المغرب في حلى المغرب - ج ٢

علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي

المغرب في حلى المغرب - ج ٢

المؤلف:

علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي


المحقق: خليل المنصور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٧
الجزء ١ الجزء ٢

ومعرّض لي بالهجاء وهجره

جاوبته عن شعره في ظهره

فلئن نكن بالأمس قد لطنا به

فاليوم أشعاري تلوط بشعره

وقوله : [الكامل]

والريح تعبث بالغصون وقد جرى

ذهب الأصيل على لجين الماء

٥٨١ ـ أبو طالب عند الجبار المتنبّي (١)

من الذخيرة : كان يعرف بالمتنبي. أبرع أهل وقته أدبا ، وأعجبهم مذهبا ، وأكثرهم تفننا في العلوم ، وأوسعهم ذرعا في المنثور والمنظوم. وكان فيما بلغني يعد نفسه بملك ، وينخرط للمجون في سلك ، لا يبالي أين وقع ، ولا يحفل بأي شيء صنع ، ومن شعره قوله (٢) : [البسيط]

كيف البقاء ببيت لا أنيس به

ولا وطاء ولا ماء ولا فرش

كأنّه كوّة في حائط ثقبت (٣)

في ظلمة الليل يأوي جوفها حنش

وقوله (٤) : [السريع]

قل لأبي يوسف المنتقى

و (٥) الفاضل الأوحد في عصره

ومن إذا حرّك موسيقة (٦)

وظل يبدي السّحر من عشره

تخاله إسحاق أو معبدا

تشدو (٧) بألحان على وتره

هل لك أن تسمع مهديكم

فتطرد الأشجان عن فكره (٨)

حتى إذا الأيام أبدت له

ما في ضمير الزّهر (٩) من سرّه

أعطاك من جدواه ما تشتهي

فضّته البيضاء أو تبره

__________________

(١) ترجمته في الذخيرة (ق ١ / ص ٩١٦) ونفح الطيب (ج ٢ / ص ٢٠١) و (ج ٤ / ص ١٦٠) والمسالك (ج ١١ / ص ٤١٥) والخريدة (ج ٢ / ص ٢١٠).

(٢) البيتان في الذخيرة (ج ٢ / ق ١ / ص ٩١٧).

(٣) في الذخيرة : نقبت.

(٤) الأبيات في الذخيرة (ج ٢ / ق ١ / ص ٩١٧).

(٥) لم ترد الواو في الذخيرة.

(٦) في الذخيرة : أوتاره.

(٧) في الذخيرة : يشدو.

(٨) في الذخيرة : وأن توفي الحقّ من برّه.

(٩) في الذخيرة : الدّهر.

٣٠١

وقوله (١) : [الوافر]

وخمّار أنخت به مسيحي

رخيم الدّلّ ذي وتر (٢) فصيح

سقاني ثم غنّاني بصوت

فداوى ما بقلبي من جروح

وفضّ فم الدّنان على اقتراح (٣)

ففاح البيت منها طيب ريح

فقلت لكم سنة تراها

فقال أظنها من عهد نوح

فما أن شدا الناقوس صوتا (٤)

دعاني أن هلمّ إلى الصّبوح

وحيّاني وفدّاني بكأس

وقبّلني فردّ إليّ روحي

الشعراء

٥٨٢ ـ أبو عبد الله محمد بن الدمن المعروف بمرج كحل (٥)

هو في المغرب مثل الواواء الدمشقي في المشرق كان ينادي في الأسواق ، حتى إنه تعيش ببيع السمك ، ترقّت به همته إلى الأدب قليلا قليلا إلى أن قال الشعر ، ثم ارتفعت فيه طبقته ، ومدح الملوك والأعيان ، وصدر عنه مثل قوله (٦) : [الكامل]

عرّج بمنعرج الكثيب الأعفر

بين الفرات وبين شطّ الكوثر

ولتغتبقها قهوة ذهبيّة

من راحتي أحوى المدامع (٧) أحور

وعشيّة كم (٨) بتّ أرقب وقتها

سمحت بها الأيام بعد تعذّر

نلنا بها آمالنا في جنّة

أهدت (٩) لناشقها شميم العنبر

والروض بين مفضّض ومذهّب

والزّهر بين مدرهم ومدنّر

__________________

(١) الأبيات في الذخيرة (ج ٢ / ق ١ / ص ٩١٨).

(٢) في الذخيرة : ذي وجه صبيح.

(٣) في الذخيرة : على اقتراحي.

(٤) في الذخيرة : ضربا.

(٥) انظر في ترجمته الوافي بالوفيات (ج ٢ / ص ١٨١) والتكملة (ص ٦٣٦) وزاد المسافر (ص ٢٧) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ١٣٤). والإحاطة (ج ٢ / ص ٢٥٢).

(٦) الأبيات في الإحاطة (ج ٢ / ص ٢٥٢ وما بعدها).

(٧) في الإحاطة : المراشف.

(٨) في الإحاطة قد كنت.

(٩) في الإحاطة تهدى.

٣٠٢

والورق تشدو والأراكة تنثني

والشمس ترفل في قميص أصفر

وكأنه وكأن خضرة شطّه

سيف يسلّ على بساط أخضر

وكأنما ذاك الحباب فرنده

مهما طفا في صفحه كالجوهر

نهر يهيم بحسنه من لم يهم

ويجيد فيه الشّعر من لم يشعر

ما اصفرّ وجه الشمس عند غروبها

إلا لفرقة حسن ذاك المنظر

وقوله : [الكامل]

سروا يخبطون الليل والليل قد سجا

وعرف ظلام الأفق منه تأرّجا

إلى أن تخيّلنا النجوم التي بدت

به ياسمينا والظلام بنفسجا

ومما شجاني أن تألّق بارق

فقلت فؤادي خافقا متوهّجا

وشيب بياض القطر منه بحمرة

فأذكرني ثغرا لسلمى مفلّجا

أمائسة الأعطاف من غير خمرة

بأسهمها تصمي الكميّ المدجّجا

أأنت التي صيّرت قدّك مائسا

وعطفك ميّادا وردفك رجرجا

وأغضبك التشبيه بالبدر كاملا

وبالدّعص مركوما وبالظّبي أدعجا

وقلب شج صيّرته كرة وقد

أجلت عليه لام صدغك صولجا

فلا رحلت إلا بقلبي ظعينة

ولا حملت إلا ضلوعي هودجا

وقوله : [الوافر]

وعندي من معاطفها حديث

يخبّر أنّ ريقتها مدام

وفي ألحاظها السّكرى دليل

ولا ذقنا ولا زعم الهمام

٣٠٣

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الثامن

من الكتب التي يشتمل عليها :

كتاب مملكة بلنسية

وهو

كتاب السحر المسطّر ، في حلى حصن مربيطر

البساط

من المسهب : هي من المدن الرومية المشهورة بالأندلس ، فيها آثار عظيمة ، وأعظمها الملعب الذي أمام قصرها ، وهو صنوبريّ الشكل ، قد ارتقى بأحكم صنعة درجة درجة ، إلى أن تكون الدرجة العليا لا يجلس فيها إلا الملك وحده ، ثم ما انحدر منها اتسع المكان ، بحسب الطبقات إلى أن تكون الدرجة الأخرى لجمهور من يلوذ بالملوك من غير الخاصة المقربين.

العصابة

ملكها في مدة الطوائف :

٥٨٣ ـ القائد أبو عيسى بن لبّون (١)

__________________

(١) ترجمته في الحلة السيراء (ج ٢ / ص ١٦٧) وقلائد العقيان (ص ٩٨) ونفح الطيب (ج ٢ / ص ١٨٠) ـ ـ والذخيرة (ج ١ / ق ٣ / ص ١٠٤).

٣٠٤

وكان قبل ذلك وزيرا للمأمون بن ذي النّون ، ولعب عليه جاره ابن رزين صاحب السّهلة ، فأخرجه منها ، ولم يعوضه بشيء عنها.

من القلائد : هو ممن رأس وما شفّ ، ووكف جوده وما كفّ ، وأعاد كاسد البدائع نافقا ، ولم يصدر آملا خافقا ، وكانت عنده مناهل تزفّ ، فيها للمنى أبكار نواهد. ومن شعره قوله (١) :

سقى أرضا ، ثووها ، كلّ مزن

وسايرهم سرور وارتياح

فما ألوى بهم ملل ولكن

صروف الدهر والقدر المتاح

سأبكي بعدهم حزنا عليهم

بدمع في أعنّته جماح

وقوله (٢) : [الكامل]

قم يا نديم أدر عليّ القرقفا

أو ما ترى زهر الرياض مفوّفا (٣)

فتخال محبوبا مدلا وردها

وتخال (٤) نرجسها محبّا مدنفا

والجلنّار دماء قتلي معرك

والياسمين حباب ماء قد طفا

وقوله : [الطويل]

لحا الله قلبي كم يحنّ إليكم

وقد بعتم حظّي وضاع لديكم

إذا نحن أنصفناكم من نفوسنا

ولم تنصفونا فالسّلام عليكم

وقوله (٥) : [البسيط]

لو كنت تشهد يا هذا عشيّتنا

والمزن يسكب أحيانا وينحدر (٦)

والأرض مصفرّة بالمزن (٧) كاسية

أبصرت تبرا عليه الدّرّ ينتثر

وقوله : [البسيط]

يا ربّ ليل شربنا فيه صافية

حمراء في لونها تنفي التباريحا

__________________

(١) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ق ٣ / ص ١٠٥) دون تغيير عمّا هنا.

(٢) الأبيات في نفح الطيب (ج ٢ / ص ٢٠٢).

(٣) القرقف : الخمر. مفوّف : مخلّط وملوّن. لسان العرب.

(٤) في النفح : وتظنّ.

(٥) البيتان في نفح الطيب (ج ٢ / ص ٢٠٣) والحلة السيراء (ج ٢ / ص ١٦٩).

(٦) في الحلة : يمسك.

(٧) في الحلة : بالقطر ، وفي النفح : بالشمس.

٣٠٥

ترى الفراش على الأكواس ساقطة

كأنما أبصرت منها مصابيحا

وقوله بعد ما أخذ منه بلده : [البسيط]

يا ليت شعري وهل في ليت من أرب

هيهات لا تنقضي للمرء آراب

أين الشموس التي كانت تطالعنا

والجوّ من فوقه لليل جلباب

وأين تلك الليالي إذ نلمّ بها

فيها وقد نام حرّاس وحجّاب

تهدي إلينا لجينا حشوه ذهب

أنامل العاج والأطراف عنّاب

وقوله (١) : [البسيط]

نفضت كفّي من الدنيا وقلت لها

إليك عني فما في الحقّ أغتبن

من كسر بيتي لي روض ومن كتبي

جليس صدق على الأسرار مؤتمن

وما مصابي سوى موتي ويدفنني

قومي (٢) وما لهم علم بمن دفنوا

السلك

٥٨٤ ـ أبو عيسى لب بن عبد الودود المربيطريّ (٣)

عاصره والدي ، أخبر : أنه كان يشرب ، ودخل عليه غلام كان يهواه ، فقيل له إنه تزوّج عاهرا ، وجعلوا يلومونه ، فقال :

لا تعذلوه على ابتناء

بعرسه العاهر الهجين

أليس مثل الغزال حسنا

لا بدّ للظّبي من قرون

__________________

(١) الأبيات في نفح الطيب (ج ٥ / ص ١٣٦) والحلة السيراء (ج ٢ / ص ١٦٧ ـ ١٧١) والذخيرة (ق ٣ / ص ١٠٤ ـ ١٠٨).

(٢) في النفح : قوم.

(٣) انظر ترجمته في التكلمة (ص ٨٨) وزاد المسافر (ص ٥٦).

٣٠٦

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب التاسع

من الكتب التي يشتمل عليها :

كتاب مملكة البلنسية

وهو

كتاب المراعى العازبة ، في حلى كورة شاطبة

ينقسم هذا الكتاب إلى :

كتاب الغيوث الصائبة ، في حلى مدينة شاطبة.

كتاب النغمة المطربة ، في حلى حصن يانبة.

٣٠٧

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الأول

من الكتابين اللذين يشتمل عليهما :

كتاب الكورة الشاطبية

وهو

كتاب الغيوث الصائبة ، في حلى مدينة شاطبة (١)

البساط

من المسهب : مدينة عظيمة ، مانعة كريمة تعزّ بامتناع معلقها نفوس أهلها ، وتخرج من بطحائها في أحسن متأمّل ، وهي من التي نشزت على بلنسية في مدة ملوك الطوائف. ومن متفرّجاتها البطحاء ، والغدير ، والعين الكبيرة ، والعيون.

العصابة

اقتطعها في مدة ملوك الطوائف مظفّر مولى بني أبي عامر ، ثم تغلب عليه جماعة من

__________________

(١) شاطبة : مدينة في شرقي إسبانيا. كانت مركزا لصناعة الورق في العهد العربي. المنجد في اللغة والأعلام (ج ٢ / ص ٣٨١).

٣٠٨

الموالي العامرية ، وصارت معقلا لهم ، ولم يتفرد بها أحد منهم ، ثم توالت عليها ولاة بني هود ، ثم ولاة الملثّمين ، ثم صارت لبني عبد المؤمن ، ثم لابن هود ، وساد فيها أبو الحسين بن عيسى وكان مشهورا بالجود ممدّحا وصارت له بعد موت ابن هود ، ثم صالح بنوه النصارى عليها ، وصارت بحكمهم.

السلك

ذوو البيوت

بيت بني الجنّان

بيت مؤثّل التوارث ، وهم من كنانة ، أمرهم :

٥٨٥ ـ أبو العلاء عبد الحق بن خلف بن مفرّج بن الجنّان (١)

من المسهب : كاتب شاطبة الذي لم أجد له فيها نظيرا ، وماجدها الذي ألفيته للمكارم وليّا ونصيرا ، اجتمعت به في بلده ، فأحلّني بين خلبه وكبده ، وهو معروف فيها ، بالكتب عمن يليها ، من الأمراء ، والاستشارة في الآراء ، تتحلّى الوزراء باسمه ، وتشرف الكتابة بوسمه. ولما أسرعت الرحيل عن شاطبة وجّه لي ببرّ ، وكتب معه :

يا سيّدا زار أرضا

أمست به أفق بدر

ما كنت إلا كبرق

فكن غديرا لقطر

حتى نوفّي وردا

من فيض علم كبحر

وإن أبيت فسر في

أمن وحفظ وبرّ

وكن عليما بنار

أضرمتها طيّ صدر

وأنشدني لنفسه : [الوافر]

سرى بعد الهدوّ خيال نعمى

ولم تدر الوشاة أوان سارا

وزار وأعين الرّقباء تذكى

حذارا أن يزور وأن يزارا

فدون طروق ذاك الحيّ سمر

تدور بجانبيه حيث دارا

سأشكر للكرى خلسات وصل

كما لقط القطا ثم استطارا

__________________

(١) انظر ترجمته في الخريدة (ج ١٢ / ص ٢٠٨) والوافي (ج ٣ / ص ٣٢٥) والتكملة (ص ٦٤٧).

٣٠٩

وذكره صاحب فرحة الأنفس ، وأورد له رسالة كتبها إلى يحيى بن غانية الملثّم ، يهنّيه بهزيمة النصارى :

أطال الله بقاء الرئيس الأجلّ واضح آيات المساعي ، مجابا في تأييده دعوة الداعي ، ولا زال معقودة بالظفر ألويته معمورة بصالح الدعاء ساحاته وأنديته ، كتابي وما خططت بحرف ، إلا رمقت السماء بطرف ، أدعو وأتوسّل ، إلى من يسمع الدعاء ويقبل ، ويسني الحظوظ ، فيجزل ، على ما أولى من قسم أتاحها الله على يديه ، وألقى أزّمتها إليه ، حتى انقادت له بعد شماس ، وتأتّت على ياس ، وهل كانت إلا خبيثة الدهر ، وبيضة العقر ، صعبت على من كان قبل من أولى السياسات ، ومدبّري الرياسات.

٥٨٦ ـ ابنه الكاتب أبو بكر بن أبي العلاء (١)

كان من الجلّة ببلدة ، جرت عليه محنة سجن فيها وقيّد ، فكتب على الحائط بالفحم وقد أيقن بالموت : [البسيط]

ألا درى الصّيد من قومي الصناديد

أنّي أسير بدار الهون مقصود

لا أبسط الخطو إلا ظلّ يقبضه

كبل ، كما التفّت الحيّات معقود

وقد تألّب أقوام لسفك دمي

لا يعرف الفضل مغناهم ولا الجود

وقوله في غلام يقفز فارّا :

ووسيم الخلق والخلق

ينثني كالغصن في الورق

مرّ يلقى النار في ضرم

كفؤاد الصّبّ محترق

ومضى يجتاب جاحمها

كانصلات النّجم في الأفق

٥٨٧ ـ أبو الوليد بن الجنّان (٢)

من هذا البيت ، صحبته بمصر وحلب ، وأنا أقطع أنه معدوم النظير في الغوص على المعاني المخترعة والمولّدة. فمما كتبه عنه من شعره قوله من قصيدة مدح بها الصاحب الكبير المنعم كمال الدين بن أبي جرادة :

__________________

(١) انظر ترجمته في الخريدة (ج ١٢ / ص ٤٦).

(٢) انظر ترجمته في اختصار القدح المعلى (ص ٢٠٦) وبغية الوعاة (ص ٤٥) وفوات الوفيات (ج ٣ / ص ٢٦٣) ونفح الطيب (ج ٢ / ص ٣٣٥).

٣١٠

فوق خدّ الورد دمع

من عيون الحبّ يذرف

برداء الشمس أضحى

بعد ما سال يجفّف

وقوله (١) : [البسيط]

قم سقّينها وجيش الليل منهزم (٢)

والصبح أعلامه محمّرة العذاب

والسّحب قد بدّدت في الأرض لؤلؤها

تضمّه الشمس في ثوب من الذّهب (٣)

وقوله : [الرجز]

الأرض بالشمس تهيم فلذا

يأتي بشيرا بالقدوم الغبش

لو لم يكن هذا لما غدا لها

بساط أزهار الرياض يفرش

وقوله :

ودوحة أطربت منها حمائمها

أفق السماء فلم تبرح تنقّطها

تحكي الكمامة فيها راحة قبضت

يلقي السحاب لها درّا فتلقطها

وهو الآن بالقاهرة مصدّرا في إقراء النحو.

٥٨٨ ـ أبو الحسن محمد بن أبي جعفر بن جبير (٤)

أخبرني والدي : أنه كتب عن عثمان بن عبد المؤمن ملك غرناطة وحج وجلّ قدره في رحلته ، ثم عاد إلى الأندلس ، ثم عاد إلى مصر ، فمات ، وقبره بالإسكندرية ، ومن شعره قوله (٥) : [مخلع البسيط]

طول اغتراب وبرح شوق

لا صبر والله لي عليه

إليك أشكو الذي ألاقي

يا خير من يشتكى إليه

ولي بغرناطة حبيب

قد غلق الرّهن في يديه

__________________

(١) الأبيات في فوات الوفيات (ج ٣ / ص ٢٦٦ ـ ٢٦٧) ونفح الطيب (ج ٢ / ص ٣٣٨).

(٢) في النفح : اسقنيها وليل الهم منهزم ، وفي فوات الوفيات : فاسقنيها وجيش الليل.

(٣) في النفح : قد نثرت. وفي فوات الوفيات : فضمّها الشمس.

(٤) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ٣ / ص ١٣٨) والذيل والتكملة (ج ٥ / ص ٥٩٥) والتكملة (ص ٥٩٨) والإحاطة (ج ٢ / ص ٢٣١) مولده ببلنسية سنة ٥٣٩ ه‍ وقيل بشاطبة سنة ٥٤١ ه‍.

(٥) الأبيات في نفح الطيب (ج ٣ / ص ١٤٢).

٣١١

ودّعته وهو بارتماض (١)

يظهر لي بعض ما لديه

فلو ترى طلّ نرجسيه

ينهلّ في ورد صفحتيه (٢)

أبصرت درّا على عقيق

من دمعه فوق وجنتيه (٣)

وقوله (٤) : [المتقارب]

غريب تذكّر أوطانه

فهيّج بالذّكر أشجانه

يحلّ جواه عقود العزاء (٥)

ويعقد بالنجم أجفانه

ويرسل للغرب من دمعه

غروبا لتسقي سكّانه

وقوله (٦) : [الرمل]

يا وفود الله فزتم بالمنى

فهنيئا لكم أهل منى

قد عرفنا عرفات بعدكم (٧)

فلهذا برّح الشوق بنا

نحن بالمغرب (٨) نجري ذكركم

وغروب الدمع تجري بيننا (٩)

الكتّاب

٥٨٩ ـ أبو بكر عبد الرحمن بن مغاور (١٠)

كتب عن أبي الربيع بن عبد الله بن عبد المؤمن سلطان المغرب الأوسط وقسم أبو الربيع يوما على ما خاصته أترجا ، فأعطاهم واحدة واحدة وخصّه باثنتين ، فقال : [مجزوء الرمل]

قسم الأترجّ فينا

ملك طلق اليدين

__________________

(١) في النفح : وهو في دلال.

(٢) في النفح : وجنتيه.

(٣) في النفح : صفحتيه.

(٤) البيت الأول والثاني في النفح (ج ٣ / ص ١٤١).

(٥) في النفح : يحلّ عرى صبره بالأسى.

(٦) الأبيات في الذيل والتكملة (ج ٥ / ص ٦١٤) ونفح الطيب (ج ٣ / ص ٢٣٤ ، ٢٣٥).

(٧) في الذيل والتكملة : معكم.

(٨) في النفح : في الغرب ويجري ذكركم.

(٩) في النفح : وبغروب الدمع يجري هتّنا.

(١٠) انظر ترجمته في التكملة (ص ٥٧٨) ومعجم الصدفي (ص ٢٤٣) والمسالك (ج ٨ / ص ٣٥٧) وزاد المسافر (ص ٣٧).

٣١٢

لم تكن قسمة ضيزي

بين أترابي وبيني

إذ حبا فردا بفرد

وحباني باثنتين

هكذا ما زال حظيّ

مثل حظّ الأنثيين

ووهب له أحد الأعيان سهمه من الساقية في يومه ، فسقى بها جنّته ، ثم وصل إلى ابن مغاور في ذلك اليوم ضيف ، فكتب إلى المذكور الذي سقى جنّته (١) :

سقيت أرضي بفيض ماء

فاسق ضلوعي بفيض راح

واترك (٢) جفاي يذهب جفاء

واخفض جناحا على جناحي

وقال وقد علق أخ له امرأة من بني ينّق (٣) :

بني ينّق كفّوا عيون ظبائكم

فما بيننا ثأر ولا عندنا ذحل

أسوّغتم الشّهد المشور لطاعم

وقلتم حرام أن يلمّ به النّحل

إذا ما تصدّت في الطريق طروقة

فغير نكير أن يلمّ (٤) بها الفحل

وقوله : [السريع]

الحمد لله بلغنا المنى

لا حدّ في الخمر ولا في الغنا

قد حلّل القاضي لنا وذا

وإن شكرناه أحلّ الزّنا

٥٩٠ ـ الكاتب أبو عبد الله محمد بن عبد العزيز (٥)

كان بمرّاكش في مدة المنصور ، وكتب عن أبي زكريا بن أبي إبراهيم صاحب سبتة ، وكان يقول من الشعر ما منه قوله : [الطويل]

أيا سرحة ناديتها مظهرا لها

غرامي وسرّي في الضمير قد انطوى

قعيدك ، هل تدرين ما بي من الضّنى

وماذا أقاسيه عليك من الجوى

فيا ليتني لم أعرف الحبّ ساعة

فلولا الهوى ما كان نجمي قد هوى

__________________

(١) البيتان في زاد المسافر (ص ٣٧).

(٢) في الزاد : ودع جفائي.

(٣) الأبيات في زاد المسافر ببعض الاختلاف عمّا هنا.

(٤) في الزاد : يهيج.

(٥) انظر ترجمته في مطمح الأنفس (ص ١١ ـ ١٣) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ٨٦).

٣١٣

ومن كتاب الإحكام ، في حلى الحكّام

٥٩١ ـ أبو الحسن طاهر بن نيفون قاضي شاطبة

من المسهب : عالم أعلام ، وفاضل في كل فن وإمام ، نهض به علمه حتى صيّره علما ، وأبرزه في بلده حكما. وله من مدح في إبراهيم بن يوسف ابن تاشفين. [الطويل]

أيا ملكا أولاني العزّ والغنى

وصيّرني بعد الخمول مكرّما

وأبصرني في الأرض ملقى مذلّلا

فرفّعني بالعزّ والجاه للسّما

العلماء

٥٩٢ ـ أبو بكر محمد بن أبي عبد الله محمد بن سراقة (١)

هو الآن صاحب مدرسة الحديث التي بناها السلطان الكامل في القاهرة ، وهو في نهاية اللطافة ، وخلوص الديانة والقبول ، وعلى أموره طلاوة ، استنشدته من شعره ، فأنشدني قوله : [الطويل]

دعاني إلى إسماع شعري سيّد

غرّ بفنون العلم يروي ويكتب

فقلت عجيب عندي الجود باللها

وبخلي بالشعر المهلهل أعجب

وما الشعر إلا صورة العقل حجبها

إذا لم تكن في غاية الحسن أوجب

٥٩٣ ـ الطبيب أبو عامر محمد بن ينّق (٢)

شهر ذكاء وطبعا ، وعمّر للمحاسن ربعا ، لولا عجب استهواه ، وأخلّ بما حواه ، وزهو ضفا على أعطافه ، وأخفى ثوب إنصافه ، إلا أن حسنة إحسانه لتلك السيئة ناسخة ، وفي نفس الاستحسان راسخة.

ومن شعره قوله : [البسيط]

دعني أصاد زماني في تقلّبه

فهل سمعت بظلّ غير منتقل

__________________

(١) انظر ترجمته في فوات الوفيات (ج ٣ / ص ٢٤٥) ونفح الطيب (ج ٢ / ص ٢٨٠).

(٢) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ٥ / ص ١٣٥) وقلائد العقيان (ص ١٨٥) والتكملة (ص ٤٧٩) والمعجم في أصحاب القاضي الصدفي (ص ١٦٩).

٣١٤

وكلما راح جهما رحت مبتسما

كالبدر يزداد إشراقا مع الطّفل

ولا يروعنك إطراقي لحادثة

فاللّيث مكمنه في الغيل للغيل

فما تأطّر عطف الرّمح من خور

فيه ولا احمرّ صفح السيف من خجل

لا غرو أن عطّلت من حليها هممي

فهل يعيّر جيد الظّبي بالعطل

ويلاه هلّا أنال القوس باريها

وقلّد العضب جيد الفارس البطل

وقوله : [الطويل]

وما ظبية أدماء تألف وجرة

ترود ظلال الضّال أو أثلاتها

بأحسن منها يوم أومت بلحظها

إلينا تنطق حذار وشاتها

وأطنب في الثناء عليه صاحب السّمط ، وأنشد له ، في بعض ما أنشد ، ما هو منسوب لغيره.

الشعراء

٥٩٤ ـ أبو محمد عبد الله بن سلفير الشاطبيّ

من فرحة الأنفس : له من قصيدة في محمد بن مرذنيش ملك مرسية تصف قطعه البحرية : [البسيط]

وبنت ماء لمسرى الريح جريتها

تمشي كما مشت النّكباء والثّمل

قد جلّلوها شراعا مثل ما نشأت

يظلّها من غمام فوقها ظلل

كأنها فوق متن الريح سابحة

فتخاء يعلو بها طورا ويستفل

جابت بنا كل خفّاق الحشا لجب

لملتقى الموج في حافاته زجل

٥٩٥ ـ أبو عبد الله محمد بن يربوع الشاطبيّ (١)

ذكره صفوان في زاد المسافر ، وذكر : أنه طلب من صفوان شيئا من شعره فمطله ، فكتب له ابن يربوع : [الطويل]

فديتك ما هذا التّناسي أبا بحر

لقد ضاق ذرعا عن تحمّله صبري

أأصدر عن أفق الكواكب سادرا

وأرحل ظمآنا على شاطىء النّهر

__________________

(١) انظر ترجمته في التكملة (ص ٣٠٧) وزاد المسافر (ص ٦٣).

٣١٥

وأنشد له قوله في أحد ملوك بني عبد المؤمن : [الطويل]

أسيّدنا لا تنكرنّ تزاحما

على كفكم منّا فموردها عذب

وعذرا إلينا فالقلوب نوازع

إلى لثمها والحكم ما حكم القلب

فلو بلغت شهب السماء بلوغنا

لتقبيلها ظلّت تزاحمنا الشّهب

الأهداب

موشّحة لابن موهد الشاطبي (١) : وسكن مرسية ومدح بها ابن مرذنيش ملك شرق الأندلس :

أما طربت إلى الحميّا

ما بين ندمان وساق

والبدر في عقب الثريّا

والليل ممدود الرّواق

خذها على رغم العذول

خرقاء تلعب بالعقول

والنهر كالسيف الصّقيل

على رياض فاح ريّا

ولاح مصقول التّراقي

تلك المنى يا صاحبيّا

لا ملك مصر مع العراق

قد كنت أصبو إلى الرحيق

حتى شغلت عن الإبريق

بقهوة من لذيذ الرّيق

أنا الذي صدت ظبيّا

طاوي الحشا حلو العناق

تسقي مراشفه شهيّا

من مسكر عذب المذاق

يا من لحا ولك التّفنيد

حبّي لغرّة لا يبيد

فربما بلي الجديد

يا من أحبّ القرب إليّا

كيف السبيل إلى التلاقي

__________________

(١) ذكره المقري في نفح الطيب (ج ٩ / ص ٢٣٤) باسم (ابن مؤهل) وأنشد بعض شعره.

٣١٦

لقد لقيت الموت حيّا

ما بين نأيك واشتياقي

من لي به فوق ما أقول

تحار في وصفه العقول

فما إلى وصله سبيل

أحبب به أحبب إليّا

ظبيا يروّع بالفراق

طلق الاسرّة والمحيّا

كالظّبي مكحول المآقي

من لي بمن أهوى ومن لي

ليس الهوى إلا لمثلي

وأنت يا بعضي وكلّي

أبعدتني بعد الثّريّا

وأنت تعلم ما ألاقي

يا من هويت أبقي عليّا

كما أنا عليك باق

٣١٧

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الثاني

من الكتابين اللذين يشتمل عليهما :

كتاب كورة شاطبة

وهو

كتاب النّغمة المطربه ، في حلى حصن يانبة

من المسهب : حصن بهج المنظر ، ذو فواكه ومياه ، منه :

٥٩٦ ـ أبو عبد الله محمد بن خلصة الأعمى (١)

من الذخيرة : كان أحد العلماء بالكلام ، وله حظ ، من النثر والنظام ، لكنه بالأئمة العلماء ، أشبه منه بالكتاب الشعراء. وقد بدرت له أشعار يسير بها إلى البديع ، ويذهب فيها إلى التصنيع ، وكتب عن إقبال الدولة بن مجاهد ملك دانية والجزر. ومن شعره قوله من قصيدة في مدحه (٢) : [البسيط]

خدمتكم ليكون الدهر من خدمي

فما أحالته عن أحواله (٣) حيلي

__________________

(١) راجع ترجمته في الذخيرة (ج ١ / ق ٣ / ص ٣٢٢) والجذوة (ص ٥١) وبغية الملتمس (رقم : ١١١) والتكملة (ص ٣٩٥) والمسالك (ج ١١ / ص ٤٥) وتحفة القادم (ج ٢) والوافي (ج ٣ / ص ٤٢).

(٢) البيتان في الذخيرة : (ج ١ / ق ٣ / ص ٣٢٨).

(٣) في الذخيرة : عن حالاته.

٣١٨

إن لم تكن بكم حالي مبدّلة

فما انتفاعي بعلم الحال والبدل

وقوله من قصيدة (١) : [الطويل]

أطع أمر من تهواه من عزّ قد بزّا

كفى بالهوى ذلا بو الحسن مغترّا

ومنها : [الطويل]

ولما لحاني الدهر لحو العصا ولم

أجد من بنيه غير من زادني وخزا

جعلتك لي حصنا ونبّهت مقولا

جرازا (٢) جذاذا لا كهاما ولا كزّا

ولم تقتصد منك القصيدة نائلا

كثير لها أن تستجاز ولا تجزى

ليمتع بك الله الأمانيّ والمنى

ولا تفجع الآداب فيك ولا ترزا

وقوله : [الخفيف]

عدم ذا الورى وأنتم وجود

وهراء وأنتم المعقول

وإذا كشّف الحقائق فكر

شهدت لي بما أقول العقول

وقوله يخاطب الحصريّ (٣) : [المتقارب]

أيا صادقا هواه

إذا المدّعون مانوا

فلم يحو ما حواه

زمان ولا مكان

ولم يفر ما فراه

حسام ولا سنان

إذا سلّ مرهفات

من المنطق البيان

تبيّنت أنّ أمضي

من الصارم اللسان

__________________

(١) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ق ٣ / ص ٣٢٨ ، ٣٢٩).

(٢) في الذخيرة : جرازا حدادا.

(٣) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ق ٣ / ص ٣٣٠ ، ٣٣١) دون تغيير عما هنا.

٣١٩

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب العاشر

من الكتب التي يشتمل عليها :

كتاب المملكة البلنسية

وهو

كتاب في حلى حصن البونت

من المسهب : معقل من المعاقل الرفيعة ، والشواهق المنيعة ، ملكه في مدة ملوك الطوائف :

٥٩٧ ـ القائد أبو محمد عبد الله بن القاسم الفهريّ (١)

وضبطه أشد الضبط ، وصار شجى في حلق صاحب بلنسية ، وعنده أطال المكث هشام المعتدّ المروانيّ الذي صار خليفة بقرطبة ومن عنده استدعى للخلافة وولي بعد ابنه :

٥٩٨ ـ القائد أبو عبد الله محمد بن عبد الله (٢)

فحذا حذو أبيه ، ومنع رياسته ممن يليه ، إلى أن أدركه ما يدرك البدر التمام ، وأخذه الحمام ، فولي بعده ابنه :

__________________

(١) ترجمته في البيان المغرب (ج ٣ / ق ٢ / ص ٢٥١) وأعمال الأعلام (ص ٢٣٩).

(٢) انظر ترجمته في أعمال الأعلام (ص ٢٣٩).

٣٢٠