المسالك والممالك

أبي إسحاق إبراهيم بن محمّد الفارسي الإصطخري

المسالك والممالك

المؤلف:

أبي إسحاق إبراهيم بن محمّد الفارسي الإصطخري


المحقق: الدكتور محمّد جابر عبد العال الحيني
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الهيئة العامة لقصور الثقافة
الطبعة: ١
ISBN: 977-305-734-8
الصفحات: ٢٣٦

كل واحد منهما أربعمائة ذراع (١) ، وعرضه أربعمائة ذراع ، وطوله أربعمائة ذراع ، وهو فى صورة العمارة (٢) مربع الأسفل ، ثم لا يزال يرتفع ويضيق حتى يصير أعلاه نحو مبرك جمل ، وملئت بنيانه بكتابة يونانية (٣) ، وفى داخله طريق يسير فيه الناس رجّالة إلى قريب أعلاه ، وفى هذين الهرمين طريق فى باطن الأرض مخترق ، وأصحّ ما سمعت فى الأهرام أنها قبور الملوك الذين كانوا بتلك الأرض.

وعرض العمارة على النيل من حدّ أسوان ما بين نصف يوم إلى يوم إلى أن تنتهى إلى الفسطاط ، ثم تعرض فيصير عرضها من حدّ الإسكندرية إلى الخوف ، الذي يتصل بمفازة القلزم ـ نحو ثمانية أيام ، وما فى العرض من أرض مصر قفار.

وأما الواحات فإنّها بلاد كانت معمورة بالمياه والأشجار والقرى والناس ، فلم يبق فيها ديّار ، وبها إلى يومنا هذا ثمار كثيرة وغنم قد توحّشت فهى تتوالد ، والواحات من صعيد مصر إليها فى حدّ الجنوب نحو ثلاثة أيام فى مفازة ، وتتصل الواحات بالنوبة ببريّة فتنتهى إلى أرض السودان.

وبأرض مصر بحيرة يفيض فيها ماء النيل ، تتصل ببحر الروم تعرف ببحيرة تنّيس (٤) ، إذا امتدّ النيل فى الصيف عذب ماؤها ، وإذا نقص فى الشتاء إلى أوان الحرّ غلب ماء البحر عليها فملح ماؤها ، وفيها مدن مثل الجزائر تطيف البحيرة بها ، فلا طريق إليها إلا فى السفن ، فمن مشاهير تلك المدن تنّيس ودمياط ، وهما مدينتان لا زرع بهما ولا ضرع ، وبهما يتخذ المرتفع من ثياب مصر ، وهذه البحيرة قليلة العمق (٥) ، يسار فى أكثرها. بالمرادى ، وبها سمكة تسمى الدلفين فى خلقة الزق المنفوخ ، وسمكة إذا أكلها الإنسان رأى منامات هائلة ، ومن حدّ هذه البحيرة إلى حدّ الشام أرض كلها رمال متصلة حسنة اللون تسمى الجفار ، بها نخيل ومنازل ومياه مفترشة غير متصلة ، ويتصل حدّ الجفار ببحر الروم ، وحدّ بالتّيه ، وحدّ بأراضى فلسطين من الشام ، وحدّ ببحيرة تنّيس وما اتصل به من ريف مصر إلى حدود القلزم ، وأما تيه بنى اسرائيل فيقال إن طوله نحو من أربعين فرسخا ، وعرضه قريب من طوله ، وهى أرض فيها رمال وأرض صلبة (٦) ، وبها نخيل وعيون مفترشة قليلة ، يتصل حدّ له بالجفار ، وحدّ بجبل طور سينا وما اتصل به ، وحدّ بإزاء (٧) بيت المقدس وما اتصل به من فلسطين ، وحدّ له ينتهى إلى مفازة فى ظهر ريف مصر إلى حدّ القلزم.

وأما الأشمونين فإنها مدينة صغيرة عامرة ، ذات نخيل وزروع ، ويرتفع من الأشمونين ثياب كثيرة ،

__________________

(١) تضيف ا بذراعهم.

(٢) فى م العمارية والتصحيح عن ا ، ب.

(٣) من فى م والتصحيح عن ا.

(٤) المعروفة الآن بالمنزلة.

(٥) فى ا الماء.

(٦) فى م وهى أرض منها صلبة ومنها رمال. والتصحيح عن ا.

(٧) فى ا بأرض.

٤١

وبحذائها من شمالى النيل مدينة صغيرة يقال لها بوصير ، بها قتل مروان بن محمد ، ويقال إنّ سحرة فرعون الذين حشرهم فى يوم موسى من بوصير ؛ فأما أسوان فإن بها نخيلا كثيرا وزروعا ، وهى أكبر مدن الصعيد ، وإسنا (١) وإخميم متقاربتان فى العمارة ، صغيرتان عامرتان بالنخيل والزروع ، وذو النون المصرى الناسك من إخميم ؛ والفرما على شط البحيرة ، وهى مدينة صغيرة خصبة ، وبها قبر جالينوس اليونانى ، ومن الفرما إلى تنّيس نحو فرسخين فى البحيرة ، وبتنّيس تل عظيم مبنى من أموات منضّدين بعضهم على بعض ، يسمى هذا التل بوتون ، ويشبه أن يكون ذلك من قبل موسى عليه‌السلام ، لأن أرض مصر فى أيام موسى كان دينهم الدفن ، ثم صارت للنصارى ودينهم الدفن ، ثم صارت للإسلام ، ورأيت عليهم أكفانا من جنس الخيش ، وجماجم وعظاما فيها صلابة إلى يومنا هذا ؛ وعين شمس ومنف هما قريتان قد خربتا ، كل واحدة منهما من الفسطاط على نحو أربعة أميال ، وعين شمس من شمالى الفسطاط ومنف من جنوبيّه ، ويقال إنهما كانتا مسكنين لفرعون ، وعلى رأس جبل المقطم فى قلّته مكان يعرف بتنّور فرعون ، يقال إنه كان إذا خرج من أحد هذين الموضعين يوقد فيه ، فيعدّ فى المكان الآخر ما يعدّ له. وفى نيل مصر مواضع لا يضر فيها التمساح ، منها عند الفسطاط وبوصير وغير ذلك من أماكن معروفة ؛ وحوالى الفسطاط زرع ينبت مثل القضبان يسمى البلسان ، يتخذ منه دهن البلسان ، لا يعرف بمكان فى الدنيا إلا هناك ؛ وأما العبّاسة وفاقوس وجرجير فإنها من أرض الحوف ، ويعرف شمالىّ النيل أسفل من الفسطاط بالحوف ، وجنوبيه بالريف ، ومعظم رساتيق مصر وقراها فى هذين الموضعين.

وأما معدن الذهب فمن أسوان إليه خمسة عشر يوما ، والمعدن ليس فى أرض مصر ولكنه فى أرض البجة وينتهى إلى عيذاب ، ويقال إن عيذاب ليست من أرض البجة ، وإنما هى من مدن الحبشة ، والمعدن أرض مبسوطة لا جبل فيها ، وإنما هى رمال ورضراض ، ويسمى ذلك المكان الذي فيه مجمع الناس العلّاقى ، وليس للبجة قرى ولا خصب فيه غناء ، وإنما هم بادية ولهم نجب ، يقال إن ما فى النجب أسير منها ، ورقيقهم ونجبهم وسائر ما بأرضهم يقع إلى مصر وبمصر بغال وحمير ولا يعرف فى شىء من بلدان الإسلام أحسن ولا أثمن منها ، ولهم من وراء أسوان حمير صغار فى مقدار الكباش ، ملمّعة تشبه البغال الملمّعة ، إذا أخرجت من مواضعها لم تعش ، ولهم حمير يقال لها السملاقيّة بأرض الصعيد ، زعموا أن أحد أبويها من الوحشى والآخر من الأهلى ، فهى أسير تلك الحمير ، وبالجفار حيّات فى مقدار الشبر ، تثب من الأرض حتى تقع فى المحامل فتلسع ، وأهل مصر فى أخبارهم يزعمون أن الجفار فى أيام فرعون كانت معمورة بالقرى والمياه ، وأن الذي قال الله تعالى (وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ)(٢) هو الجفار ، ولذلك سمى العريش عريشا.

__________________

(١) فى ا وابن حوقل ص ١٠٥ : طبعة ليدن. البلينا.

(٢) الأعراف آية ١٣٧.

٤٢

أرض الشام

وأما الشام فإنّ غربيها بحر الروم ، وشرقيها البادية من أيلة إلى الفرات ، ثم من الفرات إلى حدّ الروم ، وشماليها بلاد الروم ، وجنوبيها حدّ مصروتيه بنى إسرائيل ، وآخر حدودها ممّا يلى مصر رفح ، ومما يلى الروم الثغور ، وهى ملطية والحدث ومرعش والهارونيّة والكنيسة وعين زربة والمصّيصة وأذنة وطرسوس والذي يلى الشرقىّ والغربى مدن قد ذكرناها فى تصوير الشام ، (وفى إعادتها تطويل (١)).

قد جمعت الثغور إلى الشام ، وبعض الثغور تعرف بثغور الشام ، وبعضها تعرف بثغور الجزيرة ، وكلاهما من الشام ، وذلك أن كل ما وراء الفرات من الشام ، وإنما سمى من ملطية إلى مرعش ثغور الجزيرة ، لأن أهل الجزيرة بها يرابطون وبها يغزون ، لا لأنّها من الجزيرة. وكور الشام إنّما هى جند فلسطين وجند الأردنّ وجند حمص وجند دمشق وجند قنّسرين والعواصم والثغور ، وبين ثغور الشام وثغور الجزيرة جبل اللّكام ، وهو الفاصل بين الثغرين ، وجبل اللكام هو جبل داخل فى بلد الروم ، ويقال إنّه ينتهى فى بلد الروم إلى نحو من مائتى فرسخ ، ويظهر فى بلد الإسلام (٢) بين مرعش والهارونيّة وعين زربة فيسمى اللكام ، إلى أن يجاوز اللاذقيّة ثم يسمى جبل بهراء ، وتنوخ إلى حمص ثم يسمى جبل لبنان ، ثم يمتد على الشام حتى ينتهى إلى بحر القلزم.

وأما جند فلسطين ـ وهو أول أجناد الشام مما يلى المغرب ـ فإنّه تكون مسافته للمراكب طول يومين من رفح إلى حدّ اللّجون ، وعرضه من يافا إلى ريحا (٣) يومان ، وأما زغر وديار قوم لوط والجبال والشراة فمضمومة إليها ، وهى منها فى العمل إلى أيلة ، وديار قوم لوط والبحيرة الميّتة وزغر إلى بيسان وطبريّة تسمى الغور لأنها بين جبلين ، وسائر بلاد الشام مرتفع عليها ، وبعضها من الأردنّ وبعضها من فلسطين فى العمل ، وأما نفس فلسطين فهو ما ذكرته ، وفلسطين ماؤها من الأمطار ، وأشجارها وزروعها أعذاء (٤) إلا نابلس ، فإنّ بها مياها جارية ، وفلسطين أزكى بلدان الشام ، ومدينتها العظيمة الرّملة ، وبيت المقدس يليها فى الكبر ، وبيت المقدس مدينة مرتفعة على جبال يصعد إليها من كل مكان قصد من فلسطين ، وبها مسجد ليس فى الإسلام

__________________

(١) هذه الزيادة مأخوذة من ا.

(٢) فى ب ج من.

(٣) فى ا أريحا.

(٤) الزرع الذي لا يسقيه إلا ماء المطر ، مفرده عذى بكسر العين وسكون الذال.

٤٣

مسجد أكبر منه (١) ، والبناء فى زاوية من غربى المسجد ، ويمتد على نحو نصف عرض المسجد ، والباقى من المسجد فارغ إلا موضع الصخرة ، فإنّ عليه حجرا مرتفعا مثل الدكّة ، وفى وسط الحجر على الصخرة قبة عالية جدا ، وارتفاع الصخرة من الأرض إلى صدر القائم ، وطولها وعرضها متقارب يكون بضعة عشر ذراعا ، وينزل إلى باطنها بمراق من باب شبيه بالسرداب ، إلى بيت يكون طوله نحو بسطة فى مثلها ، وليس ببيت المقدس ماء جار سوى عيون لا تتسع للزروع ، وهو من أخصب بلدان فلسطين ، ومحراب داود عليه‌السلام بها ـ وهو بنيّة مرتفعة ـ ارتفاعها يشبه أن يكون خمسين ذراعا من حجارة ، وعرضها نحو ثلاثين ذراعا على الحزر والتخمين ، وأعلاه بناء مثل الحجرة وهو المحراب ، وإذا وصلت إليها من الرّملة فهو أول ما يتلقاك من بناء بيت المقدس ، وفى مسجد بيت المقدس لعامة الأنبياء المعروفين لكل واحد منهم محراب معروف ، وعلى ناحية جنوب بيت المقدس على ستة أميال منه قرية تعرف ببيت لحم ، وهى مولد عيسى عليه‌السلام ، ويقال إن فى كنيسة منها قطعة من النخلة التى أكلت منها مريم ، وهى مرفوعة عندهم يصونونها ، ومن بيت لحم على سمته فى الجنوب مدينة صغيرة ، شبيهة فى القدر بقرية ـ تعرف بمسجد ابراهيم عليه‌السلام ، وفى المسجد الذي يجمّع فيه الجمعة قبر إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم‌السلام صفا ، وقبور نسائهم صفا بحذاء كل قبر من قبورهم قبر امرأة صاحبه (٢) ، والمدينة فى وهدة بين جبال كثيرة كثيفة الأشجار ، وأشجار هذه الجبال وسائر جبال فلسطين وسهلها زيتون وتين وجمّيز وعنب ، وسائر الفواكه أقل من ذلك. ونابلس مدينة السامرة ، يزعمون أن بيت المقدس هو نابلس ، وليس للسامرة مكان من الأرض إلا بها ، وآخر مدن فلسطين مما يلى جفار مصر مدينة يقال لها غزّة ، بها قبر هاشم ابن عبد مناف ، وبها مولد محمد بن إدريس الشافعى ، وفيها أيسر (٣) عمر بن الخطاب فى الجاهلية ، لأنها كانت مستطرقا لأهل الحجاز ، وبفلسطين نحو من عشرين منبرا على صغر رقعتها ، وهى من أخصب بلاد الشام ، وأما الجبال والشّراة فإنّهما بلدان متميزان ، أما الشراة فمدينتها تسمى أذرح ، وأما الجبال فإن مدينتها تسمى روات ، وهما بلدان فى غاية الخصب والسّعة ، وعامة سكانها العرب متغلبون عليها.

وأما الأردن فإن مدينتها الكبرى طبريّة ، وهى على بحيرة عذبة الماء ، طولها اثنا عشر ميلا فى عرض فرسخين أو ثلاثة ، وبها عيون جارية حارة ، مستنبطها على نحو فرسخين من المدينة ، فإذا انتهى الماء إلى المدينة على ما دخله من الفتور بطول السير إذا طرحت فيه الجلود انمعطت (٤) ، ولا يمكن استعماله إلا بالمزاج ، ويعمّ

__________________

(١) تزيد ا العبارة الآتية تسرج فيه فى الليلة خمسة آلاف وخمسمائه قنديل وله سبعون خادما.

(٢) العبارة فى ا كما يأتى : بحذاء كل قبر من قبورهم قبر امرأته.

(٣) فى ا ب ح أسر وفى ابن حوقل ص ١١٣ (ليدن) استغنى مما يؤبد م.

(٤) سقط ما عليها من شعر.

٤٤

ذلك الماء حماماتهم ومياضىء لهم ، والغور أوله هذه البحيرة ، ثم يمتد على بيسان حتى ينتهى إلى زغر وريحا إلى البحيرة الميّتة ، والغور ما بين جبلين غائر فى الأرض جدا ، وبه عيون وأنهار ونخيل ، ولا تستقر به الثلوج ، وبعض (١) الغور من حدّ الأردنّ إلى أن تجاوز بيسان ، فإذا جاوزته كان من حدّ فلسطين ، وهذا البطن إذا امتدّ فيه السائر أداه إلى أيلة ؛ وصور بلد من أحصن الحصون التى على شط البحر ، عامرة خصبة ، ويقال إنه أقدم بلد بالساحل ، وإنّ عامة حكماء اليونان منها ، وبالأردنّ كان مسكن يعقوب النبي عليه‌السلام ، وجب يوسف عليه‌السلام (٢) على اثنى عشر ميلا من طبريّة ، على ما يلى دمشق ومياه طبريّة من البحيرة.

وأما جند دمشق فإنّ قصبتها مدينة دمشق ، وهى أجلّ (٣) مدينة بالشام كلها ، وهى فى أرض واسعة بين جبال تحيط (٤) بها مياه كثيرة وأشجار وزروع متصلة ، وتسمى تلك البقعة الغوطة ، عرضها مرحلة فى مرحلتين ، ليس بالمغرب مكان أنزه منه ، ومخرج مائها من تحت كنيسة يقال لها الفيجة ، وأول ما يخرج مقداره ارتفاع ذراع فى عرض باع ، ثم يجرى فى شعب تتفجّر فيها العيون ، فيأخذ منه نهر عظيم أجراه يزيد بن معاوية ، يعرض فى كثير ثم يستنبط منه نهر المزّة ونهر القنوات ، ويظهر عند الخروج من الشّعب بموضع يقال له النّيرب ، ويقال إنه المكان الذي قال الله فيه (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ)(٥) ثم يبقى من هذا الماء عمود النهر فيسمى بردى ، وعليه قنطرة فى وسط مدينة دمشق ، لا يعبره الراكب غزارة وكثرة ، فيفضى إلى قرى الغوطة ، ويجرى الماء فى عامّة دورهم وسككهم وحمّاماتهم ، وبها مسجد ليس فى الإسلام مسجد أحسن ولا أكثر نفقة منه ، وأمّا الجدار والقبّة التى فوق المحراب عند المقصورة فمن بناء الصابئين ، وكان مصلاهم ثم صار فى أيدى اليونانيين ، فكانوا يعظمون فيه دينهم ، ثم صار لليهود وملوك من عبدة الأوثان ، فقتل فى ذلك الزمان يحيى بن زكريا عليه‌السلام ، ونصب رأسه على باب هذا المسجد ، بباب يسمى جيرون ، ثم تغلّب عليه النصارى فصار فى أيديهم كنيسة ، يعظمون فيها دينهم ، حتى جاء الإسلام فصار للمسلمين واتخذوه مسجدا ، وعلى باب جيرون حيث نصب رأس يحيى بن زكرياء نصب رأس الحسين بن على عليهما‌السلام (٦) ، فلما كان فى أيام الوليد بن عبد الملك عمره فجعل أرضه رخاما مفروشا ، وجعل وجه جدرانه رخاما مجزّعا ، وأساطينه رخاما موشّى ، ومعاقد رؤوس أساطينه ذهبا ، ومحرابه ذهبا (٧) مرصعا بالجواهر ، ودور السقف كله ذهبا مكتبا ، كما تطوف ترابيع جدار المسجد ، يقال إنه أنفق فيه وحده خراج الشام ، وسطحه رصاص ، وسقفه خشب مذهب ، يدور الماء على رقعة المسجد ، حتى

__________________

(١) فى ب ح حدّ.

(٢) الزيادة من ا.

(٣) فى ا من أجلّ.

(٤) فى ا تحتفّ.

(٥) المؤمنون آية ٥٠.

(٦) فى ب رضى الله عنهما ، والفرق فى التعبير يدل على أن هذا سنىّ والآخرون يتشيعون لأن هذه عادتهم فى التعبير.

(٧) فى ا بذهب مرصع.

٤٥

إذا فجرّ فيه انبسط على جميع الأركان سواء ، ومن جند دمشق بعلبكّ وهى مدينة على جبل ، عامة أبنيتها من حجارة وبها قصور من حجارة ، قد بنيت على أساطين شاهقة ، ليس بأرض الشام أبنية حجارة أعجب ولا أكبر منها ، وأطرابلس مدينة على بحر الروم عامرة ، ذات نخل وقصب سكر وخصب.

وأما جند حمص فإن مدينتها حمص ، وهى مدينة فى مستو خصبة جدا ، من أصح بلدان الشام تربة ، فى أهلها جمال مفرط ، وليس بها عقارب ولا حيات ، ولها مياه وأشجار وزروع كثيرة ، وأكثر زروع رساتيقها أعذاء ، وبها كنيسة بعضها مسجد جامع وبعضها كنيسة ، وهى من أعظم كنائس الشام ، وعامة طريق حمص مفروشة بالحجارة ؛ وأما أنظرظوس فهو حصن على بحر الروم ، ثغر لأهل حمص ، وبه كان مصحف عثمان بن عفان ؛ وأما سلمية فهى مدينة الغالب على سكانها بنو هاشم ، على طرف (١) البادية خصبة ، وأما شيزر وحماة فإنهما مدينتان صغيرتان نزهتان ، كثيرتان الماء والشجر والزرع.

وجند فنّسرين مدينتها حلب ، وهى عامرة بالأهل جدا ، على مدرج طريق العراق إلى الثغور وسائر الشامات وقنسرين مدينة تنسب الكورة إليها ، وهى من أصغر المدن بها ؛ ومعرّة النعمان مدينة هى وما حواليها من القرى أعذاء ، ليس بجميع نواحيها ماء جار ولا عين ، وكذلك أكثر ما بجميع جند قنسرين أعذاء ، ومياههم من السماء وخناصرة حصن على شفير البريّة ، كان يسكنه عمر بن عبد العزيز ؛ وأما العواصم فاسم الناحية ، وليس موضع بعينه يسمى العواصم ، وقصبتها أنطاكية ، وهى بعد دمشق أنزه بلد بالشام ، عليها سور من صخر يحيط بها ، وبجبل مشرف عليها فيه مزارع وأرحية ومراع وأشجار ، وما يستقل به أهلها من مرافقها ، ويقال إن دور السور للراكب يومان ، وتجرى مياههم فى دورهم وسككهم (٢) ومسجد جامعهم ، وبها ضياع وقرى ونواح خصبة جدا ، وأما الصخرة فإنّها تعرف بصخرة موسى ، ويقال إن موسى اجتمع مع الخضر عليهما‌السلام فى هذا الموضع ؛ وأما بالس فهى مدينة على شط الفرات صغيرة ، وهى أول مدن الشام من العراق ، والطريق إليها عامر ، وهى فرضة الفرات لأهل الشام ؛ وأما منبج فهى مدينة فى بريّة ، الغالب على مزارعها الأعذاء وهى خصبة ، ومنها البحترى الشاعر وثابت ابنه بها (٣) ، وسكانها عرب ، وبقربها سنجة ، وهى مدينة صغيرة بقربها قنطرة حجارة تعرف بقنطرة سنجة ، ليس فى الإسلام قنطرة أعجب منها ، وأما سميساط فهى على الفرات ، وكذلك جسر منبج ، وهما مدينتان صغيرتان خصبتان ، لهما زروع سقى ومباخس (٤) ، وماؤهما من الفرات ، وملطية مدينة كبيرة من أكبر الثغور التى دون جبل اللّكام ، وتحتف بها جبال كثيرة الجوز ، وسائر الثمار مباح لا مالك له ، وهى من

__________________

(١) فى ا طريق.

(٢) فى ب ح مساكنهم.

(٣) هذه العبارة كلها ساقطة من ا وشطرها الأخير ساقط فى ب.

(٤) البخس من الزرع مالم يسق بماء عد ، وهو الذي يسقيه ماء السماء. وفى ب ، ج : وبناء حسن وهو تحريف

٤٦

قرى بلد الروم على مرحلة ، وحصن منصور حصن صغير فيه منبر وزروعه عذى ، والحدث ومرعش هما مدينتان صغيرتان عامرتان ، فيهما مياه وزروع وأشجار كثيرة ، وهما ثغران ؛ وأما زبطرة فإنها حصن كان من أقرب هذه الثغور إلى بلد الروم ، خرّبه الروم ؛ والهارونية من غربى جبل اللّكام فى بعض شعابه ، وهى حصن صغير بناه هارون الرشيد فنسب إليه ، واسكندرونة حصن على ساحل بحر الروم صغير به نخيل ؛ وبيّاس مدينة صغيرة على شط بحر الروم ، ذات نخل وزروع خصبة ، والتّينات حصن على شط البحر أيضا ، فيه مجمع لخشب الصنوبر ، الذي ينقل إلى الشامات وإلى مصر والثغور ؛ والكنيسة حصن فيه منبر ، وهو ثغر فى معزل من شط البحر ؛ والمثقّب حصن صغير بناه عمر بن عبد العزيز ، به منبر ومصحف له ؛ وعين زربة بلد يشبه مدن الغور ، بها نخيل وهى خصبة واسعة الثمار والزروع والمرعى ، وهى المدينة التى أراد وصيف الخادم أن يدخل بلد الروم منها ، فأدركه المعتضد هناك ، والمصّيصة مدينتان : إحداهما تسمى المصّيصة والأخرى كفربيّا على جانبى جيحان ، وبينهما قنطرة حجارة حصينة جدا ، على شرف من الأرض ينظر منها الجالس فى المسجد الجامع إلى قرب البحر نحو أربعة فراسخ ، وجيحان يخرج من بلد الروم حتى ينتهى إلى المصّيصة ثم إلى رستاق يعرف بالملّون حتى يقع فى بحر الروم ، وأذنة مدينة تكون مثل أحد جانبى المصيصة على نهر يسمى سيحان ، وهى مدينة خصبة عامرة ، وهى منقطعة على نهر سيحان فى غربى النهر ، وسيحان هو دون جيحان فى الكبر ، عليه قنطرة حجارة عجيبة البناء طويلة جدا ، ويخرج هذا النهر من بلد الروم أيضا ، وطرسوس مدينة كبيرة عليها سوران من حجارة ، تشتمل على خيل (١) ورجال وعدّة ، وهى فى غاية العمارة والخصب ، وبينها وبين حدّ الروم جبال ، هى الحاجز بين المسلمين والروم ، ويقال إنه كان بها زهاء مائة ألف فارس ـ فيما يزعم أهلها ، وليس من مدينة عظيمة من حد سجستان إلى كرمان وفارس والجبال وخوزستان وسائر العراق والحجاز واليمن والشامات ومصر إلا وبها لأهلها دار وأكثر ، ينزلها أهلها إذا وردوها ؛ وأولاس حصن على ساحل البحر ، بها قوم متعبدون ، وهى آخر ما على بحر الروم من العمارة للمسلمين.

وأمّا رقيم فإنّها مدينة بقرب البلقاء ، وهى صغيرة منحوتة بيوتها كلها ، وجدرانها من صخر كأنها حجر واحد ، والبحيرة الميّتة (٢) من الغور بقرب زغر ، وإنما تسمى الميّتة لأنه ليس فيها شىء من الحيوان لا سمك ولا غيره ، وتقذف بشىء يسمى الحمّر ، منه يلقّحون كروم فلسطين ـ كما يلقّح النخل بطلع الفحّال (٣) ـ منها ، وبزغر بسر (٤) يقال له الانقلاء ، لم أر بالعراق ولا بمكان أعذب ولا أحسن منظرا منه ، كأن لونه الزعفران لا يغادر منه شيئا ، ويكون أربعة منه شبرا ، وديار قوم لوط هى أرض تسمى الأرض المقلوبة ، وليس بها زرع

__________________

(١) فى ب جبل.

(٢) تذكر فى م دائما المنتنة ويؤيد ابن حوقل ا كما فى ص ١٢٣ ليدن.

(٣) فى ب العجم. وفى ا : الفحال الدكور

(٤) تزيد ا كبير.

٤٧

ولا ضرع ولا حشيش ، وهى بقعة سوداء قد فرشت بحجارة كلها متقاربة فى الكبر ، يروى أنها الحجارة المسوّمة التى رمى بها قوم لوط ، وعلى عامة تلك الحجارة كالطابع ؛ ومعان مدينة صغيرة سكانها بنو أمية ومواليهم وهو حصن من الشّراة ، وحوران والبثنيّة هما رستاقان عظيمان من جند دمشق ، مزارعهما مباخس ، وهناك بصرى وعند البلقاء عمّان التى جاء فى الخبر فى ذكر الحوض أنه ما بين عمّان وبصرى ، وبغراس على طريق الثغور ، وبها دار ضيافة لزبيدة ، وليس بالشام دار ضيافة غيرها ، وبيروت (١) مدينة على شط بحر الروم ، خصبة (٢) من عمل دمشق ، بها كان مقام الأوزاعى.

وأما المسافات بالشام (٣) فإن طولها من ملطية إلى رفح : فمن ملطية إلى منبج ٤ أيام ، ومن منبج إلى حلب يومان ، ومن حلب إلى حمص ٥ أيام ، ومن حمص إلى دمشق ٥ أيام ، ومن دمشق إلى طبرية ٤ أيام ، ومن طبرية إلى الرملة ٣ أيام ، ومن الرملة إلى رفح يومان ، فذلك ٢٥ مرحلة ، وعرضها فى بعض المواضع أكثر من بعض ، فأعرضها طرفاها ، وأحد طرفيها من الفرات من جسر منبج على مبنج ثم على قورس فى حدّ قنّسرين ، ثم على العواصم فى حد أنطاكية ، ثم يقطع جبل اللكام إلى بيّاس ، ثم إلى التينات ثم على المثقّب ثم على المصّيصة ثم على أذنة ثم على طرسوس وذلك نحو ١٠ مراحل ، وإن سلكت من بالس فإلى حلب ، ثم إلى أنطاكية ثم إلى اسكندرونة ثم إلى بيّاس حتى تنتهى إلى طرسوس ، فالمسافة أيضا نحو ١٠ مراحل ، غير أن السمت المستقيم هو الطريق الأول. وأما الطرف الآخر فهو حدّ فلسطين ، فيأخذ من البحر من حدّ يافا حتى ينتهى إلى الرملة ، ثم إلى القدس ، ثم إلى أريحا (٤) ، ثم إلى زغر ثم إلى جبال الشراة ثم إلى الشراة إلى أن ينتهى إلى معان ومقدار هذا ٦ مراحل. فأما ما بين هذين الطرفين من الشام فهو مخصّر ، ولا يكاد يزيد عرض موضع من الأردنّ ودمشق وحمص على أكثر من ٣ أيام ، لأن من دمشق إلى اطرابلس على بحر الروم يومين غربا ، وإلى أقصى الغوطة حتى يتصل بالبادية شرقا يوما ، ومن حمص إلى انظر طوس على بحر الروم يومين غربا ، ومن حمص إلى سليمة على البادية شرقا يوما ، ومن طبرّية إلى صور على البحر غربا يوما ، ومنها إلى أن تجاوز فيق على حدّ ديار بنى فزارة شرقا يوما. فهذه مسافتا طول الشام وعرضه.

وأما المسافة فى أضعافه فإنا نبدأ بفلسطين وهى أول أجناد الشام مما يلى المغرب وقصبتها الرملة ، فمن الرملة إلى يافا نصف مرحلة ، ومن فلسطين إلى عسقلان مرحلة ، وإلى غزّة مرحلة ، ومن الرملة إلى بيت المقدس يوم ، ومن بيت المقدس إلى مسجد ابراهيم يوم ، ومن بيت المقدس إلى ريحا مرحلة ، ومن بيت المقدس إلى البلقاء يومان ، ومن الرملة إلى قيساريّة يوم ، ومن الرملة إلى نابلس يوم ، ومن ريحا إلى زغر يومان ، ومن زغر إلى جبال الشراة يوم ومن جبال الشراة

__________________

(١) فى ا بهروت.

(٢) فى ب ح حصينة.

(٣) فى ب ح دمشق.

(٤) سبق أن ذكرت فى ا ب ح ريحا وهنا تتفق المخطوطات الثلاث فى أنها أريحا بالهمزة ثم تذكر بعد ذلك فى جميعها بغير الهمزة.

٤٨

إلى آخر الشراة يوم (١) ، وأما الأردنّ فإن قصبتها طبريّة ، فمنها إلى صور يوم (٢) ومنها إلى عقبة فيق يوم (٣) ، ومنها إلى بيسان يومان خفيفان ، ومنها إلى عكّا يوم ، والأردنّ أصغر أجناد الشام وأقصرها مسافة. وأما جند دمشق فإنّ قصبتها دمشق ، ومنها إلى بعلبكّ يومان ، وإلى إطرابلس يومان ، وإلى بيروت يومان ، وإلى صيدا يومان ، وإلى أذرعات ٤ أيام ، وإلى أقصى الغوطة يوم ، وإلى حوران والبثنيّة يومان وأمّا جند قنّسرين فإنّ مدينتها قنسرين ، غير أنّ دار الإمارة والأسواق ومجمع الناس والعمارات (٤) بحلب ، فمن حلب إلى بالس يومان ، ومن حلب إلى قنسرين يوم ، ومن حلب إلى الأثارب يوم ، ومن حلب إلى قورس يوم ، ومن حلب إلى منبج يومان ، ومن حلب إلى الخناصرة يومان. وأمّا العواصم فإنّ قصبتها انطاكية ، ومنها إلى اللاذقية (٥) ٣ مراحل (٦) ، ومنها إلى بغراس يوم ، وإلى الأثارب يومان ، وإلى حمص ٥ مراحل ، ومنها إلى مرعش يومان ، وإلى الحدث ٣ أيام. وأما الثغور فإنّه لا قصبة لها ، وكل مدينة قائمة بنفسها ، ومنبج قريبة من (٧) الثغور ، ومن منبج إلى الفرات مرحلة خفيفة ، ومن منبج إلى قورس مرحلتان ، ومن منبج إلي ملطية ٤ أيام ، ومن منبج إلى سميساط يومان (٨) ، ومن منبج إلى الحدث يومان ، ومن سميساط إلى شمشاط يومان (٩) ، ومن شمشاط إلى حصن منصور يوم ، ومن حصن منصور إلى ملطية يومان ، ومن حصن منصور إلى زبطرة يوم ، ومن حصن منصور إلى الحدث يوم ، ومن الحدث إلى مرعش يوم ، ومن ملطية إلى مرعش ثلاث مراحل كبار (١٠). فهذه مسافات ثغور الجزيرة وأما الثغور الشامية : فمن اسكندرونة إلى بيّاس مرحلة خفيفة ، ومن بيّاس إلى المصّيصة مرحلتان ، ومن المصيصة إلى عين زربة يوم ، ومن المصّيصة إلى أذنة يوم ، ومن أذنة إلى طرسوس يوم ، ومن طرسوس إلى أولاس على بحر الروم يومان (١١) ، ومن طرسوس إلى الحوزات يومان ، ومن طرسوس إلى بيّاس على بحر الروم فرسخان ، ومن بيّاس إلى الكنيسة والهارونية أقل من يوم ، ومن الهارونية إلى مرعش من ثغور الجزيرة أقل من يوم (١٢) ، فهذه جملة مسافات الثغور (١٣). وقد انتهى قولنا فيما أردنا ذكره من الشام وذكرنا المغرب ومصر والشام وأقاليم ممتدة على بحر الروم واستوفيناها ، ويصل ذلك بذكر الروم.

__________________

(١) فى ا ثلاثة أيام. وبالرجوع إلى ابن حوقل ص ١٢٦ (ليدن) نجده يؤيد أنه يوم.

(٢) فى ا يومان وفى ابن حوقل ص ١٢٦ (ليدن) يوم.

(٣) فى ا نصف يوم وفى ابن حوقل ص ١٢٦ (ليدن) يوم.

(٤) الزيادة مأخوذة من ا ، ب ، ج ويؤيدها ابن حوقل ص ١٢٦ (ليدن).

(٥) فى ابن حوقل ص ١٢٧ (ليدن) أذنة.

(٦) أيام فى ا ، ب ، ج.

(٧) إلى فى المطبوع وفى ا ، ب ، ج والتصويب عن المخطوطةD بها من ص ٦٧ من م.

(٨) فى ب ، ج يوم.

(٩) من أول من منبج إلى ومن حصن منصور ساقط فى ب ، ح أما فى ا فالعبارة ومن سميساط إلى شمشاط يومان فهى ساقطة.

(١٠) وهذه العبارة ساقطة أيضا فى ا ، ب ، ج.

(١١) فرسخان فى ا ، ب ، ج.

(١٢) يوم فى ا ، ب ، ج.

(١٣) بعد هذه الكلمة زيادة ليست فى م وهذه الزيادة موجودة فى ا ، ب ، ج.

٤٩

بحر الروم

وأمّا بحر الروم فإنه خليج من البحر المحيط بين الأندلس وبين البصرة (١) من بلاد طنجة ، وبين طنجة وبين جزيرة جبل طارق من أرض الأندلس عرضه اثنا عشر ميلا (٢) ، ثم يتسع ويعرض فيمتد على سواحل المغرب فيما يلى شرقى هذا البحر ، حتى ينتهى إلى أرض مصر ويمتد على أراضى مصر حتى ينتهى إلى أرض الشام ممتدا عليها ، ثم يعطف بناحية الثغور فيدور على بلد الروم من أنطاكية وما قاربها ، ثم يصير غربىّ البحر إلى خليج القسطنطينية ويعبره ، ثم يمتد على سواحل أثيناس ، ثم على سواحل رومية ثم يمتد على قرب إفرنجة فيصير (٣) البحر حينئذ جنوبيا ، ويكون على ساحله افرنجه ، إلى أن يتصل بطرطوشة من بلاد الأندلس ، ويمتد على البلاد التى وصفناها فى صفة الأندلس ، حتى يحاذى البصرة (٤) بجزيرة جبل طارق ، ثم يمتد على البحر المحيط إلى شنترين ، وهى آخر بلاد الإسلام على هذا البحر من جانب بلد الروم ، فلو أن رجلا سار من البصرة على السواحل حتى يعود إلى ما يحاذيه من أرض الأندلس ، لا يحتاج إلى أن يعبر نهرا أو خليجا أمكنه.

وقد (٥) ذكرت ما على هذا البحر من المدن والبقاع ، من السوس الأقصى إلى أن ينتهى إلى أرض مصر وإلى آخر الشام ، من الثغور إلى أولاس وما يحيط به من بلد الأندلس ، ما يغنى عن إعادته. فإذا جزت أولاس دخلت (٦) جبالا تنتهى إلى بحر الروم يقال لها قلمية ، وقلمية مدينة كانت للروم ، وبعض أبواب طرسوس يسمى باب قلمية ينسب إليها ، وقلمية ليست على البحر ولا على شط هذا البحر ، وإذا جزت هذا الموضع بنحو من مرحلة مكان يعرف باللّامس قرية على شط البحر ، فيه يكون الفداء بين المسلمين والروم ، يكون الروم فى البحر فى السفن والمسلمون فى البر فيتفادون ، وأنطاكية حصن للروم على شط البحر ، منيع واسع الرستاق كثير الأهل ، ثم ينتهى إلى شط الخليج ، وهو خليج مالح يعرف بخليج القسطنطينية ، وعليه سلسلة ممتدة لا تعبر فيه سفن البحر ولا غيرها إلا بإذن ، مثل المأصر (٧) ، ويقع فى بحر الروم من البحر المحيط من وراء الروم ؛ وسواحل أثيناس ورومية ذات

__________________

(١) يجب التفرقة بين هذه البصرة وبصرة العراق ، وبقول المقدسى فى أحسن التقاسيم عن بصرة المغرب ص ٢٣٠ ط ليدن (والبصرة كانت مدينة كبيرة عامرة وقد خربت وكانت جليلة).

(٢) فى ا : فرسخا ، وابن حوقل ص ١٨ : ميلا مما يؤيد صحة المذكور أعلاه.

(٣) الورقة التى تبدأ بهذه الكلمة فى المخطوطة ا موضوعة برقم ١٦ ومكانها رقم ٨.

(٤) فى ا : البصيرة ، فى ب ، ج ، القصير وهو تحريف.

(٥) تبدأ ا ؛ وقد جمعت إلى الشام ثغور الجزيرة.

(٦) فى ا وجدت.

(٧) الحبس أو السجن.

٥٠

قرى ومزارع ومدن كبار ، وأثيناس ورومية مدينتان بهما مجمع النصارى بقرب البحر ، فأما اثيناس فإنها دار حكمة اليونانيين وبها تحفظ علومهم وحكمهم ، وأما رومية فإنها ركن من أركان ملك النصارى ، فإنّ للنصارى كرسيا بأنطاكية وكرسيا بالأسكندرية وكرسيا برومية ، والكرسى الذي بالبيت المقدّس محدث ، لم يكن فى أيام الحواريين ، وإنما اتخذوه بعد ذلك لتعظيم البيت المقدّس ، ثم يتصل بالافرنجة على ساحل البحر إلى أن يحاذى صقلّية ، ويجاوزها حتى يتصل بطرطوشة من أرض الأندلس ، وقد ذكرنا المسافة التى بأرض المغرب ومصر والشام إلى آخر الإسلام والثغور فى كل مكان منه ، ما يغنى عن إعادته.

وفى هذ البحر جزائر صغار وكبار وجبال ، فأمّا المعمور بالناس فهى صقلّية ـ وهى أكبرها ، وإقريطش (١) وقبرس وجبل القلال ، فأما صقاية فإنها قريبة من الافرنحة ، حتى يرى منها أرض افرنجة ، حتى يرى منها أرض افرنجة ، وتثمر الزروع بها ، وهى جزيرة طولها نحو سبع مراحل ، وبصقلية من الخصب والسّعة والزروع والمواشى والرقيق ـ أكثر ما يقع منها ـ ما يفضل على سائر ممالك الاسلام المتاخمة للبحر ، واقريطش دونها فى العرصة وفى العمارة ، وسكانها جميعا مسلمون أهل غزو ، وبين أظهرهم نبذ من النصارى كما يكون ببلدان المسلمين ؛ وأما قبرس فإن أهلها نصارى كلهم ، ليس فيهم من المسلمين أحد ، وهى تقارب فى الكبر والعمارة اقريطش ، خصبة جدا ، افتتحها معاوية صلحا فهادن أهلها فهى فى هدنة المسلمين ، وهم نصارى من الروم ، وعرض هذا البحر من سواحل الشام ـ إذا استوت الريح يومان إلى قبرس ، ومن قبرس إلى الجانب الآخر من هذا البحر نحو ذلك ، ويقع بقبرس الميعة (٢) التى تحمل إلى بلدان الإسلام من بلد الروم ، والمصطكى تكون بقبرس ؛ وأما جبل القلال (٣) فإنّه كان جبلا فيه مياه خرّارة ، فوقع إليه قوم من المسلمين فعمروه ، وصاروا فى وجوه الافرنجة ، لا يقدر عليهم لامتناع مواضعهم (٤) ، ومقداره فى الطول يومان ، وليس فى البحار أحسن (٥) حاشية من هذا البحر ، فإنّ العمارات فى الجانبين ممتدة غير منقطعة ، وسائر البحار يعرض فى شطوطها المفاوز والمقاطع ، وتترد فيه سفن المسلمين والروم ، يعبر كل فريق إلى جانب الآخر سواء فيغنمون ، وربما اجتمع فيه الجيوش من المسلمين والروم فى السفن ، فيجتمع لكل فريق مائة سفينة حربية وأكثر من ذلك ، فيكون حربهم فى الماء ، وهذه (٦) صفة هذا البحر وما يكون فيه.

__________________

(١) هى جزيرة كريت.

(٢) صمغ يسيل من شجر ببلاد الروم يؤخذ فيطبخ فما صفا منه فهو الميعة السائلة وما بقى منه شبه الثجير فهو الميعة اليابسة (اللسان).

(٣) فى ا الكلال وفى ب الهلال وفى ابن حوقل ص ١٣٦ ليدن القلال.

(٤) فى ا لامتناعهم وصعوبة موضعهم.

(٥) فى ا أعمر.

(٦) فى ا وهذه جملة من صفة ......

٥١

أرض الجزيرة

وأما الجزيرة فإنّها ما بين دجلة والفرات ، وتشتمل على ديار ربيعة ومضر ، ومخرج ماء (١) الفرات من داخل بلد الروم من ملطية على يومين ، ويجرى بينها وبين سميساط ، ويمرّ على سميساط وجسر منبج وبالس إلى الرقّة وقرقيسيا والرحبة وهيت والأنبار وقد انقطع حدّ الفرات مما يلى الجزيرة ، ثم يعدل حدّ الجزيرة فى سمت الشمال إلى تكريت ، وهى على دجلة حتى ينتهى عليها إلى السنّ مما يلى الجزيرة والحديثة والموصل وجزيرة ابن عمر ، ثم يتجاوز آمد فينقطع حدّ دجلة على بعد من حدّ أرمينية ، ثم يمتد مغرّبا إلى سميساط ثم ينتهى إلى مخرج ماء الفرات فى حدّ الإسلام من حيث ابتدأنا. ومخرج ماء (٢) دجلة فوق آمد من حد بلد الأرمن (٣) ، وعلى شرقى دجلة وغربى الفرات مدن وقرى ، تنسب إلى الجزيرة ـ وإن كانت خارجة عنها ـ لقربها منها.

وأما مسافاتها : فمن مخرج ماء الفرات فى حد ملطية إلى سميساط يومان ، ومن سميساط إلى جسر منبج ٤ أيام ، ومن جسر منبج إلى بالس ٤ أيام ، ومن بالس إلى الرقة يومان ، ومن الرقة إلى الأنبار ٢٠ مرحلة ، ومن الأنبار إلى تكريت يومان ، ومن تكريت إلى الموصل ٦ أيام ، ومن الموصل إلى آمد ٤ أيام ، ومن آمد إلى سميساط ٣ أيام ، ومن سميساط إلى ملطية ٣ أيام ، ومن الموصل إلى بلد مرحلة ، ومن بلد إلى نصيبين ٣ مراحل ، ومن نصيبين إلى راس عين ٣ مراحل ، ومن راس عين إلى الرقة ٤ أيام ، ومن راس عين إلى حرّان (٤) ٣ أيام ، ومن حرّان إلى جسر منبج يومان ، ومن حرّان إلى الرّها يوم (٥) ، ومن الرها إلى سميساط يوم ، ومن حرّان إلى الرّقة ٣ أيام.

وأما صفة مدنها وبقاعها فإن أنزه بلد بالجزيرة وأكثرها خضرة بلد نصيبين ، وهى مدينة كبيرة فى مستوى من الأرض ، ومخرج (٦) مائها من شعب جبل يعرف ببالوسا ، وهو أنزه مكان بها ، حتى ينبسط فى بساتينها ومزارعها ، ولهم مع ذلك فيما بعد عن المدينة مباخس كثيرة ، وبها دير عظيمة وحواليها ديارات وصوامع للنصارى كثيرة ، وبها عقارب كبيرة قاتلة موصوفة ، وبالقرب من نصيبين جبل ماردين ، من الأرض إلى ذروته نحو من فرسخين ، وبه (٧) قلعة منيعة لا يستطاع فتحها عنوة ، وبه حيات موصوفة تفوق الحيّات بسرعة القتل ،

__________________

(١) زيادة مأخوذة من ا.

(٢) زيادة مأخوذة من ا.

(٣) فى ا الإسلام.

(٤) فى ا باجروان دون نقط تصحيف إلى حرّان.

(٥) فى ا يومان.

(٦) فى ا وله نهر مخرجها.

(٧) فى ا وبها.

٥٢

وهو جبل به جواهر الزجاج. وأما الموصل فهى مدينة على غربى دجلة ، صحيحة التربة والهواء ، ليس لهم سوى ماء دجلة للشفة (١) ، وليس لهم من دجلة زرع ولا شجر إلا الشيء اليسير فى عدوة دجلة من شرقيّها ، وزروعهم مباخس ، وفواكههم تحمل من سائر النواحى ، وهى مدينة عامّة أبنيتها بالجص والحجارة ، كبيرة غنّاء ؛ وبلد مدينة صغيرة على غربى دجلة ، و (ليس) بها ماء جار سوى دجلة وشجر وزروع ومباخس كثيرة ؛ وأمّا سنجار فإنّها مدينة فى وسط بريّة ديار ربيعة ، بقرب جبل ينسب إلى سنجار ، وبها نخيل ، وليس بالجزيرة بلد به نخل سوى سنجار ، إلا أن يكون على الفرات وبهيت والأنبار وتل أعفر ؛ وأمّا دارا فهى مدينة صغيرة نزهة ، تشتمل على مياه جارية وأشجار وزروع ولها مباخس ، وهى فى سفح جبل ؛ وكفرتوثا فى مستوى من الأرض ، وهى مدينة أكبر من دارا ، ذات نهر وشجر وزروع ، ولها مباخس كثيرة ، وراس عين (٢) مدينة على مستوى ، وأرضها الغالب عليها القطن ، ويخرج منها زيادة على ثلاثمائة عين ، كلها صافية تحكى ما تحتها على قامات ، فتجتمع مياهها حتى يصير منها نهر الخابور ، الذي يقع إلى قرقيسيا ، ومسافة (٣) هذا النهر نحو عشرين فرسخا قرى ومزارع ، وراس عين مدينة أكبر من كفرتوثا ، ولهم زروع وأشجار مستقلة عن البنيان ، على سنن هذه المياه ، وهى خصبة كثيرة المباخس ؛ وأما آمد فهى على دجلة من شرقيّها ، وسورها فى غاية الحصانة ، وهى كثيرة الشجر (٤) والزروع ؛ وأما جزيرة ابن عمر فهى مدينة صغيرة على غربىّ دجلة ، لها أشجار ومياه ؛ وشمشاط هى ثغر الجزيرة ، لأنها فى غربىّ دجلة وشرقى الفرات ؛ وأما ملطية وما ذكرناه من ثغور (٥) الشام ، فإنما (٦) نسبناها إلى الجزيرة ، لأن أهلها يرابطون بها لقربها منهم ، وإلا فثغر الجزيرة على الحقيقة شمشاط ؛ والحديثة على شط دجلة من شرقيّه ، وهى مدينة نزهة جدا ، ذات بساتين وأشجار وزروع ولها مباخس ، والسنّ على شرقىّ دجلة ، وهى مدينة صغيرة بقربها جبل بارمّا على مرحلة ، وجبل بارمّا هو جبل تشقه دجلة فتجرى فى وسطه ، وفى الماء منه عيون القير والنفط ، وجبل بارمّا يمتد إلى وسط الجزيرة مما يلى المغرب ، ويقال إنه مما يلى المشرق ، يمتد إلى حدّ كرمان وهو جبل ماسبذان ، وأما ديار مضر فإن الرّقّة أكبر ما فيها من المدن ، والرقّة والرافقة مدينتان متلاصقتان ، وفى كل واحدة منهما مسجد جامع ، وهما على شرقىّ الفرات كثيرتا الأشجار والمياه فى مستوى الأرض خصيبتان (٧) ، وفى غربى الفرات

__________________

(١) للشرب.

(٢) فى ا رأسى العين بأل التعريف.

(٣) فى ا وعلى هذا النهر.

(٤) فى ا من شرقيها ، وهى مدينة عليها سور على غاية الحصانة ، كثيرة الشجر والزروع.

(٥) فى م ؛ وما ذكرناه من الثغور فى ثغر الشام والتصحيح عن ا.

(٦) فى ا فانما ينسب إلى ثغور الجزيرة لأن أهل الجزيرة ينتابونها (بدون نقط) لقربها منهم ، فنسب إليهم الثغر الذي هو من صلب الجزيرة. ويلاحظ أن هذا النص غير موجود فى ابن حوقل فلا سبيل إلى الترجيح إلا بتعدد النص فى المخطوطات وهو ما أنبتناه.

(٧) الكلمتان الأخيرتان غير موجودتين إلا فى ا وأثبتناهما مراعاة لأسلوب المؤلف.

٥٣

بين الرقّة وبالس أرض صفين ، وبها قبر عمّار بن ياسر قتيل الفئة الباغية رضى الله عنه ، وبالرقة موضع (١) كان بيت مال علىّ عليه‌السلام (٢) أيام صفين ، وحرّان تليها فى الكبر وهى مدينة الصابئين ، وبها سدنتهم السبعة عشر ، وبها تل عليه مصلّى يعظّمه الصابئون ، وينسب إلى ابراهيم خليل الله عليه‌السلام ، وهي ـ من بين تلك المدن ـ قايلة الماء والشجر ولها مباخس ؛ والرّها مدينة وسطة والغالب على أهلها النصارى ، وفيها زيادة على ثلاثمائة دير وصوامع كثيرة ورهابين ، ولهم بها كنيسة ليس فى بلاد الاسلام (٣) كنيسة أعظم منها ، ولها مياه وبساتين كثيرة وزروع ، وهي أصغر من كفرتوثا ؛ وجسر منبج وسميساط هما مدينتان نزهتان لهما زروع ومياه وبساتين ومباخس ، وهما غربىّ الفرات ؛ وأمّا قرقيسيا فإنها على الخابور ، ولها بساتين وأشجار كثيرة وزروع نزهة ؛ ورحبة مالك ابن طوق أكبر منها ، وهى كثيرة الشجر والمياه على غربىّ الفرات ؛ وهيت مدينة وسطة على غربىّ الفرات وعليها حصن ، وهى عامرة آهلة ، وهى بحذاء تكريت (٤) ، وبها قبر عبد الله بن المبارك ؛ والأنبار مدينة وسطة ، وبها آثار أبنية لأبى العباس السفاح (٥) ، أول خلفاء بنى العباس (٦) ، وكانت داره التى يسكنها ، وهى مدينة عامرة آهلة ذات نخل وزرع وشجر وهي شرقىّ الفرات. وبالجزيرة مفاوز يسكنها قبائل من ربيعة ومضر أهل خيل وغنم ، والإبل عندهم أقل منها بالبادية ، وأكثرهم متصلون بالقرى وبأهلها ، فهم بادية حاضرة (٧) ؛ والزّابان نهران كبيران إذا جمعا يكونان نحو النصف من دجلة ، وأكبرهما مما يلى الحديثة ، ومخرجهما من قرب جبال أذربيجان ؛ وتكريت بلد على غربىّ دجلة أكثر أهلها نصارى ، وأسفل من تكريت فوهة نهر دجيل (٨) (٩) ، الذي يأخذ من دجلة فتعمر (١٠) عليه قطعة كبيرة من سواد (١١) بغداد حتى يقاربها ؛ وعانة مدينة صغيرة فى وسط الفرات ، يطوف بها خليج من الفرات ؛ وحصن مسلمة بلغنى أنه كان لمسلمة بن عبد الملك ، وبه طائفة من بنى أمية ، وماؤه من السماء

__________________

(١) فى ا بدلا منها : فيما يقال ـ وخبرنى من رأى هناك بيتا ينسب إلى أنه كان بيت المال لأمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه‌السلام أيام صفين.

(٢) فى ب وحدها : رضى الله عنه وهو الدعاء الذي تذكره دائما مخالفة النسخ الأخرى التى تذكره عليه‌السلام.

(٣) فى ا : ولهم بها كنيسة أعظم ما يكون.

(٤) تزيد ا : وتكريت هذه على غربى دجلة.

(٥) فى ا : أمير المؤمنين أبى العباس القائم.

(٦) هذه العبارة غير موجودة فى ا

(٧) فى ا : أما أهلها فهم بادية حاضرة.

(٨) يجب ألا نخلط بين نهر دجيل الذي يمر بالأهواز وخوزستان وبين نهر دجيل الذي يذكره المؤلف هنا ، الذي ما هو إلا قناة كانت قبل القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) ، تأخذ ماءها من الفرات عند قرية الرى جنوبى هيت باثنى عشر مرحلة ، متجهة إلى الشرق تسقى منطقى مسكن وقطربل ، ثم تتصل بالمناطق الغربية من بغداد فتسقيها ، وكانت فى القرن الرابع الهجرى معطلة لأنها كانت مطمورة بالطين.

راجع تحقيق Le Strange فى كتابة : بلاد الخلافة الشرقية : The Lands of the Eastern Caliphate ,p.٥٦.

(٩) فى م : فيتعمر

(١٠) قرى بغداد.

٥٤

وبه مباخس ؛ وتلّ بنى سيّار صغيرة يسكنها عرب من غنىّ ، وأكثرها كانت للعباس بن عمرو الغنوىّ ؛ وباجروان منزل نزه خصب واسع ؛ والدّالية مدينة بشط الفرات صغيرة من غربيه (١) بها أخذ صاحب الخال الذي كان خرج بالشام ؛ والجودىّ جبل بقرب جزيرة ابن عمر ، يقال إن سفينة نوح استقرت عليه ، وتحته قرية تعرف بثمانين ، يقال إنّ جميع من كان مع نوح فى السفينة ثمانون رجلا (٢) ، بنوا تلك القرية فسميت بهم ، ولم يعقب أحد منهم ؛ وسروج (٣) مدينة خصبة كثيرة الأعناب والفواكه ، لها رستاق من حران على نحو يوم.

__________________

(١) فى م والدالية مدينة من غربى الفرات صغيرة ، ويؤيد ما أثبتناه نص ابن حوقل ص ١٥٦ ليدن : والدالية مدينة صغيرة بشط الفرات عن غريبه ...

(٢) فى ا ثمانون رجلا وامرأة ، وابن حوقل ص ١٥٧ يؤيد : ثمانون رجلا.

(٣) فى ا : وسروج رستاق لها مدينة خصبة كثيرة الأعناب والفواكه من حرّان على يوم ونص ابن حوقل ص ١٥٧ ليدن :

وسروج رستاق مدينة حصينة تعرف بسروج عن شمال طريق حرّان إلى جسر منبج ، خصبة كثيرة الأعناب والفواكه .........

وهى على يوم من حرّان.

٥٥

العراق

وأما العراق فإنه (١) فى الطول من حد تكريت إلى حدّ (٢) عبادان على بحر فارس ، وفى العرض عند بغداد من قادسية الكوفة إلى حلوان ، وعرضه بواسط ـ من واسط إلى قريب الطّيب ، وعرضه بالبصرة ـ من البصرة إلى حدود جبّى ، والذي يطوف بحدوده من تكريت مما يلى المشرق حتى يجوز بحدود شهروز ، ثم يطوف على حدود حلوان وحدود السيروان والصيمرة وحدود الطيب وحدود السوس ، حتى ينتهى إلى حدود جبّى ، ثم إلى البحر ، فيكون فى هذا الحد من تكريت إلى البحر تقويس ، ويرجع إلى حدّ المغرب من وراء البصرة فى البادية على سواد البصرة وبطائحها إلى واسط ، ثم على سواد الكوفة وبطائحها إلى الكوفة ، ثم على ظهر الفرات إلى الأنبار ثم من الأنبار إلى حدّ (٣) تكريت بين دجلة والفرات ، وفى هذا الحدّ من البحر إلى تكريت تقويس أيضا ، فهذا المحيط بحدود العراق.

وأما المسافات فإنّه من تكريت إلى البحر مما يلى المشرق مقوّس نحو شهر ، ومن البحر راجعا فى حدّ المغرب إلى تكريت مقوّس نحو شهر ، ومن بغداد إلى سامرّا ٣ مراحل ، ومن سامرّا إلى تكريت مرحلتان (٤) ، ومن بغداد إلى الكوفة ٤ مراحل ، ومن الكوفة إلى القادسية مرحلة ، ومن بغداد إلى واسط ٨ مراحل ، ومن بغداد إلى حلوان ٦ مراحل ، ومن بغداد إلى حدود الصيمرة والسيروان نحو ذلك ، ومن واسط إلى البصرة ٨ مراحل ، ومن الكوفة إلى واسط على طريق البطائح ٦ مراحل ، ومن البصرة إلى البحر مرحلتان ، وعرض العراق ببغداد من حلوان إلى القادسية ١١ مرحلة ، وعرضه عند سامرّا من (٥) الدجلة إلى حدّ شهرزور وأذربيجان نحو ٥ مراحل ، والعامر منه أقل من مرحلة ، وعرضه بواسط نحو ٤ مراحل وعرضه بالبصرة ـ من البصرة إلى حدود جبّى نحو مرحلة (٦).

وأما مدنها فالبصرة مدينة عظيمة لم تكن فى أيام العجم ، وإنما اختطها المسلمون أيّام عمر بن الخطاب ، ومصّرها عتبة بن غزوان ، وهي خطط وقبائل كلها ، ويحيط بغربيّها البادية مقوّسا ، وليس فيها مياه إلا أنهار ،

__________________

(١) فى م : فحدّها ، وفى ا فإنها ، وفى ابن حوقل ص ١٥٧ ليدن فإنه.

(٢) زيادة من ا

(٣) زيادة من ا

(٤) فى م : مرحلة وفى ا مرحلتين ويؤيده ابن حوقل ص ١٥٨.

(٥) هذه العبارة كلها من ا يؤيدها ابن حوقل ص ١٥٨ والعبارة فى المطبوع. إلى حد شهرزور من جهة اذربيجان نحوه مراحل.

(٦) فى م نحو مرحلتين خفيفتين والتصويب عن ا ويؤيده ابن حوقل ص ١٥٩ ليدن.

٥٦

وذكر بعض أهل الأخبار أن أنهار البصرة عدّت أيام بلال بن أبى بردة فزادت على مائة ألف نهر وعشرين ألف نهر ، تجرى فيها الزواريق ، وقد كنت أنكر ما ذكر من عدد هذه الأنهار فى أيام بلال بن أبى بردة ، حتى رأيت كثيرا من تلك البقاع ، فربما رأيت فى مقدار رمية سهم عددا من الأنهار صغارا ، تجرى فى كلها زواريق صغار ، ولكل نهر اسم ينسب به إلى صاحبه الذي احتفره ، أو إلى الناحية التى يصب فيها ، وأشباه ذلك من الأسامى ، فجوّزت أن يكون ذلك فى طول هذه المسافة وعرضها ، وأكثر أبنيتها بالآجر ، وهى من بين سائر العراق مدينة عشريّة ، ولها نخيل متصلة من عبدسى إلى عبّادان نيف وخمسون فرسخا متصلا ، لا يكون الإنسان منه فى مكان إلا وهو (١) فى نهر ونخيل ، أو يكون بحيث يراهما ، وهى فى مستوى لا جبال فيه ، ولا بحيث يقع البصر على جبال ، وبها قبر طلحة بن عبيد الله من الصحابة فى المدينة ، وخارج المربد فى البادية قبر أنس بن مالك والحسن البصرى وابن سيرين والمشاهير من علماء البصرة وزهّادها ، ولها نهر يعرف بنهر الأبلّة طوله أربعة فراسخ ما بين البصرة والأبلّة ، وعلى حافتى هذا النهر قصور وبساتين متصلة ، كأنها بستان واحد قد مدّت على خيط واحد ، وتتشعب هذه الأنهار إلى أنهار كثيرة ، فمنها ما يقارب هذا النهر فى الكبر ، كأنّ نخيلها غرست على خيط واحد ، وهذه الأنهار كلها منخرقة (٢) بعضها إلى بعض ، وكذلك عامة أنهار البصرة ، حتى إذا جاءهم مدّ البحر تراجع الماء فى كل نهر ، حتى يدخل نخيلهم وحيطانهم وجميع أنهارهم من غير تكلف ، فإذا جزر الماء انحط حتى تخلو منه البساتين والنخيل ويبقى فى الأنهار ، إلا أن الغالب على مائهم الملوحة ، وإنما يستقون إذا جزر الماء إلى حدّ نهر معقل ، ثم يعذب فلا يضره ماء البحر ، والأبلّة على هذا النهر (٣) ، وعلى ركن الأبلة فى نهرها (٤) خور عظيم الخطر ، وربما سلمت السفن من سائر الأماكن فى البحر وغرقت فى هذا الخور ، يعرف بخور الأبلّة ، والأبلة مدينة صغيرة خصبة عامرة ، حدّ لها نهر الأبلة إلى البصرة ، وحدّ لها دجلة ـ التى يتشعب منها هذا النهر ـ عاطفا عليها ، وينتهى عمودها إلى البحر بعبّادان ، وللبصرة مدن : فأمّا عبّادان والأبلّة والمفتح والمذار فعلى شط دجلة ، وهى مدن صغار متقاربة فى الكبر عامرة ، إلا الأبلة فإنها أكبرها ، وفى حدود البصرة بين أضعاف قراها آجام كثيرة وبطائح ، أكثرها يسار فيها بالمرادى (٥) ، قريبة القعر كأنها كانت على قديم الأيام أرضا مكشوفة ، ويشبه أن يكون لما بنيت البصرة وشقّت الأنهار ، واتصل بعضها ببعض فى القرى والمجارى (٦) ، تراجعت المياه وغلبت

__________________

(١) فى م : بحيث والتصحيح عن ا.

(٢) فى م : مخترقة ، وفى ا : قريبة والتصحيح عن ابن حوقل ص ١٦٠ ليدن.

(٣) فى م : البحر والتصحيح عن ا.

(٤) فى م : نهر الأبلة والتصحيح عن ا.

(٥) فى م : المدارى والتصويب عن ا.

(٦) فى ا وانشقاق بعضها إلى بعض فى القرى والمجارى. والعبارة فى ابن حوقل ص ١٦٢ ليدن مكتوبة أيضا بتصرف وليست نقلا عن الاصطخرى كما هو الغالب.

٥٧

على ما يسفل من أرضها ، فصارت بحارا وهى البطائح (١). وأما واسط فإنّها نصفان على شط دجلة متقابلان بينهما جسر من سفن فى كل جانب (٢) ، وفى كل جانب مسجد جامع ، وهى محدثة فى الإسلام ، أحدثها الحجاج بن يوسف (٣) ، وبها خضراء الحجاج ، وهى مدينة يحيط بحدّها الغربى البادية بعد مزارع يسيرة ، وهى خصبة كثيرة الشجر والنخيل والزروع ، وهى أصح هواء من البصرة وليس لها بطائح ، وأراضى رساتيقها متصلة معمورة. وأما الكوفة فإنّها قريبة من البصرة فى الكبر ، وهواؤها أصح ، وماؤها أعذب من ماء (٤) البصرة ، وهى على الفرات ، وبناؤها مثل بناء البصرة ، ومصّرها سعد بن أبى وقّاص ، وهى أيضا خطط لقبائل العرب ، إلا أنها خراجية بخلاف البصرة ، لأن ضياع الكوفة جاهلية وضياع البصرة إحياء موات فى الإسلام.

والقادسيّة والحيرة والخورنق هى على طرف البادية مما يلى الغرب ، ويحيط بها مما يلى المشرق النخيل والأنهار والزروع ، وهى (٥) والكوفة فى أقل من مرحلة ، والحيرة مدينة جاهلية طيبة التربة مفترشة البناء كبيرة ، إلا أنها خلت عن الأهل لما عمرت الكوفة ، وهواؤها وترابها أصح من الكوفة ، وبينها وبين الكوفة نحو فرسخ ، وقريب من الكوفة قبر علىّ عليه‌السلام ، وقد اختلف فى مكانه ، فقيل إنه فى زاوية على باب جامع الكوفة ، أخفى من أجل بنى أمية ، ورأيت فى هذا الموضع دكان علاف ، ومنهم من زعم أنه من الكوفة على فرسخين ، وعليه قنطرة وآثار المقابر ، والقادسية على شفير البادية ، وهى مدينة صغيرة ذات نخيل ومياه وزروع ، ليس بالعراق بعدها ماء جار ولا شجر. وأما بغداد فإنها مدينة محدثة فى الإسلام ، لم تكن بها عمارة فابتنى المنصور المدينة فى الجانب الغربى ، وجعل حواليها قطائع لحاشيته ومواليه وأتباعه ، مثل قطيعة الربيع ، والحربيّة وغيرهما ، ثم عمرت ، فلما كان فى أيام «المهدى» جعل معسكره فى الجانب الشرقى فسمى عسكر المهدى ، ثم عمرت بالناس والبنيان ، وانتقلت الخلافة إلى الجانب الشرقى ، وهى اليوم أسفل هذا الجانب بالحريم ، ليس وراءها بنيان للعامة متصل ، وتفترش قصور الخلافة وبساتينها من بغداد إلى نهر بين (٦) فرسخين على جدار واحد ، حتى تتصل من نهر بين إلى شط دجلة ، ثم يتصل البناء بدار الخلافة مرتفعا على دجلة إلى الشماسيّة نحو خمسة أميال ـ وتحاذى الشماسية فى الجانب الغربى الحربيّة ـ فيمتد نازلا على دجلة إى إلى آخر الكرخ ، ويسمى (٧) الشرقى جانب الطاق وجانب

__________________

(١) فى م : وبطائح ، التصحيح عن ا.

(٢) فى م : على شاطىء دجلة من غربها وشرقيها وبين الجانبين جسر من سفن ، وما أثبتناه عن ا وهو قريب الشبه بابن حوقل ص ١٦٢ ليدن.

(٣) النصف الشرقى وهو كسكر لم يستحدثه الحجاج بل كان موجودا من قبل.

(٤) زيادة عن ا.

(٥) فى م : والمخطوطات وهما والتصويب عن المخطوطة المرموز لها بحرف D

(٦) نهر (بين) يأخذ من الجانب الأيمن لنهر النهروان متجها نحو كلواذى حيث يصب فى دجلة وعليه كان يعتمد جزء من الجانب الشرقى لبغداد.

(٧) فى ا ويسمى الشرقى باب الطاق ويسمى الرصافة ويسمى عسكر المهدى فمن سماه جانب الطاق نسبه إلى رأس الطاق ......

٥٨

الرّصافة وعسكر المهدى ، فمن نسبه إلى الطاق يعنى أن أوله باب الطاق ، وهو موضع السوق الأعظم ، ومن نسبه إلى الرصافة نسبه إلى قصر كان الرشيد بناه بقرب المسجد الجامع بها ، ومن نسبه إلى عسكر المهدى فإن المهدى كان عسكر من هذا الجانب بحذاء مدينة أبى جعفر ، ويسمى الجانب الغربى جانب الكرخ ، وببغداد مساجد جوامع فى ثلاثة مواضع ، فى مدينة المنصور وفى الرصافة وفى دار الخلافة ، وتتصل العمارة والبنيان بكلواذى ، وبها مسجد جامع فلو عدّ فى جملة بغداد لجاز ، وقد عقد بين الجانبين على دجلة جسران (١) من سفن ، ويكون من باب خراسان إلى أن يبلغ باب الياسريّة ، وذلك عرض الجانبين جميعا نحو خمسة أميال ، وأعمر بقعة منها الكرخ ، وبها اليسار ومساكن معظم التجار ، وأما الأشجار والأنهار ـ التى فى الجانب الشرقى ودار الخلافة ـ فإنها من ماء النّهروان وتامرّا (٢) ، وليس يرتفع إليها من ماء دجلة إلا شىء يسير ، يقصر عن العمارة وينضح بالدواليب ، وأما الجانب الغربى فإنه قد شقّ إليه من الفرات نهر عيسى (٣) من قرب الأنبار تحت قنطرة دمّما (٤) ، وتتحلب من هذا النهر صبابات تجتمع فتصير نهرا يسمى الصّراة ، ويتفجّر منها أنهار ، وبها عمارات الجانب الغربى ، ويقع ما يبقى من ماء الصّراة الصغيرة والكبيرة فى دجلة ، وينتهى آخر نهر عيسى إلى دجلة فى جوف مدينة بغداد ، وأما نهر عيسى فإن السفن تجرى فيه من الفرات إلى أن يقع فى دجلة ، وأما الصّراة (٥) فإن فيها حواجز تمنع من جرى السفن ، فتنتهى السفن منها إلى قنطرة الصراة ، ثم يحوّل ما فيها ويجاوز به ذلك الحجاز إلى سفن غيرها ، وبين بغداد والكوفة سواد مشتبك غير متميز ، تخترق إليه أنهار من الفرات ، فأولها مما يلى بغداد نهر صرصر (٦) ، عليه مدينة صرصر ، تجرى فيه السفن ، وعليه جسر من سفن تعبر عليه القوافل ، ومدينة صرصر صغيرة عامرة بالنخيل والزروع وسائر الثمار ، من بغداد على ثلاثة فراسخ ، ثم ينتهى على فرسخين إلى نهر الملك (٧) ، وهو نهر كبير أضعاف نهر صرصر ، وعليه جسر يعبر من سفن (٨) ، وينتهى نهر الملك إلى قصر عمر بن هبيرة الفزارى بإحدى شعبتية ، والأخرى ترمى فى دجلة عند كوثى نحو ضيعة تعرف بالكيل ، ثم يمتد عمود الفرات حتى يخرج منه نهر سورا ، وهو نهر كثير الماء ليس يخرج من الفرات شعبة أكبر منه (٩) ، حتى ينتهى إلى سورا ثم إلى سائر سواد

__________________

(١) فى ا جسر ولكن ابن حوقل ص ١٦٥ ليدن يذكر أنهما جسران.

(٢) يسمى نهر القاطول قبل مروره بمدينة باجسرا ـ تامرّا.

(٣) هو الآن السّكلويّة.

(٤) الدممّا قرية على الفرات والقنطرة منسوبة إليها ، هذا والتعبير فى م : لجنب دمّما والتصويب عن ا الذي هو مماثل لابن حوقل ص ١٦٥.

(٥) هذه القناة تمر فى بغداد وهى غير الصراة التى تخرج من الفرات وتصب فى دجلة ، وهي تخرج قبل مدينة المحوّل من الجانب الأيسر لنهر عيسى.

(٦) هو أبو غريب الآن.

(٧) هو الرضوانية الآن.

(٨) النص فى ا مماثل للمخطوطين C D وقريب الشبه بنص ابن حوقل ص ١٦٦ ، وهو : ... ونهر الملك مدينة أكبر من صرصر ، عامرة بالأهل كثيرة النخيل والزروع والثمار ، ثم ينتهى إلى قصر ابن هبيرة ، وليس بين بغداد والكوفة مدينة أكبر منها ، وهى بقرب نهر الفرات الذي هو العمود ، وإليها أنهار متفرقة ليست بكبار إلا أنها تعمهم وتفضل ، وهى أعمر هذا السواد ، ثم ينتهى إلى نهر سورا ، كثير الماء ليس للفرات شعبة أكبر منه ، حتى ...

٥٩

الكوفة ، ويقع الفاضل فى البطائح ، وكربلاء من غربى الفرات فيما يحاذى قصر ابن هبيرة (١) ؛ وأما سامّرا فإنها كلها فى شرقى دجلة ، وليس (٢) معها فى الجانب الشرقى ماء جار إلا نهر القاطول الذي يقرب إلى السواد ويبعد عنها ، فأما ما يحيط بها فبرية ، وعماراتها وأشجارها فى الجانب الغربى بحذائها ، وهى ممتدة مع ما يتصل بهاء والدور نحو مرحلة لا ينقطع بناؤها ، وهى مدينة إسلامية ابتدأها المعتصم واستتم بناءها المتوكل ، وهى خراب ربما يسير الرجل فى مقدار فرسخ منها لا يجد بها دارا معمورة ، وهواؤها وثمارها أصح من بغداد (٣) ؛ وأما النّهروان فانها مدينة يشق نهر النهروان وسطها صغيرة عامرة ، من بغداد على أربعة فراسخ ، ونهر النهروان يفضى إلى سواد بغداد فيما يسفل عن دار الخلافة إلى إسكاف (٤) وغيرها من المدن والقرى ، فإذا جزت النهروان إلى الدّسكرة خفّت المياه والنخيل ، ثم يصير من الدسكرة إلى حد حلوان كالبادية المنقطعة العمارة ، مفترشة منفردة المنازل والقرى حتى تدور على تامرّا وحدود شهرزور إلى حدّ تكريت ؛ وأما المدائن فمدينة صغيرة جاهلية ، قد كانت عظيمة فنقل عامة أبنيتها إلى بغداد ، وهى من بغداد على مرحلة ، وكانت مسكن الأكاسرة وبها إيوان كسرى إلى يومنا هذا ، وهو إيوان عظيم معقود من آجر وجص ، ليس للأكاسرة إيوان أكبر منه ، ولم نكثر من وصف بغداد لاشتهار وصفها عند الخاص والعام (٥) ، فاكتفينا من وصف بغداد بجملة يسيرة ذكرناها لئلا يطول به الكتاب (٦) ؛ وبابل قرية صغيرة إلا أنها أقدم أبنية العراق ، وينسب ذلك الإقليم إليها لقدمها ، وكان ملوك الكنعانيين وغيرهم يقيمون بها ، وبها آثار أبنية تشبه أن تكون فى قديم الأيام مصرا عظيما ، ويقال إن الضحاك أول من بنى بابل ، وكوثى (٧) ربّا يقال إن ابراهيم الخليل عليه‌السلام بها طرح فى النار ، وكوثى اثنان : أحدهما كوثى الطريق والآخر كوثى (٨) ربا ، وبكوثى ربّا إلى هذه الغاية تلال عظيمة من رماد ، يزعمون أنها ، نار نمرود بن كنعان ، التى طرح فيها ابراهيم عليه‌السلام ؛ والجامعان منبر صغير حواليها رستاق عامر خصب جدا ؛ والمدائن من شرقى دجلة من بغداد

__________________

(١) تزيد ا وبها قبر الحسين بن على صلوات الله عليه.

(٢) من أول وليس ... إلى بغداد عن ا وهذا النص قريب الشبه بنص ابن حوقل الذي ينقل عن الإصطخرى بالنص ويضيف إضافة يسيرة (راجع ابن حوقل ص ١٦٦ ط ليدن) والنص فى م / وليس معها فى الجانب الشرقى ماء جار ، لكن عمارتها وزروعها وأشجارها فيما يقابلها من غربى دجلة ، وسامرا مدينة إسلامية ، ابتدأها المعتصم وتممها المتوكل ، ومكثت برهة دار خلافة ، وهواؤها وثمارها أصح من بغداد.

(٣) فى ا اسكاف بنى جنيد ويسميها ابن حوقل ص ١٦٧ ليدن الاسكاف.

(٤) فى م / العوام والتصحيح عن ا.

(٥) تزيد ا / ويقال إن ذا القرنين أقام بالمدائن إلى أن مات ولا أحسبه كما قيل فى أكثر الأخبار أنه سمّ فى منصرفه من أرض الصين وحمل تابوته إلى الاسكندرية والمدائن من شرقى الدجلة ، والحديث عن ذى القرنين هنا خطأ لأنه مذكور بعد ذلك.

(٦) النص فى ا كما يأتى :

وكوثى ربّا هى اثنتان : كوثى الطريق والأخرى كوثى ربّا ويقال إن إبراهيم الخليل عليه‌السلام باحداهما طرح فى النار ـ وهى كوثى ربا ، وبها إلى هذه الغاية .........

(٧) يذهب الباحثون إلى أن كوثى هذه ليست كوثى المذكورة فى العهد القديم ـ الملوك الثانى الاصحاح ١٧ ـ ٢٤.

٦٠