إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف

إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

المؤلف:

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار المنهاج للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١١١٠

لسيّارة فيها أحد رجال الحكومة الإنكليزيّة (١) فأصابوها بخلل قليل ، فحكم عليهم سلطان سيئون غيابيّا بغرامة كثير من البنادق والإبل ، فلم يمتثلوا ، فأمطرتهم الطّائرات نيرانا أضرّت بحصونهم وعلوبهم ، فبخعوا بها وسلّموها صاغرين مظلومين.

ومن وراء حكمه إلى الجنوب : سكدان ، يسكنه : آل جابر ، وحرّاثون ، وسادة من بيت حموده ، وناس من آل قعفان ، وناس من آل بلحاج ، وناس من آل ابن قماش.

ثمّ راوك ، للمشايخ آل باوزير. ثمّ غيل عمر ، وقد سبق في غيل باوزير أنّ غيل عمر هذا هو أقدم منه ، وأوّل من بنى به بيتا الشّيخ عمر بن محمّد بن سالم باوزير ، سنة (٧٠٦ ه‍) ، ثمّ بنى النّاس بعده ، ذكره ابن حسّان في «تاريخه».

والشّيخ عمر هذا أحد تلاميذ الشّيخ عبد الله باعلويّ ، كما في (ص ١٨٦ ج ٢) من «المشرع» (٢).

والمنازل الّتي يشملها اسم غيل عمر منقسمة بالمسيال :

فالّذي في الشّاطىء الغربيّ منه : الضّبيعة ، وفي جنوبها مسجد الشّيخ عمر. والّذي في الشّاطىء الشّرقيّ : الدّلفة. ثمّ الحزم. ثمّ سكدان. ثمّ كوت سرور. ثمّ العرض. ثمّ النّويدرة.

وقد استوخمه كثير من السّكّان فانتقلوا عنه إلى سكدان. وكان فيه أجداد المشايخ آل باسودان ، حتّى إنّ بعضهم ينسبه إليهم ، فيقول : غيل باسودان.

وربّما يكون المنسوب إلى باسودان ناحية غير النّاحية المنسوبة إلى الشّيخ عمر ؛ فالغيل طويل ، منبع مياهه من جنوب ساه ، ولا ينتهي إلّا بعد مجاوزة سنا ، إلّا أنّها تتقطّع ؛ ففي أكثر النّقاط تظهر ، وفي الكثير تغور.

ثمّ إنّ آل باسودان خرجوا عن العامّيّة وتفقّروا ، وأخذوا في طلب العلم حسبما سبق في الخريبة من بلاد دوعن.

__________________

(١) هو انجرامس ، ممثل بريطانيا في حضرموت.

(٢) في النسخة التي اعتمدناها في التحقيق (٢ / ٤٠٦).

٨٤١

ثمّ عرفت أنّهم كانوا حلولا في سكدان ، وبذلك ينطق شعر السّيّد عليّ بن حسن العطّاس ، ولهم اتّصال بدوعن في أيّام الشّيخ سعيد بن عيسى العموديّ ، ثمّ تزوّج فيهم الشّيخ محمّد بن سالم باوزير ، فكانوا أخوال ولده عمر المذكور ، ولمّا ظهر .. بنى بالغيل وطرد عنه أخواله ، فذهبوا إلى دوعن.

ساه (١)

هي في جنوب غيل عمر ، عن يسار الذّاهب إلى عقبة الغزّ ، وهي بلدة لا بأس بها ، في حدود آل جابر ، بل هي عاصمة بلادهم ، ولكن لمّا كثرت بينهم المظالم ، ولم ينتصف أحد من الآخر .. جاؤوا في حدود سنة (١٣٣٦ ه‍) إلى سيئون يطلبون من أمرائها أن يحتلّوها ، فرأوا أن لا طاقة لهم بحفظها ، فذهبوا إلى شبام وطلبوا من السّيّد حسين بن حامد أن يحتلّها ، فبسط الرّأي للدّولة الكثيريّة ، فيقال : إنّهم أذنوا له ، وعنّ لهم بعد أمّة من الزّمان أن يطالبوا بحقوقهم فيها ، وبعد الأخذ والرّدّ .. اتّعدوا على الاجتماع بدار الرّئيس المكرّم طالب بن جعفر بالعقدة ، قال لي السّلطان عبد الله بن محسن : (فحضرت أنا وابن عمّي عليّ بن منصور ، وبعد شيء من المحاورة .. أخرج نائب القعيطيّ ـ وهو عليّ بن صلاح ـ كتابا من والدي ومن عمّي منصور للسّيّد حسين بن حامد بالإذن في احتلالها ، فانقطعت حجّتنا).

ـ ومن وراء ساه جنوبا إلى جهة الغرب : صيقة آل عامر ، وهي عن يمين الذّاهب إلى عقبة الغزّ ، فيها جماعة من آل جابر منهم : صالح عيضه ، كانت لهم ثروة ، ثمّ

__________________

(١) ساه : هي مدينة في أعلى هضاب وادي عدم ، تقع على يسار الذاهب إلى عقبة الغز ، وعلى بعد (٧٥ كم) من سيئون.

وتتكون مدينة ساه من جزأين : الصيقة ، والبلاد ؛ لأنه يشطرها مجرى ماء ـ ساقية ـ إلى شطرين يصل بينهما جسر حديث ، وتبلغ مساحتها : (١٥٠ كم) طولا ، و (٧٥ كم) عرضا ، وبها مخزون نفطي ، ويجري من ساه جدول مائي ينتهي بغيل عمر بطول (٢٥ كم) ، ويوجد في ساه مياه وفيرة ، ويبلغ عدد الآبار بها (١٦٣) بئرا سطحية ، وبئر جوفية واحدة فقط. كما أن الإحصائيات الحديثة تشير إلى وجود مليون نخلة بمنطقة ساه. «المقحفي» (١ / ٧٦٤).

٨٤٢

نجمت بينهم مشاغبات أخذت منها الحظّ الوافر.

ـ ومن ورائها في الجنوب : عقبة الغزّ ، وهي طريق مختصرة يصعد فيها من مستوى الأرض إلى عرعرة الجبل (١) ، لا يحتاج مصعدها لأكثر من نصف ساعة ، ولكنّ الانحدار بعدها عن قمّة الجبل بطريق عقبة الفقره أو العرشه أو عثه ، أو عبد الله غريب ، أو غيرها من العقاب الّتي تنزل إلى جهات السّاحل لا تقلّ مسافتها عن ثلاث ساعات ؛ وذلك لأنّ داخل حضرموت مرتفع عن سطح البحر بمقدار ذلك التّفاوت بين الصّعود والنّزول.

وهي منسوبة إلى الغزّ ؛ إمّا لكثرة سلوكهم فيها ، أو لأنّ أوّل هجومهم على حضرموت كان منها.

ومنها إلى ريدة المعارّة في جنوبها مرحلة ، ونحو ذلك منها إلى ريدة الجوهيّين الّتي في جنوبها أيضا.

كحلان

هي قرية كانت بطرف الجبل الّذي تلتقي عنده مياه سرّ وعدم ، في جانبه الشّرقيّ الشّماليّ ، باقية آثار بعض خرائبها حوالي مضرح الشّيخ عبد الرّحمن باجلجبان ، وهي على اسم مخلاف من مخاليف اليمن. فيه بينون ورعين ، وهما قصران عجيبان (٢) ، قال امرؤ القيس [من الوافر] :

ودار بني سواسة في (رعين)

تجرّ على جوانبه الشّمالا

وفي «القاموس» «وشرحه» : (كحلان ـ بالضّمّ ـ ابن شريح ، أبو قبيلة من اليمن من ذي رعين) اه

__________________

(١) عرعرة الجبل : رأسه وأعلاه.

(٢) وهما بكحلان ذي رعين ، التابعة حاليا لمديرية الرضمة بمحافظة إب ، تقع شرقي مدينة يريم ب(٢٣ كم)

٨٤٣

وقد مرّ في قارة الشّناهز أنّ المؤرّخين أصفقوا على بنائها وعلى خراب قرية كحلان سنة (٦٠٤ ه‍) ، وفي ذلك العام كانت أحداث كثيرة مذكور بعضها في «الأصل».

وذكر شنبل في حوادث سنة (٥٩٩ ه‍) من «تاريخه» [ص ٦٣] حادثة في كحلان ، ولكنّه لم يفصّلها ، وبإثرها أخذت نهد ومن أعانها من تجيب والدّهم وبني حارثة خريف المسيلة ؛ يعني : خريف النّخل الّذي حوالي كحلان.

الصّومعة (١)

هي مدينة العلويّين ببيت جبير. وهي الّتي سبق في سمل أنّهم انتقلوا منها إليها.

قال الشّلّيّ : (وهي مدينة لطيفة الهواء ، عذبة الماء ، سكنها جماعة من أعيان ذلك الزّمان ، فطاب لهم البقاء ، وأسّسوا بها مسجدا ، وكان لهم حارة تسمّى : العلويّة) اه

وبها توفّي سيّدنا محمّد بن علويّ بن عبيد الله ، ولا يعرف تاريخ موته.

وفيها كانت وفاة ولده علويّ سنة (٥١٣ ه‍) ، وكان كريما عظيما ممدّحا ، من جملة مادحيه : تلميذه الفقيه يحيى بن عبد العظيم الحاتميّ (٢) ، المتوفّى بتريم سنة (٥٤٠ ه‍) ، امتدحه بقصيدة أورد منها صاحب «المشرع» وصاحب «الجوهر» وشارح «العينيّة» وغيرهم منها قوله [من الكامل] :

هذا قريع العصر وابن قريعه

ولباب تخت الفخر والتّعظيم (٣)

__________________

(١) أورد المقحفي في «معجمه» ذكر (٧) بلدان وقرى تحمل نفس الاسم.

(٢) من كبار علماء تريم وفقهائها ، ولد سنة (٤٨٠ ه‍) ، وتوفي سنة (٥٤٠ ه‍) ، تفقه على علماء عصره ، وأخذ عن الإمام علوي بن محمد المذكور. «تاريخ الشعراء» (١ / ٥٢ ـ ٥٣).

(٣) التّخت : كلمة فارسيّة ، معناها : الكرسي أو المنبر ، واصطلاحا : سرير السّلطان ، كان يجلس عليه في المواكب والاجتماعات العامّة ؛ ليكون مميّزا عن غيره من النّاس ، وهو هنا كناية على أنّه استولى على أصول المفاخر والمحامد. والله أعلم.

٨٤٤

أمّا ولده عليّ بن علويّ خالع قسم .. فقد انتقل من بيت جبير في سنة (٥٢١ ه‍) إلى تريم ، وبها توفّي سنة (٥٢٩ ه‍).

وبيت جبير واد واسع ، قال الشّلّيّ : كان (كثير المياه والأنهار) ، وأنا في شكّ من الأنهار ما لم يعن النّهر الّذي كان يجري في أخدود مسيل سر وعدم ؛ فإنّه قريب من شراج بيت جبير ، ولكن ما أظنّه ينبسط عليها ولا يسقي شيئا منها في أيّام الشّلّيّ ، فما هو إلّا باعتبار الزّمان القديم وقتما كانت حضرموت بأسرها رياضا غنّاء ، وجنانا خضراء ، ثمّ كان من معن بن زائدة ما كان من سكّ سكر الأنهار ، وأعقبه انهيار سدّ سنا ، فذوى النّبات واشتدّ الإسنات ، ولم يبق إلّا السّيول الّتي يذهب أكثرها ضياعا في وادي بيت جبير ؛ لعدم إصلاحه ، واندثار أسوامه وضمره.

وقد أخبرني العلّامة الشّيخ فضل بن عبد الله عرفان ، عن شيخنا العلّامة الفاضل علويّ بن عبد الرّحمن المشهور : (أنّ أموال بيت جبير صارت من جملة الأموال الضّائعة مرّتين ، وأنّ بيت المال قد باعها مرّتين). وهذه فائدة نفيسة نحتاج إليها في كثير من المواضع.

وأكثر مسمّى وادي بيت جبير يدخل بين الجبل الّذي في طريقه إلى الصّومعة والجبل الشّرقيّ الّذي يحاذيه.

وفي بيت جبير قامت دولة الشّيخ عمر بن عبد الله بن مقيص الأحمديّ اليافعيّ بإشارة العلويّين حسبما فصّل ب «الأصل».

واشتروا له حصن مطهّر الواقع بحضيض جبل كحلان في ركنه الشّماليّ على يسار الذّاهب إلى تريم.

وكان لآل مطهّر ناس من يافع ، وقد وزّر له العلّامة السّيّد عبد الله بن بو بكر عيديد ، الّذي هجاه بعد ذلك بما نقلناه في «الأصل» ، وكانت دولته أقصر من ظمء الحمار حتّى لقد صارت مضرب المثل في قصر المدّة ، وعمّا قريب يأتي ذكر شراء الدّولة الكثيريّة لهذا الحصن.

٨٤٥

الرّيضة

ومن وراء الصّومعة إلى الشّمال فضاء واسع ، أوّل ما يكون فيه قرية الرّيّضة ، أوّل من اختطّها السّيّد حسن بن علويّ بن عبد الله بن أحمد بن حسين ؛ لأنّه كان ورث وادي الذّهب ـ الآتي ذكره ـ عن أبيه ، فباعه ونزل الرّيّضة ، ثمّ بنى عنده بعض النّاس.

ومن أهل الرّيضة : السّيّد سالم بن أبي بكر عيديد ، المقتول سنة (١٢٢٦ ه‍) ، أثنى عليه شيخنا المشهور ، وترجم له السّيّد أحمد بن عليّ الجنيد.

ولا يزال أهل الرّيضة بحسرة على عدم الجبال لديهم ، فلم يكن لهم حظّ من القنص ، ويروى : أنّ بعضهم تنادر عليهم وقالوا لهم : لو غرستم حصاة وتعاهدتموها بالسّقي .. لنمت وصارت جبلا ففعلوا ، هكذا يقال ، والله أعلم.

وفي شرقيّها إلى الجنوب بلد : السّويريّ ، هي قرية مسوّرة لآل شملان التّميميّين ، كان فيهم رجال يشار إليهم ؛ منهم : المقدّم عوض بن سعيد بن شملان ، له ذكر كثير في حوادث القعيطيّ وآل كثير وغيرها.

وفيها كان يسكن العلّامة الجليل المتفنّن : عبد الله بن أبي بكر عيديد ، ذكره سيّدي عبد الرّحمن بثناء حسن في «مشجّره» ، وترجمه ابن أخته السّيّد أحمد بن عليّ الجنيد في «النّور المزهر».

ولد سنة (١١٩٥ ه‍) ، وتوفّي بالسويريّ سنة (١٢٥٥ ه‍) ، ودفن بتريم.

وبإزاء الصّومعة في شمالها : دحّامة آل قصير :

وكان بها مسكن الأمير عمر بن عبد الله بن مقيص ، الّذي يضرب المثل بقصر دولته كما مرّ ، وكانت في سنة (١٢٤٢ ه‍) حسبما فصّلت ب «الأصل».

وفي شمالها ديار أخرى لآل قصير ، تقابل حصن مطهّر (١) الواقع في جبل كحلان الغربيّ ، وهو حصين الموقع ، وكان لابن مقيص ، ولمّا تلاشت دولته وصار تراثه إلى

__________________

(١) آل مطهر هؤلاء الذين ابتاع السادة منهم الحصن هم من بطون يافع وليسوا من السادة آل باعلوي.

٨٤٦

آل قصير .. باعوه على الأمير عبود بن سالم الكثيريّ في سنة (١٢٦١ ه‍) بثلاث مئة ريال فرانصة.

وقد ذكر المؤرّخ الشّهير سالم بن حميد شراء هذا الحصن. وترك موضع البائع بياضا ، ويبعد أن يكون عن جهل به وهو الخبير المطّلع البحّاثة المعاصر ، ولكن لنكتة لا ندريها.

وأقرب ما يظنّ : أنّ البائع غير شرعيّ ؛ فذكره يعود بالبطلان على الصّفقة.

وهذا الحصن الآن في أيدي آل قصير ، وقد سلّموه للحكومة القعيطيّة فجعلته مركزا لأخذ الرّسوم من البضائع الّتي تمرّ به إذا لم تكن عشّرت في شيء من بلادها ؛ لأنّ الدّولتين القعيطيّة والكثيريّة أخذتا تتسابقان في نهب أموال المستضعفين بالمكوس الباهظة في كلّ ناحية ، مع اعترافها بأنّ الإقليم واحد لا يتجزّأ.

وفي هذا تصديق لما تفرّسته في القصيدة الّتي قدّمتها للسّلطان صالح بن غالب القعيطيّ في سنة (١٣٥٥ ه‍) بقولي [من الطّويل] :

وما زالت الأحلاف حبرا بمهرق

أذيعت لها الأخبار لكن بلا أثر

ويا ليتها كانت كفافا ولا جرى

على إثرها للمسلمين أذى وشرّ

فكنتم كشان الضّبع والذّيب حربها

نجاة وفي الإصلاح ما بينها الخطر

وارجع إلى قولي السّابق في أحوال سيئون السّياسيّة ، والضّمير فيه للصّلح [من البسيط] :

هل فيه للنّاس والإسلام فائدة

أم لا؟ فإنّ رواة القول في جدل

الرّملة

هي قرية في أرباض تريم في شمال حصن العزّ إلى الشّرق ، تبعد عن سورها بنحو ميل ، يسكنها الآن بعض السّادة آل عبد الله بن شيخ العيدروس ، وهم : آل زين بن محمّد بن جعفر بن عبد الله بن شيخ ـ صاحب الشّحر ـ ابن عبد الله بن شيخ الشّهير ، صاحب القبّة بتريم.

٨٤٧

كانت مصيفا لهم ، ثمّ استوطنها بعض متأخّريهم مع بقاء صلتهم بتريم ، فيها يصلّون الجمعة ، ويشهدون الجنائز ، ويحضرون بعض الدّروس.

وهذه الرّملة منسوبة للإمام الجليل محمّد بن جعفر بن عبد الله ، المتوفّى بتريم سنة (١١٩٣ ه‍) ، كانت له أحوال عجيبة ، ومناقب كريمة ؛ منها ـ كما في «شرح قصيدة مدهر» للسّيّد أحمد بن عليّ الجنيد ـ :

(أنّ ولديه ـ زينا السّابق الذّكر وجعفرا ـ لم يرغبا في حفظ القرآن ، فآلى على نفسه أن يذهب من الرّملة إلى تريم ، ثمّ لا يرجع إلّا بعد أن يحفظ ابناه القرآن وربع «الإرشاد» ، وأبرّ قسمه).

وذكر العلّامة الإمام عبد الرّحمن بن مصطفى نزيل مصر في كتابه «مرآة الشّموس» : أنّ السّيّد محمّد بن جعفر ـ هذا ـ هو الّذي أمّ النّاس في الصّلاة على والده مصطفى بن شيخ ، المتوفّى بتريم سنة (١١٦٤ ه‍) ، وعلى عمّه أحمد ، المتوفّى بتريم سنة (١١٦٤ ه‍) أيضا.

ولزين بن محمّد بن جعفر أولاد ؛ منهم : صادق ، المتوفّى بتريم سنة (١٢٨١ ه‍) ، وهو والد السّيّد زين بن صادق ، كان شهما مهابا ، وليثا وثّابا ، لا يحسب للدّولة الكثيريّة ولا غيرها حسابا ، وقد اختلف مع آل تريم في كثير من المسائل فاز فيها قدحه ، ونفذ أمره ، إلّا أنّه كان فقيرا ، حتّى إنّ العلّامة ابن شهاب يقول : من نعم الله على آل تريم : فقر زين بن صادق ، وبخل شيخ الكاف.

وكان السّيّد زين بن صادق ـ على فقره ـ مبسوط الكفّ ، وهو طويل القامة ، كبير الهامة ، مشبوح الذّراع ، طويل الباع ، توفّي ليلة الثّلاثاء (٢٣) رمضان من سنة (١٣٢٨ ه‍) ، فامتهن بعده السّرح (١) ، وأصيب إثره الشّرف بالكمد البرح (٢) ، وجاء هنا موضع قول الرّضيّ [في «ديوانه» ١ / ٦٢٧ من البسيط] :

__________________

(١) السّرح : قطيع الماشية ، وهو كناية عمّن تحته من الرّعيّة.

(٢) البرح : الشديد.

٨٤٨

منابت العشب لا حام ولا راعي

أودى الرّدى بطويل الرّمح والباع

وللرّملة ذكر كثير في شعر العلّامة الجليل عبد الرّحمن بن مصطفى نزيل مصر ، منه قوله :

يقول الهاشمي آه على ازمان

تقضّت في ربا الغنّا بلادي

ورملتنا الّتي فاقت بغزلان

سبت باللّحظ ظبيات البوادي

فكم في (الرّملة) الفيحا من اعوان

على النّافع لهم يوم المعادي

وكم فيها غرف زانت ببنيان

على بنيان بالرّاحه تهادي

وكم طفنا بها ليما ورمّان

وشمّينا بها عبهر وجادي

وكم بستان فيها إثر بستان

من النّخل الّتي سرّت فؤادي

وقوله :

آه من ذكراي (حوطتنا)

و (السّحيل) الفايق الخصب

آه شوقا نحو (رملتنا)

وظباها الخرّد العرب

وقوله [من الطّويل] :

وفي (الرّملة) الغرّا غزال غزى الحشا

أغنّ إذا غنّى بدا مضمر الوجد

وعن السّيّد عبد الباري بن شيخ بن عيدروس ، عن والده : أنّه ضاع كبش لبعض أهلها ولم يجده إلّا بعد شهر ؛ إذ بقي طيلة المدّة يرعى في مراعيها الخصبة ، ويشرب من مياه الغدران العذبة الموجودة بها لكثرة السّيول.

وفي شمال هذه القرية إلى شرق : آثار قرية يقال لها : الرّملة القديمة ، لعلّها كانت مصيف السّادة آل عبد الله بن شيخ العيدروس قبل أن يختطّوا هذه.

وبالقرب منها بئر تسمّى الآن : بير عبد الله بن مصطفى بن زين العابدين ، يعنون الملقّب بالباهر ، المتوفّى سنة (١١٢٨ ه‍) ، وقد ترجمه السّيّد عبد الرّحمن بن مصطفى في كتابه : «مرآة الشّموس» ، وأطال بل أفرده بالتّرجمة في كتاب سمّاه : «حديقة الصّفا».

٨٤٩

ونقل في «المرآة» عن السّيّد أبي بكر بن عبد الله بن شيخ أنّه قال لمّا مات الباهر : (وددت أن نفديه بسبعة من كبار آل العيدروس ، ولكن .. كان ذلك في الكتاب مسطورا) وعند هذا ذكرت قول متمّم [من الطّويل] :

فلو أخذت منّي المنيّة فدية

فديناك منها بالسّوام وبالأهل (١)

وقول إبراهيم بن إسماعيل [من الطّويل] :

أجاري لو نفس فدت نفس ميّت

فديتك ـ مسرورا ـ بأهلي وماليا

وموضع الرّملة بالحقيقة بعد حصن العزّ ، ولكن طغى القلم ، ولم أتنبّه له إلّا وقد خاضها ، والأمر قريب.

حصن جرّه

هو عن يسار الذّاهب إلى تريم ، في آخر الفضاء الواسع المسمّى ب : باجلحبان ؛ نسبة إلى الشّيخ الكبير عبد الرّحمن باجلحبان المقبور في أثنائه ، وقد ترجم له صاحب «الجوهر» ، ولم يترجم لأحد خارج تريم سواه.

وحصن جرّه هو لآل امبارك بن عمر بن شيبان التميميّين ، وكانوا أهل ثروة ، جمعها امبارك ، وأصلها ريال دفعه له الحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر مع استيداعه منه للسّفر ، فاشترى لبانا من الشّحر وباعه في سنغافورة وبارك الله له فيه.

ولمبارك هذا مكارم أخلاق ، ومواساة لأهل الفضل ، خصوصا لسيّدي عيدروس بن علويّ العيدروس ، توفّي (٢) حوالي سنة (١٣١١ ه‍) ، ودفن بزنبل ، بمقابر العلويّين ، وخلفه أولاد كرام ؛ منهم : ولده عمر.

وكان أوّل ما دخل عليهم الوهن : أنّ الشّيخ امبارك أوصى بثلث ماله لمثل ما يعتاده من الخيرات في حياته ، وأسند وصايته إلى عمر ، فنازعه أخوه عبد الله في

__________________

(١) السّوام : كلّ إبل وماشية ترسل للرّعي ولا تعلف.

(٢) أي : امبارك شيبان ، لا العيدروس.

٨٥٠

الوصيّة ، ولم يقدر على إبطالها لا بحضرموت ولا بجاوة ، ثمّ نشبت بينهم وبين آل فلّوقة ـ الواقعة حصونهم إزاءهم بسفح الجبل الشّرقيّ المسمّى باعشميل ـ حرب ، فابتزّت طارفهم وتليدهم ، حتّى أثقلت كواهلهم الدّيون ، وأبحر عمر إلى جاوة ، وبقي على ما يقدر عليه من المبرّات إلى أن مات في سربايا حوالي سنة (١٣٣٥ ه‍) ، وما علمناه إلّا شهما أبيّا ومقداما عربيا [من الطويل] :

يزيد على فضل الرّجال فضيلة

ويقصر عنه مدح من يتمدّح

ويدلج في حاجات من هو نائم

ويوري كريمات النّدى حين يقدح

وخلّف أولادا كثيرين ؛ منهم : الشّاعر المطبوع عبد القادر بن عمر (١) ، له أشعار عاميّة ، لكنّها جزلة المعاني ، حلوة المباني ، وله هجاء كثير لجمعيّة الحقّ بتريم ، وممّا يطربني من شعره : قوله ـ من قصيدة مجّد فيها مولاه ـ :

هو لي عطى موسى العصا

هو لي رتق هو لي فتق

وقت الاجابة من عبيده

ناطق القدرة نطق

في الإبتدا قالوا بلى

ومن بقي صادق صدق

والإنتها يلطف بنا

يوم الغرق يوم القلق

والعترة العظمى خلق

ها ربّنا ميزان حقّ

في علم مكنون السّرا

ئر علم ما هو في ورق

من يبغض اهل البيت با

له يوم واحد ما شرق

لو كان لي فيهم ولا (٢)

با دقّهم في الأرض دقّ

ويقال : له ابن عمّ على غير رأيه يقال له : عليّ بن صالح بن امبارك أحرق «ديوانه».

__________________

(١) توفي عبد القادر بن عمر بسربايا سنة (١٣٤٢ ه‍) ، الملقّب أبو صالح والشّعيرة ، ولقب الشّعيرة أطلق على جده امبارك ؛ لأن أمه كانت تحبه جدا وتسميه شعيرة العين ، ومنه سرى اللقب لأولاده وأحفاده.

(٢) أي : لو كان لي ولاية على من يبغض أهل البيت .. لدققتهم بالأرض دقا.

٨٥١

ثبي

هي قرية لا بأس بها في شمال حصن جرّه ، لا تبعد عنه إلّا نصف ميل تقريبا ، حولها شراج كثيرة ، فيها نخيل تشرب من السّيول.

وكان السّيّد عبد الله بن أحمد بن حسين العيدروس (١) يخترف فيه ، ثمّ انتقل إليه ولده علويّ ـ المترجم له في «المشرع» (ص ٢٤٩ ج ٢) ـ واتّخذه قرارا إلى أن توفّي سنة (١٠٥٥ ه‍) ، ودفن بتريم ، وكان وادي الذّهب لحسن بن علويّ ، فباعه ـ حسبما مرّ في الرّيّضة ـ واعتاضها به. ووادي ثبي والحطيطة لحسين بن علويّ.

وثبي من جملة أودية تريم ، والجبال الّتي تنهر إليه بعيدة الفروع وكلّها في شمالها ، يأخذ بعضها إلى الغرب ، وبعضها إلى الشّرق.

وفي حوادث سنة (٩٠٤ ه‍) من «تاريخ شنبل» : أنّ ضمير ثبي عمّر بنحو ألفين وثلاث مئة دينار مرسلة لذلك من السّلطان عامر بن عبد الوهّاب ، سلطان عدن واليمن ، وهو الّذي كان الإمام أبو بكر العدنيّ العيدروس يحبّه ويثني عليه ، وكان كثير الخيرات والعمارات.

وقد اشتبه عليّ في «الأصل» باني صهاريج عدن ، ثمّ وقفت على ما ذكره سيّدي عبد القادر بن شيخ العيدروس في ص [١٧٠] من «النّور السّافر» عن عامر هذا من أنّه (بنى مسجدا بداخل عدن ، وأجرى المياه بظاهر باب البرّ منها ، وعمل بها صهريجا عظيما ، لم يسبق إلى مثله) اه

وبما أنّ أكبر الصّهاريج في الواقع هو آخرها .. فقد تعيّن بانيه ، لكنّ السّؤال عن القدامى لا يزال بحاله ، ولكنّها لن تكون قبل الهمدانيّ ، المتوفّى سنة (٣٣٤ ه‍) لأنّها لو كانت موجودة في زمانه أو قبله .. لذكرها في عجائب اليمن الّتي ليس في بلاد

__________________

(١) هو السيد الشريف العالم العامل عبد الله بن أحمد بن الحسين بن الإمام عبد الله العيدروس ، يلقب بمولى الطاقة ، كان من أهل المعرفة والصلاح والكشف ، توفي سنة (١٠٢٥ ه‍) بتريم.

٨٥٢

مثلها ؛ فقد ذكر منها باب عدن ، قال : (وهو شصر (١) مقطوع في جبل كان محيطا بها ، ولم يكن لها طريق إلى البرّ إلّا لمن يتسنّم ظهر الجبل ، فقطع في الجبل باب مبلغ عرضه حتّى سلكت فيه الدّوابّ والمحامل وغيرها. وفي بينون أيضا جبل قطعه بعض ملوك حمير حتّى أجرى فيه سيلا من بلد وراءه إلى أرض بينون) اه بمعناه (٢) ، وفيه شبه بما سبق في ميفعة.

وفيه شاهد لما سبق في ميفعة ، ومن العجب أنّ الهمدانيّ لم يذكر ذلك ، وبعيد أن يكون من بعده ، بل محال.

ثمّ وقع إليّ «تاريخ أبي الفتح يوسف بن يعقوب بن محمّد» المعروف بابن المجاور ، فإذا فيه : أنّ السّلطان شاه بن جمشيد بن أسعد بن قيصر تولّى عدن في حدود سنة (٦٢٥ ه‍) ، وكان يجلب إليهم ماء الشّرب من زيلع ، ثمّ بنوا الصّهريج لأجل ماء الغيث.

إذا فالصّهريج الأوّل بعدن من بناء الفرس.

ولكن قد مرّ أوائل هذا الكتاب ما يعرف منه حال ذلك التّاريخ ، ومرّ عنه ـ أيضا ـ في تلك النّقطة : أنّ فتح باب عدن كان من عمل عفريت شدّاد بن عاد لا من أعمال حمير.

ثمّ إنّ عمارة عامر لضمير ثبي لم يطل أمدها ، بل انهارت وشيكة ، وجدّدها الشّيخ الكبير عبد الله بن شيخ بن عبد الله بن شيخ ، المتوفّى بتريم سنة (١٠١٩ ه‍) ألف وتسع عشرة ، ومن الغريب أنّ صاحب «المشرع» لم يذكر له هذه المكرمة الخالدة فإنّها الباقية إلى اليوم.

ومن ذرّيّة السّيّد حسين بن علويّ بن عبد الله بن أحمد بن حسين العيدروس .. السّيّد المجذوب : حسين بن عبد الله بن حسين بن علويّ ، المتوفّى سنة (١١٧٣ ه‍) ، وهو صاحب المقطّب بثبي ، ومن ذرّيّته آل علويّ بن محمّد بن عبد الرّحمن بالمقطّب.

__________________

(١) الشّصر : الشّقّ والقطعة ، قال في «اللّسان» : (الشّصور : الشّطور) وشطر الشّيء : بعضه.

(٢) صفة جزيرة العرب (٣٠٦ ـ ٣٠٧).

٨٥٣

قال شيخنا المشهور في «شمس الظّهيرة» [١ / ١٢٠] : (وهم مناصبها وأولياء أمرها) اه

وفي سنة (١٢٠٦ ه‍) نشبت الحرب في تريم بين يافع والحبيب محمّد بن عبد الرّحمن العيدروس منصب ثبي ، وقام معه آل تميم وجميع قبائل حضرموت ، ودخلوا تريم ونهبوها ، وأحرقوا جملة بيوت في الحوطة والسّحيل.

أمّا الحبيب علويّ بن محمّد .. فتربّى بالعلّامة الإمام عبد الله بن حسين بن طاهر ، فهذّب أخلاقه ، وقوّم أوده (١) ، وثقّف قناته ، فلم يتولّ المنصبة إلّا وهو بها خليق ـ وكان سيّدي عبد الله بن حسين بن طاهر كثيرا ما يعتني بأمور المناصب والمرشّحين لها وتهذيبهم ؛ لعموم نفعهم ـ ولمّا مات خلفه ولده عبد الله إلى أن توفّي سنة (١٣٢٩ ه‍)

وكثيرا ما ينوب عنه ـ ولا سيّما في غيابه ـ أخوه محمّد بن علويّ ، وكان كثير التّعلّق بسيّدي الأستاذ الأبرّ عيدروس بن عمر ، حتّى إنّه ليصلّي العصر في جامع ثبي ، ثمّ يركب حصانه ويعديه ملء فروجه (٢) ، ويزور والدي بمكاننا علم بدر ويجلس معه ساعة ، ثمّ لا تفوته صلاة المغرب خلف الأستاذ ، وبينهما قراب المرحلة.

ذهب إلى جاوة في سنة (١٣٤٢ ه‍) ، ثمّ رجع عنها بدون طائل ، وقد قال أبو نواس [من الطّويل] :

وأوبة مشتاق بغير دراهم

إلى أهله من أعظم الحدثان

غير أنّه لم يكن محتاجا للدّراهم ؛ إذ لا أولاد له ، وإنّما هو عقيم ، ولم تطل مدّته بعد عودته ، بل مات بعد وصوله بأيّام في (٨) ذي الحجّة سنة (١٣٤٦ ه‍).

وخلف السّيّد عبد الله بن علويّ على المنصبة ولده حسين ولمّا مات ، وقع رداؤه

__________________

(١) الأود : الاعوجاج.

(٢) يعديه ملء فروجه : أي يركضه ركضا يملأ الفراغ الّذي بين رجليه ، وهو كناية عن شدّة سرعة الفرس ؛ إذ إنّك لا ترى فراغا بين رجليه ، بل تحسّ أنّ رجليه لصقت ببطنه من شدّة سرعة حركتها.

٨٥٤

على ابنه الفاضل أحمد بن حسين ، وكان غزير المروءة ، كثير الصّمت ، جمّ الوقار ، وهو الّذي جرى بينه وبين آل تريم ما أشرنا إليه في تاربه (١).

وثبي من الأودية المباركة ، يتيامن به النّاس ، متى صلحت ثماره وأمرع (٢) .. عمّ الخصب في وادي حضرموت ، حتّى لقد كان الحبيب حسين بن عمر بن عبد الرّحمن العطّاس يقول : إنّا لنعرف خصب وادي ثبي بدرور البركات في زروع وادي عمد ونخيله.

وسكّان ثبي من السّادة آل العيدروس ، ومن السّادة آل الحبشيّ ، ومنهم : العالم الصّالح ، الفاضل العابد المتواضع : عبد الله بن علويّ الحبشيّ (٣) ، المتوفّى سنة (١٣٤٣ ه‍) عن جملة أولاد ؛ منهم : العالم الصّوفيّ النّاسك ، الحافظ لكتاب الله : حسين ، نفع الله به (٤).

وسكّانها ناس من آل الرّاقي آل بافضل ؛ منهم : الرّجل الصّالح أبو بكر بن سالم بن بو بكر الرّاقي (٥) المتوفّى سنة (١٣١٣ ه‍) ، وصاحبنا الشّيخ عوض بن محمّد المتوفّى سنة (١٣٦٠ ه‍) (٦).

وناس من الزّبيديّين ؛ منهم : صافي وعيسى وأبو بكر بنو أحمد الزّبيديّ ، لهم ضيافة ومكارم أخلاق ، وقد أوصى الأوّل ـ وهو صافي ـ بثلث ماله في سبيل

__________________

(١) جاء في هامش المخطوط : (توفي السيد أحمد بن حسين في غرّة شوال من عامنا بعد الفراغ من هذا «١٣٦٧ ه‍»).

(٢) أمرع : أعشب.

(٣) ولد بتريم سنة (١٢٧٣ ه‍) ، وكان عالما ورعا ، تولى التدريس والدعوة ، أخذ عن بعض علماء تريم وشبام ، وسار إلى جاوة ـ فليمبانغ ـ وعدن ، وعاد إلى حضرموت سنة (١٢٩٩ ه‍) ، وتوفي بها سنة (١٣٤٣ ه‍).

(٤) جاء في هامش المخطوط : (توفّي السّيّد حسين بن عبد الله هذا آخر العام هذا بعد الفراغ من هذا الكتاب «١٣٦٧ ه‍»).

(٥) كان في سن السيد علوي بن زين الحبشي ، ودرسا سوية ، حتى إنهما كانا يترافقان في الذهاب إلى المسيلة للقراءة على الإمام عبد الله بن حسين بن طاهر .. «الصلة» (٢٩٦).

(٦) وهو : عوض بن محمد بن أبي بكر ، الجد الجامع لآل الراقي الذين بثبي ، وهو الشيخ أبو بكر بن أحمد بن محمد بن فضل الراقي.

٨٥٥

المبرّات ، وجعل النّظر للسّيّد عبد الله بن علويّ الحبشيّ وولده حسين ، ومن حيث إنّهما شهود الوصيّة .. فقد ثبتت بشهادتهما ، لكن لم تثبت الوصاية ؛ لأنّ فيها شهادة لأنفسهما ، ولمّا بطلت .. أسند منصب ثبي السّيّد أحمد بن حسين النّظر إلى عيسى.

وفي ثبي كثير من الأكرة والمساكين ، إلّا أنّ المجاعة الأخيرة اجتاحت منهم الكثير.

وادي الذّهب

هو واد ليس بالواسع ولا بالضّيّق ، ولكن بين بين ، يبعد عن ثبي شمالا إلى جهة الغرب بنحو ساعتين ونصف للماشي ، وهو بين جبلين ، وعليه شراج كثيرة ، بعضها للمشايخ الزّبيديّين آل بو بكر بن عيسى ، يربعون به في أيّام الخصب على ملء الجفان ، وإكرام الضّيفان ، ويهربون إليه في أيّام الجدب ؛ لكثرة من ينزل بهم من أبناء السّبيل إذا بقوا بثبي.

وقد نزل به أولادي حسن ومحمّد على ضيافة الشّهم الكريم الولد عبد الله بن أبي بكر الزّبيديّ ، على نيّة أن ينقلبوا من آخر يومهم ، فأعجبهم الهواء الطّلق ، والفضاء الرّحب ، والأنس التّامّ ، فأقاموا به ثلاثة أيّام.

وبعض شراجه لسكّانه ـ الّذين لا يرحلون عنه خصبا ولا جدبا ولا شتاء ولا صيفا ـ وهم آل براهم ، وهم من المهرة ، وإنّما نجعوا في أيّام الحبيب عبد الله بن شيخ الثّاني (١) ، وبعضهم يعدّهم من العوامر باعتبار انغماسهم فيهم بالحلف.

ومن الغرائب : أنّ نمرا وثب على امرأة من سرواتهم ـ وهي تحطب ـ فاتّقته بمشعب معها وضعته في فمه ، وجعلت تضربه بمسحاة معها حتّى قتلته ، وطمع فيها رجل وهي منفردة تحتطب ، فألانت له القول ، ولمّا اقترب منها .. ألقت رأسه بين ركبتيها تدوسه ، حتّى شمّ الموت ، فتعهّد لها بخمس عشرة شاة إزاء ما اجترأ عليها ،

__________________

(١) المتوفى بتريم سنة (١٠١٩ ه‍).

٨٥٦

ووفّى لها ، واسمها فطوم بنت بخيت بن كرتم بن براهم ، كانت موجودة في سنة (١٣٦٠ ه‍) ، وإنّما ماتت بعد ذلك.

وقد مرّ في شبوة خبر عن عليّ ناصر القردعيّ فيه شبه من خبر هذه المرأة الجزلة رحمة الله على عظامها ، وأكبر منه ما سبق في القطن عن امرأة الأمير صلاح بن محمّد القعيطيّ.

حصن العزّ

قد سبق في قارة الشّناهز أنّه لم يبن إلّا في سنة (٨٤٢ ه‍) ، وذلك أنّ دويس بن راصع تحرّش بالسّلطان عبد الله بن عليّ بن عمر الكثيريّ ، فأقبل من ظفار وحصر تريم ، وتعدّدت المعارك تحت تريم ، وشاد السّلطان بعض معاقل لتشديد الحصر عليها ، فكان حصن العزّ مما بناه يومئذ.

وفي «المشرع» [١ / ٢٥٣] عن «تاريخ شنبل» [٦٣] أنّه : (بني لتريم في سنة (٦٠١ ه‍) سور من قارة العزّ إلى حيد قاسم ، ثمّ أخربه السّلطان بدر بن محمّد الكثيريّ (١) سنة (٨٩٥ ه‍) ، ثمّ عمّر ، ثمّ أخربه السّلطان عبد الله بن راصع (٢) سنة (٩١٠ ه‍) ، ثمّ أعاده السّلطان محمّد بن أحمد (٣) سنة (٩١٣ ه‍) ، ولا وجود لذلك السّور ، والظّاهر أنّ بدر بن عبد الله بوطويرق هدمه لمّا أخذها سنة (٩٢٦ ه‍) ، من محمّد بن أحمد المذكور) اه بمعناه.

وقد ذكرنا في «الأصل» ما يروى أنّ عبد الله بن راشد اعتزل السّياسة بالآخرة ، وسكن قارة العزّ ـ بما فيه ـ وأنّ بعض الصّالحين بتريم مات ، فأحبّ الفقيه محمّد بن

__________________

(١) هو بدر بن محمد بن عبد الله بن علي بن عمر ، توفي في (٣) شوال (٩١٥ ه‍) ، ودفن بجرب هيصم بشبام. «الدولة» (٢٨ ـ ٣٠).

(٢) كان واليا وقتها على (تريم) ، وهو من آل يماني. «الحامد» (٢ / ٥٣٢).

(٣) هو محمد بن أحمد بن سلطان بن يماني كان حاكما على تريم من عام (٩١٢) إلى (٩٢٦ ه‍).

«الحامد» (٢ / ٥٣٣).

٨٥٧

أبي الحبّ حضور السّلطان عبد الله بن راشد للصّلاة عليه ، فلم يقدر على أجرة رسول يبعث به إليه في قرية العزّ المذكورة ، فاتّفق حضور السّلطان مصادفة.

وقد رجّحت في «الأصل» أنّ المراد قارة العرّ الّتي بحوطة سلطانة ، بأمارة أنّ السّلطان قتل على مقربة منها ، فلعلّها هي الّتي أقام بها بعد اعتزال السّياسة إن صحّ ـ على ما فيه ـ وهي الّتي يتمعنى أن لا يقدر ابن أبي الحبّ على أجرة رسول إليها ، أمّا قارة العرّ .. فلا تحتاج إلى أجرة تذكر ؛ لأنّها على دون نصف الميل من تريم ، بل قد مرّ بك أنّها منها ؛ لانتهاء سورها إليها في سابق الزّمان ، ولكنّي رأيت في الحكاية الخامسة من «الجوهر الشّفّاف» [١ / ٥٩ ـ ٦٠] ما يعيّن هذه.

ويفهم ممّا مرّ أنّ لفظ العزّ يطلق على القارة من قديم ، وإن كان البناء بها متأخّرا.

حصن آل فلّوقة (١)

هو قرية واقعة في سفح الجبل المسمّى باعشميل ، في جنوب تريم بإزاء الرّملة ، إلى شرقيّها ، فيصلح عدّها هنا في القرى الّتي بجنوب تريم ، ويصلح عدّها في القرى الّتي في شرقيّها ، ولكنّي آثرت الأوّل لأتمكّن من كلمات تليق بفضيلة شيخنا العلّامة أبي بكر بن شهاب بمناسبة وجوده فيها مع نشاط الخاطر ؛ إذ لا يمكنني أن أبلغ فيه شيئا ممّا أريد في أخبار تريم المقصود مراجيحها بالحظّ الأوفى من قول العلّامة الجليل عبد الرّحمن بن عبد الله بن أسعد اليافعيّ [من الطّويل] :

مررت بوادي حضرموت مسلّما

فألفيته بالبشر مبتسما رحبا

وألفيت فيه من جهابذة العلا

أكابر لا يلفون شرقا ولا غربا

وقد سمعت كثيرا من الشّيوخ وأهل العلم يقولون : (إنّ هذا كان جواب الشّيخ لمّا سأله أبوه عن أهل حضرموت) ، وهو وهم ظاهر ؛ لأنّ وفاة الشّيخ عبد الله بن

__________________

(١) آل فلّوقة : بطن من بطون قبيلة تميم.

٨٥٨

أسعد كانت في سنة (٧٦٨ ه‍) (١) ، ووفادة ولده إلى حضرموت إنّما كانت في سنة (٧٩٤ ه‍) كما ذكره شنبل (٢).

وسيأتي عن بامخرمة في تريم أنّ صاحب القصّة إنّما هو عليّ بن عبد الرّحمن بن عبد الله بن أسعد ، ولكنّ كلام شنبل أثبت ؛ لأنّه أعرف بحضرموت وأخبارها.

ولد شيخنا ـ الّذي لا حاجة إلى ذكر اطّراد نسبه ؛ لغناه عنه بشهرته ، كما قال المتنبّي [في «العكبريّ» ١ / ١٧٦ من البسيط] :

يا أيّها الملك الغاني بتسمية

في الشّرق والغرب عن وصف وتلقيب

في تلك القرية سنة (١٢٦٢ ه‍) ، ودرج بين أحضان العناية ، وشبّ محفوفا بالرّعاية ، وكان في صفاء الذّهن وحدّة الفهم آية ، نعس مرّة بين أصحاب له ـ منهم السّيّد الشّهير عليّ بن محمّد الحبشيّ ـ يقرؤون في الفرائض فعاتبه أحدهم ، فسرد لهم ما كانوا فيه! ثمّ صبّحهم من اليوم الثّاني بمنظومته الموسومة ب : «ذريعة النّاهض» وقد أخذ قوله في آخرها [من الرّجز] :

وعذر من لم يبلغ العشرينا

يقبل عند النّاس أجمعينا

من قول صاحب «السّلّم» [في البيت ١٣٨ من الرّجز] :

ولبني إحدى وعشرين سنه

معذرة مقبولة مستحسنه

وجرى الاختلاف بمحضر شيخنا المشهور فيما لو اختلف الماء وزنا ومساحة بماذا يكون الاعتبار في القلّتين؟ فنظم على البديهة سؤالا سيّره لمفتي زبيد السّيّد داود حجر (٣)

__________________

(١) ترجمة الشيخ عبد الله اليافعي في المصادر التالية : «الدرر الكامنة» (٢ / ٢٤٧) ، «شذرات الذهب» (٦ / ٢١٠) ، «طبقات الشافعية» (٦ / ١٠٣) ، «الأعلام» (٤ / ٧٢).

(٢) «شنبل» (ص ١٥٠).

(٣) العلامة المحقق الفقيه داود بن عبد الرحمن بن قاسم الملقّب : (حجر القديمي) الحسيني الزبيدي الشافعي ، المولود بزبيد ، والمتوفّى بها سنة (١٣١٣ ه‍) ، أخذ عن جمع من شيوخ عصره .. كان عالما نحريرا ، وبحرا غزيرا ، تنظر ترجمته في : «أئمة اليمن» لزبارة (٢ / ٣٧٨) ، و «ثبت الفقيه».

٨٥٩

فعاد الجواب على غرار ذلك النّظم مصرّحا باعتبار المساحة (١).

__________________

(١) ومن باب إتمام الفائدة المرجوّ منها حسن العائدة .. نسرد هنا أبيات السيد أبي بكر (السؤال) ، ثم نتبعه برد السيد داود (الجواب) نقلا عن خط العلامة الفقيه المعمر عبد الله الناخبي حفظه الله تعالى :

نص السؤال :

إلى علماء العصر في البر والبحر

من الشافعيين الجهابذة الغرّ

سؤال ولو لا الجهل ما خطّ رسمه

من الحضرميّ ابن شهاب أبي بكر

لقد جاء ما معناه عن سيّد الورى

نبي الهدى الداعي إلى الحق والبر

إذا بلغ الما قلتي هجر فلي

س يحمل خبثا يدفع الخبث المزري

وأطبق أتباع ابن إدريس بعده

بأنهما بالوزن مضبوطي القدر

وذلك تقريبا بخمس مئي وفت

بأرطال ساحات الرصافة والجسر

وأنهما طولا وعرضا ونازلا

ذراع وربع بالمساحة والشبر

وجرّب أهل الخبرة الماء فهو في

بقاع خفيف وهو في البعض كالصخر

وكيف إذا جئنا بخمس مئي كما

أفادوا ثقيلا وهو بالمسح ذا خسر

وبالعكس ما لو كان بالمسح كاملا

خفيفا وكان النقص وزنا لدى الحزر

فعند اختلاف الوزن والمسح ما الذي

به الأخذ شرعا منهما يا ذوي الذكر

فإن قلتم بالمسح نأخذ ألغيت

عباراتهم في الضبط للوزن للقدر

وإن قلتم بالوزن ثم رددتم

إلى الأصل هذا الحكم لم يخل عن نكر

وبالمسح لا بالوزن كثرته التي

على دفعه يقوى بها وعلى الطهر

فهذا سؤال يا بني الفقه لم أجد

إلى كشفه نقلا وما العلم بالحجر

فلما وصل هذا السؤال المنظوم إلى حضرة السيد داود .. دفعه إلى ابنه العلامة السيد محمد داود .. المتوفى بإستنبول سنة (١٣٠٧ ه‍) ، فأجابه نظما على وزنه وقافيته :

أحبّ غمام أم عقود من الدر

أم الغادة الحسناء باسمة الثغر

نعم طرس علم ذو معان نفيسة

أتى من نضار الآل والسادة الغر

أعاد لنا ذكر الألى سبقوا إلى

معالي المعاني فوق سابحة الفكر

فأبدى سؤالا ما سؤالات نافع

ولا معن في تحقيقه غير ذي حصر

يقول : اختلاف الماء ثقلا وخفة

يباين ضبط القلتين لدى السّبر

فخمس مئي الارطال تقصر إن يكن

ثقيلا عن المقدار بالذرع والشبر

وأكثر منها يبلغنه بخفة

فما المرتضى عند اختلاف ذوي الحزر

جوابك : أن المرتضى الذرع حسبما

يشير إلى ذاك الحديث لمن يدري

لتعليقه للحكم بالظّرف وهو ذو

جوانب تدرى بالمساحة للخبر

ولو كان للوزن اعتبار أتى به

فمن عدله عنه اطّرحناه في القدر

٨٦٠