تنزيه الأبصار والأفكار في رحلة سلطان زنجار

زاهر بن سعيد

تنزيه الأبصار والأفكار في رحلة سلطان زنجار

المؤلف:

زاهر بن سعيد


المحقق: أحمد الشتيوي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: وزارة التراث والثقافة سلطنة عمان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٩٦

الباب السابع عشر

سعادة السيد برغش وشرفاء لندن

عاد رئيس أساقفة كنتربري في محفل من زعماء الدين سعادة السيد برغش في قصره وتلوا بين يديه خطابا صرّحوا به عن شدّة رغبتهم في توسيع نطاق الحضارة بأفريقية ، وطلبوا إلى سعادته أن يمدّ إليهم يد المساعدة في إجراء (١) مقاصدهم الحميدة.

وكان القسّ جرجس باجر الفقيه يترجم منطوق الخطاب لسعادة السيد. وفي ختام ذلك قال السلطان أيّده الله : " قد استوعبت خطابكم ـ أيها السادات ـ وسررت بما عندكم من الغيرة على نجاح بلادي ، وأني لأفرغنّ مجهودي في مساعدتكم ما استطعت. واسأل الحقّ ـ سبحانه وتعالى ـ أن يؤيّدني ـ وإيّاكم ـ على إجراء ما فيه الخير لعباده". فشكروا له هممه السنيّة ، ثمّ استأذنوه بالانصراف.

وبعد ذلك خرج السيد برغش في حشمه يريد زيارة سعادة الدوق اف ايدنبره وقرينته ابنة ملك الروسية. وبعد أن لبث لدى الدوق برهة من الزمان في أنس ومسامرة ودّعه (٢) وخرج إلى قصره برفقة كبير وزرائه وحشمه.

ثم خرج بعد الظهر ثانية في رفقة الدكتور باجر والدكتور كيرك قنصل جنرال دولة بريطانية بزنجبار ووزرائه حمد بن سليمان وحمود (٣) بن أحمد وناصر (٤) بن سعيد ومحمد (٥) بن

__________________

(١) ب : تحقيق

(٢) أ : وادعه

(٣) أ : بن محمود ، ب : حمد ، والصحيح ما آثبتنا

(٤) أ : نصر

(٥) أ : حمد

١٠١

سليمان ومسترهيل كاتم أسرار وزارة الهند ، وذهب إلى بستان آلكساندرا يريد الفرجة والتفسيح (١) على معرض الخيل. وسرّ غاية السرور بمشاهدته تلك الخيل الأصيلة. وبعد أن صرف بضع ساعات في الفرجة عاد إلى قصره.

وفي أثناء ذلك قدم الدّوق أف إيدنبره ـ ثاني ولد الملكة ـ في رفقة القومندان لورد رمزي يريد إعادة الزيارة لسعادة السلطان.

وبعد انصراف الدوق المومأ إليه خرج السيد برغش في حشمه إلى دار لادي داربي قرينة اللورد داربي ناظر الخارجية سابقا. وكانت لادي داربي المومأ إليها أولمت لسعادة السلطان وليمة فاخرة ، وكانت ليلة صفاء وحظ سرّ بها السيد برغش سرورا عظيما. فكان في تلك الوليمة عدد وافر من كبراء الإنكليز وشرفائهم مع خواتينهم المخدرات وبناتهم الكريمات.

وفي غد ذلك النهار قدم كثيرون من شرفاء المدينة ، وسلّموا على سعادة السلطان. منهم دوق أف ريشمند ، والكونت مونستر سفير دولة جرمانيا ، وأرل أف مالمسبري ، وأرل أف كارنرفن ولورد هموند ، وسار شارلس أدرلي من أعضاء مجلس الشورى والكولونل (٢) تيلر من أعضاء مجلس الشورى ، والاميرال سار آلكسندر ميلن وريل أميرال سار ليوبولد هيث ، والشريف برسي ويندهام ، وسار برسي بارل من أعضاء مجلس الشورى ، والكولونل بورن في وزارة الهند ، وغيرهم.

وفي غد ذلك النهار أولم سار بارتل فراير وليمة فاخرة دعا إليها سعادة السلطان. وكانت مأدبة حافلة بالمسرات والحبور. وعند رجوع السلطان إلى قصره قدم إليه رجال من وجوه الشعب الإنكليزي قد شكّلوا لجنة ديدنها السّعي إلى إبطال تجارة الرقيق من أفريقية (٣).

__________________

(١) التفسيح : ساقط في ب

(٢) أ ، ب : الكونل

(٣) هذه الجمعية تكونت سنة ١٨٢٣ واسمها : جمعية إبطال الرق (Anti ـ Slavery society) وقد بدأت بإبطاله في بريطانيا منذ تأسيسها ثم في المستعمرات سنة ١٨٣٣. فصل : ٨٧٤ / ١٠ : Slavery : N.E.B

١٠٢

وكان من جملتهم سارجون كنوي من أعضاء مجلس الشورى ، ومستر ريتشارد من أعضاء مجلس الشورى ، ومستر كوربت من أعضاء مجلس الشورى ، ومستر دنكان مكلرن من أعضاء مجلس الشورى ، ومستر شارلس وينكفيلد ، ومستر صمويل كورني ، ومستر ادورد استورج ، والقس بوزاكوت كاتم أسرار اللجنة. فرحّب (١) السيد بقدومهم غاية الترحاب ببشاشته المعهودة ، وفي أثناء ذلك السّلام نهض القس بوزاكوت ، وتلا خطابا بين يدي سعادة السيد فيما يخصّ (٢) تجارة الرقيق. وكان ذلك الخطاب مكتوبا في ورق منقّش. وهذا ترجمته :

" إلى سعادة السيد برغش أيده الله ،

أما بعد فليس بخاف على سعادتك ، قد انعقدت من سنين عديدة جمعية مؤلفة من رجال إنكليز (٣) وغير إنكليز غرضها إبطال الرّقّ من الدنيا وإلغاء التجارة ببني آدم. ونحن الحاضرون هنا من جملة أعضاء هذه الجمعية. فلما علمنا بقدوم سعادتك إلى بلادنا سررنا غاية السرور بوصولك إلينا سالما وغانما. وقد أتينا الآن نقدّم لسعادتك التهاني ونرحّب بمجيئك إلى بلادنا ، ونغتنم الفرصة لتقديم الشكر لسعادتك على عقد معاهدة مع الدولة البريطانية سنة ١٨٧٣ لأجل إبطال تجارة الرقيق من سواحل أفريقية ومن أملاك زنجبار قاطبة (٤) ".

" ولا يخفى على سعادتك ما غدق على (٥) قلبنا من الفرح لمّا رأينا اهتمامك الزائد في إتمام ما وعدت به الدولة البريطانية ، ولم تحفل بالمتاعب التي تحملتها وخسائر الدراهم التي تكبّدتها. ولا ريب في أن لك في عين الله حسنة كبيرة على ذلك. أمّا نحن فقد صرفنا الهمّة إلى النظر في مصالح تجارة الرقيق زمانا طويلا فوجدنا [أنّه] لا نجاح فيها ، و [أنّه] لا يصدر عنها غنى (٦) ثابت.

__________________

(١) أ : فترحب

(٢) أ : نيط

(٣) أ : أنكليزيين

(٤) لمزيد الاطلاع على مسألة الرقيق ورأي السلطان فيها يراجع بحثنا : " النهضة ...."

(٥) ب : فاض به

(٦) أوب : غناء

١٠٣

ولا تفلح أمة ولا تحصل على نجاح تام إلا باعتصامها بعقائد الدين ونواميس الطبيعة والتمسك بعروة المساواة البشرية ، وسعادتك قد وطدت أساس هذه المآثر بسعيك في إبطال تجارة الرقيق الذميمة وترويج تجارة جديدة وتوسيع نطاق الحضارة الحميدة".

" ولم يبق على سعادتك سوى أن تصرف همتك إلى استئصال الرقّ وفتح مواني (١) ممالكك البحرية وأنهرها العظيمة لسير السفن الأوروبية ترويجا لمصالح شعبك ومصالح التجار أجمعين ، فيكثر الغنى في بلادك السعيدة ، وتعمر مملكتك المخصبة ، فإنها ذات تربة حسنة لا مثيل لها. فإن فعلت هذا ذخرت (٢) لك اسما شريفا في صحف التاريخ ، وخلّدت ملكك ، ونلت من الله ـ سبحانه وتعالى ـ ثوابا عظيما في الدنيا والآخرة".

" أما السياح الذين طافوا في بلاد أفريقية ، فقد نقلوا إلى جمعيتنا أخبارا يعزّ (٣) علينا أن نسرد ذكرها على مسامع سعادتك. فقد قالوا : إن أكثر النخّاسين يجتمعون إلى زنجبار ، ويجهّزون سفنهم في أسواقها ، ويسافرون منها بحرا في طلب الرّقيق ، ومتى نالوا ما تمنّوا من صيد أولئك الزنوج المنكودي الحظ رجعوا إلى زنجبار ، ونفقت (٤) تجارتهم في أسواقها. فلا يخامرنا ريب في أن هذا لا يسرّ سعادتك ، ولا تطيب نفسك الكريمة بهذه الأرباح الذميمة ، وأنك لتفرغن جهدك في إبطال هذه المنكرات القبيحة التي [ليس](٥) فيها خير للأمة والملك".

" ونطلب إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يطيل عمرك بالسعد والإقبال ويؤيدك في عمار تلك البلاد لترى بعينيك نجاحها وفلاحها في عز وأمان. آمين".

__________________

(١) أوب : ميناء

(٢) ب : سجلت

(٣) أ : يغث

(٤) أ : نفقوا

(٥) زيادة يقتضيها المعنى

١٠٤

فلما انتهى الخطيب من كلامه نهض الدكتور باجر وقرأ رقعة من الرّقّ على لسان سعادة السلطان في جواب الخطاب السابق ذكره. وهذه ترجمة فحواها :

" أيها السادات أعضاء الجمعية البريطانية والخارجية المؤلفة لإبطال تجارة الرقيق صانكم الله".

" أما بعد فشكرا لكم على ترحيبكم بقدومنا إلى بلادكم السعيدة. ونحن قد سررنا كثيرا بمشاهدتكم. أما إبطال تجارة الرقيق من أملاكنا فلا بد منها ، وإن شاء الله صرفنا (١) تمام الهمّة إلى القيام بما وعدنا به الدولة البريطانية. ولكن لا يخفى على فطنتكم الزكية ـ أيها السادات الكرام ـ أن تجارة الرقيق قد تأصّلت وتشعّبت في أقطار أفريقيا الواسعة من أجيال قديمة ، ولا يتيسر لنا استئصالها حالا في برهة وجيزة من الزمان. ولنا ثقة تامة في أن جمعيتكم الغيورة والشعب البريطاني معا قد أدركتم ما قاسيناه من العناء والمشقات في هذه المسألة وما خسرناه من الأموال من جراء ذلك. ومازلنا نصرف الهمّة إلى إقناع شعبنا باستماع نصائحنا والسلوك بحسب مشورتنا ابتغاء إرضاء الأمة البريطانية العظيمة. فإنها ـ لا جرم (٢) ـ قد سعت في إصلاح بلادنا وتوسيع نطاق الحضارة في ملكنا بسخاء وهمّة علياء. فنكرّر الثناء على مآثركم الحميدة ولا ننسى مكارمكم العميمة.

حرر بلندن لأربعة عشر خلت من جمادى الثانية سنة ١٢٩٢ هجرية"

ثم طوى القس جرجس باجر رقعة الرّقّ وسلمها إلى رئيس الجمعية. وفي أثناء ذلك خطب خطبة وجيزة من تلقاء نفسه قال فيها :

" أيها السادات الكرام قد صدق السيد برغش فيما قال ، وأصاب غاية الصواب في إيراده (٣) على مسامعكم كثرة المصاعب التي ألّمت بسعادته والخسائر التي تكبّدها ، فانه خسر

__________________

(١) ب : سنبذل

(٢) ب : لا شك

(٣) ب : سرده

١٠٥

نحو ١٠٠٠٠ ليرة سنويا من جراء إبطال تجارة الرقيق من بلاده. وليس بخاف عليكم ما لسعادته من البلاد الواسعة مساحة والشاسعة مسافة وأملاكه في أصل البر تبعد عن سواحل البحر والبنادر ، ويصعب على رجاله السعي في أثر النخاسين وجلابة الرقيق في تلك القفار العسيرة المفاوز. ومن يطالع خريطة تلك البلاد لا يدرك ما يدركه من جاب بنفسه تلك القفار التي ليست سهلة ملسة كما يراها الناظر مرسومة على القرطاس".

ثم نهض السارجون كنواي وشكر لسعادة السلطان اقتباله (١) لأعضاء تلك الجمعية وقال : " قد عرفنا حقّ المعرفة ما قاساه السيد برغش من العناء وتكبّده من الخسائر. وقد صمّمت تلك الجمعية على صرف الهمّة في تسهيل كل المصاعب وتعويض كل الخسائر".

فلما عرضت ترجمة هذا الكلام على سعادته قال : " حبّذا ما قلت أيها السار الجليل! وهذا غاية ما نتمناه". قال هذا ، وودع أعضاء الجمعية المومأ إليها ، وصرفهم بسلام.

وفي الساعة الرابعة بعد الظهر خرج السلطان يريد بستان أورسيل لوج ويمبلدن (٢) ، وكان السار بارتل فراير قد أولم لسعادته في ذلك البستان وليمة فاخرة.

ولما وصل إلى البستان لاقاه (٣) السار بارتل فراير بغاية الترحاب والبشاشة ، وسار بسعادته إلى السيدة لادي بارتل قرينته ، فسلّمت على سعادته بلطف وأنس لا مزيد عليهما. وكان في ذلك البستان كثيرون من الأشراف ووجوه الشعب البريطاني مدعوّين إلى تلك الوليمة المفعمة سرورا وحبورا.

فصرف السيد برغش يومه وعاد إلى قصره في أمان الرحمن.

__________________

(١) ب : استقباله

(٢) ضاحية من ضواحي لندن المشهورة بحدائقها وتنظيمها لعدة ألعاب رياضية مثل التنس. فصل :

٦٩٣ / ١٢ : Wimbledon : N.E.B

(٣) ب : استقبله

١٠٦

الباب الثامن عشر

في زيارة سعادة السلطان لجلالة الملكة فيكتوريا

خرج السيد برغش في رجاله من لندن نهار الخميس ٢١ جون (حزيران) (١٦ جمادى الأولى) يريد زيارة جلالة الملكة فيكتوريا في قصرها المشيد في قرية ونزر (١) ، وهى تبعد عن لندن نحو خمسة وعشرين ميلا ، ويبلغ عدد سكان هذه القرية نحو ١٠٠٠٠ نفس ، ويسافر كل يوم من لندن إلى قرية ونزر ٣٢ رتلا من أرتال سكك الحديد ، ونهار الأحد يزداد عدد هذه الأرتال حتى يبلغ نحو ٤٦ رتلا.

وقد خرج السلطان من لندن بعد الظهر ، وكان في رفقته أخص وزرائه : أحمد بن سليمان ، وحمود بن أحمد (٢) ومحمد بن أحمد ، وناصر بن سعيد ، ومحمد بن سليمان ، وتاريا توين (٣) ، والدكتور كيرك ، واللورد داربي وزير الخارجية ، والشريف سار بارتل فراير ، والدكتور جرجس باجر ، ومستر كليمنت هيل كاتم أسرار وزارة الخارجية. ووصلوا إلى قرية ونزر بعد الظهر بساعتين ونصف.

وكان شعب غفير قد اجتمع في محطة سكة الحديد ليسلّموا على سعادة السلطان رغما عن المطر وعواصف الطقس. وكانت جنود الملكة مصطفين في سلام سعادتهن وهم حاملو راياتهم الشرفيّة والموسيقة تعزف بألحان رخيمة. وكانت خمس عربات من عربات الملكة واقفة في انتظار سعادته على باب المحطة ، وكانت العربة المعيّنة لركوب السلطان ذات أربعة رؤوس خيل مطهّمة.

__________________

(١) هي وند سور قرية تقع غربي لندن ، مشهورة بقصر الملكية فيها. فصل : ٧٠٠ / ١٢ : Windsor : N.E.B وفصل : ٧٠١ / ١٢ : Windsor ,Castle : N.E.B

(٢) أ : محمود ، ب : حمد

(٣) أوب : طوبان ، والصحيح ما أثبتنا

١٠٧

وكان قد قدم إلى محطة سكة الحديد الكولونل جاردينر نيابة عن جلالة الملكة ليلاقي سعادة السلطان. فلما وصل السيد برغش إلى المحطة استقبله الكولونل المومأ إليه ، ورحّب بقدومه.

وكان الشعب يصرخ بأصوات الفرح : " أهلا وسهلا ومرحبا بسعادة سلطان زنجبار! ". فردّ السيد برغش السلام عليهم بيده يمينا وشمالا. ولمّا ركب العربة سلّم الجنود عليه برفع السلاح ، وطفقت الموسيقة تصدح بأنغام عذبة. وفي مرورهم بشوارع القرية شاهدوا بناء مدرسة إيتون العظيمة وفيها ٧٠٠ شاب من طلبة العلم. ثم وصلوا إلى قصر الملكة.

وبناء هذا القصر من غرائب الأبنية ، وموقعه على تلّ عال فوق شط نهر التيمس ، ويشغل من الأرض مساحة ١٣ فدانا ومشهد أسواره وما حوله من البروج والمنائر يدهش العقل ويحيّر الأبصار.

ويبلغ علو أحد بروجه نحو ٤٥ ذراعا. ويكشف الناظر من فوقه نحو ١٢ مقاطعة من الأرض ، ويمتد النظر إلى قبة كنيسة بولس الحواري (١) بلندن. ويسكن هذا الحصن حاكم قرية ونزر.

وللقصر أربعة أبواب : اسم الأول باب الملك هنري الثامن (٢) ، واسم الثاني باب سان جرجيس (٣) ، واسم الثالث باب الملك جورج الرابع (٤) ، واسم الرابع باب الملكة اليصاباث (٥).

__________________

(١) قديس عمل على نشر المسيحية برحلاته المتتالية (ت ٦٢ أو ٦٨). فصل :

٢٠٩ / ٩ : Paul ,the Apostle : N.E.B

(٢) ملك إنكلترا (ح. ١٥٠٩ ـ ١٥٤٧) عاصر بداية النهضة. فصل : ٨٤٠ / ٥ : Henri VIII : N.E.B

(٣) قديس (٣٣٠ ـ ٣٨٩) دافع عن عقيدة التثليث. فصل : ٤٨٢ / ٥ : Gregory of Nazianus ,Saint : N.E.B

(٤) أ ، ب : جرجيس ، والصحيح ما أثبتنا ، وجورج الرابع هو ملك المملكة المتحدة ، وبريطانيا العظمى وإرلندا وملك هنوفر (١٨٢٠ ـ ١٨٣٠). فصل ١٩٦ / ٥ : George IV : N.E.B

(٥) هي اليزابيت الأولى ملكة إنكلترا (ح. ١٥٥٨ ـ ١٦٠٣) عرف عصرها باسمها لما فيه من أحداث. فصل : Elizabeth ٤٥٤ / ٤ : I : N.E.B

١٠٨

فمن دخل القصر من باب الملك هنري الثامن رأى معبدا مشيّدا على اسم سان جرجيس أمر بإنشائه الملك إدورد الرابع (١) سنة ١٤٧٤ عيسوية (ميلادية). وبناء هذا المعبد من أجمل المعابد المشيدة في بلاد الإنكليز ، وفيه قبور أشهر ملوك الإنكليز منها تربة (٢) الملك ادورد الرابع ، وعليها تمثاله من الفولاذ ، وتربة الملك هنري السادس (٣) ، وتربة الملك هنري الثامن ، وغيرهم من أمراء الإنكليز القدماء ذوي الصيت الشائع.

وفي القصر نحو ١٠ حجرات رحبة ومزينة بأفخر الأثاث الثمين. منها حجرة حراس الملكة. وفيها أشياء ثمينة وتحف قديمة منها : درع من الفولاذ الدّمشقي ، وتمثال القبطان نلسن (٤) المشهور وتصاوير حروبه وانتصاراته ، وتمثال الدّوق ويلنكتن الذي قهر نابليون الأول ، وغيرهم من رجال الإنكليز القدماء. ثم حجرة سان جورج (٥) وهى من الأبنية الحديثة العهد يولم فيها ملوك الإنكليز ولائمهم الفاخرة ، وقد صوّروا فيها إحدى عشرة صورة من تصاوير ملوك الإنكليز القدماء.

ثم حجرة الرقص وهى مزينة بأفخر الأثاث وأثمنها في القصر ، فإن ما فيها من الكراسي والموائد مصنوعة من خشب ثمين مصفّح (٦) بالذهب الإبريز على نمط الكراسي والموائد الموجودة في قصر فرسايل (٧) بفرنسا ، وفيها تحف عديدة لا يسعنا ذكرها في هذا الباب.

__________________

(١) ملك إنكلترا على فترتين (١٤٦١ ـ ١٤٧٠) و (١٤٧١ ـ ١٤٨٣). فصل : ٣٧٧ / ٤ : Edward IV : N.E.B

(٢) ب : تربة (قبر)

(٣) ملك إنكلترا (١٤٢٢ ـ ١٤٦٤) و (١٤٧٠ ـ ١٤٧١) ملك زاهد. فصل : ٣٧٧ / ٤ : Henri VI : N.E.B

(٤) هوراتيو (١٧٥٨ ـ ١٨٠٥) قبطان بحار بريطاني له نشاط بحري كبير ، وحارب نابليون. فصل :

٥٨٨ / ٨ : Nelson Horatio ,Viscount : N.E.B

(٥) عاش في القرن الثالث تقريبا ، وصار سيد قديسي إنكلترا ، حتى نسجت حوله أساطير منذ ق ٦ ، وتحول في القرن الرابع عشر إلى حامي المملكة المتحدة. فصل : ١٩٨ / ٥ : George ,Saint : N.E.B

(٦) ب : مغطى

(٧) هو قصر فرساي سيأتي الحديث عنه

١٠٩

ثم حجرة واترلو ، وهي بجانب حجرة الرقص. وقد صوّروا في جدران هذه الحجرة تصاوير حرب نابوليون الأول وانكسار جيشه في موقعة واترلو. ثم حجرة العرش الملوكي ، وهي بجانب حجرة رواق واترلو ، فيها تصاوير من الطراز الثاني قليلة الاعتبار ، وداخلها حجرة الملك ، وفيها إحدى عشرة صورة من الطراز الأول ، صنع المصوّر الماهر روبين (١). وفي قاعة الشورى الملوكية ٣٥ صورة غالية الثمن ، صنع المصورين البارعين كارلو ماراتي (٢) الإيتلياني وبرميسان وكويدو (٣) وكورشبين وكوارج واندريا ديل سارتو (٤) وليونارد دي فينشي (٥) وكاروفالور وكارلو دولشي (٦) وانيبال كاراشي (٧) ودومينيكي (٨) ورمبراند (٩) وتينيارس (١٠) وهبلين وكسبار بوسين وكلاود لوران (١١) وليلي ونيلر.

__________________

(١) رسام (١٥٧٧ ـ ١٦٤٠) جمع بين النزعة الانسانية والدينية في لوحاته. فصل :

٢٢٤ / ١٠ : Rubens ,Peter Paul : N.E.B

(٢) رسام (١٦٢٥ ـ ١٧١٣) من زعماء مدرسة روما في أواخر القرن ١٧ ومن أعلام الباروك ، وله أسلوبه. فصل : ٨١٥ / ٧ : Maratti ,Carlo : N.E.B

(٣) كويدو : (القرن ١٣ م) من رسامي النهضة في إيطاليا له رسوم في الكنائس. فصل :

٥٤٩ / ٥ : Guido da Siena : N.E.B

(٤) اندرياديل سارتو : (١٤٨٦ ـ ١٥٣٠) رسام ايطالي له أعمال عديدة منها رسوم في الكنائس. فصل :

٣٨٠ / ١ : Andrea ,del Sarto : N.E.B

(٥) ليوناردو دي فينشي : (١٤٥٢ ـ ١٥١٩) ، رسام ايطالي ، نحات ، معماري ، مهندس. اشتهر بلوحته موناليزا (الجوكندا). فصل : ٢٧٨ / ٧ : Leonardo ,da Vinci : N.E.B

(٦) كارلو دولشي : (١٦١٦ ـ ١٦٨٦) رسام ايطالي له أعمال دينية. فصل : ١٥٤ / ٤ : Dolci ,Carlo : N.E.B

(٧) أنيبال كراشي : من أسرة من الرسامين (١٥٦٠ ـ ١٦٠٩) أسّسوا مدرستهم المشهورة في بولوني" أكاديميا الطبيعة" التي أثرت تأثيرا حاسما في الرسم ، وتخرج فيها عديد الرسامين. فصل : ٣٤٠ / ٢ : Carrache ,Carraci : P.R

(٨) زمبيري (١٥٨١ ـ ١٦٤١) رسام درس في مدرسة بولوني له أعمال عديدة. فصل :

٥٣٥ / ٢ : Dominiquin ,Zampieri : P.R

(٩) رامبراند : (١٦٠٦ ـ ١٦٦٩) رسام ألماني يتميز بجمال لوحاته وثراء ألوانها. فصل :

١٠١٨ / ٩ : Rembrandt ,H.V.R : N.E.B

(١٠) تينيارس (١٦١٠ ـ ١٦٩٠) رسام بلجيكي باروكي. فصل : ٦٣١ / ١١ : Teniers ,David : N.E.B

(١١) كلاودلوران (١٦٠٠ ـ ١٦٨٢) رسام ، مصور ، نقاش ، له أعمال عديدة. فصل :

١٠٨٨ / ٢ : Lorrain ,Claude : P.R

١١٠

ومخدع الملك مزيّن أيضا بأربعين صورة من الطراز الأول قد صورها أبرع المصورين الإيتليانيّين ، منهم : برميسان وكويدو وكارلو واسفينولت وجرشين ونينتوت وكاميللو بروكاشيني. وبعض تلك التصاوير صنع لمصورين من غير الإيتليانيين ، منهم بروغل (١) ووفرمانس وأدريان فان در ويلد (٢) وفان در نير الجرمانيين وأدورد تنيار وروبين وغيرهم. وفي مخدع الملكة ٤٠ صورة من التصاوير القديمة من الطراز الثاني أقلّ اعتبارا من تصاوير مخدع الملك.

ثم حجرة للمصور الماهر فان ديك (٣) فيها من أجمل تصاوير الدّنيا وأحسنها صورة الملك شارلس الأول (٤) ، وتصاوير عديدة تمثل الملكة هانريتّا ، وصورة أولاد الملك شارلس ، وصورة المصوّر الماهر فان ديك المومأ إليه.

هذه هي المخادع والقاعات التي يباح للزوار أن يدخلوها.

أمّا مخادع الملكة مقرّ مسكنها الحالي فليس فيها شيء مما يستحق الاعتبار ، ما عدا خزانة كتب الملكة وحجرة الاستقبال فإنهما مزينتان بأفخر الأثاث.

ثم حذاء واجهة القصر الشمالية سطح طوله ٥٧٠ ذراعا مشيّد على قواعد عالية من حجر عظيمة البناء يمتدّ نظر الواقف على السّطح إلى مسافة بعيدة ويكشف وادي نهر التيمس

__________________

(١) بروغل (١٥٢٥ ـ ١٥٦٩) أكبر رسام بلجيكي فلامنكي في عصره استمرت مدرسته في التأثير إلى القرن ١٨ وله ابنان رسامان. فصل : ٥٧٠ / ٢ : Brugel ,Lieter : N.E.B

(٢) أدريان : رسام ايطالي عاش في القرن ١٧ اشتهر برسم المشاهد الايطالية. فصل : ١٨٤٢ / ٢ : Adrian : P.R

(٣) فان ديك : (١٥٩٩ ـ ١٦٤١) أكبر الرسامين الفلامنكيين في القرن ١٧ بعد روبان Rubens كانت الارستقراطية ترغب فيه. فصل : ١٢٤٢٢ / ٢٠ : Van Dyck ,Antoine : G.E

(٤) شارلس الأول (١٦٠٠ ـ ١٦٤٩) ملك بريطانيا وإرلندا (١٦٢٥ ـ ١٦٤٩) حدث في عهده الصراع بينه وبين البرلمان انتهى بقتله. فصل : ١١٢ / ٣ : Charles I : N.E.B

١١١

والتلال المرتفعة فيه نحو جهة الشمال. وبجانبه سطح آخر اسمه" الشرقي" تنزل منه الملكة إلى بستانها المزين بالزّهور والأشجار وتماثيل عديدة من الرّخام والنحاس.

أما اسطبلات قصر ونزر فكان قد أنشأها الملك غليوم الرابع (١) بهذا الاسم ، وأنفق (٢) على بنائها مليون وسبعمائة وخمسين ألفا من الفرنكات. أمّا الحديقة الصغيرة المختصة بالعائلة الملوكية فهي واقعة على ضفة نهر التيمس ، ومحيطها نحو أربعة أميال ، ومساحة أرضها نحو ٢٠٠ فدان. وفي وسط هذه الحديقة تمثال الأمير ألبرت المرحوم زوج الملكة فيكتوريا الحاضرة نحته المعلم ماروكتتى الإيتلياني.

أمّا البستان الكبير فطوله نحو ثلاثة أميال ، وعرضه من ثلاثة إلى خمسة أميال ، وتبلغ مساحة أرضه نحو ٣٠٠ فدان. وفيه ألوف من الغزلان ترتع في رياضه ، بلا عارض ، وهو بالأحرى شبيه بغاب وسيع ، وفي وسطه طريق تمر به الخيل والعربات للتفسيح والتنزيه تظلله أشجار من الجانبين على مسافة ثلاثة أميال من باب القلعة إلى" تل الثلج" (سنوهيل) المنصوب عليه تمثال عظيم من نحاس للملك جورج الثالث (٣) بهذا الاسم.

وبعد تل الثلج تشاهد أبنية على هندسة منازل أهل الصّين واليابون لمنتزهات العائلة الملوكية مشيد حول بحيرة ماء صاف واسعة جدا ومظللة بأشجار عالية. وحولها تلال مزهرة ومروج نضرة يرتاح الناظر إليها.

__________________

(١) فكان قد أنشأها ... و : ساقط في ب ، والملك هو حاكم بريطانيا العظمى وإرلندا وهانوفر (ح. ١٨٣٠ ـ ١٨٣٧). فصل : ٧٨٧ / ٢ : Guillaume IV : P.R

(٢) فكان ... بهذا الاسم و : ساقط في ب

(٣) ملك بريطانيا العظمى وارلنده (ح. ١٧٦٠ ـ ١٨٢٠). فصل : ١٩٤ / ٥ : George III : N.E.B

١١٢

فلما وصل جناب السيد برغش ورجاله إلى قاعة الاستقبال قدمت جلالة الملكة فيكتوريا وابنتها الأميرة لويسة زوجة الماركيز أف لورن والأميرة بياتريس أصغر بنات الملكة وسلّمن على سعادة السلطان في حجرة الاستقبال التي كان قد عني أهل القصر بتزيينها أحسن زينة ، فكانت جدرانها مغطّاة بتصاوير مطرّزة على طنافس ثمينة ، وأرضها مزينة بتماثيل جميلة كان قد نحتها النحات الماهر غرينلين جيبون (١) الشهير.

ثم حضر رجال الدولة وحريمهم بأفخر الملابس ، وهنّ مزينات بمصاغ من الذهب واللؤلؤ والألماس (٢) ، وعلى رؤوسهن تيجان مرصعة بحجارة كريمة ، وفي معاصمهن أسوار من الذهب الإبريز منضدة بحجارة كريمة ، وسلّمن على سعادة السلطان بألطف سلام ، ورحّبن بقدومه باحتشام وبشاشة.

__________________

(١) هو نقاش على الخشب والرخام بريطاني (١٦٤٨ ـ ١٧٢١) له أعمال شهيرة في عدة قصور وكنائس ولا سيما كنيسة القديس بولس. فصل : ٢٥٠ / ٥ : Gibbons ,Grinling : N.E.B

(٢) ب : الماس

١١٣

وبعد أن لبثوا مدّة من الزمان يتسامرون مع سعادة السلطان بأنس وحبور استدعوا سعادته إلى قاعة السّفرة ، وكانوا قد أعدّوا فيها من الأطعمة الفاخرة والمحالي (١) النفيسة ، فجلسوا مع سعادة السلطان على تلك السّفرة المتفننة بالأطعمة اللذيذة ، وتناولوا منها ما طابت به نفوسهم.

وفي أثناء ذلك نهضوا عن السّفرة ، وأخذ اللّورد شامبرلين أمين دار الملكة سعادة السلطان ورجاله ودار بهم في القصر ، وفرّجهم على جميع القاعات والمخادع التي سبق أن ذكرناها (٢).

وفي الساعة الرابعة بعد الظهر توادع (٣) جناب السيد مع جلالة الملكة والأميرات بناتها ، وخرج من القصر ، ورجع إلى لندن برتل مخصوص كانت جلالة الملكة أمرت بتجهيزه لسعادته.

وثاني يوم صباحا خرج جناب السيد برغش في رجاله برفقة محبّه حضرة جرجس باجر الفقيه يريد زيارة دوق أف كامبريدج.

وفي السّاعة الثامنة بعد الظهر خرج جناب السلطان في رجاله ثانية يريدون الفرجة على تياترو (٤) جلالة الملكة.

وبعد أن صرفوا ليلتهم بالسّرور والحبور رجعوا إلى منزلهم.

وفي صباح ذلك النهار قدم إلى قصر سعادة السلطان نجل امبراطور يابون ، والأمير هودوكا ناكيس سفير دولة يابون ، وكاتم أسرار السّفارة ، والشريف كلادستون (٥) دوق أف

__________________

(١) كذا في أ ، ب. ولعلها الحلاوى

(٢) أ : التي أسبقنا إلى ذكرها

(٣) ب : ودع

(٤) نطق حرفيّ للكلمة الإيطاليةTheatro وتعني المسرح.

(٥) هو الفيكونت الأول (١٨٥٤ ـ ١٩٣٠) رجل السياسية الشهير. أول حاكم عام لبريطانيا العظمى في اتحاد جنوب افريقيا ، وقد قام بأعمال أخرى. ونلاحظ أنه كان أثناء زيارة السلطان برغش سنة ١٨٧٥ طالبا جامعيا. فصل : Gladstone ,١ st ٢٩٢ / ٥ : Viscount : N.E.B

١١٤

بدفرد ، واللورد سدناي ، والورد جالوي ، واللورد سالبرن ، والشريف سار شارلس مورري ، وسار مونتكمري ، والجنرال ملكلم ، ومستر برسفرد هوب من أعضاء دار الندوة ، وسلّموا على سعادة السّلطان ، ورحبوا بقدومه ، وقيّدوا أسماءهم في كتاب الذين زاروا سعادة السلطان برغش. ثم انصرفوا شاكرين من لطف سعادته.

وبعد انصراف سعادته من القصر جرى الكلام بينه بين رجاله على ما أبدته جلالة الملكة من اللطف والإكرام في حقّ سعادته. فإنّ جلالة الملكة طلبت إلى سعادة السيد برغش بأن يجلس بجانبها على كرسيّ جميل كانت الخدم أعدّته له ، فجلس عليه بوقار ملوكي ، وأخذ يتفاوض مع الملكة باللغة العربية ، وحضرة الدكتور باجر يترجم كلامه إلى الملكة بالإنكليزي.

فقال السيد برغش أعزه الله : " قد رأيت بعيني الآن ما كنت أشتهي عليه من نعومه أظفاري ، وتشرّفت بالنظر إلى محيّا ملكة الإنكليز وجها بإزاء وجه (١). فكان أبي ـ تغمده الرحمن برحمته ـ يحكي لنا ـ ونحن صغار ـ عن الملكة فيكتوريا ويقول : إنّه يودّ لو تسمح له المقادير بمشاهدة الملكة الجليلة. ولكن قضى نحبه ولم يقض وطره".

" أمّا الذي زادني رغبة في مشاهدة ملكة الإنكليز فهو من الأمور المستغربة : فإني رأيت كثيرين من الإنكليز سواء كانوا من القوّاد أو من الجنود أو من التجار يمدحون غاية المديح هذه الملكة المعظّمة ، ويثنون عليها كل الثناء ، ويودّونها ودادا لا حدّ له. ولم أشاهد باقي الأمم يودّون ملوكهم وملكاتهم وداد الإنكليز لملكتهم. فهذا جعلني أزداد رغبة في مشاهدة الملكة التي [هي] أشبه بحجر المغناطيس ، تجذب إليها قلوب الدّاني والقاصي".

" وحسبك شاهدا على ذلك ما رأيته بالأمس في قصر البلور. فإن الناس ـ طرّا ـ لمّا سمعوا الموسيقة تصدح بغناء الملكة نهضوا جميعا (٢) ، وكشفوا عن رؤوسهم إجلالا لذكر اسم

__________________

(١) ب : وجها لوجه

(٢) أ : على الساق

١١٥

الملكة. لعمري لم يحرّضهم أحد على القيام. وإنما قاموا من تلقاء أنفسهم لشدة تودّدهم إلى ملكتهم المعظمة".

ولا جرم أنها عزّ الأمة البريطانية ، ومجد المملكة ، وأصل نجاح الشعب ، وفلاحه. فمن لا يؤخذ من جانبيّ الدّهشة والتعجب عند ما يرى امرأة جالسة على كرسي مملكة عظيمة لا تغرب الشمس على سلطانها ، وهى تحكم ، وتسوس ، ولا يجرى في الملك شيء بدون أمرها؟ فسبحان من أعطى هذه المرأة حكما! وعلّمها الجلوس على العرش! وأيّدها على سياسة الملك! وجعل الأمة تنقاد إليها انقياد البنين لا انقياد العبيد! فهي تسحر الناظر إليها ـ ليس بعظمة سطوتها وتلال الجواهر التي تسطع عليها وحواليها من كل جهة ـ وإنما تجذب القلوب إليها بلطف وأنس لا مزيد عليهما ، ولا مثيل لهما. وهذا اللسان قاصر عن وصف جميع محاسنها. صانها المولى ، وأبقاها ذخرا للملك ، وعزا لأمّة الإنكليز. آمين".

١١٦

١١٧

١١٨

الباب التاسع عشر

في زيارة سعادة السلطان لدوق أف كمبريج (١)

خرج السيد برغش ـ أيّده الله ـ في حشمه يريد زيارة دوق اف كمبريج في منزله. فخرج الدوق إلى لقائه ، ورحّب بقدومه. ثم أتى به إلى قاعة الاستقبال ، وجلسا يتفاوضان برهة من الزمان.

وكان الدّوق لابسا الملابس الرسمية في زيّ سرّ عسكر الجنود البريطانية لأنه كبير قواد العساكر ، وهو ابن عم الملكة فيكتوريا ، ولد سنة ١٨١٩ ، وله راتب سنوي من الدولة بمنزلة أمير من أمراء العائلة الملوكية ١٢٠٠٠ ليرة ، وله أيضا راتب سنوي ٤٤٣٢ ليرة بمنزلة كونه كبير قواد العساكر البريطانية ، وله أيضا رواتب سنوية غير ما ذكرنا يبلغ إيراده السنوي نحو ٢٠٠٠٠ ليرة. ومنذ وفاة أبيه إلى الآن نال من الأمة الإنكليزية نحو ٤٠٠٠٠٠ ليرة انكليزية.

وبعد أن لبث السيد برغش ـ أعزه الله ـ يتفاوض مع الدوق بواسطة ترجمان استأذن من الدوق بالانصراف ، وشكر له مكارمه ، وحسن ترحابه بقدومه. ثم خرج يريد الإياب إلى منزله.

وفيما هم كانوا سائرين قال السيد برغش لكبير وزرائه :

" ما رأيك في هذا الدوق؟ عندي هو جندي بطل ، وكل شعرة من شعره دليل على جبروته. ولكن لهذا الجندي البطل قلب حنون أيضا. فاني رأيته يودّ أهله مودة قلبية ، وسار بي من حجرة الاستقبال إلى حجرة درسه ، وأراني هناك كتبه وتواليفه وصور أولاد أخته ، وهو يجلّ الملكة غاية الاجلال. فإن كان قائد الجنود الإنكليزية هو هذا البطل ، فلا عجب أن تكون جنوده غير مقهورة. فعزّ الجنود قائدهم. بارك الله فيه وفي أمّته".

__________________

(١) Duc of Cambridge

١١٩
١٢٠