إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف

إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

المؤلف:

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار المنهاج للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١١١٠

توفّي السّيّد عبد القادر سنة (١٣١٣ ه‍) .. خلفه ولده عيسى ، ولمّا توفّي الشّيخ محمّد بن عمر عرفان .. أقيم في مقامه السّيّد عمر بن أحمد الشّاطريّ ، ولا أدري بمن أبدل السّيّد محمّد السّريّ ، وأظنّ الوضع تغيّر.

وكان السّيّد عمر الشّاطريّ وعيسى الحدّاد الكلّ في الكلّ ؛ فالحدّاد يتسلم ما للرّباط من إيراد بسنغافورة ويرسله إلى عند السّيّد عمر بن أحمد ، وهو يصرفه بغاية الأمانة والتّدبير في مصارفه كما يأتي.

ولم يزل رباط تريم معمورا بالعلم من يوم بني ، وحصل به نفع عظيم ، وتخرّج به كثير من تريم ، ومن البيضاء ودوعن وغيرهم من الأقاليم ، والحال أنّ إيراده الشّهريّ لا يزيد عن أربع مئة ربيّة هنديّة ، مع أنّه قد يجتمع فيه مئتا طالب داخليّون ، وفي ذلك شهادة لناظره السّيّد عمر بن أحمد الشّاطريّ (١) بالورع الحاجز ، والتّدبير التّامّ ، والنّزاهة الّتي لا تعلق بها تهمة.

وكان القائم بالدّرس العامّ فيه بكرتي السّبت والأربعاء هو شيخنا وسيّدنا الوالد عبد الرّحمن بن محمّد المشهور حياته (٢) ، ثمّ ولده الصّالح السّيّد عليّ بن عبد الرّحمن إلى أن توفّي بتريم سنة (١٣٤٤ ه‍) ، وقد يشاركه ويخلفه في ذلك شيخنا العلّامة علويّ بن عبد الرّحمن المشهور.

وأمّا إدارة تعليمه : فقد كانت إلى العلّامة الجليل السّيّد عبد الله بن عمر الشّاطريّ (٣) ، وهو القائم بالتّعليم والتّدريس فيه ، مع من يخصّصهم له من تلاميذه (٤).

__________________

(١) المولود بتريم في رمضان (١٢٧٢ ه‍) ، والمتوفّى بها في يوم الإثنين (٢) شوال سنة (١٣٥٠ ه‍) ، وهو والد الحبيب عبد الله بن عمر.

(٢) حياته : طول حياته.

(٣) ولد الإمام الجليل والحبر النبيل الحبيب عبد الله بن عمر الشاطري بتريم في رمضان سنة (١٢٩٠ ه‍) ، وتوفي بها في (٢٩) جمادى الأولى سنة (١٣٦١ ه‍). وقد أفرده بالتأليف تلميذه العلامة الفقيه السيد محمد بن سالم بن حفيظ بكتاب سمّاه : «نفح الطيب العاطري» في مجلد (مخطوط) ، استوعب فيه ذكر شيوخه وما قيل فيه في حياته وبعد مماته ، رحمه الله.

(٤) وتلاميذه رحمه الله ورضي عنه كثرة كاثرة ، وفيهم من تولى الإفتاء في بقاع وبلدان شتى ، ومنهم من

٩٠١

وبعد وفاة السّيّد عليّ بن عبد الرّحمن انتهت إليه رياسة العلم بتريم جميعها ، فوفّاها حقّها ، وانتفع به القاصون والدّانون انتفاعا جمّا ، وكان هذا الرّباط بذرة خير أثّت وربت في جميع البلاد (١) ، وما زال على ذلك إلى أن توفّي سنة (١٣٦١ ه‍) ، فعظمت الرّزيّة بموته ؛ لأنّ معوز فقده لم يرقع كما كان من قبله.

وخلفه على رئاسة العلم بتريم والتّدريس العامّ في الرّباط وغيره : أخونا الفاضل الجليل ، النّاطق بالحقّ ، الحافظ لسير السّلف الصّالح ، علويّ بن عبد الله ابن شهاب (٢) ، مدّ الله في أيّامه ، ونفع به.

وبقيت إدارة تعليم الرّباط للسّيّد محمّد بن عبد الله بن عمر الشّاطريّ (٣) وأخويه حسن وأبي بكر فنرجو أن يسلكوا ذلك المنهاج ، ويستضيئوا بذلك السّراج ؛ ليبقى الرّباط على مثل حاله من الإنتاج.

ثمّ إنّ لطبقة الفقيه المقدّم فمن بعده من الأعمال والرّياضات ومجاهدات النّفوس ما لا تستقرّ له العقول ، ولا تتصوّره الأفكار ، ولا تقدر على تصديقه القلوب إلّا بعد ضرب الأمثال من المشاهدات ، وقياس أولئك على من بقي من فريقهم وانتهاج طريقهم إلى أوائل أعمارنا ؛ فقد شاهدنا وشاهد أقراننا كثيرا ممّن على ذلك النّمط ، حسبما مرّ في سيئون ، ممّا يصدّق قول المغربيّ (٤) السّابق : إنّهم بالملائكة أشبه.

__________________

أسس أربطة في بلده .. كالعلامة الجليل الحسن بن إسماعيل الحامد (ت ١٣٦٧ ه‍) صاحب رباط عينات ، والعلامة السيد محمد الهدار (ت ١٤١٨ ه‍) صاحب رباط البيضاء ، والعلامة السيد عبد الله بن عبد الرحمن بن الشيخ أبي بكر (ت ١٣٨٤ ه‍) صاحب رباط الشحر ، وغيرهم كثير ، وما هؤلاء إلا نماذج وأمثلة رحمهم الله تعالى.

(١) أثّت : كثرت وعظمت. ربت : نمت.

(٢) هو الحبيب الإمام الورع الصالح الزاهد الولي علوي بن عبد الله بن عيدروس بن شهاب الدين ، مولده بتريم في محرّم سنة (١٣٠٣ ه‍) ، وبها وفاته في (١٢) رمضان سنة (١٣٨٦ ه‍) ، أفرده بالترجمة السيد النحوي اللغوي عمر بن علوي الكاف (ت ١٤١٢ ه‍) بكتاب سمّاه : «تحفة الأحباب».

(٣) وهو الملقب بالمهديّ ، مولده بتريم سنة (١٣٢٨ ه‍) ، درس في الرباط ولازم والده وتخرج به ، وقام بشؤون الرباط بعد والده ، وبعد هجوم الشيوعيين على الحكم في البلاد .. هاجر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ووافته منيته في أبو ظبي في محرم سنة (١٤٠٥ ه‍).

(٤) يشير إلى «رحلة المغربي إلى تريم» التي جرت في سنة (٨٦٥ ه‍) ، وهو شخص مجهول لا يعرف

٩٠٢

ومن بعد العيدروس الأكبر (١) انتشرت المعارف وينعت العلوم ، ولكن بدأت المجاهدات تنقص ، والخلل يدخل على طريق العلويّين ، ولهذا كان القطب الحدّاد يأخذ بكلّ عادة كانت من أيّام العيدروس فمن قبله بدون أن يبحث عن الدّليل ؛ لتلزّمهم بالسّنّة المطهّرة تلزّما شديدا ، وأمّا من بعده .. فلا يقبل شيئا إلّا بدليله الواضح ، ونقل غير واحد عن أبي حنيفة أنّه كان يقول : ما جاءنا عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم .. فعلى الرّأس والعين ، وما جاءنا عن الصّحابة رضي الله عنهم .. نختار أحسنه ولم نخرج عن أقوالهم ، وما جاءنا عن التّابعين .. فهم رجال ونحن رجال. وفي رواية : زاحمناهم. ومع ذلك فلم يزل فيهم أراكين علوم ، ومصابيح هدى أمثال النّجوم.

وجوه لو انّ الأرض فيها كواكب

توقّد للسّاري .. لكانوا كواكبا (٢)

وإنّ زمانا يظهر فيه أمثال القطب الحدّاد وعبد الله بن أحمد بلفقيه (٣) وابنه عبد الرّحمن (٤) وأقرانهم .. لغير ملوم.

لقد حلّوا من الشّرف المعلّى

ومن حسب العشيرة حيث شاؤوا (٥)

__________________

اسمه ، وجرى كلام حول صحة ومصداقية هذه الرحلة ، لكن الشيخ محمد بن عوض بافضل أوردها بتمامها في نهاية «صلة الأهل» ، وعضّدها بكونها قرئت على مولانا الحبيب أحمد بن حسن العطاس فأيدها ، ينظر «الصلة» (٣٢٦ ـ ٣٤٢).

(١) هو الإمام عبد الله بن أبي بكر السكران ، تقدم ذكره في عدة مواضع ، توفي سنة (٨٦٥ ه‍) ، وتنظر أعماله وأحواله ومجاهداته في «المشرع الروي» ، «الغرر» ، «فتح الرحيم الرحمن» في مناقبه لتلميذه السيد عمر بن عبد الرحمن صاحب الحمراء ، ومؤلفات آل العيدروس المتقدم ذكرها في سير أهلهم وآبائهم رضي الله عنهم.

(٢) البيت من الطّويل ، وهو لأبي تمّام في «ديوانه» (١ / ١٢٦).

(٣) العلامة الجليل الشأن ، رفيع المقدار ، مولده بتريم سنة (١٠٤٤ ه‍) ، وبها وفاته سنة (١١١٢ ه‍) أو (١١١٠ ه‍) ، كان من أقران الإمام الحداد ، وقرأ هو وإياه «المختصر الكبير» على السيد عبد الرحمن بن عبد الله باهارون.

(٤) الإمام وجيه الدين ، المعروف عند أهل تريم بعلّامة الدنيا ، ولد بتريم سنة (١١٠١ ه‍) ، وتوفي بها سنة (١١٦٣ ه‍). ونبغ في العلوم وقرأ بالعشر جمعا وإفرادا ، وسمع وأجيز وحدث وأجاز ، وصنف الكتب المفيدة النافعة.

(٥) البيتان من الوافر ، وهما لدعبل الخزاعي.

٩٠٣

فلو أنّ السّماء دنت لمجد

ومكرمة دنت لهم السّماء

ومن أواخرهم بتريم : شيوخ مشايخنا ؛ كالسّادة عبد الله بن حسين بلفقيه (١) ، وعبد الله بن أبي بكر عيديد (٢) ، وعبد الله بن عليّ بن شهاب (٣) ، وأحمد بن عليّ الجنيد (٤).

ومن أواخرهم : مفتي الدّيار الحضرميّة ، شيخنا العلّامة الجليل ، صاحب المؤلّفات الفائقة ، عبد الرّحمن بن محمّد المشهور (٥) ، المتوفّى بتريم (١٥) صفر سنة (١٣٢٠ ه‍) ؛ فإنّه ومن سبقه من شيوخه ومشايخهم بتريم لكما قال المتنبّيّ [في «العكبريّ» ٢ / ١٧١ من الكامل] :

نسقوا لنا نسق الحساب مقدّما

وأتى فذلك إذ أتيت مؤخّرا (٦)

__________________

(١) الفقيه الحبر ، مفتي حضرموت ، ولد بتريم سنة (١١٨٩ ه‍) ، تفقه بأبيه ولازمه حتى توفي سنة (١٢١٧ ه‍) ، وأخذ عن جمع من علماء تريم ، انظرهم في «عقد اليواقيت» : (١ / ١٣٠ ـ ١٥٠) ، توفي عشية الأربعاء (١٨) ذي القعدة (١٢٦٦ ه‍). وترك مصنفات جامعة.

(٢) العالم الناسك الجليل ، مولده بتريم سنة (١١٩٥ ه‍) ، وبها وفاته سنة (١٢٥٥ ه‍) ، أخذ عن جملة من أجلاء عصره ، وعنه أخذ ابن أخته السيد أحمد بن علي الجنيد وترجم له في إجازته للإمام الأبر كما في «عقد اليواقيت» (١ / ١٢٥).

(٣) السيد الفقيه العالم الصالح ، أحد العبادلة السبعة بحضرموت ، مولده بدمّون سنة (١١٨٧ ه‍) ، وبها وفاته سنة (١٢٦٥ ه‍) ، من شيوخ صاحب «العقد» ، وترجمته فيه ضافية (١ / ١١٢ ـ ١١٩) فنحيل القارىء عليها ، وله مؤلفات وآثار مكتوبة.

(٤) الحبيب العلامة المتفنن المقرىء المسند ، مولده بتريم سنة (١١٩٥ ه‍) ، وبها وفاته في (٢) شوال سنة (١٢٧٥ ه‍) ، أخذ عن أئمة عصره ، ترجمته في «عقد اليواقيت» (١ / ١٢٣ ـ ١٢٧) ، لتلميذه الإمام الأبر ، وأفرده بالتصنيف السيد العلامة عبد القادر بن عبد الرحمن بن عمر الجنيد نزيل (دار السلام) عاصمة تنزانيا في مجلّد حافل ، وضم إليها تراجم أعلام أسرتهم المباركة ، وقد طبع بسنغافورة بعنوان : «العقود العسجدية».

(٥) الإمام الحبر الفقيه العلامة الورع ، مولده بتريم سنة (١٢٥٠ ه‍) ، وبها وفاته في (٦) صفر (١٣٢٠ ه‍) ، كما في «الشجرة». وفي «منحة الإله» : (١٧) صفر. أفرده بالترجمة ابنه الورع الصالح الحبيب علي بكتاب سمّاه : «شرح الصدور» ، منه نسخ بتريم ، وكان صاحب الترجمة مرجع أهل حضرموت قاطبة في الفقه ونوازل الأحوال ، وله مصنفات جليلة شاهدة بعلو كعبه.

(٦) المعنى كما قال الواحدي : (جمع لنا الفضلاء في الزّمان ، ومضوا متتابعين متقدّمين عليك في

٩٠٤

وقد كان بطلا شجاعا ، يباشر إبطال الباطل بنفسه ، ولا يخاف في الله لومة لائم ، فرزىء الإسلام به رزءا أليما ، وفقدت تريم بفقده ركنا عظيما ، وكان ـ والله ـ كما قال الأفوه الأوديّ [من الوافر] :

لقد أبقى مكانك في لؤيّ

وآل محمّد خللا مبينا

فآنس شخصك الجدث المعفّى

وأوحش قبرك المتهجّدينا

إذ كان آخر من يستحيى منه ، فانفتح بإثره للملاوم الباب ، ولم يخف منها عتاب ، وخرج الأمر عن الحساب ، ونجمت القرون (١) ، وتطلّعت الضّباب (٢).

قد كان بعدك أنباء وهينمة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب (٣)

وتواتر عنه أنّه لم يترك الجماعة في أوّل الوقت أربعين سنة ، وعند هذا ذكرت ما أخرجه أبو نعيم [٥ / ٥٠] بسنده إلى يحيى القطّان قال : كان الأعمش من النّسّاك ، وكان محافظا على الصّلاة في الجماعة وعلى الصّفّ الأوّل.

وبه إلى وكيع قال : كان الأعمش قريبا من سبعين سنة لم تفته التّكبيرة الأولى. أمّا شيخنا .. فلا يتصوّر أن تفوته التّكبيرة ؛ لأنّه طيلة أيّامه إمام.

وكان المرشّح لرئاسة العلم بعده العلّامة الجليل السّيّد علويّ بن عبد الرّحمن المشهور (٤) ،

__________________

الوجود ، فلمّا أتيت بعدهم .. كان فيك من الفضل ما كان فيهم ؛ مثل الحساب ، يذكر تفاصيله أوّلا ، ثمّ تجمل تلك التّفاصيل ، فيكتب في آخر الحساب ، وكذلك أنت ، جمع فيك ما تفرّق من الفضائل والعلم والحكمة).

(١) نجمت : ظهرت وطالت.

(٢) جمع ضبّ ، لأنها تختبىء في الجحور حتى تأمن من عدم وجود أحد.

(٣) البيت من البسيط.

(٤) هو الشريف المنيف العلامة المسند الرحالة المتفنن الداعية .. علوي بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد المشهور .. آل شهاب الدين ، ويخطىء البعض فيظنونه ابن مفتي تريم ، والحال أنه من أبناء عمومته ، ولد بتريم سنة (١٢٦٢ ه‍) ، وبها توفي سنة (١٣٤١ ه‍) ، رحل إلى العديد من البلدان داعيا إلى الله ومذكرا ، وقد جمع ترجمته وألف عن حياته وأسفاره وشيوخه .. حفيد ابنه ، السيد الداعي إلى الله أبو بكر بن علي بن أبي بكر بن علوي المشهور حفظه الله في كتاب سمّاه «لوامع النور»

٩٠٥

ولكنّهم دفعوه عنها بالرّاح (١) وتعصّبوا عليه ، ونادوا بالقانت الأوّاب السّيّد عليّ بن عبد الرّحمن المشهور (٢) خليفة عن والده في الدّروس ، فقام بها ، ولكن كان حظّه من العبادة والزّهادة أوفر من العلم ، توفّي سنة (١٣٤٤ ه‍).

وممّا كنت أستخرج به العجب والاعتبار ممّن يحضرني : أنّني شهدت موسم زيارة نبيّ الله هود عليه السّلام سنة (١٣٤٠ ه‍) ، وكان حفلا عظيما ، حضره الوالد المفضال مصطفى بن أحمد المحضار في جماعة من أهل دوعن ، ومع أنّ أكثر الخطابة إليّ في تلك المحافل الشّريفة .. لا أجلس أنا والأخ الفاضل عبد الله بن عمر الشّاطريّ إلّا في الأطراف ؛ لكثرة الأجلّاء من الأشياخ ، وأكثرهم من الغنّاء تريم. ثمّ شهدته في سنة (١٣٥٠ ه‍) فكنت أنا والأخ عبد الله بن عمر في الصّدر ، وبه ذكرت أنّ بعض فقهاء الشّافعيّة جلس مجلس شيوخه ، فأطال الوقوف بالباب يبكي ، ثمّ أنشد [من الكامل] :

خلت الدّيار فسدت غير مسوّد

ومن الشّقاء تفرّدي بالسّؤدد (٣)

وجرت بين شيخنا العلّامة علويّ بن عبد الرّحمن المشهور ، وبين علماء تريم بمن فيهم من تلاميذه مناقضات في عدّة مسائل.

منها : ما إذا قال رجل : أنفق على أهل بيتي. ولم يقل : على أن ترجع عليّ. وطال النّزاع في ذلك ، وأصفقوا على خلافه ، وساعدهم عليه طلبة العلم بسيئون ، وهو مصمّم على رأيه ، ولا أحفظ حاصل ذلك.

__________________

في ثلاثة أجزاء ، طبع الأولان في مجلّد وبقي الثالث مخطوطا.

(١) الرّاح ـ جمع راحة ـ : باطن اليد.

(٢) ولد الحبيب علي بن عبد الرحمن بتريم في (٢١) ربيع الثاني (١٢٧٤ ه‍) ، وتوفي في (٩) شوال (١٣٤٤ ه‍) ، من عبّاد تريم وزهادها ، له أحوال وأخبار جليلة ، وجمع بعض تلامذته نبذة من كلامه ، وترجمته في مجموع سمّاه : «لمعة النور».

(٣) انظر القصّة في «شذرات الذّهب» (٢ / ١٧) ، وصاحب القصّة هو شيخ الشّافعيّة ، العلّامة الشّاشي ، أبو بكر محمّد بن أحمد بن الحسين ، رحمه الله تعالى.

٩٠٦

ومنها : أنّ أخاه عمر (١) كان على قضاء تريم ، فبلغه ثبوت شوّال فصادق عليه ، وامتنع شيخنا عبد الرّحمن المشهور من الموافقة ، وتبعه أهل تريم ، ولمّا عيّد سيّدنا علويّ بن عبد الرّحمن وصلّى في المسجد الّذي بجوار بيته لا في الجامع .. غاضبوه وهاجروه ، وجرت أمور إلى أن سوّيت المسألة حسبما في «الأصل».

ومتى عرفت أنّ السّيّد عمر بن عبد الرّحمن المشهور كان على القضاء بتريم لذلك العهد .. فاعلم أنّه حكم على السّيّد علويّ بن محمّد بن علويّ الكاف بحبس لأمر اقتضى ذلك ، فنفّذ ، ولكنّه اضطغنها عليه ، فكمن له ليلة مخرجه آخر اللّيل إلى المسجد ، فضربه بصميل (٢) معه ضربة لم تغن شيئا ، فأخذ الصّميل ـ وكان جلدا ـ وكاد أن يسطو به ، ولكن كان مع علويّ السّيّد عليّ بن سقّاف الجنيد ، فتلقّى القاضي بلكمة من وراء أذنه ألقاه بها صريعا ، فتمكّن علويّ من ضربه كيفما أراد.

وفي اليوم الثّاني أكثر من الكتب يستصرخ النّاس ويستنجد بالسّلطان محسن بن غالب ؛ وظنّ النّاس أنّ ضرب القاضي والجرأة عليه سيكون وبيل العاقبة ، فلم تحبق في ذلك شاة ، وكان بعضه كيادا للحبيب علويّ بن عبد الرّحمن ؛ إذ كان أهل الثّروة والنّفوذ ضدّه.

ولم تطل بعدها أيّام السّيّد عمر ، بل مات وشيكا رحمة الله عليه ، وترك أولادا ؛ منهم :

الفاضل الذّكيّ النّبيه : عيدروس ، محرّر جريدة «حضرموت» (٣) ، ويعجبني منه

__________________

(١) عمر بن عبد الرحمن المشهور .. العلامة القاضي ، طلب العلم بتريم ، وكان مع أخيه علوي كفرسي رهان ، وله إجازة من العلامة محمد بن عبد الله باسودان ، وله مساع في الخير ؛ منها : إدخال رافعات الماء إلى تريم ، رحل إلى جاوة بعد استقالته من قضاء تريم ، وسكن في بانقيل ، وبها توفي سنة (١٣٢٢ ه‍).

(٢) الصميل : الهراوة.

(٣) ولد بتريم ونشأ في حجر والده قاضي تريم ، واهتم به عمه العلامة علوي ، وأخذ عن علماء تريم ، ثم هاجر إلى سنغافورة ، وعمل بها في التجارة ، وأسس جريدته المشهورة : «حضرموت» سنة (١٣٤١ ه‍) ، وكان صدور أول عدد منها الخميس (٧) ربيع الثاني (١٣٤١ ه‍) ، واستمرت (١١)

٩٠٧

رقّة طبعه ، وسلامة ذوقه ، وحسن تأثّره ببليغ الكلام ، وإن لم أكن راضيا عن كثير ممّا بجريدته.

وشبيه بقصّة القاضي مع علويّ الكاف ما ذكره ابن حجر في ترجمة كثيّر بن شهاب من «الإصابة» [٥ / ٥٧١] : (عن المرزبانيّ : أنّه ضرب عبد الله بن الحجّاج بن المحصن في الخمر ، فلم يكن من عبد الله إلّا أن جاء ليلا إلى كثيّر فضربه على وجهه ضربة أثّرت فيه ، ثمّ هرب).

أمّا علويّ .. فلم يهرب ، ولكنّ القاضي هرب ـ إذ عزّه الإنصاف في الدّنيا ـ إلى الآخرة يطلبه فيها ، وعند الله تجتمع الخصوم.

وذكر أبو العبّاس المبرّد في «الكامل» [٢ / ٥٦٢] : (أنّ رجلا من الأعراب تقدّم إلى القاضي سوّار بن عبد الله في أمر ، فلم يصادف عنده ما يحبّ ، فاجتهد فلم يظفر بحاجته ، قال : فقال الأعرابيّ ـ وكانت في يده عصا ـ [من السّريع] :

رأيت رؤيا ثمّ أوّلتها

وكنت للأحلام عبّارا

بأنّني أخبط في ليلتي

كلبا فكان الكلب سوّارا

ثمّ انهال بعصاه على سوّار فلم يزل يضربه حتّى منع منه ، فما عاقبه سوّار بشيء).

وكان السّيّد علويّ المشهور شهما وقورا ، ركين المجلس ، جميل الشّارة ، عذب الكلام ، كثير الرّحلات إلى الحجاز والهند والسّواحل الأفريقيّة ومصر وجاوة ، وفيها جرت له قضيّة مع شيخنا الوالد عثمان بن عبد الله بن عقيل ؛ وذلك أنّه أثنى عليه بحضرة المستشرق الهولنديّ المسمّى (سنوك) (١) فرغب في الاجتماع به ، ولمّا حضر

__________________

سنة كاملة إلى عام (١٣٥٢ ه‍). وكانت وفاته بإندونيسيا سنة (١٣٨٤ ه‍).

(١) هو مستشرق هولندي ، اشتهر بسنوك ، واسمه الكامل كرستيان سنوك هرخونيه ، ولد سنة (١٢٧٣ ـ ١٨٥٧ م) ، ومات سنة (١٣٥٥ ه‍ ـ ١٩٣٦ م). تعلم في ليدن وستراسبورج ، ودخل الحجاز وأقام بجدة أشهرا ، وتسمّى بعبد الغفار ، ودخل مكة ، وكتب دراسات ضافية عن علماء جاوة المقيمين بها ، وكان جلوسه في «سوق الليل» لمدة (٥) أشهر .. ثم بعد انكشاف أمره .. سار إلى بتاوي ومكث بها (١٧) سنة. ثم عاد إلى بلاده وعين أستاذا للعربية بجامعة ليدن ، ثم مستشارا في

٩٠٨

الهولنديّ إلى منزل السّيّد عثمان للميعاد .. تأخّر السّيّد علويّ ، وكان أشار عليه بعض أصحابه أن لا يذهب ، فغضب المستشرق وكاد يسيء الظّنّ بالسّيّد عثمان ، وكانت النّتيجة أن نفي الوالد علويّ من جاوة بعد أن دعي للمحكمة مرارا ، وأوذي بطول الانتظار ، الّذي لا تحتمله قلوب الأحرار.

وله مؤلّفات وأشعار ونظم لمولد النّبيّ الشّريف (١) ، توفّي أوّل سنة (١٣٤١ ه‍).

ومن أدباء تريم وعلمائها : الذّكيّ النّبيه ، السّيّد حسن بن علويّ بن شهاب (٢) ، وقد لقي امتحانا ؛ منه : أنّه علّق طلاق نسائه بتعليق كان الأصحّ انحلاله ، فأجروه عليه وأخذوه به ، حسبما فصّل ب «الأصل».

ومنه : أنّهم قطعوا أذن حماره ، ولطّخوا باب بيته بالعذرة ، فذهب مغاضبا إلى سنغافورة ، وأنشأ قصيدة يتذمّر فيها ؛ منها قوله [من الخفيف] :

وعليك السّلام طيبة منّي

وعليك الدّمار يا حضرموت

وقد استعان في هذه القصيدة بجملة أبيات من قصيدة للجخّاف اليمانيّ ، أحد شعراء «اليتيمة».

وفي سنة (١٣٢٠ ه‍) كان موجودا بتريم ، وكان والدي ـ رضوان الله عليه ـ موجودا بها للتّعزية بسيّدي عيدروس بن علويّ العيدروس ، فبينا والدي يتكلّم في الحثّ على الجدّ في شوّال قريبا منه في رمضان ، إذ ربّ الشّهرين واحد .. تمثّل له السّيّد حسن ـ وكان حسن الإنشاد ، فخم الألفاظ ، يملأ شدقيه بالحروف ـ بقول

__________________

الأمور الإسلامية والعربية بوزارة المستعمرات الهولندية. من أشهر كتبه : «مكة في القرن التاسع عشر» ، ترجم إلى العربية ونشره نادي جدة الأدبي ، ثم أعيد نشره ضمن فعاليات المئوية ، وغير ذلك. «الأعلام» (٧ / ٢٢١) ، وذكر مصادر متعددة لترجمته.

وجاء في «الجامع» لبامطرف أنه أسلم على السيد عثمان بن يحيى ، وفيه نظر ..

(١) واسمه : «الدرر المنظمة» ، طبع بزنجبار سنة (١٣٣٠ ه‍) ، ثم في سوريا سنة (١٣٩٤ ه‍) على يد بكري رجب. «اللوامع» (١ / ١٥٠).

(٢) مولده بتريم سنة (١٢٦٨ ه‍) ، وبها وفاته سنة (١٣٣٢ ه‍) ، وتلقى علومه ومعارفه بها على يد الحبيب عبد الرحمن المشهور وطبقته ، ثم هاجر إلى سنغافورة سنة (١٣٢٠ ه‍).

٩٠٩

الشّرف ابن الفارض [في «ديوانه» ٨ من الرّمل] :

في هواكم رمضان عمره

ينقضي ما بين إحياء وطيّ

فكاد والدي يطير كما هي عادته عند مثل ذلك. وله في سيّدي الأستاذ الأبرّ قصائد غرّاء (١).

والبيت في الحقيقة جزل تظهر به صعلكة قول الشّريف الرّضيّ [في «ديوانه» ٢ / ٤١٨ من الوافر] :

إذا ما المرء صام عن الدّنايا

فكلّ شهوره شهر الصّيام

وحوالي سنة (١٣٢٤ ه‍) هجا أعيان العلويّين بسنغافورة ـ لكن بالتّعريض لا بالتّصريح ـ بقصيدة طبعها ووزّعها بين النّاس ، وهذا مطلعها [من الخفيف] :

لا تلمها فاللّوم منها سجيّه

وهي بالبطش والشّقاء حريّه

وكان الصّدر الشّهم السّيّد عبد القادر بن عبد الرّحمن بن عليّ السّقّاف أحد أغراض سهام تعريضه ومطاعنه ، وبما أنّه لم يكن يدري الشّعر ـ كقضيّة العينيّ مع الحافظ ابن حجر ـ طاف مقاول الشّعراء ، فاشتدّت الرّجّة ، وعظمت الضّجّة ، إلّا أنّ صاحبنا السّيّد عليّ بن عبد الرّحمن بن سهل (٢) ، المتوفّى بتريم سنة (١٣٤٩ ه‍) أقذع في الجواب بما لا حاجة إليه.

وأمّا السّيّد عبد القادر بن عبد الرّحمن السّقّاف .. فاستعان بي ، ولكن لم تكن المستأجرة كالثّكلى ، وإنّما كنت له كما كان متمّم في رثاء زيد بن الخطّاب ، ومطلع قصيدتي [من الخفيف] :

هوّني أيّها الطّموح الأبيّة

ما لقيتي من العنا والأذيّة

واتّفق أن أجاز أدباء حضرموت لذلك العهد ـ ومنهم : كاتب هذا ، والسّيّد

__________________

(١) وهي برمتها في «الشعراء» (٥ / ٢٦ ـ ٢٧).

(٢) مولده بتريم سنة (١٢٦٥ ه‍) ، ووفاته كما ذكر المؤلف. ترجمته في : «تعليقات ضياء شهاب» (٢ / ٤٨٧).

٩١٠

عبد الله بن عمر الشّاطريّ ، والسّيّد حسن بن عبد الله الكاف ، والشّيخ محمّد بن محمّد باكثير ـ أبياتا للشّيخ بكران باجمّال (١) ، فلامهم السّيّد حسن بن شهاب ، ولم يحبّ اتّصال كلامهم بكلامه ، وقرّعهم على ذلك بشديد ملامه ، ونقد أبيات باجمّال برسالة مختصرة ، أنشأ يقول فيها [من الطّويل] :

وقائلة ماذا له أنت شارح

فقلت لها : شعرا ، فقالت : لمن يعزى

فقلت : لباجمّال ، قالت : فقل له :

فقلت لها : ما ذا؟ فقالت : به يخزى

وفي حدود سنة (١٣٢٣ ه‍) نشر رسالته المسمّاة : «نحلة الوطن» (٢) ، وفيها انتقادات استثنى منها بعض المشهورين بالعلم وبعض أهل الثّروة ، فأثارت عليه غضبا ، حتّى لقد يشفع النّسخة الّتي أرسلها منها لوالدي برسالة خصوصيّة ، فأمرني بالجواب لشكو ألمّ به ، ففعلت ، ولمّا نشر رسالتي بمجلة «المنار» .. عدّوا ذلك عليّ من كبائر الذّنوب ؛ لأنّهم كانوا يتقارضون الثّناء مع العلّامة النّبهانيّ (٣) ، وقد أوجرهم (٤) بغض الإمام محمّد عبده وتلميذه صاحب «المنار» ، وجرت لي معهم بهذا الشّأن محاورات وأخبار.

وكان هو والسّيّد الجليل محمّد بن عقيل على رأي واحد ، ثمّ نزغ بينهما الشّيطان بالآخرة ، وتشاتما هذا بجريدة «الوطن» وذاك بجريدة «الإصلاح» و «الحسام».

__________________

(١) الشيخ الفاضل الأديب بكران بن عمر بن بكران بن زين باجمّال ، مولده بالغرفة سنة (١٢٨٩ ه‍) ، ووفاته بتريم سنة (١٣٣٧ ه‍) ؛ إذ بارح سيئون بعد وفاة شيخه الحبيب علي الحبشي وانتقل إلى تريم.

«تاريخ الشعراء» (٥ / ١٣١).

(٢) اسمها كاملا : «نحلة الوطن في استنهاض همم ذوي الفطن ومن به قطن» ، فرغ منها سنة (١٣٢٣ ه‍) ، تقع في (٤١) صفحة ، وقد كتب عنها السيد عبد الله محمد الحبشي مقالة في كتابه : «أوليات يمانية».

(٣) يعني به حسان العصر الشيخ العارف الرباني يوسف بن إسماعيل النبهاني البيروتي ، المولود سنة (١٢٦٥ ه‍) ، والمتوفى سنة (١٣٥٠ ه‍) ، صاحب المؤلفات الجليلة في الجناب النبوي المعظم ، الفائقة النظير ، ترجمته معروفة وأخباره مشهورة ، وكان محبا للسادة آل باعلوي ومعظما لهم ، وله إجازة عظيمة من الإمام أحمد بن حسن العطاس أوردها برمّتها في «جواهر البحار» آخر الجزء الثاني.

(٤) أي : أشربهم ، مأخوذ من وجره الدواء إذا سقاه إياه بالقوة.

٩١١

ومن اللّطائف : أنّ السّيّد محمّد بن حسن عيديد (١) كانت له خؤولة من آل يحيى ، وعندما قدم على أمير سومطرة .. لم يلتفت إليه ، وبينا هو هناك .. بعث له السّيّد حسن بن شهاب عددا من «جريدته» يقول فيه : إنّ سيلا هائلا خرج من وادي عيديد ، فهوى بدار السّيّد محمّد على أمّه وأهله وأولاده ، يريد أن يحرق قلبه بذلك ؛ لأنّ أمّه من آل يحيى ابنة عمّ السّيّد ابن عقيل ، ولكنّ الخبر قد انتهى إلى السّيّد محمّد بن حسن عيديد بحصول غيث هنيّ لا ضرر فيه ولا عيث ، فسرّ بالجريدة ، وذهب بها إلى الأمير يعصر عينيه ، فرقّ له وأكرمه بأضعاف ما يؤمّل ، فما كاد يصل إلى سنغافورة .. إلّا وخفّ إلى بيت السّيّد حسن بن شهاب يخبره ويشكره ، ويقول له ما معناه : أردت مساءتي فاجتلبت مسرّتي.

 ...

وقد يحسن الإنسان من حيث لا يدري

ولمّا نشر السّيّد محمّد بن عقيل «نصائحه» .. ردّ عليه السّيّد حسن ب «الرّقية الشّافية» ، ونقضها عليه شيخنا الإمام أبو بكر بن شهاب برسالة سمّاها : «وجوب الحمية من مضارّ الرّقية» ، واتّفق أن كان الأديب السّيّد عقيل بن عثمان بن يحيى بسنغافورة فضمّهم حفل ـ وفي صحّة السّيّد عقيل انحراف ـ فأراد السّيّد حسن أن يحرّك الموقف الّذي شمله العبوس من اجتماع الأضداد ، فقال لعقيل : لعلّ العلاج نفعك؟ فقال : لا ، ولكن نفعتني الحمية. فوجم لها السّيّد حسن ، وتغامز القوم.

وما كان ردّ السّيّد حسن ب «الرّقية» عن ضمير واعتقاد ، ولكن لمّا كانت «النّحلة» أثارت عليه بعض السّخط .. أحبّ أن يغسله ب «الرّقية».

وله مدائح في سيّدنا الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر ، مطلع إحداهنّ [من الطّويل]

__________________

(١) مولده بتريم سنة (١٢٩٠ ه‍) ، وبها وفاته سنة (١٣٦١ ه‍) ، كان عالما فاضلا ، طلب العلم بتريم ، وله اعتناء بالأخذ عن الشيوخ ، وقد ضمّهم في «ثبت» كبير جمعه له تلميذه ومحبه القاضي مبارك باحريش وسمّاه : «إتحاف المستفيد بذكر من أخذ عنهم وواخاهم السيد محمد بن حسن بن أحمد عيديد» ، يقع في (٤٤٠) صفحة مع فهارسه. وجمع عنه نبذة في ترجمته وأخباره القاضي المذكور وسمّاها : «البلبل الغرّيد» تقع في (٥٨) صفحة.

٩١٢

يحدّث عنك الوقت أنّك صاحبه

فلا غرو إن شدّت إليك ركائبه

وله مدائح في عالم حضرموت على الإطلاق السّيّد أبي بكر بن شهاب ؛ منها قصيدة سيّرها إليه إلى الهند ، يقول فيها [من الخفيف] :

ترجمان العويص من كلّ علم

بدقيق المدارك المرضيّه

ذاك شبل الغنّا أبو بكر الحا

وي برغم العدا لأسنى مزيّه

ورث المجد تالدا وطريفا

بطريق التّعصيب والفرضيّه

ومنها :

عد إلى السّفح بالنّعير من الغنّ

اء واغنم من الزّمان البقيّه

وتدارك تريم ممّا عراها

فهي أمست بحالة وحشيّه

فهي في حاجة إليك وعن مث

لك يا بن الكرام ليست غنيّه

ولئن صالت الزّعانف فيها

إنّما هم سحابة صيفيّه

يا أبا المرتضى ويا الحكم المر

ضي ونجل الرّضا وذا الأريحيّه

قد حداني إليك فضلك والعه

د ونفس مشغوفة ووفيّه

شطّ منها مزارها ورماها

حظّها بين أمّة همجيّه

جمع الله شملنا بتريم

وحبانا بسوحها الأمنيّه

وببقائي على صداقة العلّامة ابن عقيل تحرّش بي السّيّد الحسن ، فجرت لي معه مناقضات كانت كفّتي فيها الأرجح ، إلّا أنّني أقذعت له في بعض القصائد والمقالات ممّا أخجل من ذكره ؛ إذ لم يكن إلّا في نزوة الشّباب وجماح الطّبيعة ، وكان له الفضل إذ بدأني بالمصالحة ، وتمثّل لي بقول المتنبّي [في «العكبريّ» ٤ / ٢٤١ من الخفيف] :

ومراد النّفوس أصغر من أن

نتعادى فيه وأن نتفانى

وكان ـ كما يفهم حسبما مرّ ـ يتقعّر في الإنشاء والكلام ، إلّا أنّه لا يثقل ظلّه بذلك ، وهو من العلماء ، واختصاصه بالنّحو أكثر.

ولو أنّني اطّلعت عليها قبل الجدال حول تهنئتي لشيخنا أبي بكر بن شهاب .. لساغ

٩١٣

لي ـ حين قال : من تعني بقولك [من الطّويل] :

صفا الوقت حينا للثّعالب واعتلت

أسافله لمّا تناءت صدوره

 ـ أن أقول : أعني بهم الزّعانف والهمج الّذين ذكرتهم في قصيدتك ، ولكنّي كنت جدّ عارفا بما في «نحلته» ، وأنساني الشّيطان أن أذكره له يومئذ ، غير أنّ الله أغناني عنه بما هو أدخل في الصّواب ، وأفحم في الجواب ، ولله الحمد.

توفّي العلّامة السّيّد حسن بن شهاب بتريم في سنة (١٣٣٢ ه‍).

ومن أغنياء تريم وأجوادها : السّيّد حسين بن عبد الرّحمن بن سهل ، له في السّياسة أمور عظيمة ، وفي السّماحة أخلاق كريمة ، مذكور بعضها في «الأصل».

فتى فيصليّ العزم تعلم أنّه

نشا رأيه بين السّيوف الصّوارم (١)

أساءت يداه عشرة المال بالنّدى

وأحسنتا جدّا خلافة حاتم

توفّي بالشّحر سنة (١٢٧٤ ه‍).

ومن أغنيائها ؛ بل أغنى أهلها على الإطلاق : السّيّد الفاضل شيخ بن عبد الرّحمن الكاف ، كان صالحا متواضعا ، يحبّ العلم ، لا يكاد يفوته شيء من دروس شيخنا المشهور ، وكان يحفظ «الإرشاد» ، وكتبه بخطّ يده نحوا من سبعين مرّة بالأجرة في أيّام فقره ، وله اعتناء بعد غناه بقراءة «الإحياء» بداره في كلّ صباح ، يحضره ثلّة من المساكين فيقدّم لهم الفطور. وله خيرات كثيرة ، ومبرّات جزيلة ، أوصى بثلث ماله لما كان يعتاد مثله في أيّامه من البرّ ، ومع لين جانبه لأهل العلم والدّين .. كان شديد الشّكيمة على الأمراء والمعتدين ، وجرت له معهم أمور مذكورة ب «الأصل».

ولمّا أنشدته قولي [من السّريع] :

يموت شيخ الكاف في ماله

كموت باحشوان في فقره (٢)

__________________

(١) البيتان من الطّويل ، وهما لأبي تمّام في «ديوانه» (٢ / ١١٦). فيصلي : نسبة إلى الفيصل وهو السّيف القاطع ؛ أي : عزمه قاطع كالسّيف.

(٢) باحشوان : يرمز به إلى عامة الناس بحضرموت.

٩١٤

.. طرب له واستجاده ، وكرّره واستعاده. توفّي بتريم سنة (١٣٢٨ ه‍) عن جملة أولاد ، أنجبهم : حسين ، وعبد الرّحمن (١) ، وأبو بكر (٢).

وقد كان ابن عمّهم حسن بن عبد الله بن عبد الرّحمن الكاف (٣) معدودا في علماء تريم وأدبائها ، له عاطفة جميلة ، وشعر عذب ، تهزّ الأريحيّة عوده ، ويستمطر الكلام العذب جوده.

ومن خير ما فيه .. عطفه على العلم وأهله ، واستصغاره نفسه بجنب من لا يوزن به منهم ؛ إذ كان وافر الحظّ من الإنصاف ، وقد خسر العلم بتريم وغيرها خسارة كبرى بموته في سنة (١٣٤٦ ه‍).

ومن متأخّري علماء تريم وأدبائها : السّيّد أحمد بن عمر بن عوض الشّاطريّ (٤) ، المتوفّى بها سنة (١٣٦٠ ه‍) ، كان شهما ذكيا نبيها ، له فهم وقّاد وفكر نقّاد ورثهما عن جدّه لأمّه شيخنا العلّامة ابن شهاب ، وكان متفنّنا متواضعا ، مستقيم السّيرة ، طيّب السّريرة ، كثير البحث ، جمّ التّحقيق ، غزير الاطّلاع.

ولا بأس بإيراد قضيّة يشفع لخروجها عن سمت المقصود دلالتها على حالة البلاد في المباحث العلميّة :

__________________

(١) ولد عبد الرحمن بن شيخ في سنغافورة سنة (١٣٠٤ ه‍) ، وقدم إلى تريم سنة (١٣١٠ ه‍) بصحبة والديه ، ودرس في (معلامة باغريب) ثم أخذ يطلب العلم على شيوخ تريم فقرأ على عدد من الشيوخ ، ثم سافر سنة (١٣٢٥ ه‍) لإدارة أعمال والده ، توفي في حدود سنة (١٣٧٠ ه‍).

(٢) ولد بسنغافورة سنة (١٣٠٥ ه‍) ، وهو أجل رجال آل شيخ الكاف بجهوده الإصلاحية الجبارة في حضرموت ، ترجم له ضياء شهاب في «تعليقاته» (٢ / ٤١٦ ـ ٤١٨).

(٣) ولد السيد الحسن بتريم سنة (١٢٩٧ ه‍) ، ونشأ يتيما في حجر أخويه الحسين وعبد الرحمن ، وعمه شيخ ، ونشأ على حب العلم والعلماء ، وشغف بالأدب والشعر ، وحفظ كثيرا من المتون. له مصنفات مفيدة.

(٤) ولد السيد أحمد بن عمر بتريم سنة (١٣١٢ ه‍) ، نشأ بها وطلب العلم وجد في الطلب ، وكان أخذه عن شيخ عصره العلامة عبد الله بن عمر الشاطري الذي أبنه عند موته بقوله في حقه : إنه شاب لا صبوة له. درّس بمدرسة جمعية الحق ، وأسس في عام (١٣٣٧ ه‍) «جمعية نشر الفضائل» ، وكانت له آراؤه الإصلاحية ، وله آثار علمية.

٩١٥

فقد اتّفق أن سئلت عن رجل مات وعليه دين ، وقد أوصى بوصايا ، وكانت أمّه من ورثته ، فنذرت بنصف ما انجرّ لها بالإرث فيه لآخر نذرا معلّقا بما قبل مرض موتها بيوم ، ثمّ انفكّت التّركة من حجر الدّين والوصيّة.

فأجبت بأنّ الأشخر (١) أطلق صحّة تعليق النّذر بالمرهون على صفة توجد بعد الانفكاك ، وهو كلام مطلق ، وقال ابن حجر في «فتاويه» : (ويصحّ النّذر بالمرهون ، لكن إن علّقه بالفكاك كما هو ظاهر ؛ لتعلّق حقّ الغير به. نعم ، إن كان المنذور العتق .. تأتّى فيه تفصيل عتق المرهون) اه

وفيه تقييد لما أطلقه الأشخر ، وعليه فالنّذر المذكور في السّؤال لا يصحّ إذا كانت التّركة مرهونة رهنا شرعيّا حال صدوره ؛ إذ لا تعليق فيه بالفكاك ، هذا معنى الجواب.

وكان السّيّد أحمد بن عمر الشّاطريّ قد أجاب عن هذا السّؤال بصحّة النّذر إذا لم يبق شيء من وصايا الموصي وقت وجود الصّفة ، وصادق عليه العلّامة الشّيخ فضل عرفان ، ولمّا انتهى إليهم جوابي .. شطب الشّيخ فضل مصادقته ، وصمّم العلّامة الشّاطريّ وكتب نحو صفحتين في الرّدّ عليّ ، ونقضته بأكثر من ذلك.

وبعد مدّة وصلني الوجيه السّيّد عبد الرّحمن بن شيخ الكاف ، وقال لي : إنّ السّيّد أحمد الشّاطريّ يريد أن ينقض كتابتك الأخيرة ، ولكن يخشى أن لا تنصفه.

فقلت له : معاذ الله ، وإني لأتمنّى أن يظهر لي صواب ما يقول ؛ ليقع لي شرف الرّجوع إلى الحقّ ، ولأسلم من تكدير خاطره ؛ لأنّه كما قيل لي : سريع الانفعال من مثل ذلك ، فليكتب ما شاء ، ثمّ إن قدرت على ردّه بالنّصّ من لسان القلم والبريد واقف .. فتلك أمارة الحقّ البريء من التّكلّف ، وإن لم أقدر على نقضه .. صادقت عليه مع البريد نفسه في الحين والسّاعة. وهذا غاية ما يمكن من تفسير الإنصاف.

__________________

(١) هو العلامة الفقيه المحقق محمد بن أبي بكر الأشخر اليمني ، مولده سنة (٩٤٥ ه‍) ، ووفاته سنة (٩٩١ ه‍) ، من قرية بيت الشيخ بقرب الضّحي في اليمن ، تفقه في زبيد. له مصنفات نافعة.

٩١٦

فجاء في كتابته الأخيرة ما نصّه : (وكلّ ما قالوه ونقلوه لا دليل لهم فيه .. فاستدلالهم به غلط واضح ، منشؤه توهّمهم أنّ مجرّد التّعليق يسمّى تصرّفا ، والصّواب خلافه).

فكتبت عليه ـ وحامل رسالتهم المخصوص لها واقف ـ ما معناه : لقد أخذ العلّامة الشّاطريّ بطرفي الفصل ؛ إذ حصر نقطة الخلاف المنتشر ، فلنقف عندها ، ثمّ إن قدرنا على نصّ صريح في أنّ التّعليق يسمّى تصرّفا ، وإلّا .. سلّمنا وسقيناه على الظّفر (١).

لكن جاء في فصل استثناء الطّلاق من «المنهاج» مع بعض مزج من «التّحفة» [٨ / ٦٨] ك «النّهاية» [٦ / ٤٧٠] : (وكذا يمنع التّعليق بالمشيئة انعقاد وقف وعتق تنجيزا وتعليقا ، ويمين ونذر ، وكلّ تصرّف غير ما ذكر ، من كلّ عقد وحلّ وإقرار ونيّة عبادة) اه

وتعليق النّذر عقد فهو داخل في مسمّى التّصرّف ، وقالوا في (الوصيّة) : (إنّ التّلفّظ بالوصيّة هو التّصرّف ، والإجازة حيث اشترطت من الوارث فإنّما هي تنفيذ على المذهب) اه وكذلك التّلفّظ بتعليق النّذر هو التّصرّف.

وفي (الإقرار) من «التّحفة» [٥ / ٣٧٣] و «النّهاية» [٥ / ٨٣] : (لو وهب ولده عينا وأقبضه إيّاها ثمّ أقرّ بها لآخر .. قبل على ما في «البيان» ، لكن بناه الأذرعيّ على ضعيف هو أنّ الرّجوع يحصل بمجرّد التّصرّف) اه

والشّاهد : في تسمية الإقرار تصرّفا ؛ فإنّه متى كان تصرّفا .. كان تعليق النّذر أحرى بأن يسمّى تصرّفا ، عند ذلك انقطع الخصام وانفصل النّزاع.

وجاء العلّامة الشّاطريّ لزيارة الطّبيب بسيئون فزارني ، وأضفته في اليوم الثّاني ، وكان يوما سعيدا مشهودا ، تساقينا فيه السّرور ، وتجاذبنا أطراف الأنس ، وتنازعنا كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم ، ثمّ ذهبت إلى تريم ، وجئت إلى منزله بعد صلاة الجمعة ،

__________________

(١) أي : كافأناه على فوزه ونجاحه.

٩١٧

وحضر جماعة من أهل العلم والأدب ، وعندما انبسطنا وشرعنا في المحاورات والنّكات .. لم يرعنا إلّا دخول قاضي تريم لذلك العهد السّيّد علويّ بن عبد الله الجفريّ بهيئة غير عاديّة ، وما كاد يضمّ ثيابه للجلوس .. حتّى قال : (يا عمّ عبد الرّحمن .. نطلب منك أن توضح لنا الصّواب في المسألة الّتي اختلفتم فيها أنتم والأخ أحمد الشّاطريّ) فدار بي الفضاء ، وأظلم عليّ المنزل ؛ لأنّي وقعت بين أمرين : إمّا التّعرّض لمشقّة صاحب المنزل ، وهو عليّ عزيز. وإمّا توهّم الحاضرين الانقطاع ، وهو أمنية الحسّاد ، وأكثرهم من العلويّين.

فلم يكن بدّ من شرح الصّواب مع بسط العذر للسّيّد أحمد بعبارة الأشخر الّتي نقلها عن «الرّوضة» بما يمنعه كلام «الرّوض» و «شرحه» ، وهو لا يزيد على حسن الإصغاء ، إمّا عن إكرام لي ، وإمّا عن اقتناع بما قرّرته.

ولمّا شكوت صنيع القاضي إلى حضرة المكرّم الأخ أبي بكر بن شيخ الكاف .. قال : أنا أمرته ؛ لنذكي نار الحرب بينكم ونقف مع النّظّارة. فقلت له : حسبك الله ، لقد نغّصت علينا المجلس.

ثمّ اطّلعت بعد ذلك على عبارات بعضها يؤيّد ما قلته ؛ منها : قول ابن حجر في (الرّهن) من «حاشية الفتح» : (وإذا لزم الرّهن .. امتنع على الرّاهن بلزومه بيع وهبة) اه (١)

وظاهره : أنّ عقدها يقع باطلا وإن لم يتّصل به قبض وإن لم تفوّت التّوثيق ؛ لأنّ التّلفّظ بالهبة سبب للقبض الممتنع اتّفاقا ، فليكن هو ممتنع أيضا.

ومنها قوله في «الفتاوى الكبرى» : (أن وقت الإلزام والالتزام .. هو وقت التلفظ بالنذر). ومنه قوله في «التحفة» : (أن لزوم النذر يوم النذر).

ومنها قوله فيها [٨ / ١٤٥] قبيل (الرّجعة) : (لأنّ العبرة بوقت التّعليق لا بوقت وجود الصّفة على المعتمد) اه

ومنها أن العلامة السيد عبد الرحمن بن محمد العيدروس من رسالة له ما نصه :

__________________

(١) «فتح الجواد» (١ / ٤٥٤ ـ ٤٥٥).

٩١٨

(وذلك أن التعليق عندنا تصرف ناجز الآن ، وأثره يقع عند وجود الصفة) اه

ووجدت عبارة قد توافقه ؛ وهي قول الرّمليّ أثناء (الطّلاق) : (ليس له تعيين الطّلاق في الّتي بانت منه قبل وجود الصّفة ؛ تفريعا على أنّ الاعتبار بحالة الصّفة لا بحالة وجود التّعليق) اه

إلّا أنّه لا تصريح في هذه باعتماد الفرع عليه مع إمكان الفرق بين هذه ومسألتنا .. فلا يصحّ قياسها عليها مع وجود الفارق.

مع أنّه لو وفّق للاعتماد عليها .. لتركت له حاله ؛ لما أحدثت عندي من الشّكّ ، مع أنّ العلّامة ابن حجر مخالف للرّمليّ في هذه ، فقد جاء في «الفتاوى الكبرى» : (فيمن علّق بالطّلاق وحنث ، وله زوجتان ماتت إحداهما : أنّ البلقينيّ بحث أنّ العبرة بحالة التّعليق ، فله تعيين الميتة ، لكن اعترض بأنّ الّذي يظهر خلافه ؛ نظرا لحالة الوقوع. والأوّل أوجه) اه

وذكرها الشّيخ عبد الله بازرعة في «اختصاره للفتاوى» المذكورة ، ولم يذكر له مخالفا مع التزامه بذكر المخالفين ، إلّا أن يفرّق بين البائنة باختياره وبدونه. والله أعلم.

ثمّ إنّ في قول السّيّد أحمد الشّاطريّ : (إذا لم يبق شيء من وصايا ابن المرأة ...) بحثا ؛ لأنّ للعلّامة ابن حجر في «تحفته» [٥ / ١١١] عبارات متناقضة في الموضوع ، ففي حجر التّركة بالدّين يقول : (وكالدّين الوصيّة المطلقة ، فيمتنع التّصرّف في قدر الثّلث ، كذا قيل ، والقياس : امتناع التّصرّف في الكلّ) اه

وقال في (الإقرار) [٥ / ٣٨٧] : (لأنّها ـ يعني الوصيّة ـ إنّما تتعلّق بالثّلث).

وقال أوّل (الفرائض) [٦ / ٣٨٥] : (فالوصيّة بعد القبول مانعة من التّصرّف في العين الموصى بها ، وفي ثلث غير المعيّن شائعا) اه

ومن متأخّري علماء تريم : الشّيخ أحمد بن عبد الله بن أبي بكر الخطيب (١) ، توفّي سنة (١٣٣١ ه‍) ، كان من كبار الفقهاء والصّالحين.

__________________

(١) مولده بتريم ، ويدعى هو وأولاده بآل البكري نسبة لجده أبي بكر. الفقيه التريمي. ترجم له في «إتحاف المستفيد» (٢١٨ ـ ٢٢٩).

٩١٩

ومنهم : ابنه العلّامة الشّيخ أبو بكر بن أحمد (١) ، كان فقيها محقّقا مشاركا في غيره ، وله فتاوى ـ جمعها السّيّد سالم بن حفيظ ـ نافعة ، توفّي أوّل سنة (١٣٥٦ ه‍).

ومنهم : العلّامة الجليل الشّيخ محمّد بن أحمد الخطيب ، كان فقيها جليلا تقيّا صوفيّا ، له تعلّق كثير بوالدي وسيّدي الأستاذ الأبرّ ، ولا أذكر وقت وفاته ، غير أنّها بعد الأربعين والثّلاث مئة.

ومنهم : قاضي تريم الشّيخ عبد الرّحمن بن أحمد بن عبد القويّ بافضل (٢) ، كان ورعا نزيها عابدا ، توفّي بتريم سنة (١٣٢٤ ه‍).

ومنهم : الشّيخ فضل بن عبد الرّحمن بن عبد الله بافضل (٣) ، كان مضرب المثل في الورع (٤) ، توفّي سنة (١٣٠٨ ه‍).

ومنهم : الشّيخ محمّد بن أحمد قعيطبان (٥) ، كان محبوبا ومعتقدا ، توفّي سنة (١٣١٦ ه‍).

__________________

(١) ولد بتريم سنة (١٢٨٦ ه‍) ، وطلب العلم صغيرا وجد واجتهد ، وأخذ عن معظم شيوخ عصره ، وله «إجازة» أشبه بثبت أجاز بها العلامة السيد علوي بن طاهر الحداد ، وقد أرفقها السيد سالم بن حفيظ مع «الفتاوى النافعة» ، وجعلها في أولها مستعيضا بها عن ترجمة الشيخ أبي بكر ؛ لكفايتها وقيامها بذلك المقام ، حج وأدرك السيد أحمد دحلان.

(٢) ترجم له السيد محمد بن حسن عيديد في «إتحاف المستفيد» (٢٣٤ ـ ٢٤٠) ، وقال عنه : «وكان صاحب الترجمة شيخا فاضلا محبا لأهل البيت النبوي ، معروفا بالسر والصدق والأمانة بين الناس ، ولم يزل متحليا بتلك الأوصاف الحميدة والخصال الفريدة ، حتى توفاه الله يوم الجمعة (١١) رجب الحرام سنة (١٣٢٤ ه‍)» اه

(٣) وهو المعروف بلقب : فضل الطبيب ، ترجمته في «صلة الأهل» (٢٨٧ ـ ٢٩٢) ، و «إتحاف المستفيد» (٢٤٢) ، وهو من ذرية الشيخ عبد الله بلحاج صاحب المختصرات.

(٤) من أخبار ورعه بل من كراماته أنه يميز بين الحلال والحرام بانتفاض عرق في يده مع أنه بصير لا يرى ، وفي «صلة الأهل» جملة من أخباره. وكان يلقب بالطبيب لأنه كان يعرف مرض الشخص بالجسّ بيده ويصف له العلاج الناجح ، واشتهر عنه هذا .. أخذ عن كثير من شيوخ عصره ، حج (٣٤) حجة لقي فيها عددا من الأكابر ، أخذ عنه جمع ، منهم : السيد محمد بن سالم السري ، والسيد سالم بن حفيظ ، والسيد محمد حسن عيديد ، وترجموا له في «أثباتهم».

(٥) قعيطبان : بالتصغير ، وهو من آل باجرش سكان تريم ، وباجرش ينطقه التريميون بضم الجيم بينما أهل

٩٢٠