إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف

إدام القوت في ذكر بلدان حضر الموت

المؤلف:

السيّد عبد الرحمن بن عبيد الله السقّاف


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار المنهاج للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١١١٠

عبد الرّحمن بن محمّد الحضرميّ (١) ، فأدركته الوفاة بمكّة المشرّفة ، فعهد للشّيخ عبد الله الصّالح المغربيّ بإيصالها للفقيه المقدّم ، فألبسه إيّاها ، وغضب لذلك شيخه عليّ بامروان ، وقال له : أذهبت نورك بعد أن رجوت أن تكون كابن فورك ، فتفقّرت.

فقال له الأستاذ الفقيه المقدّم : الفقر فخري.

ثمّ سار الشّيخ الصّالح لإلباس الشّيخ سعيد بن عيسى العموديّ عن إشارة الشّيخ أبي مدين ، ثمّ توجّه إلى ميفعة ، وفي طريقه إليها ألبس صاحب عورة : الشّيخ باعمر ، عن نفسه لا عن الشّيخ أبي مدين ، ولمّا صعد إلى ميفعة .. اتّصل بباحمران.

وذكر الشّلّيّ [٢ / ١٢] وغيره : أنّ الفقيه المقدّم سار إلى ميفعة لعيادة الشّيخ عبد الله الصّالح ـ وكان بلغه توعّكه (٢) ـ وهناك اجتمع به وبتلاميذه ، وشهدوا وفاته ودفنه بميفعة ، ولم يذكروا تاريخ موته ، غير أنّه كان قبل موت الفقيه الّذي كانت وفاته سنة (٦٥٣ ه‍).

ومن العجب أنّ العلّامة السّيّد عليّ بن حسن العطّاس يقول في «سفينة البضائع» : (إنّ الفقيه المقدّم ، والشّيخ سعيد بن عيسى العموديّ ، والشّيخ عبد الله بن عمر صاحب الدّلق ، والشّيخ باحمران .. اجتمعوا بشيخهم الشّيخ عبد الله الصّالح المقبور ببلد كنينة ـ بلد بالشّقّ البحريّ ، قريب من حجر ـ وهي الجهة الّتي يقال لها : ميفع) اه (٣)

__________________

٤ ـ العلّامة المسند الحافظ الشّريف أحمد بن محمّد الصّدّيق الغماريّ الحسينيّ المغربي (ت ١٣٨١ ه‍) بكتاب حافل جليل سمّاه : «البرهان الجلي في تحقيق انتساب الصوفية إلى علي» ، ط بمصر سنة (١٣٨٩ ه‍) ، وقد عقد فصلا في آخر هذا الكتاب ذكر فيه أئمة علماء المسلمين ممّن لبسوا الخرقة ، ومنهم الحافظ ابن حجر العسقلاني وتلميذاه السّخاويّ والسّيوطيّ والشّيخ زكريّا الأنصاريّ .. وغيرهم. وينظر : «أدوار التّاريخ الحضرميّ» (١ / ٢٥٣ ـ ٢٥٧).

(١) المعروف عند المؤرّخين بالمقعد ؛ لمرض أصابه فأقعده عن الحركة. وهو حضرميّ مغربيّ .. كذا في «المشرع الرّويّ» ، فلعلّ أصله من حضرموت كما هو حال كثير من أعلام المغرب كابن خلدون ، ويؤيّد هذا وصف الشّليّ له بأنّه : (من أكابر تلامذة الشّيخ أبي مدين) .. «المشرع» (٢ / ١١).

(٢) التوعّك : التّعب الّذي يجده الإنسان من المرض ، أو هو أذى الحمّى.

(٣) سفينة البضائع (خ ١ / ٦٤).

٨١

ففيه أوهام ، وكأنّ النّظر انتقل عليه من ميفعة إلى ميفع ، ثمّ ما كان الشّيخ الصّالح بشيخ للمقدّم ولا للعموديّ ، وإنّما هو سفير محض في إيصال الخرقة لهما (١).

ونقل الحبيب شيخ الجفريّ في «كنز البراهين» عن الشّيخ عبد القادر العيدروس : (أنّ الشّيخ عبد الله الصّالح لمّا رجع إلى حضرموت .. أقام بميفعة ، وهي بلد أقصى حضرموت ، قريب من ساحل عين بامعبد ، وتزوّج بقرية من قراها ، يقال لها : السوق ، أعلى من أصبعون ، فوق الرّبوة ، وكان له بنتان ؛ حمادة ومحمودة ، فلمّا مرض .. جاء المشايخ الّذين حكّمهم رضي الله عنهم يزورونه ، وهم : الفقيه المقدّم ، والشّيخ سعيد العموديّ ، وباعمر ، وباحمران ، وقالوا : تشير إلى أحد بعدك؟ فسكت ساعة ، ثم قال : يا أولادي ؛ ما استقلّ منكم إلّا صاحب السّبحة ، وأنتم مشايخ ، وميراثي أرباع بينكم ، والبنتان على يدك يا شيخ سعيد ، فلمّا مات .. قسموا ميراثه بالقرعة ، فخرج المشعل والقدر للشّيخ سعيد ، والسّبحة والعكّاز للفقيه المقدّم ـ فكان هو المشار إليه بالاستقلال ـ والدلق لباعمر ، صاحب عورة ، والحبوة والبسطة لباحمران. وقبر الشّيخ الصّالح بأصبعون) اه

وقسمة الميراث بين هؤلاء إشكال ؛ لأنّه إن أراد السّرّ .. غبّر عليه ذكر المقتسمات ، ولعلّ المراد الوصيّة ، والسّرّ تبع لما جرت فيه القسمة ، ثمّ إنّ قوله يا أولادي لا يخالف ما نقلوه أن ليس له مشيخة على الفقيه ولا على العموديّ ؛ إذ لا مانع من التّغليب وتقدّم السّنّ.

وفي ميفعة باحمران آخر غير الأوّل ، هو من تلاميذ السّيّد عبد الله باعلويّ (٢).

وكان في ميفعة جماعة من علماء الإباضيّة ، حسبما يعرف من شعر الإمام إبراهيم بن قيس الآتي في ذكر شبام.

__________________

(١) الّذي في «المشرع الرّويّ» (١ / ١٢) ، وكما تقدّم قريبا من قول المؤلّف رحمه الله : أنّ الشّيخ الصّالح ألبس باعمر وباحمران عن نفسه لا عن الشّيخ أبي مدين كما فعل مع الفقيه المقدّم والعموديّ .. فلعلّ الحبيب عليّ بن حسن أراد بقوله : (شيخهم) التّغليب ، أو هو شيخهم مجازا لا على الحقيقة ، والله أعلم.

(٢) كذا ورد في «المشرع» (٢ / ٤٠٦) ، بالنّصّ.

٨٢

أمّا سلطنة ميفعة وحبّان : فقد كانت في القرن التّاسع للدّولة الطّاهريّة (١).

وأمّا في القرن العاشر .. فسلطنة حبّان للواحديّ ، ومنهم : عبد الواحد بن صلاح بن عبد الله بن عبد الواحد بن صلاح بن روضان ، وهو ممدوح الشّيخ محمّد بن عبد القادر بن أحمد الإسرائيليّ.

توفّي عبد الواحد المذكور في سنة (٩٩١ ه‍) وسلطنة ميفعة لابن سدّة.

وكثيرا ما جاء ذكره في «ديوان» الشّيخ عمر بن عبد الله بامخرمة ، فمن ذلك قوله يهيّج بدر بوطويرق عليه :

فالمره زاهله للعقد ما عاد عدّه

ما تبا الّا حصانك قل لعبدك يشدّه

حجر في شهرنا والعولقي وابن سدّه

وهو (٢) وآل عبد المانع وآل ابن عبد الواحد سلاطين الظّاهر ، يرجعون إلى بني أميّة في النّسب (٣).

__________________

(١) الدّولة الطّاهرية : نسبتها لطاهر بن تاج الدّين بن معوضة اليمنيّ ، تمكّن أبناؤه من تأسيس دولتهم الطّاهريّة في اليمن سنة (٨٥٨ ه‍) ، على أنقاض دولة بني رسول ، استمرّت أكثر من سبعين سنة لتنتهي قبيل دخول الأتراك العثمانيّين إلى اليمن سنة (٩٣٣ ه‍).

(٢) أي : ابن سدّة.

(٣) هذا النّصّ ممّا كثر تداوله عند متأخّري المؤرّخين والنّسّابة ، وكلّ منهم ينقله عن الآخر ، وليس فيه تحقيق ولا تمحيص .. ولكنّ السّيّد المحقّق العلّامة علويّ بن طاهر الحدّاد تكلّم عنه وعن عدم الاعتناء بالنّسب وكثرة التّلاعب فيه من قبل من لا يحسن هذا الفنّ ، في «الشّامل» (٥٣ ـ ٥٥).

وأنقل هنا بعض كلامه لشّدة أهميّته ، قال رحمه الله وطيّب ثراه : كانت كندة تسمّى (كندة الملوك) ؛ لتطاولهم إلى الملك وحرصهم عليه ، وكانت العرب تعترف لهم بذلك ...

... ولعل وجود اسم (معاوية) في أنسابهم ـ أي ولاة حبّان ـ هو الّذي حمل أصحاب التّعاليق على نسبة ولاة حبّان إلى بني أميّة ؛ لأن عامرا هو ابن وهب بن معاوية الأكرمين الكنديّ ، وأهل الزّمن الأخير قد تركوا البحث في الأنساب ، وخلت أيديهم من كتبها ، فإذا سمعوا بقيّة إشاعة عن نسب .. فهموه على ما عندهم من قلّة العلم ، وهم إنّما يعلمون أنّ معاوية كان من بني أميّة لشهرته عندهم ، ولا يعلمون أنّه كان في حضرموت وجهاتها كمّ من معاوية. وفي كندة قبيلة تسمّى : (يزيد بن معاوية) ، ومنهم بقيّة إلى الآن ، فلعلّ ذلك مصدر ما جاء في بعض التّعاليق : (أنّ ابن سدّة ، وباواحدة ، حرّاث بحضرموت .. أمويّون من ذريّة يزيد بن معاوية ، وأنّ آل عبد المانع بالجول

٨٣

وفي حوادث سنة (٩١٥ ه‍) من «تاريخ شنبل» [ص ٢٣٧ ـ ٢٤٨] : أنّ عبد الودود بن سدّة صال على بيحان ، فأفسد ضمرا (١) فيها ، ثمّ لاقاه آل بيحان مع رجوعه عن واديهم ، فقتلوا من عسكره أكثر من عشرين ، وأخذوا عليه عبيدا وعتادا وأسلحة.

ومنه : في أخبار سنة (٩١٧ ه‍) [ص ٢٥٣] : توفّي السّلطان العادل عبد الودود بن سدّة.

وينهر إلى ميفعة كلّ من جبال عمقين (٢) ووادي هدى ووادي سلمون ، وكان بينها وبين وادي حبّان جبل يمنع من وصول مائه إليها ، ولكنّ أحد الملوك السابقين فتح فيه نفقا يخترقه ، فصار ماء حبّان يفيض فيه إلى ميفعة. كذا أخبرني بعضهم عن مشاهدة ، وإنّها لأمارة ملك ضخم وسلطان عظيم.

وما بين عطف ميفعة المسمّى عطف بالرشيد وميفعة .. آثار مدينة قديمة يقال لها : الهجر (٣) ، كان يقال : إنّها ثاني بلاد ذلك الصّقع بعد مدينة شبوة ، ولا تزال آثارها ماثلة وأساطينها قائمة ، وعليها كتابات كثيرة بالمسند ، وحجاراتها منجورة ،

__________________

قرشيّون أمويّون ، ومنهم آل عبد الواحد سلاطين الظّاهر. اه ومع أنّ آل عبد الواحد ليسوا سلاطين الظاهر .. فالقول بنسبتهم إلى بني أميّة وهم من الأوهام. وقد جاءت جيوش المنصور العبّاسيّ مع معن بن زائدة فما تركت من متردّم ، فكيف يصحّ أن تترك أحدا من بني أميّة حتّى يملك ويتسلطن ، وهم قد قتلوا من أهل حضرموت في وقعة واحدة خمسة عشر ألفا لأنّهم خوارج ، فكيف لو كان أحد منهم مع ذلك من بني أميّة أعدائهم الألدّاء؟! ... إلخ وهو كلام محرّر نفيس.

(١) الضّمر ـ بضمتين ، جمع ضمير ـ وهو : السّدّ الصّغير الّذي يبنيه المزارع ليستفيد من مياه السّيول والأمطار.

(٢) وادي عمقين : بفتح العين والميم ، وقد أطنب في وصفه صاحب «الشامل» (ص ٤٧) بما لا مزيد عليه .. فلينظر هناك.

(٣) يوجد بحضرموت ثلاثة مواضع تسمّى (الهجر) .. وردت في كتاب «تاريخ اليمن القديم» وهي : (هجر الناب) بوادي مرخة ، وفيه آثار قديمة ، لعلّها تعود إلى عهد مملكة أوسان. و (هجر كحلان) وهذا بمنطقة بيحان ، وهو موقع مدينة تمنع ، عاصمة الدّولة القتبانيّة الّتي يعود عهدها إلى القرن العاشر أو الحادي عشر قبل الميلاد. و (هجر بن حميد) وهو العاصمة الجديدة لمملكة قتبان بعد خراب تمنع ، وهذان الهجران الأخيران لعلهما الأقرب إلى مراد المصنّف رحمه الله.

٨٤

وضخامتها تدلّ على أنّه كانت عندهم آلات غريبة للنّقل ؛ لأنّ نقل تلك الحجارة الضّخمة لا يسهل للجمال ولا للرّجال.

وقبائل ميفعة هم :

آل بابحر ، ينقسمون إلى أربع فصائل ؛ آل بارشيد ، وآل باقطمي ، وآل باديّان ، وآل بافقيه يقدّرون ـ حسبما أخبرني بعضهم ـ بأكثر من ألف وخمس مئة رام. والله أعلم بحقيقة الحال (١).

وما سبق من خرق الجبل ليس بالكبير في جانب ما ذكره ياقوت في مادة (مندب) [٥ / ٢٠٩] : (من أنّ بعض الملوك أراد أن يهلك عدوّه ، فندب الرّجال إلى المندب ـ وكان جبلا يحجز البحر ، ويمنعه أن ينبسط بأرض اليمن ـ فقدّوه ، فنفذ البحر إلى أرض اليمن ، وغلب على بلدان وقرى كثيرة ، وأهلك أمما ، وصار منه بحر اليمن الحائل بين أرض اليمن والحبشة ، الآخذ إلى عيذاب والقصير إلى مقابل قوص من بلد الصّعيد ، وعلى ساحله أيلة وجدّة والقلزم وغير ذلك من البلاد). والله أعلم.

هذا آخر كلام ياقوت ، وفيه من البعد ما لا يقبله العقل ؛ لأنّ هذا البحر المسمّى بالأحمر قديم جدّا ، ولأنّ المسافة ما بين رأس دمار الواقع في أفريقيا والجبل المسمّى المنهلي ـ المنسوب للشّيخ سعيد ، وفيه قلعة ـ تقرب من ثلاثين ميلا (٢) ، تمخرها كبريات السّفن بلا توقّف ، فما هو ـ إن صحّ ـ إلّا أمر عظيم لم يصل إليه الغربيّون الآن ، ولا إلى قريب منه ، وظاهر كلام ياقوت أنّه لذلك سمّي المندب.

وسمعت بعض أهل اليمن يقول : إنّما سمّي المندب لواقعة بتهامة كثرت القتلى فيها ، فانتشرت النّدبة (٣) فيه وفي كلّ ما وراءه من البلدان ، فلذلك قيل : باب المندب. والله أعلم.

__________________

(١) الّذي في «الشّامل» (ص ٧٢) : أنّ الباقطميّ يتراوح تقديرهم بين (١٥٠) و (٥٠٠) ، على اختلاف بين القائلين. ونعمان كلّها تقدّر بنحو (١٥٠٠) مقاتل.

(٢) يقدر عرض فتحة باب المندب بنحو (٢٤) كم فقط.

(٣) النّدبة : البكاء على الميت ، وتعداد محاسنه.

٨٥

ثمّ زارني البحّاثة المؤرّخ سارجنت يحمل كتابا اسمه : «تاريخ المستبصر» طبع بليدن سنة (١٩٥١ م) ، مؤلّفه جمال الدّين أبو الفتح يوسف بن يعقوب الشّيبانيّ الدّمشقيّ المعروف بابن المجاور ، فإذا بعبارة ضعيفة ، ومناقضات وتجازيف تطلب كثيرا من البساطة ، وقد نقل في (ص ٩٥) منه عن المفيد بجياش ابن نجاح الحبشيّ قال : إنّ ذا القرنين لمّا وجد شدّة الحرّ .. نقب باب المندب ، فخرج البحر حتّى وقف عرق منه بالقلزم ، وحصل الفرق بذلك بين العرب والحبش ، وبنى بعض العرب على جبل المندب حصنا.

وقال في (ص ١٠٦) : إنّه كان لا يرى من عدن إلّا رؤوس الجبال ، حتّى فتح باب المندب ، فجرى البحر إلى القلزم وعرض وانبسط .. فبانت أرض عدن.

ومثله في (ص ١٠٧) و (١١٥) ، وغير ذلك ، ودلل في (ص ١٠٦) بما أكثره عليه لا له ؛ منه : أنّ شدّاد بن عاد لم يبن إرم ذات العماد إلّا ما بين اللّحيّة ولحج ، وبين المعادي الّتي على طريق المفاليس ، ولم يكن ثمّ بحر ، وإنّما استجدّ البحر بفتح ذي القرنين. اه مختصرا.

فإنّه لو كان موضع إرم ذات العماد مغمورا بالبحر .. لما أمكن البناء فيه ، وقد قال في (ص ١٤٨) : إنّ المعادي قريب من عدن ، فهل كان قاعا صفصفا ثمّ انغمر بالبحر حتّى كان فتح ذي القرنين لباب المندب فعادت إلى حالتها الأولى؟!

وسيأتي في العرّ أنّه اسم لجبل عدن ، وقال ابن المجاور في (ص ١٠٧) ناقلا عن «تفسير أبي عبد الله الكبيساني» : لمّا خرج شدّاد بن عاد من أرض اليمن .. طالبا أعراض حضرموت ، ووصل لحجا .. نظر جبل العرّ في مسافة بعيدة ، فقال لأصحابه : اغدوا فانظروا ما دون هذا الجبل ، فقالوا : واد فيه شجر وأفاع عظام ، وهو مشرف على البحر المالح ، فنزل بلحج ، وأمر بأن تحفر الآبار الّتي يشرب منها أهل عدن ، وأمر أن ينقبوا له باب المندب في صدر الوادي ، واستعان عليه بعفريت من الجنّ ، فنقره له في سبعين سنة ، وتمّ له الأمر على ما أراد. اه باختصار ، فهذا كلّه شاهد بأنّ أرض عدن كانت كحالها اليوم في أيّام شدّاد ، وهو في غير موضع من

٨٦

«تاريخه» ، مصرّح بتأخّر ذي القرنين عن شدّاد كما عليه النّاس ، ثمّ إنّه يعد كما في صفحة (١٤٧) بغرق عدن ، ورجوعها لجّة من لجج البحر ، وعلى الجملة .. ففي الكتاب تجازيف ـ كما قلنا ـ لا تبرك عليها الإبل ، ولا يسلّم بها من يعقل.

ومنها قوله بصفحة (٣٢) : إنّ بالحجاز نهرا يسمّى : نهر السّبت ، يشتدّ جريه ليلة الجمعة إلى غداة السّبت ، حتّى لا يقدر الإنسان يعبره ، ثمّ يسكن باقي الأسبوع ، ووراء هذا النّهر مئة ألف ألف من اليهود ما بين رجل وامرأة ، ولم يذكر الصّبيان.

أمّا زمن ابن المجاور مؤلّف الكتاب .. فيفهم من قوله في صفحة (١٥) رأيت في المنام ليلة السبت (٦) شعبان (٦٢٤ ه‍) ... إلخ ، وقوله في صفحة (٩٥) : حدثني بدوي من أهل البلاد بهذا المنزل سنة (٦١٩ ه‍) ... إلخ.

إلّا أنّ ذلك لا يلتئم مع ما ذكره في صفحة (١١٧) من خراب عدن إلى أن جاء الفرس ووقع سلطان شاه بن جمشيد بن أسعد بن قيصر في عدن ، وتوطّن بها ، فانعمرت بمقامه ، وكان يجلب إليهم ماء الشّرب من زيلع ، ثم بنوا الصّهريج لماء الغيث ... إلى أن قال : ووضع مربط فيله في سنة (٦٢٥ ه‍) ، فلمّا رأى ذلك .. تولى السّلطنة ، وذكر له من الألقاب ما تستحقر له الأقاليم الواسعة ، ومنها :

مالك رقاب الأمم ، سيّد سلاطين العرب والعجم ، غياث الدّنيا والدّين ، ركن الإسلام والمسلمين ، ظلّ الله في الأرض ، محيي السّنّة والفرض ، سلطان البرّ والبحر ، ملك الشّرق والغرب ... إلى غير ذلك من الأوصاف الّتي أضجرتني .. فتركت أكثرها ، ثمّ ذكر بعده ألقاب تسعة من ملوكهم ، كلّها ضخمة تتفسّخ منها الآكام ، ثم قال :

فهؤلاء ملوك العجم الذين تولّوا عدن ؛ فإنّ عمره لا يتّسع لزمان هؤلاء ، ما لم تكن مدّة كلّ منهم أقصر من ظمء الحمار (١) ، وبين يديّ الآن «صبح الأعشى» [٥ / ١٨ ـ ٣٣] وقد ذكر ملوك اليمن جاهليّة وإسلاما ، وجعلهم عشر طبقات : العادية ،

__________________

(١) مثل يضرب في شدة قصر المدة ، قال الميداني في «مجمع الأمثال» (٢ / ١٢٦): (قالت العرب ذلك ؛ لأنّ الحمار لا يصبر عن الماء).

٨٧

فالقحطانيّة ، فالتّبابعة ، فالحبشة ، فالفرس الأولى ، فعمّال النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم والخلفاء الرّاشدين ، فبنو زياد ، فبنو مهديّ ، فبنو أيّوب أصحاب مصر ، فبنو رسول ، ولم يذكر حرفا واحدا عن أولئك الّذين عظّم ابن المجاور من أمرهم حتّى كاد يبلغ بهم عنان السّماء ، وحسبك بذلك دلالة على صغرهم مع انطوائهم في ملك آل رسول.

ثمّ ابن المجاور ناقض كلامه ؛ إذ قال في ذكر خراب عدن صفحة (١٤٧) : قال قوم : تخرب عدن سنة (٦٤٧ ه‍) ، ودلّ على تصديق المقالة دخول نور الدّين عمر بن عليّ بن الرّسول إلى عدن يوم الأربعاء (٢٦) رجب سنة (٦٢٤ ه‍) ، وذكر من إرهاقه الرّعايا بالضّرائب الباهظة ، الّتي وضعها على كلّ شيء ما عدا السّمك والماء مدلّلا بذلك على ما تفرّسه من خراب عدن .. فما هو إلّا متخبّط في الأحلام والأوهام .. فكيف يزعم أنّ عدن عمرت بعد الخراب على يد سلطان شاه ، وسلطنته متأخّرة عن دخول عمر بن عليّ كما يفهم من كلامه السّابق ، على أنّ عمر بن عليّ بن رسول إنّما استقرّ على الملك بالنّيابة بعد أبيه ، ثمّ غلب عليه ، وخرج عن طاعة بني أيّوب ملوك مصر فتلقّب بالملك المنصور ، وكانت وفاة أبيه على ما في «صبح الأعشى» سنة (٦٣٠ ه‍) ، على أنّ الّذي في «التّاج» أنّه ـ أعني عليّ بن رسول ـ أوّل من عهد إليه الخليفة المستعصم قتيل هولاكو آخر ملوك بني العبّاس في العراق ، والّذي في «حياة الحيوان» [١ / ١٢٣] للدّميريّ : (أنّ بيعة المستعصم هذا لم تكن إلّا سنة «٦٤٠ ه‍») ، ومهما يكن من الأمر .. ففي كلام ابن المجاور أغلاط تمنع من الاعتماد عليه.

أمّا قوله : الرسول في قوله : عمر بن عليّ بن الرّسول .. فلا يستنكر منه ؛ لأنّ كثيرا من عباراته على هذا النّمط من الضّعف الّذي يخلج بالشّكّ في نسبته لعالم يتكلّم بلسان عربيّ مبين ، وسيأتي في ثبي عن الهمدانيّ أنّ عدن كانت محاطة بالجبال ، لا يظهر عليها إلّا من تسنّمها ، إلّا أنّ حمير فتحت لها بابا في الجبل تمرّ فيه المحامل والدّوابّ ، وهو مخالف لما سبق عن ابن المجاور ، ومن أنّ ناقره هو عفريت شدّاد ،

٨٨

وبعد هذا رأيت سيّدي عبد القادر بن شيخ العيدروس ينقل في «النّور السّافر» عن «تاريخ ابن المجاور» هذا ، واسمه : «المستبصر» ، ومن جملة ذلك ما نقله عنه في (ص ٧١) في ذكر سدّ مأرب ، ولكنّه لا يسلم من الخبط ؛ إذ زعم أنّ الملك الّذي تواطأ مع ابنه على المشادّة والضّرب .. هو النّعمان بن المنذر ، وإنّما هو عمرو بن عامر كما ذكر السّيّد عبد القادر عن غيره ، وهو الّذي عليه المؤرّخون.

ميفع (١)

هو ساحل يبعد عن البحر بنحو ساعة ونصف ، في شرقيّ بير عليّ وغربيّ بروم.

عليه أراض واسعة ، وفيه مياه غزيرة تدفع إليه من حجر.

وفي أخبار الشّيخ عبد الله بن عمر بامخرمة ـ المتوفّى سنة (٩٧٢ ه‍) ـ : أنّ له مدائح في سلطان ميفع سند بن محمّد الوداد الثعيريّ (٢).

__________________

(١) ميفع الآن مركز إداري في الساحل الحضرمي ، وإليه تدفع مياه حجر وتذهب بعد ذلك إلى البحر عند رأس الرجيمة وحصن بن طالب ، وتكثر على جانبيه أحراج النخيل والأشجار والأعشاب. وفي عام (١٤١٧ ه‍) دهمه سيل عظيم فتح منافذ جديدة له في الأرض. وأغلب السكان فيه من قبيلة (نوّح) ، وأكبر بلدانه : السفال ، ثم جول الهنا ، وشرمه ، والغبره. وبالقرب من السفال تمر الطريق الإسفلتية الذاهبة شرقا إلى المكلا ، وغربا إلى وادي ميفعة.

(٢) ههنا حصل تصحيف من النّسّاخ أدّى إلى وجود هذه العبارة والمعلومة المغلوطة.

وتصويب العبارة : أن للعلامة الفقيه عبد الله بن عمر بامخرمة مدائح في سلطان ميفعة ـ وليس ميفع ـ واسمه أحمد بن محمد بن عبد الودود بن سدّة ، الذي كان يحكمها في منتصف القرن العاشر ، وكان حاكما لها سنة (٩٤٥ ه‍) حيث ذكره المؤرخ باسنجلة في «تاريخه» ، ونقله عنه صاحب «الشامل» (٦٩). ومنشأ الوهم والخطأ من نسخة «السنا الباهر» للشلي ، ويعلم ذلك من الآتي : ١ ـ عدم وجود قوم يقال لهم آل الوداد ، بل هم آل عبد الودود. ٢ ـ النسبة (الثعيري) لا تعرف ، إنما المعروف : الثّعيني ، وهم من بني ظنة. ٣ ـ أن آل سدّه معروفون بكونهم حكام المنطقة كما يؤخذ من «الشامل» وغيره. ٤ ـ تبع صاحب «السنا الباهر» في نقل هذا الخبر على علّاته عدد من المؤرخين ؛ منهم المصنف ، وباوزير في «الصفحات» وصاحب «تاريخ الشعراء». ٥ ـ النص الذي اعتمد عليه هؤلاء هو في حوادث سنة (٩٧٢ ه‍) في ترجمة بامخرمة من كتاب «السنا الباهر» (ص ٦٣٣) ، و (٦٣٧) من نسخة دار الكتب المصرية ، وهو نص محرف.

٨٩

وقال السّيّد سالم بن أحمد المحضار : (وفي سنة «١٣١٤ ه‍» استولى الجمعدار (١) غالب بن عوض القعيطيّ على وادي ميفع ، أخذه بالشّراء الصّحيح من آل بامزاحم ، وآل باحفيظ ، وآل بامعبد.

ولمّا علم بذلك آل عبد الواحد .. رفعوا عليه دعوى في عدن وطال النّزاع ، ولكنّه انتهى بفوز القعيطيّ.

وفي سنة «١٣١٥ ه‍» بنى المصانع والحصون بميفع وساق الأكرة والعمّال من المكلّا ، وحصّنها بالعساكر ، وهي بالحقيقة أرض آل عبد الواحد ، ولكنّ القعيطيّ غلبهم عليها مع ضعفهم) (٢). هذا حاصل كلامه باختصار وتلطيف.

وقوله : (غلبهم القعيطيّ) لا يخالف ما قبله من قوله : (أخذه بالشّراء الصّحيح) ؛ لأنّ الشّراء واقع على ملك اليد ، والغلبة واقعة على الإمارة ، وقلّما تؤخذ إلّا غصبا.

قال المتنبّي [في «ديوانه» ١ / ١٢١ من البسيط] :

فالموت أعذر لي والصّبر أجمل بي

والبرّ أوسع ، والدّنيا لمن غلبا

وقال [في «ديوانه» ٣ / ١٤٧ من الخفيف] :

من أطاق التماس شيء غلابا

واغتصابا .. لم يلتمسه سؤالا

__________________

فائدة : كان وادي ميفع ـ وهو قطعة من وادي حجر ممّا يلي السّاحل ـ في القديم من أملاك كندة وفي القرن العاشر غار عليه آل سدّة حكّام ميفعة ، ثم كان لآل عبد الواحد بها ملك. اه «الشّامل» : ص (٧٤).

(١) الجمعدار : (رتبة عسكرية) كلمة هندية الأصل ، وتعادل هذه الرتبة في أيامنا رتبة ملازم أول ، وكانت تعني في عصر المؤلف : رئيس الجماعة ، وقد يصل عدد هذه الجماعة إلى ألفين أو أكثر من الجنود التابعين لجيش نظام حيدر آباد.

(٢) ومثله في «الشّامل» (ص ٧٤ ـ ٧٥) ، ولم يذكر فيه أنّها لآل عبد الواحد حقيقة كما هنا ، وزاد بعد هذا : (ولكنّ حمّى الصفرا وحمّى الوخم كانت تنقص من أعداد العسكر والعمّال ، ولم يستفد السّلطان منها شيئا يذكر) اه

٩٠

وقال [في «ديوانه» ٢ / ٦٢ من الطّويل] :

إذا لم تجزهم دار قوم مودّة

أجاز القنا ، والخوف خير من الودّ (١)

وقال [في «ديوانه» ١ / ٦٠ من الطّويل] :

ومن تكن الأسد الضّواري جدوده

يكن ليله صبحا ومطعمه غصبا (٢)

وأصل المعنى فيما أحفظ : ما أنشده مروان يوم وثب على الملك بعد معاوية بن يزيد ، وهو [كما في «الطبقات الكبرى» ٤ / ١٦٩ من البسيط] :

إنّي أرى فتنة تغلي مراجلها

والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا

وأرض ميفع صالحة للزّراعة لكثرة مائها وحسن تربتها ، فهي مظنّة ارتفاع هائل ، إلّا أنّها موبوءة (٣) ، قلّ من أقام بها إلّا زارته الحمّى من دون حياء ، ثمّ لم تفارقه حتّى تورده شعوب (٤) ، ولكن ما أظنّه يصعب مع تقدّم الطّبّ في الأيّام الأخيرة أن يعالج هواؤها حتّى يصحّ ، فتنبعث نيّة السّلطان لعمارتها ، حتّى يتوفّر على الخزينة ربح عظيم ، ومال كثير تنتعش به البلاد وينتفع به العباد ، إن لم يؤل الأمر إلى مثل قول الرّصافيّ [من مجزوء الرّمل]

هو ملك مشرق

يّ الضّرع غربيّ الملابن

__________________

(١) المعنى : إذا بلغوا في أسفارهم منازل قوم لم يكن بينهم وبين سكانها مودّة .. أجازتهم رماحهم فلم يخافوا أهل النّاحية. ثمّ قال : وأن تخاف خير من أن تحبّ ؛ لأنّ من أطاعك خوفا منك .. كان أبلغ من أن يطيعك بالمودّة. والله أعلم.

(٢) المعنى : من كان ولد الشّجعان ، وكان جدوده كالأسود الّتي تعوّدت أكل اللّحوم .. يكن اللّيل له نهارا ؛ لأنّه لا تعوقه الظّلمة عن إدراك ما يريد ، وكان مطعمه ممّا يغصب من الأعداء ، فهو يركب اللّيل لقضاء حاجته.

(٣) تحدّث عن وباء ميفع صاحب «الشّامل» ص (٧٥) فقال : (وفي ميفعة مستنقعات ، كثر من أجلها البعوض ، وكانت العرب تقول : إنه عشّ الحمّى ، وقد صدّق قولهم أهل علم الطّبّ الحديث ؛ فإنّه يوجد منه جنس يتسبّب عن قرصه الحمّى الصفراويّة ، ويقال لها : (الملاريا) ، وهذه الحمّى منتشرة بميفع وبحجر وبوادي ساه ، وبعض الغياض. وقد قلّ سكّان ميفع لوبائها ووخمها ..) اه

(٤) شعوب : اسم من أسماء المنيّة (الموت).

٩١

غير أنّ الولد حامد بن أبي بكر المحضار كثيرا ما يغضّ من شأن ميفع هذه ، ويجزم بضياع الآمال الّتي تعلّق على خيراتها ، وما أدري أهو بارّ في ذلك أم من أثر حقده على تلك الحكومة بسبب عزله.

وفي أخبار سنة (٩١٦ ه‍) من «تاريخ باشراحيل» : أنّ ابن سدّة أغار على ميفع ، ونهب عبيدا وبهائم ، ثمّ لاقاه ابن دغّار إلى نحو عين بامعبد ، فانهزم ابن دغّار انهزاما فاحشا فأسر ، وقتل من قومه نحو خمسة عشر ، وأسر الباقون.

حجر (١)

ذكر في «التّاج» و «أصله» : (حجر ذي رعين من حمير. وحجر الأزد).

قال : وباليمن موضع يقال له : حجر ، على مسافة عشرة أيّام من زبيد (٢).

وهو المذكور في قول مهلهل [من الوافر] :

ولو لا الرّيح أسمع من بحجر

صليل البيض تقرع بالذّكور (٣)

__________________

(١) حجر ـ بفتح فسكون ـ : واد عظيم في ساحل حضرموت ، على بعد خمسين كيلومترا غرب المكلا ، يمتد من يبعث وميفع شمالا إلى الساحل جنوبا ، بطول (٢٠٠ كم) تقريبا ، ثم يصب في البحر بالقرب من رأس الكلب ، وتوجد على امتداده قرى بها مساحات واسعة من الأراضي الزراعية. ويعتبر من أخصب المناطق في حضرموت وأكثرها ماء ، وفيه بعض عيون الماء الحار ، وأغلب سكانه من نوّح وحضرموت القبيلة ، وحالكة ومراشدة وخامعة ، وجماعة من العلويين.

(٢) زبيد هي : البلدة المشهورة ، صنّف في تاريخها مصنّفات ، وأجودها لابن الديبع الشّيبانيّ ، ومن أجمل ما كتب عنها : الكتاب المسمّى : «زبيد مساجدها ومدارسها العلميّة في التّاريخ» للأستاذ الفاضل عبد الرحمن عبد الله الحضرمي (١٩٣٣ ـ ١٩٩٣ م) رحمه الله ، صدر عن المركز الفرنسي للدراسات اليمنيّة بصنعاء في (٢٠٠٠ م).

(٣) الصليل : الصوت. والبيض : السيوف. والذكور : السيوف الفولاذيّة ، وسيف ذكر : يابس شديد جيّد. ويقال : إنّ هذا أكذب بيت قالته العرب ، وذلك لأنّ المعنى : قاتلناهم أشدّ القتال ، وضربناهم ضربا عنيفا .. حتّى إنّ صوت سيوفنا لو لا وجود الرّيح ليسمع من بعد عشرة أيّام ، وقبل هذا البيت قوله :

أليلتنا بذي حسم أنيري

إذا أنت انقضيت فلا تحوري

٩٢

وكانت الواقعة بالذّنائب (١) ، وهي على مقربة من زبيد.

وعلّ هذه الواقعة هي التي كثرت على هلكاها الندبة ، فيما تقدّم.

ولا أدري أحجر هذه بضمّ الحاء أم بفتحها؟ ولكنّ ياقوت [٢ / ٢٢٣] يقول : (قال أبو سعد : حجر ـ بالضّمّ ـ اسم موضع باليمن ، إليه ينسب أحمد بن عليّ الهذليّ الحجريّ) ، وأطال في حجر اليمامة ، وهي غير الّتي نحن بسبيلها ، وهي عاصمة نجد ، واسمها اليوم : الرّياض ، وإليها الإشارة بقول عروة بن حزام في نونيّته المشهورة [في «الأغاني» ٢٤ / ١٢٢ من الطّويل] :

جعلت لعرّاف اليمامة حكمه

وعرّاف حجر إن هما شفياني

وقول جحدر بن مالك الحنفيّ [من الوافر] :

فيا أخويّ من جشم بن سعد

أقلّا اللّوم إن لم تنفعاني

إذا جاوزتما سعفات حجر

وأودية اليمامة فانعياني

وقول النّابغة [الذّبيانيّ في «ديوانه» ٦٧ من الطّويل] :

وهم قتلوا الطّائيّ بالحجر عنوة

أخا جابر واستنكحوا أمّ جابر

وقول زهير [من الكامل] :

لمن الدّيار بقنّة الحجر

 ... (٢)

وأنكر أبو عمرو أن يكون المراد من هذا قصبة اليمامة ، وقال : لأنّ (أل) لا تدخلها.

ولكن قال الجوهريّ : (الحجر ـ بالفتحة ـ : قصبة اليمامة ، يذكّر ويؤنّث).

__________________

فإن يك بالذّنائب طال ليلي

فقد أبكي من اللّيل القصير

فلو نبش المقابر عن كليب

فيعلم بالذّنائب أيّ زير

بيوم الشّعثمين أقرّ عينا

وكيف لقاء من تحت القبور

وإنّي قد تركت بواردات

بجيرا في دم مثل العبير

«البلدان اليمانية عند ياقوت» (ص ٢٤). والزّير : الذي يعجبه كلام النّساء ، أو : جليسهنّ.

(١) الذنائب : بلدة في أسفل جبل ملحان ، بالقرب من المهجّم.

(٢) القنّة : أعلى الجبل. والبيت ـ كما سيأتي بعد قليل ـ في «خزانة الأدب» (٩ / ٤٣٩).

٩٣

وبيتا زهير والنّابغة يؤيّدان ما قال ؛ لأنّهم كثيرا ما يدخلون آلة التّعريف على الأعلام كما في قوله [من الطّويل] :

وجدت الوليد بن اليزيد مباركا

 ...

وهذا ينزّل عليه.

وقال في «صبح الأعشى» [٥ / ٥٩] : (ومن بلاد اليمامة حجر ، بفتح الحاء ، وسكون الجيم وراء مهملة في الآخر ، وهي في الغرب عن مدينة اليمامة ، على مرحلتين منها ، وبعضهم يجعلها قاعدة اليمامة. وبها قبور الشّهداء الّذين قتلوا في حرب مسيلمة الكذّاب) اه

وهو في هذا ناقل عن «المشترك».

ويأتي في السّفيل من قرى وادي العين ذكر سوق حجر ، وفي [٩ / ٤٣٩] من «الخزانة» أنّ قوله :

لمن الدّيار بقنّة الحجر

 ...

ليس لزهير ، وإنّما انتحلها حمّاد ، لمّا سأله المهديّ عن المشار إليه بقوله :

دع ذا وعدّ القول في هرم

 ...

فانتحل الأبيات الثّلاثة الّتي قبله.

وقال الطّيّب بامخرمة : (وحجر بفتح ثمّ سكون ، قال القاضي مسعود : هذا الاسم مشترك بين موضعين : أحدهما : حجر علوان ، وهو واد باليمن ، فيه قرى وحصون ، طيّب الماء والهواء والتّربة. والثّاني : حجر ابن دغّار الكنديّ ، وهو كثير المياه والنّخيل ، له غيال لا تنقطع ، وهي وخيمة جدّا بضدّ الأولى) اه

وهو صقع واسع (١) ، كثير المياه والنّخيل. ومن مدنه : كنينة ومحمدة ويون (٢).

__________________

(١) الصّقع : بالضّم ، النّاحية.

(٢) وقد وصف صاحب «الشامل» وادي حجر وشعابه ومدنه وقراه (ص ٧٦ ـ ٨٣). وذكر : أنّ الجائي

٩٤

ومن نواحيه الخصبة : المكان المسمّى بالصّدارة ، فيه نحو مئة عين نضّاخة (١).

ولا يزال آل أحمد بن هادي الواحديّ يدّعون لهم حقوقا فيه ، فلم تسمع لهم دعوى.

وفي غربيّ حجر جبال ، فيها المكان المعروف بصيق العجر ، وهو الّذي قتل فيه السّلطان عبود بن سالم الكثيريّ غدرا ، قتله أحد آل خليفة ـ وكان خفيرا (٢) معه ـ بجعالة (٣) وقعت له من جانب القعيطيّ ، حسبما فصّل ب «الأصل».

وفي شماله لبنة بارشيد ، بأعلى الجبل الّذي ينهر إلى حجر ، وهي الحدّ الفاصل ما بين الدّيّن ونوّح. ومن ورائها ريدة الدّيّن وسيبان وجبال دوعن وجبال نعمان.

وفي شعر الإمام إبراهيم بن قيس الإباضيّ ـ وهو من أهل القرن الخامس ـ ذكر كثير لابن دغّار المنسوب إليه هذا الوادي ، منه قوله [من الطّويل] :

سيعلم دغّار ابن أحمد والفتى

سلالة مهديّ وكلّ مخالف

إذا نزل المستنصرون بجحفل

يهزّون بيضا كالبروق الخواطف

والظّاهر أنّه أبو حجر الّذي ينسب إليه هذا الوادي.

وفي مسوّدة بقلم ضعيف : إنّ بلاد مدورة الواقعة بين لازم والسّور كانت بلادا قويّة معمورة.

أمّا ملوكها فهم : ابن دغّار ، وبابقي ، والصّيعر ، وابن دخياخ.

وأمّا سوقتها فهم : باصفّار ، وبامحفوظ ، وآل شحبل.

ثمّ لمّا طغوا .. سلّط الله عليهم النّهديّ ، وأتى لهم بابن سهل من القبلة ، فدمّروها

__________________

من فوّة إلى حجر يأتي أوّلا إلى وادي يون ، وهي بلدة قديمة بها آثار وقبور قديمة العهد ، والمسافة بين يون وكنينة مسيرة يوم ، ثم يسير الرّاكب في وادي عود مغرّبا إلى وادي فحمة ، وينعرج إلى الجنوب الغربي فتأتيه بلدة محمدة بكسر الميمين وسكون الحاء.

(١) نضّاخة : فوّارة ، كثيرة المياه.

(٢) الخفير : الحارس.

(٣) الجعالة : ما يعطى للإنسان على فعل شيء.

٩٥

تدميرا ، وهرب ابن دغّار وباقي أهلها ، وسكنوا خرايت سباي ، فسلّط الله عليهم الجوهي وطردهم ، فانتقل ابن دغار إلى حجر ، واستولى على باحوته وباحيوته ، واتّخذها له موطنا.

ثمّ جاء مركب من مسيطبة إلى حصن الغراب فمات ربّانه ، فأخذه ابن دغّار ، واتّخذ المسيطبة الّذين به عسكرا ، فهؤلاء الحجور من ذرّية أولئك.

ثمّ إنّ ابن دغّار قهر الدّيّن والمشاجرة ، وأخذ منهم العشور (١) ، وملك دوعن وطغى ، فتقلّص ملكه من دوعن ، ولمّا أيقن بالزّوال .. ختم الأنهار بالأخشاب ، ثمّ بالرّصاص الكثير المذاب.

وكان الّذي خلفه على الرّشيد وطائفة من دوعن : آل بالحمان.

وتاريخ زوال ملكه عن دوعن حسبما يفهم من تلك المسوّدة في حدود سنة (٧٨٢ ه‍).

وعن بارضوان عن «شجرة الأنساب» لأبي الحسن الأشعريّ : (أنّ بني دغّار بمدورة) اه

وفيه تأكيد لبعض ما تقدّم.

وفي ترجمة الشّيخ مبارز بن غانم الزّبيديّ (٢) من «طبقات الشّرجيّ» [٢٦٣ ـ ٢٦٤] : (أنّه انتقل إلى حجر ـ وهي جهة متّسعة ، تشتمل على قرى ومزارع ، خرج منها جماعة من الصّالحين ـ وابتنى بها رباطا لم يزل به حتّى مات هناك ، وقبره مشهور). وكانت وفاته ـ حسبما يفهم من السّياق ـ في العقد (٣) الثّامن من المئة السّابعة.

وهذا الاسم وإن كان مشتركا بين حجر علوان وحجر ابن دغّار .. فهو إلى الثّاني أقرب ؛ لأنّ انتقال الشّيخ مبارز إليها كان من عند الشّيخ أحمد بن أبي الجعد بأبين ، وهي إلى هذه أدنى ، ثمّ أخبرني من أثق به أنّ حجر علوان في قعطبة على مقربة من الضّالع وأبين .. فهو المراد إذن ، والله أعلم.

__________________

(١) العشر : ما يؤخذ من زكاة الأرض الّتي أسلم أهلها عليها ، ولعلّ المراد هنا : الضّرائب.

(٢) هو بضمّ الزّاي ، نسبة إلى القبيلة المشهورة لا إلى البلدة.

(٣) العقد : عشر سنوات ، أي : في سنة ست مئة ونيّف وسبعين.

٩٦

وبعد أن تقلّص ملك ابن دغّار من دوعن .. وهت أسبابه في حجر ، ولم يزل في التّلاشي حتّى اضمحلّ ملكهم ، وبقيت منهم فرقتان ، يقال لإحداهما : آل فارس ، يسكنون الآن في ميفع ، لا يزيد عددهم عن خمسة عشر رجلا ؛ منهم : الشيخ سعيد بن طالب. والأخرى : آل ابن يمين ، وعدّتهم نحو ثلاثين رجلا ، يسكنون قرية صغيرة ، تبعد خمسة أميال عن جول باخيوة ، يقال لها : الحسين.

وخلفته عليها نوّح ، وهي من سيبان ، وسيبان كما في «بغية شيخنا المشهور» [ص ٢٩٩] ، نقلا عن الغسّانيّ : من ولد حضرموت بن سبأ.

وهي شعب كبير تتفرّع منه عدّة قبائل :

منهم : الحالكة (١) ، تشمل : بلحمر ، وبانخر ، وباسعد ، وهم نحو أربع مئة رام.

ومنهم : الخامعة ، تشمل : باصرّة (٢) ، وباقديم ، وباسلوم ، وبارشيد ، وهم نحو ثلاث مئة وخمسين راميا.

ومنهم : المراشدة (٣) ، يدخل فيهم : آل بادحيدوح ، وبابعير ، وباصريح ، وباكردوس ، وباضروس ، وهم نحو خمس مئة رام.

ومنهم : القثم ، يدخل فيها : آل بامغرومة ، وباصقع ، وبني مقدّم ، وبن علي بامسلّم ، وهم نحو ثلاث مئة رام.

__________________

(١) في «تاريخ حضرموت السّياسي» (٢ / ١٠١) : الحالكة ، قبيلة كبيرة من سيبان ، تسكن غيل الحالكة في وادي دوعن الأيسر ، والنسبة إليهم (أحلكي) بفتح الحاء وسكون اللّام ، وهم : آل بادقيل ، آل بانخر ، آل باسعد ، الإبايضة. وآل بادقيل منهم : آل بلحمر ، آل بلغيث ، آل باجعيفر ، آل بلشرف ، آل باحميد. وباحميد هؤلاء هم سكان دوعن غير باحميد سكان مدودة الآتي ذكرهم فيها.

وبانخر منهم : آل بقشان ، آل باكزموم ، آل باضراح ، وآل باطويل ، وسيأتي في دوعن أن باطويل أسرة من آل العمودي وهم غير هؤلاء. وزاد في «أدوار التّاريخ الحضرمي» (٢ / ٣٥٩) : الخنابشة ، أي : آل الخنبشي.

(٢) آل باصرة هؤلاء غير آل باصرّة سكان حوفة وتولبة من بلاد وادي دوعن الأيسر ؛ فإن أولئك سادة أشراف من بني علوي الحسينيين ، وسيأتي التنبيه على هذا في موضعه لا حقا.

(٣) وهم غير المرشدي اليافعي.

٩٧

ومنهم : آل باخشوين ، لا يزيدون عن ستّين راميا ، ومنهم الآن رجل أبيض السّريرة ، واسمه محمّد بن سالم ، يحبّ الخير ، عمّر عدّة مساجد في ممباسا ، وبها سكناه ، وهو من أتلادها (١).

ومنهم : باعمروش ، نحو عشرة رميان.

ومنهم : السّموح (٢) ، وهم : الجهضميّ ، والشاكعة ، وبامنصور ، والجودانيّ ، والغويثيّ ، والحسنيّ ، وباوسيم (٣) ، وعددهم قليل.

ومقدّم السّموح أو السّماح بأسرهم الآن : حسن باعمر.

وأكثر هذه القبائل بدوعن وجبالها وما حواليها.

ومساكن السّماح روبه وهي : على مقربة من لبنة بارشيد وحنور ومسايل الصيوق وهذه كلّها نجود يدفع ماؤها إلى حجر.

ومن مساكنهم يون وهي : سبع قرى فوق أعلى وادي حجر.

ومن سيبان الإمام العظيم ، أحد علماء الإسلام : أبو عمرو عبد الرّحمن بن عمرو بن محمّد الأوزاعيّ (٤) ، كما في (السّين) من كتاب «المغني في النّسب» للعلّامة الفتني.

وقال الطّيّب بامخرمة : (سيبان بطن من حمير ، ووهم الذّهبيّ فجعلهم من مراد) اه والطّيّب جعل سيبان بطنا ، والعمارة أكبر منه ، والقبيلة أكبر من العمارة (٥).

ونحن ذهبنا بها بعيدة ، فجعلنا سيبان شعبا تتفرّع منه تلك القبائل الّتي لا تعدّ إلّا

__________________

(١) من أتلادها ؛ أي : ممّن سكنوها قديما.

(٢) والنسبة إليهم : سومحي.

(٣) والأشكعي وهم أكثرهم ، والأشولي ، والحسني ، والغويثي ، وبامنصور ، وغيرهم.

(٤) الإمام الأوزاعي (٨٨ ـ ١٥٧ ه‍) ، كان أعلم أهل الشام في زمانه ، وجده اسمه يحمد ـ بالياء ـ وليس محمدا.

(٥) رتّبت العرب القبائل والشّعوب فجعلتها أقساما : فأكبرها : الشّعب ، ثمّ القبيلة ، ثمّ الفصيلة ، ثمّ العمارة ، ثمّ البطن ، ثمّ الفخذ.

٩٨

أفخاذا أو فصائل على ما ذكر ، ولكن لا مشاحّة في مثل ذلك ، ولا سيّما مع تطاول الأيّام وكثرة التّوالد. ومهما يكن من الأمر .. فإنّه قريب.

وعندما جاء ذكر أعقاب السّيّد عبد الرّحمن بن علويّ الخوّاص الجفريّ (١) من «شمس الظّهيرة» .. أشار إلى أنّ بعضهم بحجر العوالق ، ومنه يفهم أنّ هناك حجرا ثالثا ، إلّا أنّه خفيّ لا شهرة له.

وقد علمت ممّا سبق عن الطّيّب بامخرمة : أنّ حجر بن دغّار كنديّ النّسب ، ليس من سيبان في رطب ولا عنب.

وفي حجر موضع يقال له : الواد ، زعم بعضهم أنّه المراد من قوله جلّ ذكره : (وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ) وقد يستظهر له بقربه من حصن الغراب ، وبما حواليه من الآثار الموجودة والحجارة المنحوتة ، وإليه يذهب العلّامة أبو بكر ابن شهاب ، بل يقول : إنّ حجرا هذا هو حجر ثمود ، لكنّه مخالف لما في «الصحيحين» [خ ٣٣٧٨ ـ م ٢٩٨٠] من مروره صلّى الله عليه وآله وسلّم به في مسيره إلى تبوك ، ولم يذكر أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم دخل هذا ولا قاربه ، إلّا إن تناءت بالتّعدّد لانتشار الأمّة وضخامتها ، والعرب كثيرا ما تسمّي مهاجراتها بأسماء أوطانها ، وقد وصف الله في (الشّعراء) بلاد ثمود بأنّها في جنّات وعيون وزروع ونخل ، طلعها هضيم ، وإنّ أهلها ينحتون من الجبال بيوتا فرهين (٢). وكلّ ذلك منطبق على حجر. والله أعلم.

وبعقب ما اشترى السّلطان غالب بن عوض القعيطيّ أرض ميفع ـ بالنّيابة عن أبيه ـ اشتدّ طمعه في حجر ، إلّا أنّها تمنّعت عليه بعقبة كأداء (٣) لا طريق لها إلّا منها ، فكلّما أرسل القعيطيّ بجيش .. كمنوا له في مخارمها فأبادوه ـ أو كسروه على الأقلّ ـ حتّى لقد جهّز لهم ثلاثة آلاف مقاتل بزادهم وعتادهم ، فلّما كادوا يتسنمون تلك العقبة ، وأيقنوا بالظّفر .. سيّروا بالكتب إلى السطان غالب بن عوض ، فأمر بإطلاق المدافع ،

__________________

(١) السيد عبد الرحمن هذا ، توفي في مطلع القرن العاشر.

(٢) والآيات المشار إليها في سورة الشعراء هي (١٤٧ ـ ١٤٩).

(٣) كأداء : شاقّة.

٩٩

ورفع شارات الأفراح ، ولكن نوّح غدرت بهم ، فتداعت عليهم وهزمتهم ، وقتلت ثلاثين ، وأسرت ثلاثين ، وفرّ الباقون ، وكانت معدّاتهم غنيمة لنوّح ، وفي ذلك يقول شاعرهم :

يا حجر ريضي وارقبي واستامني

ما داموا اصحابش يديرون النّقوس

إلا ان بغيتي اليافعي من خاطرش

أنا عليّ العقد وامسي له عروس

والمراد بالنقوس : البارود.

ولمّا لم يكن لهم ذرع بالمطاولة ، وكان السّلطان عوض قويّ العزيمة ، شديد الشّكيمة ، لا تنفسخ له نيّة من هزيمة .. أخذ يوالي الزّحوف ، ويبذل الألوف (١) ، ويشتري ما يقدر عليه من الضّمائر بواسطة السّادة ، حتّى انقطعت أسباب نوّح ، وتعطّلت معايشهم ، فنجعوا لتحكيم السّيّد حسين بن أحمد العطّاس ـ صاحب (عمد) ـ والسّيّد أحمد بن حسن العطّاس صاحب حريضة (٢).

وفي ذي القعدة من سنة (١٣٢٨ ه‍) توجّه السّيّدان ـ وكان الأوّل محمولا على الأعناق ؛ لضعفه وكبر سنّه ـ فحكما بأنّ جميع وادي حجر ونواحيه ـ كنينة ومحمدة ويون وما تعلّق بها ـ يكون تحت سلطنة السّلطان عوض بن عمر وأولاده : غالب ، وعمر ، وصالح ، وما تناسلوا.

فلهم سلطان الأرض ، ولنوّح إعفاء أموالهم الخاصّة من جميع الرّسوم الدّوليّة ،

__________________

(١) وقد استمر في المناوشات مدة تقرب من (١١) أحد عشر عاما ، من (١٣١٧ ه‍) إلى (١٣٢٨ ه‍) حين تم التّحكيم.

(٢) ومثله في «الشّامل» (ص ٨١) ، وحاصله : أنّه عقب هزيمة الجيش القعيطيّ في وقعة (حوته) سنة (١٣١٧ ه‍) غضب السلطان غالب ممّا حدث ، حتّى أنّه طرد بعض القوّاد من الجيش ، أمّا والده السّلطان عوض .. فلم يعلم بما جرى إلّا بعد مدّة ، ولمّا رجع السّلطان عوض إلى الهند .. كان ابنه غالب والوزير السيد حسين بن حامد يدبّرون لضرب أهل حجر ، فكان غالب يذهب إلى ميفع ويزعج أهلها ، ويرهبهم ويرجفهم ، فلمّا استمرّ عليهم هذا الحال .. ضاقوا ، ورغبوا في الصّلح ، فتوسّط السّادة آل العطّاس.

قال السّيّد علويّ : طلع شيخنا ـ يعني الإمام أحمد بن حسن العطّاس ـ ومن معه من كبار آل العطّاس ، وكاتبوا بوادي نوّح ، فأقبلوا في عدد منهم إلى المكلّا ، وتمّ الصّلح على سلامة أنفسهم وأموالهم ومنازلهم ، وكان ذلك سنة (١٣٢٩ ه‍) اه

١٠٠