إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف

إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

المؤلف:

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار المنهاج للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١١١٠

ومنهم : الشّيخ فضل بن عبد الله عرفان بارجاء (١) ، إليه انتهى الفقه اليوم بتريم ، وله مشاركة في غيره ، وهو من أخصّ تلاميذ شيخنا الأستاذ الأبرّ ، وله فيه مدائح جميلة ، وكان كثير الرّجوع إلى الحقّ عندما يتبيّن له ، فلا يتعصّب على رأيه إلّا بمؤثّر من غيره ، وجرت بيننا وبينه مناقضات ؛ منها :

مسألة جرت بين السّادة آل جنيد أصرّ فيها على رأيه ، حتّى لقد قلت له في آخر رسالة كانت مقطع الكلام وفصل النّزاع : (وظنّي بالشّيخ إدراك الصّواب فيما قرّرته ؛ لأنّه أجلّ في نظري من أن يخفى عليه ، غير أنّه يكتب فيما أحسب تحت محاباة أو ضغط ممّن يكره الحقّ ، ولا سيّما إذا جاءه على يدي ، ويأبى الله ـ ببركة المشايخ الأبرار ودعائهم والأخذ عنهم ـ إلّا أن يبيحني عرائسه ، وييسّر لي نفائسه ، ويلبسني فروته ، ويحلّني ذروته ، ويقرع لي مروته :

وفي تعب من يجحد الشّمس ضوءها

ويجهد أن يأتي لها بضريب (٢)

وإنّي لعلى ما درجت عليه من احترام الشّيخ ومحبّته ، وكيف لا؟ وقد وردنا معا على المنهل العذب ، واستقينا جميعا من العين الصّافية ، وربطتنا به جامعة الأخذ عن عدّ العلم الخسيف ، وجبل المجد المنيف ، وزينة الزّمان الآخر ، وقرّة عين المكارم والمفاخر ... إلخ).

وفي هذه الأيّام يتألّق عارض النّزاع بينه وبين آل تريم ، في قضيّة حاصلها : أنّ رجلا من آل بافضل له ابن وبنت من امرأة من آل باحرمي ، قيل إنّه أضاعهما في أيّام الأزمة حتّى مات الابن جوعا ، ثمّ أشبلت الأمّ على البنت وفدتها بروحها إلى أن أدركت ، فخطبها رجل مكفيّ من آل عرفان ، فمنع حتّى أرضاه بسبعين ربيّة فقبل ، ثمّ

__________________

شبام يفتحونها. والشيخ المترجم كان صالحا محبوبا لدى علماء تريم ، مولده ووفاته بها ، وممن استجاز منه : السيد محمد بن حسن عيديد ، والسيد سالم بن حفيظ ، وكلاهما ترجم له في «ثبته».

(١) مولده بتريم سنة (١٢٩١ ه‍) ، وبها وفاته ، له أبحاث وفتاوى قيمة آلت إلى أبنائه ، ثم بيعت مع مكتبته وآلت بالشراء للقاضي العلامة عبد الرحيم بن مسعود بارجاء بسيئون.

(٢) البيت من الطّويل ، وهو لأبي الطّيّب المتنبّي في «العكبري» (١ / ٥٦).

٩٢١

أغراه أصحابه فرجع عن القبول ، وعقد لها بفقير عنادا ، فادّعت البنت أنّ بينها وبينه رضاعا محرّما.

فأفتى الشّيخ فضل بإبطال العقد ، وصادقت على جوابه ؛ لاتّفاق ابن حجر والرّمليّ وغيرهما من المتأخّرين على أنّ إقرار المرأة بالرّضاع يمنع النّكاح إذا كان قبله ، وإذا كان بعده من دون إذنها في المعقود له ، وقبل الدّخول يجعلها المصدّقة فيه بيمينها.

وهذا ممّا لا ينبغي الاختلاف بعده ؛ لأنّه النّصّ الملجم ، لكنّ الدّراهم كانت في الجانب الآخر ، وهي الّتي عليها يدور التّنفيذ ، لا النّصوص! على أنّ مقابل الأصحّ في قول «المنهاج» [٢ / ٤٢٩] : (ولو عيّنت كفؤا وأراد الأب غيره فله ذلك) هو الأحرى بالاعتماد ، ولذا اختاره السّبكيّ ، وهو الموافق للأحاديث الصّحيحة الثّابتة ، ولقواعد الشّريعة.

وفي «مجموع» الجدّ عليّ بن عمر عن أحمد مؤذّن : (ومن قواعد التّرجيح : أنّ القول المرجوح في المذهب يتأيّد بمن قال به من الأئمّة الأربعة ، وهذا من الغوامض الّتي قلّ أن توجد عند أبناء العصر بعد أن كانت عند مشايخنا من الواضحات) اه

وقرّر العلّامة الشّيخ محمّد بن عبد الله باسودان أنّ المرجوح يترجّح بالمرجّح الخارجيّ ؛ كالفسخ ؛ لتضرّر المرأة. ونقله عن «العقد الفريد» للسّمهوديّ (١).

وقد ألّف العلّامة ابن زياد رسالة في وجوب مراعاة المصلحة على الوليّ في النّكاح (٢).

وفي (الوصيّة) من «التّحفة» [٧ / ٣٧ ـ ٣٨] و «النّهاية» [٦ / ٦٦] أنّه : (يجب على الوليّ قبول الوصيّة فورا بحسب المصلحة ، فإن امتنع ممّا اقتضته المصلحة عنادا .. انعزل) اه

وأطلت القول بما يدفع كلّ شبهة ، ثمّ رأيت ما ذكره العلّامة ابن القيّم عن ذلك في «زاد المعاد» .. فإذا فيه كثير ممّا ذكرته في جوابي قبل أن أطّلع عليه ، فكان فرحي

__________________

(١) هو «العقد الفريد في أحكام التقليد».

(٢) واسمها : «إيضاح النصوص المفصحة ببطلان تزويج الولي الواقع على غير الحظ والمصلحة».

٩٢٢

بذلك أشدّ كثيرا من فرح ابن ميّادة إذ توارد مع الحطيئة في قوله [من الطّويل] :

مفيد ومتلاف إذا ما أتيته

تهلّل واهتزّ اهتزاز المهنّد (١)

وبما تقرّر مع قول الشّافعيّ : (إذا صحّ الحديث .. فهو مذهبي) يتحقّق المنصف أنّ مقابل الأصحّ هو الأصحّ ، ولا سيّما في هذه القضيّة ؛ لما مرّ بك من المرجّحات الخارجيّة إن لم تنته إلى دفع بافضل عن الولاية رأسا.

أمّا إذا كان الأمر كما في السّؤال .. فلا شكّ أنّه ساقط عن الولاية ، وإنّما كان كلامي مبنيّا على بقائه بصفتها ، وبكلام ابن القيّم ازداد قلبي طمأنينة ، وصدري انشراحا ، وما أظنّ مؤمنا يطّلع عليه ثمّ يداخله شكّ بعد فيما استوضحته.

وقد بلغني أنّ القطب الحدّاد ـ والله أعلم ـ كان لا يزوّج أبكار بناته البالغات إلّا بعد الاستئذان ، ويتأكّد ذلك بما عرف من حاله أنّه لا يفارق «الزّاد» حضرا ولا سفرا ، وكذلك كان أستاذي الأبرّ رضوان الله عليهم.

وما أنا إلّا من غزيّة إن غوت

غويت وإن ترشد غزيّة أرشد (٢)

على أنّ الغيّ عن أولئك بعيد ، وإنّما ذكرناه للتّأكيد ، على حدّ قوله : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)

ولو أردت الاستقصاء وأن أذكر مثل أولاد سيّدي عيدروس بن علويّ (٣) الثلاثة : محمّد ، وعمر (٤) ، وعبد الله (٥) ، الدّاخلين تحت قول حبيب [في «ديوانه» ٢ / ١٤٤ من الكامل] :

__________________

(١) روى صاحب «الإيضاح في علوم البلاغة» (٣٨٠): (أنشد ابن ميّادة لنفسه : «مفيد ومتلاف إذا ما أتيته ....» البيت ، فقيل له : أين يذهب بك؟ هذا للحطيئة ، فقال : الآن علمت أنّي شاعر ؛ إذ وافقته على قوله ولم أسمعه).

(٢) البيت من الطّويل ، وهو لدريد بن الصّمّة ، كما في «ديوان الحماسة» (١ / ٣٣٧).

(٣) هو السيد الشريف عيدروس بن علوي بن عبد الله بن علوي ، مولده بتريم سنة (١٢٥٠ ه‍) ، ووفاته بها في (٢٧) رجب (١٣٢٠ ه‍). ترجمته في : «إتحاف المستفيد».

(٤) السيد عمر بن عيدروس ، مولده بتريم سنة (١٢٨١ ه‍) ، ووفاته بها في (٢١) ذي الحجة سنة (١٣٢٨ ه‍) ، كان فاضلا ذا هيبة وكلمة نافذة ، حافظا لكتاب الله ، يصدع بالحق ، آمرا بالمعروف ناه عن المنكر. مترجم في «الإتحاف» (٣٨ ـ ٣٩) ، «تعليقات» ضياء شهاب (١ / ١٢٠).

(٥) ولد الحبيب عبد الله بتريم سنة (١٢٨٤ ه‍) ، وبها توفي يوم السبت (٥) محرم سنة (١٣٤٧ ه‍) ،

٩٢٣

بثلاثة كثلاثة الرّاح استوى

لك لونها ومذاقها وشميمها (١)

وثلاثة الشّجر الجنيّ تكافأت

أفنانها وثمارها وأرومها (٢)

وثلاثة الدّلو استجيد لماتح

أعوادها ورشاؤها وأديمها (٣)

والشّابّ النّاشىء في طاعة الله عبد الله بن زين العابدين بن أحمد العيدروس (٤) المتوفّى سنة (١٣١٦ ه‍) ، والفاضل العلّامة الصّوفيّ عبد الباري بن شيخ العيدروس (٥) المتوفّى سنة (١٣٥٨ ه‍) ، ومن على غرارهم من السّابقين واللّاحقين ، لو أردت ذلك .. لزاد السّيل ، وطفح الكيل.

وقد أخرج السّيّد أحمد الجنيد بسنده إلى القطب الحدّاد أنّه كان يقول : (وددت لو أنّ هؤلاء الأربعة تفرّقوا بنواحي تريم ؛ ليعمّ بهم الخير ويكثر بهم دفع الشّرّ) ، ولكنّهم كانوا كلّهم جيرانا بالنّويدرة ، وهم : محمّد بن عبد الله بن حسين باهارون (٦) ، والجنيد بن عليّ باهارون (٧) ، ومحمّد بن أحمد مشهور بن شهاب

__________________

ترجمته في : «إتحاف المستفيد» (٣٩) ، و «لوامع النور» (٢ / ٢٦) ، وغيرها.

(١) بثلاثة : بممدوحين ثلاثة.

(٢) الأروم : الأصول.

(٣) الماتح : الّذي يخرج الماء من البئر. رشاؤها : حبلها. أديمها : جلدها.

(٤) هو السيد الشريف عبد الله بن زين العابدين بن أحمد بن الحسين بن مصطفى بن شيخ ، وجده الحسين أخو الإمام عبد الرحمن صاحب مصر. كان المترجم سيدا شريفا فاضلا عفيفا ، له جاه وحشمة ، توفي بتريم في (٢٨) جمادى الأولى سنة (١٣١٦ ه‍).

(٥) السيد الشريف الحبيب عبد الباري بن شيخ بن عيدروس بن محمد بن عيدروس بن شيخ بن محمد المصطفى بن زين العابدين .. إلخ ، يجتمع مع ابن مصطفى في جده شيخ. ولد المترجم بتريم سنة (١٢٩٠ ه‍) ، وتوفي بها في (١٥) محرم (١٣٥٨ ه‍) ، وجمع تلميذه السيد محمد بن سقاف بن زين بن محسن الهادي مجموعا سماه : «بهجة النفوس» اشتمل على نبذة من مواعظه وترجمته ، وجمع حفيده سيدي يحيى جزءا في ترجمته. انظر : «إتحاف المستفيد» (٦٠) ، و «تعليقات» السيد ضياء (١ / ١١٠) ، و «الخبايا في الزوايا» (٦٠ ـ ٦١).

(٦) الملقب : الصويلح ، كان معاصرا للإمام الحداد ، لا يعلم تاريخ وفاته ، وهو غير السيد محمد بن عبد الله الصويلح باهارون صاحب «مسجد باهارون» بنويدرة تريم.

(٧) من السادة الأفاضل الأخيار الصالحين ، مولده ووفاته بروغة سنة (١١١٧ ه‍) ، وقبر بتريم.

٩٢٤

الدّين (١) ، وعمر بن علويّ عيديد ، وكانوا يصلّون العصر في باعلوي ، ولمّا عجزوا .. صلّوها في المسجد الّذي بناه الحدّاد بالنّويدرة ، فسمّاه «مسجد الأوّابين» ؛ لأنّهم يصلّون فيه.

وفي تريم كثير من المدارس :

منها : مدرسة أبي مريّم (٢) ، وهو السّيّد محمّد بن عمر بن محمّد بن أحمد بن الفقيه المقدّم ، الّذي يقول فيه السّقّاف : (لو وقع اجتهاد محمّد بن عمر في العبادة على جبل .. لدكّه) (٣) ، توفّي سنة (٨٢٢ ه‍) بعد أن ختم القرآن على يديه ثمان مئة (٤) شخص ، كلّهم يقرأ عليه بعد القرآن ربع «التّنبيه».

وأقدم مدرسة في تريم ـ فيما إخال ـ هي مدرسة الشّيخ سالم بافضل ، الواقعة بحذاء مسجده (٥) ، بجوار دار السّيّد بو بكر خرد (٦) ، المتوفّى بتريم سنة (١٣١٢ ه‍).

ومنها : مدرسة الشّيخ حسين بن عبد الله الحاجّ (٧) ، وهي الواقعة في غربيّ الجبّانة ، تسمّى اليوم ب «مسجد شكرة».

ومنها : مدرسة باغريب (٨) ؛ من أكابر المعلّمين بها : الشّيخ عمر بن عبد الله

__________________

(١) أول من لقب بالمشهور من السادة آل شهاب الدين ، وإليه ينسب آل المشهور قاطبة ، أحد الأوابين ، توفي بتريم آخر سنة (١١٣٠ ه‍) ، وهو حفيد الشيخ شهاب الدين الأصغر.

(٢) وكانت تعرف بمعلامة أبي مريّم ، ينظر ما كتبه عنها السيد عمر الكاف في «الخبايا» (١٧٢ ـ ١٨٣).

(٣) «المشرع» (٢ / ٣٢).

(٤) في «المشرع» : (ثلاث مئة).

(٥) وهي في حارة الخليف في الجهة الغربية الجنوبية ، ويعرف المسجد اليوم باسم : «مسجد الدويّلة» بالتصغير ، نسبة للشيخ محمد الدويّلة بافضل الذي أخربه وعمره من جديد.

(٦) هو السيد أبو بكر بن عبد الله (ت ١٢٤٤ ه‍) بن علي .. خرد ، ولد بتريم سنة (١٢٣٦ ه‍) ، وتوفي بها سلخ ذي الحجة سنة (١٣١٢ ه‍) ، كان عالما عاملا ذكيا نبيها آمرا بالمعروف ، وكانت تعتريه حدة.

(٧) هو ابن الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن مؤلف المختصرات ، توفي سنة (٩٧٩ ه‍) ، ترجمته في «صلة الأهل» (١٧٤ ـ ٢٠٥) ، ولم تذكر هذه المدرسة في «خبايا الزوايا».

(٨) تنسب هذه المدرسة أو المعلامة للشيخ الكبير عبد الله بن أبي بكر العيدروس (ت ٨٦٥ ه‍) ،

٩٢٥

با غريب ، المتوفّى سنة (١٢٠٧ ه‍) ، أطنب في مدحه الحبيب علويّ بن أحمد بن حسن الحدّاد في كتابه «المواهب والمنن» ، وقال : إنّه تعلّم لديه من السّادة أكثر من الألف ؛ منهم الوالد أحمد ، والعمّ حامد بن عمر ، ومن في طبقتهم وأولادهم وأولاد أولادهم فقد تعلّم عنده بعد والده ثلاث طبقات من أهل تريم غير السّادة الألف.

ومن أواخر من علّم بها الشّيخ الصّالح عمر بن سعيد بن أبي بكر باغريب (١) ، توفّي بتريم سنة (١٣٤٧ ه‍).

ومنها : مدرسة آل باجمعان ، من «المشرع» [٢ / ٦٦] : (ولمّا بنى السّيّد محمّد بن عمر بافقيه المتوفّى بحيدرأباد مدرسته الّتي بتريم .. فوّض تدريسها إلى العلّامة الشّيخ أبي بكر بن عبد الرّحمن بن شهاب ، المتوفّى بتريم سنة (١٠٦١ ه‍) ، فدرس بها احتسابا أيّاما ، ثمّ ترك ذلك).

وقد جاء في «النّور المزهر» : (أنّ السّيدين أبا بكر وعلويّ (٢) ابن علويّ الكاف ماتا بفلمبان ، وأوصيا بمالهما المقدّر بستّين ألف ريال بحضرموت للأرحام والمساجد والمدارس) اه

وهذا الجمع يدلّ على كثرتها.

وفتحت في الأخير مدرسة على نفقة خيرات المرحوم شيخ بن عبد الرّحمن الكاف (٣) ، إلّا أنّهم لم يبنوا لها منها مكانا ، وقد تخرّج منها جماعة (٤) ؛ أنجبهم :

__________________

واشتهرت بنسبتها إلى آل باغريب لكونهم لازموا التدريس بها منذ زمن بعيد.

(١) مولده بتريم ، وبها وفاته في التاريخ المذكور ، وأخذ عنه جماعات ، منهم : السيد سالم بن حفيظ ، والسيد محمد بن حسن عيديد ، وترجماه في «ثبتيهما».

(٢) هو السيد علوي الملقب يسرين ، لقّب باسم سفينة شراعية له سمّاها بهذا الاسم .. فأضيف إليها ، توفي سنة (١٣١٢ ه‍) بفليمبانغ بجاوة ، وكان بها مولده. أما أبو بكر المذكور هنا .. فهو ابن السيد علوي يسرين ، توفي أيضا بفليمبانغ.

(٣) كان افتتاح مدرسة الكاف سنة (١٣٥٢ ه‍) ، وكانت مدرسة خاصة بأولاد آل شيخ الكاف ، وبني عمومتهم ، ثم أدرجت في مدرسة جمعية الأخوة والمعاونة ، وأطلق اسم الكاف على مدرسة جمعية الحق ، وكان من المدرسين بها السيد عمر الكاف ، والسيد محمد بن حفيظ.

(٤) الذين سيذكرهم المؤلف هنا .. ليسوا من خريجي مدرسة الكاف ، إنما هم خريجو مدرسة جمعية

٩٢٦

الشّيخ سالم سعيد بكيّر (١) ، وامبارك عمر باحريش ، فبها انفتحت أذهانهم ، وإن كانا إنّما توسّعا في الفقه بعد انفصالهم عنها ، وأصلهما من الحرّاثين ، ثمّ تشرّفوا بالعلم والذّكاء والفهم ، إلى تواضع ونسك ، إلّا أنّه مشوب بشيء من التّعصّب ، فتراهم لا يرجعون عن رأي ، ولا يذعنون لحجّة.

ومحمّد بن أحمد بن عمر الشّاطريّ (٢) ، ذكيّ نبيه ، وشاعر فقيه.

ومن اللّطائف : أنّ ناظرها السّيّد عبد الوليّ بن طاهر أراد أن يضحك من السّيّد أحمد بن حسين بن عبد الرّحمن بن سهل ، فاستدعاه وهو مارّ بالطّريق ، وقال له : تكلّم على الطّلبة.

فقال لهم : (لا أزيدكم على كلمة ، لقد دامت شوارع تريم ملأى بمراكيب المدعوّين لعذيرة ختاني ثمانية أيّام ، ثمّ إنّ غدانا اليوم رطلان من التّمر المنزوع النّوى من السّوق ـ وهي هذه ـ فلا يمكن لأحد أن يغترّ بالدّنيا ويسكن إليها ، والسّلام).

__________________

الحق ، وإنما اشتبه الأمر عليه ؛ لأن جمعية الحق التي أسست سنة (١٣٣٤ ه‍) قلب اسمها إلى مدرسة الكاف بعد سنة (١٣٥٢ ه‍) لأسباب عدة .. وهذا الأمر حدث بعد تخرج هؤلاء الأعلام منها بزمن .. فليعلم.

(١) ولد المفتي العلامة الفقيه الشيخ سالم سعيد بكيّر ـ مصغرا مشددا ـ باغيثان بتريم سنة (١٣٢٣ ه‍) ، والتحق في صغره بمدرسة جمعية الحق ، وتخرج بالعلامة أحمد بن عمر الشاطري ، والعلامة حامد السري ، والشيخ حسن عرفان.

آلت إليه مقاليد الإفتاء سنة (١٣٥٦ ه‍) عقب وفاة الشيخ أبي بكر الخطيب ـ آنف الذكر ـ ولم يزل على العمل الصالح متجرا في المتجر الرابح حتى دعاه داعي المنون في (١٢) جمادى الثانية سنة (١٣٨٦ ه‍).

(٢) العلامة الأوحد ، والجهبذ العبقري المسدد ، مؤسس جمعية الأخوة والمعاونة ، ومفتي الدولة الكثيرية ، والقاضي بالمجلس العالي بالمكلا ، والمفتش في المحاكم الشرعية ، ورئيس بلدية تريم ، ثم المشرف الاجتماعي بمدارس الفلاح الثانوية بجدة .. صاحب المؤلفات الرائقة ، والمجالس الزهية الشائقة. كان مولده بتريم يوم الإثنين (٢٨) جمادى الثانية سنة (١٣٣١ ه‍) ، وحياته حافلة بجلائل الأعمال التي يضيق عنها نطاق هذه الأسطر ، ومن أراد المزيد .. فعليه بمقدمة «شرح الياقوت».

هاجر المترجم إلى السعودية سنة (١٣٩٣ ه‍) ونال الجنسية السعودية ، ولم يزل بها حتى دعاه داعي المنون فلبى نداء ربه صائما عشية السبت (٣) رمضان المعظم من عام (١٤٢٢ ه‍).

٩٢٧

وفي تريم أودية وشعاب مشرقة بالأنوار ؛ لأنّها كانت متهجّد عباد الله الأخيار ، حتّى إنّ من أهل تريم من وقذته العبادة إلى حدّ أنّ صبيانهم يسألون أمّهاتهم عنهم ، فيقلن لهم : أخذتهم الجبال باللّيل للتّهجّد ، والمساجد بالنّهار للاعتكاف والعلم والعبادة ؛ منهم ـ كما في (ص ١٧٥) من «شرح العينيّة» ، والحكاية (١٧٤) من «الجوهر» ـ : السّيّد عليّ بن علويّ بن الفقيه المقدّم ، المتوفّى سنة (٦٧٥ ه‍) ، فبه يتأكّد قول المغربيّ : إنّهم بالملائكة أشبه.

من تلك الأودية : النّعير (١) ـ كزبير ـ السّابق ذكره في ثناء السّيّد حسن بن شهاب على وحيد حضرموت السّيّد أبي بكر بن شهاب.

ومنها : خيله (٢) ، وسبب تسميته بذلك ـ كما سمعت من أفواه المعمّرين ـ : أنّها لمّا ظهرت نواصي خيل الصّحابة .. قالت امرأة : خيله. قالت الأخرى : خيلتين. وقالت الثّالثة : أربع مئة ما يعتدّين. وأهل تريم إلى اليوم يغضبون من هذا الكلام ، والغوغاء تعيّرهم به.

وما فيه من عار ، ولكن يأتي فيه ما تمثّل به ابن الزّبير لمّا عيّر بأنّه ابن ذات النّطاق وهو :

وعيّرني الواشون أنّي أحبّها

وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

وتمثّل بعجزه الإمام الغالب أيضا في إحدى رسائله.

وفي حدود سنة (١٣٣٢ ه‍) ألّفت في تريم (جمعيّة الحقّ) ، وطلبت من

__________________

(١) يقع شعب النعير إلى الجهة النجدية من شعب خيله ، ويميّز من قبل البعض إلى شعبين ، فيقال : شعب النعير الصغير والكبير. تعبّد فيه كثير من الصالحين ؛ منهم : الشيخ الكبير عبد الرحمن السقاف ، والشيخ عبد الله العيدروس ، وابنه العدني ، والشيخ عبد الرحمن بن علي .. وغيرهم من السادة والمشايخ. ويمر ماء هذا الشعب من حافة النويدرة إلى ساقية حامد إلى نخر الحاوي إلى مسيلة عدم.

«بغية من تمنى» (ص ٢٦).

(٢) شعب خيله : شعب مبارك ، وكان سيدنا الأستاذ الأعظم الفقيه المقدم ، وحفيده الإمام عبد الله باعلوي ممن يتعبد فيه. ينفذ ماؤه ما بين البيوت ويمر تحت مسجد الشيخ علي إلى ساقية حامد إلى نخر الحاوي إلى مسيلة عدم. «بغية من تمنى» (٢٥ ـ ٢٦).

٩٢٨

السّلطان المحسن أن يوليها ماليّة البلاد ، ففعل وأمّل النّاس من ذلك خيرا ، فانعكس الظّنّ ، وتضاعفت المكوس ، وكانت على قلّتها تؤخذ باحترام وتواضع .. فصارت على كثرتها تؤخذ بتجبّر وإهانة ، ولم تزل والاستبداد روحها ، والمستشارون لا يزيدون على الموافقة ، والمعارضة تكاد تكون بينهم من المستحيلات ، ولذا فإنّ رئيسها لا يتبدّل إلّا فترات قليلة لتحليل الشّرط.

وظهرت بعد ذلك (جمعيّة الأخوّة والمعاونة) ، وبدأت بنشر التّعليم في البوادي ، ثمّ ظهرت الأغراض وشهوات الاستعلاء ، ومحبّة النّهي والأمر ، فكانت كسابقتها (١).

ومن أعمالها : أنّها اتّهمت نظّار أوقاف المساجد بتريم فانتزعتها منهم بمبرّر وبدون مبرّر ، ولكن كان الإصلاح أنزر ، والإنفاق أغزر ، فبعد أن كانت مغلّات أكثر المساجد تزيد من نفقاتها .. صارت تنقص ، مع التّقصير في العمارة ، بل قيل : إنّ الدّين ارتكب بعض المساجد فوق ذلك.

وقد جاء في (ص ٢٥٤ ج ١) من «المشرع» : (أنّ من خواصّ تريم طيب عيشها ، خصوصا لأهلها الّذين لا تعلّق لهم بالدّول) اه (٢)

وذلك مجرّب ، أمّا الّذين يتعلّقون بها لتكون لهم الكبرياء في الأرض .. فلا يزيدون على أن ينشبوا أنفسهم في المتاعب ، وينشبوا غيرهم في المصاعب.

ومن البلاء الّذي لا يعدله بلاء : أنّ مقرّرات الإقليم كلّه من ساحله إلى أقصاه ، سواء كانت من الأفراد أو من الهيئات .. لا تكون كما يشاء الحقّ والإنصاف ، وإنّما تكون مشابة بالمحاباة أو بالحسد أو بالأغراض ، وكلّه ناشىء عن نقص الأخلاق ، وهو من أكبر المصائب ، لا أكبر منه إلّا عدم التّفكير في علاجه مع اشتمال الجمّاء الغفير من الخاصّة عليه عن معرفة بأحوال أنفسهم ، وتعمّد منهم فيما يفعلون ، ومهارة

__________________

(١) ينظر كلام مؤسسها السيد محمد الشاطري عنها في كتابه : «أدوار التاريخ الحضرمي» (٢ / ٤٢٣ ـ ٤٢٥).

(٢) في «المشرع» جاءت العبارة هكذا : (الذين لا تعلق لهم بالدول والدنيا) اه وهي واضحة المعنى والمغزى.

٩٢٩

فيما يستميلون به سواهم من الأخذ بالحياء وما أشبهه ، وقليل من يقع في تلك الرّذائل عن غير شعور ، وإنّما يرتبك فيها بمؤثّرات تخفى عليه فيبقى على ظنّه الخير بنفسه وهو خائن لها وللنّاس ، ففي المقام صعوبة لا تنحلّ إلّا بأيدي العلماء والمحقّقين ، ولذا كان السّلف يوصون بالكتب الغزاليّة ؛ لأنّها النّجم الوهّاج في علم النّفس والأخلاق ، ولأنّ فيها لأمراض الأخلاق ، أنجع علاج.

ومن التّعاجيب أنّ من هؤلاء من يقرؤها ويخالفها على خطّ مستقيم ؛ كأنّما يتقرّبون إلى الله بمجرّد قراءة ألفاظها.

وكان لآل علويّ ولآل جديد حافتان بتريم (١) يصونون فيها أولادهم عن الاختلاط بالأضداد ، ولا يمكّنونهم من مجاوزتهما إلّا بعد تمكّنهم من الدّين والأخلاق ، وفي «الأصل» إشارة إلى ما بحضرموت من الحوط وإنكار بعض النّاس أمرها ، وكثير من أعقاب أولئك المنكرين ومتأثّريهم في زماننا يجلّون جمال الدّين الأفغانيّ ، ولا يتفطّنون إلى ما جاء في سياق له من قوله : فذهبت إلى مقام عبد العظيم ، وهو حرم من دخله كان آمنا.

وفيها الآن كثير من الحافّات ؛ منها في غرب تريم إلى الشّمال : حارة الخليف بكسر الخاء وفتح اللّام على اسم واد معروف في شعب جبل ذكره البكريّ.

وكندة كثيرا ما تسمّي قراها في الآفاق على ما كانت أسماء بلادها بحضرموت.

ثمّ الرّضيمة ، ثمّ السّحيل ، ثمّ النّويدرة.

ومنها في الجهة الشّرقيّة : السّوق ، ثمّ المجفّ.

ولآل تريم تعصّب شديد مع أهل الحوف ، يسري من السّفلة إلى الجلّة ومن الحاكة

__________________

(١) كان العلويون ـ والمقصود بنو أحمد بن عيسى ـ عندما سكنوا تريم اختطوا لأنفسهم محلة عرفت بالحوطة ، وهي الواقعة بين مسجد باعلوي ومسجد العيدروس ومسجد السقاف ـ حاليا ـ واحتوت هذه الحوطة على بيوت آل علوي وآل بصري وآل جديد. وقيل غير ذلك.

ومعنى الحافة ، كالحارة : وهي كل محل تدانت مساكنه والتف بعضها على بعض. وما سبق من تحديد بحافات لا يتعارض.

٩٣٠

إلى العلماء ، وكان يتعاظمني ما أسمعه من ذلك حتّى رأيت ما ذكره الخطيب في الحكاية (٢٠٥) من «جوهره» [٢٢١ خ] : (أنّه نشب حرب بين أهل حافّة السّوق وأهل حافّة الخليف ، وجرى بينهم قتل ، وكان أهل السّوق أكثر ، فكمنوا لأهل الخليف ، فعلموا بذلك ، فشكوا إلى الشّيخ أحمد بن عليّ بن محمّد بن عبد الله الخطيب ، فقال لهم : إذا كبّرت لصلاة الصّبح .. فقعوا عليهم ، ففعلوا وهزموهم).

وكانت وفاة الشّيخ أحمد هذا في سنة (٧٠٨ ه‍) ، ووفاة أخيه عبد الرّحمن في سنة (٧٣٠ ه‍) ، ووفاة أخيهما محمّد سنة (٧٥٥ ه‍) ، فعرفنا من تعصّب الشّيخ أحمد لأهل حافّته أنّ آل تريم لم يرثوه عن كلالة (١).

ومن النّوادر : أنّ سيّدي عبد الرّحمن المشهور ـ على ورعه وتقواه وكماله ـ حكم أيّام كان على القضاء بحكم لأحد أهل السّحيل بشاهدين من أهل السّحيل أيضا على واحد من أهل السّوق ، وكان هو ـ أعني سيّدي عبد الرّحمن المشهور ـ إذ ذاك يسكن السّحيل ، فأمضى الحكم ، ونائب الدّولة وهو عليّ عبد الدّائم أحد عبيدهم حاضر ، ألزمه بتنفيذه ، فاتّهمه وقال له : لا أنفّذه ، ولا أرى صحّته ؛ مدّع من السّحيل ، وشهود من السّحيل ، وقاض من السّحيل ، هذا حكم باطل!!

قرى تريم :

وحوالي تريم كثير من القرى ، منها ما يخرج عن سورها الموجود اليوم ؛ كعيديد (٢) ، وهو واد مشرق البهجة ، واضح النّظارة ، ساطع النّور ، واقع بسفح مخاران (٣) الجنوبيّ ، وهو الجبل الّذي يكون بحضيضه الشّرقيّ الخليف السّابق ذكره.

__________________

(١) وللشيخ الفاضل عبد الله بن حسين بافضل ـ الملقب : رحيّم بكسر الراء وتشديد الياء ، وكان مؤرخا ، توفي سنة (١٤٠٠ ه‍) ـ مجموع في أخبار وحوادث الحوف بتريم.

(٢) وادي عيديد : يقع في الجهة الغربية الجنوبية لمدينة تريم ، وهو واد عظيم كثير الديار والسكان ، وفيه كثير من بساتين النخيل ، وله ذكر في شعر الإمام الحداد.

(٣) شعب مخاران : في جبل الفريط ، غربيّ المدينة ، يلي شعب عيديد إلى الجهة النجدية (الشمالية).

انظر : «البغية» (٢٥).

٩٣١

وكان العلّامة الجليل السّيّد محمّد بن عليّ مولى عيديد (١) ـ المترجم له في «المشرع» [١ / ٣٩٩ ـ ٤٠١] و «الغرر» و «شرح العينيّة» [٢٠٥ ـ ٢٠٧] وغيرها ، بل جاء في «الفتح المبين» للعلّامة الجليل عبد الرّحمن بن مصطفى نزيل مصر : أنّ مناقبه مخصوصة بالتّأليف ، أحبّ الانجماع عن النّاس آخر حياته ، فابتنى بعيديد مسجدا ودارا صغيرين ، واعتزل الخلق ، وأقبل على العبادة ، ولا ينزل إلّا للجمعة المفروضة أو العيادة المندوبة ، ثمّ بنى عنده أصحابه حتّى صار قرية معمورة.

وكان السّيّد محمّد هذا شديد الخوف من الله ، حتّى لقد ذكر صاحب «مفتاح السّعادة والخير» عن شيخه عبد الرّحمن بن عليّ ، عن والده عليّ بن أبي بكر : (أنّ السّيّد عبد الله بن محمّد بن حكم باقشير إذا قام للصّلاة .. انتفض وجرى دمعه على خدّيه ولحيته طيلة صلاته ، حتّى لقد حصل لدموعه أثر ظاهر على خدّيه ، قال الشّيخ عليّ : وكذلك رأيت الفقيه محمّد بن عليّ صاحب عيديد) اه

ومثل هذا الأثر على الخدّ من الدّمع مشهور عن ابن الخطّاب رضي الله عنه ، ومثل ذلك الخوف مذكور عن زين العابدين عليّ بن الحسين.

وكان والد السّيّد محمّد مولى عيديد (٢) من مراجيح العلماء الأتقياء ، وهو معروف بصاحب الحوطة ـ محلّ بقرب تريم ، لعلّه الّذي بينها وبين الحاوي ؛ فإنّه لا يزال يطلق عليه لفظ الحوطة إلى الآن ـ انجمع فيها عن الخلق ، وكان ولده محمّد سكن قبل عيديد قريبا من حوطة والده.

أخذ أبو محمّد عن الشّيخ السّقّاف ، وتوفّي سنة (٨٣٨ ه‍) ، وكانت وفاة ولده محمّد سنة (٨٦٢ ه‍) ، ولهم ذرّيّة صالحة بعيديد وغيرها ؛ منهم :

__________________

(١) وإليه ينسب السادة آل عيديد ، وتمام نسبه : محمد بن علي ـ صاحب الحوطة ـ ابن محمد بن عبد الله بن أحمد (ت ٧٢٥ ه‍) ابن عبد الرحمن بن علوي عن الفقيه. وسيأتي أن وفاته سنة (٨٦٢ ه‍). وقبر في قبر جده أحمد بن عبد الرحمن في الرصّة.

(٢) ترجمته في «المشرع» (٢ / ٥١٥ ـ ٥١٦) ، و «الغرر» ، و «الجوهر» ، و «إتحاف المستفيد» (٣٤٠ ـ ٣٤٥).

٩٣٢

السّيّد عليّ بن محمّد بن عليّ مولى عيديد ، قال الشّيخ عبد الله بن محمّد باقشير في كتابه «مفتاح السّعادة والخير» : (وأعقب الشّيخ حكم باقشير بنتا يقال لها : حكيمة ، تحفظ القرآن ، تزوّجها السّيّد عليّ بن محمّد صاحب عيديد بإشارة الشّيخ عبد الله بن أبي بكر العيدروس ، وكان هو الّذي دفع عنه الجهاز ، ثمّ بعد أيّام سار الشّيخ حكم إلى شعب هود وأخذ معه عليّا يروّضه ويربّيه ، وبقيا على اجتهاد في العبادة ، وكان أكثر قوتهم هناك ثمر الأراك).

وتوفّي عليّ المذكور في سنة تسع مئة وتسع عشرة (٩١٩ ه‍) (١).

ومنهم : السّيّد أبو بكر بن عبد الله بن عليّ بن محمّد ، صاحب عيديد (٢) ، له «وصيّة جامعة» من العلّامة ابن حجر الهيتميّ بتاريخ صفر سنة (٩٥٥ ه‍) ، أوردها الفاضل الشّيخ امبارك عمر باحريش (٣) في كتابه «إتحاف المستفيد» الّذي جمعه على لسان شيخه الصّالح المنوّر القلب محمّد بن حسن عيديد ، وفيه تعريف بكثير من السّادة المشار إليهم وغيرهم.

وقد مرّ في سيئون أنّ بها منهم الفاضل الصّالح السّيّد حسين بن عبد الله بن حسن عيديد ، شريف كريم ، موطّأ الأكناف ، رحب الفناء للأضياف ، ولا زال محمود السّير ، معانا على المروءة والخير ، وإيّانا .. آمين.

ومن سكّان عيديد : الشّيخ أحمد بن عبد الله الخطيب (٤) ، تولّى خطابة جامع تريم وهو ابن خمس عشرة سنة ، ودام عليها إلى أن مات ، وقد نيّف على السّبعين في سنة (١٣٣٣ ه‍) ، وكان فاضلا خاشعا ناسكا ، شريف السّيرة ، ولذا نجعوا له بخطابة

__________________

(١) «إتحاف المستفيد» (٣٢٧ ـ ٣٢٨) ، وذكر فيه أنه طلق ابنة باقشير لعدم رغبته في التزوج آنذاك.

(٢) توفي بمكة ، ولم تؤرخ وفاته ، وله أخ يلقب بالمحجوب ، توفي بالشحر سنة (٩٧٣ ه‍) ، وهناك اضطراب بين ما ورد في «الفرائد الجوهرية» للسيد الكاف (٣ / ٨٣٥) ، وبين ما جاء في «إتحاف المستفيد» (٣١٩)

(٣) نقلا عن خط العلامة مفتي تريم الشيخ أبي بكر بن أحمد الخطيب ، تقع في (٦) صفحات.

(٤) أحمد بن عبد الله بن عمر بن أحمد بن حسين الخطيب ، المتوفى سلخ محرم بكرة الجمعة سنة (١٣٣٣ ه‍) ، كان رجلا فاضلا صالحا ، ترجم له في «الإتحاف» برقم (١٧٥) ، وترجم له في «الرسالة الجامعة لخطباء تريم» (٥٨ ـ ٦٠).

٩٣٣

تريم صغيرا ، مع أنّ مقابل الأظهر عدم صحّة الجمعة خلفه ؛ لأنّها لا تنعقد به ؛ إذ كان من قرية مستقلّة لنفسها.

ويذكر أنّ سيّد الوادي الحسن بن صالح البحر حضر خطبته وصلّى خلفه. ولمّا مات .. طمع فيها ولده عبد الرّحمن ، وأراد أن يبقى عليها من بعده ، فلم يرضه الخطباء (١) ، وانتزعوها منه عنوة ، وسلّموها لمن لا تصلح إلّا له ، وهو : العلّامة التّقيّ ، العابد النّزيه ، الشّيخ محمّد بن أحمد الخطيب (٢) ، كان غزير العلم ، طويل الحلم ، كريم الشّمائل ، كثير الفضائل ، فلم يزل عليها إلى أن مات.

وكانت الخطابة ألقت رحلها في هذا البيت ثمّ لم تتحوّل (٣) ، حتّى إنّه لمّا مرض الشّيخ عليّ بن محمّد الخطيب (٤) ، وكان أولاده صغارا .. طلبها بعض أهل العلم لنفسه ، ولكن قام ابن أخته الفقيه المحقّق أحمد بن عبد الرّحمن بن علويّ عمّ الفقيه (٥) ،

__________________

(١) أي : أسرة آل الخطيب ، المتولون لهذه الوظيفة منذ زمن قديم.

(٢) هو العلامة المفتي الفقيه محمد بن أحمد بن سالم بن عبد الله بن أبي بكر الخطيب التريمي ، ولد بها سنة (١٢٨٤ ه‍) ، وتوفي سنة (١٣٥٠ ه‍) ، كان فقيها نحريرا حاذقا ، درّس برباط تريم وزاوية الأوابين وزاوية سرجيس وزاوية بروم ، ومن شيوخه : المفتي المشهور ، والسيد علوي المشهور ، والشيخ أحمد الخطيب. ترجمته في : «تذكرة الباحث المحتاط» للمؤرخ عبد الله بن حسن بلفقيه ، و «الرسالة الجامعة في ذكر من تولى الخطابة بتريم» للشيخ أبي بكر الخطيب (٦١ ـ ٦٩) (خ).

والمترجم هو الخطيب الثاني والثلاثون ممن رقوا منبر جامع تريم منذ نحو (١٠٠٠) سنة.

ومن الآخذين عنه : ابن أخيه الشيخ العلامة الفقيه عمر بن عبد الله بن أحمد بن سالم ، المولود بتريم سنة (١٣٢٦ ه‍) ، والمتوفى بسنغافورة سنة (١٤١٨) ، كان علامة نحريرا ، طوّحت به الأسفار إلى سنغافورة ، وأقام بها مفتيا ومرشدا وقاضيا وخطيبا حتى توفي عليه رحمة الله.

(٣) جاء في «برد النعيم» أن أول من تولى الخطابة منهم هو جدهم الجامع الشيخ الإمام محمد بن سليمان بن أحمد بن عباد بن بشر في القرن الثالث الهجري ، ثم قام بعده ابنه علي ، فابنه إبراهيم بن علي ، فيحيى بن إبراهيم ، فإبراهيم بن يحيى ، فعلي بن إبراهيم ، فمحمد بن علي المتوفى سنة (٦٠٩ ه‍) ، وهو والد الشيخ علي صاحب الوعل الآتي ذكره.

(٤) وهو الملقب بصاحب الوعل لكرامة جرت له ، توفي سنة (٦٤١ ه‍) كما في «تاريخ شنبل» ، له مناقب وحكايات في «الجوهر» ، و «البرد».

(٥) توفي السيد الفقيه أحمد بن عبد الرحمن سنة (٧٢٠ ه‍) ، ترجمته في «المشرع» (٢ / ١٣٧ ـ ١٣٨).

٩٣٤

فحدب عليهم (١) ، وناب فيها عنهم ، ولمّا تسنّم ذروة المنبر لأوّل مرّة .. بكى واستبكى بما طاب وراق ، حتّى انحفظ خبره ، وبقي ذكره خالدا في الأوراق ، ولمّا تأهّل أولاد خاله .. دفعها إليهم.

وكانت وفاة الفقيه أحمد هذا في سنة (٧٢٠ ه‍) (٢).

وفي (قسم الفيء والغنيمة) من «التّحفة» [٧ / ١٣٨ ـ ١٣٩] و «النّهاية» [٦ / ١٤١] : (واستنبط السّبكيّ من إعطاء مموّني المرتزق من أولاد وزوجات : أنّ الفقيه أو المعيد أو المدرّس إذا مات .. يعطى مموّنه ممّا كان يأخذه ما يقوم به ؛ ترغيبا في العلم ، فإن فضل شيء .. صرف لمن يقوم بالوظيفة ، ولا نظر لاختلال الشّرط فيهم ؛ لأنّهم تبع لأبيهم ، فمدّتهم مغتفرة في جنب ما مضى كزمن البطالة ، والممتنع إنّما هو تقرير من لا يصلح ابتداء.

وردّ بظهور الفرق بين المرتزق وغيره ؛ بأنّ العلم محبوب لا يصدّ النّاس عنه شيء) اه

وكأنّهما يشيران إلى ما جاء في «طبقات ابن السّبكيّ» [٨ / ١٨١] من قوله : (أشاع كثير من النّاس أنّ الوالد كان يرى تولية الأطفال وظائف آبائهم مع عدم صلاحيّتهم إذا قام بالوظائف صالح ، ويرجحهم على الصّالحين ، وتوسّعوا في ذلك ، ونحن أخبر بأبينا ، ولم يكن ذلك رأيه على الإطلاق ، وإنّما كان رأيه فيمن كانت له يد بيضاء في الإسلام ـ من علم وغيره ـ وترك ولدا يمكن أن يتأهّل بأن يباشر وظيفته من يصلح لها وتكون الوظيفة باسم الولد ؛ لأنّ التّولية تنقسم إلى قسمين : تولية اختصاص ، وتولية مباشرة.

فتولية الاختصاص للصّبيّ ، وتولية المباشرة للمباشر.

ومتى ثبتت ولاية الاختصاص للطّفل .. كان مستحقّا للوظيفة استقلالا ، فيأخذها عند صلوحيّته من دون احتياج إلى تجديد ولاية.

__________________

(١) حدب عليهم : انحنى عليهم ، والمراد : عطف عليهم.

(٢) وهو مشهور بالفقيه ؛ لأن من محفوظاته : «الوجيز» للغزالي.

٩٣٥

وإن لم يمكن أن يتأهّل ؛ كبنت وزوجة في إمامة مسجد ، أو ابن أيست أهليّته .. فهؤلاء لا أولّيهم مطلقا.

وإنّما أقول لمن أولّيه : التزم بالنّذر الشّرعي أن تدفع إليهم كيت وكيت ما دام كذا من معلوم هذه الوظيفة ..) إلى آخر ما أطال به.

وليس بالنّصّ فيما سبق عن «التّحفة» و «النّهاية» ، ولكنّه تفصيل لما نقلاه عنه مجملا فيحقّ له الاعتماد ، وإنّما ذكرته لما فيه من الفائدة ، ولأنّه لا يعدم شبها بقضيّة أولاد الشّيخ عليّ وابن عمّتهم الفقيه أحمد في الجملة.

ثمّ رأيت ابن عابدين نقل في حاشيته «ردّ المحتار على الدّرّ المختار» عن البيريّ ما نصّه [٥ / ٤٤] : (أقول : هذا مؤيّد لما هو عرف الحرمين الشّريفين ومصر والرّوم ، من غير نكير من إبقاء أبناء الميت ـ ولو كانوا صغارا ـ على وظائف آبائهم مطلقا ، من إمامة وخطابة وغير ذلك ، عرفا مرضيّا ؛ لأنّ فيه إحياء خلف العلماء ومساعدتهم على بذل الجهد في الاشتغال بالعلم ، وقد أفتى بجواز ذلك طائفة من أكابر الفضلاء الّذين يعوّل على إفتائهم) اه

وما ذكره ابن السّبكيّ من التّفصيل هو الحسن الجميل ؛ لأنّه الجامع للمصلحتين : تولية الصالح مراعاة للمسلمين ، ومواساة الأبناء قياما بواجب فضل العلم.

الحاوي (١) :

هو قرية صغيرة في شرقيّ تريم ، كانت منفصلة عنها ، ولكنّها أدخلت في سورها الّذي بناه الأمير سالم بن عبود بن سالم الكثيريّ في سنة (١٣٣٠ ه‍) وقتما كان على إمارتها ، وقد أنفق فيه أموالا جزيلة ، استدان بعضها من أخيه بدر بن عبود على ضوء وعد من السّلطان محسن بن غالب وأغنياء تريم بالوفاء ، فلم يفعلوا ، فانظلم سالم وظلم أخاه.

__________________

(١) ويسميه الإمام الحداد : حاوي الخيرات. وهو غير حاوي الحوطة الذي تقدم ذكره في معرض الكلام على القرى المحيطة بها.

٩٣٦

وكان بالحاوي جماعة من آل الجفريّ سكنوها قبل أن ينزل بها الحدّاد (١) ، وكان السّيّد علويّ بن شيخ بن حسن بن علويّ الجفريّ مؤاخيا للقطب الحدّاد ، وصهر الحدّاد إلى السّيّد حسن بن علويّ الجفريّ على بنته.

ومن آل الجفريّ السّيّد الشّهير شيخ بن محمّد بن شيخ الجفريّ ، صاحب مليبار ؛ فقد وصل الحاوي سنة (١١٨٧ ه‍) ، وأخذ عن العلّامة الحسن بن عبد الله الحدّاد ، وبدأ به في الأرجوزة التي نظمها في الإسناد ، وشرحها بكتابه المسمّى : «كنز البراهين».

وكان بالحاوي بيت ومسجد صغير للحبيب عمر بن أحمد المنفّر ، وهو جدّ الحبيب عبد الله بن علويّ الحدّاد الغاني بتسميته عن كلّ وصف ؛ إذ كان كما قيل [من الوافر] :

وكان من العلوم بحيث يقضى

له من كلّ فنّ بالجميع

فلا حاجة للإطناب والآثار ناطقة بفضله ، والإجماع منعقد على تقديمه.

وفي سنة (١٠٨٣ ه‍) ابتنى الحبيب الحدّاد داره بالحاوي وبقي يتراوح بينه وبين داره بتريم.

وفي سنة (١٠٩٩ ه‍) ـ وهي سنة ميلاد ابنه الحسن ـ استوطنه صيفا وشتاء ، وانتشرت علومه في البلاد ، وأخذ عنه الحاضر والباد.

ولنا إليه طرق كثيرة ؛ من أقربها : أنّني أخذت عن السّيّد محمّد بن أحمد بن

__________________

(١) سيدنا الإمام ، شيخ الإسلام ، مجدد الدين على رأس المئة الحادية عشر من هجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام ، ولد سنة (١٠٤٤) ، وانتقل إلى الدار الآخرة سنة (١١٣٢ ه‍).

لم تعرف حضرموت أحدا مثل هذا العلم في العلم والعبادة والصلاح والدعوة إلى الله ، وقد انتشرت دعوته وكتبه في أقطار الدنيا ، وألفت في مناقبه المؤلفات الرائعة ، وصنفت المصنفات البديعة ، فكتب تلميذه السيد محمد بن زين بن سميط «غاية القصد والمراد» في مجلدين طبعا ، وذيّله ب «بهجة الزمان» في تراجم الشيوخ والتلامذة ، واختصرها في «بهجة الفؤاد».

وللإمام الحداد من البنين : علوي ، والحسن ، والحسين ، وزين العابدين ، وسالم ، ومحمد.

٩٣٧

عليّ بن عبد الله السّقّاف المتوفّى سنة (١٣٠٧ ه‍) عن مئة وخمسة عشر عاما ، وهو أخذ عن أبيه عن جدّه عن القطب الحدّاد.

وأخذ السّيّد محمّد أيضا عن العلّامة الجليل أحمد بن حسن بن عبد الله الحدّاد ، وأدرك من زمانه اثني عشر عاما.

والحبيب أحمد أخذ عن جدّه القطب الحدّاد ، وأدرك من زمانه خمس سنين.

ومنها : أنّني أخذت عن الحبيب المعمّر محمّد بن إبراهيم بلفقيه ، وهو أخذ عن عمّه الحبيب عيدروس ، وهو أخذ عن الأستاذ عبد الله بن علويّ الحدّاد.

وكان السّلطان ياقوت يهدي للقطب الحدّاد الأكسية الفاخرة والشّالات المثمنة والعمائم الّتي تبلغ ثمانين ذراعا في عرض ذراع ونصف ، وإن كانوا ليلوونها اثنتي عشرة ليّة ، ثمّ يدخلونها الخاتم فتمرّ فيه ، وكان يعطي بعضها لابنه الحسن فيلبسها ؛ لولعه في شبابه بالثّياب الفاخرة ، ولكنّه لمّا عاد من الحجّ في سنة (١١٤٨ ه‍) .. اخشوشن ، فلم يلبس إلّا الخوذة والبثت ـ من غزل الحاوي والسّبير ـ فوق الشّقة ، ويقتصر في البيت على الشقّة والكوفيّة البيضاء المخرّمة ، ويلبس العمامة للجمعة مع السّروال والقميص ، ويلبس البثت من فوق القميص.

وفي أخباره ـ أعني الحسن بن الحدّاد ـ أنّه ترك الرّداء رأسا بعد رجوعه من الحجّ ، وذكر الشّيخ عمر بن عوض شيبان عن سيّدنا الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر أنّه يقول : كانت الطّبقة الّتي قبلنا يكتفون بالقمصان الحضرميّة ، وقليل من الأعيان من تكون عنده مصدّرة بثت ، وأمّا الجبب .. فلا يلبسونها إلّا في الأعياد.

توفّي سيّدنا عبد الله بن علويّ الحدّاد في سنة (١١٣٢ ه‍) عن ثمان وثمانين سنة إلّا ثلاثة أشهر ، وخلّف عدّة أولاد وبنات ، وهم : علويّ وحسن وزين وحسين وسالم ومحمّد ، وكلّهم أسنّ من الحسن إلّا زينا ؛ فإنّه بعده.

وقام في مقامه بأمره ولداه علويّ وحسن ؛ إذ قال لهما في حياته : (أقمتكما مقامي وأنبتكما عنّي) ، ونزل لهما في آخر عمره عن إمامة الصّلاة ، فكان يؤمّه علويّ إن

٩٣٨

حضر ، وحسن إن غاب ، غير أنّ أكثر إقامة علويّ وأولاده بالسّبير.

وكان الحسن لا يفارقه ؛ فهو الّذي تكثر إمامته له ، وإذا زاروا هودا عليه السّلام .. كان الّذي يسلّم بالنّاس عند البير : علويّ ، وعند الضّريح : الحسن.

وكان هو الّذي يحمل عن أبيه عامّة أمره في أيّام حياته ، وذكر السّيّد علويّ بن أحمد : أنّ السّيّد محمّدا الجفريّ وزين العابدين الحبشيّ وسائر الدّرسة تأخّروا عن الحضور على علويّ بعد والده ؛ لأنّه لم يدرّس في حياة أبيه ، ولمّا رأى الحسن تثاقلهم عن دروس أخيه .. حضر عنده وأتمّ عليه «سنن أبي داود» الّتي مات والده في أثناء قراءته إيّاها عليه ، وأراد السّيّد زين العابدين أن يعمل قبّة على ضريح القطب الحدّاد ، فمنعه آل العيدروس ، وأمّا الصّندوق .. فقد استوفينا قصّته في «الأصل».

وعن السّيّد حسين بن محمّد بن القطب الحدّاد أنّه قال : سمعت ناسا من تريم ـ منهم السّيّد شيخ بن محمّد بن شهاب ـ يقول : لو لا حسن .. لما قام منصب آل الحدّاد ، لا يقدر علويّ ولا غيره على ما تحمّله حسن ؛ لأنّ الحسين توفّي والده وهو مريض ، وزين صغير ، وعلويّ مائل عن تدبير ما النّاس فيه ، وإنّما هو صاحب عبادة ، وأمّا الحسن .. فقد جمع العلم والعمل والفتوّة ورجاحة الرّأي.

توفّي الحسن بن عبد الله الحدّاد في سنة (١١٨٨ ه‍) عن تسعين عاما إلّا تسعة أشهر ، وقام في مقامه ابنه العالي المنار ، الجليل المقدار : أحمد بن حسن ، إلّا أنّه لم يسلم من منازعة السّيّد عليّ بن علويّ بن القطب الحدّاد له ، غير أنّه توفّي وشيكا في سنة (١١٨٩ ه‍).

واستقلّ بعده الحبيب أحمد بن حسن بالمنصب ، وكان أهلا ؛ لتمام كفاءته ، وهو صاحب العلوم الزّاخرة ، والمؤلّفات الشهيرة ، وأكثرها فائدة وأجملها عائدة : «سفينة الأرباح» في مجلّدات ثلاثة كبار.

وقد جاء في «المواهب والمنن» الّذي استعنت به في الموضوع : أنّه ـ أعني مؤلّفه الحبيب علويّ بن أحمد بن حسن ـ قرأ «سفينة الأرباح» على جدّه الحسن.

٩٣٩

وجاء فيه أيضا : أنّ للحبيب حسن «سفينة» لا نظير لها في كلّ فنّ من العلوم النّافعة ، غرقت فيما غرق على الحبيب أحمد بن حسن حينما انكسر به المركب في حجّه سنة (١١٥٧ ه‍) ، فعمل «سفينة الأرباح» على غرارها.

وذكر الحبيب علويّ بن أحمد بن حسن : أنّ من نظم والده في حادثة الغرق قوله [من الطّويل] :

لك الحمد أمّا ما نحبّ فلا نرى

ونسمع ما لا نشتهي .. فلك الحمد

وهو صريح في أنّ الحبيب علويّ بن أحمد قرأ ما ألّفه أبوه من «سفينة الأرباح» على جدّه بعدما غرقت «سفينته» ، لكنّ العجب العجاب أنّ الحبيب أحمد لم يشر في خطبة «سفينته» إلى ما كان من تأليف والده! ولا بدّ أن يثقل على الحسن إغفال ابنه لذكره.

ومن مؤلّفاته : فتاواه المسمّاة : «القول الصّواب» ، وشرح على راتب جدّه سمّاه : «سبيل الهداية والرّشاد» ، ومنسك في الحجّ ، و «الفوائد السّنيّة في تريم وحضرموت وما خصّ به السّادة العلويّة» ، وهو الّذي حرّر «تثبيت الفؤاد» ورتّبه في نحو أربعين كرّاسا. ثمّ رأيت العجلونيّ المتوفّى سنة (١١٦٢ ه‍) يعزو البيت السّابق وهو : (لك الحمد أما ما نحب) إلخ للمتنبي ، وهو مخطىء في ذلك ، كما أنّ الحبيب علويّ بن أحمد لم يصب في عزوه لوالده ، وإنّما قاله متمثّلا.

توفّي الحبيب أحمد بن حسن في سنة (١٢٠٤ ه‍) عن سبع وسبعين عاما.

وخلفه ابنه عمر بن أحمد ، وكان علّامة فاضلا ، توفي سنة (١٢٢٦ ه‍).

وخلفه أخوه حسين بن أحمد بن حسن وكان فاضلا سخيّا ، وجد سنة (١١٨٠ ه‍) وتوفّي سنة (١٢٤٨ ه‍).

وخلفه ابنه حسن بن حسين ، وكان من أهل الفضل والعلم ، وجد سنة (١٢٠٥ ه‍) وتوفّي سنة (١٢٨٤ ه‍).

وخلفه ابنه عليّ بن حسن ، وكان جليل القدر عظيم الخطر ، معظّما عند النّاس ،

٩٤٠