المغرب في حلى المغرب - ج ٢

علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي

المغرب في حلى المغرب - ج ٢

المؤلف:

علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي


المحقق: خليل المنصور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٧
الجزء ١ الجزء ٢

آه منجفن قريح بعدكم

يشتكي خدّاي منه الغرقا

وحشا غير قرير كلّما

رمت أن يهدأ عنكم خفقا

وفؤاد لم أضع قطّ يدي

فوقه خيفة أن تحترقا

ما لنجم عكفت عيني على

رعيه ليس يريم الأفقا

ولعين خلعت فيك الكرى

كيف لم تخلع عليك الأرقا

أيها اللّوّام ما أهدأكم

عن قلوب أسهرتنا قلقا

ما الذي تبغون من تعذيبها

بعد ما ذابت عليكم حرقا

قومنا فوزوا بسلوانكم

ودعوا بالله من تشوّقا

وارحموا في غسق الظلماء من

بات بالدمع يبلّ الغسقا

علّلونا بالمنى منكم ولو

بخيال منكم أن يطرقا

وعدونا بلقاء منكم

فكثير منكم ذكر اللّقا

لو خشينا الجور من جيرتنا

لانتصفنا قبل أن نفترقا

واصطبحنا الآن من فضله ما

قد شربنا ذلك المغتبقا

فسقى الله عشيّات الحمى

والحمى أكرم هطّال سقى

قد رزقناها وكانت عشية

قلّما فاز بها من رزقا

لا وسهم جاء من نحوكم

إنّه أقتل سهم فوّقا

وحلى نجد سنجري ذكرها

أو سعتنا في الهوى مرتفقا

ما حلا بعدكم العيش لنا

مذ تباعدتم ولا طاب البقا

فمن المنبي إلينا خبرا

وعلى مخبرنا أن يصدقا

هل درت بابل أنّا فئة

تجعل السّحر من السحر رقى

ننقش الآية في أضلاعنا

فتقينا كلّ شيء يتّقى

من بنان الوزر الأعلى الذي

يخجل السّحر إذا ما نطقا

وقوله (١) : [الكامل]

ما مثل موضعك ابن رزق موضع

روض يرفّ وجدول يتدفّع

وكأنما هو من بنانك صفحة (٢)

فالحسن ينبت في ثراه ويبدع

__________________

(١) الأبيات في المعجب (ص ١٥٤).

(٢) في المعجب : فكأنما هو من محاجر غادة.

٢٨١

وعشيّة لبست رداء شحوبها

والجو بالغيم الرقيق (١) مقنّع

بلغت بنا أمد السرور تألّفا

والليل نحو فراقنا يتطلّع

فابلل بها زمن الغبوق فقد أتى

من دون قرص الشمس ما يتوقّع

سقطت ولم تملك يمينك ردّها

فوددت يا موسى بأنّك (٢) يوشع

وقوله :

يا راكبا واللّوى شمال

عن قصده والعصا يمين

نجدا على أنّه طريق

تقطعه للصّبا عيون

وحيّ عنّي إن جزت حيّا

أمضى مواضيهم الجفون

وقل على أيكة بواد

للورق في قضبها حنين

يا أيك لا يدّعي حمام

ما يجد الشّيّق الحزين

لو أنّ بالورق ما بقلبي

لاحترقت تحتها الغصون

وقوله (٣) :

وذي حنين يكاد شجوا (٤)

يختلس الأنفس اختلاسا

إذا (٥) غدا للرياض جارا

قال لها المحل لا مساسا

تبسّم الزّهر حين يبكي

بأدمع ما رأين باسا

من كلّ جفن يسلّ سيفا

صار له غمده رئاسا

وقوله : [مجزوء الكامل]

ذات الجناح تقلّبي

بجوانح القلب الخفوق

وتساقطي بالسّرحتي

ن تساقط الدّمع الطّليق

وسليهما بأرقّ من

عطفي قضيبهما الوريق

هل بعدنا ممتّع

في مثل ظلّهما العتيق

وإذا صدرت مبينة

لتبلّغي النّبأ المشوق

__________________

(١) في المعجب : الدقيق.

(٢) في المعجب : لو أنك.

(٣) الأبيات في المعجب للمراكشي (ص ١٥٨).

(٤) في المعجب : شوقا.

(٥) في المعجب : لما.

٢٨٢

أخت الهواء فعالجي

بأخي الهوى حتى يفيق

ولتعلمي إن ضفت يا

ورقاء ذا جفن أريق

أن القرى عبراته

فتعلّمي لقط العقيق

وقوله :

وروض جلا صدأ العين به

نسيم تجارى على مشربه

صنوبرة ركبت ساقها

عليه فخاضت حشا مذنبه

فشبّهتها وأنابيبها

بها الماء قد جدّ في مسكبه

بأرقم كعّك من شخصه

وأفرخه يتعلّقن به

وقوله في غلام حائك (١) : [البسيط]

قالوا وقد أكثروا في حبّه عذلي

لو لم تهم بمذال القدر مبتذل

فقلت لو أن (٢) أمري في الصّبابة لي

لاخترت ذاك ولكن ليس ذلك لي

علّقته حبيبيّ الثّغر عاطره

ألمي المقبّل أحوى ساحر المقل (٣)

إذا تأمّلته أعطاك ملتفتا

ما شئت من لحظات الشادن الغزل

غزيّل لم تزل في الغزل جائلة

بنانه جولان الفكر في الغزل

جذلان يلعب (٤) بالمحراك أنمله

على السّدى لعب الأيام بالأمل

ما إن يني تعب الأطراف مشتغلا

أفديه من تعب الأطراف مشتغل

جذبا (٥) بكفّيه أو فحصا بأخمصه

تخبّط الظبي في أشراك محتبل

وقوله في نجار :

تعلّم نجارا فقلت لعلّه

تعلّمها من نجر مقلته القلبا

شقاوة أعواد تصدّى لجهدها

فآونة قطعا وآونة ضربا

غدت خشبا تجني ثمار جناية

بما استرقته من معاطفه قضبا

وقوله في حمّام :

__________________

(١) الأبيات في ديوان الرصافي (ص ١٢١ ـ ١٢٢) ونفح الطيب (ج ٤ / ص ١٧٩). ببعض الاختلاف عمّا هنا.

(٢) في النفح : لو كان.

(٣) في النفح : الشطر في النفح : حلو اللّمى ساحر الأجفان والمقل.

(٤) في النفح : تلعب.

(٥) في النفح : ضمّا.

٢٨٣

انظر إلى نقشي البديع

يسليك عن زهرة الرّبيع

لو جني البحر من رياض

كان حبى روضي المريع

سقاني الله دمع عيني

ولا وقاني جوى ضلوعي

فما أبالي شقاء بعضي

إذا تشقّيت في جميعي

كيف تراني وقيت ما بي

ألست من أعجب الرّبوع؟

٢٨٤

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الثالث

من الكتب التي يشتمل عليها :

كتاب المملكة البلنسية

وهو

كتاب الخصر الأهيف ، في حلى قرية المنصف

من قرى بلنسية ؛ منها :

٥٧٠ ـ أبو الحجاج يوسف المنصفيّ (١)

زاهد مشهور سكن مدينة سبتة ، وأدركه والدي ، ومن مشهور شعره قوله (٢) : [السريع]

قالت لي النفس أتاك الرّدى

وأنت في بحر الخطايا مقيم

فما ادّخرت الزّاد قلت اقصري

هل يحمل الزاد لدار الكريم

وقوله في زورق (٣) :

__________________

(١) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ١ / ص ١٧٧) و (ج ٥ / ص ١٣٤) والرايات (ص ٩٩).

(٢) البيتان في نفح الطيب (ج ١ / ص ١٧٧) و (ج ٥ / ص ١٣٤) دون تغيير عمّا هنا.

(٣) البيتان في الرايات (ص ٩٩).

٢٨٥

وسابح بات (١) لا يثني قوائمه

كالصّقر ينحطّ مذعورا لعقبان

كأنّه مقلة للجوّ شاخصة

ومن مجاذيفه أهداب أجفان

__________________

(١) في الرايات : بان.

٢٨٦

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الرابع

من الكتب التي يشتمل عليها :

كتاب المملكة البلنسية

وهو

كتاب الورق المرنّه ، في حلى قرية بطرنه

من قرى بلنسية ؛ منها :

٥٧١ ـ أبو جعفر أحمد بن الجزّار (١)

من المسهب : هو الذي شجر بينه وبين ابن غرسية مولى إقبال الدولة بن مجاهد ملك دانية ما أوجب أن صنع ابن غرسية الرسالة الشعوبية في تفضيل العجم على العرب ، وعارضها جماعة من الفضلاء ، وأبو جعفر ممن عارضها برسالة ، وفيه يقول ابن غرسية هاجيا له :

بطرنة تعلم أصلا له

عزبت فسلها فما تنكر

ومثّل بها وضما ماثلا

وشفرة جزر ولا أكثر

تجرّ ذيول العلا تائها

وجدّكم الجازر الأكبر

__________________

(١) ترجمته في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٣٧٠) والصلة (ص ٩) والمسالك (ج ١١ / ص ٢٧٦).

٢٨٧

فهذي العلا لا علا حاجب

ومثلك يا سيدي يفخر

وفضّله صاحب المسهب ، وأطنب في تقديمه بقوله (١) : [الطويل]

وما زلت أجني منك والدهر ممحل

ولا ثمر يجنى ولا زرع (٢) يحصد

ثمار أياد دانيات قطوفها

لأغصانها ظلّ عليّ ممدّد

يرى جاريا ماء المكارم تحته (٣)

وأطيار شكري فوقهنّ تغرّد

ومن شعره قوله : [الوافر]

إليك أبا عليّ جبت بيدا

مهامه مثل صدرك في انفساح

وغربان الدّجى قد نفّرتها

إلى أو كارها رخم الصّباح

وأنشد هذه الأبيات عمه في الحديقة.

__________________

(١) الأبيات في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٣٧٠).

(٢) في النفح : الزرع.

(٣) في النفح : تحتها.

٢٨٨

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الخامس

من الكتب التي يشتمل عليها :

كتاب المملكة البلنسية

وهو

كتاب المنّة ، في حلى قرية بنّه

من قرى بلنسية ، منها :

٥٧٢ ـ أبو جعفر أحمد بن عبد الوليّ البنّي (١)

من المسهب : من سوابق حلبة عصره ، وغرر دهره ، خلع عذاره في الصّبا ، وهبّ مع غرامه جنوبا وصبا. وذكره الفتح في المطمح ثم ذكره في ضمن القلائد وقال : وهو مطبوع النظم نبيله ، واضح نهجه في الإجادة وسبيله ، يضرب في علم الطّبّ بنصيب ، وسهم يخطى أكثر مما يصيب ، وكان أليف غلمان ، وحليف كفر لا إيمان ، ما نطق متشرّعا ، ولا نظر متورّعا ، ولا اعتقد حشرا ولا صدّق بعثا ولا نشرا ، وربما تنسّك مجونا وفتكا ، وتمسّك باسم التّقى وهو يهتكه هتكا ، لا

__________________

(١) انظر ترجمته في قلائد العقيان (ج ٥ / ص ٣٦) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ٣٦) (ج ٦ / ص ٦) ومطمح الأنفس (ص ٩١). والمعجب (ص ١٢٢) والرايات (ص ٩٤).

٢٨٩

يبالي كيف ذهب ، ولا بما تمذهب ، وكانت له أهاج جرع بها صابا ، وادّرع منها أوصابا. الغرض من نظمه قوله (١) : [الكامل]

من لي بغرّة فاتن (٢) يختال في

حلل الجمال إذا مشى (٣) وحليّه

لو شبّ في وضح النهار شعاعها

ما عاد جنح الليل بعد مضيّه

شرقت بماء (٤) الحسن حتى خلّصت

ذهبيّة في الخدّ من فضّيّه

في صفحتيه من الحياء (٥) أزاهر

غذيت بوسميّ الصّبا (٦) ووليّه

سلّت محاسنه لقتل محبّه

من سحر عينيه ، حسام سميّه

وقوله (٧) : [مجزوء الكامل]

كيف لا يزداد قلبي

من جوى الشّوق خبالا

وإذا قلت عليّ

بهر الناس جمالا

هو كالغصن وكالبد

ر بهاء (٨) واعتدالا

أشرق البدر سرورا (٩)

وانثنى الغصن اختيالا

إنّ من رام سلوّي

عنه قد رام محالا

لست أسلو عن هواه

كان رشدا أو ضلالا

قل لمن قصّر فيه

عذل نفسي أو أطالا

دون أن تدرك هذا

يسلب (١٠) الأفق الهلالا

وقوله (١١) : [الوافر]

__________________

(١) الأبيات في نفح الطيب (ج ٦ / ص ٦) والقلائد (ص ٢٩٥).

(٢) في القلائد : بغرة فاتر.

(٣) في النفح : مشى.

(٤) في النفح : لآلي.

(٥) في النفح : من الجمال.

(٦) في النفح : الحيا.

(٧) الأبيات في قلائد العقيان (ص ٢٩٦) ونفح الطيب (ج ٦ / ص ٦).

(٨) في النفح : بهاء.

(٩) في النفح : كمالا.

(١٠) في النفح : تسلب.

(١١) الأبيات في قلائد العقيان (ص ٢٩٦) ونفح الطيب (ج ٦ / ص ٧).

٢٩٠

تنفّس بالحمى مطلول روض (١)

فأودع نشره ريحا (٢) شمالا

فصبّحت العقيق إليّ كبلا

تجرّر فيه أردانا خضالا (٣)

أقول وقد شممت التّرب مسكا

بنفحتها يمينا أو شمالا

نسيم بات يجلب منك طيبا (٤)

ويشكو من محبّتك اعتلالا

ينمّ إليّ من زهرات روض

حشوت جوانحي منها ذبالا

وذكر نفي ناصر الدولة له من ميورقة في قوله وقد ردّته الريح (٥) : [الوافر]

أحبتنا الألى عتبوا (٦) علينا

فأقصونا (٧) وقد أزف الوداع

لقد كنتم لنا جذلا وأنسا

فما في (٨) العيش بعدكم انتفاع

أقول وقد صدرنا بعد يوم

أشوق بالسفينة أم نزاع

إذا طارت بنا حامت عليكم

كأن قلوبنا فيها شراع

ومن شعره قوله (٩) : [البسيط]

قالوا تصيب طيور الجوّ أسهمه

إذا رماها فقلنا عندنا (١٠) الخبر

تعلّمت قوسه من قوس حاجبه

وأيّد السهم من ألحاظه (١١) الحور

يلوح في بردة كالنّقس حالكة

كما يلوح (١٢) بجنح الليلة القمر

وربما راق في خضراء مورقة (١٣)

كما تفتّح في أوراقه الزّهر

وقوله : [البسيط]

تروق حسنا وفيك الموت أجمعه

كالصّقل في السيف أو كالنّور في النار

__________________

(١) في النفح : أرض.

(٢) في النفح : نشرا.

(٣) في النفح : فصبحت العيون إليّ كسلي. وفي القلائد : خصالا.

(٤) في النفح : جاء يبعث منك طيبا.

(٥) الأبيات في قلائد العقيان (ص ٢٩٧) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ٣٦).

(٦) في النفح : عنتوا.

(٧) في النفح : وأقصونا.

(٨) في النفح : بالعيش.

(٩) الأبيات في قلائد العقيان (ص ٢٩٧ ، ٢٩٨) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ٣٧) و (ج ٦ / ص ٨).

(١٠) في النفح : عندها.

(١١) في النفح : من أجفانه.

(١٢) في النفح : كما أضاء.

(١٣) في النفح : مؤنقة.

٢٩١

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب السادس

من الكتب التي يشتمل عليها :

كتاب المملكة البلنسية

وهو

كتاب الحال المغبوطة ، في حلى حصن متّيطه

من حصون بلنسية ، منه :

٥٧٣ ـ أبو جعفر أحمد بن جعفر المتّيطيّ

سكن سبتة. ولهذا البيت فيها مجد شامخ ، وتصرّف في ولايات ، وكان أبو جعفر مشهورا بالتوشيح. ومن شعره قوله من قصيدة في أبي سعيد ابن جامع وزير أئمة بني عبد المؤمن : [البسيط]

سموت حتى علوت النّجم مرتفعا

هذا صعود لمن في الدهر قد مجدا

وخافك الناس طرّا في مياههم

لو أن بأسك في ماء لما وردا

زيّنت ملك أمير المؤمنين بما

أظهرت من غزوات نظّمت عددا

٥٧٤ ـ أبو عبد الله محمد بن أحمد المتّيطيّ

ذكر أبو سهل المحدّث أنه اجتمع به ، وأنشده قوله :

٢٩٢

سير بمن أهواه في زورق

واشتعل الوجد اشتعال القبس

كأنما الزورق قلبي بدا

في لجج الدمع بريح النّفس

٥٧٥ ـ أبو جعفر أحمد بن محمد المتّيطيّ

أخبرني والدي : أنه كان شاعرا مكثرا ، وأنه لقيه بسبتة في مدة المستنصر ، وله أمداح كثيرة في أبي يحيى بن يحيى بن أبي أبراهيم ملك سبتة ، ومن شعره قوله : [البسيط]

يا سائلي عن شهاب ظلّ مرتميا

من النجوم لمدحور ومسترق

كفارس حلّ إحضارا عمامته

وضمّها مسرعا في آخر الطّلق

وقوله : [البسيط]

انظر إلى الشمس قد وافت لمغربها

مصفرّة الوجه لكن ما بها خجل

كأنها عندي رأي العين إذا سقطت

وخلّفت جمرة تذكى وتشتعل

خريدة غطست في اليمّ وانتزعت

خلديّة ريثما تروى وتغتسل

٢٩٣

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب السابع

من الكتب التي يشتمل عليها :

كتاب مملكة بلنسية

وهو

كتاب النجوم الزّهر ، في حلى جزيرة شقر

من المسهب : عروس الأندلس المقلّدة من نهرها بسلك ، المتلفّعة من جنانها بسندس ، روض بسّام ، ونهر كالحسام ، وبلبل وحمام ، ومنظر يحثّ على حسو المدام ، كما قال حسنتها أبو إسحاق بن خفاجة :

سقيا لها من بطاح أنس

ودوح حسن بها مطلّ

فما ترى غير وجه نهر

أطلّ فيه عذار ظلّ

٥٧٦ ـ الكاتب أبو المطرّف أحمد بن عميرة (١)

هو الآن عظيم الأندلس في الكتابة وفي فنون من العلوم ، وقد كتب عن زيان بن مرذنيش

__________________

(١) انظر ترجمته في الذيل والتكملة (ج ١ / ص ١٥٠) والمقتضب من كتاب تحفة القادم (ص ١٩٧) وفي نفح الطيب (ج ١ / ص ٢٩٣ ، ٣٠٠) والروض المعطار (ص ٩٧).

٢٩٤

ملك بلنسية ، وأخبرني أبو عبد الله بن الأبار البلنسي : زيان بن مرذيش أحضر يوما حجّاما ، ثم أخرج له جائزة ، ودفع إليه أبو المطرّف شعرا ، فلم يجزه ، فكتب إليه (١) : [الوافر]

أرى من جاء بالموسى مواسى

وراحة من أراح المدح صفرا (٢)

فأنجح سعي ذا إذا قصّ شعرا

وأخفق سعي ذا إذ قصّ شعرا (٣)

فأمر له بإحسان.

٥٧٧ ـ الكاتب أبو جعفر أحمد بن طلحة (٤)

لقيته بإشبيلية وهو يكتب عن سلطان الأندلس المتوكل بن هود ، ويكون نائبا عن الوزير إذا غاب ، وآل أمره إلى أن فسد ما بينه وبين ابن هود ، وفر إلى سبتة ، فأحسن له ملكها الموفق الينشتي ، ثم بلغه أنه يكثر الوقوع فيه ، فرصده في شهر رمضان وهو يشرب الخمر وعنده عواهر ، فكبسه وضرب عنقه ، وله شعر في الطبقة العالية ، منه قوله (٥) : [السريع]

يا هل ترى أظرف من يومنا

قلّد جيد الأفق طوق العقيق

وأنطق الورق بعيدانها

مرقصة (٦) كلّ قضيب وريق

والشمس لا تشرب خمر النّدى

في الروض (٧) إلا بكؤوس الشّقيق

وقوله (٨) : [الوافر]

أدرها فالسّماء بدت عروسا

مضمّخة الملابس بالغوالي

وخدّ الروض خفّره (٩) أصيل

وجفن (١٠) النّهر كحّل بالظّلال

__________________

(١) البيتان في نفح الطيب (ج ١ / ص ٣٠٤ ، ٣٠٥).

(٢) في النفح : وراحة ذي القريض تعود صفرا.

(٣) في النفح :

فهذا مخفق إن قصّ شعرا

وهذا منجح إن قصّ شعرا

(٤) انظر ترجمته في اختصار القدح (ص ١١٤) ونفح الطيب (ج ٢ / ص ٢٧٤) والمقتضب من كتاب تحفة القادم (ص ٢٠٩).

(٥) الأبيات في اختصار القدح (ص ١١٤) ونفح الطيب (ج ٤ / ص ٢٧٤ / ٢٧٥).

(٦) في اختصار القدح : من فضّة.

(٧) في النفح : في الأرض.

(٨) الأبيات في اختصار القدح (ص ١١٤) ونفح الطيب (ج ٤ / ص ٢٧٥).

(٩) في النفح : حمّره.

(١٠) في اختصار القدح : حقو.

٢٩٥

وجيد الغصن يشرف في لآل

تضيء بهنّ أكناف الليالي

وقوله (١) : [السريع]

لله نهر عندما زرته

عاين طرفي منه سحرا حلال

إذا أصبح الطّلّ به ليلة

وحال فيها (٢) الغصن شبه الخيال

وقوله (٣) : [الوافر]

ولما ماج بحر الليل بيني

وبينكم وقد جدّدت ذكرا

أراد لقاءكم إنسان عيني

فمدّ له المنام عليه جسرا

وقوله (٤) : [الوافر]

ولما أن رأى إنسان عيني

بصحن الخدّ منه غريق ماء

أقام له العذار عليه جسرا

كما مدّ الظلام على الضياء

البيوت

٥٧٨ ـ أبو القاسم بن خرشوش (٥)

من أعيان الجزيرة في مدة الملثّمين ، ومن شعره قوله :

دعني إذا الطير نادى

على الغصون : الصّبوح

هناك أتلف مالي

وإن نهاني النّصيح

الحكّام

٥٧٩ ـ أبو يوسف يعقوب بن طلحة (٦)

__________________

(١) الأبيات في اختصار القدح (ص ١١٥ ـ ١١٧) ونفح الطيب (ج ٤ / ص ٢٧٥).

(٢) في النفح : وجال فيه ، وفي اختصار القدح : وجال منها.

(٣) الأبيات في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٢٧٥).

(٤) الأبيات في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٢٧٥) دون تغيير عمّا هنا.

(٥) انظر ترجمته في الرايات (ص ٨٨).

(٦) انظر ترجمته في التكملة (ص ٧٤٢).

٢٩٦

من المسهب : أنه ولي قضاء جزيرة شقر ، وكان ظريف المذاكرة ، حسن المحاضرة ، شاهدت منه أيام مقامي بجزيرة شقر محاسن لو بثّت على الرض ما ذوي ، ولو حمي بها النجم ما هوى ، أدب كما سجع الحمام ، وكرم مثل ما هطل الغمام؟ ومما أنشدنيه من شعره قوله من قصيدة : [الطويل]

ألا فسل البيداء عنّي هل رأت

سراي بها ما بين رمح ومنصل

بقلب لو أنّ السيف منه لما نبا

وسهد إذا ما نام ليل المهبّل

على كل طرف يسبق الطّرف شدّه

تراه إلى العلياء مثلي يعتلي

فطورا على برق وطورا على ضحى

وطورا على ليل بصحيح محجّل

العلماء

٥٨٠ ـ الأديب الفاضل أبو إسحاق إبراهيم بن أبي الفتح بن خفاجة (١)

من الذخيرة : الناظم المطبوع ، الذي شهد بتقديمه الجميع ، المتصرف بين أشتات البديع.

ومن القلائد : مالك أعنّة المحاسن وناهج طريقها ، العارف بترصيعها وتنميقها ، الناظم لعقودها ، الرّاقم لبرودها.

ومن المسهب : هو اليوم شاعر هذه الجزيرة ، لا أعرف فيها شرقا ولا غربا نظيره.

الغرض من محاسنه قوله (٢) : [الطويل]

أما والتفات الرّوض عن أزرق (٣) النّهر

وإشراق (٤) جيد الغصن في حلّة (٥) الزّهر

ومنها : [الطويل]

ولم (٦) ألق إلا صعدة فوق لأمة

فقلت قضيب قد أطلّ على نهر

__________________

(١) ترجمته في قلائد العقيان (ص ٢٣٠) والمطرب (ص ١١١) والذخيرة (ق ٣ / ص ٥٤١) ووفيات الأعيان (ج ١ / ص ٥٦) ونفح الطيب (ج ١ / ص ١٩٦) والخريدة (ج ٢ / ص ١٤٧) و (ج ٣ / ص ٥٤٨) والمسالك (ج ١١ / ص ٢٥٥) والمطمح (ص ٨٦) وبغية الملتمس (ص ٢٠٢) ، ومعجم أصحاب الصدفي (ص ٥٩).

(٢) الأبيات في الذخيرة (ق ٣ / ص ٤٦١).

(٣) في الذخيرة : عن زرق.

(٤) في الذخيرة : وإشراق.

(٥) في الذخيرة : في حلية.

(٦) في الذخيرة : فلم.

٢٩٧

ومنها : [الطويل]

ولم أر (١) إلا غرّة فوق شقرة

فقلت حباب يستدير على خمر

ومنها (٢) : [الطويل]

غزاليّة الألحاظ ريميّة الطّلى

مداميّة الألمى حبابيّة الثّغر

ترنّح في موشيّة ذهبيّة

كما اشتبكت زهر النجوم على البدر

وقد خلعت ليلا علينا يد الهوى

رداء عناق مزّقته يد الفجر

وقوله : [الكامل]

وعشيّ أنس أضجعتنا نشوة

فيها يمهّد مضجعي ويدمّث

خلعت عليّ بها الأراكة ظلّها

والغصن والحمام يحدّث

والشمس تجنح للغروب مريضة

والبرق يرقي والغمامة تنفث

وقوله (٣) : [مجزوء الكامل]

ومهفهف طاوي الحشا

خنث المعاطف والنّظر

بهر (٤) العيون بصورة

تليت محاسنها سور

فإذا رنا وإذا شدا

وإذا سعى وإذا سفر

فضح المدامة والحما

مة والأراكة (٥) والقمر

وقوله (٦) : [مخلع البسيط]

كأنّما اللّحظ كيمياء

يذهب (٧) من خدّه (٨)؟لجينا

وما تيقّنت أنّ عينا (٩)

تقلب عين اللّجين عينا

__________________

(١) في الذخيرة : ولا شمت.

(٢) الأبيات في الذخيرة (ج ٢ / ق ٣ / ص ٦٤٢).

(٣) الأبيات في الذخيرة (ج ٢ / ق ٣ / ص ٦٠٥).

(٤) في الذخيرة : ملأ.

(٥) في الذخيرة : والغمامة.

(٦) البيتان في الذخيرة (ج ٢ / ق ٣ / ص ٥٧٦).

(٧) في الذخيرة : تذهب.

(٨) في الذخيرة : من وجهه.

(٩) الشطر في الذخيرة : وما توهّمت أنّ طرفا يقلب.

٢٩٨

وقوله : [السريع]

وأسود يسبح في لجّة

لا تكتم الحصباء عدرانها

كأنها في شكلها مقلة

زرقاء والأسود إنسانها

وقوله : [البسيط]

كتابنا ولدينا البدر ندمان

وعندنا بكؤوس الراح شهبان

والقضب مائسة والطير ساجعة

والأرض كاسية والجوّ عريان

وقوله : [الطويل]

كتبت وقلبي في يديك أسير

يقيم كما شاء الهوى ويسير

ولي كلّ حين من نسيبي وأدمعي

بكل مكان روضة وغدير

وقوله (١) : [مخلع البسيط]

يا نزهة النّفس يا مناها

يا قرّة العين يا كراها

أما ترى لي رضاك أهلا

وهذه حالتي تراها

فاستدرك الفضل يا أباه

في رمق النّفس يا أخاها

قسوت قلبا ولنت عطفا

وعفت من تمرة نواها

وقوله :

قل للقبيح الفعال يا حسنا

ملأت عينيّ ظلمة وسنا

قاسمني طرفك الضّنى أفلا

قاسم جفنيّ ذلك الوسنا

إني وإن كنت جلدا

أهتزّ للحسن لوعة غصنا

قسوت قلبا ولنت مكرمة

لم ألتزم حالة ولا سننا

لست أحب الجمود في رجل

تحسبه من جموده وثنا

لم يكحل السّهد جفنه كلفا

ولا طوى جسمه الغرام ضنى

فإنني والعفاف من شيمي

آبى الرزايا وأعشق الحسنا

طورا منيب وتارة غزل

أبكي الخطايا وأندب الدّمنا

إذا اعترت خشية بكى وشكى

أو انتحت راحة دنا فجنى

كأنني غصن بانة خضل

تثنيه ريح الصّبا هنا وهنا

__________________

(١) الأبيات في الذخيرة (ج ٢ / ق ٣ / ص ٦٥١ / ٦٥٢) دون تغيير عمّا هنا.

٢٩٩

وقوله (١) : [الكامل]

حدر القناع عن الصّباح المسفر

ولوى القضيب على الكثيب الأعفر

وتملّكته هزّة في عزّة

فارتجّ في ورق الشباب الأخضر

متنفّسا عن مثل نفحة مسكه

متبسّما عن مثل سمطي جوهر

سلّت عليّ سيوفها أجفانه

فلقيتهنّ من الشّباب (٢) بمغفر

متجلّدا آبى (٣) بنفسي أن أرى

هذا الهزبر قتيل ذاك الجؤذر

فحشا بطعنته حشا متنفّس

تحت الدّجى من مارج متسعّر

يغشى رماح الخطّ أوّل مقبل

ويكرّ يوم الحرب آخر مدبر

فتراه بين جراحتين للحظة

مكسورة ولعامل متكسّر

بيني وبينك ذمّة مرعيّة

فإذا تنوسيت الأزمّة (٤) فاذكر

والمح صحيفة صفحتي فاقرأ بها

سطرين من دمع بها متحدّرا

كتبتهما تحت الظلام يد الضّنى

خوف الوشاة بأحمر في أصفر

ومنها : [الكامل]

يثني معاطفه وأذري عبرة (٥)

فإخاله غصنا بشطّي (٦) جعفر

وقوله (٧) : [الطويل]

سقاني (٨) وقد لاح الهلال عشيّة

كما اعوجّ في درع (٩) الكميّ سنان

ونمّت بأسرار الرياض خميلة

لها الزّهر (١٠) ثغر والنسيم لسان

وكتب على ظهر رقعة هاج (١١) : [الكامل]

__________________

(١) الأبيات في الذخيرة (ج ٢ / ق ٣ / ص ٥٩٨ ، ٥٩٩).

(٢) في الذخيرة : من المشيب.

(٣) في الذخيرة : أبأي.

(٤) في الذخيرة : المودة.

(٥) في الذخيرة : وأذرف عبرتي.

(٦) في الذخيرة : بشاطىء.

(٧) البيتان في الذخيرة (ج ٢ / ق ٣ / ص ٦٣٣).

(٨) في الذخيرة : سقانا.

(٩) في الذخيرة : في نحر.

(١٠) في الذخيرة : لها النور.

(١١) البيتان في الذخيرة (ج ٢ / ق ٣ / ص ٦٠٤) دون تغيير عمّا هنا.

٣٠٠