المغرب في حلى المغرب - ج ٢

علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي

المغرب في حلى المغرب - ج ٢

المؤلف:

علي بن موسى بن محمّد بن عبد الملك بن سعيد الغرناطي الأندلسي


المحقق: خليل المنصور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٧
الجزء ١ الجزء ٢

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الثاني

من الكتب التي يشتمل عليها :

كتاب عمل وادي آش

وهو

كتاب الجمانة ، في حلى حصن جليانة (١)

خصّه الله بالتفّاح الذي يضرب به المثل في الأندلس ؛ ومنه :

٤٥٢ ـ أبو محمد عبد الله بن عذره (٢)

أخبرني والدي : أن هذا البيت له حسب شهير ، ومال غزير ونجب منه أبو محمد بالكرم والأدب. وجرى عليه أن أسره النصارى. وطالبوه بجملة عظيمة ، فكتب في ذلك لناصر بني عبد المؤمن فأمر ألا يسمع منه في إعطاء هذا المال العظيم ، فإن فيه تقوية للعدوّ ، فبات في طليطلة أسيرا ، وكتب من موضع أسره إلى بلده (٣) : [مجزوء الكامل]

لو كنت حيث تجيبني

لأذاب قلبك ما أقول

__________________

(١) حصن جليانة في أعمال وادي آش. نفح الطيب (ج ١ / ص ١٤٩).

(٢) ترجمته في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٥٤).

(٣) الأبيات في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٥٤).

١٢١

يكفيك منّي أنّني

ما (١) أستقلّ من الكبول

وتجاه لحظي ألف لح

ظ كي أقرّ ولا أزول

وإذا أردت رسالة

لكم فما ألفي رسول

هذا وكم بتنا وفي

أيماننا كأس الشّمول

والعود يخفق والدخا

ن الغنبريّ به يجول

حال الزّمان ولم أزل (٢)

مذ كنت أعهده يحول

ومن شعره : [الطويل]

يعضّ برجليّ الحديد وليس لي

حراك لما أبغي ولا أتنقّل

وقد منع السلطان ما لي لفدية

فماذا الذي يغنى الغنى والتحوّل

٤٥٣ ـ أبو عمرو محمد بن علي بن البرّاق (٣)

أخبرني والدي : أن بني البرّاق أعيان جليانة ، فإن أبا عمرو وهذا من سراتهم ، خصّه الله بالأدب.

وأنشد له الملاحي في تاريخه قوله (٤) : [مخلع البسيط]

يا سرحة الحي يا مطول

شرح الذي بيننا يطول

ولي ديون عليك حلّت

لو أنّه ينفع الحلول

وأنشدني والدي قوله ، وقد قعد مع أحد الأعيان على نهر لراحة (٥) : [الكامل]

انظر إلى الوادي الذي مذ غرّدت (٦)

أطياره شقّ النسيم ثيابه

أتراه أطربه الهديل وزاده

طربا ـ وحقّك ـ أن حللت جنابه

__________________

(١) في النفح : لا.

(٢) في النفح : ولم يزل.

(٣) انظر ترجمته في التكملة (ص ٢٧١) وفي زاد المسافر (ص ١٠٩) والمطرب (ص ٢٤١) ونفح الطيب (ج ٥ / ص ٥٢ / ٥٣). وبغية الملتمس (ص ١١٤) والمقتضب من كتاب تحفة القادم (ص ١٣٣) والوافي بالوفيات (ج ٤ / ص ١٥٦) وقد توفي سنة ٥٩٦ ه‍.

(٤) البيتان في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٥٣).

(٥) الأبيات في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٥٣).

(٦) في النفح : إذا ما غرّدت.

١٢٢

٤٥٤ ـ أبو الحسن علي بن مهلهل الجليانيّ (١)

أخبرني والدي : أنه وجد له قصيدة يمدح بها أبا بكر بن سعيد صاحب أعمال غرناطة في مدة الملثّمين.

ومنها (٢) : [الكامل]

لو لا النّهود لما براك (٣) تنهّد

وعلى الخدود القلب منك يخدّد

يا نافذا قلبي بسهم جفونه

ما لي على سهم رميت تجلّد (٤)

ومنها في المدح : [الكامل]

وإذا بلغت إلى السماء فزد غلا

كيما يغاظ بك العلا والحسّد

أجروا حديثك في قلوب تلتظي

ورنوا إليك بأعين لا ترقد

كم أوقدوا لك من لظى بسعاية

والله يطفىء كلّ نار توقد

وأراك تبلغ ما يريد برغمهم

ونفوسهم من حسرة تتصعّد

وكفاهم ذمّ يناط بذكرهم

وكفاك أنّك في المحافل تحمد

فتراهم مع كدّهم في وهدة

وتراك دون الكدّ دهرك تصعد

ومنها : [الكامل]

قال العداة وقد لهجت بحمده

من ذا الذي تعني فقلت محمّد

الأهداب

من موشّحة لابن مهلهل

النهر سلّ حساما

على قدود الغصون

وللنسيم

مجال

والروض فيه اختيال

مدّت عليه ظلال

__________________

(١) انظر في ترجمته نفح الطيب (ج ٥ / ص ٥٤) و (ج ٨ / ص ٤٠٦).

(٢) البيتان في النفح (ج ٥ / ص ٥٤).

(٣) في النفح : لما عراك.

(٤) في النفح : به يد.

١٢٣

والزهر شقّ كماما

وجدا بتلك اللحون

أما ترى الطير صاحا

والصبح في الأفق لاحا

والزهر في الروض فاحا

والبرقع ساق الغماما

تبكي بدمع هتون

١٢٤

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الثالث

من الكتب التي يشتمل عليها :

كتاب وادي آش

وهو

كتاب انعطاف الخمصانة ، في حلى حصن منتانة

منه :

٤٥٥ ـ أبو الوفاء زياد بن خلف

من فضلاء عصرنا ، رأس في بلده ، وهو موصوف بالكرم والجود والأدب. ومن شعره قوله : [الطويل]

دعوني إذا ما الخيل جالت فإنّ لي

هناك بسيفي جيئة وذهاب

إذا المرء لم يسمح لدي الحرب ساعة

بعيشته فليصغ حين يعاب

لي الله لم أوردت طرفي مواردا

يصيب لديها المرء حين يصاب

أقلّوا علينا فالحياة خسيسة

وعمر الفتى دون العلاء خراب

سيبلغ ذكري الخافقين بسالة

وجودا والا فالثناء كذاب

١٢٥

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الربع

من الكتب التي يشتمل عليها :

كتاب عمل وادي آش

وهو

كتاب مطمح الهمّة ، في حلى قرية جمّة

في نهاية من الحسن ، منها :

٤٥٦ ـ أبو الوليد إسماعيل بن عبد الدائم

أخبرني والدي : أنه كان شاعرا حسن النادرة ، مدّاحا لأبي سعيد بن عبد المؤمن ملك غرناطة ومن شعره قوله : [الكامل]

السعد يدني كلّ شيء رمته

وبناؤه هيهات أن يتهدّما

والجود يجذب كلّ من أبصرته

لا تنكرن حول الموارد حوّما

لو تستجيز صلاتنا وصيامنا

صلّى إذن كلّ الأنام وسلّما

١٢٦

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب العاشر

من الكتب التي يشتمل عليها :

كتاب المملكة الإلبيرية

وهو

كتاب حلى الصياغة ، في حلى باغه

البساط

ذكر الرزايّ : أنها طيبة الزرع ، كثيرة الثمار ، غزيرة المياه ، منبجسة بالعيون ، ولمائها خاصية ينعقد حجرا في حافات جداوله ، التي يتمادى فيها جريه ، ويجود فيها الزعفران. قال ابن شهيد : هي كثيرة الأعناب ، وخمرها مشهورة.

العصابة

ذكر الحجاريّ : أنه ثار فيها على عبد الله بن بلقين صاحب المملكة الغرناطية أيوب بن مطروح ولما أن أخذها منه يوسف بن تاشفين أدخل رأسه تحته ، وحرّك ، فوجد قد مات كمدا.

١٢٧

السلك

من كتاب ذوي البيوت

٤٥٧ ـ أبو زكريا يحيى بن مطروح (١)

من المسهب : من بيت إمارة ، إنحاز إلى مالقة ، ولم يزل حيث حلّ في رتبة عالية ، وهن ممن اجتمع به عمي ، وكان يثني عليه ، ومن شعره قوله (٢) : [البسيط]

يا حسنه كاتبا قد خطّ عارضه

في خدّه حاكيا ما خطّ بالقلم

لام العذول عليه حين أبصره

فقلت دعني فزين البرد بالعلم

وانظر إلى عجب مما تلوم به

بدرا (٣) له هالة قدّت من الظّلم

قولوا عن السحر (٤) ما شئتم ولا عجب

من عنبر الشّحر أو من دنّ (٥) مبتسم

ومن شعره : [الطويل]

تعال إلى روض تقلّد بالندى

عقودا ومن أزهاره ظلّ كاسيا

ولم أصطحب فيه بخلق سوى العلا

وبدر تمام يترك البدر داجيا

الكتّاب

٤٥٨ ـ أبو بكر محمد بن أبي عامر بن نصر الأوسي (٦)

كتب عن ملوك بني عبد المؤمن ، وكان مختصا بالوزير أبي جعفر ابن عطية وفيه يقول (٧) : [الطويل]

أبا جعفر نلت الذي نال جعفر

ولا زلت بالعيا تسرّ وتحبر

وإن نلت أسباب السّماء ترقّيا

فإنك مما نلت أعلى وأكبر

__________________

(١) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٥٤).

(٢) الأبيات في النفح (ج ٥ / ص ٥٤).

(٣) في النفح : بدر.

(٤) في النفح : عن البحر.

(٥) في النفح : من درّ.

(٦) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٥٥).

(٧) البيتان الأول والثالث في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٥٥).

١٢٨

عليك لنا فضل ومنّ (١) وأنعم

ونحن علينا كلّ مدح يحبّر

وتطيّر أبو جعفر من مطلع هذا الشعر ، وآل أمره إلى أن قتل.

__________________

(١) في النفح : وبرّ.

١٢٩

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الحادي عشر

من الكتب التي يشتمل عليها :

كتاب المملكة الإلبيرية

وهو

كتاب في حلى مدينة لوشة (١)

العصابة

بينها وبين غرناطة مرحلة من أحسن المراحل ، بين أنهار ، وظلال أشجار ، في بساط ممتدّ ، تبارك الله الذي أبداه بديعا في حسنه.

قال الحجاريّ : فلو كان للدنيا عروس من أرضها لكان ذلك الموضع. وهي على نهر شنّيل.

__________________

(١) لوشة أو لوخا : بلدة في إسبانيا جنوب غربي غرناطة اشتهرت في العهد العربي. مسقط رأس لسان الدين ابن الخطيب. المنجد في اللغة والأعلام (ج ٢ / ص ٦١٦).

١٣٠

السلك

٤٥٩ ـ قاضيها الفقيه العالم أبو عبد الله محمد بن عبد المولى (١)

من المسهب : يكفي لوشة من الفخر أن كان منها هذا السيد الفاضل ، فهو في كل مكرمة وفضيلة كامل ؛ نشأ على درس علوم الشريعة ، فورد منها في أعذب شريعة ؛ وترقّى إلى خطّة القضاء ببلده ، فأقام عزّه بين أهله وولده. وذكر أنه اجتمع به ، وبخل عليه بشيء من شعره ، فكتب له : [البسيط]

يا مانعا شعره من سمع ذي أدب

نائي المحلّ فريد الشّخص مغترب

يسير عنك به في كلّ متّجه

كما يسير نسيم الريح في العذب

إني وحقّك أهل أن أفوز به

واسأل فديتك عن ذاتي وعن نسبي

قال فكان جوابه : [البسيط]

يا طالبا شعر من لم يسم في الأدب

ماذا تريد بنظم غير منتخب

إنّي وحقّك لم أبخل به صلفا

ومن يضنّ على جيد بمخشلب

لكنني صنت قدري عن روايته

فمثله قلّ عن سام إلى الرّتب

خذه إليك كما أكرهت مضطربا

مخلّدا ذمّ مولاه إلى الحقب

ثم كتب له من نظمه (٢) : [الخفيف]

بي إليكم شوق شديد ولكن

ليس يبقى مع الجفاء اشتياق

إن يغيّركم الفراق فودّي

 ـ لو جزيتم (٣) ـ يزيد فيه الفراق

__________________

(١) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٥٥).

(٢) البيتان في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٥٦).

(٣) في النفح : لو خبرتم.

١٣١

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الثاني عشر

من الكتب التي يشتمل عليها :

كتاب المملكة الإلبيرية

وهو

كتاب الطالع السعيد ، في حلى عمل قلعة بني سعيد

وينقسم هذا الكتاب إلى :

كتاب الصّبيحة العيديّة ، في حلى القلعة السعيدية

كتاب الإشراق ، في حلى حصن القبذاق

كتاب الصبح المبين ، في حلى حصن العقبين

١٣٢

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد

أما بعد حمد الله والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه ، فهذا :

الكتاب الأول

من الكتب التي يشتمل عليها :

كتاب الطالع السعيد ، في حلى أعمال قلعة بني سعيد

وهو

كتاب الصبيحة العيديّة ، في حلى القلعة السعيدية

البساط

فيها ألّف الحجاريّ كتاب المسهب لصاحبها عبد الملك بن سعيد ، وقال في وصفها : عقاب الأندلس الآخذ بأزرار السماء ، عن غرر المجد والسّناء ، وهي رباط جهاد ، وحصن أعيان وأمجاد ؛ وفيها يقول أبو جعفر بن سعيد : [الطويل]

إلى القلعة الغرّاء يهفو بي الجوى

كأنّ فؤادي طائر زمّ عن وكر

هي الدار لا أرض سواها وإن نأت

وحجّبها عني صروف من الدّهر

أليست بأعلى ما رأيت منصّة

تحلّت بحلي كالعروس على الخدر

لها البدر تاج والثريا شنوفها

وما وشحها إلا من الأنجم الزّهر

أطلّت على الفحص النّضير فكلّ من

رأى وجهة منها تسلّى عن الفكر

١٣٣

العصابة

من المسهب : أن أول من حلّ بهذه القلعة من ولد عمار بن ياسر عبد الله بن سعد بن عمار ، وقد ذكره ابن حيان في المقتبس ، وأخبر : أن يوسف بن عبد الرحمن الفهريّ سلطان الأندلس ، كتب له أن يدافع عبد الرحمن المرواني الداخل ، وكان حينئذ أميرا على اليمانية من جند دمشق ، وآل أمره إلى أن ضرب عنقه عبد الرحمن ، ولما كانت الفتنة وثار ملوك الطوائف كان أول من ظهر منهم بالقلعة واستبد :

٤٦٠ ـ خلف بن سعيد

ابن محمد بن عبد الله بن سعيد بن الحسن بن عثمان بن محمد بن عبد الله ابن سعد بن عمار بن ياسر العبسيّ ؛ ولما مات خلفه ابنه سعيد ، ثم ابنه أبو مروان :

٤٦١ ـ عبد الملك بن سعيد (١)

وصادق الفتنة على الملثّمين ، فامتنع فيها إلى أن تولى لعبد المؤمن ، وخطب له فيها ، وسجنه عبد المؤمن في مرّاكش ، ثم سرّحه وجلّ قدره عنده.

وفي مدة الملثّمين وفد عليه أبو محمد عبد الله الحجاريّ بقصيدته التي أولها : [الوافر]

عليك أحالني الذكر الجميل

فجئت ومن ثنائك لي دليل

وصنف له كتاب المسهب في غرائب المغرب ، وهذبه عبد الملك وزاد عليه ، ثم عقبه بعده ، فكان منه هذا الكتاب على ما تقدم ذكره ، وكان وليّ عهده والمقدّم على جنده :

٤٦٢ ـ أبو عبد الله محمد بن عبد الملك (٢)

وكان مقدّما عند يحيى بن غانية في مدة الملثّمين ، ثم ولاه بنو عبد المؤمن أعمال إشبيلية وأعمال غرناطة وأعمال سلا وعلى يديه بني الجامع الأعظم بإشبيلية وقد مدحه الرصافي شاعر الأندلس في عصره بقصيدته التي منها : [الكامل]

إن الكرام بني سعيد كلّما

ورثوا العلا والمجد أوحد أوحدا

__________________

(١) ذكره المقري في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٣١٧ / ٣٣٩).

(٢) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ٣ / ص ٩٦).

١٣٤

قسموا المعالي بالسّواء وفضّلوا

فيها عمادهم الكبير محمدا

ولم يسمع من نظمه إلا قوله (١) : [الطويل]

فلا تظهرن ما كان في الصّدر كامنا

ولا تركبن بالغيظ في مركب وعر

ولا تبحثن في عذر من جاء تائبا

فليس كريما من يباحث في العذر

وكان مولده سنة أربع عشرة وخمسمائة ، وتوفّي في غرناطة سنة تسع وثمانين وخمسمائة.

وإلى الآن القلعة بيد بني سعيد ، منهم فيها عبد الملك بن سعيد.

السلك

سائر بني سعيد

٤٦٣ ـ أبو بكر محمد بن سعيد (٢)

صاحب أعمال غرناطة في مدة الملثمين.

من المسهب : حسب القلعة كون هذا الفاضل منها فقد رقم برد مجده بالأدب ، ونال منه بالاجتهاد والسجيّة القابلة أعلى سبب ، وله من النظم ما تقف عليه ، فتعلم أن زمام الإحسان ملقى في يديه. أنشدني لنفسه قوله :

يا هذه لا ترومي

خداع من ضاق ذرعه

تبكي وقد قتلتني

كالسّيف يقطر دمعه

وقوله :

فحزنا بالحديث بعد القديم

من معال تواترت كالنجوم

نحن في الحرب أجبل راسيات

ولنا في النّديّ لطف النّسيم

وقوله : [الطويل]

لقد صدعت قلبي حمامة بانة

أثارت غراما ما أجلّ وأكرما

ورقّ نسيم الريح من نحو أرضكم

ولطّف حتى كاد أن يتكلّما

__________________

(١) البيتان في نفح الطيب (ج ٣ ص ٩٧) دون تغيير عمّا هنا.

(٢) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ١ / ص ١٨٥) و (ج ٥ / ص ٥٤) و (ج ٦ / ص ٦٩).

١٣٥

٤٦٤ ـ أبو جعفر أحمد بن عبد الملك بن سعيد (١)

هو عمّ والدي ، وأحد مصنفي هذا الكتاب ، وكان والدي كثير الإعجاب بشعره ، مقدّما له على سائر أقاربه ، واستوزره عثمان بن عبد المؤمن ملك غرناطة ، فقال شعرا منه (٢) : [الطويل]

فقل لحريص أن يراني مقيّدا

بخدمته : لا يجعل الباز في القفص

وانضاف إلى ذلك اشتراكهما في هوى حفصة الشاعرة ، وكان عثمان أسود اللون ، فبلغه أن أبا جعفر قال لها : ما تحبين في ذلك الأسود وأنا أقدر أشتري لك من السوق بعشرين دينارا خيرا منه؟ ثم إن أخاه عبد الرحمن فرّ إلى ملك شرق الأندلس ابن مرذنيش ، فوجد عثمان سببا إلى الإيقاع بأبي جعفر ، فضرب عنقه.

وأوّل حضور أبي جعفر عند عبد المؤمن أنشده (٣) [الوافر]

عليك أحالني داعي النجاح

ونحوك حثّني هادي (٤) الفلاح

وكنت كساهر ليلا طويلا

ترنّح حين بشر بالصباح

وذي جهد (٥) تغلغل في قفار

شكا ظمأ فدلّ على القراح

دعانا نحو وجهك طيب ذكر

ويدعو (٦) للرياض شذا الرياح

وأنشده هو بقصره في رباط الفتح أمام سلا على البحر المحيط ، قصيدة منها : [الطويل]

تكلّم فقد أصغى إلى قولك الدهر

وما لسواك الآن نهي ولا أمر

ومنها : [الطويل]

ألا إنّ قصرا قد بدا لي بأفقه

محيّاك أهل أن يخرّ له البدر

أطلّ على البحر المحيط مرفّعا

فختّمه الشّعرى وتوّجه النّسر

ووافت جيوش البحر تلثم عطفه

مرادفة لما تناهى به الكبر

وما صوتها إلا سلام مردّد

وفي كل قلب من تصعّدها ذعر

ألا قل له يعلو الثريا فإنه

أطلّ على بحر وحلّ به بحر

__________________

(١) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٦٢ ، ٣١٧).

(٢) البيت في النفح (ج ٥ / ص ٣١٨).

(٣) الأبيات في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٣١٨ ، ٣١٩).

(٤) في النفح : حادي.

(٥) في النفح : جهل.

(٦) في النفح : ويذكر.

١٣٦

محيطان بالدنيا فليس لفخره

إذا لم يكن طلق اللسان به عذر

ومن شعره قوله : [الطويل]

أتاني كتاب منك يحسده الدهر

أما حبره ليل ، أما طرسه فجر

وقوله :

يقوم على الآداب حقّ قيامها

ويكبر عما يظهرون من الكبر

كصوب الحيا إن ظلّ يسمع وهو إن

غدا سامعا مثل المصيخ إلى الشّكر

وقوله (١) : [الطويل]

ولما رأيت السّعد لاح بوجهه

منيرا دعاني ما رأيت إلى الذكر (٢)

فأقبل يبدي لي غرائب نطقه

وما كنت أدري قبلها منزع السحر

فأصغيت إصغاء الجديب إلى الحيا

وكان ثنائي كالرياض على القطر

وكتبت له حفصة الشاعرة (٣) [الوافر]

أزورك أم تزور؟ فإنّ قلبي

إلى ما ملتم (٤) أبدا يميل

وقد أمّنت (٥) أن تظمى وتضحى

إذا وافى إليّ بك القبول (٦)

فثغري مورد عذب زلال

وفرع ذوائبي (٧) ظلّ ظليل

فعجّل بالجواب فما جميل

أناتك (٨) عن بثينة يا جميل

وقال في جوابها : [السريع]

أجلّكم ما دام بي نهضة

عن أن تزوروا إن وجدت السّبيل

ما الروض زوّارا ولكنما

يزوره هبّ النسيم العليل

وقال : [الخفيف]

__________________

(١) الأبيات في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٣٢٠).

(٢) في النفح : الشكر.

(٣) الأبيات في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٣١٥).

(٤) في النفح : ما تشتهي.

(٥) في النفح : أمّلت.

(٦) في النفح : إذا وافى إليك بي المقيل.

(٧) في النفح : ذؤابتي.

(٨) في النفح : إباؤك.

١٣٧

زارها من غدا سقيم هواها

وبراه شوقا إليها النحول

وكذا الروض لا يزور ويأتي

أبدا نحوه النسيم العليل

وكتبت له حفصة : [الرمل]

سار شعري لك عنّي زائرا

فأعر سمع المعالي شنفه

وكذاك الروض إذ لم يستطع

زورة أرسل عنه عرفه

فكتب إليها : [الرمل]

قد أتانا منك شعر مثلما

أطلع الأفق لنا أنجمه

وفم فاه به قد أقسمت

شفتي بالله أن تلثمه

وقال في يوم اجتمع فيه مع الرّصافيّ والكتندي على راحة ، ومسمع بجنك (١) : [مجزوء الكامل]

لله يوم مسرّة

أضوى وأقصر من ذباله

لما نصبنا للمنى

فيه بأوتار حباله

طار النهار به كمر

تاع وأجفلت (٢) الغزاله

وقوله (٣) : [الطويل]

بدا ذنب السّرحان ينبىء أنّه

تقدّم سبقا والغزالة خلفه

ولم تر عيني قبلها (٤) من متابع

لمن لا يزال الدهر يطلب حتفه

وقوله (٥) : [الكامل]

في الروض منك مشابه من أجلها

يهفو لها (٦) طرفي وقلبي المغرم

الغصن قدّ والأزاهر حلية

والورد خدّ ، والأقاحي مبسم

وقوله في والده وقد شدّ عليه درعا ، وخرج بجنده غازيا (٧) : [الطويل]

__________________

(١) الأبيات في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٦٢).

(٢) في النفح : فأجفلت.

(٣) البيتان في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٦٢ ، ٣٢٨).

(٤) في النفح : مثله.

(٥) البيتان في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٦٣).

(٦) في النفح : له.

(٧) الأبيات في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٣٢٦).

١٣٨

أيا قائد الأبطال في كلّ وجهة

تطير قلوب الأسد فيها من الذّعر

لقد قلت لما أن رأيتك دراعا

أيا حسن ما لاح الحباب على النّحر (١)

وأنشدت والأبطال حولك هالة

أيا حسن ما دار النجوم على البدر

فسر مثلما سار الصباح إلى الدّجى

وأب مثلما آب النسيم عن الزّهر

وقال وقد جاز على قصر من قصور الخلافة (٢) : [البسيط]

قصر الخلافة (٣) لا أخليت من كرم

وإن خلوت من الأعداد والعدد

جزنا عليه (٤) فلم تنقص مهابته

والغيل يخلو وتبقى هيبة الأسد

وقوله (٥) : [الكامل]

يا حسن يوم المهرجان وطيبه

يوم كما تهوى أغرّ محجّل

سرّح لحاظك حيث شئت فإنه

في كل موقع لخطة متأمّل

وقوله (٦) : [الخفيف]

لا تعيّن لنا مكانا ولكن

حيثما مالت اللواحظ ملنا

٤٦٥ ـ حاتم بن سعيد بن حاتم بن سعيد (٧)

من أبطال بني سعيد وفضلائهم ، صحب أبا عبد الله بن مغنيش ملك شرق الأندلس ، وكان فيه لطافة وتدبير ، ومن شعره قوله (٨) : [الكامل]

يا دانيا منّي وما هو (٩) زائر

لا أنت معذور ولا أنا عاذر

ماذا يضرّك إذا ظللت بظلمة

ألا يطالع منك نور (١٠) زاهر

__________________

(١) في النفح : البحر.

(٢) البيتان في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٦٣).

(٣) في النفح : الخليفة.

(٤) في النفح : عليك.

(٥) البيت الثاني في النفح (ج ٥ / ص ٦٣).

(٦) البيت في النفح (ج ٥ / ص ٦٣).

(٧) ذكره المقري في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٤٧) ولسان الدين في الإحاطة (ج ١ / ص ٣١٠).

(٨) البيتان في نفح الطيب (ج ٥ / ص ٤٧).

(٩) في النفح : وما أنا.

(١٠) في النفح : بدر.

١٣٩

٤٦٦ ـ أبو عبد الله محمد بن الحسين بن سعيد ابن الحسن بن سعيد (١)

اجتماعنا معه في سعيد بن خلف ، وهو الآن بإفريقية وزير الفضل سلطانها ، مع ما أضاف إليه من قود الكتائب ، وغير ذلك من المراتب ، وهو في نهاية من الكرم والسماحة والفروسية والخط والنظم والنثر ومن نثره : تدرّ عليه أخلاف السحائب ، وترقّ أنفاس الصبا والجنائب. قد غنوا عن ظلال الأفنية بظلال الخوافق ، وعن النّطف العذاب بموارد هي الريحان تحت الشقائق. والشقيّ يتوقف لهم ويتطارد تطارد الخاتل ، ويحار بين الورد والصّدر ولم يحزر أن الحسام بيد القاتل.

ومن نظمه قوله ، وقد نزل بشخص قدّم له في الضيافة شرابا أسود خاثرا وخرّوبا ، وقدّمت عجوز زبيبا أسود صغيرا فيه غضون (٢) : [المتقارب]

ويوم نزلنا بعبد العزيز

فلا قدّس الله عبد العزيز

سقانا شرابا كلون الهناء

وأنقلنا (٣) بقرون العنوز

وجاءت عجوز فأهدت لنا

زبيبا كخيلان خدّ العجوز

وقوله في دولاب (٤) : [الطويل]

ومحنيّة الأصلاب (٥) تحنو على الثّرى

وتسقي بنات التّرب دمع الترائب (٦)

تظنّ (٧) من الأفلاك أن مياهها

نجوم لرجم المحل ذات ذوانب

وأطربها (٨) رقص الغصون ذوابلا

فدارت بأمثال السيوف القواضب

وما خلتها تشكو بتحنانها الصّدى

وما بين (٩) متنيها اطّراد المذانب

فخذ من مجاريها ودهمة لونها

«بياض العطايا في سواد المطالب»

__________________

(١) انظر ترجمته في نفح الطيب (ج ٣ / ص ٤١) وفي الروايات (ص ٦٤).

(٢) الأبيات في نفح الطيب (ج ٣ / ص ٨٤).

(٣) في النفح : ونقّلنا.

(٤) الأبيات في نفح الطيب (ج ٣ / ص ٥٤).

(٥) في النفح : الأضلاع.

(٦) في النفح : درّ الترائب.

(٧) في النفح : تعدّ.

(٨) في النفح : وأعجبها.

(٩) في النفح : ومن فوق.

١٤٠