العمر ١٤ سنة ، وملك على أراض واسعة في أفريقية بأيدي جيوشه البرية والبحرية وسفنه التجارية ، وجمع بين التجارة والمحاربة معا ، وحذا حذو الإنكليز في سياسته. فكانت سفنه تسير إلى أقصى البلاد بحجّة التجارة. وإذا تجاسر أحد على مقاومتها والتعرض لتجارها أثاروا عليه حربا ، واستظهروا عليه ، وغزوا بلاده ، وملكوا عليها. وكان الإمام سعيد بن سلطان المومأ إليه يودّ الإنكليز كل المودة ويؤثر أن يحذو حذوهم في دقائق السياسة وطرائق التجارة ، وكان يهاب

__________________

(١) هو ألبوكرك الكبير (١٤٥٣ ـ ١٥١٥) عسكري قام بعدة غزوات في الهند (١٥١٠) والملاوي (١٥١١) وهرمز والخليج العربي وغير ذلك. فصل : ٢٢٣ / ١ : Albuquerque ,Alfonso de : N.E.B

(٢) ب : حكومة

(٣) ب : ثرائها المستمر

٦٢

سطوتهم كثيرا (١) ، ولهذا تحالف معهم ، وحارب أعداءه القاطنين في سواحل خليج العجم. ولما اشتهر بالبأس والفراسة والشجاعة أهداه والي ولاة الهند سيفا ثمينا سنة ١٨٢٠".

قال القبطان برطن في كتابه عن زنجبار ما ترجمته : " قد اتصف الإمام سعيد بن سلطان بصفات حميدة رفعت مقامه بين الأمراء المسلّطين (٢). فإنه قد تساهل بحسن مآثره السنية مع دول أوروبّا وسمح للتجار الأوروبيين والهنود أن يقيموا في بلاده ، ويوسّعوا فيها نطاق التجارة والحضارة والفلاح ، وسمح لعمارة إنكليزية مؤلفة من ثلاث فرقيطات (٣) وأربع كورفيتات (٤) وتسع سفن و ٢٠ سفينة تجارية أن تقيم وتسير في البحور التابعة لملكه".

" ثم اكتسب حبّ الإنكليز باتفاقه (٥) مع دولتهم في عهد كبير وزرائهم لورد بالمرستن (٦) على إبطال تجارة الرقيق من سواحل أفريقية الشرقيّة. وقد تحقق عندنا أن هذا الأمير تكبد خسائر عظيمة في مالية ملكه من جراء إبطال تجارة الرقيق. فكان دخل المملكة نحو ألف ريال سنويا من المكوس التي كانت تدفع على الرقيق عند مرورهم ببلاده. ثم رفض قبول ألفي ليرة إنكليزية (باون) ، قدمتها له الدولة البريطانية سنة ١٨٢٢ عن يد القبطان مورسبي تعويضا (٧) عما حلّ بماليته من الخلل لأجل إبطال تجارة الرقيق"

__________________

(١) وكان ... كثيرا : ساقط في ب

(٢) ب : الأمراء المتمدنين.

(٣) مفرده فرقيطة أوفرقاطة تعريب للكلمة اللاتينيةFregata وهي سفينة حربية أخف من المركب وأسرع منه. فصل :

٤٤٨Fregate : P.R : p

(٤) مفرده كورفيتة تعريب للكلمة الفرنسيةCorvette وهي : سفينة حربية وسط بين الفرقيطة والبريك Brick وصارت الآن تستعمل لحرب الغواصات. فصل : ٢٧٢Corvette : P.L : p

(٥) أ ـ بتواطئه

(٦) هو الفيكونت هنري (١٧٨٤ ـ ١٨٦٥) سياسي بريطاني تولى وزارة الخارجية عدة مرات ، والوزارة الأولى (١٨٥٥ ـ ١٨٥٨ و ١٨٥٩ و ١٨٦٥) وكان يمثل القومية البريطانية. فصل :

٩٤ / ٩ : Palmerston ,Henry John Viscount : N.E.B

(٧) أ : وعدا ذلك اعتفى من قبول ...

٦٣

" ثم أثار الفرس حربا على عمان واستظهروا على جيوش الإمام سعيد بن سلطان. واستولوا على أملاكه (١) في بلاد فارس ولكن (٢) العمانيين أعادوا الكرة ، وحملوا على الفرس واسترجعوا منهم مدينة بندر عباس (٣) سنة ١٨٥٤".

" ثم تعرض الإنكليز لوالي عمان وأجبروه على عقد معاهدة سلمية مع شاه العجم سنة ١٨٥٦. فشقّ هذا الأمر على السّيد سعيد بن سلطان ، ومات كمدا وهو شيخ طاعن بالسنّ. فإنه قال ، رحمه الله : " حاببت الإنكليز ، وراعيت ذمامهم ، وأعددتهم حصنا لصيانة ملكي وقيام وجاهتي ، وهم (٤) خانوا عهدي ، وأعدموني ثمرة بأسي ، وحطّوا مقامي عند أعدائي (٥) ".

" ثم مات هذا البطل الهمام عن ١٥ ولدا. وجرى بينهم نزاع طويل على ملك أبيهم. ولما قصد الإنكليز حسم الدعوى بينهم سأل سار بارتل فرير السيد برغش السلطان الحالي عن شرائع الخلافة في مملكة جدوده حتى يستسنّ بها في فصل الدّعوى ، فقال السيد برغش أعزه الله في جوابه : " إن سألت أيها السار الأكرم عن سنة الخلافة فينا ، فما عندنا سنّة نحتكم عندها سوى سنّة سيفنا ، فمن كان منّا أطول سيفا كان أولى بالخلافة". وبناء على ذلك خلف بكر (٦)

__________________

(١) أ : ملاكهم

(٢) أ : أما

(٣) ميناء في طريق هرمز في جنوب ايران استقر به العرب والزنوج الأفارقة. أنشأه شاه عباس الأول سنة ١٦٢٣ تعويضا لميناء هرمز الذي احتله البرتغاليون سنة ١٥١٤. دخله العمانيون سنة ١٧٩٣ واسترده الفرس سنة ١٨٦٨ بعد صراعات عديدة.

فصل : ٨٦٠ / ١ : Bandar Abbas : N.E.B

(٤) من" وأعددتم" إلى" وهم" ساقط في ب.

(٥) من" أعدموني" إلى" أعدائي" ساقط في ب وعوضه بقوله" حرموني ثمرة انتصاري"

(٦) المقصود هو السلطان ثويني بن سعيد : حكم مسقط بعد أبيه (ح. ١٢٧٣ / ١٨٥٦ ـ ١٢٨٢ / ١٨٦٦) سار سيرة حسنة.

السالمي : تحفة : ٢ / ٢٣٠ ـ ٢٣٥ ، الزركلي : الأعلام : ٢ / ١٠٢

٦٤

السيد سعيد أباه في الملك ، وحكم في مسقط. أما ماجد ابنه (١) الرابع فملك على زنجبار. ثم نهض تركي الابن الثالث وادّعى في مسقط أنه الأولى بالملك. ثم قام السيد برغش (٢) الابن الخامس وقال : إنّه الأحق بالملك على زنجبار. فنهض لمقاومته الكولونل ريكبي سفير دولة بريطانية الذي كان مقيما بزنجبار وقتئذ وأرسله إلى ممباي (٣) ".

" ثم دخل طمع الملك قلب حاكمي مسقط وزنجبار ، وقاما لمحاربة بعضهما يريد كل منهما الاستبداد (٤) بالملك على مسقط (٥) وزنجبار. فاعترضهما لورد كانينك (٦) والي ولاة الهند. وأقام سار ويليم كوغلان (٧) والفقيه جرجس باجر لفصل الدعوى بين هذين الأميرين. فأبرما الحكم بفصل حكومة مسقط من حكومة زنجبار ، وفرضا على حاكم زنجبار ـ السيد ماجد ـ أن يدفع كل سنة مبلغا من النقود إلى أخيه الأكبر حاكم مسقط على سبيل الجزية. وفي أثناء ذلك لبث السيد برغش مقيما في الهند بحاضرة ممباي حتى أكّد للإنكليز بشهامته المعهودة أنه لا يتعرض لأخيه ماجد ولا ينازعه في الملك. فسمحوا له بالإياب إلى أوطانه. فرجع بالسلامة وقام بكلامه حق القيام (٨) ".

__________________

(١) هو أول من استقل بحكم زنجبار (ح. ١٢٧٣ / ١٨٥٦ ـ ١٢٨٧ / ١٨٧٠) وصف الناس حكمه بأنه جعلهم في منزلة إخوته.

المغيري : جهينة : ص ٢٨٥ وما بعدها

(٢) تولى الحكم بعد أخيه ماجد وكان قبل ذلك أعلن الحرب على أخيه فنفاه الإنكليز إلى بومباي. المغيري : جهينة : ص ٢٩٤ ـ ٢٩٦

(٣) هو الاسم الصحيح لبومباي عاصمة مهارشترا في الهند ومدينة تجارية ومالية. فصل :

٣٤٨ / ٢ : Bombay : N.E.B

(٤) ب : الاستئثار

(٥) يرسم الكاتب : مسقاط ومسقط

(٦) هو الفيكونت شارلز (١٨١٢ ـ ١٨٦٢) : رجل دولة وكان الوالي العام على الهند أثناء انتفاضة سنة ١٨٥٧. فصل :

٨٠٤ / ٢ : Canning ,Charles : N.E.B

(٧) هو المقيم السياسي في عدن وكان رئيس بعثة التحقيق في النزاع بين الأخوين. المغيري : جهينة : ص ٢٨٧

(٨) ب : " وكان عند وعده فلم يتعرض لأخيه بسوء" عوض : وقام ...

٦٥

" ولمّا توفي أخوه ماجد سنة ١٨٧٠ خلفه في ملك زنجبار ، واستوى على تخت السلطنة بلا معارضة. أما ملكه فيمتد إلى مسافة ٦٦٠ ميلا من طونجى (١) على حدود أملاك البورتكيز عند رأس دلغادو (٢) جنوبا إلى وارشيق".

" وعدا ذلك قد اتسع الآن نطاق ولايته إلى نحو ٣٠٠ ميل في البرّ بأفريقية ، ورايته تخفق في انيايمبي ببلاد السودان ، وأملاكه تتاخم أملاك خديو مصر. ولسعادته جنود من العرب منتظمة ومدربة في الفنون الحربية بعناية قوّاد من الإنكليز ، وفرقة من الجنود المقدمة (٣) في فن الموسيقي العسكرية باعتناء أساتذة ماهرين من أهل البورتكيز".

وشعب المملكة مكوّن من خليط الهنود والعرب والزنوج.

وأحسن أراض في ملكه جزيرة زنجبار ، وهي جيدة التربة كثيرة الخصب ، يجلّلها خضار دائم السنة بطولها ، وتخترقها أنهر ذات مياه غزيرة ، وتهطل فيها الأمطار أربعة أضعاف ما يهطل في بريطانيا.

ومن مآثر السيد برغش الحسنة التي زادت في غنى المملكة ورفاهية الرعية هو أنه علّم شعبه زرع القرنفل بعد أن كان قد تغافل الناس عنه.

ومن محاصيل جزيرة زنجبار الجوز الهندي ، والأرز ، وقصب السكر ، والورد ، والذرة ، والمانكو ، وكل أصناف الأثمار بكثرة.

وجميع طرقات الجزيرة مغطاة بأشجار البورتقال ، فيمرّ الإنسان بها وروايح الأزهار عابقة به من كل ناحية.

__________________

(١) Tanga

(٢) ب : دلغادمر ، وهوCap Delgado جنوب زنجبار

(٣) أ ، ب : المقدسة

٦٦

وفي أوقات هبوب الريح المانسون (١) من شمالي الجزيرة يقصدها التجّار من الهند والبلاد العربية وجزيرة ماداكسكار (٢) وخليج العجم (٣). وقد أضحت زنجبار أعظم بندر في الدنيا لتجارة العاج والبخور الجاوي ، وهو صمغ عطر جدا.

__________________

(١) تعريب لكلمةMousson ، وهي تعني : موسمية

(٢) مدغشقر : Madagascar

(٣) الخليج الفارسي

٦٧
٦٨

الباب التاسع

في حضور السيد برغش سباق خيل الرهان في أسكوت (١)

قد اعتاد الإنكليز على اتخاذ بعض أيام من أيام السنة يقيمون فيها مشهدا لسباق خيل الرّهان. فاتفق قيام مشهد بقرية اسكوت على بعد ٨ أميال (٢) من لندن بعد وصول سعادة السلطان برغش إلى لندن بيومين.

فأرسل لورد داربي (٣) بالنيابة عن الدولة البريطانية يستدعي سعادة السيد برغش إلى حضور ذلك المشهد لعلمه بأن سعادة السيد برغش يسرّ بمشاهدة الخيل الأصيلة كونه عربيا قحا قد نشأ في بلاد العرب السعيدة التي هي بلاد الخيل الأصيلة.

ويقر الإنكليز أنفسهم بأن الخيل العربية تفوق أصائل الخيل الإنكليزية في الخفة وسرعة السّير في الجري (٤). وقد أطنب سار فرنسيس دويل في مدح خيل العرب الأصيلة فقال في قصيد نظمه سنة ١٨٢٧ عيسوية ما ترجمته" يفضّل الأعرابي جواده على امرأته ويعزّه كحياته".

فاقتبل السيد برغش دعوة لورد داربي. وخرج بحشمه إلى المشهد المذكور للفرجة. وكانت الطرقات غاصّة بالناس والخيل والعربيات. وعلى جانبي الطريق منازل عامرة وقصور باذخة وبساتين مزهرة. فلما وصل السيد برغش إلى محل السباق واستوى على مكان كانت الدّولة

__________________

(١) قرية من ولاية يركشير مشهورة بسباق الخيل منذ سنة ١٧١١ ثم صار المتفوق من الفرسان يتحصل على كأس أسكوت الذهبي منذ ١٨٠٧. فصل : ٦٢٠ / ١ : Ascot : N.E.B.

(٢) أي ٨٧ ، ١٢ كم

(٣) عرف هذا اللورد بحبّه لهذه الرياضة حتى سمي السباق باسمه.

(٤) ب ـ تفوق في أصالتها الخيل الإنكليزية في نحافتها وسرعة عدوها.

٦٩

أعدّته له ولحشمه رأى تلك البقعة من الأرض غاصة بثلاثين ألف من الرجال والنساء قد اجتمعوا للفرجة من أماكن مختلفة.

ومن عوائد أصحاب خيل الرهان أنهم يختارون رجالا خفيفي البدن ويفرضون عليهم الأكل والشرب بقانون وتقتير إلى مدّة معلومة حتى ينحف جسمهم ، ويجف لحمهم ، ويخفّ ثقلهم. ثم يجعلونهم يركبون خيل الرهان ، ويحثونها على الجري يوم السّبق.

ولما استوى السباق ، وأطلق العنان للخيل ، اندفعت اندفاع البرق من كبد السحاب ، وطارت طير السهام من القوس. وكان فيها جواد اسمه دونكاستر يعدّه الإنكليز من أجود خيل بلادهم ، وقحم (١) باقي خيل الرهان ، وبلغ الغرض قبل الجميع ، ونال صاحبه خطر (٢) الرهان.

فلما رأى السلطان ما بدا من ذلك الجواد الأصيل طفح السرور على قلبه ، وقال" بارك الله في هذا الجواد فإنه من جياد الخيل ، ويضارع أحسن الجياد العربية". قيل : إن ذلك الجواد

__________________

(١) ب ـ وقد فاز على باقي

(٢) ب : شرف

٧٠

عزيز جدا على صاحبه قد اشتراه بعشرة آلاف ليرة إنكليزية. (١) وقد طبعنا رسم هذا الجواد ومشهد السبق كما حضره السيد برغش أعزه الله.

ومن عوائد الإنكليز أنه إذا استوى السبق وانتصب جعلوا يتراهنون مع بعضهم على مبالغ وافرة من الليرات. فمنهم من يعتقد أن الجواد الفلاني يحوز قصب السبق (٢) ، ومنهم من يعتقد عكس ذلك ، فيقع الرهان بينهم ، ويبلغ قدره تارة نحو ألوف من الليرات.

وكذلك من ديدن الإنكليز أنهم يتفاخرون في جودة خيلهم وسرعة جريها. وكلما زار بلادهم ملك أو سلطان أقاموا له مشهدا لسبق خيل الرهان كما فعلوا لسعادة السلطان برغش. ولما أتى قيصر الرّوسية بلاد الإنكليز سنة ١٨٤٤ هيّأوا له كذلك مشهد السباق إكراما له.

وكان السباق عند العرب من الأمور المشهورة. فكانوا يعقدون حلبة ، ويختارون عشرة رؤوس من جياد (٣) الخيل يسمونها خيل السباق. وكان اسم أولها" السابق" المعروف بالمجلّي (٤) أيضا ، ثم المصلّي ، ثم المسلّي ، ثم التّالي ، ثم المرتاح ، ثم العاطف ، ثم الخطيّ ، ثم المؤمّل ، ثم اللطيم ، ثم السّكيّت. وكانوا يضعون لها سبقا أو خطرا (٥) يتراهنون عليه يحوزه صاحب الجواد المجلّي.

__________________

(١) أ : ليرة انكليزية (باوند)

(٢) أ : قصبات

(٣) أ : أجاويد

(٤) ب : المتجلي

(٥) ب : لها جائزة يتراهنون عليها

٧١
٧٢

الباب العاشر

في زيارة أصحاب الجرائد لسعادة السلطان

قال مكاتب الديلى تلغراف : " وددت لو أن تمكّنني الفرصة من المثول [بين يدي] حضرة السيد برغش لأتشرف بمشاهدته وأستقصي من سعادته عن أمور كثيرة في أحوال أفريقية بحسب كوني عضوا من أعضاء الجمعية الجغرافية الملوكية (١) ، فاستعنت على نوال مرغوبي بواسطة صديقي الخاص سار بارتل فرير وصديقه حضرة القس باجر الفقيه ، وكلاهما من أخص محبّي سعادة السلطان. فقصدت قصر سعادته نهار الجمعة ١١ جوان (حزيران) فقابلني (٢) الخدم بغاية العزّ والإكرام وأدخلوني قاعة فسيحة مزينة بأثاث فاخر ملوكي ، فجلست أنتظر تشريف سعادة السلطان".

" وبعد بضع دقائق ، وإذا بخادم فتح باب القاعة ودخل سعادته بهيبة ووقار ، فنهض كل من كان في القاعة إجلالا لمقام السلطان (٣). فاستقبلتنا سعادته بلطف وبشاشة لا مزيد عليهما. ثم جلس على كرسي كان منصوبا له ، وأمرنا بالجلوس ، فامتثلنا لأمره (٤) ، وجلسنا بين يديه. فرفعت نظري إلى سعادته ، فرأيت سمات (٥) الهيبة والوقار موسومة (٦) في جبهته الغراء ، وعيناه

__________________

(١) تأسست في لندن سنة ١٨٣٠. قام علماؤها باستكشاف في مناطق عدة من العالم ومنها أفريقيا وسيأتي الحديث عنها في الباب ٢٩. وانظر الفصل : ٢١٩ / ١٠ : Royal Geographical Society (R.G.S) : N.E.B.

(٢) أ : فاقتبلني.

(٣) أ : إجلالا في سلام السلطان.

(٤) أ : فامتثلنا أمره

(٥) أ : لوائح

(٦) ب : مرسومة

٧٣

السّوداوان (١) تلمعان لميع كوكب الصبح ، والابتسام يلوح على شفتيه ، فرحّب (٢) بنا بكل أنس وبشاشة حسب دأبه المعهود".

" فاستأذنت (٣) من سعادته بالتكلم بين يديه ، فأومأ لي أن أقول ما بدا لي ، فقلت : " كيف رأيت أيها المولى (٤) هذه البلاد؟ وهل طابت نفس سعادتك بمناظر مدينة لندن؟ ". قال ، وهو يتبسم بأعذب ابتسام : " وأي نفس لا تطيب بحسن مناظر هذه الحاضرة الجميلة ، وبحدائقها النضرة ، وبقصورها الباذخة ، وشوارعها المتسعة ، [و] بجمال أهلها البديع (٥) ، ولطف أخلاقهم المأنوسة؟ فإني قد أضحيت ممنونا غاية الامتنان للأمة الإنكليزية لأجل ما أبدته نحوي من العز والإكرام واللطف. بارك الله فيها وأيّد دولتها طول الزمان".

فقلت له : " إن ما قدّمته الأمة والدولة البريطانية في حقّ سعادتك من الإكرام والعزّ هو بعض من واجباتها وفروضها ، وممّا هي مدينة (٦) به لسعادتك لأجل إمدادك إيّاها حق الإمداد (٧) في إبطال تجارة الرقيق من أفريقية. وإن جرائد لندن كلها قد حثّت الدولة والأمة البريطانية على تقديم الإكرام الواجب لسعادة أمير وسيد نبيل قد زادها شرفا بزيارة بلادها".

فقال لي السلطان في جوابه : " بارك الله في بلادكم السعيدة وعمّر دياركم الفريدة ، فإني رأيت في هذه الحاضرة العظيمة منازل كبيرة جدا ، وجميلة البناء كأنها قصور ملوك أعزاء. وقد قيل لي إنها منازل قد أعدها أصحاب الخير. منها للفقراء والبائسين ، ومنها مستشفيات

__________________

(١) ب : وعينيه السوداوين

(٢) أ : فاسترحب

(٣) ب : ثم استأذنت

(٤) ب : السلطان

(٥) ب : وخصال أهلها

(٦) أمديونة

(٧) ب ـ جهادك معها

٧٤

للمرضى والمقعدين. فطابت بذلك نفسي ، واتسع صدري وقلت : هذه حسنة كبيرة عند (١) الله! ثم لمّا جلت شوارع هذه المدينة العظيمة ، وطفت ضواحيها الجميلة ، ورأيت قصورها الباذخة ، ودرت بين جنائنها وحدائقها النضرة تعجبت من كبرها واتساعها. وقلت : حقا هذه مدينة من أعظم مدن الدّنيا كلها كبرا وأكثرها سكانا وأحسنها خلقا وأجملها منظرا! ".

قلت : " وهل تحسب سعادتك أن الإنكليز أجمل الناس خلقا وأحسنهم منظرا؟ "

قال : " الناس طرّا من نسل حضرة أبينا آدم عليه السّلام ، وإنما اختلاف الأراضي التي سكنها البشر واختلاف المعيشة والأقاليم قد أوجبت الاختلاف في هيئاتهم وأخلاقهم. وهذا أمر الله يجريه في خلقه. وقد قدّر على كل خليقة أمرا ، ولا بدّ من تنفيذه".

قلت : " أصبت أيها المولى (٢) بحسن رأيك ، وعسى تصبح بلادك يوما من الأيام مثل لندن وأحسن منها. وقولي هذا لا يخامره اشتباه. فإن بلادك السعيدة لا ينوبها ما ينوب لا (٣) لندن من كثافة الضباب وسواد الدّخان الحالك".

فتبسم السيد وقال : " إن شاء الله الحقّ سبحانه وتعالى يستجيب دعاءك".

ثم عرضت بين يدي سعادة السيد برغش بعض أسئلة عن مستر استانلي (٤) الأميريكاني السايح المشهور وعن رئيس النخّاسين المدعو ميرامبو الذي كان يحاول منع إبطال تجارة الرقيق في أفريقية ، فاستحسن السيد سؤالي (٥) وقال : " قد بذلت وسعي بطيبة الخاطر في مساعدة مستر استانلي وجميع الإنكليز الذين ساحوا في أفريقية. وأودّ لو أنّ يرجع مستر استانلي مارّا

__________________

(١) أ ـ بعين الله

(٢) ب : السلطان

(٣) ب : لا يؤذيها ما يؤذي

(٤) هو السرهانري مورتن (١٨٤١ ـ ١٨٩٩) أمريكي أنكليزي مستكشف افريقيا الوسطى. فصل :

٢١٣ / ١١ : Stanley : N.E.B

(٥) أ : فاستحسن السيد بردّ الجواب عن سؤالي

٧٥

ببلادي ، وأؤمل أن يكون سعيه مقرونا بالنّجاح. أما رئيس النخاسين المدعو ميرامبو ، فقد انكسرت شوكته الآن بهمّة ملك أوكندا (١). وقد أرسل سفيرا إلى زنجبار يطلب العفو عمّا فرط منه في الماضي ويعد بصرف همّته إلى إبطال تجارة الرقيق ما استطاع".

فقلت : " ليس بخاف على الدولة البريطانية ما قاسته (٢) سعادتك من العناء والأخطار في إبطال (٣) تجارة الرقيق ، وإدخال الإصلاح في بلادك السعيدة. ولهذا قد أضحت الدولة ممنونة لسعادتك غاية الامتنان".

قال السيد في جوابه : " إنّي قاسيت مشقات باهظة وعرّضت (٤) نفسي لأخطار مهولة بإدخال الإصلاح الأوروبي في قوم لم يعتادوا عليه. وهذا يجري في كل أمة سواء كانت متمدّنة تمام التمدّن أو غير متمدّنة. فإنّ تغيير عوائد القوم من أصعب الأمور التي يجريها رجال الإصلاح. ولا بدّ لكل مصلح من أن يتذرّع بالجرأة ويقتحم الأخطار. ومن لا يقتحم الأهوال لا ينل الآمال".

قال المكاتب المذكور : " فتعجبت من حكمة أقوال السيد برغش. وقلت : إنّ من زينته هذه الحكمة جدير بأن يستولي على رقاب العباد ، ويصلح البلاد".

قال السلطان في جوابه : " حبّذا قولك! ولكن دون ذلك أهوال! والأقوال ليست كالأفعال! ومجرّد الكلام لا يقوم بأعباء الأمور المهمّة. فأنتم ـ يا معشر الإنكليز ـ تكتفون بالثناء عليّ لأجل ما قاسيته من الأخطار وخسرته من الأموال بسبب إبطال تجارة الرقيق ، وأنا

__________________

(١) هي أوغندة ، مساحتها (الآن) ٢٣٦ ألف كلم مربع منها ٤٠ ألف كلم مربع بحيرات. استعان ملكها بالإنكليز لحمايته من العرب المصريين من الشمال والعمانيين من الشرق. صارت محمية أنكليزية سنة ١٨٩٤ ، عاصمتها كمبالة. فصل :

٨٩٢٤ / ١٥ : Oughanda : G.E

(٢) ب : قاسيته

(٣) ب : في القضاء على

(٤) أ : طوّحت ... في

٧٦

أعاني المشقات ، واقتحم الأخطار ، وأخسر الأموال. ولكن تقول العرب : من يكتفي بالشفقة على المسكين ليس كمن يمدّ إليه يد المساعدة. فإن بين الحالتين بونا عظيما".

قلت : " صدقت أيها السّيد الكريم. ونحن معشر الإنكليز ندرك حقّ الإدراك عظم هذه المخاطر كلها ولا بدّ لنا من بذل المال والاقتدار في سبيل الخير وإدخال الفلاح في بلاد أفريقية إن شاء الله".

فقال السلطان في ختام كلامه : " بارك الله فيكم وعظّم أجركم في الدنيا والآخرة".

٧٧
٧٨

الباب الحادي عشر

في زيارة حاكم لندن ولورد بيكنسفيلد وغيرهم لسعادة السلطان

كان نهار السبت ١٤ جون (حزيران) (٩ جمادى الأولى) نهارا شديد المطر. فاضطر السيد برغش إلى ملازمة قصره. وفي الساعة الرابعة بعد الظهر قدم حاكم لندن إلى قصر سعادة السلطان يريد زيارته ، فقابله بالترحاب والبشاشة. ولبثا يتفاوضان ساعة زمانية. ثم انصرف اللورد حاكم لندن مسرورا وشاكرا من لطف سعادة السلطان.

ثم بعد ذلك بنصف ساعة قدم لورد بيكنسفيلد أيضا يريد زيارة السلطان ، وكان مصحوبا بكاتم سره الخصوصي مستر مونتاكوكوري. فقابلهما السيد برغش بكل سرور وبشاشة.

ولما كانت هذه الزيارة من كبير وزراء الدولة البريطانية زيارة سلام رسمي فلم يلبث لورد بيكنسفيلد زمانا طويلا لدى السلطان.

وبعد انصرافه قدم لزيارة السلطان لورد بوشام خولي دائرة الملكة.

ثم الأمير إسكندر أحمد خان باريكزي الأفغاني. والكولونل لويس بللي وسار بورروسن والدكتور لورتنر ناظر المدرسة العالية في لاهور بالهند ، وغيرهم كثيرون من أصحاب المناصب العالية. نقتصر على ذكر أسمائهم خشية الإسهاب (١).

__________________

(١) من" نقتصر" إلى" الإسهاب" ساقط في ب

٧٩
٨٠