المغرب في حلى المغرب - ج ٢

علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي

المغرب في حلى المغرب - ج ٢

المؤلف:

علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي


المحقق: خليل المنصور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٧
الجزء ١ الجزء ٢

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الثالث

من الكتب التي يشتمل عليها :

كتاب شرق الأندلس

وهو

كتاب الفصوص المنقوشة ، في حلى مملكة طرطوشة (١)

مملكة في شرقي بلنسية ، وقد حصلت بأسرها للنصارى ، من مدينتها :

٦١٢ ـ الوزير الكاتب أبو الربيع سليمان بن أحمد القضاعي (٢)

من الذخيرة : من قدماء الأدباء بذلك الثّغر ، ومن كتّاب العصر المتصرفين في النظم والنثر ، وكلامه يجمع بين الحلاوة والجزالة. ومن شعره : قوله يخاطب أحد وزراء قرطبة ، وقد قال له في تلك الفتنة لو كنت عندنا في قرطبة حصلت بها على الوزير (٣). [مخلع البسيط]

هبك كما تدّعي وزيرا

وزير من أنت يا وزير

__________________

(١) مدينة في شمال شرقي إسبانيا كانت قاعدة بني عامر على أيام ملوك الطوائف. المنجد في اللغة والأعلام (ج ٢ / ص ٤٣٥).

(٢) انظر ترجمته في الذخيرة (ج ١ / ق ٣ / ص ٤٩٩).

(٣) البيتان في الذخيرة (ج ١ / ق ٣ / ص ١٥٤) والبيان المغرب (ج ٣ / ص ١٤٧).

٣٤١

والله ما للأمير معنى

فكيف من وزّر الأمير

وأنشد له الحجاريّ : [الكامل]

مال السحر إلا من جفونك يتّقى

يا غصن بان قد تثنّى في نقا

كم رمت أن أرقى إليك وأنت في

أفق الجمال هلال تمّ أشرقا

٦١٣ ـ الفقيه أبو بكر محمد بن الوليد الفهريّ الطرطوشيّ (١)

صحب أبا الوليد الباجيّ بسرقسطة ، وسكن الشام ومصر ، وكان إماما عالما زاهدا ، كثيرا ما ينشد (٢) : [الرمل]

إن لله عبادا فطنا

طلّقوا الدّنيا وخافوا الفتنا

فكرّوا فيها ، فلما علموا

أنها ليست لحيّ وطنا

جعلوها لجّة واتخذوا

صالح الأعمال فيها سفنا

وتوفّي بالإسكندرية سنة عشرين وخمسمائة ، والأبيات منسوبة له.

__________________

(١) ترجمته في الصلة (ص ٨٣٨) ووفيات الأعيان (ج ٤ / ص ٢٦٢) وبغية الملتمس (ص ١٣٥) ونفح الطيب (ج ٢ / ص ٢٤٦). توفي بالإسكندرية سنة ٥٢٠ ه‍.

(٢) الأبيات في الصلة (ص ٨٣٩) ووفيات الأعيان (ج ٤ / ص ٢٦٢) ونفح الطيب (ج ٢ / ص ٣٠١) دون تغيير عمّا هنا.

٣٤٢

كتاب

النّهلة

في حلى مملكة السّهلة

٣٤٣
٣٤٤

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الرابع

من الكتب التي يشتمل عليها :

كتاب شرق الأندلس

وهو

كتاب النهلة ، في حلى مملكة السّهلة

هي بين مملكة بلنسية وجهات ثغر سرقسطة ، وحضرتها مدينة شنتمرية.

التاج

ملكها في مدة ملوك الطوائف :

٦١٤ ـ هذيل بن خلف بن رزين البربريّ (١)

ذكر ابن حيان : أنه كان من أكابر برابر الثغر ، واقتطع هذه المملكة في مدة ملوك الطوائف.

قال الحجاريّ : ولما مات هذيل وليها ابنه عبود بن هذيل ، فاقتفى طريق والده إلى أن مات ، فولى بعده ابنه :

__________________

(١) انظر ترجمته في البيان المغرب (ج ٣ / ص ٣٠٧) وأعمال الأعلام (ص ٢٣٦).

٣٤٥

٦١٥ ـ ذو الرياستين أبو مروان عبد الملك بن رزين (١)

من القلائد : ورث الرياسة عن ملوك عضدوا مؤازرهم ، وشدوا دون المحارم مآزرهم ، لم يتوشحوا إلا بالحمائل ، ولا جنحوا للبأس إلّا أعنّة الصّبا والشمائل. وكان ذو الرياستين منتهى فخارهم ، وقطب مدارهم. ثم قال : وربما عاد إنعامه بوسا ، وانقلب ابتسامة عبوسا ، وذلك في مجلس شرابه ، ومع هذا فإنه كان غيثا فيا لندى ، وليثا في العدا ، وكتب إلى الوزير ابن عمّار (٢) : [الطويل]

ضمان على الأيام أن أبلغ المنى

إذا كنت في ودّي مسرا ومعلنا

فلو تسأل الأيام من هو مفرد

بودّ ابن عمار لقلت لها أنا

فإن حالت الأيام بيني وبينه

فكيف يطيب العيش أو تحسن المنى (٣)

ومن شعره قوله (٤) : [الرمل]

وروض كساه الطّلّ وشيا مجدّدا

فأضحى مقيما للنفوس ومقعدا

إذا صافحته الريح خلت غضونه

رواقص في خضر من القضب (٥) ميّدا

إذا ما انسكاب الماء عاينت خلته

وقد كسرته راحة الرّاح (٦) مبردا

وإن سكنت عنه حبست صفاءه

حساما صقيلا صافي المتن جرّدا

وغنّت به ورق الحمائم حولنا (٧)

غناء ينسّيك الغريض ومعبدا

فلا تجفونّ (٨) الدهر ما دام مسعدا

ومدّ إلى ما قد حباك به يدا

وخذها مداما من غزال كأنه

إذا ما سقى (٩) بدر تحمّل فرقدا

وقوله (١٠) : [الطويل]

__________________

(١) ترجمته في الذخيرة (ق ٣ ص ١٠٩) وقلائد العقيان (ص ٥١) ونفح الطيب (ج ٤ / ص ٢٥٩) والمطرب (ص ٣٩) وأعمال الأعلام (ق ٢ / ص ٢٠٥) والحلة السيراء (ج ٢ / ص ١٠٨) والمسالك (ج ١١ / ص ٤٤٦).

(٢) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ق ٣ / ص ١٢١).

(٣) في الذخيرة : يحسن الغنى.

(٤) الأبيات في نفح الطيب (ج ٢ / ص ١٩٧ ، ٢٠٠) والذخيرة (ج ١ / ق ٣ / ص ١١٩).

(٥) في الذخيرة : العصب.

(٦) في النفح والذخيرة : الريح.

(٧) في النفح : بيننا.

(٨) في الذخيرة : تحقرنّ.

(٩) في الذخيرة : سعى.

(١٠) الأبيات في القلائد (ص ٥٥) والذخيرة (ج ١ / ق ٣ / ص ١٢٤).

٣٤٦

دع الجفن (١) يفني الدمع (٢) ليلة ودّعوا

إذا انقلبوا بالقلب لا كان مدمع

سروا كاغتداء الطير لا الصبر بعدهم

جميل ، ولا طول الندامة (٣) ينفع

أضيق بحمل الفادحات (٤) من النّوى

وصدري من الأرض البسيطة أوسع

وإن كنت خلّاع العذار فإنني

لبست من العلياء ما ليس يخلع

إذا سلّت الألحاظ سفينا خشيته

وفي الحرب لا أخشى ولا أتوقّع

وقوله (٥) : [الكامل]

أترى الزمان يسرّنا بتلاقي

ويضمّ مشتاقا إلى مشتاق

وتعضّ تفّاح الخدود (٦) شفاهنا

ونرى سنا الأحداق بالأحداق (٧)

وتعود أنفسنا إلى أجسامها (٨)

من بعد ما (٩) شردت على الآفاق

وقوله في شمعة (١٠) : [مجزوء الكامل]

ربّ صفراء تردّت

برداء (١١) العاشقينا

مثل فعل النار فيها

تفعل الآجال فينا

٦١٦ ـ الوزير الكاتب أبو بكر بن سرّ راي (١٢) وزير ذي الرياستين وكاتبه

أنشد له الحجاريّ (١٣) : [المجتث]

ما ضرّكم لو بعثتم

ولو بأدنى تحيّه

__________________

(١) في الذخيرة : الدمع.

(٢) في الذخيرة : العين.

(٣) في الذخيرة : والملامة.

(٤) في القلائد : الحادثات.

(٥) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ق ٣ / ص ١١٨).

(٦) في الذخيرة والقلائد : النهود.

(٧) في الذخيرة : فلطالما شرّدن بالأحداق. وفي القلائد : وترى بنا الأحداق بالأحداق.

(٨) في الذخيرة : ويعيد أنفسنا إلى أجسادها.

(٩) في الذخيرة والقلائد : فلطالما.

(١٠) البيتان في الذخيرة (ج ١ / ق ٣ / ص ١٢٤) وفي القلائد (ص ٥٦).

(١١) في الذخيرة : بشحوب.

(١٢) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٣٦٤).

(١٣) الأبيات في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٣٦٤).

٣٤٧

تهزّني من شذاها

إليكم الأريحيّه

خذوا سلامي إليكم

مع الرياح النّديّه

في كل غرّة (١) يوم

تترى وكلّ عشيّه

__________________

(١) في النفح : سحرة.

٣٤٨

كتاب

ابتسام الثّغر

في حلى جهات الثّغر

٣٤٩
٣٥٠

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الخامس

من الكتب التي يشتمل عليها :

كتاب شرق الأندلس

وهو

كتاب ابتسام الثّغر ، في حلى جهات الثّغر

ينقسم هذا الكتاب إلى :

كتاب البسطة ، في حلى مدينة سرقسطة

كتاب النكتة ، في حلى قرية أشكرتة

كتاب زهرة الخميلة ، في حلى مدينة تطلية

كتاب المعونة ، في حلى طرسونة

كتاب الغصون المائدة ، في حلى مدينة لاردة

كتاب الرّشقة ، في حلى مدينة وشقة

كتاب هجعة الحالم ، في حلى مدينة سالم

٣٥١

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الأول

من الكتب التي يشتمل عليها :

كتاب الثغر

وهو

كتاب البسطة ، في حلى مدينة سرقسطة

المنصّة

قد نصّ الرازي على طيب أرضها وحسن بقعتها. ومن المسهب : أما سرقسطة فإني أنشد بعد خروجي عنها ما قاله ابن حمديس :

فإن كنت أخرجت من جنّة

فإني أحدّث أخبارها

ناهيك من مدينة بيضاء ، أحدقت بها من بساتيها زمردة خضراء ، والتفّت عليها أنهارها الأربعة ، فأضحت بها رياضها مرصّعة مجزّعة. ولا نعلم في الأندلس مدينة يحدق بها أربعة أنهار سواها ، وكأن كل جهة تغايرت على إتحافها ، فأهدت إليها نهرا يلثم من أعطافها. وأشهرها نهر جلّق ، وشرب موسى بن نصير فاتح الأندلس من ماء نهر جدّق ، فاستعذبه ، وحكم أنه لم يشرب بالأندلس ماء أعذب منه ، وشبّه ما عليه من البساتين بغوطة دمشق. وقيل إن سرقسطة من بنيان الإسكندر ، وفيها يقول الأمير عبد الله بن هود الذي أخرجه بنو عمه منها :

٣٥٢

إن بنت عن سرقسطة

فبرغم أنفي لا اختياري

ما جال طرفي في السما

ء وقد نأت عنها دياري

إلا وخلت قصورها

برياضها هذي الدّراري

ومن متفرّجاتها الجلّقين ووادي الزيتون. ومن مصانع ابن هود قصر السرور ، ومجلس الذهب ، وفيهما يقول المقتدر بن هود :

قصر السرور ومجلس الذّهب

بكما بلغت نهاية الطّرب

لو لم يجز ملكي خلافكما

كانت لديّ كفاية الأرب

التاج

كان فيها فتن عظيمة في مدة بني مروان ، وثار بها في مدة ملوك الطوائف :

٦١٧ ـ المنصور منذر بن يحيى التّجيبي (١)

وكان جليل القدر ممدّحا ، وفيه يقول ابن درّاج شاعر الأندلس : [الرمل]

ربّ ظبي فتكت ألحاظه

كعوالي منذر يوم النّزال

ولما توفي ولي بعده :

٦١٨ ـ المظفر يحيى بن منذر (٢)

وكان له ابن عم متهوّر ، كثير الحسد له ، ازدراه ، ولم يلتفت إليه : [الطويل]

وإنك لم يفخر عليك كفاخر

ضعيف ولم يغلبك مثل مغلّب

فدخل عليه في قصره على غفلة. وفتك بالمظفر ، وكان :

٦١٩ ـ المستعين سليمان بن أحمد بن هود الجذاميّ (٣)

__________________

(١) ترجمته في البيان المغرب (ج ٣ / ص ١٧٥ ، ١٨١) وأعمال الأعلام (ص ١٩٦ ـ ٢٠١) والذخيرة (ج ١ / ق ١ / ص ١٨٠).

(٢) ترجمته في البيان المغرب (ج ٣ / ص ١٧٨ ، ح ٣ / ص ٢٢١) وأعمال الأعلام (ص ٢٢٧).

(٣) انظر البيان المغرب (ج ٣ / ص ٢٢١) والحلة السيراء (ص ٢٢٤).

٣٥٣

واليا على لاردة ، فلما سمع بهذا الخبر انقضّ على سرقسطة ، انقضاض العقاب منتهزا الفرصة ، فهرب عنها القاتل وملكها المستعين فورث الثغر عقبه ، وولي بعده ابنه.

٦٢٠ ـ المقتدر أحمد بن سليمان (١)

من المسهب : عميد بني هود وعظيمهم ، ورئيسهم وكريمهم ، ذو الغزوات المشهورة ، والواقع المذكورة. من رجل كان يعاقب بين حثّ الكؤوس ، وقطف الرؤوس ، وقد ملك مملكة دانية ، وأخرج منها إقبال الدولة بن مجاهد العامريّ ، ونسب له الحجاريّ :

لست لدي خالقي وجيها

هذا مدى دهري اعتقادي

ولو كنت وجها لما براني

في عالم الكون والفساد

وولي بعده ابنه :

٦٢١ ـ المؤتمن يوسف بن المقتدر (٢)

فكان خير خلف عن أبيه ، حاميا لملكه مجاهدا لعدوه ، مألفا للأدباء والعلماء والشعراء ، وبه استجار ابن عمار من ابن عباد ، ولما مات ولي بعده ابنه :

٦٢٢ ـ المستعين أحمد بن المؤتمن (٣)

ويقال له المستعين الأصغر. وانتثر سلك ملك الطوائف على يد أمير المسلمين يوسف بن تاشفين وهو ملك جميع الثغر الأعلى ، وحضرته سرقسطة ، وداراه أمير الملثّمين لبعده واشتغاله عنه ، وتركه حجزا بينه وبين النصارى ، وكان نعم الرأي. وولي بعده ابنه :

٦٢٣ ـ عماد الدولة عبد الملك بن المستعين (٤)

ولما ولي علي بن يوسف إمارة الملثمين قلّد الأمور أعيان البلاد من الفقهاء ، ونشأت نشأة

__________________

(١) ترجمته في تاريخ ابن خلدون (ج ٤ / ص ١٦٣) والبيان المغرب (ج ٣ / ص ٢٢٤) وأعمال الأعلام (ص ١٩٨).

(٢) انظر تاريخ ابن خلدون (ج ٤ / ص ١٦٣) والبيان المغرب (ج ٣ / ص ٢٢٣).

(٣) أنظر أعمال الأعلام (ص ١٩٩) وابن خلدون (ج ٤ / ص ١٦٣).

(٤) ترجمته في الذخيرة (ج ٢ / ق ٣ / ص ٣٥ ، ٣٦) وأعمال الأعلام (ص ١٧٥).

٣٥٤

من الفقهاء والمرابطين امتدت أيديهم وآمالهم ، وزينوا لعليّ أخذ بلاد الثغر من يد عماد الدولة ، فكاتبه في ذلك ، فرغب إليه عماد الدولة أن يجري معه على ما كان عليه سلفه ، ويتركه حاجزا بينه وبين النصارى. فأبى ولجّ ، فكان ذلك سببا إلى أن استعان عماد الدولة بالنصارى وخرج من سرقسطة ، فملكها الملثمون ، ثم حصرها النصارى فأخذوها منهم ، واعتصم عماد الدولة بمعقل روطة ، وأخذ النصارى في تملك بلاد الثغر شيئا في شيء ، إلى أن ملكوا جميعه ، ومات عماد الدولة بروطة ، وولي بعده ابنه :

٦٢٤ ـ المستنصر بن عماد الدولة (١)

فلم يستطع مقاومة النصارى ، فسلم إليهم روطة ، وآل أمره إلى أن صادف الفتنة القائمة على الملثّمين بالأندلس ، فنهض فيها ، ومال إليه الأندلس القديم ملكه ، فملك قرطبة وغرناطة ومرسية وما بين هذه البلاد ، ثم آل أمره إلى أن قتله النصارى في معركة.

السلك

ذوو البيوت

٦٢٥ ـ الأمير أبو محمد عبد الله بن هود (٢)

من المسهب : حسنة بني هود التي رقموا بها بردا من الحسب وأطلعوا ما نظمه غرر في وجه النّسب ، وكان ابن عمه المقتدر يحسده حسدا ما عليه من مزيد ، ويود أن يكون بدلا من كلامه في مجلسه وقع الحديد ، فنفاه عن الثغر ، وقصد طليطلة حضره ابن ذي النون ، ثم ملّ الإقامة هنالك ، فجعل يضطرب ما بين ملوك الطوائف ، إلى أن استقر قراره عند المتوكل بن الأفطس. وأنشد له ما أنشده صاحب الذخيرة في خطاب بني عمّه (٣) : [الطويل]

ضللتم جميعا آل (٤) هود عن الهدى

وضيّعتم الرأي الموفّق أجمعا

وشنتم يمين الملك بي فقطعتم

بأيديكم منها وبالغدر إصبعا

__________________

(١) انظر أعمال الأعلام (ص ٢٠٣) وتاريخ ابن خلدون (ج ٤ / ص ١٦٣).

(٢) انظر ترجمته في المسالك (ج ١١ / ص ٤٤١) والحلة السيراء (ج ٢ / ص ١٦٥ ـ ١٦٦). والذخيرة (ج ٢ / ق ٢ / ص ٨٠٣ وما بعدها).

(٣) الأبيات في الذخيرة (ج ٢ / ص ٨٠٤) والمسالك (ج ١١ / ص ٨٠٤) والمسالك (ج ١١ / ص ٤٤١) والحلة السيراء (ج ٢ / ص ١٦٦).

(٤) في الذخيرة : يال.

٣٥٥

وما أنا إلا الشمس عند (١) غياهب

دجت فأبت لي أن أنير وأسطعا

فلا تقطعوا الأسباب بيني وبينكم

فأنفكم منكم وإن كان أجدعا

الكتّاب

٦٢٦ ـ أبو المطرّف عبد الرحمن بن فاخر المعروف بابن الدباغ (٢)

من الذخيرة : كان أحد من خلي بينه وبين بيانه ، وجرى السحر الحلال بين قلمه ولسانه ، وكان استوحش من أمير بلده ، ومقيم أودّه ، ابن هود المقتدر ، فخرج عنه ، وفرّ منه. وخرج من كلامه أنه لم يفلح في كل مكان توجه إليه ، بسوء خلقه ، وكثرة ضجره ، فنبت به حضرة المعتمد بن عباد ، وحضرة المتوكل ابن الأفطس ، فرجع إلى سرقسطة ، فذبح فيها في بستان ، وترسّله مملوء من شكوى الزمان ، وترادف الحرمان ، كأن الرزايا لم تخلق لأحد سواه ، كقوله : كتابي وعندي من الدهر ما يهدّ أيسره الرّواسي ، ويفتّ الحجر القاسي ، ومن أقلّها قلب محاسني مساوي ، ومكارمي مخازي ، وقصدي بالبغضة من جهة المقة ، واعتمادي بالخيانة من جهة الثقة ، فقسّ هذا على ما سواه. وعارض به ما عداه ، ولا أطوّل عليك ، فقد غيّر عليّ شرابي ، وأوحشني حتى ثيابي.

ومن شعره قوله في غلام رآه يسقي عصفورا ويطعمه (٣) :

يا حامل الطائر الغرّيد يعشقه

يهنى العصافير أن فارت بقرباكا (٤)

تمسي وتصبح مشغوفا بصحبته (٥)

في غفلة عن دم تجريه (٦) عيناكا

إذا رأتك تغنّت كلّها طربا

حتى كأن طيور الجوّ تهواكا

يا ليتني الطير في كفّيك مطعمه

وشربه حين يسقى (٧) من ثناياكا

__________________

(١) في الذخيرة : غير.

(٢) ترجمته في الذخيرة (ج ٣ / ص ٢٥١) وقلائد العقيان (ص ١٠٦) ونفح الطيب (ج ٢ / ص ٧٣) والمسالك (ج ٨ / ص ٢٢١).

(٣) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ق ٣ / ص ٣١٦).

(٤) في الذخيرة : تهنا العصافير إن فازت بقرباكا.

(٥) في الذخيرة : بعجمتها.

(٦) في الذخيرة : أجرته.

(٧) في الذخيرة : يظما.

٣٥٦

٦٢٧ ـ أبو الفضل حسداي بن يوسف بن حسداي الإسرائيلي (١)

من الذخيرة : كان أبوه يوسف بن حسداي بالأندلس من بيت شرف اليهود ، متصرّفا في دولة ابن رزين ، وكان له في الأدب باع ، ونشأ ابنه أبو الفضل هضبة علاء وجذوة ذكاء. وذكر أنه عني بالتعاليم وأسلم وساد. ومن نثره من كتاب خاطب به ابن رزين : كنت أرتاح إذا ومض من أفقه ابتسام بارق ، أو ذرّ من سمته الوضاح سنا شارق ، فأقتصر من تلقائه على استنشاق نسيم ، وأنّى لي من عرار نجد بشميم ، حتى ورد ما أمتع بوابل بعد طلّ ، وسقى نهلا ووالى بعلّ ، وبهر بسحري حرام وحلّ ، قد قصر الله عليه الإبداع طورا في النديّ ببراعة خطيب وبلاغة كاتب ، وطورا في الوغى ببديهة طاعن ورويّة ضارب ، والرّبّ يديم إمتاع الفضائل ببارع جلاله ، ويصون عيون الحوادث عن كماله ، ومن شعره قوله (٢) : [الطويل]

وأطربنا غيم يمازج (٣) شمسه

فيستر طورا بالسّحاب ويكشف

ترى قزحا في الجو يفتح قوسه

مكبّا على قطن من الثّلج يندف

العمال

٦٢٨ ـ أبو الربيع سليمان بن مهران (٤)

من الذخيرة : من شعراء الثغر ، كان في ذلك العصر ، وله شعر كثير ، وإحسان شهير ، وعلى لفظه ديباجة رائقة ، ومما بقي منه قوله (٥) : [الطويل]

خليليّ ما للرّيح تأتي كأنّما

يخالطها عند الهبوب خلوق

أم الريح جاءت من بلاد أحبّتي

فأحسبها عرف (٦) الحبيب تسوق

__________________

(١) انظر ترجمته في الذخيرة (ق ٣ / ص ٤٥٧) وقلائد العقيان (ص ١٨٣) والمطرب (ص ١٩٦) والخريدة (ج ٢ / ص ٤٨٠) (ج ٣ / ص ٤٦٠) وطبقات صاعد (ص ٧٧) وابن أبي أصيبعة (ج ٢ / ص ٥٠) ونفح الطيب (ج ٢ / ص ٧٤) وبدائع البدائة (ص ٣٦٧).

(٢) البيتان في الذخيرة (ق ٣ / ص ٤٩٠) ونفح الطيب (ج ٤ / ص ٣٥٩).

(٣) في الذخيرة : يمازح.

(٤) ترجمته في جذوة المقتبس (ص ٢٢٥) وبغية الملتمس (ص ٣٠٠) والذخيرة (ج ١ / ق ٣ / ص ٣١٧) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ١٠٩ ومسالك الأبصار (ج ١ / ص ٤٤٧)

(٥) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ق ٣ / ص ٣١٨)

(٦) في الذخيرة : ريح.

٣٥٧

سقى الله أرضا حلّها الأغيد الذي

له بين أحناء (١) الضلوع حريق

أصار فؤادي فرقتين فعنده

فريق وعندي للسياق فريق

وذكر الحجاريّ : أنه خدم المظفر بن أبي عامر ، وتصرف في الأعمال السلطانية ، وأنشد له قوله :

بما بجفنيك من فتور

وفوق خدّيك من حياء

إلّا ترفّقت بي قليلا

فقد أطال النّوى عنائي

أرجوك لكن رجاء برق

خلّبه قاطع رجائي

وكيف أبغي لديك وصلا

وأنت ما جدت باللّقاء

في كل يوم لي التماح

منك إلى كوكب السماء

الرؤساء والقواد

٦٢٩ ـ القائد أبو عمرو بن ياسر مولى عماد الدولة بن هود

من المسهب : أندى من الطّلّ الباكر ، وآنق من الروض الزاهر ، وجرت عليه نكبة من عماد الدولة ، وأطال سجنه ، فأكثر مخاطبته بالشعر فسّرحه وهو القائل يخاطب عماد الدولة في شأن الحكيم ابن باجّة وقد حصل في سجنه : [الكامل]

أعماد دولة هاشم قد أسعد ال

مقدار في أسر العدوّ الكافر

لا تنس منه كلّ ما كابدته

من سوء أقوال سوء سرائر

لولاه ما أضحت قواعد ثغرنا

كالطّلّ يسقط من جناح الطّائر

٦٣٠ ـ القائد شجاع بن عبد الله مولى عماد الدولة بن هود (٢)

من المسهب : تلو ابن ياسر في الأدب وعلو المكان ، إلّا أن شجاعا كان يزيد بالشجاعة والفروسية ، فزاد تمكنه عند مولاه. ومن شعره قوله :

ألا فانظروني كلما احتدم الوغى

وأقبلت الفرسان من كل جانب

هنالك لا ألوي على لوم لائم

ولست بذي فكر لأمر العواقب

__________________

(١) في الذخيرة : لتذكاره بين الضلوع حريق.

(٢) انظر نفح الطيب (ج ١ / ص ٣٠٧ وما بعدها).

٣٥٨

٦٣١ ـ أبو عبد الله محمد بن زرارة (١)

من رؤساء سرقسطة ، وممن ساد بصحبة الملوك مع البيت القديم. ومن شعره قوله ، أنشده الحجاري وابن بسام في الذخيرة : [الخفيف]

لي صديق غلطت بل لي مولى

من لمثلي بأن تكون صديقي

نتلقّى التقاء روح بروح

بضروب التقبيل والتّعنيق

ليس في الأرض من يميّز منّا

عاشقا في اللقاء من معشوق

٦٣٢ ـ أبو عامر بن الأصيلي (٢)

من الذخيرة : كان أبو عامر جوّاب آفاق ، وناظما وناثرا باتفاق. ومن شعره قوله في رثاء (٣) : [الطويل]

على مصرع الفهري ركني ومؤثلي

بكيت وأبكي طول دهري وحقّ لي

أؤبّن من مات النّدى يوم موته

وقلّص ظلّ الجود عن كل أرمل (٤)

وما كان صمتي منذ حين لسلوة

ولكنّ عظم الرّزء أخرس مقولي

الشعراء

٦٣٣ ـ يحيى الجزار السرقسطي (٥)

كان في دكان يبيع اللحم فتعلقت نفسه بقول الشعر فبرع فيه ، وصدر له أشعار مدح بها الملوك من بني هود ووزرائهم ، ثم ترك الأدب والشعر ، واعتكف على القصابة ، فأمر ابن هود وزيره ابن حسدي أن يوبخه على ذلك ، فخاطبه بأبيات منها (٦) : [الوافر]

تركت الشعر من ضعف (٧) الإصابة

وعدت إلى الدّناءة والقصابة (٨)

__________________

(١) انظر ترجمته في (ج ٢ / ق ٣ / ص ٩٠٨).

(٢) انظر ترجمته في المسالك (ج ١١ / ص ٥٤٣) والخريدة (ج ٢ / ص ٣٠٨) والذخيرة (ج ٢ / ق ٣ / ص ٨٥٧).

(٣) الأبيات في الذخيرة (ج ٢ / ق ٣ / ص ٨٦٦ ـ ٨٦٧).

(٤) في الذخيرة : مرمل.

(٥) انظر ترجمته في الذخيرة (ج ٢ / ق ٣ / ص ٩٠٥) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ٢٩١) وزاد المسافر (ص ١٤٠ ، ٩٨).

(٦) البيت في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٢٩١) والذخيرة (ق ٣ / ص ٩٠٥ / ٩٠٦) وزاد المسافر (ص ٩٨).

(٧) في النفح : من عدم.

(٨) في النفح : وملت إلى التجارة والقصابة.

٣٥٩

فأجابه الجزار (١) : [الوافر]

تعيب على مألوف القصابة

ومن لم يدر قدر الشيء عابه

ولو أحكمت منها بعض فنّ

لما استبدلت منها بالحجابه

أما ولو اطّلعت (٢) عليّ يوما

وحولي من بني كلب عصابه

لهالك ما رأيت وقلت هذا (٣)

هزبر صيّر الأوضام غابه

فتكنا في بني العنبريّ فتكا

أقرّ الذّعر فيهم والمهابه

ولم نقلع عن الثّوريّ حتّى

مزجنا بالدّم القاني لعابه

ومن يعتزّ (٤) منهم بامتناع

فإنّ إلى صوارمنا إبابه

ومنها : [الوافر]

وحقّك ما تركت الشّعر حتى

رأيت البخل قد أذكى (٥) شهابه

وحتى زرت مشتاقا حبيبا (٦)

فأبدى لي التّهجّم (٧) والكآبه

فظنّ (٨) زيارتي لطلاب شيء

فنافرني وأغلظ لي حجابه (٩)

ومن شعره قوله (١٠) : [الخفيف]

لو وردت البحار أطلب ماء

جفّ قبل الورود ماء البحار

ولو أنّي بعت القناديل يوما

أدغم الليل في بياض (١١) النهار

الأهداب

موشحة للكاتب أبي بكر أحمد بن مالك السّرقسطيّ :

__________________

(١) الأبيات في المصادر السابقة.

(٢) في النفح : وإنّك لو طلعت.

(٣) في زاد المسافر : لهالك منظري ولقلت ...

(٤) في النفح : يغترّ.

(٥) في الذخيرة : قد أمضى شهابه ، وفي النفح : قد أوصى صحابه.

(٦) في الذخيرة : حميما. وفي النفح : خليلي.

(٧) في النفح : التحيّل.

(٨) في النفح : وظنّ.

(٩) في النفح والذخيرة : وغلّظ.

(١٠) البيتان في الذخيرة (ج ٢ / ق ٣ / ص ٩٠٧).

(١١) في الذخيرة : ضياء.

٣٦٠