علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي
المحقق: خليل المنصور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٧
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه ، فهذا :
الكتاب الثاني
من الكتب التي يشتمل عليها :
كتاب شرق الأندلس
وهو
كتاب الروضة النرجسية ، في حلى المملكة البلنسية
هي بين مملكة مرسية ومملكة طرطوشة وقد حصلت للنصارى في هذه المدة ، أعادها الله للإسلام ، وينقسم كتابها إلى :
كتاب الألحان المنسية ، في حلى حضرة بلنسية
كتاب الحلّة السندسية ، في حلى الرّصافة البلنسية
كتاب الخصر الأهيف ، في حلى قرية المنصف
كتاب الورق المرنّة ، في حلى قرية بطرنة
كتاب المنّة ، في حلى قرية بنّة
كتاب الحال المغبوطة ، في حلى حصن متّيطة
كتاب الكواكب الزّهر ، في حلى جزيرة شقر
كتاب السحر المسطّر ، في حلى حصن مربيطر
كتاب المراعي العازبة ، في حلى كورة شاطبة
كتاب حصن البونت
كتاب حنين السّانية ، في حلى أعمال دانية
الجميع أحد عشر كتابا ، ومنها كتابان ينقسمان إلى غيرهما ، وهما كتاب كورة شاطبة ، وكتاب أعمال دانية ، وستقف على ذلك هنالك.
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد
أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه ، فهذا :
الكتاب الأول
من الكتب التي يشتمل عليها :
كتاب مملكة بلنسية
وهو
كتاب الألحان المنسية ، في حلى حضرة بلنسية
المنصة
هي عروس.
من المسهب : مطيب الأندلس ، ومطمح الأعين والأنفس ، قد خصّها الله بأحسن مكان ، وحفّها بالأنهار والجنان ، فلا ترى إلا مياها تتفرّع ، ولا تسمع إلا أطيارا تشجع ، ولا تستنشق إلا أزهارا تنفح ، وما أجلت لحظا بها في شيء إلا قلت هذا أملح ، ولها البحيرة التي تزيد في ضياء بلنسية صحو الشمس عليها. ويقال إن ضوء بلنسية يزيد على ضوء سائر بلاد الأندلس ، وجوّها صقيل أبدا ، لا ترى فيه ما يكدّر خاطرا ولا بصرا ، لأن الجنات والأنهار أحدقت بها ، فلم يثر بأرجائها تراب من سير الأرجل وهبوب الرياح ، فيكدّر جوّها ، وهواؤها حسن لتمكنها من الإقليم الرابع ، وأخذها من كل حسن بنصيب. ولها البحر على القرب ، والبرّ المتّسع ، وحيث خرجت من جهاتها لا تلقى إلا منازه ومسارح ، ومن أبدعها وأشهرها الرّصافة ، ومنية ابن أبي عامر.
وهي مدينة متمكنة الحضارة ، جليلة القدر.
ومن كتاب الرازيّ : منافعها لأهلها عظيمة ولمن انتجعها من الناس ، بين البر والبحر ، والزّرع والضّرع ، وتعرف بمدينة التّراب ، وفيها يقول شاعرها الذي لها أن تفخر به بملء فيها ، ابن غالب أبو عبد الله الرّصافي : [الطول]
خليليّ ما للبيد قد عبقت نشرا |
|
وما لرؤوس الرّكب قد رنّحت سكرا |
هل المسك مفتوقا بمدرجة الصّبا |
|
أم القوم أجروا من بلنسية ذكرا |
خليليّ عوجا بي عليها فإنه |
|
حديث كبرد الماء في الكبد الحرّا |
قفا غير مأمورين ولتصديا بها |
|
على ثقة للغيث فاستقيا القطرا |
بجسر معان والرّصافة إنه |
|
على القطر أن يسقي الرصافة والجسرا |
بلادي التي ريشت قويدمتي بها |
|
فريخا ؤ آوتني قرارتها وكرا |
مبادي لين العيش في ريّق الصّبا |
|
أبى الله أن أنسى لها أبدا ذكرا |
أكلّ مكان راح في الأرض مسقطا |
|
لرأس الفتى يهواه ما عاش مضطّرا |
ولا مثل مدحوّ من المسك تربة |
|
تملّي الصّبا فيها حقيبتها عطرا |
نبات كأن الخدّ يحمل نوره |
|
تخال لجينا في أعاليه أو تبرا |
وماء كترصيع المجرّة جلّلت |
|
نواحيه الأزهار فاشتبكت زهرا |
أنيق كريعان الحياة التي حلت |
|
طليق كريّان الشباب الذي مرّا |
بلنسية تلك الزّبرجدة التي |
|
تسيل عليها كلّ لؤلؤة نهرا |
كأنّ عروسا أبدع الله حسنها |
|
فصيّر من شرخ الشباب لها عمرا |
تؤبّد فيها شعشعانيّة الضّحى |
|
إذا ضاحك الشمس البحيرة والنّهرا |
تزاحم أنفاس الرياح بزهرها |
|
نجوما فلا شيطان يقربها ذعرا |
هي الدّرّة البيضاء من حيث جئتها |
|
أضاءت ومن للدّرّ أن يشبه البدر |
التاج
ملكها في مدة ملوك الطوائف خادمان من الموالي العامرية ، هما مبارك ومظفر (١) ، وكان من العجائب اشتراكهما في الملك ، حتى إنهما لم يمتازا إلا في الحرم خاصة ، ولا تنافس بينهما وفيهما يقول ابن درّاج شاعر الأندلس من قصيدة (٢) : [الطويل]
__________________
(١) ترجمته في الذخيرة (ج ٢ / ق ٣ / ص ١٤) والبيان المغرب (ج ٣ / ص ١٥٨ وما بعدها) وأعمال الأعلام (ص ٢٥٥).
(٢) البيت في أعمال الأعلام (ص ٢٥٦).
وأظفرت آمالي بقصد مظفّر |
|
وبورك لي في حسن رأي مبارك |
واشتد أمرهما وحرصهما في الجباية ، وأضرّا بالناس ، فاستغاثوا إلى الله ، فهلك مبارك متردّيا عن فرسه ، وضعف مظفّر بعده ، فأخرجه أهل بلنسية ، فانزوى بشاطبة ، فأسند أهل بلنسية أمرهم إلى :
٥٤٩ ـ المنصور عبد العزيز بن الناصر بن المنصور ابن أبي عامر (١)
وصفه صاحب الذخيرة بأنه كان من أوصل الناس لرحمه ، وأحفظهم لقرابته ، بعثه الله رحمة للمجتثّين من أهل بيته. وخاطب المأمون القاسم بن حمود الذي خطب له بالخلافة في قرطبة ، وبعث له بهدية ، فولاه على ما بيده ، وامتدت دولته في نعمة متّصلة ، ودامت إلى أن توفي سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة. وولي بعده :
٥٥٠ ـ ابنه المظفّر عبد الملك (٢)
ودبّر دولته أبو بكر بن عبد العزيز الكاتب ، ثم جرت ببلنسية خطوب ، وقبل عليها ابن ذي النون الذي أخرجه النصارى من طليطلة ، وحصرها النصارى حتى دخلوها ، وعاثوا فيها أشد العيث واستنقذها منهم مزدلي وابناه عبد الواحد وعبد الله من ملوك الملثّمين. ولما ثارت الفتنة على الملثّمين ، انحاز إليها عبد الله بن غانية ، فأخرجه منها رئيسها أبو عبد الملك مروان بن عبد الله ابن عبد العزيز إلى أن قام عليه جند بلنسية في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة وبايعوا لابن عياض ملك مرسية ، وحمل ابن عبد العزيز إلى المريّة ، وبها ابن ميمون صاحب البحر ، فرفعه في شيني إلى جزيرة ميورقة وهي حينئذ لعبد الله بن غانية خصمه الذي أخرجه من بلنسية ، فسجنه في بيت ، ذكر ذلك ابن اليسع ، ثم تخلّص فكان في حضرة مرّاكش.
أملى عليّ والدي في شأنه : ملك لم يرث الإمارة عن كلالة ، وبدر لم يطلع بغير هالة ، إذ كانت تقدمت ببلنسية رياسة جده أبي بكر بن عبد العزيز ، وأوى منه أهلها في تلك الخطوب إلى حرز حريز ، فظن الناس أن التّيتل في المخبر مثل الأسد ، فقلدوه تلك القلادة ، فذبّ عن نظامها واجتهد ، فهزم جموع الملثمين وأخرج عن بلاده أميرهم عبد الله بن غانية ، وطلع على تلك الظّلم
__________________
(١) ترجمته في الذخيرة (ج ٣ / ص ٤١) ونفح الطيب (ج ١ / ص ١٧٦) وأعمال الأعلام (ص ٢٢٤) والبيان المغرب (ج ٣ / ص ١٦٤).
(٢) انظر ترجمته في الذخيرة (ج ٣ / ص ٤٢) وأعمال الأعلام (ص ٢٢٦).
كالصّبح المبين ، إلا أنه صادف في شرق الأندلس الأمير أبا محمد بن عياض أسد الحروب ، وقطب الخطوب ، رجل الثّغر شهرة وشجاعة ، قد ألقى جميع تلك البلاد له بالسمع والطاعة ، فهوت قلوب أهل بلنسية إليه ، ورام ابن عبد العزيز صرفهم عن ذلك فثاروا عليه ، فخضعت أقلامه للسيوف ، ودارت عليه من الفتن صروف ، فلم ير إلا الفرار ، قائلا ليس على زأر الأسد قرار ، فجاءت به المقادر إلى أن حصلته في يد عدوه عبد الله بن غانية ، فسجنه في جزيرة ميورقة إلى أن يسّر الله سراحه على أيدي الموحدين ، فحلّ بمراكش تحت نعمة ضافية ملحوظا بعين الرعاية ، متفقدا من الأمر العزيز بأجزل جراية.
أخبرني أحد الأدباء الأعيان ، ممن كان يمازحه ويركن إليه ، أنه كان دائم الحسرة على كونه لم يطل ملكه ، وكان انجعافه مرة ، وأنه كان يستريح في ذلك بما ينظمه ، قال : ومما أنشدنيه لنفسه من ذلك قوله : [الطويل]
علمت بأن الدائرات تدور |
|
وقد كشفت منّا هناك بدور |
ونادى منادي البين فينا ترحّلوا |
|
فطار فؤاد للفراق صبور |
ونثّر سلك طال في الملك نظمه |
|
كذا كلّ نظم بالزمان نثير |
خرجنا من الدنيا وكانت بأسرها |
|
تصيخ لما نومي به ونشير |
نهضنا بها ما دام في السعد نجمنا |
|
فلما هو جارت وليس مجير |
فلا ينس تسليم السّماطين مسمعي |
|
بحيث القنا والمرهفات سطور |
وحيث بنوا الآمال تكرع كالقطا |
|
وقد زخرت للمكرمات بحور |
وقد قامت المدّاح تنثر نظمها |
|
ودارت علينا للثناء خمور |
ولله يوم قد نهضت بصدره |
|
وحولي من صيد الكماة صقور |
أثار به ركض الفوارس قسطلا |
|
يرصّعه للباترات قتير |
وقد جال جرّرا الذيول مماصع |
|
وطار إلى نهب النفوس مغير |
وقد صمّت الأسماع إذ طاشت النّهى |
|
وحامت على ما عوّدته طيور |
وأصدرت الرايات حمرا كأنها |
|
صدور حسان مسهنّ عبير |
ألا بأبي ذاك الزمان الذي قضى |
|
وتعسا لدهر جاء وهو عثور |
تصابحنا فيه الرزايا فتارة |
|
تصمّ صماخا أو تجيش صدور |
لقد أسخن المقدار طرفي بعده |
|
وكم قرّ بالآمال وهو قرير |
أيا مهديا نحوي التحية عن نوى |
|
تسائلني ، إن الزمان خبير |
فسله عن الماضين قبلي فإنه |
|
على كل حال لا يزال يجور |
فلو أبصرت عيناك همّي حالكا |
|
وشهب الدّياجي في السماء تنير |
ومن أدمعي زهر تناثر غصنه |
|
بنكباء يزجيها جوى وزفير |
لأنشدت من طول التفجّع والأسى |
|
وقد قصرت عني منى وقصور |
«غريب بأرض المغربين أسير |
|
سيبكي عليه منبر وسرير» |
فصل : وتداولت على بلنسية ولاة ابن مرذنيش ، ثم ولاه بني عبد المؤمن ، إلى أن ثار ابن هود في الأندلس ، فثار ببلنسية قائد أعنّتها :
٥٥١ ـ زيّان بن يوسف بن مرذنيش (١)
وأخرج منها أبا زيد عبد الرحمن بن محمد بن أبي حفص بن عبد المؤمن ، ورامها ابن هود فلم يقدر عليها إلى أن مات بحسرتها. وبعده حصرها النصارى ، فخرج منها المسلمون على صلح ، وآل الأمر بزيان أنه الآن عند سلطان إفريقية في نعمة وكرامة.
السلك
الوزراء
٥٥٢ ـ ذو الوزارتين أبو عامر بن الفرج (٢) وزير المأمون بن ذي النون ملك طليطلة ثم وزير ابن ابنه القادر
من الذخيرة : من بيت رياسة ، وعترة نفاسة ، ما منهم إلّا من تحدّى بالإمارة ، وتردّى بالوزارة ، فطلع في آفاق الدول ، ونهض بين الخيل والخول. ووقفت على نسخة من القلائد ، فوجدت فيها من ذكر أبي عامر هذا ما وجدته في الذخيرة سواء.
ومن المسهب : بنو الفرج من أعيان بلنسية الذين توارثوا الحسب ، وجلّوا عن أن يحيط بهم نظم من الشعر أو نثر من الخطب ، ما منهم إلا من تهادته الملوك ، وطلع بآفاقهم طلوع الشمس عند الدّلوك. وكان أبو بكر بن عبد العزيز يقصدهم ، لمكانهم من بلده ، ويخفي لهم ما أظهره بعد من حسده ، فتصدى لهم بالموبقات وأخرجهم عن بلنسية ، فتفرقوا على حواضر ملوك الطوائف ، وكلّ صادف محلا قابلا ، وصار أبو عامر وزيرا للمأمون بن ذي النون.
__________________
(١) ثار ببلنسية سنة ٦٢٦ ه. ترجمته في نفح الطيب (ج ١ / ص ٢٩٠).
(٢) انظر ترجمته في الذخيرة (ق ٣ / ص ١٠٣) والحلة السيراء (ج ٢ / ص ١٧١) ونفح الطيب (ج ٤ / ص ٢٦٥) ومطمح الأنفس (ص ١٥).
ومن شعره قوله في أبي عبد الرحمن بن طاهر صاحب مرسية : [الخفيف]
قد رأينا منك الذي سمعنا |
|
فغدا الخبر عاضد الأخبار |
إذ وردنا لديك بحرا نميرا |
|
وارتقينا حيث النجوم الدّراري |
ولكم مجلس لديك انصرفنا |
|
عنه مثل الصّبا عن الأزهار |
قال : وله في التوشيح طريقة حسنة.
٥٥٣ ـ ذو الوزارتين أبو القاسم بن فرج كاتب أبي محمد بن القاسم (١) صاحب البونت
من المسهب : أنه من هذا البيت المذكور ، وأبو القاسم مقلة إنسانه ، وفارس ميدانه ، وهو أشعر بني الفرج طرّا ، ولذلك اشتمل عليه ابن القاسم المذكور لحبّه في الشعر ، ومعرفته به ، مع ما فيه من الخلال الموجبة لعلوّ المنزلة ، وما زال يحمد اختباره ، إلى أن قلّده الوزارة فاستقلّ بأعبائها ، وطلع بدرا في آفاق سمائها. ومما يستدلّ به على طبقته في الشعر قوله : [الطويل]
تأمّل لجفن الليل بالبرق أرمدا |
|
تألّم حتى أسبل القطر باكيا |
وأحسبه إذ بنت عني فأصبحت |
|
جفوني قرحى بالدموع حكانيا |
وقوله : [البسيط]
الراح لا تحجبوا عني محيّاها |
|
بيّا الإله مغانيها وحيّاها |
ما أصبحت مهجتي كالروض ميّتة |
|
إلا هفا بارق منها فأحياها |
طوبى لمن طلعت شمسا بمجلسه |
|
وبالنجوم من النّدمان حلّاها |
٥٥٤ ـ الوزير أبو جعفر أحمد بن جرج (٢) وزير ابن عمار لما ثار بمرسية
من الذخيرة : كان أبو جعفر في وقته أحد الأعلام ، وفرسان الكلام ، وحلّ عند ملوك الطوائف بأفقنا من الدول ، محل الشمس من الحمل ، فحملها على كاهله ، وصرّف أعنّتها بين أنامله ، حسن شارة ، وكرم إشارة ، وعلوّ همة ، وظهور نعمة. وله رسائل مطبوعة ، ومنازع في الأدب بديعة. ومن نثره قوله يخاطب ابن طاهر لما خلع عن ملك مرسية ، ثم خلص من يد ابن عباد.
__________________
(١) انظر أعمال الأعلام (ص ٢٣٩).
(٢) انظر ترجمته في الذخيرة (ج ١ / ق ٣ / ص ٤٤٨) والتحفة (ص ٦١) والمسالك (ج ١١ / ص ٤٤٩).
ما أعجب الأيام ، أعقب الله منها السلامة والسلام ، فيما يقضي ، وكيف يمضي ، تتعاقب بتلوين ، وتتراىء بين تقبيح وتحسين ، فهي تعتب وتعتب ، وتعتذر كما تذنب ، وتصدع وتشعب ، كما تجدّ وتلعب ، وإن صنيعها عندنا فيك وإن كان الأم ، فقد أخمد الدهر ما أوقد ، وعاد غيث على ما أفسد ، وإن يكن ـ حمى الله ذراك ، وحرس علاك ـ كشف إليك صفحة اعتداء ، وتخطّى بقدم أعداء ، فقد تراجع يمشي على استحياء ، متنصّلا مما اقترف ، متأسّفا على ما سلف ، وعند مثلك للقدر التسليم ، فأنت الخبير العليم ، أنه ما اختلف الليل والنهار ، إلا بنقض وإمرار ، ولا دار الفلك المدار ، إلا لأمر واختيار. كنت في الأرض من أسنى مطالعها مشرق الأنوار ، فلا غرو أن يدركك ما يدرك القمر من الأفول حينا والسّرار ، فقد يخسف البدر ثم يعاوده الإضاءة والنور ، والحمد لله الذي أخرجك من ظلمائك الغمّاء خروج السيف من الجلاء والبدر بعد الانجلاء ، نقيّ الأثواب من تلك الطّخياء. ومن نظمه قوله (١) : [البسيط]
ساروا فودّعهم طرفي وأودعهم |
|
قلبي فما بعدوا عني ولا قربوا (٢) |
هم الشموس ففي عيني إذا طلعوا |
|
في القادمين وفي قلبي إذا غربوا |
وقوله في رثاء ابن عمار (٣) : [البسيط]
قد طالما (٤) عمّر المرء ابن عمّار |
|
ممتدحا (٥) بأمانيّ وأخطار |
يملى له ويملّي (٦) كلّ ما وطر |
|
وللمقادير فيه أيّ أوطار |
استدرجته لما قد أدرجته به |
|
حتى أتى لمناياه بمقدار |
مكاره (٧) خفيت عنه مصادرها |
|
والحين ما بين إيراد وإصدار |
مستوزر لم يؤل منها إلى وزر |
|
وكم (٨) تحمّل من أعباء أوزار |
تأتي الأمور إذا أقبلن مشكلة |
|
لكن تفاسيرها تغري بإدبار |
__________________
(١) البيتان في الذخيرة (ج ١ / ق ٣ / ص ٤٥٤) والمسالك (ج ١١ / ص ٤٤٩).
(٢) في الذخيرة : قرب.
(٣) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ق ٣ / ص ٤٥٦ ، ٤٥٧).
(٤) في الذخيرة : طال ما.
(٥) في الذخيرة : مستدرجا.
(٦) في الذخيرة : وتملّى.
(٧) في الذخيرة : موارد.
(٨) في الذخيرة : كم بدون واو.
الكتّاب
٥٥٥ ـ أبو جعفر أحمد بن أحمد (١)
من المسهب : من أعيان كتّاب بلنسية ، رفيع الهمة ، غير منخرق الحرمة ، له أخلاق تأبى له من كل خدمة ، ونظمه ونثره غير مناهزين. وأورد له ما في كتاب القلائد.
ومن الكتاب المذكور : كاتب مجيد ، وفاضل مجيد ، انخفض عن الارتفاع ، ونفض يده عن الانتفاع ، فلم يلمح في سماء ولم يرد ورود ماء. وكانت له نفس أبيّة ، وسجيّة سنيّة. وذكر أنه كتب له : استكمل الله لمثنّى الوزارة سعادة ، وأستوصل له من سموها عادة ، وأسأله المسرة بدنوه معادة ، كيف لا أراقب مراقب النجوم ، وأطالب مآقي العين بالسّجوم ، وقد أنذر بالفراق منذر ، وحذّر من لحاق البين محذّر ، ويا ليت ليلنا غير محجوب ، وشمسنا لا تطلع بعد وجوب ، فلا تروّع بانصداع ، ولا تفجع ليلنا بوداع ، حسبنا الله ، كذا بنيت هذه الدار ، وأرى سبحانه أن تصل شملنا الأقدار ، ولعلها تجود بعد لأي ، وتعود إلى أحسن رأي ، فتنظر نظرا جميلا ، وتعمر ربعا محيلا ، إن شاء الله. وأنشد له الحجاريّ في منية المنصور بن أبي عامر ببلنسية (٢) :
قم سقّني (٣) والرياض لابسة |
|
وشيا من النّور حاكه القطر |
والشمس قد عفرت غلائلها |
|
والأرض تندى ثيابها الخضر |
في مجلس كالسّماء لاح به |
|
من وجه من قد هويته بدر |
والنهر مثل المجرّ حفّ به |
|
من النواحي (٤) كواكب زهر |
٥٥٦ ـ أبو القاسم محمد بن نوح (٥)
أملى عليّ والدي في شأنه : كاتب بليغ النثر ، غير قاصر في النظم ، كتب عن أبي عبد الله بن أبي حفص بن عبد المؤمن ملك بلنسية ، ومدح منصورهم بأمداح كثيرة. قال : وهو ممن صحبته وذاكرته ومازجته ، وأنشدني لنفسه قوله : [الوافر]
خليل لا يدوم له خليل |
|
يميل مع الزمان كما يميل |
__________________
(١) انظر ترجمته في الذخيرة (ج ٢ / ق ٣ / ص ٧٥٥) وقلائد العقيان (ص ١٦٥).
(٢) الأبيات في الذخيرة (ج ٢ / ق ٣ / ص ٧٧٣).
(٣) في الذخيرة : فاسعني.
(٤) في الذخيرة : من الندامى.
(٥) انظر ترجمته في تحفة القادم (رقم : ٧٧) والتكملة (ص ٣١١).
سمين جسمه والعرض مضنى |
|
يكثّر نفسه وهو القليل |
ينال صديقه وينال منه |
|
وإن يحتج إليه فلا ينيل |
وقوله : [الوافر]
ألا لله بستان غدونا |
|
عليه وزهره ملقى الإزار |
وللبسباس أعلام أرتنا |
|
قريب الهلب أذناب المهار |
والبسباس في المغرب هو / الرازيانج.
٥٥٦ م ـ أبو عمرو بن سيدهم كاتب أبي عنوان بن أبي حفص ملك المرية
له الأبيات التي يغنّى بها : [البسيط]
يا دار فيك حبيب لا أسمّيه |
|
شحّا عليه وخوفا من تجنّيه |
البدر طلعته والغصن قامته |
|
والشمس أحسبها كانت تربّيه |
طوبى لربّته ما كان أسعدها |
|
ووالديه وما أشقى محبّيه |
قال العواذل إذ أبصرن طلعته |
|
من ذا الذي جلّ عن وصف وتشبيه |
فقلت والوجد يطويني وينشرني |
|
هذا الغزال الذي لمتنّني فيه |
٥٥٧ ـ أبو عبد الله محمد بن الأبّار (١)
كاتب زيّان بن مرذنيش ملك بلنسية ، وقد كتب عن سلطان أفريقية. اجتمعت به ، ورأيته فاضلا في النظم والنثر والتاريخ وملح الآداب ، وممّا أنشدني من شعره قوله : (٢) : [مجزوء الوافر]
حديقة ياسمين لا |
|
تهيم بغيرها الحدق |
إذا جفن الغمام بكى |
|
تبسّم ثغرها اليقق |
كأطراف (٣) الأهلّة سا |
|
ل في أثنائها الشّفق |
وقوله :
__________________
(١) ترجمته في فوات الوفيات (ج ٣ / ص ٤٠٤) والذيل والتكملة (ج ٦ / ص ٢٥٣) واختصار القدح (ص ١٩١) وأزهار الرياض (ج ٣ / ص ٢٠٤) وشذرات الذهب (ج ٥ / ص ٢٧٥). ونفح الطيب (ج ٣ / ص ٣٣٥).
(٢) الأبيات في نفح الطيب (ج ٣ / ص ٣٣٥) واختصار القدح المعلى (ص ١٩١).
(٣) في النفح : فأطرف.
نظرت إلى البدر عند الخسوف |
|
وقد شين منظره الأزين |
كما سفرت صفحة للحبيب |
|
فحجّبها برقع أدكن |
وقوله : [الوافر]
عجبت من الخسوف وكيف أودى |
|
ببدر التّمّ لمّاع الضّياء |
كمرآة جلاها الصّقل حتّى |
|
أنارت ثمّ ردّت في غشاء |
وقوله (١) : [الطويل]
لك الخير أتحفني بخيريّ روضة |
|
لأنفاسه عند الهجوع (٢) هبوب |
أليس أديب النّور (٣) يجعل ليله |
|
نهارا فيذكو تحته ويطيب |
ويطوي مع الإصباح منثور نشره (٤) |
|
كما بان عن ربع المحبّ حبيب |
أهيم به عن نسبة أدبيّة |
|
ولا غروة أن يهوى الأديب أديب |
وقوله : [الطويل]
لقد غضبت حتى على السّمط نخوة |
|
فلم تتقلّد غير مبسمها سمطا |
وأنكرت الوخط الملّم بلمّتي |
|
ومن عرف الأيام لم ينكر الوخطا |
وقوله :
يا حبذا بحديقة دولاب |
|
سكنت إلى حركاته الألباب |
غنّى ولم يطرب وسقّى وهو لم |
|
يشرب ومنه العود والأكواب |
لو يدّعي لطف الهواء أو الهوى |
|
ما كنت في تصديقه ترتاب |
وكأنه مما شدا مستهتر |
|
وكأنه مما بكى أوّاب |
وقوله :
وقالوا ألفت الكرى نطفة |
|
وبتّ على ظمإ للكرى |
فقلت الهوى ضافني طاويا |
|
إليّ المراحل يشكو السّرى |
فبوّأته مقلتي منزلا |
|
وقدّمت نومي إليه قرى |
__________________
(١) الأبيات في نفح الطيب (ج ٣ / ص ٣٣٦) واختصار القدح (ص ١٩٢).
(٢) في النفح : الهجوم.
(٣) في النفح : الروض.
(٤) في النفح : منشور نشره.
وقوله (١) : [الطويل]
تراىء له أفق البحيرة والبحر |
|
فراح بماء القلب مختضب النّحر |
وقد منع التهويم أنّي هائم |
|
بعيش مضى بين الرّصافة والجسر |
وجنّة دنيا لا نظير لحسنها |
|
تفجّرت الأنهار من تحتها تجري |
إذا الناس حنّوا للربيع وجدتنا |
|
بها في ربيع كلّ حين من الدّهر |
تهبّ نعاماها فيفغم أنفنا (٢) |
|
بأنفاسها الملذوذة البرد في الحرّ |
كأنّي من قلبي المتيّم قادح |
|
عفارا لتذكاري لكثبانها العفر |
وأيامي الزّهر الوجوه خلالها |
|
ولا خلّة غير الحديقة والنّهر |
فمن بكرات أدبرت وأصائل |
|
جنيت بها الإقبال في غرّة العمر |
عشايا كساها التّبر فضل شنوفه (٣) |
|
ألا يا لها فضل الشّنوف على التّبر |
وقوله :
أبستان الرّصافة لا |
|
هويت سواك بستانا |
تخال الدّوح مجتمعا |
|
به شيبا وشبّانا |
وقد لبست مفارقه |
|
من الأنداء تيجانا |
تجول به جداوله |
|
وتغشى النهر إدمانا |
فتحسبها إذا انسابت |
|
أراقم زرن ثعبانا |
وقوله (٤) : [الكامل]
من عاذري من بابليّ طرفه |
|
ولعمره ما حلّ يوما بابلا |
أعتدّه خوطا لعيشي ناعما |
|
فيعود خطيّا لقتلي ذابلا |
وقوله : [الكامل]
أين المذانب لا تزال تأسّفا |
|
يجري عليها من دموعي مذنب |
من كل بسّام الحباب كأنّه |
|
ثغر الحبيب وريقه المستعذب |
كالنّصل إلا أنّه لا يتّقى |
|
كالصّلّ إلا أنه لا يرهب |
__________________
(١) الأبيات في اختصار القدح (ص ١٩٢)
(٢) في اختصار القدح : فتنم أنفسنا بأنغامها.
(٣) في اختصار القدح : شفوفه.
(٤) البيتان في نفح الطيب (ج ٣ / ص ٣٧٧) واختصار القدح (ص ١٩٣) دون تغيير عمّا هنا.
ومنها في الدّولاب (١) : [الكامل]
تقتادنا أقدامنا وجيادنا |
|
لجنابه وهو النّضير المعجب |
كلفا بدولاب (٢) يدور كأنّه |
|
فلك ولكن ما ارتقاه كوكب |
نصبته فوق النهر أيد قدّرت |
|
ترويحه الأرواح ساعة ينصب |
فكأنّه وهو الطّليق مقيّد |
|
وكأنّه وهو الحبيس مسيّب |
للماء فيه تصعّد وتحدّر |
|
كالمزن يستسقي البحار ويسكب |
العمال
٥٥٨ ـ أبو الحسين بن سابق صاحب أعمال بلنسية
من المسهب : من النجباء الذين أطلعهم الأفق البلنسي ، كان في أول حاله مستجديا بالشعر في الآفاق ، ما بين ظفر وإخفاق ، إلى أن ترقّى إلى ولاية السوق ببلنسية ، فظهرت منه دربة في الشغل ، وبان عليه استقلال ، فولى خطّة الأشراف ولحظه السّعد بطرفه كله ، فنال أمنيّته. وهو معدود في نبهاء الكتاب والشعراء. ومن شعره قوله وقد جاءه غلام جميل الصورة من البداة ، يشتكي بأن العمال كتبوا عليه أعشارا لا يحتملها ، وأن زرعه دون ما قدّروا ، وبكى وأظهر خضوعا ، فتحمّلها عنه : [الطويل]
أتى شاكيا أعباء أعشاره التي |
|
تحمّلها عنه المشوق الذي بلي |
فقلت وقد أبدى لديّ خضوعه |
|
وأسبل دمعا كالجمان المفصّل |
وما ذرفت عيناك إلا لتقدحي |
|
بسهميك في أعشار قلب مقتّل |
فليتك قد أمسيت سرّا معانقي |
|
ومتّ على خمر كريقك سلسل |
أعاطيكها حتى الصّباح وبيننا |
|
حديث كماء الورد شبت بمندل |
٥٥٩ ـ أبو عبد الله محمد بن عائشة (٣)
صاحب أعمال بلنسية. من الذخيرة : أي فتى طهارة أثواب ، ورقّة آداب ، وأكثر ما عوّل على الحساب ، فهو اليوم فيه آية لا يقاس عليها ، وغاية لا يضاف إليها. وله من الأدب حظ وافر ،
__________________
(١) الأبيات في نفح الطيب (ج ٣ / ص ٥٣).
(٢) في النفح : لله دولاب.
(٣) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ٥ / ص ١٦٣) وفي الذخيرة (ق ٣ / ص ٨٨٧).
وفي أهله اسم طائر ، يقول من الشعر ما يشهد له بكرم الطبع ، وسعة الذّرع ، كان يوما مع أبي إسحاق بن خفاجة وجماعة من الأدباء تحت خوخة منورة ، فهبّت ريح صرصر أسقطت عليهم جميع زهرها ، فقال ابن عائشة (١) : [مخلع البسيط]
ودوحة قد علت سماء |
|
تطلع أزهارها نجوما |
كأنما الجوّ (٢) غار لمّا |
|
بدت فأغرى بها النسيما |
هفا نسيم الصّبا عليها |
|
فخلتها أرسلت رجوما |
ومن المسهب : ممن أنشأته بلنسية من الأعلام ، وأظهرته من السادة الكرام ، لكنه عاش زمانا ، وما علم أنه من الجماهير ، إلى أن نبّه السعد عليه أمير الملثّمين فأشرقت به تلك الدياجير ، واستدعاه فقدمه على حسبانات جميع المغرب ، ووضع في يديه مقاليد الأعمال ، وحكّمه في الأموال ، فعظم قدرة ونبه ذكره. وله نظم أرقّ من دمعة مهجور ، تدار عليك به صافية الخمور.
ومن السمط : ذو الجانب السهل ، والرّحب والأهل ، والمنتهى في السيادة ، وحسن الإراغة والإرادة. ومن نثره.
أطال الله ـ يا عياذي الأعلى وعتادي الأقوى ـ بقاءك ، وأحسن في هذا الملمّ المبهم عزاءك ، وسرّك ولا ساءك ، كتبته ، دام عزك ، وإن يدي لا تكاد تطاوعني إشفاقا ، ونفسي لا تكاد تملي عليّ ارتماضا واحتراقا ، لما ورد فأصمى وأوجع ، وأصمّ به الناعي وإن كان أسمع. وأنشد له من قصيدة قوله : [الرمل]
كم له عندي من مكرمة |
|
أنفدت شكري وأعيت منطقي |
أثقلت تلك المساعي كاهلي |
|
طوّقت تلك الأيادي عنقي |
ومنها : [الرمل]
لم تكن علياؤه فيمن مضى |
|
لا ، ولا آلاؤه فيمن بقي |
وسليل المجد أعني نجله |
|
مدرك غاية ذاك الطّلق |
البيوت
٥٦٠ ـ أبو محمد عبد الله بن واجب
__________________
(١) الأبيات في نفح الطيب (ج ٥ / ص ١٦٣) والذخيرة (ق ٣ / ص ٨٨٧).
(٢) في النفح : كأنما الأفق.
من المسهب : بنو واجب ذكرهم في كل مكرمة واجب ، حازوا بحضرة بلنسية شهرة الذكر ، وجلالة القدر ، من بين صاحب أحكام ، وعلم من أعلام ، ووزير مدير ، وحسيب شهير. وأبو محمد أديبهم الكامل ، وشاعرهم المجيد الفاضل ، وقد وفد على أمير الملثّمين علي بن يوسف بن تاشفين ، وأنشده قصيدة ، منها : [الطويل]
بربعهم عرّج فذلك مطلبي |
|
ودع ذكر نعمان وسلع وغرّب |
نأوا لا نأى عني تذكّر عهدهم |
|
وقلبي في غير الجوى لم يقلّب |
وأحسبهم يرعون عهدي كمثل ما |
|
رعيت ولا يصغون نحو تجنّب |
ومنها : [الطويل]
لقد نصر الرحمن أمّة أحمد |
|
بملك عليّ بين شرق ومغرب |
هو الملك الأعلى الذي امتدّ ظلّه |
|
وفاض نداه الغمر في كل مذهب |
إذا اطّعت سود الخطوب فإنّنا |
|
لنلمح من أضوائه نور كوكب |
ومن جيد شعره قوله : [السريع]
أنا الذي يعرفه دهره |
|
ما إن يهزّ الخطب لي منكبا |
وقد قسا قلبي لما أبصرت |
|
عيني ولا يخدع من جرّبا |
فما أبالي من أخ مخلص |
|
أمشرقا يمّم أم مغربا |
وذكره ابن اليسع ، وأطنب في الثناء عليه.
العلماء
٥٦١ ـ أبو الربيع سليمان بن سالم الكلاعيّ (١)
من أئمّة المحدّثين ، وأعلام العلماء المشهورين في عصرنا ، أنشدني له كاتب سلطان إفريقية أبو عبد الله بن الأبار ، وهو أحد من روى عنه وقرأ عليه ، في مشط فضّة :
تهوى محلّي النجوم |
|
يا بعد ما قد تروم |
كم لمّة لكعاب |
|
بها النفوس تهيم |
سريت فيها شهابا |
|
حواه ليل بهيم |
__________________
(١) انظر ترجمته في تحفة القادم (رقم ٩٠) وفي التكملة (ص ٧٠٨) ، توفي في سنة ٦٣٤ ه.
ما صاغني من لجين |
|
إلا ظريف حكيم |
مشط الحسان بعظم |
|
ظلم لعمري عظيم |
٦٥٢ ـ أبو الحسن علي بن سعد الخير (١)
أخبرني والدي : أنه كان شهير الذكر ، جليل القدر ، متصدرا لإقراء العربية ببلنسية في مدة منصور بني عبد المؤمن ، وقد ذكره صفوان في زاد المسافر ، وأنشد له قوله (٢) : [الكامل]
لله دولاب يفيض بسلسل |
|
في دوحة (٣) قد أينعت أفنانا |
قد طارحته بها الحمائم شجوها |
|
فتجيبه وترجّع (٤) الألحانا |
وكأنه (٥) دنف أطاف (٦) بمعهد |
|
يبكي ويسأل فيه عمّن بانا |
ضاقت مجاري طرفه عن دمعه |
|
فتفتّحت أضلاعه أجفانا |
وقوله : [السريع]
جزى إله العرش يوم النّوى |
|
بشّر ما يجزيه يوم الحساب |
كم وقفة قلبي أضحى بها |
|
يخفق في الصدر خفوق السّراب |
والعيس قد ولّت بأحبابنا |
|
تمرّ في البيداء مرّ السحاب |
٥٦٣ ـ أبو الحسن علي بن حريق (٧)
أخبرني والدي : أنه اجتمع به في سبتة في مدة مستنصر بني عبد المؤمن ، وقد قصد صاحب أعمالها ابن عبد الصمد مادحا ، للذائع من كرمه ، فرأى خير من يجتمع به أدبا وشعرا وظرفا وحسن زيّ ، قال : وشهدت له بحفظ الآداب والتاريخ ، مما قيّدته عنه ممن شعره قوله (٨) : [الكامل]
__________________
(١) ترجمته في نفح الطيب (ج ٥ / ص ١٤٠) وزاد المسافر (ص ١٠٣) والتكملة (رقم ١٨٦٧) والمقتضب من كتاب تحفة القادم (ص ١٠٤) والذيل والتكملة (ج ٥ / ص ١٨٧) توفي بإشبيلية سنة ٥٧١ ه.
(٢) الأبيات في مصادر ترجمته مع بعض الاختلاف.
(٣) في النفح : روضة.
(٤) في النفح : يرجّع.
(٥) في النفح : فكأنه.
(٦) في زاد المسافر والنفح : يدور.
(٧) ترجمته في فوات الوفيات (ج ٣ / ص ٦٤) ومعجم البلدان (ج ١ / ص ٤٩١) ونفح الطيب (ج ١ / ص ١٧٦). توفي سنة ٦٢٢ ه.
(٨) الأبيات في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٣٦٧).
يا ويح من بالمغرب الأقصى ثوى |
|
حلف النّوى وحبيبه بالمشرق |
لو لا الحذار على الورى لملأت ما |
|
بيني وبينك من زفير محرق |
وسكبت دمعي ثمّ قلت لسكبه |
|
من لم يذب من زفرة فليغرق |
لكن خشيت عقاب ربّي إن أنا |
|
أغرقت (١) أو أحرقت من لم أخلق |
وقوله : [الكامل]
يا صاحبيّ وما البخيل بصاحب |
|
هذي الديار فأين تلك الأدمع |
أتمرّ بالعرصات لا تبكي بها |
|
وهي المعاهد منهم والأربع |
هيهات لا ريح اللواعج بعدهم |
|
رهو ولا طير الصّبابة وقّع |
يا سعد ما هذا المقام وقد مضوا |
|
أتقيم من بعد القلوب الأضلع |
جاروا على قلبي بسحر جفونهم |
|
لا زال يشعبه الأسى ويصدّع |
وأبى الهوى إلا الحلول بلعلع |
|
ويح المطايا أين منها لعلع |
لم يدر أين ثووا فلم يسأل بهم |
|
ريحا تهبّ ولا بريقا يلمع |
وكأنهم في كل مدرج ناسم |
|
فعليه منهم رقّة تتضوّع |
فإذا منحتهم السلام تبادرت |
|
تبليغه عني الرياح الأربع |
وقوله : (٢) : [الكامل]
كلّمته فاحمرّ من خجل |
|
حتى اكتسى بالعسجد الورق |
وسألته تقبيل راحته |
|
فأبى وقال أخاف أحترق |
حتى زفيري عاق عن أملي |
|
إن الشقيّ بريقه شرق |
وقوله قد شرب عنده محبوبة عشية ، وعزم على أن ينفصل عنه لداره ، فمنعه من ذلك سيل ، فبات عنده (٣) : [مخلع البسيط]
يا ليلة جادت الليالي (٤) |
|
بها على رغم أنف دهري |
للسّيل (٥) فيها عليّ نعمى |
|
يقصر عنها لسان شكري |
__________________
(١) في النفح : أحرقت.
(٢) الأبيات في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٣٦٧) زاد المسافر (ص ٢٣) ، دون تغيير عما هنا.
(٣) الأبيات في نفح الطيب (ج ٥ / ص ١٥).
(٤) في النفح : الأماني.
(٥) في النفح : تسيل.
أبات في منزلي حبيبي |
|
وقام في أهله بعذر |
فبتّ لا حاله كحالي |
|
ضجيع بدر صريع سكر (١) |
يا ليلة القدر في الليالي |
|
لأنت خير من ألف شهر |
وقوله : [السريع]
لم تبق عندي للصّبا لذّة |
|
إلا الأحاديث على الخمر |
وقوله : [الوافر]
وما بقيت من اللذّات إلا |
|
محادثة الرجال على الشرّاب |
ولثمك وجنتي قمر منير |
|
يجول بخدّه ماء الشباب |
وقوله : [الكامل]
إنّ ماء كان في وجنتها |
|
شربته السّنّ حتى نشفا |
وذوى العنّاب من أنملها |
|
فأعادته الليالي حشفا |
وقوله في الشواني (٢) : [الكامل]
وكأنما سكن الأراقم جوفها |
|
من عهد نوح مدّة الطوفان |
فأين رأين الماء يطفح نضضت |
|
من كل خرت (٣) حيّة بلسان |
وقوله : [الوافر]
بلنسية قرارة كلّ ، حسن |
|
حديث صحّ في شرق وغرب |
فإن قالوا : محلّ غلاء سعر |
|
ومسقط ديمتي طعن وضرب |
فقل هي جنّة خفّت رباها |
|
بمكروهين من جوع وحرب |
قال صفوان : اجتمع مرج كحل وابن حريق في مجلس أحد الوزراء ، فابتدأ مرج كحل ينشد قصيدة في الفخر أولها :
هكذا كل جزريّ النّسب
فقال ابن حريق :
يابس الراحة مبلول الذّنب
__________________
(١) في النفح : صريع سكر ضجيع بدر.
(٢) البيتان في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٣٦٨) وزاد المسافر (ص ٢٤).
(٣) في النفح : من كل خرق.
٥٦٤ ـ الحكيم الفيلسوف أبو جعفر أحمد بن عتيق ابن جرج المعروف بابن الذهبيّ (١)
أخبرني والدي : أنه كان من أعيان بلنسية وإنما عرف بالذهبيّ ، لأن جده كان مولعا بالكتب بالذهب والتصوير به ، واجتمعت به في مراكش ، فرأيت بحرا زاخرا ، وروضا ناضرا ، قال : وكان مشاركا في الآداب وعلوم الشريعة ، ولكن الغالب عليه علم الفلسفة ، وكان أيضا طبيبا ماهرا ، وكان من أصحاب ابن رشد ، فلما سخط المنصور على ابن رشد طلب أصحابه ، فاختفى ابن الذهبيّ إلى أن عفا عنه ، ثم ما زال يترقّى إلى أن قدّمه على الطلبة ، فجلّ قدره ، واشتهر ذكره ، وكفاك عنوانا على علو طبقته في النظم قوله (٢) : [الخفيف]
أيها الفاضل الذي قد هداني |
|
نحو من قد حمدته باختياري (٣) |
شكر الله ما أتيت وجازا |
|
ك ولا زلت أيّ نجم لسار (٤) |
أيّ برق أفاد أيّ غمام |
|
وصباح أدّى لضوء نهار |
وإذا ما غدا النسيم دليلي |
|
لم يحلني إلا على الأزهار |
وقوله في وزير مراكش أبي سعيد بن جامع وقد عاده : [الخفيف]
أنت عين الزمان لا تنكر السّق |
|
م فم ذاك منكر في العيون |
٥٦٥ ـ عبد الودود البلنسنيّ الطبيب (٥)
من الخريدة : رحل إلى العراق وخراسان وعرف عند السلاطين ، وكان في عصر السلطان محمد بن ملكشاه. ومن شعره قوله فيما يكتب بالذهب على بيضة نعامة : [الطويل]
قبيح لمثلي أن يحلّى بعسجد |
|
وألبس أثوابا وملبسي الدّرّ |
ولو كنت في بحر لعزّت مطالبي |
|
ولكنّ عيني أن مسكني البرّ |
__________________
(١) انظر ترجمته في بغية الوعاة (ص ١٤٤) والغصون اليانعة في محاسن شعراء المائة السابعة والتكملة (ص ٩٥) ونفح الطيب (ج ٤ / ص ١٨٢) وعيون الأنباء في طبقات الأطباء (ص ٥٣٧) توفي سنة ٦٠١ ه.
(٢) الأبيات في الغصون اليانعة (ص ٣٦) ونفح الطيب (ج ٤ / ص ١٨٢).
(٣) في النفح : باختبار.
(٤) في النفح : لا زلت نجم هدي لساري.
(٥) انظر ترجمته في الخريدة (ج ١١ / ص ١٢٧).