المغرب في حلى المغرب - ج ٢

علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي

المغرب في حلى المغرب - ج ٢

المؤلف:

علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي


المحقق: خليل المنصور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٧
الجزء ١ الجزء ٢

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الثاني

من الكتب التي يشتمل عليها :

مملكة المريّة

وهو

كتاب النفحة العطرية ، في حلى حضرة المريّة (١)

المنصة

من كتاب الرازي : سورها على ضفّة البحر ، وبها دار الصناعة ، وهي باب الشرق ، ومفتاح الرزق.

ومن المسهب : وأما المريّة فلها على غيرها من نظرائها أظهر مزية ، بنهرها الفضيّ ، وبحرها الزّبرجديّ ، وساحلها التّبريّ ، وحصاها المجزّع ، ومنظرها المرصّع ، وأسوارها العالية الراسخة ، وقلعتها المنيعة الرفيعة الشامخة ، وبنى فيها خيران العامري قلعته العظيمة المنسوبة إليه. ومما تفضل به اعتدال الهواء وحسن مزاج أهلها وطيب أخلاقهم ، ولطف أذهانهم ، قال ابن فرج : حدث فيها من صنعة الوشي والديباج على اختلاف أنواعه ، ومن صنعة الخزّ وجميع ما يعمل من

__________________

(١) ألمريّة : من مدن مملكة غرناطة عظم شأنها على أيام عبد الرحمن. المنجد في اللغة والأعلام (ج ٢ / ص ٦٢).

١٦١

الحرير ، ما لم يبصر مثله في المشرق ولا في بلاد النصارى. وأعظم مبانيها الصّمادحية التي بناها المعتصم بن صمادح. ومن متفرّجاتها منى عبدوس ، ومنى غسّان ، والنّجاد ، وبركة الصّفر ، وعين النّطية. ونهرها من أحسن الأنهار.

التاج

أول من شهر بها وعرف مكانه من الملوك :

٤٧٨ ـ خيران مولى المنصور بن أبي عامر (١)

ذكر الحجاري : أنه كان من خيرة الموالي العامرية ، وممن تخرج في تلك الفتنة ، وهو الذي وجّه بعليّ بن خمود العلويّ إلى سبتة ، وقام بدعوته ، ووصل معه إلى أن حصلت له قرطبة ، فاستشعر منه خيران الغدر به ، ففرّ ، وقام بدعوة المرتضى المروانيّ ، ثم وضع على المرتضى من قتله ، وتوفي خيران سنة ثمان عشرة وأربعمائة ، وصارت المريّة وجيّان لصاحبه :

٤٧٩ ـ زهير العامريّ (٢)

فحالف حبوس بن ماكس صاحب غرناطة ، ودام ملكه إلى أن مات حبوس ، وولي ولده باديس فاستصغره زهير ، ونهض لأخذ غرناطة من يده ، وكانت الدائرة عليه ، وقتل في المعركة ، وصارت المريّة للمنصور بن أبي عامر الأصغر ، فاستناب فيها صهره ووزيره.

٤٨٠ ـ معن بن أبي يحيى بن صمادح التّجيبي (٣)

فلما اشتغل المنصور بالحرب مع مجاهد العامريّ صاحب دانية غدره معن ، وثار في المرية ، وورثها ولده وهو :

__________________

(١) ترجمته في أعمال الأعلام (ق ٢ / ص ٢١٠) ونفح الطيب (ج ١ / ص ١٤١) وفي نصوص عن الأندلس (ص ٢٨٢).

(٢) انظر ترجمته في الإحاطة (ج ١ / ص ٣٣٧) والبيان المغرب (ج ٣ / ص ١٥٥) وأعمال الأعلام (ص ٢٤٨).

(٣) أخباره في البيان المغرب (ج ٣ / ص ١٦٧ / ١٧٣ / ١٧٥) والمعجب (ص ١٩٦) والذخيرة (ج ٢ / ق ١ / ص ٧٢٩) وما بعدها). وقلائد العقيان (ص ٤٧) وأعمال الأعلام (ص ١٩٠) والمطرب (ص ٣٤) والحلة السيراء (ج ٢ / ص ٧٨ / ٨٨) والخريدة (ج ٢ / ص ٨٣ / ٨٩) ووفيات الأعيان (ج ٥ ص ٣٩) والوافي (ج ٥ / ص ٤٥) وتاريخ ابن خلدون (ج ٤ / ص ١٦٢).

١٦٢

٤٨١ ـ المعتصم أبو يحيى محمد بن معن (١)

وفاتن المعتصم عبد الملك بن المنصور صاحب بلنسية ، قال ابن بسام : ولم يكن من فحول الملوك ، بل أخلد إلى الدعة ، واكتفى بالضيق عن السعة ، واقتصر على قصر يبنيه ، وعلق يقتنيه ، وميدان من اللذة يجري عليه ، ويبرز فيه ، غير أنه كان رحب الفناء ، جزل العطاء ، حليما عن الدماء والدهماء ، طافت به الآمال ، واتسع في مدحه المقال ، وأعلمت إلى حضرته الرحال ، وآل أمره مع أمير المسلمين إلى أن حصره جيشه ، وهو ينازع حشاشة نفسه. فمات على فراشه ، وفرّ أولاده بمالهم في البحر إلى سلطان بجاية ، وملك الملثمون البلد. وقال وهو ينازع الموت وقد سمع اختلاط الأصوات في حصار بلده : لا إله إلا الله نغّص علينا كل شيء حتى الموت ؛ فدمعت عين حظيّة له ، قالت : فلا أنس طرفا إليّ رفعه ، وإنشاده بصوت لا أكاد أسمعه (٢) : [المتقارب]

ترفّق بدمعك لا تفنه

فبين يديك بكاء طويل

قال الحجاريّ : وكانت مدة المملكة الصمادحية نحو خمسين سنة ونيّف ، ملك المعتصم منها إحدى وأربعين وهو ابن أربع عشرة سنة ، وقال في وصفه : ملك تملّكه الإحسان ، وأطلعه الفضل غرّة في وجه الزمان ، فكأن أبا تمام عناه بقوله :

تحمل أشباحنا إلى ملك

نأخذ من ماله ومن أدبه

فهتفت باسمه المدّاح ، ومن المجد له عطف ارتياح. ومن شعره قوله : [السريع]

انظر إلى الأعلام خفّاقة

قد عبثت فيها أكفّ الشمال

كأنها وهي لنا زينة

أفئدة الأعداء يوم القتال

وقوله عند موته : [الطويل]

تمتّعت بالنعماء حتّى مللتها

وقد أضجرت عينيّ مما سئمتها

فيا عجبا لما قضيت قضاءها

وملّيتها عمري تصرّم وقتها

قال : وأما تورعه وعدله فله فيهما حكايات ، وكان يرتاح للشعر كثيرا.

وقال في وصفه الفتح : ملك أقام سوق المعارف على ساقها ، وأبدع في انتظامها واتساقها ؛ وأوضح رسمها ، وأنبت في جبين أوانه وسمها ؛ ولم تخل أيّامه من مناظرة ، ولا عمرت إلا بمذاكرة ومحاضرة. قال :

__________________

(١) ترجمته في القلائد (ص ٤٧) والذخيرة (ج ٢ / ق ١ / ص ٧٣٠).

(٢) البيت في الذخيرة (ج ٢ / ق ١ / ص ٧٣٤).

١٦٣

ومن بديع أفعاله أن النحليّ دخل المريّة وعليه أسمال لا تقتضيها الآداب ، ولا يرتضيها إلا الانتحاب والانتداب ، والناس قد لبسوا البياض ، وتصرفوا من خضرتهم في مثل قطع الرياض ، والنحليّ ظمآن يسعره جواره ، حين لا يستره إلا سواده ، فكتب إليه (١) [الوافر]

أيا من لا يضاف إليه ثان

ومن ورث العلى بابا فبابا

أيجمل (٢) أن تكون سواد عيني

وأبصر دون ما أبغي حجابا

ويمشي الناس كلّهم حماما

وأمشي بينهم وحدي غرابا

فأدرّ له حياه ، ووصله وحباه ، وبعث إليه من البياض ما لبسه ، وجلّل مجلسه ، وكتب مع ذلك (٣) : [الطويل]

وردت وللّيل البهيم مطارف

عليك وعندي (٤) للصّباج برود

وأنت لدينا ما بقيت مقرّب

وعيشك سلسال الجمام برود

وارتجل في ماء تسلسل في قصره (٥) : [البسيط]

انظر إلى حسن هذا الماء في صببه

كأنه أرقم قد جدّ في هربه

وكتب إلى ابن عمّار ، وقد بلغه عنه ما أوجب ذلك من سوء الاغتياب (٦) :

وزهّدني في الناس معرفتي بهم

وطول اختياري (٧) صاحبا بعد صاحب

فلم ترني الأيّام خلا تسرّني

مباديه إلا ساءني في العواقب

ولا قلت أرجوه لدفع ملمّة

من الدهر إلا كان إحدى المصائب

وأطال الإقامة عنده مرّة ابن عمار فكتب إليه (٨) :

يا واضحا فضح السحا

ب الجون في معنى السّماح (٩)

__________________

(١) الأبيات في الذخيرة (ج ٢ / ق ١ / ص ٧٣٦) والحلة السيراء (ج ٢ / ص ٨٨) والقلائد (ص ٤٨).

(٢) في الذخيرة : أجلّك.

(٣) البيتان في الذخيرة (ج ٢ / ق ١ / ص ٧٣٦) والقلائد (ص ٤٨).

(٤) في الذخيرة والقلائد : وهذي.

(٥) البيت في الذخيرة (ج ٢ / ق ١ / ص ٧٣٦).

(٦) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ق ٢ / ص ٤٠٣) والقلائد (ص ٤٩) والخريدة (ج ٢ / ص ٨٣) والحلة السيراء (ج ٢ / ص ٨٤).

(٧) في الذخيرة : اختباري.

(٨) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ق ٢ / ص ٤٠٢) والقلائد (ص ٥٠) والحلة السيراء (ج ٢ / ص ٨٥).

(٩) في الذخيرة : يا واثقا وصل السماح الجود في فضل السماح. وفي الحلة : يا واثقا ، وفي القلائد : يجود.

١٦٤

ومطابقا يأتي وجو

ه الجدّ من طرق المزاح

أسرفت في برّ الضيا (١)

ف فجد قليلا بالسّراح

فراجعه المعتصم (٢) :

يا فاضلا في شكره

أصل المساء مع الصباح

هلا رفقت بمهجتي

عند التكلّم في السّراح (٣)

إن السّماح ببعدكم (٤)

والله ليس من السماح

فصل

وتوالت على المرية ولاة الملثّمين إلى أن أخذها يوسف بن مخلوف من أصحاب عبد المؤمن ، فاستصعب أهل المرية سيرته ، فثاروا عليه ، وقام بأمرهم أحد أعيانهم :

٤٨٢ ـ أبو يحيى بن الرميمي (٥)

ومنه أخذها النصارى ، ثم استنقذها منهم عثمان بن عبد المؤمن ، وتوالى بها ولاة بني عبد المؤمن إلى أن ثار بها :

٤٨٣ ـ محمد بن عبد الله بن أبي يحيى بن الرميميّ (٦)

وخطب لابن هود وصار وزيره ، ثم غدر بابن هود فقتله في بلده ، واستبدّ بالمريّة ثم خرج منها إلى تونس ، وهي الآن لابن الأحمر صاحب غرناطة.

__________________

(١) في الحلة : الضيوف.

(٢) الأبيات في الذخيرة (ج ١ / ق ٢ / ص ٤٠٢) والقلائد (ص ٥١) والحلة السيراء (ج ٢ / ص ٨٥).

(٣) في الذخيرة : بالسّراج.

(٤) في الذخيرة : بمثلكم.

(٥) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٧٩) والمعجب (ص ١٥٠).

(٦) انظر ترجمته في المعجب (ص ١٥٠) وأعمال الأعلام (ص ٣٣٠).

١٦٥

السلك

ذوو البيوت

بيت بني صمادح

٤٨٤ ـ رفيع الدولة أبو يحيى بن المعصتم بن صمادح (١)

قال ابن الإمام في وصفه : ذو الخلق الكريم ، والشرف الباذخ الصميم ، راضع لبان الرياسة ، ومرتشق مياه تلك الجلالة والنفاسة.

وقال الحجاريّ فيه : فرع زاك من تلك الشجرة الكريمة ، وعارض جود من صوب تلك الديمة. طاب بين نوائب الدهر ، طيب المسك بين الحجر والفهر ، وأقام في ظلال أمير المسلمين ؛ مدّرعا من حمايته بدرع حصين ؛ إلا أنه لم يفارقه تذكّر ما قضى في تلك الممالك مرتاحا إلى ما قضّاه الشباب هنالك. وكان ينادم أبا يحيى ابن مطروح ، واستدعاه يوما بقوله (٢) : [الرمل]

يا أخي بل سيّدي بل سندي

في مهمّات الزمان الأنكد

لح بأفق غاب عنه بدره

في اختفاء من عيون الحسّد

وتعجّل فحبيبي حاضر

وفمي ساق وكأسي في يدي (٣)

ومما أنشد له صاحب السمط قوله (٤) : [الطويل]

لئن منعوا عنّي زيارة طيفهم

ولم ألف في تلك الطلول (٥) مقيلا

فما منعوا ريح الصّبا سوق عرفهم (٦)

وقد بكرت تندى عليّ بليلا

ولا منعوني أن أعلّ بذكرهم

فؤادا بما يجني الصدود عليلا

وقوله (٧) : [الطويل]

أخذت (٨) أبا عمرو ، وإن كان جانيا

عليّ ذنوبا لا تعدّد بالعتب (٩)

__________________

(١) ترجمته في الذخيرة (ج ٢ / ق ١ / ص ٧٣٧ وما بعدها) وفي الحلة السيراء (ج ٢ / ص ٨٢) والمطمح (ص ٣٠).

(٢) الأبيات في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٣٣٠) والحلة السيراء (ج ٢ / ص ٩٢).

(٣) في النفح : وفمي يشتاق كأسي في يدي.

(٤) الأبيات في الحلة السيراء (ج ٢ / ص ٩٢).

(٥) في الحلة السيراء : الديار.

(٦) في الحلة السيراء : عزمهم.

(٧) البيتان في الحلة السيراء (ج ٢ / ص ٩٦) ونفح الطيب (ج ٤ / ص ٣٣٠).

(٨) في النفح : أفدي.

(٩) في النفح : عاتبا

فلا خير في ودّ يكون لا عتب

١٦٦

فما (١) كان ذاك الودّ إلا كبارق

أضاء لعيني ثم أظلم في قلبي

٤٨٥ ـ أخوه أبو جعفر أحمد (٢)

من المسهب : جرى في طلق أبيه وإخوته ، فأحسن في النظام إحسانا أوجب أن ينبّه عليه ، فمن ذلك قوله :

أتى بالبدر من فوق القضيب

فطارت نحوه طير القلوب

وأشرق ما بأفقي من ظلام

لنور منه في أفق الجيوب

وولّى بعد تأنيس وبرّ

كمثل الشمس ولّت للمغيب

٤٨٦ ـ أخوهما الواثق عز الدولة أبو محمد عبد الله (٣)

من المسهب : قمر عاجله المحاق قبل التمام ، فنثر من يديه ما كان عقده أبوه من ذلك النظام ؛ وقد كان خصّه بولاية عهده ، ورشّحه للملك من بعده ؛ وآل أمره إلى أن حلّ ببجاية في دولة بني حمّاد مستوحشا (٤) ، وقال : [الطويل]

لك الحمد بعد الملك أصبح (٥) خاملا

بأرض اغتراب لا أمرّ ولا أحلي

وقد أصدأت فيها الهوادة منصلي

كما نسيت ركض الجياد بها رجلي

ولا مسمعي (٦) يصغي لنغمة شاعر

وكفّي لا تمتدّ يوما إلى بذل

طريدا شريدا لا أؤمّل رجعة

إلى موطن بوعدت عنه ولا أهل

وقد كنت متبوعا فأمسيت تابعا

لدى معشر ليسوا بجنسي ولا شكلي

يخوضون فيما لا أرى فيه خائضا

وقبلهم قد أقصدت مقتل النبل

وقولي مسموع وفعلي محكم

وها أنا لا قولي يجوز ولا فعلي

وقد كنت غرّا بالزمان وصرفه

فقد بان قدر العزّ عندي والذل

__________________

(١) في النفح : فما.

(٢) ترجمته في المطرب (ص ٣٧) ونفح الطيب (ج ٤ / ص ٣٣١).

(٣) سماه في الحلة السيراء (ج ٢ / ص ٨٩): «معز الدولة أحمد» وفي (ص ٩٠) سماه أبو مروان عبيد الله وترجم له المقري في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٣٢٩).

(٤) الأبيات في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٣٢٩).

(٥) في النفح : أصبحت.

(٦) في النفح : فلا.

١٦٧

عزاء فكم ليث يصاد بغيله

ويصبح من بعد النشاط لفي حبل

قال : وما أظن أحدا قال في عظم الهمّ مثل قوله : [البسيط]

إن يسلم الناس من همّ ومن كمد

فإنني قد جمعت الهمّ والكمدا

لم ألق منه لغيري ما يحاذره

فليس يقصد دوني في الورى أحدا

ومن شعره قوله : [المجتث]

أهوى قضيب لجين

قد أطلع البدر فيه

إن كان موتي بلحظ

منه فعيش يليه

يا ربّ كم أتمنّى

لقياه كم أشتهيه

ولا أرى منه شيئا

سوى جفاء وتيه

طوبى لدار حوته

وأمّه وأبيه

بل ألف طوبى لعبد

في موضع يلتقيه

وقال فيه ابن اللبانة : كان الواثق كأن الله لم يخلقه إلا للملك والرياسة وإحياء الفضائل ، ونظرت إلى همّته تنمّ من تحت خموله ، كما ينمّ فرند السيف وكرمه من تحت صدئه.

٤٨٧ ـ أختهم أم الكرم بنت المعتصم (١)

من المسهب : كان المعتصم قد اعتنى بتأديبها ، لما رآه من ذكائها ، حتى نظمت الشعر والموشحات ، وعشقت الفتى المشهور بالسّمار ، وقالت فيه (٢) : [السريع]

يا معشر الناس ألا فاعجبوا

مما جنته لوعة الحبّ

لولاه لم ينزل ببدر الدّجى

من أفقه العلويّ للتّرب

حسبي بمن أهواه لو أنّه

فارقني تابعه قلبي

وقولها : [الطويل]

حسبي بمن أهواه لو أنّه

فارقني تابعه قلبي

وقوله : [الطويل]

__________________

(١) انظر ترجمتها في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٣٠٨).

(٢) الأبيات في النفح (ج ٥ / ص ٣٠٨) دون تغيير عمّا هنا.

١٦٨

ألا ليت شعري هل سبيل لخلوة

ينزّه عنها سمع كلّ مراقب

ويا عجبا أشتاق خلوة من غدا

ومثواه ما بين الحشا والتّرائب

وبلغ المعتصم خبره ، فخفى أمره من ذلك الحين.

ومن سائر البيوت

٤٨٨ ـ أبو بحر يوسف بن عبد الصمد (١)

أثنى عليه صاحب السمط والمسهب. وكان في زمان ملوك الطوائف. ورثا المعتمد بن عباد بما تقدم إنشاده في ترجمته. وذكر ابن بسام أنّه من ولد السمح بن مالك بن خولان أحد سلاطين الأندلس قال : ونشأ أبو البحر كاسمه ، في نثره ، ونظمه ، ومن جيد شعره قوله (٢) : [الكامل]

عزم تضيق بجيشه البيداء

ومنى أقلّ مرامها الجوزاء

وصرامة (٣) لو أنّها لي لأمة

لم تمض فيها الصّعدة السّمراء

في عفّة لو أصبحت مقسومة (٤)

في الناس لم تتلفّع (٥) الحسناء

فلتلحظ الغزلان ، ولتتمايل ال

أفنان (٦) ، ولتترنّح (٧) الأنقاء

ومنها (٨) : [الكامل]

دارت كؤوس الطّلّ وانتشت الرّبى

ومشى القضيب وحنّت (٩) الورقاء

والقضب تخضع للغدير كأنه

يحيى وقد خضعت له الأمراء

وقوله في المعتمد بن عباد (١٠) :

__________________

(١) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٣٦٠) والذخيرة (ق ٣ / ص ٨٠٩) والقلائد (ص ٣٠) والمسالك (ج ١١ / ص ٤٥٠).

(٢) الأبيات في الذخيرة (ج ٢ / ق ٣ / ص ٨١٦).

(٣) في الذخيرة : وعرامة.

(٤) في الذخيرة : مسومة.

(٥) في الذخيرة : لم تتقنع.

(٦) في الذخيرة : الأغصان.

(٧) في الذخيرة : ولتترجرج.

(٨) البيتان في الذخيرة (ج ٢ / ق ٣ / ص ٨١٧).

(٩) في الذخيرة : وغنّت.

(١٠) الأبيات في الذخيرة (ج ٢ / ق ٣ / ص ٨١٤ / ٨١٦) دون تغيير عمّا هنا.

١٦٩

خضعت لعزّتك الملوك الصّيد

وعنت لك الأبطال وهي أسود

فاطعن ولو أنّ الثريا ثغرة

واضرب ولو أنّ السّماك وريد

وافتح ولو أنّ السماء معاقل

واهزم ولو أن النجوم جنود

٤٨٩ ـ أبو مروان عبد الملك بن سميدع

لحق الدولتين ، وتميز عند الفرقتين ، وكان له أدب يحاضر به ، ومن شعره قوله : [الطويل]

ألا فاعذروني في انقطاعي عنكم

ولا تعذلوني في الصدود إلى الحشر

صحبتكم قبل اختيار فعندما

خبرتكم عجّلت بالبعد والهجر

جفوتكم لما رأيت جنابكم

يمزّق فيه لحم كلّ امرىء حرّ

وقوله : [الطويل]

هلمّوا إلى راح يطوف بها بدر

على مثل مرآه تطيب لنا الخمر

هو الروض حقّا فالأراكة قدّه

ووجنته ورد ومبسمه زهر

٤٩٠ ـ أبو عبد الله محمد بن حبرون

كان في دولة بني عبد المؤمن وكان بينه وبين ابن صقلاب صاحب أعمال المريّة صداقة ، ثم تغيرت ، ومن شعره قوله : [الطويل]

عزمت على أمر سيظهر عندما

يشيّب من أحداثه المرء يافعا

وإني من القوم الذين عزيمهم

يردّ سواد الليل أبيض ناصعا

ومن كتاب الوزراء

٤٩١ ـ الوزير الكاتب أبو جعفر أحمد بن عباس (١)

من الذخيرة : كان قد بذّ الناس في وقته في أربعة أشياء : المال ، والبخل ، والعجب ، والكتابة. وعنوان نثره : «لم أعقر ناقة رضاكم فأسخط ، ولا أكلت من شجرة عقوقكم فأشحط ، وإنما أعطيتكم صفقة الصاغية لأكرم ، وانحرفت كي لا أهان ، ونمت على مهاد الفتنة بكم لئلا

__________________

(١) انظر ترجمته في الذخيرة (ج ٢ / ق ١ / ص ٦٤٣ وما بعدها) وفي نفح الطيب (ج ٥ / ص ٨١) والبيان المغرب (ج ٣ / ص ٢٩٣) والإحاطة (ج ١ / ص ٥١٨).

١٧٠

أتّهم ، فاليوم يقال جعلنا قنطرة ، وكتب إلى صديقه كتبا مستّرة ، وكان ابن أبي موسى مواتا نفخنا فيه الروح ، وعيالا علينا فاستأثرتم به وجعلتموه مركز دولتكم في اللفظ ، وعين سعايتكم في القصد ، فضربتم في آمال السؤال بمعان طوال ، ألصقتم بي عارها ، وطوقتموني شنارها».

وحصل ابن عباس في يد باديس بن حيوس ملك غرناطة في وقعة زهير ملك المرية ، وكان كاتبه ، فقتله باديس بيده ، وقيل إن كتبه بلغت أربعمائة ألف مجلد ، وأثر له الحجاريّ قوله (١) : [الخفيف]

لي نفس لا ترتضي الدهر عبدا (٢)

وجميع الأنام طرّا عبيدا

لو ترّقت فوق السماكين يوما (٣)

لم تزل تبتغي هناك صعودا

أنا من تعلمون شيّدت مجدي

ومكاني (٤) ما بين قومي وليدا

وكان يتهم بسوء الخلوة.

ومن كتاب العمال

٤٩٢ ـ أبو بكر يزيد بن صقلاب صاحب أعمال المريّة (٥)

أخبرني والدي أنه اجتمع به ، فرآه عالي الهمة ، واسع الأدب ، ممتع الحديث ، وأنشده من شعره قوله : [السريع]

وطفلة الأطراف خمصانة

في قامة السيف وشكل الغلام

مكحولة العينين حوريّة

من اللواتي قصرت في الخيام

تكاد أن تعقد من لينها

وفترة العطف وهزّ القوام

يحلف من أبصرها أنها

قدّت لها من خيزران عظام

قد جمّع الله بها فتنة

حلاوة اللفظ وسحر الكلام

والليل والصبح ودعص النّقا

والغصن والظبي وبدر التمام

تفترّ عن ذي أشر بارد

أشهى من الخمر بماء الغمام

__________________

(١) الأبيات في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٨١).

(٢) في النفح : عمرا.

(٣) في النفح : السّماك محلا.

(٤) في النفح : في مكاني.

(٥) انظر ترجمته في التحفة (رقم ٨٠).

١٧١

فضلّ من لام على حبّها

وضلّ من يسمع فيها الملام

نعمت فيها ليلتي كلّها

بأرشق الخلق وأحلى الأنام

ومن الحكّام

٤٩٣ ـ قاضي المريّة أبو الحسن مختار بن عبد الرحمن ابن سهر الرّعيني (١)

من المسهب : قاضي المرية وعالمها ، ورئيسها في الأمور الشرعية وحاكمها ، قدّمه عليها زهير العامريّ. ومن شعره قوله لبني حمّود ملوك قرطبة : [الطويل]

ألا فأذنوا لي بالسّراج فإنها

نهاية مطلوبي وفيه عذاب

فإنّي قد خلّفت في أفق موطني

فراخا هواهم ليس عنه مناب

وقوله ، وقد دخل حماما فجلس شخص من جهال العامة إلى جانبه ، وأساء عليه الأدب (٢) : [الطويل]

ألا لعن الحمّام دارا فإنه

سوء به ذو الجهل (٣) والعلم في القدر

تضيع به الآداب حتى كأنها

مصابيح لم تنفق على طلعة الفجر

ومن العلماء

٤٩٤ ـ أبو الحسن سليمان بن محمد بن الطّراوة النحويّ (٤)

من المسهب : نحويّ المرية الذي لم يكن بها في هذه الصناعة مثله ، وله الذكر السائر في الآفاق ، وله أمداح في المعتصم بن صمادح وفي علي (٥) بن يوسف بن تاشفين. وأحسن شعره قوله وقد حضر مع ندماء ، وفيهم غلام جميل ، فلما دارت الكأس وجاءت نوبة الغلام هرّها ، فأخذها عنه (٦) : [السريع]

__________________

(١) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٣٤٠ / ٣٤١) والصلة (ص ٥٦٥).

(٢) البيتان في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٣٤١).

(٣) في النفح : ذو العلم.

(٤) انظر ترجمته في الذيل والتكملة (ج ٤ / ص ٧٩) وبغية الملتمس (ص ٣٠٤) وبغية الوعاة (ص ٢٦٣) والمقتضب من كتاب تحفة القادم (ص ٦٤) وفي أخبار وتراجم أندلسية (ص ١٧) ونفح الطيب (ج ٢ / ص ٣٥٦).

(٥) انظر ترجمته في الذيل والتكملة (ج ٦ / ص ١٧٠) ونفح الطيب (ج ٢ / ص ٣٦٩).

(٦) البيتان في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٣٤٣) دون تغيير عمّا هنا.

١٧٢

يشربها الشيخ وأمثاله

وكلّ من تحمد أفعاله

والبكر إن لم يستطع صولة

تلقى على البازل أثقاله

ودخل عليه غلام بكأس في يده ، فقال (١) : [الوافر]

ألا بأبي وغير أبي غزال

أتى وبراحه للشرب راح

فقال منادمي في الحين (٢) صفه

فقلت الشمس جاء بها الصباح

وقوله وقد شرب للقمر (٣) : [الطويل]

شربنا كمصباح (٤) المساء مدامة

بشاطي غدير والأزاهر تنفح

وظلّ جهول يرقب الصبح ضلّة

ومن أكؤسي لم يبرح الصّبح (٥) يصبح

ومن الشعراء

٤٩٥ ـ أبو حفص بن الشهيد (٦)

من المسهب : شاعر المرية في زمانه ، وكان مقتصرا على ملك بلده المعتصم بن صمادح.

ومن الذخيرة : كان فارس النظم والنثر وأعجوبة القران والعصر. وشاهدته في حدود الأربعين وأربعمائة بالمرية. ومن نظمه قوله في المعتصم (٧) : [الكامل]

سبط اليدين كأنّ كلّ غمامة

قد ركّبت في راحتيه أناملا

لا عيش إلا حيث كنت (٨) وإنما

تمضي ليالي العمر بعدك باطلا

تفديك أنفسنا التي ألبستها

حللا من النّعمى وكنّ عواطلا

وقوله (٩) : [الطويل]

__________________

(١) البيتان في النفح (ج ٤ / ص ٣٣٤).

(٢) في النفح : في الحسن.

(٣) البيتان في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٣٤٤).

(٤) في النفح : بمصباح السماء.

(٥) في النفح : الليل.

(٦) انظر ترجمته في الذخيرة (ج ٢ / ق ١ / ص ٦٧٠ وما بعدها) والجذوة (ص ٢٨٣) والبغية (رقم : ١١٦٥) والمسالك (ج ٨ / ص ٣٢٠).

(٧) الأبيات في الذخيرة (ج ٢ / ق ١ / ص ٦٨٦).

(٨) في الذخيرة : أنت.

(٩) البيتان في الذخيرة (ج ٢ / ق ١ / ص ٦٨٧).

١٧٣

تكسّد سوق الدّرّ فيك قصائدي

وتزري بعرف المسك غرّ (١) رسائلي

جللت فجلّ القول فيك وإنما

يعدّ (٢) لقدر السيف قدر الحمائل

ومن الكتّاب

٤٩٦ ـ أبو الحكم أحمد بن هرودس (٣)

كاتب عثمان بن عبد المؤمن ملك غرناطة.

أخبرني والدي : أنه كان بينه وبين عمه أبي جعفر مراسلة وأن أبا الحكم كتب له (٤) : [الخفيف]

يا سميّي في علم مجدك ما يح

تاج فيه هذا النهار المطير

ند الثلج منه (٥) قطنا علينا

فغدونا (٦) بعدلكم نستجير

والذي أبتغيه في اللحظ منه

ورضاه في كلّ أمر يسير (٧)

يوم قرّ يودّ من حلّ فيه

لو تبدّى لمقلتيه سعير

ومن شعره قوله : [مجزوء الرمل]

لي من وجهك بدر

قصّرت عنه البدور

أيّ أفق لحت فيه

جنح ليل لا ينير

ليس إلا بك يا مو

لاي يحتلّ السرور

ومن العلماء

٤٩٧ ـ أبو العباس أحمد بن محمد بن العريف الصنهاجي (٨)

__________________

(١) في الذخيرة : عنك.

(٢) في الذخيرة : يقدّ.

(٣) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٣٣٦) و (ج ٩ / ص ٢٣٤) والمقتضب من كتاب تحفة القادم (ص ١٠٧) والمطرب (ص ٢٤٠). توفي بمراكش سنة ٥٧٢ ه‍.

(٤) الأبيات في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٣٣٧).

(٥) في النفح : فيه.

(٦) في النفح : ففررنا.

(٧) في النفح : ورضاب الذي هويت نظير.

(٨) ترجمته في وفيات الأعيان (ج ١ / ص ١٦٨) وبغية الملتمس (ص ١٦٦) والمعجم في أصحاب القاضي ـ ـ الصدفي (ص ٢٧) ونفح الطيب (ج ٤ / ص ٢٠١) والمطرب (ص ٩٠) والصلة (ص ١٣٦) توفي بمراكش سنة ٥٣٦ ه‍. ومن مؤلفاته : (محاسن المجالس)

١٧٤

عالم جليل ، وزاهد مشهور ، في مدة الملثمين ، ومن مشهور شعره ـ وهو في صلة ابن بشكوال ـ قوله (١) : [البسيط]

سلو عن الشوق من أهوى فإنّهم

أدنى إلى النّفس من وهمي ومن نفسي

ما زلت مذ سكنوا قلبي أصون لهم

لحظي وسمعي ونطقي إذ هم أنسي

فمن رسولي إلى قلبي فيسألهم (٢)

عن مشكل من سؤال الصبّ ملتبس

حلّوا الفؤاد (٣) فما يندى ، ولو وطئوا

صخرا لجاد بماء منه منبجس

وفي الحشا نزلوا والوهم يجرحهم

فكيف باتوا (٤) على أذكى من القبس

لأنهضنّ من الدنيا (٥) بحبّهم

لا بارك الله في زمن خانهم فنسي (٦)

ومن الشعراء

٤٩٨ ـ أبو الحسين محمد بن سفر (٧)

شاعر المرية في عصره ، الذي يغني ما أنشده من شعره ، عن الإطناب في التنبيه على قدره ، فمن ذلك قوله (٨) : [الكامل]

لو أبصرت عيناك زورق فتية

يبدي بهم لجّ (٩) السرور مراحه

وقد استداروا تحت ظلّ شراعه

كلّ يمدّ بكأس راح راحه

لحسبته خوف العواصف طائرا

مدّ الحنان على بنيه جناحه

__________________

(١) الأبيات في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٢٠١) والمطرب (ص ٩٠) ببعض الاختلاف عمّا هنا.

(٢) في النفح : ليسألهم.

(٣) في النفح : فؤادي.

(٤) في النفح : قرّوا.

(٥) في النفح : إلى حشري.

(٦) في النفح : ونسي.

(٧) انظر ترجمته في المقتضب من كتاب تحفة القادم (ص ١٥٤) ونفح الطيب (ج ١ / ص ١٥٦) والوافي بالوفيات (ج ٣ / ص ١١٤) ، والرايات لابن سعيد (ص ٧٥).

(٨) الأبيات في الرايات (ص ٧٥).

(٩) في الرايات : لهم بهج.

١٧٥

وقوله : [الكامل]

يا من رأى النهر استثار به الصّبا

خيلا لإرهاب الغصون الميّد

لما رأتها سدّدت تلقاءه

قرنت به خيلا تروح وتغتدي

وغدت تدرّعه ولم تبخل لها

شمس الضحى بمسامر من عسجد

وقوله :

وقهوة شعشعت فثارت

فأكثر القول مبصروها

لا تنكروا غيظها امتعاضا

حين غدا بعلها أبوها

وقوله :

ألا هاتها من يدي مائس

يوافيك بالأمر من فصّه

يغنّي ويسقي ومهما انثنى

أمال القضيب على دعصه

إذا أنا لا حظته راقصا

خلعت الفؤاد على رقصه

٤٩٩ ـ أبو الحسن علي بن المريني (١)

شاعر وشّاح مشهور ببلاد المغرب صحبه والدي ، ومات في مدة منصور بني عبد المؤمن ، وكان كثير التجول. ومن شعره قوله في أحمد بن كمال عظيم المرية : [الطويل]

رويدك حتى تجتني الورد والزّهرا

بخدّ أبى أن يعرف الهائم الصّبرا

وثغر أرى ألحاظنا معجزاته

فأبدى لنا المرجان بالعذاب والدّرّا

ومنها : [الطويل]

سألت محيّا الصّبح من أين نوره

فقال سل الشمس المنيرة والبدرا

فأجمع كلّ أنّه نور أحمد

ولو لا نداه لم نر القطر والبحرا

كريم به أحيا الإله بلادنا

وعمرّها من بعد ما أصبحت قفرا

ومن شعره قوله : [الطويل]

رأيناك مثل البحر يورد ماؤه

مرارا فلا يفنى ولا يتكدّر

ونشكر ما أوليت من كلّ غاية

وما قد تركنا من أياديك أكثر

__________________

(١) انظر ترجمته في نفح الطيب ١٤٢).

١٧٦

٥٠٠ ـ أحمد بن الحاج المعروف بمدغلّيس الزجال (١)

أزجاله مطبوعة إلى نهاية ، وكان في دولة بني عبد المؤمن ، ومن شعره قوله (٢) : [المجتث]

ما ضركم لو كتبتم

حرفا ولو باليسار

إذ أنتم نور عيني

ومطلبي واختياري

٥٠١ ـ أبو الحسن علي بن حزمون (٣)

صاعقة من صواعق الهجاء ، عاصر ابن عنين ، وكان هذا في المغرب وهذا في المشرق.

وأكثر قوله في طريقة التوشيح. ومن هجوه في طريقة الشعر قوله : [الطويل]

تأمّلت في المرآة وجهي فخلته

كوجه عجوز قد أشارت إلى الله و

إذا شئت أن تهجو تأمّل خليقتي

فإنّ بها ما قد أردت من الهجو

كأنّ على الأزرار منّي عورة

تنادي الورى غضّوا ولا تنظروا نحوي

فلو كنت مما تنبت الأرض لم أكن

من الرائق الباهي ولا الطّيب الحلو

وأقبح من مرآي بطني فإنه

يقرقر مثل الرعد في مهمة جوّ

وإلا كقلب بين جنبي محمّد

سليل بن عيسى حين فرّ ولم يلو

تميل بشدقيه إلى الأرض لحية

تظنّ بها ماء يفرّغ من دلو

تثقيل ولكن عقله مثل ريشة

تصفّقها الأرواح في مهمة دوّ

الأهداب

موشحة لابن هردوس في عثمان بن عبد المؤمن

يا ليلة الوصل والسعود

بالله عودي

كم بتّ في ليلة التمني

لا أعرف الهجر والتجني

ألثم ثغر المنى وأجني

__________________

(١) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ٣ ص ٢٣٤) والمرخص الغالي (ص ١٨).

(٢) البيتان في نفح الطيب (ج ٤ / ص ٣٤٤).

(٣) ترجمته في نفح الطيب (ج ٥ / ص ١٦) وفي زاد المسافر (ص ٦٤) وفي المعجب (ص ٢١٣).

١٧٧

من فوق رمّانتي نهود

زهر الخدود

يا لائمي إطّرح ملامي

فلا براح عن الغرام

إلّا انعكافي على مدام

يسمع صوت ونقر عود

من كفّ خود

مدح الأمير الأجلّ أولى

السيّد الماجد المعلّى

تاج الملوك السنيّ الأعلى

أفضل من سار بالجنود

تحت البنود

أكرم بعلياه من همام

إمام هدى وابن الإمام

مبدّد الروم بالحسام

يعقد في هامة الأسود

بيض الهنود

لله يوم أغرّ زاهر

قد حلّ بالأندلس آمر

قالوا وقد وافت البشائر

بالملك السيّد السّعيد

أبي سعيد

ولابن حزمون في القاضي القسطليّ :

تخونك العينان

يا أيها القاضي فتظلم

لا تعرف الأشهاد

ولا الذي يسطّر يرسم

وكان أخفش.

ومن أخرى :

يا ناقصا في كمال

نقص الحرب

الزائد في الأشباح

وله قدرة على مضايقة القوافي كقوله في رثاء أبي الحملات قائد الأعنّة ببلنسية وقد قتله النصارى.

١٧٨

يا عين بكّي السراج

الأزهرا

النيّرا اللامع

وكان نعم الرتاج

فكُسّرا

كي تنثرا مدامع

من آل سعد أغرّ

مثل الشهاب المتّقد

بكى جميع البشر

عليه لما أن فقد

والمشرفيّ الذّكر

والسمهريّ المطّرد

شقّ الصفوف وكرّ

على العدوّ متّئد

لو أنّه منعاج

على الورى

من الثّرى أو راجع

عادت لنا الأفراح

بلا افترا

ولا امترا تضاجع

نضا لباس الزرد

وخاض موج الفيلق

ولم يرعه عدد

ذاك الخميس الأزرق

والحور تلثم خدّ

أديمه الممزّق

وكان ذاك الأسد

في كل خيل يلتقي

إذا رأى الأعلاج

وكبّرا

ثم انبرى يماصع

رأيتهم كالدّجاج

منفّرا

وسط العرا الواسع

جالت بتلك الفجوج

تحت العجاج الأكدر

خيولهم في بروج

من الحديد الأخضر

يا قفل تلك الفروج

وليته لم يكسر

جعلت أرض العلوج

مجرى الجياد الضّمّر

يا قفل تلك الفروج

وليته لم يكسر

جعلت أرض العلوج

مجرى الجياد الضّمّر

سلكت منها فجاج

فلا ترى

إلا القرى بلاقع

والخيل تحت العجاج

لها انبرا

وللبرى قعاقع

عهدي بتلك الجهات

أبى الهوى أن أحصيه

يا حادي الركب هات

حدّث لنا بمرسيه

أودى أبو الحملات

يا ويحها بلنسيه

في طاعة الله مات

حاشا له أن يعصيه

مضى بنفس تهاج

مصبّرا

مصطبرا وطائع

وباعها في الهياج

لقد درى

ماذا اشترى ذا البائع

١٧٩

ماء المدامع صاب

عليك أولى أن يجود

سقى البرية صاب

رزء أحلّك اللحود

فكلّ خلق أصاب

إلا النصارى واليهود

ناديت قلبا مصاب

يجرى على الميت العهود

يا قلبي المهتاج

تصبّرا

زان الثرى مدافع

ابن أبي الحجاج

فهل ترى

لما جرى مدافع

موشحة لابن المريني وتروى لليكي

ما لبنات الهديل

من فوق أغصان

هيجن عند الصباح

شوقي وأحزاني

بهاتفات الغصون

نهتف أو صابي

بكلّ ساجي الجفون

هواه يغرى بي

في مقلتيه منون

للهائم الصّابي

غصن ولكن يمل

في دعص كثبان

من وجهه للصباح

والقدّ للبان

هيهات أين الأمل

من غادة رود

تزهو بورد الخجل

وقدّ أملود

أصمت بسهم المقل

فؤاد معمود

فكم لها من قتيل

بسحر أجفان

ومثخن من جراح

رهين أحزان

هيهات لو أنصفوا

من طرف مكحول

يرنو به أوطف

عمدا لتنكيل

إن لم يكن يوسف

نجل البهاليل

يجير صبّا عليل

من جور فتّان

يرنو بمرضى صحاح

تثير أشجاني

يا دهر عني فقد

ظفرت بالمرغوب

من ماجد يعتمد

عليه عند الخطوب

ما حاتم في الصّفد

إلا أبو يعقوب

قد صحّ ما عنه قيل

هذا هو الثاني

١٨٠